Skip to main content

Full text of "lis_tar34"

See other formats













التاريخ 1١‏ 
المجلد الثالث 
مقاربات في الحقل السياسي العربي 

(فلسطين والحركات الاجتماعية) 





المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات 
5لنت5 بإعنامط ع اععدعوع؟ ممع معممع0 طوعم 


التاريخ الشفوي 
المجلد الثالث 
مقاريات 4 الحقل السياسي العربي 
(فلسطين والحركات الاجتماعية) 


التاريخ الشفوي 
المجلد الثالث 


مقاريات #ة الحقل السياسي العربي 
(فلسطين والحركاتالاجتماعية) 


بيان نويهض الحوت 
جيهان أبوزيد 
حسن حسين عياش 
حسينالياس 
روزماري صايغ 
ساحرة بلييلئلة 
ساري حتقي 


طوتي جورج عطا الله 
عبناد يحيى 
عبدالرحيم غائنم 
عزالدين جسوس 
عمردحم اتي 
فتحي ثيسسير 


إعداد وتئسيق 


قاس هالحادك 
محمد سعدي 
محمد سمير الخطيب 
محمد عفيفي 
محموالديك 
محم وود زيان 
ياسرأحمد قدورة 


وجيه كوثراني - مارلين نصر 





١ أكز‎ 


المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات 
65ألنت5 بعناه2 6 اعهعوعه عم) ععممع0 اوم 


الفهرسة في أثناء النشر - إعداد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسسات 
التاريخ الشفوي: المفهوم والمنهج وحقول البحث في المجال العربي/ إبراهيم القادري بوتشيش ... [وآخ.]؛ 

إعداد وتنسيق وجيه كوثراني» مارلين نصر. 

3 مج.: ايض .» خرائط» جداول؟ 24 سم. 

محتويات: مج. 1.مقاربات في المفاهيم والمنهج والخبرات؛ مج.2. مقاربات في الحقل الاجتماعي - 

الأنثروبولوجي. مج. 3. مقاريات في الحقل السياسي العربي (فلسطين والحركات الاجتماعية) 

يشتمل على إرجاعات ببليوغرافية وفهرس عام. 

151811 978-614-445-047-5 

1. التأريخ الشفهي - البلدان العربية - مؤتمرات وندوات. 2. التأريخ - الجوانب الاجتماعية - البلدان 
العربية - مؤتمرات وندوات. 3. التاريخ - مصادر - مؤتمرات وندوات. 4. التأريخ - البلدان العربية -_ 
مؤتمرات وندوات. 5. الاجتماع التاريخي» علم - مؤتمرات وندوات. 6. التراث العربي - مصادر - مؤتمرات 
وندوات. أ. بوتشيشء إبراهيم القادري. ب. كوثراني» وجيه. ج. نصر» مارلين. د. المؤتمر السنوي للتاريخ 
«التاريخ الشفوي: المفهوم والمنهج وحقول البحث في المجال العربي» (1: 2014: لبنان). 
27 90.209 

العنوان بالإنكليزية 
ناكل لهة0) 
3 عتسساولا 


لقعءنالاه2 طهعم عطا هذ معطعمقمممم4 
(تاسمعتددء 35109 لم50 عط لسه عسناععلوط) 


ك0 انك عآجرةا أ نالا نر 


الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعيّر بالضرورة عن 
اتجاهات يتبناها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 


الناث 

عير 

م 0 .1 . 
- “| المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات 
إلى قوأمنه5 برعناه ع للعمممعة عه] عمعموع طومم 


شارع رقم: 826 منطقة 66 

المنطقة الدبلوماسية الدفئة» ص. ب: 10277 الدوحة قطر 
هاتئف: 441997277 00974 فاكس: 44831651 00974 
جادة الجنرال فؤاد شهاب شارع سليم تقلا بناية الصيفي 174 
ص. ب: 114965 رياض الصلح بيروت 2180 1107 لبنان 
هاتئف: 8 1991837 1 قاكس: 9 00261656 

البريد الإلكتروني: هذه.عادهطتاكمتقط00©)ع0 15 ماصاعط 

الموقع الإلكتروني: وده.عانهتاكسنمط00. بريه 


© حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز 
الطيعة الأولى 


بيروت» تموز/ يوليو 2015 


قائمة الجداول والأشكال والخرائط 90 
المساهمون ا و م جا ل ور الس ل العو لفو ل اا ا م ا ا 11 
مقدمة: التاريخ الشفوي: المسوغ الإبيستيمولوجي ...ل واجيه كوثراني 17 


القسم الأول 


ثورات وشهادات من تواريخ غير مكتوبة 


الورقة الأولى: نساء بين ثورتين: 


من حكايات نساء التحرير و ا 0 جيهان أبوزيد 25 
الورقة الثانية: تدوين ذاكرة الثورة المصرية: 
5 يثاير مسرحيا 311010 محمد سمير الخطيب 55 


الورقة الثالثة: الشعر الشفوي والمقاومة النسائية فى المغرب 
(معركة بوكافر أنموذجًا) معي سه ماربا قاسم اليحادة 83 
الورقة الرابعة: هيئة الإنصاف والمصالحة والتاريخ الشفوي 
في المغرب: أنموذج شهادات النساء 
ضحايا سنوات الرصاص ...0.020.000 معجمل سعدي 113 


الورقة الخامسة: الإخوان المسلمون: سياسات الفجوة الجيلية 


في حقبة ما بعد الثورة 1 2111111ظظ2 ضحى سمير مصطفى 149 
الورقة السادسة: إشكالية التاريخ الشفوي وبناء الذاكرة في المجتمعات التعددية: 
الخبرة اللبنانية (5 197 - 2013)....... طوني جورج عطا الله 187 


الورقة السابعة: معًا في الهمّ العام: 
أصوات قبطية قبل 25 يناير ...0.00 معحملك عفيفى 219 
فى المغرب (مدينة الجديدة أنموذجًا) ....... عنز الدين جسّوس 231 
الورقة التاسعة: واقع ثورة التحرير الجزائرية (1954 -1962) 
وحوادثها (دراسة ميدانية من خلال شهادات 
معتقلى «دار الجنرال») ...................عمر جمال الدين دحمانى 249 
في كتابة تاريخ الزمن الراهن: 


شهادات فاعلين فى الثورة التونسية ا مس277 
الورقة الحادية عشرة: شهادات من التاريخ 
الشفوي الليبي محمود أحمد الديك 299 


الورقة الثانية عشرة: ذكريات ماضي الأمة وسردياته: روايات مهاجري منتتصف 
القرن العشرين من كيرالا إلى الخليج ...........حسين الياس 323 


القسم الثاني 


الورقة الثالئة عشرة: التاريخ الشفوي الفلسطيني: 
ذاكرة شعبية أم مصدر تاريخي؟ ........ بيان نويهض الحوت 357 


6 


الورقة الرابعة عشرة: القضية الفلسطيئية: 
التاريخ الشفوي والأزمة والدولة 00 روزماري صايغ 385 


الورقة الخامسة عشرة: حيفا ولاجئوها: 
ما يُتذّكّر وما يُنْسَى وما ببَكدّمُ عَلَيه ............ساري حنفي 401 


الورقة السادسة عشرة: الحال العامة في قرية بيت نتّيف قبل النكبة 


اعتمادًا على التاريخ الشفوي ...خسن -حسين عياش 427 

الورقة السابعة عشرة: اختراق الجُدّر: الحرب غير المرئية ............ ساحرة بليبلة 1 45 
الورقة الثامنة عشرة: التاريخ الشفوي والتهميش المركب: 

الفلاحة الفلسطينية ورواية النكبة ...باد يحبى 477 


الورقة التاسعة عشرة: أهمية الرواية الشفوية في توثيق تهجير 


الفلسطينيين في عام 1948 


(قرى قضاء طولكرم: دراسة حالة) 5 عبد الرحيم غانم 507 
الورقة العشرون: مجزرة الصغصاف كما رواها الناجون 
9 تشرين الثانى/ نوفمبر 1948 .-...محمود زيدان 539 
الورقة الحادية والعشرون: التاريخ الشفوي وعلم الأنساب للحفاظ 
على جذور العائلة الفلسطينية ............... يأسر قدورة 561 
فهرس عام 0010107 


قائمة الجداول والأشكال والخرائط 


الجداول 

(1-9): برنامج بطاقة شهادة شفوية ا 2 
(2-9): مميزات الشهادة الشفوية ارق او قد لا الاو 
(3-9): كيفية ممارسة الشهادة الشفوية ا 
(4-9): برنامج الزيارة إلى معتقل دار الجنرال؟ 0 
(5-9): رمزية سجن #دار الجنرال6 ا ل ا و 
(6-9): أهم الوقائع داخل معتقل «دار الجنرال؛ ووب جه 
(7-9): أهم المراكز التابعة لمعتقل دار الجنرال» ب ا 


(1-20): مساحة أراضي قرية الصفصاف (يحسب إحصاء عام 1945) 


الأشكال 

(1-5): وحدات جيلية مختلفة داخل الإخوان المسلمين 5210 
(1-17): الأنموذج المتوقع للرسم البياني الترابطي 0000 
(2-17): تدفق مفاهيمي بحثي للتقصّي والمنهجية وتبعات التخطيط ... 


9 


وموووووويم 


ومووءووومء 


مممموورووة 


لمممموفووة 


ومممءمءمنة 


ووومقممميه 


ووموويمويميه 


ومعووو موقو 


الخرائط 
(1-16): موقع قرية بيت نتيف ب00 0 [ز 1[ 101 


(1-17): موقع المباني المتضررة في عام 2002 
كما وثّقتها بلدية نابلس» وحدة التأهيل» 2010 يا ب 


(1-20): موقع قرية الصفصاف في الشمال الفلسطيني ا 
(2-20): خريطة تفصيلية لقرية الصفصاف #مااجاضطا ان ونوا 


10 


المساهمون 


بيان نويهض الحوت 

أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية (2001-1979)» متخصصة 
بالقضية الفلسطينية. صدر لها: قراءة نقدية ل «اتفاقية جنيف»؛ القدس بلا 
سيادة ولا هوية؛ صبرا وشاتيلا: أيلول 1982؛ فلسطين: القضية - الشعب - 
الحضارة؛ التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين 1917؛ 
القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين (1948-1917). 
جيهان أبو زيد 

مديرة تحرير سلسلة (المكتبة السياسية4 الصادرة عن الهيئة العامة 
للكتاب فى مصر (وزارة الثقافة). أمضت خمسة وعشرين عامًا باحثة ومدربة 
في قضايا النوع الاجتماعي» ومُؤْسِسَة جمعية إقليمية حديثة تُعنى بالتاريخ 
الشفوي في المنطقة. عملت مع عدد من المنظمات الدولية والإقليمية في 
مشروعات بحثية وتدريبية. صدر لها الكوتا النسائية فى الدول العربية؛ النساء 
في القنوات الفضائية الدينية؛ الأحكام العرفية بين الديني والسياسي. 
حسن حسين عياش 

أستاذ مساعد في كلية الآداب والعلوم - جامعة فلسطين الأهلية (بيت لحم - 
فلسطين). حائز الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة مؤتة (الأردن). شارك 
في عدد من المؤتمرات المحلية والدولية» ونشر بحوثا في مجلات علمية 
مَحَكْمَة. صدر له: الإدارة في صدر الإسلام. 


11 


حسين الياس 

أستاذ مساعد ومنسّق برنامج دراسات الخليج في المركز الثقافي 
الهندي - العربى فى الجامعة الملية الإسلامية في نيودلهىي» الهند. حاز 
الدكتوراه فى الدراسات الشرق الأوسطية من يل الدراسات الدولية فى 
جامطة مخز اس ذل توه لبود له نو فتن اعتمانناته التق (الخلذفات 
التاريخية بين الهند ودول الخليج؛ الهجرة الحضرمية في ساحل مالابار؛ 
السينما والثقافة الشعبية في غرب أآسيا؛ المجتمع والثقافة في دول الخليج؛ 
المسلمون ووسائل الإعلام الجديدة. 


روزماري صايغ 

مؤرخة شفوية وباحثة أنثروبولوجية وأستاذة زائرة في مركز الدراسات 
العرينة والشرق أرضطة ف _السامعة الأميركية فى دروت: صدر لها سات 
الهوية لدى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين» الفلاحو ن الفلسطينيون. 
ساحرة بليبلة 

أستاذة مساعدة في جامعة الإمارات العربية المتحدة في قسم الهندسة 
المعمارية والتخطيط الحضري. عملت باحثة زائرة في جامعة واشنطن (مدينة 
سياتل) حيث نالت الدكتوراه في التخطيط الحضري. ركزت في بحثها على 
التوسع الحضري غير الرسمي والدراسات السلوكية» مع تركيز خاص على 
التبعات السلوكية للنزاعات السياسية والعسكرية على المجتمعات المحلية 
والبيئات الحضرية. 


ساري حنفي 

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت (دائرة العلوم 
الاجتماعية) ورئيس تحرير المجلة العربية لعلم الاجتماع «إضافات6. عضو 
المكتب التنفيذي للجمعية الدولية لعلم الاجتماع وعضو مجلس أمناء المجلس 
العربي للعلوم الاجتماعية. 


ضحى سمير مصطفى 
مدرّسة مساعدة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. 
متتخصصة بالنظم السياسية المقارنةء صدر لها مقاوط +امنووط ذ كبء نم2 :امبف 


دوه أمدماام نع 06 ز0. 


طوني جورج عطا الله 

أستاذ جامعي متفرّغ في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في 
الجامعة اللبنانية. باحث ومنسق برامج في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي 
الدائم» وناشط اجتماعي في عدد من الجمعيات والمؤسسات الشبابية الأهلية 
والحكومية. صدر له نزاعات الداخل وحروب الخارج: بناء ثقافة المناعة في 
المجتمع اللبناني (22007-1975)؛ التضامن الوزاري: دراسة حالة في النزاع 
والتسوية في الأنظمة الائتلافية. 


عبّاد يحبى 


روائي وكاتب في الشؤون الثقافية والأدبية» حائز الماجستير في علم 
الاجتماع من جامعة بيرزيت. يعمل باحًا في المركز العربي للأبحاث ودراسة 
السياسات. 


عبد الرحيم غانم 


حائز الدكتوراه في التاريخ» أستاذ مساعد للدراسات التاريخية في 
جامعة القدس المفتوحة - كلية التربية» عمل باحنًا ومدرسًا في جامعة 
بيرزيت. شارك في المؤتمرات المحلية والدولية المتعلقة بالقضية والتاريخ 
الفلسطيني المعاصر. صدر له من الكتب عن القرى الفلسطينية المهجرة 
والمدمرة: قرية طيرة حيفا وقرية قاقون وقرية رمل زيتاء وله كتاب تذكرات 


© > 


13 


عز الدين جسوس 

أستاذ باحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة (المغرب). 
عضو عدد من الهيئات العلمية. له بحوث ومشاركات عدة منشورة في مجللات 
ومؤتمرات وطنية ودولية. 
عمر دحمانى 

متخصص بتاريخ الجزائر الحديث والمعاصرء. مرشح الدكتوراه في 
موضوع «الشهادة الشغفوية المحلية وكتابة التاريخ بمنطقة سيدي بلعباس - 
إحصاء ودراسة». 

أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية» له عدد من الأعمال المنشورة 
بين تأليف وترجمة ومقالات بالعربية والفرنسية. صدر له معجم الثورة التونسية» 
تاريخ الزمن الراهن؛ عندما يطرق المؤرخ باب الحاضر. 

باحث في تاريخ المغرب المعاصر. حائز الدكتوراه في التاريخ الحديث 
والمعاصر من كلية الآداب سايس (فاس). له مشاركات عدة في ندوات وطنية 
ومقالات منشورة في مجلات وطنية ودولية. 
موحمد سعدي 

أستاذ مشارك يدرّس العلوم السياسية وحقوق الإنسان والقانون الدولي 
الإنساني في جامعة محمد الأول (المغرب). عضو في هيئات أكاديمية وحقوقية 
وطئية ودولية عدة. نشر عدد من الدراسات والكتب عن حقوق الإنسان والعدالة 
الانتقالية وحوار الثقافات والقضايا الراهنة للعلاقات الدولية. 


14 


محمد سمير الخطيب 


محاضر جامعي في جامعة عين شمس وأكاديمية الفنون في مصرء عضو 
المصري التابع للمعهد العالمي للمسرح. له عدد من الدراسات النقدية التي 
نشوت فى يعض الدوريات التصكمة والصددك المصرية والعريية: 


أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر. رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب - 


جامعة القاهرة. متخصص بالتاريخ الاجتماعي والسياسي لمصر الحديثة 
والمعاصرة. له عدد من المؤلفات في التاريخ المصري الحديث والمعاصر. 


محمود الديك 


أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة طرابلس» رئس شعبة الرواية 
الشفوية في المركز الوطني للدراسات التاريخية بين عامي 2003 و2011» 
حائز الدكتوراه من جامعة أكس -أون - بروفنس - فرنسا في تاريخ علاقات 
البحر المتوسط. له عدد من البيحوث والدراسات وشارك فى مؤتمرات علمية 
محلية ودولية عدة. ْ 


محمود زيدان 

فلسطيني من مواليد مخيم عين الحلوة للاجثين الفلسطينيين في لبنان. 
درس الأدب الإنكليزي في الجامعة اللبنانية وتابع دراسته العليا في مجال 
حقوق الإنسان والديمقراطية في جامعة مالطا. شارك مع ديانا ألان في إنشاء 
(أرشيف التكبة؛ - مشروع التاريخ الشفوي: توثيق روايات التكبة كما رواها 
الجيل الأول من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ناشط في الدفاع عن حقوق 
الإنسان» وحقى العودة للاجئين الفلسطينيين. وهو عضو مؤسس لمنظمة وعين 
على لبنان؛ وعضو مركز حقوق اللاجئين - عائدون. 


15 


ياسر أحمد قدورة 

حائز بكالوريوس في العلوم قسم الرياضيات ودبلوم في التربية من 
الجامعة الأميركية في بيروت. عمل في قطاع التعليم 5 عامًا في لبنان ودولة 
الإمارات العربية. يدير المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية 
(هوية) منذ عام 2011. 


16 


التاريخ غخالشفوي: المسوغ ال +بيستيمو لوجي 
وجيه كوثراني 


ينطلق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في هذا المشروع 
من ثابتة من ثوابت أهدافه: تعزيز البحث في مجالات العلوم الاجتماعية 
والإنسانية» ذ فى النظريةً) مان لتطبيق» في المفاهيم كما في الأعمال 0 
والحقلية. وما كان التارككل ” - كعلم وحقل بحث - أنا وجسرًا تقوم عليه 
وتعبر معالجات علوم الإ: و والمجتمع» اتسع حقله العام وضم حقولا 
فرعية استعارت عتاوينها مرااث شت علوم#الإنسان والمجتمع» إلى درجة يصل 
معها بياجيه (عالم نفس) إلى إطلاق مشطلح «العلوم التاريخية؛ على كل 
علم ينتظم حقله وموضوعه في الامتداد )لضي الزمن التاريخي؛ لذا 
امتدت إبيستيمولوجية هذه م وحملت في علد إن الأكاديميات تسميات 
لاختصاصات فرعيةء لا تستغنى عن المعرفة الأريفية كخلفيات مفسرة 
للظواهر أو منهج مساعد أو جسر عبور بين حقل معرفي وآخرء مثل علم 
الاجتماع التاريخي أو التاريخ الاجتماعي أو الأنثرويولوجيا التاريخية أو عدد 
من عناوين الموضوعات التي تطرق إليها ما يسمى «التاريخ الجديد؛ وتاريخ 
الأفكار والعقليات» مثل تاريخ الحب والموت والعواطفء وتاريخ السجن 
والعيادة والمرضء والبيئة والمناخ ... وإذا كانت حقول التاريخ قد اتسعت إلى 
ما لا نهاية له من نشاط الإنسان» فكان لا بد لمنهجيته وطرائقه من أن تواكب 
هذه الحقول وتستجيب لمتطلباتها المعرفية. 








17 


نشأ علم التاريخ في الغرب في مسار النشأة العامة للعلوم الوضعية؛ أوّلها 
العلوم الطبيعية» وعلى قاعدتها وبالتمائل معها نشأت علوم الإنسان والمجتمع 
وتطوّرت. وكما كانت المادة الطبيعية عنصر الاختبار والتجريب في الفيزياء أو 
الكيمياء أو البيولوجياء شكلت الوثيقة المكتوبة هنا عنصر الاختبار» لاستخلاص 
المعلومات المفردة والبئاء التاريخي عليها. 


على أن القفزات المعرفية لاحمًا والناتجة بدورها مما سمّته إبيستيمولوجيا 
العلوم «المآزق والعوائق المعرفية» التي يصطدم بها التفكير القديم أو السائده 
أسفرت عن نماذج جديدة وبالتالي عن طرائق جديدة؛ فبعد أن بانت محدودية 
الانفصال بين العلوم وظهرت سلبياتهاء ما عادت الوثيقة المكتوبة - وإن 
خضعت للنقد أو التفسير أو التأويل - أداةً وحيدة لاستخراج المعلومات 
والبناء عليها؛ إذ اتسعت المصادر مع أعمال التاريخ الجديد» بدءًا من ثلاثينيات 
القرن الماضي وأربعينياته» لتشمل الصورة والرسم وأي تعبير فني» بل أي تعبير 
إنساني آخرء وفي طليعته التعبير الشفوي (أي الشهادة الشفوية). 

نستدرك لنقول إن الشفوية باعتبارها طريقة في نقل الأخبار ليست جديدة» 
بل هي الطريقة الأولى والعفوية في النقل» ومن خلالها بدأ التدوين التاريخي في 
الحضارات المكتوبة كلهاء ومن بينها الحضارة العربية الإسلامية. ونضيف إلى 
هذه الحقيقة البديهية أن الجديد في اعتماد الشفوية مصدرًا في الكتابة التاريخية 
العلمية الحديئة والمعاصرة يكمن في مستجدات ذهنية وفكرية ومعرفية» وفي 
استحقاقات حقوقية وسياسية وإنسانية أدركها وعي إنساني جديد بالتاريخ وبمعنى 
التاريخ» يل أدركتها استعدادات معرفية جديدة تبحث في ما يختزنه الإنسان من 
عواطف وذاكرة وقدرات» وكذلك في احتمالات عزل أو طمس أو إلغاء أو نسيان. 


ثمة دوائر كثيرة قد لا ينطق بها المكتوب: 
- الذاكرة المقموعة أو المكبوتة على أنواعها الفردية والجماعية. 
- ذاكرة مناضلين ومقاومين طواهم النسيان. 


18 


- ذاكرة معذّبين ومستضعفين في حروب أهلية أو حروب استعمارية أو 
فترات اضطهاد. 

- ذاكرة مهمّشين في سجون أو منفيات أو معتقلات أو مصححات ومشاف. 

- ذاكرة شعوب تروي تاريخها شفويًا وليس لديها تاريخ مكتوب. 

ذا الذاكرة بمفهومها الجديد المعمّدء وبما هي كينونة أو حالة بيولوجية 
وسيكولوجية واجتماعية وتاريخية» هي بيت القصيد في هذا التاريخ الجديد 
الذي م سمي قطاع منه «التاريخ الشفوي". 


هل يمثل هذا كله ف 0 وطق هذه التسمية؟ 00 
لع ا الشفوي»ة؟ 


اردان عي لمر إلى هذا المؤتمر نصًا شاملا ومخة مختصرًا يشرح 
بإيجاز تاريخية ما نُسمّيه «تاريحًا شفويًاك» ويذكر مبرراته وحقوله وموضوعاته 
وانعكس هذا إيجابًا في الأوراق التي استقبلتها اللجنة العلمية واعتمدت 
بعضها في هذا المؤتمر» غير أن كلمة مضافةً لا بد منها لمحاولة التعاطيء 
ولا أقول الإجابة عن السؤال السابق: مدى مشروعية تاريخ شفوي من زاوية 
إبيستيمولوجية ومنهجية وواقعية؟ سؤال يظل مدعاة لنقاش» وأثاره عدد من 
الأوراق المقدمة في هذا المؤتمر 
هل الشهادة الشفوية التي تعبّر في مضمونها عن ذاكرة ما قادرة على أن 
تنقل» بأمانةه ما يجري تذكّره فعلا؟ وهل الطريق سالكة بين الذاكرة التي تغلب 
عليها العاطفة والانفعال» والتذكر الذي هو بحث عقلاني إرادي عن صور 
ماضية؟ وهو تمبيز تنيّه إليه أرسطو منذ زمن. يسهب بول ريكور في البحث 
عن وعورة هذه الطريق القائمة بين الذاكرة والتذكر في كتابه التاريخ والذاكرة 
والنسيان» فيرسم أمامنا مشهدًا صعبًا ومعقّدًا في رحلة : تحوّل الذاكرة إلى تاريخ 
وتحوّل التاريخ إلى علم مصحح لانحرافات الذاكرة. يتحدث بول ريكور عن 


19 


التاريخ كعلم أداته التحقيق والكتابة؛ وبعد أن استفاد هذا العلم من شتى العلوم 
الإنسانية الوصفية والنقدية والإثنولوجيا والألسنية والتحليل النفسي» فكيف 
حالنا ونحن نقول اليوم بالتاريخ الشفوي وندعو إليه أي التاريخ المعتمد بشكل 
أساس أو كليًا على الشهادات الشفوية التي هي التعبير عن حال التذكر لصور 
الذاكرة المعرضة - كما يقول ريكور - للاستعمال وسوء الاستعمال. 


أكتفي هنا ببعض الإشارات المنبّهة إلى انحرافات ممكنة ومحتملة 
للذاكرة» فتحت عنوان «الذاكرة المتلاعب بهاةء يكتب ريكور: «إن قلب 
المشكلة (أي أساسها) هو في تعبئة الذاكرة من أجل خدمة السعي إلى الهوية أو 
ظلبهًا أو العطالية نهاء وبح من ذلك التحزاقاتة لعرف تعفن أغراضتها المقلقة: 
الإفراط فى الذاكرة (فى مكان ...) .. فهناك بالتالي عنمليات سوء استعمال 
ارا ل ل 6 وهناك نقص في الذاكرة 
(فى مكان آخر)»ء وبالتالى هناك سوء استعمال للنسيان»؛ مثل سوء استعمال 
السيان أن نالة فلسطين اليب فن. ذلك :فى رأ تروكووت #ققاقة 
الذاكرة المتلاتب بها فى إشكالية الهوية. هذه الهشاشة تضاف إلى الهشاشة 
المعرفية الناتجة من القرابة القائمة بين الخيال والذاكرة» ولا سيما عبر رابط 
الشهادة الشفوية6. 

يُذكر في هذا السياق ثلاثة أسباب لهشاشة الهوية القائمة على الذاكرة: 

- العلاقة الصعبة مع الزمان. وهذه صعوبة أوَّلية تبرر بالضبط اللجوء إلى 
الذاكرة» بما هي عنصر مكوّن زمني للهوية على صلة بتقدير الحاضر وإسقاطه 
على الماضي. . ْ 

- مواجهة الغير الذي نشعر به كتهديد. 

- إرث العنف المؤسس لمجد أو لمذلةٍ (...) والحوادث تعني لبعض 
المجد. وتعني لبعض آخر المذلة. 

مهما يكن الأمرء فإن اعتبارات عدة دعت المركز العربي للأبحاث ودراسة 
السياسات إلى اعتماد صيغة الدعوة إلى هذا المؤتمرء وانعقاده في بيروت: 


20 


- المساهمة في سد ثغرة على صعيد الممارسة التأريخية العربية» وهي أن 
يكون للشهادة الشفوية» بما هي تعبير مباشر عن ذاكرات لم يقدّر لها أن تنتقل 
إلى مرحلة الكتابة» فرصة تحوّلها إلى تاريخ» وفي أضعف الإيمان إلى أرشيف 
وإصدارات. 


- صحيح أن عددًا من البلدان العربية» ومن بينها فلسطين وليبيا وتونس 
والمغرب والسودان (وربما غيرها أيضًا)» أضحى لديه تجارب وخبرات فى 
هذا المجالء إلا أن لبنان للأسف. على الرغم من حاجته المائنة إلى هذاه بيع 
معايشته حرويًا أهلية دائمة ودورية» ومن أجل نسيان ذاكرات هذه الحروب 
أو تحريفهاء يعانى نقصًا معرفيًا وضعمًا مؤسسيًا فى هذا المجال. ولعل هذا 
المؤتمر تذكير لمؤرة وباحثيه وجامعاته وأقسام التاريخ فيها بتطوير هذا 
الجانب وتعزيزه. 

- اعتبار ثالث هو أن الانفجار العربي الكبير الذي اشتعل» بعد الثورة 
التونسية» وسواء سمّينا هذا الانفجار ربيعًا عربيًا أو عصر ثورات أو انتفاضات 
أو فوضىء فإنه يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة» وجدّتها لا تقوم على 
ما سيتمخض عنه لاحقًا فحسبء بل أيضًا على ما يكشفه وسيكشفه من ذاكرات 
مطموسة ومقموعة ومكبوتة. 

لا أدذّعى من وراء هذه المقدمة - أو الافتتاحية - تقديمًا وافيًا للبحوث التى 
عنمها بوتامع المؤتز الذي تسمل شيفة وأرينين يبوك مصكهاء فهذه البيحوث 
تحمل في متنها محاولات إجابة عن الكثير الكثير من الإشكاليات التي يطرحها 
مجال العلاقة بين الذاكرة والتذكر عبر رابط الشهادة الشفوية التي نراهن على 
تحويلها «تاريخًاه في حقول عدة من الموضوعات التي لحظها برنامج المؤتمر. 

في هذا المجلّد الثالث من كتاب التاربخ الشفويء عشرون ورقة بحثية» 
وزعت على قسمين: القسم الأول يتناول بالبحث والدرس شهادات نساء في 


(©) وزعت في ثلاثة مجلدات. 


21 


ثورات ومحن وسجون في كل من مصر والمغرب» وإشكاليات العلاقة بين 
الذاكرة والتاريخ عندما يُعبر عن هذه العلاقة شفويًا في تجارب وخبرات معيشة: 
فى سياسات الفجوة الجيلية عند الإخوان المسلمين» فى تجربة الحرب الأهلية 
في لبنان» في أصوات قبطية قبل 25 يناير» في شهادات من التاريخ الشفوي 
المغربي والجزائري والليبي والتونسي» وكل هذا مشفوعا بتنبيه منهجي: محاذير 
توظيف المصدر الشفوي في كتابة التاريخ. 


أما القسم الثاني» فخصص لفلسطين كذاكرة وتاريخ» ذاكرة شعبية أم 
مصدر تاريخي؟ وأين هو التاريخ الفلسطيني؟ هل يصحح التاريخ الشفوي أزمة 
الكتابة التاريخية الفلسطينية؟ تذهب أوراق هذا القسم إلى مزيد من الدخول في 
التفصيلات: تفصيلات القرى والمدن: حيفا ولاجثوهاء قرية بيت نتّيف. اختراق 
البيوت عبر اختراق الجدرء الفلاحة الفلسطينية» التهجير القسري في قرى قضاء 
طولكرم؛ مجزرة الصفصافء العائلة الفلسطينية وعلم الأنساب. 

مع هذا المجلّد الثالث من أعمال المؤتمر السنوي الأول للدراسات 
التاريخية شباط/ فبراير 2014 الذي انعقد فى بيروت. لبنان» تستكمل مباحث 
هذا المؤتمر بمحاوره الثلاثة: 

1 - مقاربات في المفاهيم والمنهج والخبرات (المجلد الأول). 

2- مقاربات في الحقل الاجتماعي - الأنثروبولوجي (المجلد الثاني). 


3 - مقاربات في الحقل السياسي العربي (فلسطين والحركات الاجتماعية) 
(المجلد الثالث). 


بيروت 2014/2/21 


22 


القسم الأول 


ثورات وشهادات من تواريخ غير مكتوبة 


الورقة الأولى 


نساء بين دُورتين: من حكايات نساء التحرير 
جيهان أبو زيد 


و 


مقدمة 

تعددت الدراسات والمقالات التي صدرت عقب اندلاع ثورة يتاير 
1» وحظيت مشاركة النساء فيها باهتمام غير مسبوق مقارنة بما نالته في 
الثورات والانتفاضات التي اندلعت في القرن الماضيء وعلى الرغم من ذلك 
فإن المرأة الإنسانة الفرد الواعي الحر الذي شارك بمحض إرادته وتحدى 
الكثير مما حمّلته إيَاه الثقافة» لم تنلّ اهتمامًا يرقى إلى المباردة الاستئنائية 
التى أنجزت فى ظرف تعانى فيه حقوق النساء الإغراق العمدء وتعانى النساء 
الاستبعاد والتهميش. تحاول هذه الدراسة أن تلقى الضوء على المرأة الإنسانة 
المشاركة في الثورة» على المواطنة المصرية التي طالما مجرت لها الضفوافت 
الأخيرة في طابور المواطنة» فإذا بها في الميدان تقفز إلى الصف الأول بثبات 
وحسمء تتحدى وتتمرد وتخطو أميالا نحو التحرر. 

تقترب الدراسة من النساء عبر لقاءات معمقة مع متظاهرات من أعمار 
متنوعة أمضين الثمانية عشر يومًا التي سبقت تنحي الرئيس السابق محمد 
حسني مبارك في ميدان التحرير» ساعية إلى فهم دوافع النساء إلى المشاركة 
في الارتباط بتراثئهن الخاصء ولا تؤرخ الدراسة يوميات أو مهمات النساء في 
ميدان التحرير» بل تنزعٌ إلى فهم ذلك التداخل بين الخاص والعام» الشخصي 


25 


والوطنيء الأنثى والمواطنة» وبين الأدوار التي فرضت عليهن والدور الذي 
اندفعن إليه على الرغم من التحديات التي بلغت حد إهراق الدماء والموت. 


تزامن صعود الوعي النسوي في مصر في نهاية القرن التاسع عشر مع 
حراك سياسي واقتصادي واجتماعي في إثر سعي دولة محمد علي إلى تحديث 
مصرء وفي إثر دخول الإنكليز مصر في عام 1882 وتنامي الحركات الوطنية 
المناهضة للاحتلال التي حصلت على دعم المصريين في الريف والحضر. في 
تلك الأجواء علت بعض الأصوات النسائية للتعبير عن مواقفها عبر نشر النثر 
والشعر والمقالة. وظهر عدد من النصوص الرائدة التي أنتجتها نساء على مدى 
خمسة عشر عامًا قبل الجدل المنسوب إلى قاسم أمين في شأن قضية المرأة» 
ومن بين تلك النصوص» نشرت مريم النحاس في عام 9 نص معرضص 
الحسناء في تراجم مشاهير النساء؛ وفي عام 7 نشرت عائشة التيمورية 
نتائج الحوال في القوال والفعال؟؛ وفي عام 03 ظ1 نشرت زينب فواز قصتها 
سن العواقب, ونشرت في العام التالي معجمًا عن سير النساء وإنجازاتهن 
بعنوان الدر المنثور في طبقات ربات الخدور”". 


إن يكن حضور نساء النخبة بدأ عبر إشهار الجمعيات الخيرية وتكوينهاء 
فقد برزت النساء في شرائح المجتمع الأخرى في المحطات الثورية في تاريخ 
مصر حتى قبل أن تظهر نساء النخبة؛ ففي أثناء الحملة الفرنسية سجلت نساء 
الإسكندرية تاريخًا نضاليًا في التصدي للغزاة» وعندما اتجهت الحملة إلى 
رشيدء قاتلت النساء هناك حتى إن فتاة رشيدية واحدة قتلت خمسة عشر جنديًا 
وألقت جنثهم في بثر في منزلهاء حيث كانت تخرج لاستدراجهم ثم قتلهم 
في بيتهاء وأعدمها الفرنسيون لتصبح أول شهيدة في تاريخ المقاومة المصرية 
الحديئة وتصبح خسائر المصريين في هذه المعركة ثلاثمئة رجل وامرأة. 
وحينما احتشد أهالي الإسكندرية للدفاع عن مديتتهم» اضطر نابليون إلى دخول 


(1) هالة شكر الله [وآخ.]؛ المرأة في المنظمات الأهلية: حالة مصر «(القاهرة: مركز دراسات 
المرأة الجديدة» 1998)» ص 7. 


26 


المديئة من حارة ضيقة» فأوقفته طلقات رصاص صرّبها عليه رجل وامرأة من 
إحدى النوافذ» فتقدم جنود الحرس وهاجموا المنزل برصاص بنادقهم وقتلوا 
الرجل والمرأة. ولم يقف دور نساء الإسكندرية في الدفاع عن مديتتهم عند 
هذا الحد» فكنّ يجمعن الأواني النحاسية من منازلهن لتستخدم ذخيرة حية 
توزع على المقاومين. أما النساء اللاتي لم تُجدن استخدام البنادق» فكن 
يشاركن في نقل الحجارة إلى الأسوار. وفي القاهرة شاركت المرأة في ثورتي 
القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين بإلقاء القذائف والأوانى على رؤوس 
الأعداء» وحين هبّت ثورة عرابي (1882-1879) ري الإسكتدرية 
تنادت جميع فتيات مصر وبنات الأأسر الكبيرة لجمع التبرعات وأسسن فرقة 
لجمع الضمادات ولوازم الجرحى لإرسالها إلى الأطباء©©. 

تميز حضور نساء النخبة المتعلمة بالاهتمام بالقضايا الوطنية» فضلًا عن 
اهتمامهن بالقضايا النوعية الاستراتيجية مثل تعليم النساء والتحاقهن بسوق العمل. 

في عام 0 أُلَفت اللجنة المركزية للنساء الوفديات واتتّخبت هدى 
شعرواي رئيسة اللجنة المركزية للنساء في حزب الوفد» وفي السادس عشر من 
آذار/ مارس 3 أسس الاتحاد النسائي المصري على أيدي عدد من أعضاء 
اللجنة المركزية للنساء الوفديات في منزل هدى شعراويء من نساء أقباط 
ومسلمات من الطبقات العليا والوسطى» وانقسمت أولويات الاتحاد إلى ثلاثة 
أقسام: سياسية (وطنية أساسًا) واجتماعية ونسوية. وشمل نشاط الاتحاد الدعوة 
إلى إصلاح قانون الأحو ال الشخصية والمطالبة بالمساواة في الأجور وإقرار 
شروط العمل الجيدة والحق في التعليم والاقتراع©. 


(2) أمينة يوسف. «المصريات الثائرات. علامات على طريق الحرية» الأهرام الرقمي (نيسان/ 

أبريل 2011). ,<532102810-3212-أدنت205مكة.كعاء تامةعء. هده صسدعطة. لعائعذل//جقط> 
(3) مركز دراسات المرأة الجديدة» «نضالات المرأة المصرية عشية انطلاق حديث التغيير: 

مئة عام من الارتباط بالقضية الوطنية: «الملامح والحصاد».» في: [ملف: من زاوية أخرى: المرأة 
المصرية... أسئلة الجسد والثقافة والسياسة]ء مجلة البوصلة» العدد 4 (تموز/يوليو 2007). 
.<271حوت/هده. قاعمتااء// جقاط> 


27 


من ناحية أخرىء لم تتردد النساء المصريات اللواتي لم ينلن نصيبهن 
من التعليم وكن الأغلبية الأعم في ذلك الوقت» في دعم حركة نساء النخبة 
ومساندتهاء برسالة تلو الأخرى؛ ففي يوم الأحد 16 آذار/ مارس انطلقت تظاهرة 
لمجموعة من نساء النخبة ججبِنَ شوارع القاهرة يهتفن بالحرية والاستقلال 
ويسقوط الحماية البريطانية على مصر. وأيدتهن فى تلك اللحظات ربات البيوت 
من النوافذ بالزغاريد والهتاف». وكانت أصواتهن المشاركة الوحيدة الممكئة 
لنساء قدت حركتهن ورسمت حدودهاء فانتزعن حق السيطرة على الصوت» 
وكانت مشاركتهن بالهتاف والزغاريد عالية القيمة وعميقة المحتوى على العكس 
مما تبدو. أما ثلاثينيات القرن العشرين فشهدت توسدًا ملحوظا في أجندة 
النضال النسائي لتشمل مطالب تخص كفالة الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية 
والاجتماعية للمرأة في أماكن العمل أو في المجال العام في مجمله. وشهدت 
الأربعينيات أول مرة أشكالا من التعبئة النسائية المتميزة والمستقلة للمطالبة 
بهذه الحقوق. ففى شباط/ فبراير 1946 شاركت رابطة العاملات المصرية فى 
تكوين اللجنة الوطنية للعمال والطلبة مع نقابات وجمعيات أخرى؛ وكانت هذه 
أول منظمة للنساء العاملات في مصر بقيادة حكمت الغزالي» وهي عاملة نسيج 
من شبرا الخيمة. ومن خلال هذه النقابات والجمعيات بدأت النساء من الطبقات 
كلها بتمكين أنفسهن وحماية مصالحهن؛ ومصالح أمتهن أيضًا من خلال التوحد 
في جماعات. وربما نستطيع أن نزعم أن دخول النساء من الطبقات المختلفة إلى 
بيئة العمل ساعد في نشر مبادرات نسائية وتوسيع نطاق منظماتهن على امتداد 
البلاده وعلى دمج الطبقات المختلفة داخل حركات أوسع. وخلال هذه الفترة 
كانت السمة الأساس الوجود القوي للشرائح المتوسطة والدنيا من نساء الطبقة 
الوسطىء بخلاف النمط الذي كان سائدًا في أوائل القرن". 


في عام 1956 ألّفت مجموعة من المصريات أول لجنة نسائية للمقاومة 
الشعبية ضد الاحتلال البريطاني في قتاةٌ السويس» واستشهد بعضهن في أثناء 
(4) مركز دراسات المرأة الجديدة» «نضالات المرأة المصرية». 


28 


عمليات المقاومة الشعبية» أشهرهن أم صابر التى استشهدت في مدينة أبي حماد 
وسيدة بنداري التي استشهدت في التل الكبير*“. وشهدت الخمسينيات خروج 
نساء مصر في مظاهرة تحت قيادة درية شفيق» شارك فيها أكثر من 1500 امرأق 
قمن باقتحام البرلمان المصري للمطالبة بالحقوق السياسية الكاملة وإصلاح 
قوانين الأحوال الشخصية والمساواة في الأجر بين الرجل والمرأة» لكنها كانت 
آخر تظاهرة مستقلة خاصة بمطالب نسائية قبل ثورة يوليو 1952©©. 

بحلول عام 4 اتخذت الحكومة الجديدة إجراءات حاسمة لمصلحة 
تمركز السلطة ومصادرة المبادرات الأهلية» وفي إثره حل الاتحاد النسائي في 
عام 21956 وحل محله التنظيم النسائي في الاتحاد القومي»ء ثم التنظيم النسائي 
في الاتحاد الاشتراكي وهما من التنظيمات التي تشكلت بقرار من السلطة©؛ 
على الرغم من ذلكء» تعتقد غادة تلحمي أن حل الضياط الأحرار الاتحاد 
النسائي المصري كان ينبع من ارتباط الأخير بالطبقات الاجتماعية التي قامت 
الثورة لمواجهتها. 


ارتبطت بداية النظام الجمهوري - الذي أطاح الملكية - إِذا بوضع قيود 
شديدة على حق التنظيم المستقل ومن ضمنها الحركة النسائية المصرية» ومع 
ذلك فإن لم يكن النظام معاديًا لانخراط النساء في المحيط العام أو إعطائهن 
حق المشاركة السياسية - في الحدود التي سمح بها بهذه الحقوق بوجه عام - 
يمكن القول إن النظام قام بترويض المشاركة النسائية لتنسجم مع البرنامج 
السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تبناه» ومع تكوين قيادة نسائية جديدة 
أكثر تأقلمًا مع الرؤى الاجتماعية والاقتصادية للنظام الجديد". 


(5) يوسف. «المصريات الثائرات؟». 

(6) ثناء متير صادقء «الملامح الأساسية للحركة النسائية فى مصر (الجزء الأول):» الفلق» 
,<509 1 حم نتومت. وله 1ه بج دبج ل مصط> 

(2) شكر الله [واخ.]» ص 23. 

(8) المصدر نفسهء» ص 24. 


(9) تعللاعمنمه0ه) أاموظ جز «عجم170 :متاعناط إه «دأامتاالطه84 186 ,تسمطله1 معطكماة عفمنانت 
.5 .م ,(1996 ,1102108 أن ودععط وازوع اندلا 


29 


مع هزيمة 1967 تغير الواقع السياسي وباتت التربة ممهدة لصعود القوى 
الإسلامية التي كانت كامنة في انتظار لحظة انطلاق» ثم حصلت على دعم موفور 
من الرئيس السابق محمد أنور السادات لمواجهة الحركات الطالبية ذات الانتماء 
القومي والاشتراكي وتلك المناصرة لسياسات الرئيس جمال عبد الناصر. وعلى 
الرغم من أن بداية السبعينيات شهدت نهوضًا للحركة الطالبية الوطنية لكن برامج 
الحركة لم تكترث لقضايا النساء ولم تُدرجها في حساباتها. 

على صعيد أوضاع النساء القانونية؛ شهدت السبعينيات بعض التعديلات 
القانونية المنصفة لهنَّ تمكّلت فى قانون الأحوال الشخصية. وإقرار تطبيق الكوتا 
النسائية فى البرلمان عبر تخصيص ثلاثين مقعدًا للنساء» لكن تلك التعديلات 
ما لبثت أن استخدمتها التيارات الدينية والمحافظة ضد النساء بسبب دور جيهان 
السادات في إصدارهاء مُروجين لنخبويتها وفرضها على المجتمع من أعلى. 

في الثمانينيات تفاعلت الجمعيات النسائية المصرية مع تصاعد اهتمام 
منظمات الأمم المتحدة بتحسين أوضاع النساء وإدماجها في برامج التنمية» 
خصوصا فى الدول النامية» وشاركت مئات الناشطات من التيارات النسوية 
المختلفة في فاعليات المؤتمرات الدولية. وعلى الرغم من نمو حركة الجمعيات؛ 
فإنها لم تستطع إيجاد وعي حقيقي لدى القاعدة الأوسع من النساء ولم تساهم في 
بناء حركة نسائية» بل إن بعض الأدبيات يؤكد أنها أدّت إلى تشتت جهد الناشطات 
وإنخلاء الساحة للدولة لإيجاد كيان مواز هو المجلس القومي للمرأة الذي يعتبره 
كثير من المنظمات الدولية الآلية المدافعة عن حقوق النساء في مصر. 


أدى انتشار التعليم في مصر وارتفاع معدلات الفقر بكثير من النساء إلى 
الخروج للعمل واختبار مظاهر التمييز في المجالات كلهاء كما اختبرن البعد 
الأعمق لدونية وضع النساء في المجتمع متمثلًا في استباحة أجسادهن في المجال 
العام وفي التعدي على حقوقهن وتعمّد استبعادهن. تلك الخبرة والممارسة 
الفعلية دفعت بكثير منهن إلى الانضمام إلى صف المطالبات بإنهاء مظاهر التميبز 
ضد النساء وإيجاد نواة لرفض واسع - لم يبلغ حد الشعبي - لمواجهة ثة 
التعدي على النساء. وأتاحت تظاهرات ثورة يناير 2011 اختبار قدرات النساء 


030 


في فساخات جديدة لم يدركنها من قبل» فعززت ثقتهن بأنفسهن. أو في الحد 
الأدنى شكككتٌ في التصورات السائدة عن ضعف الإناث» وخلخلت قناعات 
الكثيرات بالدور الوحيد للنساء. وبعشت ثورة يناير 2011 تساؤلات جوهرية عن 
غياب العنصر النسائي في المجال ا الذي هو مساحة للمواطنين جميعهم» 
نساءٌ ورجالاء فهو محتكر من جنس واحدء لكن هذا الاحتكار ليس إلا انعكاسًا 
لتقسيم آخر يجري في المجال الخاص» لذلك يصعب فهم واقع حضور النساء 
في المجال العام أو غيابهن عنه من دون فهم دينامية العلاقة في المجال الخاص 
الذي يؤسس بفعل تضافر مؤسسات الدولة والأسرة والمؤسسة الدينية. 

استندنا في دراستنا هذه إلى أسلوب التاريخ الشفوي وآلية المقابلات 
المعمقة. وتتجلى أهمية جمع التاريخ الشفوي للنساء في القدرة على كشف 
المساحات العالقة بين الشخصي والسياسي التي يصعب على المنهجيات 
الأخرى استدراكها وتسليط الضوء عليها. فالشهادات الشفوية تكتسب أهمية 
خاصة في دراسة المجموعات المهمشة» وتعتبر من الوسائل القليلة المتاحة 
أمام الفئات المستبعدة للمساهمة في تدوين التاريخ عبر سرده شفويًا'2) كما 
يعكس التاريخ الشفوي في حالة النساء التجارب والمواقف. ويوضح العلاقة 

بين الشخصي والسياسي» ويتحدى الفصل بين الحيزين. وعلاوةً على ذلك.» 
تساهم شهادات النساء في تاريخ الذاكرة الجماعية وتسلط الضوء على أدوار 
الناء0 3 

اعتمدنا في هذه الدراسة على المقابلات المعمقة مع نساء شاركن في 
التظاهرات التي اندلعت في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 
على مدى ثمانية عشر يومًا وحتى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. وعلى الرغم 

(10) لينا ميعاري» نشاط النساء الفلسطينيات الريفيات في فلسطين الانتدابية:» في: كتابات 
نسوية: ما بين القمع وأصوات فلسطيئيّة مقاومة» تحرير نادرة شلهوب - كيفوركيان (حيفا: مدى 
الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية» 2007). 


(0) همّت زعبي» «تأثير الكبة في مكانة المهجرات: حالة مهجرات لوي ة والمجيدل في 
الناصرة.» مجلة الدراسات الفلسطينية» السئة 24» العدد 95 (صيف 2013). 


31 


من أنها كانت الخبرة الأولى لمعظمهن في التظاهر» لكنهن شاركن في الفاعليات 
اللاحقة كلها التي تلت عملية التنحي» وواكبت تولي المجلس العسكري إدارة 
أمور الدولة بما اعتراها من انتهاكات عدة للمتظاهرات والمتظاهرين. 

تضمنت المرحلة الأولى من الدراسة الاطلاع على الأدبيات السابقة 
التي تناولت مشاركة المرأة المصرية السياسية والمجتمعية في القرن العشرين 
ونهاية القرن التاسع عشرء والتي تضافرت مع سعيها إلى المشاركة والوجود في 
الفضاء العام وتأدية دور في الحراك الثقافي والسياسي في مصر في بداية القرن 
العشرين» كما اطلعنا كذلك على الأدبيات التي تناولت العنف الجسدي الجنسي 
ضد النساء في المرحلة التي أعقبت تنحي مبارك» وآليات المواجهة المتبعة. 

أجرت الباحثة مقابلات مع عدد من نساء ميدان التحرير وفق معايير لا 
تتعلق بالسن أو طبيعة التعليم أو موقع السكنء لكنها ارتبطت بعدم نشاطهن 
سياسيّاه فجميعهن لم يكنّ فاعلات من قبل» باستثناء حالتين. وأبدت 
المبحوثات استعدادهن وترحيبهن بتسجيل المقابلات وقبول الامتثال لساعات 
طويلة من الحكي. كان الاختيار شبه عشوائي ولم تستبعد سوى الناشطات 
سياسيًا أو حقوقيًا. 

أجريك اللقاءات المعمقة مع ثماني عشرة سيدة» اختير منهنّ عشر حالات 
فقطء وفى ما يتعلق بالحالات الثمانى الأخرى فقد تداخلت بعض المعلومات 
التى أدلت بها بعض السيدات واستحال الوصول إلى مصادر لتأكيدها فاستُبعدت. 
كذلك حالت الأوضاع الصحية من استكمال عدد من اللقاءات» من بينها #حالة 
منى؛ التي أصيبت بطلقات نارية في البطن خلال ما سّمّي يوم #جمعة الغضب». 
وقد مدت الجلسات الأولى معها في مستشفى القصر العيني الفرنساوي2"2 ثم 
نظرًا إلى تدهور حالتها الصحية استحال استكمال التسجيل معهاء ورحلت عن 
الحياة متأثرةً بجروحها بعد عام ونصف العام من الخضوع للجراحات. 


(12) مستشفى جامعي يقع على مرمى شارع واحد من ميدان التحرير» يتميز بإمكاناته المرتفعة. 
وحوّل إليه معظم حالات المصابين والمصابات» وعلى الرغم من أنه مصح حكوميء لكن تكلفته باهظة» 
وتحملت سيدات ورجال أعمال مصريون تكاليف علاج أغلب المصابين والمصابات. 


32 


حالة أخرى أيضًا ساءت أوضاع صاحبتها الصحية ولم تتمكن من 
استكمال التسجيل» فضلا عن حالات نساء توقف التسجيل معهن نظرًا إلى 
تكرار اعتقالهن ثم خروجهن من السجن بحالة صحية أو نفسية متدهورة من 
جراء الإيذاء البدني والنفسي. 

الحالات النسائية التي اكتمل التسجيل معها احتاجت الباحثة إلى ما يقرب 
من عام لإنجازها نظرًا إلى الأوضاع السابق ذكرها من الاعتقالات» أو بسبب 
مشاركتهن في الحوادث الثورية والتزامهن السعي إلى الإفراج عن المعتقلات 
والمعتقلين؛ والبحث عن المفقودين كما فى حالتى غادة كمال وخديجة 
الحناوي التي لقبت ب «الميدان». 0 

جرت المقابلات في مقر سكن السيدات باستثناء حالة واحدة فضلت 
أن تكون اللقاءات معها في مقهى هادئ. وبلغ عدد اللقاءات ستة لقاءات 
فى المتوسط لكل حالة حتى إنجاز المقابلة» لكنها امتدت إلى تسعة لقاءات 
في حالة خديجة الحناوي التي أخذت على عاتقها متابعة أحوال المعتقلين 
والمضابين والغائبين. سبلت المقابلات صوتيًا - بعد استئذان النساء - 
بمتوسط عشرين ساعة لكل حالة. 

تميزت حكايات السيدات بثراء معلوماتي نادر» وتقاطعت رواياتهن مع كثير 
من اللحظات التاريخية في حياة مصر مثل هزيمة 1967 التي برزت في حكايات 
أربع منهن؛ إما عبر الخبرة المباشرة وإما عبر خبرة تقلت إلى كل منهن من والديها 
أو من شقيق يكبرها سئًا. وكذلك تقاطعت مع اتفاقية كامب ديفيد وما تركته من 
مرارة شابهت مرارة هزيمة النكسة» فزخرت حكايات النساء بدلاللات صعود 
التيارات الدينية في مصر وتحجيمها النساء. وتشابهت حكايات النساء كلها مع 
العنف بأنواعه المختلفة: أكان داخل الأسرة أم خارج المنزل. وحملت حكاياتهن 
أثقالَا من ثقافة أبوية أتقنت قمع النساء» وكشفت عن إبداعهن في المواجهة وفي 
ابتكار آليات غير تقليدية للمواجهة. وكشفت عن أوجاع كثيرة لم تتوقف عندها 
النساء من قبل» وعن أحلام لذواتهن وللوطن. واكتشفن الفدائية الساكنة في 


233 


أعماق كل منهن التي كانت تنتظر سماع صوت النداء فحسبء واكتشفنها في 
الميدان الذي يعود إليه الفضل في التعرف إلى النسخة الجديدة منهن. وسنركز في 
هذه الدراسة على محاور ثلاثة أوجدتها حكاياتهن: الجسد. التمردء التحرر. ‏ ' 
أولا: الحسد 

كشفت مشاركة النساء عن الحضور الفاعل للجسد في مخيلة المجتمع 
وأجهزة الأمن ومخيلة النساء. بدت بلاغة الجسد وقدرته على تحدي السلطة 
الذكورية ثم الأمنية في أوضح صورها في حكايات النساء» واحتلت مكانة 
مركزية في أولويات المقاومة لديهن. 

كان جسد المرأة ولا يزال مادةً غنية للتشريع؛ لتحديد المسموح 
والممنوع من تحركات الجسم وتعبيراته ومتطلباته» تبعًا لأنماط مقبولة 
اجتماعيّاء أي تبعًا لأنماط تخدم مصلحة المتسلط الذي يمتلك هذا الجسد. 
فهناك قوة المنع المدنية» وقوة التحريم الدينية التي تقيّد جسد المرأة بقوة 
الخطيئة ومشاعر الإثم؛ فالحركة الحرة للجسم أساس معنى العيب» وضبطها 
المقنن أساس معنى الشرف. جسم المرأة بهذا المعنى مقيّد تاريخيّاء إنه جسد 


)13( 2. 


مؤ سس 
1 - البداية دائمًا كانت الجسد 

في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 22011 في الساعة 
الرابعة عصرّاء قبل أن تصل التظاهرة إلى ميدان التحرير» وقف شاب مصري 
أمام مدرعة صماء ضخمة متحديا تقدمها نحو المتظاهرين. قبل هذا اليوم 
بسسمتة شهور قتل خالد سعيك» الشاب الإسكندراني» تعذيبًا لمحاولته فضح 
ممارسات جهاز الشرطة في الإسكندرية» وانتشرت صور وجهه وجسده 
المعذب على صفحات التواصل الاجتماعي وفي أغلب الإصدارات 
المنشورة. 


30)) ا ا 


34 


عجّل تعذيب خالد سعيد ومقتله بانطلاق الثورة في مصرء كما فعل جسد 
محمد بوعزيري فى توتين؟ كلاهها خرر الشعيين :من الخوف من الأجهزة 
الأمنية ومن السلطة ومن الاستبداد» قدّما جسديهما قربانًا لليقظة. قتل خالد 
سعيد على يد السلطة القمعية للنظام» وقَتّل بوعزيزي نفسه احتجابًا على 
السلطة القمعية في بلده» وفي كليهما تحدى الجسدٌ سلطة الأمن وسطوته. 
وبينما مهّد جسداهما الطريق لاندلاع ثورة» استّخدمت أجساد النساء لإشعال 
جذوة الثورة الأخرى. 

كم كان عدد النساء في اللحظات الأولى للثورة» في الساعة التي امتلأ 
فيها ميدان التحرير بالمتظاهرين الآتين من كل صوب؟ لا يمكن التكهنء 
لكن كل من استطاع متابعة السير وتخطي الصدام مع قوات الأمن ... وصل 
إلى الميدان» فكانت هناك كتل بشرية هائلة ومتراصة شكلتها أجساد الرجال 
والنساءء كان بلوغ الميدان هو الغاية» لذلك كان وطء أرضه أشبه ببلوغ أرض 
الميعاد. استلقت الأجساد المنهكة على الأرصفة وعلى العشب 0 
والأسفلت: ساعتها اثتيه كلّ من كان لجنسه لتفاجأ النساء بحضورهن الواضح 
في الميدان؛ وينتبه الرجال لصحبة الساعات الماضية بما فيها من نيران وغازات 
وعصي. حط المتظاهرون رجالا ونساءً يأحمالهم في الميدان فامتلأا صخيًا 
وزهوًا وإجهادّاء وإذا بالميدان المدهوش يشهد نساءً ممددات على الأرض 
تتوازى أجسادهن مع أجساد أقرانهن الرجال؛ على أن أحدًا لم ينتبه ليتوقف 
ويشهد تلك اللحظة الفريدة التي لم تسفك فيها أخلاق النساء الممددات. 


توارى التراث الثقيل لأجساد النساء في ميدان التحرير في الخامس 
والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011» وتخففت النساء من أعباء الجسد 
والقوانين الكثيرة التي تكبّله. تروي فيولا الصحافية الشابة: «خرجت يوم 25 
يناير مع الناس اللي اتحركوا من شبراء الضرب والغازات عطلتنا ووصلنا إلى 
التحرير بعد ست ساعاتء اترميت على الحشيش ونعست ومصحتش إلا على 
خراطيم المياه وعصيان الأمن اللي هجموا على الميدان في نص الليل!4. 
أطلقت أجساد النساء من العيب والحرام فجأة بعدما امتلأ الميدان بالمتظاهرين» 


35 


وتهاوت حمولات التراث كلهاء فلم تتفحص عيون الرجال أجسادهن ولم 
يتلقين تعليقات ناقدة» ولم تُلعن أجسادهن التي استجابت للثورة. 

تقول جميلة المدرّسة التي شاركت في تظاهرات جامعية مرة قبل خمسة 
وعشرين عامًا: «عمري ما تخيّلت إني ممكن أنسى صدري اللي بيتهز وأنا 
بجري؛ أصل طوال عمري ماما وجدتي بيقولوا لي امشي بهدوء علشان صدرك 
ما يتهزش» حتى لما جريت في مظاهرة سليمان خاطر وأنا في الجامعة» كنت 
فاكرة كلامهم ولميت إيدي على صدري علشان أداريه» لكن المرة دي نسيت 
كلامهم خالص»ء كنت بجري زي كل اللي حواليّ» ساعتها جسمي كان هو رجلي 
وبس». على أن سببًا آخر لنسيان أعباء الجسد خلال الثمانية عشر يومًا الأولى 
كشفت عنه حميدة التى تعمل ممرضة فى أحد المستشفيات الخاصة فى شرق 
القاهرة: «أنا مر ة كنت نايمة في الخيمة وكين سمعت أصوات 017 فعت 
جنب الخيمة علشان أشوف اللي بيحصلء لقيت الشباب قابض على واحدة 
كانت بتصور وشوش (وجوه) المتظاهرين» بعد شويه انتبهت إني نايمة والناس 
رايحة وجاية» لكن ولا واحد وقف بص عليّ» ولا لمحت عين أي راجل بتمر 
على جسميء من ساعتها وأنا بنام جوا الخيمة وغطاها مرفوع علشان أفضل مع 
الناس4. استجابات الرجال ساهمت في إعفاء أجساد لنساء من أثقالها في تلك 
الأيام الثمانية عشرة» فالسلوك التّدي بين الجنسين لم يترك مجالا لعادة القنص 
«البصري»؛ التي غالبًا ما يمارسها كثير من الرجال في الشوارع المصرية. في 
ميدان التحرير» حيث الحلم بالحرية كان على شفا التحقق» سادت القيم التي 
يصبو إليها المجتمع؛ واختفى التمييز بسبب النوع الاجتماعي أو الدين أو الوضع 
الاقتصادي. لذلك لم يكن الميدان موقعًا استثنائيًا للنساء فحسبء بل للفقراء 
وسكان المناطق العشوائية ولمسيحيي مصر جميعهم الذين عانوا الاستبعاد... 
كان رقعة عادلة لجميع الضعفاء» اختبروا فيها الحضور الكامل كمواطنين. 

لكن تلك الرقعة المثالية أثارت شجون النساءء. انتبهن إلى أن الندّية 
والوطن الحر الذي يسعى مواطنوه نساءً ورجالًا ليسا حلمين من فائض 
أحلامهن» بل فعل ممكن وحق قابل للتطبيق. أثار الميدان الفاضل أوجاع 


36 


انتهاكات الزمن الماضي وأيقظ الغضب. فتقول جميلة» الجامعية الأربعينية التي 
أمضت طفولتها في الإسكندرية قبل أن تنتقل بعد زواجها إلى القاهرة: «أول 
ما جسمي كبر وصدري بان» كانت مهمة ماما هي تفصيل لباس يداري صدري 
اللي هو أصلًا صغير» وكان لازم كل لباسي يغطي جنابي وظهريء كان لازم 
جسمي يتوه في اللبسء الغريبة إني مع الوقت اتعودت إني أداري جسمي في 
الهدوم خصوصا لما كبرت وشفت عيون الرجالة بتدخل جوا الهدوم وتعريني. 
من الآخر كدهء كل المصايب بتيجي للستات من جسمها». علاقة جميلة مع 
جسدها ليست استثناة؛ فأغلبية النساء اللواتي شاركن في اللقاءات المطولة 
كاك على .علاقة مريكة أو سلية بأجساتهن» إذ اجاطتهزة تلك الأجناد 
بأسوار وقيود منذ الطفولة» وبسببها تعرض بعضهن للعنف من أحد الوالدين أو 
من الأقران الذكور أو من الزوج لاحما. 

تروي هبة وهي فتاة مصرية ثلاثينية نشأت في إحدى قرى محافظة الفيوم» 
عن يومها الأول في المدرسة الثانوية خارج القرية: «أول حصة دخل علينا 
أستاذ تخين [بدين] وبدأ يكلمنا عن الالتزام الديني» وبعدين بص لي [نظر إلي] 
ونقل الكلام عن حجاب البنات والفتئة وحماية الشباب» الغريبة أني اكتشفت 
بعد ما خرج أنه كان مدرّس الجغرافيا مش مدرّس الدين!4» وما حدث عقب 
خروج مدرّس الجغرافيا هذا كان مفاجأة ودرسًا مهما لهبة التي تستكمل قائلة: 
«لقيت الصبيان - التلامذة الذكور - اتلمّوا عليًّا وبدأوا يضربوا بإيدهم على 
التخته (المقعد المدرسى) ويقولوا: كاسيات عاريات» كاسيات عاريات».» 
تملّك الرعب هبة التي كانت حتى تلك اللحظة غير مدركة سبب هذا الهجوم 
عليها» عقب خروجها من تلك التظاهرة الذكورية علمت أن حجابها الذي 
يغطي بالكاد ثدييها كان السبب. في اليوم التاليى ذهبت إلى المدرسة بحجاب 
كبير واسع - خخمار - يغطي نصفها الأعلى بأكمله ويبلغ إلى ساقيها. وعت هبة 
الدرس في المدينة التي تكبر قريتها أضعافاء والتي تزدهر فيها المدارمن الثانوية 
والأزهرية» وتعلمت أن الخمار هو الغطاء الفقيول في المدييةة وأن الذكور 
هناك أشد قسوةٌ من ذكور قريتها. ففي قريتها تسير الفتيات بغطاء رأس وملابس 


37 


تميل إلى الاتساع» لكن أحدًا لا يقيدهن بحجاب معين, ولم يُطلب من فتيات 
القرية إخفاء أجسادهن داخل غطاء واسع يبتلع نصفهن الأعلى بأكمله. اللافت 
أن أجساد الذكور في القرية وفي المدينة لا د تتعرض للحجب بأي شكل كان 
فأجسادهم مباحة حتى مبلغ العري ذاته؛ في الترعة - فرع النيل - يسبح 
الذكور في الأعمار كلها عراة بلا استنكار من المجتمع ولا من ذويهم؛ لكن 
الإناث اللواتي يتجرأن ويرفعن أبصارهن إلى أجسادهم يُتّهمن بالمُجور. 

تتنافس الأأسر في القرى على فرض الحجاب على بناتهن مبكرًا وقبل 
بلرغهن» حتى بات حجاب الفتيات أمرًا بديهيًا ومنفصلا عن درجة تديّن 
الأسرة» ولم تسلم الأسّر المسيحية من هذا التمدد» فانتقل الحجاب إلى 
الفتيات والنساءء لكن بمظهر مختلف الملمح د يميز بوضوح بين المسيحيات 
والمسلمات. تضيف هية: «في الفصل بتاعي في ابتدائي وثانوي كان فيه بنتين 
مسيحيتين» هما كمان كانوا مغطيين شعرهم بس بإيشارب قصيرء مش خمار 
كبير زيّنا (تقصد المسلمات)6. 

فوجئت هبة ومن قبلها جميلة بشوارع مختلفة خلال ثورة ينايره شوارع 
تتسع للنساء» بل ترحب بهن» تقول جميلة: ادائمًا كنت أسمع إن الستات 
غلابة» ومع إني بارفض الكلام دهء لكن غالبًا كنت بحس بالغلب وأنا ماشية 
في الشارع خايفة من عمّل قد بنتي يتحرّش بياء أو خايفة من الضلمة؛ أو خايفة 
من شلة شبان بتبص عليا. ورغم إن الميدان برضه شارعء؛ لكن ما كنتش حاسه 
فيه بأي خوفء بالعكس؛ كان صوتي عالي وبأتكلم؛ ومرة فضلت أسأل نفسي 
وكنت قاعدة في نص الميدان» هو أنا ليه مش بأحس بالقوة دي علطول؟»؛. 

تحررت النساء من الجسد الأخلاق والجسد العورة والجسد الشرف» 
وامتلكن أجسادهن ثمانية عشر يومًا في ميدان التحرير» حيث أخفت الثورة 
أدوات إضعاف النساء كلها. وتراجعت التقاليد في هياكلها الاجتماعية الخائقة 
وحل مكانها بديل ثوري طارئ» فاعتّمدت قوانين جديدة أتت بها اللحظة. 
وترنحت السلطة التي طالما اعتمدت الرجال فاعلًا محورياء فلم تقو 


38 


مقاومة الحضور الأنثوي الكثيف والعفوي» فضلًا عن الغياب المادي للسلطة؛ 
فالسلطة التقليدية كانت غائبة في الميدان» ولم يكن هناك ذلك القائد التقليدي 
الذي يدير مقاليد الأمور. . رحب الميدان الواسع الكبير الذي لا رأس له بجميع 
من فيه نساءً ورجالاء ولم ير أفضلية في جنس دون ال 
للفاعلين فيه. 


2 - جسد النساء وجسد الدولة 


فقد كثيرون عيئًا أو ذراعًا أو القدرة على الحركة» وقيّدت أجسامهم إلى الأبد 
في المقاعد أو الكراسي المدولبة» وعلى الرغم من أن السلاح وطلقات القناصة 
لم تميز بين الذكور والإناث وأصابتهم جميعًاء لكن أجساد الإناث المصابة لم 
تلق سوى الاهتمام بعريّهاء وتبارت وسائل الإعلام في استضافة الفتيات اللواتي 
تعرين في إثر طعنات الجنود وضرياتهم» أو من كن يحاولن حمايتهن؛ تقول عزة 
هلال» إحدى السيدات اللواتي حاولن حماية «ست البنات» من ضربات الجنود: 
#لما شفت العساكر بيضربوا فيها ويقطعوا جلبابها جريت عليها علشان أحميهاء 
لكن قبل ما أوصل لها لقيت عصيان سودا بتنزل عليا من كل ناحية». 

كانت تعرية جسد «ست البنات5»؛ طالبة الهندسة الشابة التى تعرضت 
للضرب بوحشية بعصي الجنود وأحذيتهم واحدة من المفارقات الحاسمة 
التي أعادت رسم العلاقة بين النساء والدولة بعد الثورة. لكن حادثةٌ أخرى 
سبقتها وحفرت الخطوط الأولى في علاقة الدولة بجسد المرأة؛ ففي آذار/ 
مارس اللاحق لتنحي مبارك اشتعلت قرية «صول» القريبة من القاهرة في إثر 
إشاعة عن علاقة 'عاطقية تدعت ثانا مسديقيا وفناة مسلمة» ما تسيب بحرق 
كئيسة القرية» وفي إثر التظاهر رفضًا لمعالجة المجلس العسكري للحادثة» 
ألقي القبض على كثيرين من بينهم سبع عشرة فتاةه جرى فصلهن عن الذكور 
ليتضح لاحمًا تعرضهن للكشف على عذريتهن. كُشِف النقاب عما تعرضت له 
الفتيات» بعد أن أبلغت لاحقًا إحدى المقبوض عليهن بعد الإفراج عنها عن 
ممارسة «كشف العذرية؛ التي لم تكن معلومة لدى المصريين من قبل» فضلا 


39 


عما تعرضن له من إيذاء بدني ونفسي. لم ينتبه العسكريون إلا للجسد ولم يروا 
فيه إلا ذلك المدنّس الملتويء ولم تعينهم اللحظة الاستثنائية الحرجة التي تمر 
بها مصر على رؤية النساء بوصفهن مواطنات يدافعن عن الوطن. 

قابلتٌ النساء ذلك العنف السافر بردة فعل تليق بالثورة وتؤرخ لبداية 
ثورة أخرى تخوضها النساءء فلم يختيئن خجلا من كشف عوراتهن» ولم يغبن 
خلف الحَرّج. بل صرَّحْنَ عن الانتهاكات كلها التي تعرضن لهاء وثرن على 
الفاعل في خطوة تاريخية لم تكن يومًا بهذا القدر من الوضوح والإعلان» 
تقول شيرين الصقلي: الصور التي رُسمت على جدران المدينة أعادت 
تشكيل صورة المرأة الشابّة بالصدريّة الزرقاء من امرأة مضروبة ومجرورة 
في ميدان التحرير لتصبح بذلك امرأة خارقة (مقصم8ا »عمدة) تحارب الحكم 
العسكري. أَظهّرتُ أن النساء لن يتجاهلن أجسادهنّ بسهولة بوصفه موقتًا 
للإذلال. ومثلما كسر وجة خالد سعيد جمدت أي صدقية تمتّعت وزارة 
الداخلية بها يومّاء كذلك الشأن في حالة المرأة الشابة بالجينز الأزرق؛؟ لقد 
دمَرت سمعة الجحيش2040. 

ما عاد الجسد مكونًا طبيعيًا بقدر ما هو مكوّن ثقافي محمّل بالرموزء 
ومنتج لها في سياقات سياسية واجتماعية وثقافية» وما عاد وسيلة لإرضاء 
المجتمع الذكوري» بل وسيلة للخروج على الطاعة» والتمرّد عليه. ما عاد هذا 
الجسد مصدرًا للفتنة بالمعنى الشهوي أيضاء بل مصدرًا للفتنة بالمعنى السياسي 
بحكم أن ما قامت به أولئك النسوة كان فعلا سياسيًا9". 

على صعيد آخرء كشف ذلك العنف ضد النساء عن كيفية تعاطى المؤسسة 
العسكرية ذات التراث الأبوي الراسخ مع أجساد النساء الذي يشبه إلى حدٌ بعيد 
تعاطي الأزواج والآباء مع النساءه حيث يُشرّع العنف استنادًا إلى نص ديني 


)214 <2975 4ل اء ناكم باع ههه أه, بج بتيد// خا > 
(15) لونيس بن علىء «الكتابة على الجسد: محاولة أنثوية لكتابة مختلفة للتاريخ؟ الجزائر نيوز» 
2 .<لصنط 8 60104-2013-08-12-16-15-3 ع دها-37/ععمهه لماه دبعم ذمعوزل.بجبدجد//:موناط> 


40 


أو إلى بناء ثقافي يعد جسد النساء ملكية خاصة للرجل الأب أو الزوج. وكما 
يقول هشام شرابي» كانت الممارسات الأبوية ولا تزال تخترق مجالات الواقع 
الاجتماعي والسياسي كلها ابتداع من العائلة وصولا إلى السلطة اناي 


ثانيًا: التمرد 

امتزج التمرد في أبعاده السياسية بأبعاده الدينية» وتجاوزت النساء إدانة 
الحاكم وإدانة النص الديني إلى ممارسة فعل التمرد بصوت هادئ واثق 
وبخطوات ثابتة. 

تقول جميلة: كان الخيال يأخذنا بعيدًا ونحلم بحبس جدتي في غرفة 
الفئران التي طالما هددت بحبسنا فيها. كنا نثور عليها في خيالنا الصغير حتى 
لحظة الصدام الكبرى» وكنت في السابعة عشرة حين نظرت إلى وجهها قائلة 
«لا". تشير جميلة إلى تمردها الأول وتعتبره تمردًا سياسيًا بامتيازء فهي ثارت 
على سلطة طاغية غاشمة» ونالت العقاب لثورتها لكن الباب تُتِح وبدأت 
باختبار ثورات أخرى. 


ثارت هبة أيضًا على أمهاء كانت في الثامنة من عمرها حين أخبرتها أن 
ختانها السبيل الوحيد أمامها لتصبح فتاة جميلة؛ واستشهدت بجارتهم المراهقة 
ممتلئة القوام البيضاء التي يذكر اسمها كلما ذكر الجمال: وافقت هبة على 
المقايضة» ولدى وصول القابلة7 انقضت عليها وبيدها الموس القاطع» لم 
تصرخ وتحملت الألم أسبوعين حتى استعادت قدرتها على السير. تقول هبة: 
«في ستني الأولى الجامعية شاركت في ندوة عن ختان الإناث» واكتشفت كذب 
أمي» وحين واجهتها صفعتني لوقاحتي» ولم ترد حين سألتها لماذا لم يزدد 


 )16(‏ 1:9620معن9620 تن ع0 049620 عمل لععنمائدى تو لومعم ط /حاء جهو هم لعل ماع عهداه- تصن بجوم /لتجاط> 
.< لم 05/0521 العدونانامج0 02و 


(17) القابلة فى القرى المصرية تعنى بمساعدة الأمهات في الولادة الطبيعية داخل المنازل؛ لكنها 
أيضًا وإلى جانب مهمتها الأساس تختن وتعد للاحتفال بأسبوع المولودء كما تقوم بإعداد الفتيات ليوم 
العرس أيضًا. 


41 


وزني» ولم أتحول إلى بيضاء مثل جارتنا ومثلك» لماذا كذيتٍ عليّ؟». ثورة 
هبة كانت هي الأخرى قد بدأت وإن كان تمرّدها انفجر في وجه الأم؛ النصف 
الأضعف في المنزلء لكنه تمرد ما ليث أن تحوّل إلى فعل إيجابي» فهي بدورها 
عمدت إلى تسريب نشرات توضح أضرار الختان إلى أختيها الأصغر عمرًا. 
كانت قد قررت الوقوف في وجه أمها ومنعها من تكرار تجربة الختان مع 
أختيها» ونجحت ونجت الفتاتان» وظل نجاحها حافرًا معيئًا لها حتى تمككنت 
من إنجاز ثورتها الكبرى على الأب ذاته. 

أما ميادة الباحثة الشابة فلم تكن لديها سُّلطة سياسية واضحة مثل 
الأخريات» فكان تمرّدها صراعًا مستمرًا متوسط الحدة مع والدتها التي اضطرها 
وفاة الأب إلى تأدية دوره. لم تكن والدة ميادة - وفق رأي الأخيرة - في حاجة 
إلى اصطناع سلطة بديلة» فأبوها توفي يعد أن تخطت المراهقة واعتادت الحوار 
الرصينء لكن وفاة أبيهاء وتحول الأم إلى شخصية تقليدية مغلقة نبهها لسلطة 
أخرى هي سلطة العادات والتقاليد» حيث فوجئت بجبل محورّمات يحيط 
بتفصيلات حياتها كلهاء تقول: فور وفاة أبي صار خروجي أنا وأختي ممنوعا 
قبل أن تراجع أمي مظهرناء ودائمًا ما كانت تكرر بصوت خافت «ربنا يستر على 
الولاياة!'». بات التحدي الأساس للأم هو الحصول على مباركة المجتمع 
لإدارتها حياة فتاتيها عقب وفاة زوجهاء تفسر ميادة: كنت أشعر أن أمي تريد 
من كل مار بالشارع أن يعلن لها أنها ناجحة في كبح جماح فتاتيهاء على الرغم 
من أني وأختي لم يبدٌ علينا يومًا أي مظهر غير عادي ولم يبدر منا تصرف خارج 
عن المألوف. 

ركنت ميادة إلى مراقبة الواقع الذي تغيرت ملامحه بغياب الأب» لكن تلك 
المراقبة قادتها إلى اكتشاف وضع النساء المتردي وإلى حضورهن المجتمعي 
المرهون بأنواع لا نهاية لها من القيوده جاءتها فرصة التمرد حين خخطبت إلى 


(18) الولايا: يقصد بها في العامية المصرية «النساءة» والمفردة «وليّة» ر تعني المرأة» وهي مفردة 
شائعة في المحافظات ذات الصبغة الريفية وفي القرى» تستخدم في الإشارة 01 النساء في أي مرحلة 


عمرية. 


42 


شقيق صديقتها الصحافي المنفتح الذي وعدها بمستقبل مشرق» فعقب حفل 
الخطوبة أعادت إليه الشبكة”؟ ورفضت الاتفاقات المادية الرامية إلى تحميل 
الزوج العبء المادي الأكبر» وشاركته في صمت مناصفةً تكاليف المنزل 
والتأثيث كلها. عقد قرانهما”*» قبل موعد حفل الزفاف بأسبوع واحدء لكنها في 
لحظة تدفق بينهما مارست معه الجنس وفقدت عذريتها فأصرٌ خطيبها على فسخ 
عقد الزواج. تقول ميادة: يوم قرأت على الفيسبوك الدعوة إلى النزول في الخامس 
والعشرين من يناير شعرت أن ذلك اليوم تحدد من أجلي أنا فقط» كان بداخلي 
غضب يكفي لتحطيم صخور جبل المقطم» كان أسبوع واحد قد مر على انفصالي 
عن خطيبي الذي كان شرعًا زوجي لأني تجرأت ومارست الجنس معه قبل حفل 
الزواج!!! بل إنه تمادى ورفض أن أستعيد الأموال التي أقرضتها له وأيّ مما 
اشتريته في المنزل لأني كما قال لي ساعتها #عاهرة فرّطت في نفسها». 


في الميدان لم ينخفض صوتها منذ عصر يوم الخامس والعشرين وحتى 
انهالت قوات الشرطة على المعتصمين منتصف ذات الليلة» فتقول: بعدما أغلق 
صاحب المحل الباب ليخفينا داخله؛ تلقْتُ حولي فوجدت ما يقرب من خمسة 
عشر شابًا وفتاة ممن كانوا في الميدان» حين هدأثٌ أقدام الجنود» فتح الرجل 
الباب» حاولت أن أشكره فلم يخرج صوتي من فرط ما صرخت في الميدان» 
كنت أصرخ في «أمجد» وفي «التقاليده وفي سلطة الرجل الزائفة... كنت 
أصرخ في المجتمع وفي وجه أمي التي قالت لي «أنت منحلةة. 


اعترفت أنها لم تشارك قط في تظاهرة» لكنها كانت تصارع لإنجاح الثورة 
وهزيمة أمجد ومبارك والتقاليد» آمنت أن الثورة أتتها هدية من مكان ما لترفض» 
تقول: «عمة والدي قالت عني قوية لأني لم أنكسرء لكني لا أظن أنها القوة» بل 
هي الثورة التي كانت أشبه بطاقة نور كبيرة كشفت لي كل شيء» كشفت لي 
أمجد كما كشفت لي نظام مبارك». 


(19) هدية ذهبية تحدد قيمتها أسرة الفتاة وغالبًا ما تكون قيمتها مرتيطة بمكانتها الاجتماعية. 
(20) إتمام عقد الزواج شرعيًا وقانونيّاء وتفضل كثير من الأسر عقده قبل حفل الزواج بأسبوع أو 
أيام قليلة خشية اختلاء الفتى والفتاة بعضهما ببعض في أثناء إعداد منزل الزوجية. 


43 


تستذكر هبة تمردها الأول قائلة: اتصلت بأبى وأنا فى مطار القاهرة» كنت 
قد خلعت الحجاب قبل ذلك بأسابيع قليلة» وبعدما تجاوزت منطقة الجوازات: 
أبلغته بأني مسافرة للعمل في الإمارات العربية» لكني في حقيقة الأمر كنت في 
طريقي للعمل كمدرّسة لغة إنكليزية في مدرسة ابتدائية في الصين» أسقط في 
يد أبي» وأتذكر صوته وهو يصرخ فيّ مطلقًا سيلا من الشتائم. عرف أبي بعد 
شهور عدة أنني في الصين فلم يعلّق» واستغرق الأمر عامين قبل أن يتحدث 
معي مرة أخرى. استمر تمرد هبة حين رفضت تحويل أموالها إلى أبيها لبناء 
طبقة أخرى في منزلهم؛ ثم أغراها بشراء قطعة أرض باسمها فلم تواقق» تقول: 
أظن أن أبي احتاج إلى وقت أكثر من الجميع ليصدق أني صرت كائنًا منفصلا 
عنه وأن إرادتي لن تخضع له مرة أخرى. 

أما خديجة السيدة الستينية فأمضت طفولة مدللة وسط أسرة ثرية في 
إحدى قرى الوجه البحريء ولأن جمالها كان لافنًا آثرت الأسرة تزويجها 
في الخامسة عشرة من ابن عمها المهندس الشاب. اكتشفت الأمومة مبكرًا 
فور إنجاب طفليهاء كما اكتشفت نوعًا جديدًا من غضب الرجال تنهال فيه 
العصي على ظهرهاء وتلقى على وجهها الأكواب بسوائلها الساخنة» وَتُلْطم 
حتى تغطيها الدماء. صدقت أنها المقصرة كما كان يردد زوجها على مسمعهاء 
احتاجت إلى خمسة عشر عامًا حتى تتمرد» قالت: في المستشفى وأنا أتعافى 
من الضربء أدركت أول مرة أني بلغت حد احتقار نفسي. تمرد خديجة صدم 
زوجها وعائلتها التي اتهمتها بالرعونة» لكنها مع إصرارها نالت الطلاق» تقو 
قبل الثورة أيضًا انتبهت لحجم الفساد الذي يغرق مصرء وأدركت أن ذلك 
النظام يسير بنا إلى الهاوية» كانت مصر تشبه حالي قبل الطلاق. 

كشفت خديجة عن حيوية الإدراك لإنجاز فعل التمرد؛ إذ من دونه يكون 
فعل التمرد ضربًا من حمق أو تقليدًا أجوف. وفي تجارب النساء جميعهن 
اللواتي شاركن في الدراسة لم يصلن إلى مرحلة التمرد إلا عقب الإدراك. 
استقبل الميدان نسوةً لم تكن لهن أي مشاركة سياسية» لكنهن اختبرن الرفض 
وعشنه وتعلمن أن التمرد ممكن» بل مثمر أيضًا. وفي الميدان تماهت ثوراتهن 


44 


على الاستبداد مع ثورتهن الراهنة» فكان أن استمدت كل منهن طاقة من 
الماضي لإنجاز الراهن. 

مكنّ براح الثورة النساء من الوقوف على حد التماس بين أبوية السلطة 
السياسية والسلطة الدينية» وتزامن مسارّىٌ التمرد السياسى والتمرد على السلطة 
الدينية أو القيود ذات الغطاء الديني» في الحالات كلها. تقول ميادة: بينما 
كنت أهرب مع الآخرين من الميدان عقب هجوم الجمال والخيول» سقطت 
صديقتي الحامل على الأر ضء ساعدني عدد من المتظاهرين في إيصالها إلى 
مقر حزب التجمع بميدان طلعت حربء هناك اكتشفت أن حجابي سقط مني» 
وحين مدت إلى إحدى الزميلات بغطاء آخر لأغطى شعري» رفضتٌ» شعرتٌ 
أن الأوان آن لأعيش بقناعاتي أناء لا بقناعات تُسعد الآخر ين. 

تقول جميلة: كنت أخشى المسجد طوال عمري وأشعر به مكانًا يلفظ 
النساء» وعير مكبرات صوته سمعت اتهامات وإهانات لا تحصى لعقل النساء 
وأجسادهن؛ بدأ غضبي من رجال الدين ومن أصواتهم المخيفة» حين رفض 
الشيخ أن أدخل المسجد مع أبي وأنا في الخامسة من عمري لني بنت. 
وتضيف: كانت جدتي وأمي وعمي وكل من يملكون السلطة في عائلتي 
يلجأون إلى كلمة «حرام» حين يستعصي عليهم إقناعي أنا أو أحد من إخوتي» 
وكنا نذعن خوفًا من غضب الله. لكني حين كبرت قليلًا بت أشك في ما يقال» 
وصرت أرد على أمي أو جدتي وأقول لها: #أنت تختلقين الحرام». 

أما خديجة فتقول: عرفت كثيرًا عن الاستبداد السياسي الذي تغلغل في 
عند مضره ورأيت زواج السياسة والمال في صترد أسماء مكل مال مباراك 
وأحمد عز ومئات غيرهماء وبحدنًا عن واقع أكثر صدقًا انضممت إلى مؤسسة 
خيرية قريبة من منزلي تقودها داعية إسلاميّة تملأ الأسماع والأبصار على كثير 
من الفضائيات المصرية والعربية فرأيت عن كثبء كيف تتعالى على الفقراء 
وتلفظهم بعجرفة وقسوة. على الرغم من أنها هي التي استدعتهم من خلال 
برامجها التلفزيونية... قررت خلع الحجاب رفضًا لانتمائي إلى هؤلاء. 


45 


أما اللواتي كن بانتظار التمرد فكن يقظات ولم يبتلعن خدعة التسلط 
باسم النصوص الدينية فكن يراقبن بصبر أحياثاء أو يتحايلن لإنجاز تغيير 
محدودء ويبقى أن فعل التمرد الأكبر في حاجة إلى دافع ضخم يشبه الفعل 
المقبل» إنهن يشبهن شعب مصر الذي انتبه مبكرًا إلى تلاعب السلطة وفسادها 
ومارس تجربة الصبر وتحايل بألاعيب كثيرة للبقاءء حتى جاءت لحظة اندفع 
فيها التمرد خارجًا من قوقعة الانتظارء وهذا ما عاشته أحلام المعيدة التي 
سافرت مع زوجها إلى الكويت؛ حيث فرض عليها الاستقالة من عملها 
بحجة عدم حاجته إلى مالهاء وتقول: قال لي باستخفاف» أعدي الماجستير 
في المطبخ فذلك ما أحتاج إليه أكثرء أما اللغة الفرنسية فلن تنفع أطفالنا حين 
يصلّواء لأني أفضل أن يدرسوا في مدارس إنكليزية. وتضيف: حين اتصلت 
بأبي أرجوه محاولة إقناع زوجي بعدم تقديم استقالتي» قال لي إن الله أمر 
المرأة أن تطيع زوجها. فوجئت أحلام المتفوقة دومًا بزوج يبيح لنفسه محو 
خبرتها كلها وجهدها في الأعوام الماضية ويطلب منها التنازل عن عملها وعن 
مستقبلها المهني من دون ميرر سوى الطاعة. تقول: لم يكف عن تذكيري 
بالآيات والأحاديث التي تحث على طاعة الزوج» وفي إحدى المرات ظن 
نفسه مرحًا فقال لي «لو مش مطلعة كفاية على القرآن» فالإنجيل قال "الرجل 
رأس المرأة*8. حين عادت أحلام إلى مصر لتطمئن على صحة والدها 
الذي كان قد أصيب بجلطة فوجئت باندلاع ثورة يناير وسد الطرق» أمضت 
يومها لدى عمتها في منطقة عابدين في وسط القاهرة» ومن هناك شاهدت 
المتظاهرين وسمعت الهتافات» فخرجت خلفهم ولم تكن حتى ذلك اليوم 
تظن أن الاعتراض على مبارك أمر ممكن. تقول: لم أصدق أن تلك الجموع 
لديها الجرأة على رفض السلطة» شاهدت سيدة تبيع الخضار على ناصية منزل 
عمتي تجمع أشياءها وتلحق بالمظاهرة» ولمحت ابنة عمتي تعدو في الشارع» 
فخرجت خلفهاء في الميدان وبعد بضعة أيام استطعت تجاهل رنين الهاتف 
حين اتصل بي زوجيء وقبل تنحي مبارك أبلغت أمي وأخي الأكبر أني لن 
أعود إلى الكويت وسأطلب الطلاق وأحاول الالتحاق بالجامعة مجددًا. 


46 


إن التمرد على الظلم ممكن» وكان ممكنًا في ميدان يضج بالمتمردين 
وبجميع طالبي الحقوق» وبمن يهتفون ضد الظلم والاستبداد. أما بالنسبة إلى 
النساء فلم يكن الميدان لهن فضاء ثورة فحسبء بل كان فضاءً لاستدراك 
الوعي وتفعيله وحافرًا على التمرد على ظلم أحاط بهن طويلا. كثيرات وجدن 
الطاقة اللازمة لاتخاذ قرارات طالما طمحن إليهاء وأخريات وجدن فضاءً 
ملائمًا لاكتشاف أسباب الغضب الذي طالما صارعنه من دون فهم أسبابه. 

غذَّى تاريخ النساء في التمرد ميدان التحرير وتمرّده الأكبر» كما أمدّ 
الميدان ذاته بثورته الهائلة المتمادية في مصر كلها النساء بدفعة التمرد التي 
كانت في قيد الانتظار. ١‏ 


ثالثًا: التحرر 

تماهت النساء في ميدان التحرير والميادين الأخرى مع هتافات الحرية 
والتحرر من الطغاة» وعند الاقتراب منهن تكشَّفْت مساحات أخرى للتحرر» 
وظهر فهم متنوع وثري للتحررء فتجاوز سؤال التحرر التراث الحقوقي 
المتعارف وقفز نحو مناطق غائرة في حياة النساء والوطن. 

يشترك الرجال والنساء في المعاناة من الأنظمة الأبوية السلطوية الحاكمة» 
لكن تواجه النساء أنواعًا أخرى من الاستبداد» استبداد داخل حدود الأسرة 
الأبوية» وآخر داخل المؤسسات الحكومية والمدنية التي تتبنى قيم الأسرة 
الأبوية» فتستخدم ممارسات القمع الذكوري والأسلحة الذكورية للإبقاء على 
النساء ضمن المنظومة الاجتماعية المتوارثة. 

خلفت ممارسات القمع خومًا عتيقًا سقط معظم النساء في أسره» فكن 
مسجونات في استحالة التحرر من قيود المجتمع» تقول جميلة: منذ كبرت وأنا 
أخشى مواجهة من يتحرش بيء أو يتلفظ بكلمة جارحة» لكن شيئًا ما حدث عقب 
الثورة وفوجئت بنفسي أستدير وأواجه من يسيء إلي وأسمعه محاضرة موجزة 
وقوية من دون إهانته. وفي كثير من الأحوال حصلتٌ على اعتذار المتحرش. 


417 


في كل مرة نلت فيها حقي شعرت بالفخر لقدرتي على الدفاع عن نفسي. وتعود 
بذاكرتها إلى أعوامها الأولى مع أسرتهاء فتقول: قبل عشرين عامًا عقب تخرجي 
عُرف أن إحدى فتيات العائلة هربت من منزلها فرارًا من زواج خططه أبوهاء 
فكانت تعليقات جدتي وخالتي تنصب على لوم والدها الذي لم يُعلمها الخوف 
وقلن إن الفتاة التي لا تخاف ينفلت زمامها. 

الخوف لصيق تنشئة الفتيات» وأداة الأسرة للسيطرة على الإناث وتكبيل 
إرادتهن. ويبدأ إرضاع الإناث الخوف بجرعات متزايدة مع تطور أعمارهن. 
فكلما كبرت الفتاة تراكمت أمامها مسببات الخوف. وخلال دورة حياة النساء 
تتعلم الفتيات الخوف من: 

- أنفسهن الأمّارة بالسوء التي يقودها الشيطان ويوسوس لها ارتكاب 
الشرور؟ 

- الخوف من الذكر المتريص بيجسد الأنثى الغعض؛ 

- الخوف من تجاوز الضوابط التي أقرها المجتمع؟ 

- الخوف من الدولة وأجهزتها قوية البطش. 

فنون زراعة الخوف في الإناث متنوعة ومرتبطة ببيئة الأسرة الاجتماعية» 
وكما يعتمد الحاكم في الأنظمة المستبدة الخوف وسيلة للسيطرة على الشعب 
وتعزيز نظامه. تعتمد الأسرة الأبوية الخوف وسيلة لإخضاع الإناث وتأهيلهن 
لإعادة إنتاج القيم السائدة. لكن في ميدان التحرير أفرغت النساء بعضًا من 
حمولتهن الثقيلة من الخوفء كانت اللحظة مواتية ونادرة» فلا يحدث كثيرًا أن 
يهبنا التاريخ لحظة إقرار جماعي بلفظ الخوف ومواجهته. لحظة يشحذ فيها 
الخائفون بعضهم بعضّاء ويصنعون من خوفهم قوة. 

السيدة صنع الله السبعينية التي عاشت شبابها قيادية في منظمة الشياب» 
عملت مهندسة زراعية وزهدت بالسياسة والعمل العام عقب هزيمة 2257 
ووهبت حياتها لأسرتها وعملها ومساعدة الشباب في نشر أعمالهم الأدبية» 


48 


تقول: خرجت من مقر منظمة الشباب في الثالثة ليلا تركني رئيس المنظمة 
وأنا أصرخ أستنجد به للبحث عن مكان لإيواء الأسر القادمة من مدن القناة 
التي سقطت تحت نير العدوان الثلاثي» فهدمت منازلهم وأحالت مدنهم إلى 
خواء مفزع, لكنه لم يرد وظل ساهمًا ينظر إلى الشمعة المشتعلة على مكتبه. 
فخرجت أحدث نفسي» كيف يمكن لفتاة في التاسعة عشرة أن بودي حمولة 
قطار من آلاف المواطنينء أطفالا ونساءً ورجالاء كنت أرتعش من الخوف 
والبرد» ومن شعوري بالعجزء لكني حين سمعت صوت القطار يقترب» خرج 
مني مارد لا أعرف أين كان يقيم» ولم تمض خمس ساعات حتى حصل جميع 
القادمين على مسكن وطعام ورعاية لاثقة. 

قبل أن تتحرك للبحث عن سبيل» وقعت صنع الله في تلك اللحظة 
الفاصلة بين سجن التقاليد والتحرر منهاء فهي مثل جميع النساء اعتادت وصفها 
بالعجز على الرغم من تاريخها القيادي ونشاطها المميزء اعتادت تعريفها 
بالأنثى بما يعني الأضعفء. لكنها حين واجهت القطار في لحظة الحرب التي 
هبّت فيها ثلاثة دول لدك محافظات القناة عقابًا لمصر على تأميم قناة السويس» 
حينئذ تحررت من الخوف والعجز ولم يبق في داخلها إلا المواطنة المصرية 
المستعدة لبذل أي جهد لنصرة بلدها وحماية الضعفاء ومساعدتهم في تخطي 
أزمتهم. تقول صنع الله: لم يحدث منذ حرب 1956 على مصر أن استعدثٌ 
صنع الله الشابة التي آوت بمفردها حمولة قطار من البشر» فى حين تهرب 
ثمانية شبان هم زملائي الرجال في قيادة تنظيم الشباب بالزقازيق» لإحساسهم 
بالعجز والخوف. لكني لحظة دخولي إلى ميدان التحرير مساء يوم الخامس 
والعشرين استعدتٌ نفسي مرة أخرى. فوجئت بطاقة غريبة تنبعث مني. لم 
يكن هناك شيء في الميدان لم أفعله بدءًا من التنظيف إلى الإسعافات الأولية 
لمساعدة الناس في نصب الخيم والتكفل بأمر معيشتهم» وأضافت ببلاغة نادرة: 
«لكأني كنت أنتظر يناير لأنسى هزيمة 641967. 


التحرر من ثقل التقاليد والتحرر من الخوف الفطري من الموت أو من 
الإصابة عاصرته أيضًا باسمة الأستاذة في كلية طب الأسنان في جامعة القاهرة 


49 


وإحدى القادة البهائيات في مصر. تقول: كنا في منزلنا ببورسعيد حين بدأ 
قصف الطائرات» هرع الجيران إلينا لأننا كنا نسكن في الطبقة السفلى» وقفت 
أمي أمام صورة الباب الأعلى بهاء الدين©» وخلفها كانت تقف أسرة يونانية 
وأسرة أرمينية مصرية وأسرة مسلمة وأنا وإخوتي الأربعة. أخذت أمي تصلي 
وتبتهل وتدعو الله أن يحفظ مصر من العدوان ويحمى الجيش وجنوده. انتبهت 
إلى أن أمي تعشق تراب البلد وتخاف عليه في صمتء تذكرت صلاتنا تلك 
وهي تدعونا إلى الصلاة أيضًا لدى اندلاع ثورة يناير. وحين جاءني اتصال من 
مستشفى القصر العيني لعلاج المتظاهرين المصابين في الفك. دفعتني إلى 
الذهاب. على الرغم من أنها تعلم أني سأقود سيارتي من دون بطاقة هوية بينما 
كان جنود الجيش يسألون كل مار عن هويته. وتضيف: بعد الانتهاء من الجراحة 
شعرت بتأنيب ضميري لترددي في الذهاب إلى المستشفى. خجلت من صلابة 
المصابات والمصابين» ووجدت أن حرماني من استخراج بطاقة هويتي لاني 
بهائية لا يخوّلني التردد في لحظة فاصلة كتلك اللحظة. في الأيام التالية لم 
تفارق باسمة المستشفى وعالجت عشرات المصابين في الوجه والفك. 


تعترف باسمة أن الثورة حررتها من الغضب كما حررت أمها وأسرتها 
بكاملها من الخوف من الصواريخ والقنابل خلال حرب 1956. وأن تتحرر 
مواطنة بهائية من الغضب على الدولة فهذا أمر جلل في ظل حكومات متعاقبة 
تتنافس منذ عهد عبد الناصر في تكدير حياة البهائيين في مصرء حيث بات على 
البهائي أن يقبل تصنيفه كمسلم أو مسيحي أو يهودي حتى يحصل على هوية 
دينية في البطاقة» ومن دون خانة الدين لا يمكن استخراج بطاقة الهوية» ولا 
يعترف إلا بالأديان الثلاثة» استسلم بعض البهائيين للأمرء لكن آخرين لم يقبلوا 
وما زالوا يكافحون لإثبات هويتهم الدينية كما هي. تحدّّتٌْ باسمة هذا الإجراء 


(21) ولد بهاء الله في بلاد فارس في القرن التاسع عشر في أسرة عريقة» وهو صاحب رسالة 
الدين البهائي» وعلى الرغم من انتمائه إلى أسرة عريقة ثرية آثر أن يصرف جَلٌ وقته وإمكاناته في رعاية 
الفقراء. وفي ما بعد سجن بهاء الله ونفي إلى فلسطين» وخلال الأعوام الطويلة التي أمضاها في السجن 
أنزل بهاء الله من الآيات ما يقع في أكثر من مئة سِفْرٍ .<لصغط طمل ا سمطعطك طم دلهمه. تمطعط .مما رلمتاط> 


50 


ورفضت إصدار هوية بطاقة بدين غير دينها. والنتيجة مواجهة دولة بيروقراطية 
مثل مصر من دون أوراق هوية. " 

تطول قائمة النساء حين يتعلق الأمر بالتراث الثقيل الذي يُحكم خناقه على 
رقاب الإناث» قائمة تتشارك فيها الكثيرات. ترى جميلة أن الخوف من الئاس 
وأحكامهم القاسية كان يحرك قراراتها كلها: كنت في السادسة حين ذهبت بصحبة 
أمي إلى منزل خالتي لحضور عيد ميلاد ابتتهاء وهناك كنا نستمع إلى الأغاني» ثم 
وقفت وسط أطفال العائلة لأقلد سهير زكي2©. فتحت خالتي الغرفة بينما كنت 
أرقص وسط الأطفال؛ يومها جذبتني من يدي وحبستني في غرفة الصالون ثلاث 
ساعات, ثم أبلغت أمي أنها لا ترغب في زيارتي منزلها مرة أخرى كي لا أفسد 
ابتتيها. وتضيف: تعلمت يومها الدرس» وصرت أفكر مئات المرات قبل القيام 
بأي فعل كي لا أتلقى العقاب نفسه. ويينما كنت أكبر» كنت أرى مصير الفتيات 
اللاتي يخرجن عن الحدود أو يرفضن الخضوع للتقاليد. 

واجهت جميلة خوفها المزمن في الميدان: رأيت في الميدان آلاف الشباب 
الذين يحتاجون إلى المساعدة» وآلاف الفتيات المبدعات المحبطات بين أسوار 
القيود» وجدت مهمات تنتظرني مثات الأعوام... لقد تنحى مبارك وتنحى خوفي. 


تقول هبة: صفعني أبي على وجهيء وجذبني من شعري إلى أعلى لأني 
ذهبت إلى صديقتي في الشارع المجاور من دون الحصول على إذنه. وفي 
المنزل علقني من يدي على باب خشبي كبير ثم أغلق الباب وتركني بمفردي 
في ظلام الغرفة» كنت لما أتم السادسة» حين أفكر الآن لا أجد مبررًا لذلك 
سوى أن أبي كان يعلمني الخوف. 


تقول غادة كمال الصيدلانية التي أمضت طفولتها ومراهقتها في مدينة 
القصيم في السعودية مع أبويها اللذين كانا يعملان هناك: لم أفهم قط لماذا 
(22) راقصة من محافظة الدقهلية» عرفت في السبعينيات والثمانيئيات وشاركت في العديد من 


الأفلام المصرية» وكانت مبررًا للأسر المحافظة للإفراط في تقسيد حرية بئاتهن لحمايتهن من الانزلاق 


51 


كان الضابط ينعتني بأقذع الألفاظ وهو يضربني بقسوة ويهددني بالاغتصاب» 
وفي جواره كان هناك جنود يركلونني بالبيادة (حذاء عسكري). كنت لا أملك 
حتى القدرة على تحريك أي طرف من جسدي. وعلى الرغم من ذلك لم 

تتوقف الإهانات والضربء لماذا تتعسف السلطة مع شخص لا يملك حتى 
القدرة على الصراخ؟ وأنا في المستشفى انتبهت إلى أني كنت أشعر بالخوف 
نفسه الذي اختبرته من قبل وأنا في القصيم حين كنت أرى الشيوخ في طريقي 
إلى المدرسة. كان مظهر الشيوخ بعباءاتهم الكبيرة والمريدين الملتفين حولهم 
يفزعني... هم أيضا متفقون على إرهاب الناس وإخافتهم. 


خلال مواجهة قوات الأمن تحررت النساء من الخوف الدفين الذي زرع 
في قلوب المصريين كافة» نساءً ورجالا. لكن تحرر النساء احتاج إلى ما هو 
أبعد؛ فقوات الأمن لا تضرب النساء ولا تهين إنسانيتهم فحسبء بل تتحرش 
بهم جنسيًا وتلوّح للفتيات بالاغتصاب. المفارقة أن الفتيات المصريات اللواتي 
لم يواجهن الأمن من قبل لم يسقطن رعبًا أو يتراجعن. انضم الاغتصاب 
إلى الثمن» ثمن الثورة وثمن استعادة الوطن؛ وفي لحظة التحدي الأكبر كن 
قادرات على تحرير ذواتهن حتى من الخوف من الاغتصاب. وتشهد بذلك 
روايات المتظاهرات اللواتي ظهرن على شاشات التلفزيون وهنّ يروين كيف 
اغتصبن جماعيًا في ميدان التحرير... رَوين سيناريو تكرر مع الجميعء ما يشير 
إلى وجود أطراف منظمة خلف انتهاك أجساد النساء. روت ياسمين الدمراوي 
التي ظهرت في البرامج الإعلامية في جوار خطيبها للفضائيات والصحف كيف 
اغتصبت وكانت واحدة من اثنتين بادرن إلى فضح ما حدث. إن تحرر ياسمين 
من المقدس المجتمعي المسمى فقد العذرية يؤشر إلى ما أنجزته نساء مصر في 
ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى» ويؤشر إلى ما تكسّر من قيود. 


خاتمة 


من المعروف أن اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية يعمل على كسر رتابة 
الحياة المعتادة وسلبيتهاء ما يُمكن الجماعات المضطهدة:؛ ولا سيما النساء؛ من 


52 


تحقيق طفرة نوعية في أوضاعهاء بل إننا نجد هذه الجماعات في طليعة النضال؛ 
فمعركة التحرر معركة مصيرية بالنسبة إلى المرأة دون الآخرين» وبخوضها لن 
تخسر الكثير» بل إن مكاسبها مؤكدة. ما يجعلها أحيانًا تبدو كأنها الفصيل 
الأكثر حماسة والأكثر تشددًا بين الثوريين. وبرصد وضعية المرأة في المجتمع 
المصري. خصوصا في ما يتعلق بالمشاركة في الاحتجاجات» سندرك التغيير 
الذي أدخلته الثورة إلى حياتها. ففي تظاهرات ما قبل الثورة غالبًا ما كان يُطلب 
من المشاركات أن يرجعن إلى الوراء ويقبعن في الصفوف الخلفية» الأمر الذي 
كان يثير حفيظتهن دومًا. لكن منذ 25 يناير اختلف الأمرء ففي ميدان التحرير 
أصبحت المرأة على قدم المساواة مع الرجل» وواجها معًا الكثير من الحوادث 
والقبات» كا ذلك تغيرا مجتمعي ملحوظ ويد أذ مصر أصبحت مجتقعين: 
مجتمع التحرير وآخر خارجه!ة2. 


لم تتبخر تلك الحال التي جلبتها ثورة يناير إلى النساء وإن طالها الضباب 
كما طال الجميع» فهن ما زلن فاعلات في منظمات وليدة» وما زلن يمن 
حول الميدان كي لا يفقدن ثباتهن. لا يزال الميدان على الرغم من محاولات 
تشويهه منطقة عصيّة على التشويه. خرج التحرير من الالتباس المشوّه الذي 
تعانيه النساء أكثر من الآخرين, الالتباس بين بنية الحداثة المقبلة على عجلة 
المستعمر القديم والحديث. وبنية تقليدية ترسم حدود الأفراد وتقرر مواقعهم 
حتى قبيل مولدهم ولا تقبل تغييرًا في بنائها الثابت» بين حداثة مرفوضة داخليًا 
ومشوّهة المقاسات وتقليدية قمعية تُقصي النساء. لذلك استقبل ميدان التحرير 
نورك لالترره ليث للا نظام عراسي وإتقاط وكائرر تعس لكزها عمل 
مركية تمس البنى كلها المحيطة بالإنسان» ومن ذلك الثورة على البنى المنتجة 
الرجعية والتهميش والمواطنة المنقوصة لجنس بشري كامل. 


(03) .< أمصتط. 02606647١16-1عان‏ هتدم عن [أط-وع نه 111 3150116110 1موو// :مط > 


53 


الورفة الثانية 


تدوين ذاكرة الثورة المصرية : 25 يناير مسرحيا 


محمد سمير الخطيب 


مقدمة 


تتعدد أنماط سرد التاريخ» ويعد التاريخ الشفوي”" أحد أنماطه. 
والتاريخ الشفوي هو التاريخ الذي يحمل الحكايات الصغرى المنسية عن 
الحوادث الكبرى» يتوسل بالشفوية سبيلا لتعيين الحوادث التاريخية من 
أجل تحقيق الاستمتاع والفائدة. ويتدخل في صنع التاريخ الشفوي بعض 
المهمشين في المجتمع الذين يعايشون الحوادث بعمق وطبقًا لخبراتهم 
الحياتية؛ وبعفوية تجعلها سهلة التداول والحركة من جيل إلى آخر. لذلك 
يُعد التاريخ الشفوي عنصرًا ضروريًا في تكوين ذاكرة الأمم وربط الماضي 
بالحاضر والمستقبل. 

يتسم التاريخ الشفوي بالحركية وتعدد وجهات النظرء ما يشكل صعوبة 
كبيرة 0 0م ل ا 
او ارس رماع تت بي لطزاء قوى الطبقات الحاكمة تحالينيا 


(1) يعتمد على روايات أفراد الشعب عن تاريخه والمنعطفات الكيرى التي يمرّ بها. 


55 


وعلاقاتهاء وتنطيق هذه الحال على الشهادات الشفوية عن الحوادث الكبرى 
مثل ثورة 25 يناير 2011©. 

يستند الباحث إلى دراسة الشهادات الشفوية» معتمدًا على الدراسات 
المنهجية في التاريخ الشفوي التي حاولت أن تضبطه بدقة» ذلك أن للشهادات 
الشفوية فكرة يجب إيصالها إلى المتلقي©. كما يستعين الباحث بمنهج جيرار 
جينيت في دراسة الراوي لفحص تقنيات راوي الشهادة الشفوية وتحؤّلاته في 
حال حضوره ومسرحة وجوهه أمام الجمهورء انطلاقًا من فرضية أن اختلاف 
الوسيط سيؤدي إلى تغير حضور الراوي» إضافة إلى حدوث تغير في بنية 
الشهادة الشفوية» ذلك أن المسرح يؤسس على كتابة درامية*؟ تحمل وسائل 
تأثير وتشويق وجذب تكشف عن أنموذج إنساني يقوم به مؤدٌ يُمَقَل الشهادة في 

إن هدف البحث عندما تمسرح الشهادة الشفوية من خلال المسرح الذي 
هو بمنزلة وسيط معرفي وجمالي مختلف, هو أن يساهم في إيجاد مساحة 
مشتركة بين المرسل والمتلقي لتبادل المعارف والكشف عن الحقائق التي 
تخفيها الوقائع الرسمية. ويرى الباحث أيضًا أن هذه النقطة تساهم في معرفة 
رأي الجمهور في الشهادة الشفوية عبر ردة الفعل المباشرة باستحسانه لها عبر 


)2( استمرت ثورة يناير 2011 ثمانية عشر يوماء وكان شعارها لاعيش 556 حرية ... عدالة 
اجتماعية*. وهى ثورة قام بها الشعب المصري ضد الحكم الاستبدادي. للمطالبة بدولة حديثة» وانتنهمت 
بتئحي حسني مبارك. 

() طاعممعممة عتاكالصسا8 ىم :وماكنت! لد0 مذ بإتلتطنتا؟ لمة منطافمممكلم» بعندا8 1 بوم 
أقة ,7-22 .رم ,(1990 ظتمتاياث) 4 .20 ,12 .01+ ,ابوتمماكللط عزإاؤبوط 186 «ربومعط1 لمعه 'ورمامفمطه156 م) 
لإدماكنا! [08 عا ما ممتأهء نتهمناتمد200» بممطولاء54 .71 825 لمعه 11102 .ل اعمطءك4ة معاممقات مممعمانة .ع8 
لواعالط أه+0 إه أهتلاول أمنه ه177 «بمتدنآ [02 وستاءوم عتما [أه مس اطمرظ ومتموتاى رمآ :حم ابجعاما 

.(1980 لمقنوططء) 1[ .20 ,1 .آم 


(4) يرى داوسن أن الدرامية هي الحيوية والحركة قبل كل شيء؛ ولما كانت الأشياء حية على 
الإطلاق فإن الدرامية تنبث في كل زمان ومكان على الإطلاق» فيسعنا القول دونما تحفظ إن ما هو بريء 
من الدرامية براءة متطرفة» بل مطلقة هو الجنة» حيث تسترخي القوة الروحية وكأنها في سبات أبدي». 
انظر: س. و. داوسن.ء الدراما والدرامية» ترجمة جعفر صادق الخليلي؛ راجعه وقدّم له عناد غزوان 
إسماعيل» سللة زدني علمًا (بيروت: منشورات عويدات. [د. ت.])؛ ص 29. 


56 


التصفيق. هذا ما يكشف عن أهمية أداء الشهادة ومسرحتها في العصر الحالي 
كعنصر بديل من الروايات الرسمية. لذاء يستعين الباحث بأنموذجين مسرحيين 
يُمسرحان الشهادات الشفوية للثورة المصرية في عام 2011. 
أولا: الشهادة الشفوية وسيطًا اتصاليًا 

تعتمد الشهادة الشفوية على الروايات أو الحكايات الشخصية لبعض الأفراد 
الذين عايشوا حدئًا تاريخيًا أو ثقافيًا أو سياسيًا ماء يتوجهون به إلى متلق لتنويره 
بوقائع مسكوت عنها. لذا فإن الشهادة الشفوية هي وسيط اتصالي يَعتمد على: 

- مرسل يقوم بأداء شهادة عن حدث تاريخي أو ثقافي ما من وجهة نظر 
معيّنة في حال أشبه بلقطة الكاميرا. 

- رسالة عبارة عن نسيج مفهومي متشكل من لغة الشهادة تؤدي إلى معنى 

ِ تلق له خلفية ثقافية وفكرية تختلف باختلاف قيم كل ثقافة. 

من خلال التعامل مع الشهادة الشفوية على أنها وسيط اتصالي في 
الأساس فهي تحمل سمة إنتاجية للحوادث التاريخية. لذلك تُعد الشهادة 
الشفوية» خصوصًا في الحوادث الكبرى التي تمر بها المجتمعات مثل ثورة 25 
يناير» عنصرًا حاسمًا في الكشف عن الحقائق» وبمنزلة شكل اتصالي لا غنى 
عنه. إن ما يفسر الشهادة الشفوية كشكل اتصالي في السرد التاريخي عوامل 
عدة نحصرها في بعدين سابد 

- معاصرة الدراما المعيشية على المستوى الشعبى الذي عاصر ثورة 25 
يناير» وكشف وجهات النظر المتعددة التي تجعلنا نرى الحدث بصورة متكاملة» 
ما يسمح ببناء دولة حديثة تنطلق من مبادئ ثورة 25 يناير. 

(5) استفاد الباحث من بحث وسائل الاتصال والعالم الدرامي: من الفولكلور إلى العرض 


الواحد. عبد الرحمن عري» دراسات في نظرية الاتصال: نحو فكر إعلامي متميز» ط 2. سلسلة كتب 
المستقبل العربي؛ 8 (بيروت: مركز دراسات الووحدة العربية. 0)2009 ص 100-21. 


57 


- مناهضة سيادة الثقافة السلطوية» خصوصا في وسائل الاتصال السمعية 
والبصرية والمؤسسات الرسمية التي تخفي الحقائق وتدعم بطريقة أو بأخرى 
تلك الأنماط المناهضة للثورة. 


من هذا المنظورء فإن الشهادة الشفوية للمهمشين» بوصفها تمثل تاريخًا 
بديلاء فإنها يمكن أن تمثل أيضًا إعلامًا بديلا متعددًا يتعدد صانعي الشهادات 
الشفوية للمساهمة في الكشف عن تاريخ بديل. إن دراما الشهادة الشفوية 
المومشين جهد اجتباعى هادف يسني إلى تنيين المجتيع: تعنيرا عن فناعة 
ذاتية يُعبّر فيها الفرد عما يريد الإفصاح عنه. انطلاقا من ذاتيته» لا بهدف مصلحة 
أو منفعة» وبناء على مستجدات الواقع التي تتفرع وتنجز فيه الشهادة الشفوية 
وفق تفاعل الإنسان مع الزمان والمكان. 

كانت الشهادات الشفوية للمهمشين في مصر يمنزلة الدراما المعيشة 
للثورة المصرية على المستوى الشعبي» وفي حاجة إلى وسائط إعلامية أكثر 
انتشارًا لتصل إلى الشعب من أجل تبادل المعارف بين مواطنيه. كما تجعلها 
تبني دراما بديلة متعددة نابعة من أفراد الشعب وثقافته وحضارته. بدلا من 
دراما وسائل الإعلام نفسها التي ترسخ قيمًا أحادية وتؤسس على قيم المنفعة 
وتتحكم بها علاقات القوى» مثل رجال المال والاقتصاد. 

إن الربط بين الشهادة بوصفها شكلا اتصاليًا والإعلام عنها لا يكفيان من 
أجل التأثير في المتلقي والمساهمة في إنشاء تاريخ بديل. وإنما يجب أن يشكل 
أداتها الأساس في تركيبته لأنها تُعلم عن حدث ماء إلى حد أننا يمكن أن نقول 
إنه لولا الإعلام عنها ومحاولة توصيل الشهادة إلى المتلقي لما كان هناك معنى 
لها. من ثم» يجب اللجوء إلى عمليات أخرى لنجعلها تحافظ على تعدديتها 
وقوتها وإحداثها ثغرة في التاريخ الرسمي ومنطقه. 

لذاء يرى الباحث أن المسرح يمكن أن يكون أحد الوسائط من أجل 
الإعلام عن هذه الشهادات. وينبع هذا الاعتقاد من أن فن المسرح فن شعبي 
جماهيري يعتمد على الحضور الحي لتخرج الشهادة من بعدها السكوني إلى 


58 


البُعد التفاعلي» وتصبح (الشهادة ... الآن ... هنا)©». تتحول الشهادة الشفوية 
إلى حالة فرجة وتشكل كل شهادة للمهمش مشهدية تأوّل. هذا ما حدث بالفعل 
في مصر في أثناء ثورة 25 يناير» حين ظهرت مجموعة من الشهادات الشفوية 
تحاول تعيين الحدث الثوري في حدود خبرات أفرادها المعرفية ومشاركتهم 
فيهاء ما جعل من المسرح وسيطا مهما لتداول الشهادات الشفوية عن الحدث 
الثوري في مصر والمنعطفات الحدية التي مرت به وتدوينها. كما استطاع في 
إنتاج الشهادة عبر تناصات جديدة تخرجها من طابعها الفولكلوري وأنواعه 
الشفوية والقريبة من الحكاية الشعبية إلى طابع شعبي جماهيري» ومن طابعها 
السردي إلى طابعها الحدثي. 


لذاء يعتقد الباحث أن الاستعانة بفن المسرح تعطي قوةٌ للشهادة الشفوية 

من أجل بناء تاريخ بديل» ويجعلها أكثر تأثيرًا في المتلقي وتجعله أكثر انشدادًا 
إلى الواقع اليومي وأكثر التصاقًا بالحوادث الجزئية» لأن قيم المسرح تعتمد 
على المساءلة والمراجعة؛ على العكس من وسائل الإعلام التي ترسخ قيم 
الامتثالية وإنتاج وجهة نظر واحدة والقضاء على تعددية وجهات النظرء ذلك 
أن كل وسيلة إعلامية تتبنى وجهة نظر واحدة. من ثم يمكن أن نجمل فائدة 
العرض المسرحي في تقديم الشهادات الشفوية: 


أولًا: تتحول الشهادة إلى عنصر تفاعلي وتتخلّى عن بُعدها السكوني» 
ما يساهم في القضاء على التلقي السلبي للشهادة الشفوية» وتجعل الجمهور 
دار الك اق قرم ارح سول عاب را جاتن 

لقائم في المجتمع والمصالح المتعارضة والأهواء المتنافرة. 


(6) يعتمد المسرح على الحضور الحي بصرف النظر عن سمته الأدبية التي رأى النقاد 
السيميولوجيون أن النص المسرحي في الأساس يكتب من أجل العرضء ذلك أن المسرح يقوم على 
ثلاثية: نحن... الآن... هنا. انظر: نهاد صليحة» نافذة على المسرح «القاهرة: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب؛ مكتبة الأسرة» 1995). 

(7) تشترك الحكاية الشعبية مع الشهادة الشفوية في علاقة تناصية» إذ إنهما يكشفان عن خبر» 
وتجري محاكاته. بخصوص الحكاية الشعبية» انظر: عبد الحميد يونسء الحكاية الشعبية» الأعمال 
الكاملة 213 (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة» 2007): ص 419. 


59 


ثانيًا: تجعل الشهادة الشفوية متماشية مع قيم العصر الحالي الذي تسيطر 
عليه الثقافة البصرية الذي يشيع مجموعة من القيم منها أن قوة الحوادث لا ترجع 
إلى صدقهاء بل إلى جملة العمليات التي تنتهجها في سبيل الإعلام عنها". 

يكن اد نحن المطتين السابقتين في مفهوم واحد هو مسرحة المسرح 
للشهادة الشفوية» فالأولى : تختص بمنطق درامية الشهادة الشفوية وهي الخطوة 
الأولى التي تعطي للشهادة حيوية وحركة وتدفمًا لتصبح مؤثرة في المتلقي» ذلك 
أن كتابة الشهادات بطريقة درامية تخرج من منطق الإخبار إلى منطق التمثيل 
المعرفي» كما تتخلص اللغة من بعدها الإبلاغي وتنتقل إلى بُعدها التعبيري؛ 
فيصاحب ذلك تغيير على مستوى بنية الشهادة الشفوية نتيجة الاستعانة ببعض 
الأساليب الفنية» منها أن: 

- تصبح الشهادة المتعلقة بالسيرة الذاتية ذات معان إنسانية» تحاول صنع 
بطل أو أنموذج إنساني من أجل الاحتذاء به. لتأكيد تاهب الوطنية والانتماء. 

- تقدَّم شهادات ذات خلفية غير مياشرة (أي كشاهد عيان مثل شخصية 
رضا رماد المسجل الخطر) بالحدث الثوري» ونستدل من خلالها على قيم 
ومبادئ أخلاقية» ويجب أن تؤدي حوادث الشهادة إلى إيصال هذه القيم 
بأسلوب بسيط إلى المتلقي. 

- تستخدم تقنية الفلاش باك (ههططعا)؛ وهي طريقة لاسترجاع الحوادث 
تجعل المتلقي يتفاعل مع الحدث كأنه يعيش مع مرسل الشهادة» ذلك أن 
المرسل يبدأ باللحظة الآنية أمام الجمهور ويصطحبه في غمار شهادته. هذا 
الأسلوب يساهم في شرح الحدث الثوري بدقة» وهو وسيلة تساهم في إعطاء 
المتفرج دروسًا مستفادة من الوقائع. 

- تعطي الشهادة مسحة مثالية بأنها تهدف إلى بناء مجتمع أنموذجي» 
وأن المهمش يريد بناء مدينة تدعو إلى المعرقة والعدالة» ومن ثم تتمايز 


(8) عيد السلام بتعبد العالي» لعقلانية ساخرة (المغرب: تويقال للنشرء 2003)) ص 22. 


060 


الطريقة الدرامية للشهادة بالتوجه المباشر إلى المتلقي ومخاطبته من أجل 
جذبه إلى سياق مرسل الشهادة؛ وهي أنه لو كان مكان مرسل الشهادة لقال 
ذلك. فهي طريقة يدمج فيها مرسل الشهادة بين الحاضر المتخيل وزمن 
الشهادة» ويقدم الشهادة في تفصيلاتها كلهاء فيساعد في إحداث شعور بأنها 
حاضر درامي مستمر. وهذا ما يجعل للشهادة الشفوية وظيفتين أساسيتين: 
الأولى وظيفة أخلاقية تتفق مع قيم وأنواع الفولكلور ووظائفها في أنها 
وسيلة تعليمية وتربوية محملة بقيم ثقافة معينة لتوطينها في نفوس الأجيال 
الأخرى؛ والثانية وظيفة معرفية تهدف إلى نقض روايات التاريخ الرسمي في 
شأن بعض الحوادث التاريخية. 

أما النقطة الثانية فتختص بمسرحة الشهادة» وهي طبيعته الاحتفالية؛ إذ 
تخرج الشهادة من منظور ماذا تقول إلى منظور كيف تقدم من أجل التأثير في 
المتلقى. 


يتوقف تقديم التاريخ الشفوي على طبيعة المجتمعات وثقافتهاء فلكل 
مجتمع وسائله» فعند الإغريق أدّيت الطقوس التي يحتفلون بها بأعياد الحصاد 
عند (ديونيسيوس)!0. مرفقة بالحركة والؤيماءة والإشارة» وكانت تحمل بين 
طياتها سمة الشهادة الجماعية على حوادث معينة وتنقل قيم الجماعة في شكل 
كرنفالي. 

أدى المسرح دورًا مهما في بقاء روايات في التاريخ الشفوي عندما 
مسرحهاء ونلمح ذلك في حالة الدراما الإغريقية التي كان أقطابها مثل 
إيسخيلوس”"" وسوفوكليس” يسردون حوادثهم التاريخية في مسرحياتهم» 


(9) ديونيسيوس: من آلهة جبل أوليمبوسء وهو إله الخمر والجنون» والمهرجانات» وهو ابن 
زيوس. 
(0) إيسخيلوس: (525 - 452 ق. 4 من أشهر مسرحياته «الفرس»», و«الضارعات»» و9اسبعة 
ضد طيبة»» و«بروميثيوس مقيدًا». 
1 (11) سوفوكليس: (496 - 405 ف. م)» في أثيئا كتب عددًا من المسرحيات» أشهرها «أوديب 
ملكا» و(انتيجون»؛ وانساء تراخيس». 


61 


ويستعينون بالموروثات الشفوية مثل الأساطير» فكانت نصوصهم الدرامية 
عبارة عن شهادات في حال تدوين الموروثات الشفوية الإغريقية التي ساهمت 
في بقاء الحوادث التاريخية وإيصالها إلى الأجيال المختلفة. 


ثانيًا: مفهوم المسرحة!*") 


ظهر مفهوم المسرحية في بدايات القرن العشرينء وكان الغرض منه 
تمييز المسرح عن باقي الفنون على اعتبار أنه فن يتميز بالحضور الحيء إلا 
أن التدقيق في هذا المفهوم يجعلنا نلاحظ أنه ملازم للفعل الإنساني منذ بداية 
الخليقة» ولا يقتصر على فن المسرح ذاته. ونستدل على ذلك من خلال ميل 
الإنسان البدائي - بغريزته إلى التمسرح - والتظاهر في تعاملاته كلها مع الطبيعة 
من حوله ومع أخخيه الإنسان» بل مع الكائنات كلها والموجودات من حوله. 
عندما كان يأتي إلى عشيرته آخر النهار ليحكي - مشخصًا - لهم كيف يصطاد 
فريسته» مستخدمًا عناصر جسده التعبيرية من إيماءات وإشارات وحركات دالة» 
تحمل معاني ما يسرده لهم. 


نتفق مع نيكولاي إفرينوف على تسمية فعل الإنسان البدائي للمسرحة 
ومحاكاة نقل تجاربه إلى أفراد قبيلته التي سمّاها إرادة المسرح» بوصفها غريزة 
لا تقاوم وتوجد لدى - جميع البشر مثلما الحال مع اللعب مع الحيوانات» وهي 


(12) ترى ماري الياس بخصوص المسرحة على خخشبة المسرح أنها مكان له وجود مادي حقيقي 
فارغ مرئي يمثل أو يستحضر بشكل رمزي مكانًا آخر غاتبًا. ومن التعريف نستخلص الآتي: من غير 
المهم؛ في هذا السياق تحديد ما إذا كانت هذه الفكرة هي نتيجة وجود المسرح أم أن المسرح انبثق 
مئها. المهم أنه في النتيجة يمكننا القول إن المسرح هو المكان الأمثل الذي نرى فيه الشيء غير الموجود 
هنا - الآن (أو نستحضره)» وهذا الشيء الغائب - الموجود من خلال المسرح يؤثر فينا ويضاف إلى 
تجربتنا الحياتية. وبالتالي» فإن فكرة المسرحة غير مرتبطة جوهريًا (وإنما تقنيا) بتحويل شيء أو فكرة أو 
حادثة إلى مسرح وإنما بشكل إدراكنا لهذا الشيء؛ وهي مرتبطة ارتباطا وثيقًا بنظرتنا إلى الأمور وبشكل 
إدراكنا العالم (فنحن نرى في الحلم مشهدًا)» وبالتالي يمكن لتعبير المسرحة أن يتجاوز ما هو مرتبط 
يشكل مباشر بالمسرح. لذا فإننا نعتبر ظهور المسرحة في المسرح ردة فعل على قواعد المسرح الغربي 
والفنون (المحاكاة والإيهام والتمثل) وفلسفتها. انظر: ماري الياس»؛ «مفهوم المسرحة:» مجلة الفن 
المعاصر (أكاديمية الفنون - القاهرة)؛ العدد 6 (2007)» ص 205. 


62 


قائمة لدى الإنسان قبل أي فعل جمالي؛ فالمسرحة من وجهة نظر إفرينوف 
هي احس التنكر والمتعة في إيجاد الوهم وعكس صور النفس والواقع على 
الآخرة”"» ما دفعه إلى اعتبار المسرحة غريزة تحوّل مظاهر الطبيعة. فهي 
عملية قبل جمالية تسبق الإبداع بوصفه فعلًا جماليًا متكاملا"©. فدقع هذا 
ألكسندر باكشي إلى تعريف الغريزة بأنها: #دافع طبيعي للحدث الدرامي يوجد 
عند البشر جميعّاء إنها الجهد الذي يبذله الفرد كي يبدو مختلمًا عن حقيقته. إنها 
ممارسة للتصنع» فنحن نسعى في هذه الحياة إلى تحقيق هذا التتكر الجزئي أو 
الكلي كي نحقق مجموعة من النتائج العملية بعضها يكون حسن النية» وبعضها 
الآخر يكون ذا نوايا سيئة» بعضها يكون جاذَّاء وبعضها يكون ذا طبيعة مازحة» 
لكن أيّا كانت النتيجة فالقعل الدرامي يشكل جزءًا من تصرفاتناء وربما نمارسه 
بلا وعي على الإطلاق 0 


من هذا المنظور تعتمد المسرحة في الأساس على الإنسان الذي يقدم 
صورًا عن ذاته. تحول مظاهر الطبيعة والواقع إلى كيان مفهومي» وهذه الحالة 
تنطبق على قول الشهادة الشفوية وصناعتها من حيث: 

- اللعب. فإنه يقدم شهادته التي هي بمنزلة تجربة وجودية عن حدث 
تاريخي ما. 


- التخييل» فإنه يقدم صورة عن ذاته عبر مسرحة تجربته» وتدوّن لغويّاء 
وتعكس صورة الذات على الواقع والآخر. 

- المحاكاة للواقع وإيجاد صورة عنه طبقَا لثقافته وأفكاره وميوله 
وانتماءاته. 


() جوزيت فيرالء «المسرحانية: بحث حول خصوصية اللغة المسرحية»» ترجمة صالح راشد. 
مراجعة هدى وصفيء قصول: مجلة النقد الأدبي» السنة 4ه العدد 1 (ربيع 1995): ص 62. 

(14) المصدر نفسه؛ ص 2 6. 

(15) أدوين ديورء فن التمثيل: الآفاق والأعماق» ترجمة مركز اللغات والترجمة - أكاديمية 
الفنون؛ مراجعة وتقديم سامي صلاح؟ تصدير فوزي فهمي (القاهرة: أكاديمية الفتون» 1998)» ج 1» 
ص 31-30. 


63 


من ثمء يمكن القول إن المسرحة إحدى الوسائل المهمة لفهم الإنسان 
العالم المحيط به وخاصية ملازمة لقائل الشهادة الشفوية في قراءته الحوادث 
التاريخية وفعل تحويلي يتكوّن من الغريزة مضافًا إليها التقنيات المسرحية التي 
تعينها في توظيف الحدث التاريخي. من ثم» عندما تجري مسرحة الشهادات 
الشفوية في عرض مسرحي يصبح المتلقي طرفا في اللعبة المسرحية التي تستند 


إلى عناصر محددة©22: 
- حرفية الشيء من خلال الوجود المادي للأشياء والأشخاص على 
الخشبة. 


- هدف العرضء وهذا الوجود محاكاة الأشياء والأشخاصء أي يحاكي 
الواقع أو يقلده. 
- الشمولية الفنية» تلتقي الفنون كلها على الخشبة. 


- علاقة المواجهة أو المواجهة الجسدية وبالعين بين ما يُرى ومن يرى. 
ثالمًا: نماذج تطبيقية لمسرحة الشهادات الشفوية 
1 - مسرحة الشهادات الشفوية: تحولات راوي الشهادات الشفوية 


تعد كتابة التاريخ وتدوينه من الوسائل المهمة لمعرفة ذاكرة الأمم وترتبط 
الشهادات الشفوية بتقديم تجربة ذاتية لذات ما عن المجتمع. هذه الذات ربما 
تعاني ضغط لحظة حديّة تجبرها على الدلو بنصها في هذا العالم للكشف 


(16) فيرال» ص 70. 

إذا كانت مسرحة المسرح تؤسس على وجود الممثل» فإننا من منطق مماثل عندما ندرس الشهادة 
الشفوية نركز على وضعية الراوي في المسرح من خلال موقعه من طييعة الشهادة/ النص ومنظوره 
الحكائي من جهة» ومن جهة أخرى موقعه في الحضور الآني وتقنياته الأدائية لإحداث التفاعل مع 
الجمهورء بالتالي عندما نمسرح الشهادة الشفوية نعتمد على أربعة عناصر: النص «البناء الدرامي» 
الشخصية؛ اللغة الدرامية»؛ المؤدي «التحولات البنيوية من الراوي/ السارد إلى المؤدي/ الممثل» 
التمثيل؟؛ المتلقي؛ مكان العرض. 


64 


عن وقائع مر بها المجتمع. من ثم فالشهادة الشفوية هي لحظة معرفية للذات 
الإنسانية» قد يكون لها يُعد أخلاقي يرتبط بالكشف عن فضاء المجتمع من 
خلال ثنائية الصدق/ الكذب للروايات المصاحبة للتاريخ الرسميء لأنها لا 
تتلاءم مع تصوّرها الأخلاقي للحدث من جهة» ومن جهة أخرى بُعد معرفي 
يرتبط بكشف التناقضات الأيديولوجية لبعض الروايات عن الواقع الذي يروّجه 
التاريخ الرسمي. 

مما سبقء يمكن القول إن الشهادة الشفوية تعطي نصها للعالم باعتبارها 
شكل الحقيقة الخاصة بقائلهاء ولأنها اعتمدت على شكل الحقيقة» تقدّم 
طريقة خاصة لتمثيل العالم عبر تحديد الواقع والفضاءات والعلاقات التي 
تربط الشخصيات بعضها ببعض. لذاء تدخل الشهادة في العالم صانعة تناصات 
جديدة معه27» وتلقى ظلا للا من المساءلة على ما هو موجود. لأن صاحب 
الشهادة في أثناء صناعة نص شهادته يُدوّن التاريخ في حالته الشفوية» ويتحول 
إلى ذات منفعلة به ومنقسمة على نفسها: 

- ذات مؤلف يكتب الواقع» ويفحص حوادثه التاريخية» ويُعيد تراتبية 
القيم في داخلهاء فيُولد النص المختلف المغاير. 

- ذات قارئ/ مؤول لهذا العالم/ النص ويبحث في هوامشه وما استبعدته 
بعض الشهادات» وما كبتته ومنعته من الحضورء ليحوّل التاريخ الرسمي 
المُدوّنَ إلى مفهوم الوثيقة» لينقض أرشيف الثقافة من أجل تدوين جديد لها. 

أما عندما تُمسرح الشهادات الشفوية في عروض مسرحية تبني تناضًا 
جديدًا مع العالم» نظرًا إلى اختلاف وسيط الاتصال ذاته. فإذا كانت الشهادة 
الشفوية قد تدوّن في شكل لغوي أو تؤدى في مكان يشبه المجلسء فإن 

(17) مفهوم التناصء وهو مصطلح نقدي ابتكرته الناقدة الفرنسية جوليا كريستيفا واستوحته من 
مفهوم الكرنفالية للناقد الروسي ميخائيل باختين. وتطور المفهوم على يد رولان بارت وجيرار جينيت» 


ويعني المصطلح انتقال علامات نص في نص آخر. انظر: محمد عناني» المصطلحات الأدبية الحديثة: 
دراسة ومعجم (إنكليزي - عربي)؛ ط 2 (القاهرة: دار لونجمان للنشر, 1997). 


65 


مسرحتها في شكل لغوي/ أدائي نابع من تقنيات الكتابة المسرحية» تتحول 
الشهادة الشفوية إلى حكاية أو حدٌوتة تجري في مكان مسرحي له قيّمه الجمالية 
والمعرفية» مايستلزم تغييرات في بنية الشهادات سواء بعلاقتها بالمرجع 
الواقعي والتاريخي ي أم في تكوين الراوي نفسه ووظيفته: 


1- التغيير في علاقة الشهادة بالمر جع التار يخي 


تتغير علاقة الشهادة الشفوية بالمرجع التاريخي» نظرًا إلى انتقال موقع 
النظر إلى صدقها من شخصية مرسلها وصدقه الواقعي إلى نص الشهادة نفسه 
المرتبط بالصدق الفني. من ثم يمكن القول إن الصدق الواقعي يتأكد بواسطة 
الصدق الفني الذي يعتمد على معايشة تجربة إنسانية ماء والكتابة عنها نتيجة 
التأثر بها والانفعال بتفصيلاتها. 


من هذا المنظورء تصبح الشهادة الشفوية في حال المسرحة أكثر قوة 
في طريقة صنعها التاريخ لتداخل البُعد الذاتي (في أن الشهادة تحمل سمات 
نموذجية إنسانية يقوم بأدائها بتقنيات فنية) مع البُعد الموضوعي (في أنها ترصد 
واقعًا ما). من هناء لا تتوقف قوة الشهادة من خلال مسرحتها على صدق 
تعيينها للواقع فحسبء بل على جملة العمليات التي تنتهجها من أجل التأثير 
فئ المتلقي !29 

ب- تكوين الراوي ووظيفته 

نتيجة تحوّل التاريخ إلى نص لغوي/ أدائي» بواسطة وسيط المسرح. 
تتحول وظيفة مؤلف الشهادة الشفوية من اليُعد الإخباري/ الإبلاغي ١‏ لمنفعا 
بالواقع إلى البّعد الإبداعي/ التعبيري المطلوب منه تحقيق الفاعلية في 

(18) تتماشى التغيرات التي تحدثها المسرحة مع قيم الإعلام المعاصرء لذا يرى الباحث أن 
المسرحة وسيلة ضرورية من أجل تأثيرها في المتلقي وتوطينها في المجتمع مرة أخرى لأنها تعطي 
للشهادة الشفوية مفهومًا جديدًا للصدق يرتبط بالصدق الفني. انظر: رولان بارت [وآخ.]ء الأدب والواقع» 
ترجمة عبد الجليل الأزدي ومحمد معتصم (المغرب: تيئمل للطباعة النشرء 1992)» ص 47-45. 


66 


إنتاجه واقعًا ما2'9. في تلك الحال تنتقل ظاهرة الشهادة الشفوية من المؤلف 
أو نصه المعزول إلى جدلية العلاقة بين المتلقي والشهادة نفسهاء وتصبح 
للشهادة أهمية أكثر»ء نظرًا إلى انقسام ذات مؤلف الشهادة إلى ذات راو 
وذات مرويٌ له(220, 

من خلال ما رُصدء يمكن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية تعتمد في 
الأساس على حضور الراوي» وتختلف وضعيته طبقًا لعلاقة الراوي بالمروي 
(المؤدي/ الممثل)» وطبيعة الشهادة المكتوبة وعلاقتها بالراوي التي يمكن 


رصدها من خلال عدي (221: 


- المنظور «ناءهمدم»5): إن لكل شهادة مستوى ما في تعيينها الواقع طبقًا 
لموقع القارئ ونخيراته المعرفية إزاء الحوادث والشخصيات. وتناولت شهادات 
مختلفة في العروض المسرحية في اليوم نفسه. لكن لكل قائل شهادة ينقلها 
بالقدر الذي استوعبه وكما شاهد هو. 


- المسافة (©2مهاون0): تفرضها طبيعة العرض المسرحي في وضعية الراوي 
والمتلقي» وهي وضعية تتحقق عبر إدخال الراوي المتفرج في لعبة الويهام 
المسرحي. وهي المتخصصة بتقنيات أداء الراوي. 


تعددت صيغ وجود الشهادات الشفوية فى العرض المسرحى بعد ثورة 
5 يناير» وكان الهدف من مسرحة الشهادات الشفوية تنمية الوعي السياسي 
في هذه اللحظة الحذية التي كان يمر بها المجتمع. وتركزت الشهادات الشفوية 
على موضوعين أساسيين: 

(19) بخصوص تغير وظيفة اللغة طبقًا لأطراف العملية الاتصالية؛ انظر: رومان ياكبسون, قضايا 
الشعرية. ترجمة محمد الولي ومبارك حنون (المغرب: دار توبقال للنشرء 8 ) ص 33-27. 

(20) استفاد الباحث في تقسيم راوي الشهادات الشفوية من كتاب: جيرار جنيت» خطاب 
الحكاية: بحث في المنهج. ترجمة محمد معتصمء عبد الجليل الأزدى وعمر حلى. ط 2., المشروع 


القومي للترجمة (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة 1997). 
() المصدر نفسه.ء ص 178 و197. 


67 


- حوادث ثورة 25 يناير» والمنعطفات التى مرت يهاء خصوصًا في 25 و28 
كانون الثاني/ يناير 2011» أي في اليوم الذي تعاملت فيه قوات الأمن بوحشية مع 
المتظاهرين. وهذا ما كانت معظم الروايات الرسمية تخفيه وتمنع ظهوره. 


- تناول الوضع في مصر بعد تنحي حسني مبارك» ورأي المهمشين في 
الاستقطاب الدائر في أنحاء المجتمع كلها بين قوى النظام السابق والقوى 
الثورية. 

تمحور خطاب الشهادات الشفوية حول نظام استبدادي كبّل حرية 
الفرده وفرض وجوده عبر جهاز الأمن» وأشاع القهر وتكل بكل معارض. 
وركز معظم شهادات العروض على بعض المهمشين الذين كانوا وقود الثورة 
(مثل الطالب الجامعي والروائي وبائعة الشاي التي كانت موجودة في ميدان 
التحرير والمسجل الخطر ... وغيرهم من المهمشين). من هنا اتخذت مسرحة 
الشهادات الشفوية صورًا عدة يمكن أن نقسمها إلى نوعين: 

- عروض توئيقية بحتة للشهادات الشفوية التي تقوم على توثيق الحوادث 
بشكل حرفي لإظهار زيف السلطة الحاكمة من خلال وثائق حقيقية» مثل عرض 
امش باقي مني» الذي يوثق حادثة استشهاد أحمد بسيوني» عن طريق الشهادات 
الشفوية المختلفة. وعرض (لا وقت للفن» للمخرجة ليلى سليمان التي تعرض 
فيه شهادات عن محاكمات عسكرية لمدنيين في أثناء الثورة. 

- عروض الحكي للشهادات الشفوية التي اعتمدت على أداء أصحاب 
الشهادات وتحوّلهم إلى حكائين» وفي تلك العروض التي يشارك فيها هذا 
الحكاء مشاركة فعلية تعر عن تجربة ذاتية في إطار مسرحي يجمع بين 
ما نستطيع أن نطلق عليه سمة «توثيقية» وطابعًا احتفاليًا أيضًاء مثل عرض 
«حواديت التحرير» لداليا بسيوني» وعرض «ببساطة كده» لريم حاتم» وعرض 
«تحت ضوء قمر الثورة» لهاني عبد الناصر. 

هكذا يمكن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية من خلال العرض 
المسرحي هي بمنزلة استلهام لها نتيجة كتابتها بطريقة درامية» ما يجعلها أكثر 


68 


جمالا ومتعة. ذلك أن تمثيلها العالم يصبح مقترنًا بالتخييل» عندئل. وكما 
يؤكد رولان بارتء فإن الذين يتجنبون إعادة القراءة والكتابة يقرأون دائمًا 
الحكاية نفسها. 


2 - مسرحة الشهادة الشفوية فى عرض «لا وقت للفن» 


قدّمت المخرجة ليلى سليمان'© عرضها المسرحي «لا وقت للفن6©© 
بعد ثورة يناير للتنديد بمحاكمات المدنيين في محاكم عسكرية من خلال 
شهادات موثقة حقيقية لبعض الأشخاص. تدور الحوادث حول الممثل علي 
صبحي الذي اعتقل بحكم عسكري بتهمة البلطجة بعد ثورة 5 يناير. وشغلت 
القضية الشعب والفنانين» ونتيجة ذلك اطلقت حملات إلكترونية تندد باعتقاله» 
وأبرزها «علي صبحي فنان مش بلطجي». 

أ- استراتيجية كتابة الشهادة الشفوية 

يتكوّن العرض المسرحي من جزأين: الجزء الأول يبدأ بتمجيد شهداء 
يناير من خلال ذكر أسمائهم والوقوف حدادًا على أرواحهم والمطالبة بقصاص 
المسؤولين عن مقتلهم. أما الجزء الثاني فيدور حول حكاية شابين كم عليهما 
زورًا بموجب قانون الطوارئ» فحُكم على الأول قبل الثورة» والثاني بعدها 
(علي صبحي). وتتقاطع الحوادث في سرد الظلم الذي وقع عليهما في وقت 
احتفى فيه التلفزيون المصري بالقبض على هذين الشابين معتبرًا أنهما من 
أعداء النظام وبلطجية الوطن. 

من أجل مسرحة الشهادات الشفوية لجأ العرض إلى تجسيدها من خلال 
صاحبي القضيتين الحقيقيين بعرض قصتهما أمام الجمهور. فعرض الشابان 

(22) تميزت عروض المخرجة ليلى سليمان بتوثيقها الثورة المصريةء وتجميع الشهادات الشفوية 
في عروض مسرحية» وحصلت على جائزة «الحزب الاشتراكي الألماني؛ في عام 2011 عن مجمل 


أعمالها التوثيقية للثورة المصرية؛ كما أنها تقوم بدارسة المسرح بألمانيا. 
(2) عرضت المسرحية على مسرح «روايط» بالقاهرة في حزيران/ يونيو 2011. 


69 


أوضاع اعتقالهما عن طريق السرد وعرض مستندات الحكم عليهما على 
الجمهور المشارك. 

تدين ليلى سليمان من خلال تلك الوثائق والمستندات والحوادث الموثقة 
الاعتقال» وتستخدم شهادة أخرى لشاب اعتقلته الشرطة قبل أربعة أعوام من 
اندلاع الثورة لتنديده بقانون الطوارئ» إضافة إلى إدانة المجلس العسكري 
ومحاكماته العسكرية للمدنى على صبحى فى القضية الأخرىء ما يمثل توثية 
لحادثة معاصرة تفضح استبداد الشرطة والجيش قبل الثورة وبعدها. ‏ / 


ب- التوثيق البصري 

استخدمت سليمان تقنية الشرائح السينمائية في العرض» فعرضت فيديو 
اعتقال علي صبحي وتعذيبه ومن معه بتهمة البلطجة واحتفاء الإعلام في في 
الفيديو بانتصار الجيش المصري على البلطجية المزعومين» ورافق ذلك صوت 
المذيع وهو يعلق: «إنه في يوم 9 مارس تم القبض على هؤلاء البلطجية وفي 
حوزتهم أداوت إثارة الشغب والبلطجة0*©. 


ج- تداخل الأزمنة 

من خلال إقامة علاقة بين الحاضر والماضي» ربطت سليمان بين حادثة 
اعتقال الشاب الأول قبل الثورة واعتقال الجيش :علي صبحي» بعد الثورة» 
وذلك لتوضيح أن السلطة تستخدم الوسائل نفسها في الماضي والحاضرء 
شرطة كانت أم جيشّاء وذلك لقمع الشعب وتلفيق التهم لأفراده عن طريق 
ربط حادثة اعتقال الشاب الأول في عام 2008 وسرد وقائع اعتقاله من 
خلال رسائل تسردها أخته التي أرسلها إليها من السجنء ويتداخل ذلك 
الحدث مع القصة الأخرى لعلي صبحي الذي اعتقله الجيش بعد الثورة» 
والذي يسرد قصته بنفسه» لإنشاء علاقة ربط جدلية بين الحادثتين لتحريض 
الجمهور. 


(24) مقطع فيديو من العرض المسرحي. 


0 


د- تفاعل الجمهور مع العرض 

استخدمت سليمان تقنية محاكمة تُشرك الجمهور في الحوادثء إذ شارك 
الجمهور في العرض من خلال تلاوة أسماء الشهداء وأماكن استشهادهم. 
مطالبًا بمحاكمة المسؤولين عن تلك المذابح. وهذا الذي ظهر في العرض 
أشبه بمحاكمات سياسية» إذ كان الجمهور بمنزلة هيئة محلفين تطالب بمعاقبة 
المسؤولين. ويجري العمل في إطار تفاعلي مع الممثلين الذين يسمعون 
شهادات الجمهور ويضعون علامات على خريطة مصر التي نصبت على: 
المسرح للإشارة إلى أماكن استشهاد الثوار» والأمر الذي يوضح كيف أشركت 
سليمان الجمهور في العرض لتوجيه رسالة إلى المجلس العسكري وقوى 
الفساد بأن الشعب لن يتخلى عن حق الشهداء وسوف يقوم بمحاكمة كل من 
تورط في قتلهمء الأمر الذي يرقى إلى تحريض عبر إثارة مشاعرهم ضد السلطة 
في إثر قتل الثوار. 

ه- فضح زيف الروايات الرسمية 

لجأت مخرجة العرض المسرحي «لا وقت للفن؛ إلى كشف زيف 
الروايات الرسمية عبر إبراز المتناقضات في هذه القضية لفضح السلطة 
والتحريض السياسي عن طريق عرض فيديو من التلفزيون المصري في أثناء 
الثورة يؤكد تعامل الجيش والشرطة مع الشعب بشكل محترم. وهذا ماقاله 
المذيع في الفيديو على النحو الآتي: «وقد أكدت السلطة على ثقتها في 
الشرطة والجيش وطالبتهم بحسن المعاملة حتى تسود حالة الاحترام المتبادل 
بين الشرطة والمواطنين56©. ويقدم في «العرض» فيديو يناقض هذا التصريح 
ويظهر فيه تعذيبٌ وتعدٌ على الثوار ومعهم الممثل علي صبحي واحتفاء الإعلام 
المصري بالقبض على هؤلاء الشبان بحجة أنهم أعداء الوطن وبوصفهم بلطجية 
بعد أن جرى تلفيق التهم ضدهمء وهذا ما يؤكد تناقض السلطة التي تصدر 
أوامر بحسن معاملة الشعب في الوقت الذي تقوم فيه بأفعال أخرى تهين فيها 


(25) مقطع فيديو من العرض المسرحي. 


71 


الشعب وتلفق التهم ضد أفراده» وهذه التقنية المسرحية تهدف إلى كشف زيف 
الروايات الرسمية» كما تهدف إلى إحداث تأثير في الجمهور من أجل إنشاء 
تاريخ بديل من التاريخ السائد. وكانت التقنيات المستخدمة» الأفلام التوثيقية أو 
الصور المعروضة» تعطي للشهادة امتدادًا بصريًاء يزيد من فاعليتها. 


و- تقنيات تقديم شهادة علي صبحي في العرض المسرحي 

- التقديم البانورامي: حيث نجد «الراوي» مطلق المعرفة» حينما يروي 
صاحب الشهادة شهاداته بنفسه. 

- التقديم المشهدي: حيث نجد «الراوي» غاتبًاء وتقدّم الحوادث مباشرة 
إلى المتلقي. 

- اللوحات: حيث تتركز الحوادث على حوادث ممائلة لما حدث 
لصاحب الشهادة. 


3 - مسرحة الشهادات الشفوية فى عرض حواديت التحرير 


يعد عرض «حواديت التحرير» للمخرجة داليا بسيوني* من أبرز العروض 
التى تعتمد على إبراز الشهادات الشفوية لتوثيق حوادث ثورة يناير 2011. جرى 
عرضها في مهرجان «ليالي الميدان» الذي تضمن عروضًا من الثورة المصرية في 
ساحة مسرح «الهناجر؛ فى الهواء الطلق في عام 1. وكان العرض يجمع 
بين توئيق الحوادث وسمات الاحتفالية تعبيرًا عن شعور جمعي بالاحتفال 
بالثورة والحرية» وهي مسرحيات النوع الثاني التي نحن في صددها. 


يبدأ العرض بشهادة فتاة شاركت في التظاهرات وتروي كيف تجمّع 
الأصدقاء للذهاب إلى ميدان التحرير» ثم شهادة للروائية سحر الموجي7 


(26) داليا بسيوني: كاتبة ومخرجة مسرحية وأستاذة جامعية» أسست فرقة «سييل للفنون» في 
القاهرة 1997» أخرجت نحو 18 مسرحية. 

(27) سحر الموجي روائية وأستاذة جامعية» لها عدد من الروايات» منها رواية نون» ولها مجموعة 
قصصية باسم سيدة المنام. 


02 


قامت بأدائها راوية تتحدث فيها عن حوادث الثورة وتلاحم الثوار في التحرير 
من أجل استرداد حريتهم والدفاع عن ثروات الوطن المتمثلة في المتحف 
المصري. وشهادة أخرى من نبيل بهجت530© قام بأدائها راو عن موقعة الجمل 
موضحًا قوة الشعب المصري في الصمود أمام الهجمة البربرية التي أعادت 
البلد إلى القرون الوسطى وعدم يأس الثوار في الدفاع عن ثورتهم. وشهادة 
به أساتذة الجامعة في الذود عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية... وغيرها 
من الشهادات. 


أ- مسرحة الشهادات الشفوية 


- المكان: أقيم العرض المسرحي في ساحة الهناجر غير المجهزة بالإضاءة 
المسرحية الملائمة» فاعتّمد على النور الطبيعي الخافت» وكان يفصل بين الرواة 
والجمهور الشموع ورائحة البخور في بداية العرضء كأن العرض حالة كشف 
عن الطقوس التي استخدمها الثوار من أجل التحرر علاوة على ناي بما له من 
دلالة حزن أو بكائية على أرواح الشهداء وإناء معدني صغير يعطي دلالة فاصل 
جديد من أجل سرد اللحظات الفارقة في الثورة أو ليعطي العرض سمة طقسية 
لإيذان البدء برثاء الشهداء والاحتفاء بتجارب النضال الثورية. 


- المتلقي: من هذا المنظور اعتمد العرض المفهوم الأساس لفن المسرح 
من دون مفاهيمه الراسخة عن أصول صنعته. وأنه فن أدائي في الأساس 
يجري في الآن في وضعية اجتماعية محددة بنشوء الثورة» وال «نحن؟ بين 
راوي وجمهورء وال «هنا4 في مكان ماء فتحولت الشهادة» من بعدها المعرفي 
فحسب في السمة الشعبية إلى بعدها الوجودي الناجم عن وجود الراوي الذي 
عاش الحوادث وسط الجمهور. وما بين جسد الراوي وكاب الشهادات الذين 
عايشوا هذه الحوادث بأجسادهم وأجساد المتفرجين» يجري استدعاء حكاية 


(28) نبيل بهجت: أستاذ جامعي» وله مساهمة في تقديم الأشكال الشعبية مثل: «خيال الظل» 
ودفن الأراجوز». 


03 


أجساد الثوار في وجود أجساد الرواة والمتفرجين من أجل تأبينهم» كما حدث 
ذلك في نهاية العرض بتلاوة أسماء الشهداء, ليُكشف عن أن لكل منهم قصة 
يجب تذكرها وتكريمها لأن جسد الشهيد كان علامةً على تحرر باقي أجساد 
أفراد المجتمع؛ ومن دونهم ما كان هذا العرض موجودًا. ْ 


ب- استراتيجية كتابة الشهادات الشفوية29) 


ركز العرض على مجموعة من الشهادات/ الحكايات لنماذج المجتمع 
كلها؛ من الطالب إلى العامل إلى المثقف والأم التي تحكي عن ابنها الشهيد. 
واعتمدت مسرحة الشهادة في استراتيجيتها على تقنية الحكاية داخل الحكاية» 
فكانت تتناول حدثي الحكاية الأساسيين: المشاركة في الحدث الثوري وأنها 


شهادة تحوي حكاية أخرى ذات بُعد إنساني» ما يعطي الشهادة بُعدًا مهما في 
أنسنة الثورة» حتى تكتسب صدقية وقوة للتأثير في المتلقي. ومن الملاحظ أن 


(29) عن طريق جمع الشهادات» تقول داليا بسيوني عن تجربتها في هذا العرض: : يقع المركز 
الهناجر للفنون؛ على أرض مبنى الأوبرا الذي يبعد مسافة نصف ميل عن ميدان التحرير. وكان مقفلا 
بغرض تجديده. خلال الستتين الماضيتين. فاقترحت مديرة ذلك المجمع المسرحي د. هدى وصفي أن 
يستخدم فنانون مستقلون مهتمون بعرض أعمال مستوحاة من روحية التحرير» المساحة المفتوحة في 
الهواء الطلق؛ الواقعة أمام المبنى قيد الإنشاء» وهكذا كان. نظمت سلسلة من خمسة نشاطات فنية تحت 
عنوان «ليالي الميدان»؛ تضمنت عروضًا موسيقية ومسرحية. حازت العروض نسية حضور جيدة» ولم 
يعترض الجمهور على الوقوف لمشاهدة العروضء كما لم يستهجن رؤية الرمال والحصىء في خلفية 
العروض. إذ أعادت إحياء الجو المألوف عن ميدان التحرير» بغير قصد. عرضت جمعية «سبيل للفنون6 
مسرحية #حواديت التحرير» أول مرة» في سياق تلك السلسلة. ولم يتح لنا الوقت اللازم للتمارين؛ نظرًا 
إلى كون معظمنا يشارك في المسيرات وتشكيل التحالفات والركض من اجتماع سياسي إلى آخر» في 
محاولة لتنشيط الثورة» كلّ من ميدانه. التحدّي الأيرز الذي واجهنا خلال آلية التمرّن» تمثل في تنظيم 
المادة التي قمنا بجمعها. فقررنا اعتماد تسلسل زمني للمشاهد. على الرغم من أن معظم الشهادات تنقّل 

في الزمان» بين الماضي والحاضرء ساردًا أكثر من حدث واحد. حلّت الشهادات عن تظاهرات يومي 
5 و28 كانون الثاني/ يناير في البداية. وتلتها روايات عن الأهوال التي واجهها المتظاهرون ليحتلوا 
ميدان التحرير ويدافعوا عن المتحف المصري. وتضمن المشهد الثالث شهادة عن الهجوم المسلح 
على المتظاهرين في الثاني من شباط/ فبراير» في ما عرف لاحمًا باسم موقعة الجمل. وروى المشهد 
الأخير قصصًا عن الخسارة وعن الشهداء؛ لتختتم المسرحية باحتفالات طعمها حلو ومرّء احتفاءً بخلع 
الرئيس السابق. وتداخل عدد من التقارير» إلا أن كلا منها قدّم عنصرًا فريدًا في فسيفساء سرديات الثورة 
المصرية. مقايلة شخصية في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2013. 


4 


معظم الشهادات الشفوية في العرض أكد قيمة إنسانية مهمة» ألا وهي التعاون 
والتواصل بين أفراد المجتمع للتخلص من النظام الفاسد. ومن هنا تنبع درامية 
الشهادة وكتابتها من خلال: 

- جعل صاحب الشهادة أنموذجًا إنسائيّاء ونقل مفهوم الأب من بُعده 
الفردي إلى بعده المجتمعي كي يؤثر في المتلقي. 

- الكشف عن مكنونات الشخصية وجعل الحدث الثوري أكثر إنسانية. 


- تأكيد أن الثورة بمنزلة فعل يدل على التواصل بين الأجيال وتعاون 
الكبار مع الشباب. 


تتناول كل شهادة من شهادات المهمشين أهم اللحظات الفارقة في انتصار 
الثورة» وتحمل صوتًا خاضًا بها للتعبير عن نفسها ورؤيتها الحدث الثوري من 
حيث كونه ذانًا مستقلة» لكنها ترتبط معرفيًًا ووجوديًا بالشهادات الأخرى في 
أنها تقاوم القهر والاستبداد. وكانت الشهادات مجموعة من اللحظات الإنسانية 
يسمعها الجمهورء ويقولها الرواة في العرض المسرحي. اعتمد العرض المسرحي 
على المؤلف الجماعي. ما ساهم في تحرير العرض من المفهوم التقليدي 
للمسرح الذي يعتمد في الأساس على وجود الحبكة. فمن خلال تعدد الحكايات 
والأصوات والمؤلفين» دمت الحبكة التقليدية التي تعتمد على البناء العمودي 
وام التراتبي للحوادث الذي يلائم وجهة النظر المعروفة في الدراماء 
واستخدم بدلا منها بناء دائري؛ إذ تختلف الشهادات» لكن هناك زابطا يجفعيا هو 
مقاومة القهر والاستبداد. وتنطوي كل شهادة على لحظة مهمة وفارقة في نجاح 
الثورة» وتنطلق من فراغ خخطاب النظام السابق لتعرّي سلطويته وتفك انغلاقيته. 


2 الراوي/ المؤدي 


أسّس العرض على محاولة تدوين ذاكرة الثورة من خلال مجموعة 
شهادات حُوّلت إلى «حواديت» بما لهذا النوع الشعبي من قواعد أساسية 


715 


تؤسّس على راو يقوم بالحكي إلى مستمع/ مروي له. فاستعين في #حواديت 
التحرير؟ بالراوي أيضًا لإيصال شهادته: لكن مع تغيير وظيفة الراوي من الحكي 
الذي يمتع الجمهور عبر التسلية إلى الحكي الذي يعتمد على المكاشفة وهتك 
الحجبء, وإكساب راوي «حواديت التحرير» وظيفة الممثل في المسرح الذي 
يقوم بأداء شخصية ما. ومن ثم يمكن التركيز على أدائية الشهادة في العرضين 
المسرحيين» سواءً أقام كاتبها بأدائها أم قام شخص آخر بذلك؛ فهي تتكون من 
ثلاث أطراف: الراوي ”كاتب الشهادة» والمروي «المؤدي؟ والمتلقي. وبناءً 
على ما سبق. اختلفت طبيعة العلاقة بين الراوي والمروي في شهادات العرض 
المسرحيء. ذلك أن الراوي أصبح مرويًا أو شخصًا ينوب عنه في شهادات 
أخرى من جهة» ومن جهة أخرى تدخل اللغة كعد تكويني فيصاحب ذلك 
تقنيات أدائية للشهادة لتغير العلاقة بين الراوي والمرويء كي يؤثر في المتلقي 
أو المتفرج. ويمكن تقسيم الشهادات بناءً على ما سبق: 

- ينوب عن الراوي كاتب الشهادة راو متخيل وهو المروي الذي يعد 
بمنزلة أنا ثانية للراوي؛ وهو أسلوب مقنَّعٌّ لصوغ الشهادة يُظهِر الراوي الأصلي 
متخفيّاء ما يُعطي صدقية للشهادة عن طريق الإيهام» مثل شهادات سحر الموجي 
ونبيل بهجت وحسن أبو بكر وزياد بكير. 

- يصبح كاتب الشهادة ذانًا منقسمة على نفسها فهو الراوي والمروي» 
وتنبع مسرحة الشهادة من خلال تنوّع الأداء اللغوي للشهادة وفي انتقال الراوي 
بين ضميري الغائب والحاضرء مثل شهادات ندى طالبة بورسعيد ومصطفى 
طالب الجامعة المشارك في الحدث وشهادة منار زين المشاركة في الحدث. 

ويمكن تصنيف أدائية الراوي في الشهادات المختلفة: 

1- الراوي بضمير المتكلم 

إن استخدام تقنية الراوي بضمير الأنا يمكن الراوي من ممارسة لعبة 
مسرحية تُعطيه وجودًا وحضورّاء مثل شهادة ندى طالبة الجامعة من بورسعيد» 
وتبدأ شهادتها بضمير المتكلم «أنا ندى من بورسعيد ساكنة جانب القسم» في 


76 


يوم 28 يناير كان في بلطجية عايزين يحرقوه زي ما حصل في باقي الأقسام90©. 
وهي تقنية د تستخدم لتعطي دلالة أن ال* لشخصية تروي ة قصتهاء لكن بوساطة مسافة 
تصنعها؛ ذلك أن الراوية هي مَنْ تتكلم في زمن حاضر عن ش شخصية كأنها هي 
الراوية» ووقعت أفعالها في زمن مضىء على الرغم من أن ندى هي البطلة» إلا 
أن ثمة مسافة زمنية بين ما كانت فيه ماضيًا وما هي عليه الآنء أي بين البطل 
الشخصية في الزمن الماضي والراوي في الزمن الحاضر. 

2- الراوي الخارجى 


كاتب الشهادة وراويها هما خارجا شهادة الشخص. الراوي هنا يروي 
من خارجء فهو غير حاضرء ومعرفته غير مكتملة ... والراوي هنا يروي على 
مسافة بما يرويء فيبقى خارج ما يروي؛ إذ إن ما يرويه من حوادث لم يقع في 
حضوره. فهو ليس شاهدًا على ما يرويء» وإنما يروي ما يرويه الآخرون وما 
سمعه منهم» مثل شهادة الشهيد زياد بكير التي كتبت بناءً على رواية زوجته 
وأحد أصدقائه الذي كان معه في ميدان التحرير. وكان الراوي محمد مبروك 
يروي شهادة عن شخص كان بمنزلة العين التي تكتفي بنقل المرئي في حدود ما 
عرف عن موت زياد بكير» وبمنزلة الأذن التي تكتفي بنقل المسموع في حدود 
ما يسمح به السمع. 


3- الراوي الشاهد 


هو راو حاضرء لكنه لا يتدخل. إنه يروي من خارجء على مسافة بينه وبين 
مَنْ يروي عنه. من ثمء فإن كتابة الشهادة بمنزلة مجموعة من الصور مركبة 
بطريقة أشبه بالمونتاج السينمائي» ومثل هذه الشهادة لا تكشف عن حضور 
مباشر للراوي» بل هي ناتجة من بنية كتابة الشهادة» ومن ثم يتطلب هذا النوع 
مهارةً عالية في أدائه الصوتي ليعلن عن حضوره؛ مثل شهادة مصطفى في بداية 
العرض المسرحيء. حين يصف يومي 25 و28 يناير. 


(30) مقطع من شهادة في عرض «حواديت التحرير». 


77 


5 منظور أداء شهادة (حسن أبو بكر) وتقنيات أداء الراوي 


يقول حسن أبو بكر في شهادته: «نورا بنتي كان الدكتور محدد لها معاد 
الولاده يوم 25 يئاير ... وهي ماكنتش بتولد ... كانت تعبانة قوي» لكن مفيش 
ولادة. وده مكنش مخليني أعرف أبات في الميدان لأني كنت عايز أطمن 
عليها يوم الجمعة روحنا نصلي الجمعة في الحسين وأعدنا نبص على الناس» 
يا ترى مين اللي جى يصلي بس ومين اللي رايح المظاهرة. وفي الساحه 
اللي قدام الجامع بدا الهتاف بالشعار العظيم “الشعب يريد إسقاط النظام* 
المظاهرة بدأت صغيره وبعدين بدأت تكبر ... تكبر. عند كوبري الأزهر بدأ 
الضرب ... كان فيه قنابل كتير قوي متهيألي همّا بطلوا في آخر النهار عشان 
الدولة خلصت مخزونها من القنابل المسيله للدموع. وسط الدخان قعدت 
أتأمل في زي جنود الأمن المركزي ... الهدوم والخوذة والدرع والصديري 
الواقي والحاجات اللي كانوا بيضربونا بيها. تكلفة الحاجات دي يكفي يكسي 
أطفال كتييير». 

اهتمت الشهادة الممسرحة بتجسيد أنموذج إنسان يفتح الخاص على 
العام» وتصوير أنموذج الأب الذي يتنظر ولادة ابنته وربط بين استعدادها 
للولادة وولادة وطن من جديد. 

تبدو صورة الأنموذج الإنساني للشهادة في أنها ربطت بين مخاض الابنة 
واستعدادها للولادة في لحظات كفاح الشعب من أجل التخلص من النظام. 
ويضيف: «تاني يوم نزلت جاد واشتريت بكل الفلوس اللي معايا أكل وازايز 
ميّه للولاد المعتصمين في التحرير. عند الميدان لقيت شباب قلتلهم أنا عاوز 
أدخل الأكل لإخواتك اللي جوا وفجأه لقيت كتيبه من الشباب بيشيلوا معاياء 
وقعدت أقولهم سيبوني أشيل معاكم. كنت خايف عساكر الجيش يمنعوا داء 
فقلت أنا راجل عجوز بشعر أبيض هيحترموني. بس الجيش ممنعش ودخحلنا 
الأكل وفضلت قاعد مع الشباب. ماكنتش بابات عشان أروح أطمّن على 
بنتي» وحفيدتي اللي مش عايزة تيجي". 


78 


جسّدت الشهادة مفهوم الأب وأخرجته من دلالته الفردية إلى دلالة 
جماعية» بوصفه يمثل أبَا لكل من في الميدان يخاف على أولاده» واعتبر 
الموجودين في الميدان بمنزلة أولاده. وانتهت الشهادة بأن كانت ليلة تنحي 
حسني مبارك ليلة ولادة ابتته مولودًا جديدّاء وهذا إسقاط على ما يحدث» وهي 


أن الولادة الجديدة لطفل ولادة جديدة للمجتمع. 


أما تقنيات أداء الراوي في شهادة حسن أبو بكرء فلم يقم كاتب الشهادة 
بأداء شهادته» ما يجعلنا نحاول رصد العلاقة بين مرسل الشهادة والراوي نفسه. 
فنلاحظ اختفاء مرسلها وراء الراوي الذي ينطق بلسانهء فأصبح الراوي تقنية 
مسرحية توظف لمصلحة الشهادة» حيث تداخل البُعدين الذاتي والموضوعي 
معًا في أداء الشهادة ذاتهاء وغدا إيصال الشهادة مسؤولية الراوي نفسه التي 
تتوقف على وعيه ومواقفه تجاه القضاياء واستخدم الراوي تقنيات الأداء 
التمثيلي من الكروشندو إلى الروندو للتعبير عن اللحظات المختلفة التي يمر 
بها الأنموذج الإنساني صاحب الشهادة. 


لعل البُعد الدرامي الناشئ في العرض المسرحي المعروف متولد من 
علاقات عدة أبرزها ثنائية الممثل/ الدورء لكن في عرض :حواديت التحريرة 
ينبع من ثنائية الكاتب/ الراوي مع تفعيل الراوي مخيلته وذاكرتها الانفعالية 
التي كوّنها من حوادث الثورة وشارك فيها. فأصبح للراوي وظيفة مزدوجة: 
هو راو/ مروي له الشهادات للجمهور ومروي له من كتّاب الشهادات؛ كأنه 
يقوم بدور ما لإيصال الشهادات عبر مفهوم الحواديت كشكل فني شعبي إلى 
الجمهور. واستعان الراوي في عرض «حواديت التحريرة في أدائهم بمفهوم 
الذاكرة الانفعالية لدى الممثل في المسرح الواقعي» وساهمت مخيلته في 
تصعيد الشخصية المحكي عنها إلى مستوى شعري ودرامي معتمدًا على 
التلوين الصوتي كي يُحدث الأثر المطلوب في الجمهورء ويجتذبهم إلى 
سياقهم الحكائي. ليرفع الشخصية المحكية إلى مستوى روحي عند التركيز 
على تضحيته بجسده من أجل تحرير الآخرين للتخلص من النظام السابق. 


09 


4 - وظيفة راوي الشهادة 

من خلال ما سبق يمكن تحديد وظائف راوي الشهادات في العرضين 
المسرحيين: 

أ- الوظيفة الوصفية 

هي التي يقوم فيها (الراوي) بتقديم مشاهد وصفية للحوادث والأماكن 
والأشخاصء بوصفه مشاركًا في الحدث الثوري» ويساهم عن طريق تقنيات 
أدائه في جعل المتفرج كأنه مشاهد الحدث. 


ب- الوظيفة الأيديولوجية 


هي التي يقوم فيها الراوي بتأصيل شهاداته في التاريخ لكشف تناقضات 
الشهادات الرسمية واكتشاف شهادات بديلة منهاء وأدى الراوي في العرضين 
هذه المهمة. 

ج- الوظيفة التوثيقية 

هي التي يقوم فيها بتوثيق بعض شهاداته» رابطا إياها بالتوثيق البصري 
بوساطة وسائل الإعلام؛ ما يساهم في زيادة إيهام الراوي بأنه يروي تاريحًا موثقا. 
وربما يجمع الراوي في الشهادة الشفوية بين التوثيق التاريخي والتخييل الفني. 
5 - سمات توظيف مسرحة الشهادات الشفوية 

- الكشف عن زيف روايات السلطة من خلال شهادات بعض المهمشين 

- تفاعل الجمهور مع الشهادة» كما حدث في عرض «حواديت التحرير؛» 
حين أشعل الشموع دليلا على تفاعله مع العرض المسرحيء وتدخله في أثناء 
الحدث ليبدي رأيه. 


530 


- تداخل الأزمنة في الشهادات التي تتناول لحظات مختلفة من الثورة 
تعطي المتفرج فرصة إعمال العقل ومراجعة الروايات الرسمية. 


- التوثيق البصري من خلال حضور قائل الشهادة وأدائه التمثيلي يساهم 
في دخول المتفرج إلى سياق شهاداته؛ ما يؤثر فيه ويبحضه على اكتساب معرفة 
جديدة. 


- تجسيدك الشهادة بشكل بصري من خلال المكان المسرحي» يمنحها 
صدقية» خصوصًا في ظل ثقافة بصرية أصبحت العين فيها الحاسة الأولى للتلقي. 

من خلال ما سبق» يمكن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية تمنحها قوة» 
كما أن الاستعانة بوسيط كالمسرح يجعلها أكثر حضورًا وتأثيرّاء وتتزايد أهميتها 
عندما نضعها في شكل بصري يساهم في التفاعل معهاء ما يعطي يُعدًا جديدًا 
للتاريخ الشفوي ليصبح أكثر تأثيرًا في المجتمع عندما تُمسرح الشهادة الشفوية: 

* تساهم مسرحة الشهادة في تحويل لغتها من يُعدها الإبلاغي الذي يتصف 
بالإخبار إلى بُعد تعبيري للتأثير في المتلقي. 

٠‏ تصبح الشهادة الشفوية مقاومة للتاريخ الرسمي من خلال مقاومته 
استراتيجيًًا عن طريق تثوير وعي المتلقي وتأكيد قيم المشاركة» بخلاف ما كان 
قبل مسرحتهاء والاكتفاء بنقض التاريخ الرسمي عن طريق المضمون. 

* تجعل المتلقي عنصرًا إيجابيًا مشاركاء بخلاف الحالة الأولى التي تجعل 
المتلقي عنصرًا سلبيّك كما يمكن رصد تأثيرها المباشر في الجمهور بما لها من 
تأثير في المتلقي بوصفه فنا حيّا يعتمد على الحضور المباشر» فتصبح الشهادة 
الشفوية تجسيدًا معاشًا للدراما التي يعيشها المواطن في الحوادث الكبرى 
كثورة 25 يناير في مصر. 

* كشف زيف الروايات الرسمية من طريق التمثيل البصري؛ وإحلال تاريخ 
بديل من خلال مسرحة الشهادة بصريًا/م سمعيًا. 


81 


* تساهم في توحيد بنية تلقي الشهادة الشفوية» ما يعزز الانتماء» خصوصًا 
في حال الأخطار التي تواجهها الأمم. 


خاتمة 


كان هدف البحث تحويل الشهادة الشفوية إلى نص تفاعلي في الأساس» 
منطلقين من أن الشهادة الشفوية شكل اتصالي لأنها تتكوّن من مرسل/ رسالة/ 
مؤد» إذا المسرحة غريزة مرتبطة بالإنسان الذي يدلي بشهادته عن واقعه. لذا 
تدخل المسرحة في صلب تكوين الشهادة الشفوية عند قراءتها الواقع. 


إن مسرحة الشهادات الشفوية وتوظيفها في عرض مسرحي ضرورةٌ مهمة 
للتاريخ الشفوي لاستمرار بقائها من أجل كتابة تاريخ بديل مناهض للتاريخ 
الرسمي في ظل سيطرة الصورة ووسائل الإعلام في العصر الحديث. لعل 
هذا المنحى يهدف إلى توطين الشهادة الشفوية في المجتمع المعاصر من 
خلال التواصل المباشر مع المتلقي. كما تساهم مسرحة الشهادات الشفوية في 
عرض مسرحي في خروجها من بُعدها الفولكلوري الشعبي إلى البُعد الشعبي 
الجماهيريء ليعطي لها بُعدّا إعلاميًا جماهيريّء إضافة إلى أنه يدخل في صلب 
تكوينها؛ فعندما تعرض في عرض مسرحي مكتوب دراميًا واستخدام عناصره 
الفرجوية لتصبح «الشهادة ... الآن ... هناة في حالة مشاهدة» ما يساهم في قياس 
ردة فعل متلقيها من جهة» ومن جهة أخرى تساهم في تعديل القيم الموجودة في 
المجتمعات أو زيادة الوعي السياسي في مصرء كما حدث عندما جرى مسرحتها 


52 


الورقة الثالثة 


الشعر الشفوي والمقاومة النسائية في المغرب 
(معركة بوكافر أنموذججا) 


قاسم الحادك 


مقدمه 


على الرغم من التراكم النسبي الذي حققته كتابة تاريخ المقاومة المغربية 
ضد الاستعمار الفرنسي في الأعوام الأخيرة» لا يزال الغموض يلف جوانب 
عدة من هذه المرحلة المهمة من تاريخ المغرب المعاصرهء كما أن عددًا من 
القضايا والإشكالات لا تزال بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة» سواء 
تعلق الأمر باستكشاف مقاومات مغمورة لم تحظ بالاهتمام - بل تعرضت 
للحيف - بسبب تركيز البحث الأكاديمى على المقاومات المعروفة التى قتل 
بعضها بحثًا ودراسة أم بتجديد طبيعة الموضوعات والقضايا المطروحة وطرح 
إشكاللات جديدة. 

إن سبب هذا الوضع ليس نقصًا في مستوى الدراسات المقدمة» بل بسبب 
مشكلة متصلة بسلطة الوثيقة المكتوبة وسيطرة النزعة النضّية والاعتماد على 
مصادر ومراجع معظمها كتابات عسكرية ألفها ضباط وعسكريون فرنسيون 
عملوا في المغرب» وعدم إيلاء أهمية بالغة للتاريخ الشفوي والدور الذي 
يمكن أن يقوم به في إضاءة مناطق الظل» وفي تقديم رواية معقولة عن وقائع 


53 


المقاومة المغربية وحوادثها. وتعتبر مقاومة المرأة المغربية الاستعمار الفرنسي» 
من أبرز الموضوعات المنسية التي ظلت مهمشة في البحث الأكاديمي ولم تئل 
حظها من البحث والتنقيب بالقدر الكافي والمطلوب. 

نتطرق في هذا البحث إلى مشاركة المرأة المقاومة المغربية في المعارك 
التي خاضتها ضد القوات الاستعمارية الفرنسية» خصوصًا معركة بوكافر 
المعروفة التي جرت في عام 1933» والصمود البطولي الذي أبدته طوال 
هذه المواجهة العسكرية غير المتكافئة من خلال استقراء مجموعة من 
النصوص الشعرية الشفوية المحلية التى نظمها عدد من الشعراء والشاعرات 
الذين عايشوا هذه المرحلة» وكان بعضهم طرفًا فاعلًا فيها'". إنها مادة أولية 
خام صادرة عن صدق ومعبّرة بكل موضوعية وواقعية» تغتت بها الجماعات 
القبلية» وعّرت فيها عن معاناتها المريرة مع المستعمر الفرنسي إبان فترة 
الاحتلال» ومن خلالها سنحاول الإجابة عن عدد من التساؤلاات وتسليط 
مزيد من الضوء على مساهمات المرأة المغربية المقاومة في هذا التاريخ 
المنسيء إنها أشعار شفوية تقدم وجهة نظر الجانب المحلي المغربي ورواياته 
هذه الحرب الاستعمارية من جهة» وتوفر لنا رصيدًا تاريخيًا مهما يُميط اللثام 
عن جوانب ظلت مهمشة من وقائع هذه الملحمة من جهة أخرى؛ فهي وثائق 
ذات قيمة مضافة كبيرة مليئة بالمعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية 
والعسكرية والثقافية» والمعلومات عن المعارك التي خاضها رجال المقاومة 
وعن الأوضاع التي جرت فيهاء وهي معطيات يندر أن نجدها في المصادر 
المكتوبة. 

(1) يرجع الفضل في توافرنا على هذه النصوص الشعرية الشفوية الأمازيغية وترجمتها إلى اللغة 
العربية إلى مجموعة من الأساتذة والباحثين الذين بذلوا جهدًا في جمع هذه المادة الغنية وتوثيقهاء 
وأخص بالذكر لا الحصر علال ركوك وللاصفية العمراني ومحمد شفيق والملكي المالكي. لكن. 
على الرغم من هذه المحاولات الفردية المعتبرة في مجال التاريخ الشفوي؛ فإن عملية جمع شاملة 
لهذه المادة الشعرية الشفوية لنقلها من مستوى التداول الشفوي إلى مستوى التوثيق والنشر تحتاج إلى 


مأسسة وتنسيق وتكامل» وبالتالي إلى مؤسسة علمية ترعاها وتطورهاء وهو ما يمكن اعتياره ضرورة 


54 


أولا: شعر المقاومة الشفوي خصائصه ووظيفته 


يُعد شعر المقاومة الشفوي شكلًا من أشكال التأريخ اليومي لعيش 
الجماعات القبلية المقاومة©. إنه مصدر لا غنى عنه للمؤرخ والباحثء يعطينا 
صورة حية وواضحة لمجريات النضال الذي خاضته النساء المقاومات إلى 
جانب الرجال» من خلال الكلام الشفوي والكلمة المنطوقة المحفوظة في 
الذاكرة والمنقولة مشافهة» أي تلك الأشعار الشفوية المحلية التي تغتّى بها 
شعراء وشاعرات مقاومون عبّروا من خلالها عن معاناتهم المريرة مع قوات 
الاحتلال. إنها شهادات وروايات حية لأطراف فاعلة عكست على نحو من 
التلقائية والصدق ما عجزت عن رصده أدوات التأريخ الأكاديمي بكل ما أوتيت 
من دقة علمية ونضح ومنهج وتراكم استقرائي”. 

يتبح توظيف الشعر الشفوي المقاوم في كتابة تاريخ المقاومة المغربية 
للمؤرخ توسيع حقل البحث والتفكير» ويُمكنه من ولوج دوائر ومواقع لا تكشف 
عنها الوثيقة المكتوبة» وبالتالي بناء رؤية متكاملة واستكمالها. فهذه المادة الشعرية 
الشفوية لا تمد المؤرخ بالمعلومات والأخبار التاريخية المكملة والمعمقة لما 
تحويه المصادر المعتادة والمألوفة في البحث التاريخي فحسب”*, بل تُمكنه أيضًا 
من تفادي النظرة المركزية إلى تاريخ المقاومة والتفسير البطولي لحوادثه ووقائعف 
والانتقال في موضوعات البحث من التركيز على الفرد الزعيم والقائد الذي 
يحظى بالأولوية المطلقة ويُحاط بهالة من القداسة» إلى الدور الذي قام به منسيّو 
التاريخ من فلاحين ونساء وأقليات» والمؤسسات الاجتماعية المختلفة من عشائر 


(2) علال ركوككء «مواكبة المقاومة الشعبية للتدخل الفرنسي في الأطلس المتوسط 1920- 
4» ورفة قدمت إلى: ندوة علمية: المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بالأطلس المتوسط 1907- 
6- ندوات «(الرباط: المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير: 2000): ص 187. 

(3) المصدر نقسه. 

(4) للاصفية العمراني» «شاعرات المقاومة المسلحة في الجنوب المغربي»» ورقة قدمت إلى: 
المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة: تراجم عن حياة المرأة المقاومة» 3 ج (الرباط: المندوبية 
السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحريرء 2004): ص 174. 


55 


وقبائل وزواياء وهي فئات اجتماعية نادرًا ما تظهر في الوثيقة المكتوبة» ذلك أن 
التاريخ فعل جمعي بطبيعته» خصوصا في المجتمعات ذات البنيات التقليدية 
كحال المغرب في الحقبة التي يتناولها موضوعنا. 

يتعلق الأمر إِذا بنصوص شعرية بسيطة ومؤثرة تناولت القضايا 
والموضوعات المرتبطة بالمقاومة النسائية تناولا مباشرًا وشفاقاء لذلك كانت 
أشعارًا شفوية توظف معجمًا بسيطا بعيدًا عن الصور البلاغية” وخاليًا من 
التكلف والتصنع كما في لغة الشعر المكتوب©» وبذلك بقيت محفوظة في 
الذاكرة الجماعية الشعبية وترسخت فيها انطلاقا من الترديد الجماعي لها في 
المناسبات والأسواق والأعراس وأماكن العمل كأوقات الحرث والحصاد. 
وبالتالي نجحت في التسرب إلى لاوعي هذه الجماعات القبلية وترسخت في 
ذاكرتها المشتركة*© وظلت محتفظة على الدوام بدرجة مهمة من الانفعال 
على الرغم مما تعرّضت له من عزوف ثقافي وغياب بحث أدبي أكاديمي 
من مختلف العلوم؛ الأدبية منها والإنسانية والاجتماعية. وعلى الرغم من أن 
هذه النصوص الشعرية نصوص شفوية حفظها الحفاظ ونقلوها إلى الأجيال 
اللاحقة» فإنها خلّدت النضال الجماعي لهذه الفئات من المجتمعات القبلية 
المغربية» وشكلت وعاءً لها في تأرجحها بين نشوة الانتصارات والملاحم 
وخخيبة الهزائم والانتكاسات. وكان لها مساهمة واضحة في تحقيق التضامن 
واستنهاض الهمم وحثها على الصمود في وجه القوات الاستعمارية. كما 
ساهمت في تمجيد رجال المقاومة ورفعهم إلى أسمى المقامات» وعّرت 
في الوقت نفسه عن الغضب من الخاضعين والمستسلمين لسلطات الحماية 
الفرنسية ولعن المتعاونين معها وتحقيرهم وذمّهم وتحمليهم مسؤولية وصول 


(5) محمد شقيرء النص الغناني بالمغرب بين بناء الدولة وتمجيد السلطة (الدار البيضاء: إفريقيا 


الشرق» 2012)» ص 19. 

(6) الملكي المالكي, «أغاني المقاومة»» ورقة قدمت إلى: المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال 
والوحدة.» ص 184 

(7) المصدر نفسه.ء ص 183. 


56 


القوات الاستعمارية إلى قراهم وجبالهم والتهديد بمعاقبتهم”©. واهتم أيضًا 
هؤلاء الشعراء والشاعرات بوصف أسلحة المستعمر وخططه العسكرية 
والسياسية وتصوير قادة الجيش الفرنسى ي المحتل وجنوده في حالات عجزهم 
0 . وبذلك يمكننا اعتبارهم لسان حال المجتمع المغربي» شاركوا في 
ثيق الحوادث والوقائع المختلفة وتأريخها من خلال قصائد شعرية قو 
مؤثرة جرى تناقلها شفويًا من جيل إلى جيل» فكان وصفهم دقيقًا وجميلا يمزج 
بين الظواهر المادية كالخيل والغبار والمدفعية والرصاص والجنود من جهة» 
والوصف الرمزي للنفسيات والمشاعر والذهنيات من جهة ثانية 
ساهمت هذه الأشعار الشفوية أيضًا فى نشر أخبار المعارك والمواجهات 
العسكرية» وبالتالى اختراق الحراسة الشديدة والحصار الإعلامى الذي فرضه 
المستعمر لمنع انتشار أنباء الهزائم العسكرية التي لحقت به والخسائر التي 
تكبدتها قواته. 
يتضح من خلال هذه الأدوار والوظائف التي كان يؤديها الشعر الشفوي 
أن الأمر يتعلق بشعر قضية”» شبّهه هنري باسيه (5560د8 1مم116) ب «الصواعق التي 
تتبعث من أعماق المحاربين في أثناء الإنشاد وهم ينقضون على العدوة9", 
موضوعه الأساس الدفاع عن قيم الصمود والتحدي والتحريض على القتال في 
سبيل الحرية والكرامة» كما أنه «شعر سياسي تنشد موضوعاته الحرية وتتوق 
إلى الاستقلال وتستخف بالمستعمر وتقاومه؛7©. 


ثانيًا: معركة بوكافر بين الوثائق المكتوبة والأشعار الشفوية 

على غرار وقائع تاريخ المقاومة المغربية وحوادثها المختلفة» لم تأخذ 
معركة بوكافر قسطها من البحث والتدقيق من الباحثين المغاربة» وتبقى 

(8) المالكي» «أغاني المقاومة». 

(9) المصدر نفسه.» ص 184. 


(210 2 بم ,(1920 ,اعسمطيه0 .ل ععوام) ععفطت8 عمل عريامسةةاذا ها «ناد أمككظ باعدكد8 أموع1زا 
(0) المصدر تفسه. ص 348. 


57 


المصادر الفرنسية المنبع شبه الوحيد لاستسقاء المعلومات» وهي مصادر 
معظمها من صنف الكتابات العسكرية التي كتبها الضباط والعسكريون 
الفرنسيون الذين عملوا فى المغرب أمثال الجنرال هوري عدة) والطبيب 
القبطان جان فيال ((1/121 لا وغيرهما. لكن مقاربة موضوع يخص تاريخ 
المقاومة المغربية بالاعتماد على هذه المادة المصدرية التى أنتجتها المؤسسة 
العسكرية الفرنسية يطرح عددًا من الإشكالات» فهذه الكتابات الأجنبية» 
ونظوًا إلى السياق الذي اكتنفهاء لا تخلو من مغالطات وتضليل» لذلك 
يجدر بالباحث الحيطة والحذر بتمحيص خطاباتها ومضامينها وإخضاعها 
للتفكيك والنقد بشكل موضوعي حتى لا ينساق مع طروحاتها ويستبعد 
إسقاطاتها ومسلماتها الاستعمارية» لأنها كتابات سعت إلى نزع كل قيمة 
عن مقاومة القبائل المغربية» معتبرة إياها من أعمال اللصوصية وقطع الطرق 
والتمرد والعصيان» ووضعتها في إطار التعارض المزمن بين بلاد السيبة وبلاد 
المخزن. 

لكن» في ظل ندرة مصادر مغربية أو غيابها عن التدخل العسكري الفرنسي 
في بوكافر والمقاومة البطولية التي ووجه بها من قبائل المنطقة» تقدم وجهة 
نظر الجانب المغربى ورواياته الحوادث» تبقى الروايات الشفوية مصدرًا لا 
غنى عنه للمهتم والباحث بكتابة تاريخ المقاومة المغربية من الداخل وتجاوز 
النقائص التى قد تتضمنها الوثائق والمصادر المكتوبة. يتعلق الأمر على 
الخصوص بالأشعار الشعبية الشفوية المحلية التي ما زالت متداولة في منطقة 
صاغرو ونواحيها ومتوارثة جيلا عن جيل» وتشكل جزءًا من الذاكرة الشعبية في 
المنطقة. 

يعتبر هذا الشعر المتوارث شفويًا أحد كنوز المغربء إذ ينفرد بميزات 
وخصائص متعددة» ففضك عن شفويته وعدم تدوينه لا نعرف كثيرًا عن قائليه 
أو ناظميه؛ إذ لم يكن هناك شعراء تفرغوا لنظم الشعر بالمعنى المعروف في 
المجتمعات الأخرى. إنهم أناس ملتزمون اجتماعيًا ضمن النسق الاجتماعي 
الموجود. عيّروا عن معاناتهم الغزو العسكري الفرنسي من خلال هذا الشعر. 


58 


وعلى الرغم من شفويته استطاع أن يستمر موجودًا ومتوارثًا عبر السنين» أي 
إنه شعر سماعي يرتبط أساسًا بالأذن لكون الأغلبية الساحقة من جماهير 
المتلقين والمستهدفين اتخذت السمع وسيلة للتثقيف في مرحلة انتشار هذا 
الشعر. إضافة إلى ذلك. ارتبط هذا الشعر بالغناء» ما سهّل حفظه وبقاءه عالقًا 
ومحفورًا في الذاكرة. ونظرًا إلى الأهمية البالغة التي اتسمت بها هذه النصوص 
الشفوية فإنها حظيت بعناية خاصة من الباحثين الفرنسيين» فاهتمت المدرسة 
الكولونيالية بهذا الأدب الشعبي قصد النفاذ بشكل عميق إلى المجتمع المغربي 
وتوجيه تاريخه؛ أو صبغه بصبغات مقصودة» مستغلة إياه ذ فى أغراض سنا 
خاضعة للتوجه الأنثروبولوجي الذي يجعل الآخر المختلف وثقافته موضوعًا 
للدراسة الغرائيية من منطلق البحث عن البنى الأسطورية التي تتحكم بثقافة 
المجتمع المغربي. 

أما على صعيد البحوث التاريخية المغربية فلا يتبع في تدوين شعر 
المقاومة مسارًا صحيتحا. وإذا استثنينا بعض الندوات التي نظمت وجهد بعض 
الباحثين الجامعيين في جمع هذا الموروث الثقافي وتدوينه وجعله في متناول 
الباحثئين لاستثماره ودراسته. لا يزال شعر المقاومة يعانى فراغًا منهجيًا كبيرًا 
وقلة دراسات شاملة ومعمقة؛ إن لم نقل انعدامهاء سب التردة والشك وعدم 
الثقة بالرواية الشفوية ومناهج التعامل معها والاستفادة منهاء التي لا تزال تشوب 
موقف المؤرخين والباحثين الذين يعتقدون أن الرواية الشفوية غير قادرة على 
تقديم أو بناء حقيقة تاريخية. لكن قراءة متأنية لهذه الأشعار الشفوية ومقابلة 
المعلومات الواردة فيها بالبحوث المدوّنة التي لفت عن الغزو العسكري 
الفرنسي لمنطقة بوكافر يفيد بأننا أمام رواية شفوية بالغة الأهمية» لذلك نعتقد 
اعتقادًا راسحًا أن العلوم التاريخية اليوم على الرغم مما أوتيت من أواليات 
لا يمكنها التنصل من الرواية الشفوية بوصفها مصادر مهمة مكملة ومصححة 
للكتابة التاريخية. من هنا تبرز ضرورة الاهتمام بهذا التاريخ الشفوي من حيث 
الجمع والتدوين والدراسة والتحليل» أي نقله من مستوى التداول الشفوي 
إلى مستوى التوثيق والنشرء وهذا ما يمكن اعتباره ضرورة علمية ملحة؛ لأن 


59 


الاهتمام بهذا الراقد وجمعه وتدوينه سيساهم يلا شك في تسجيل الحوادث 
بحسب واقعها الفعلي ما يكفل توثيقها والحفاظ عليهاء وبالتالي العمل على 
إغناء الدراسات التاريخية لكونها روايات فاعلين وصانعي حوادث أو معاصرين 
لها. لكن هذا العمل يحتاج إلى جهد جماعي أو مؤسسة علمية ترعاه وتطوّره 
وعدم الاقتصار على المحاوللات الفردية. 


يمثل جبل بوكافر حيث دارت وقائع ملحمة من أروع الملاحم التي 
سطرتها حركات المقاومة المغربية ضد الاحتلال الفرنسي» قلعةٌ محصنةٌ بشكل 
طبيعي» تتوسط كتلة صاغرو الجبلية» ذات تضاريس شديدة الوعورة وارتفاعات 
تتجاوز 2700م. وشكل هذا المجال الطبيعي بتضاريسه الوعرة ومناخه القاسي 
وسيلة فاعلة من الوسائل التي وظفتها المكوّنات القبلية في المنطقة لمصلحتها 
في مواجهتها القوات الفرنسية؛ إذ إنها استفادت من معرفتها بتضاريس أراضيها 
واستغلت البنية التضاريسية الوعرة لمناطقها الجبلية وما توفره للمقاومين من 
ملاجئع طبيعية كالكهوف والمغارات» تمكنهم من الاختباء من قصف سلاح 
الطيران» في محاولة منهم تعويض النقص الذي كانوا يعانونه ماديا وعسكريًا. 
أما القوات الفرنسية فعانت كثيرًا بسبب جهلها البنية التضاريسية والجغرافية 
للمنطقة» والناتجة أساسًا من نقص في المعلومات الجغرافية» يضاف إلى ذلك 
عدم قدرتها على التكيف مع الأوضاع التضاريسية والمناخية القاسية للمنطقة» 
ما اضطرها في كثير من الأحيان إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية في المنطقة 
كما سنئرى لاحما. 

يعود تاريخ هذه الملحمة إلى كانون الثاني/ يناير 1933 عندما قرر القادة 
العسكريون الفرنسيون القضاء على جماعات المقاومة التابعة لقبائل آيت عطا 
المتحصنة في جبال صاغرو يزعامة عسو أوبسلامء التي تُقدّر أعدادها بحوالى 
ألفي مقاتل» إضافة إلى الشيوخ والنساء والأطفال» كخطوة أولى لإخضاع 
الأطلس الكبير. ولتحقيق هذا الهدف, استنفر قادة الاحتلال قوات عسكرية 
ضخمة وصلت إلى حوالى 6400 رجل من المرتزقة وأحد عشر فيلقًا من 


50 


الكوم**'2 وثلاثة فيالق من اللفيف الأجنبي ووحدات عدة من المدفعية والخيالة 
وستة أسراب من الطائرات22, 

ابتداءة من 13 شباط/ فبراير 1933 انطلقت أولى هجمات القوات 
الفرنسية على جبل بوكافر. وارتكزت الخطة التي تبنّاها الجنرال هوري 
القائد الأعلى للقوات العسكرية الفريشية قل المعريت على تقسنيع “قواتة إلى 
مجموعتين: الأولى: انطلقت من الغرب بقيادة الجنرال كاتروء والثانية من 
الشرق بقيادة الجنرال هئري جيروء مع التركيز على القصف المدفعي والجوي 
لتغطية تقدم القوات البرية المهاجمة. لكن قوات المقاومة تمكنت من 
التصدي لهذين الهجومينء وأفشلت خطة القيادة الفرنسية وألحقت بها خسائر 
فادحة تمثلت فى مقتل أكثر من عشرة ضباط وأعداد كبيرة من القوات غير 
النظامية*2. وأكدت المعارك التي استمرت طوال شباط/ فبراير للفرنسيين أن 
المهمة أشق وأعقد مما تصوروا فى البداية بسبب المقاومة العنيدة والشرسة. 
خصوصًا أن جماعات المقاومة تبنت خطة ذكية تمثلت بالانسحاب من 
المواقع المتقدمة إلى قلب جبل بوكافر لما توفره تضاريسه من إمكانية أفضل 
للصمود في وجه القصف المكئف257, 


أمام فشل سلسلة الهجمات التي قامت بها القوات العسكرية الفرنسية 
وعدم تمكنها من السيطرة على أي موقع مهم بفعل استماتة المقاومين وصدهم 


(12) أطلق مصطلح الكوم على المغاربة الذين انخرطوا في الوحدات الإضافية المرتبطة بالجيش 
الفر نُسى. انظر : 46 ف6اأامم0 يك انلاءا!غا «ركوااة دعنزه8/1 يلل عطعنمازط دعا أء ك5سسعلة د5ع.ا]» ,اتناماتمعنا0 موه 
1 486 .م ,(1927 ععطمعءة) 12 .مم ,مكتمجدصما عسوتلا | 


(13) لمقهقع سل نعم ,عمجواة بك كساعامءااعمم 5ع كدسستجماع ومعمم عا على ,متم 5أنامآ 
.0 .م ,(1939 ,عأأع2 ده اما١-ف‏ اعمط :كتيوط) عترداء[ صوءل-ءاتطاومغط] عل .الأ زوغنوملة 


(09) 20/100 صا ,غتناقآ .شاء ,258 .م ,(1938 ,عاأعطعهة؟ :[كتمدع]) مبروام6] عمجولط عا ,لوالا همعز 
علزداء1 .1 أعممامع)! عا عدم كتناومى 4 جالأبال لمناعغعهم: بال ععداغيم ,1931-1934 تعوواة مؤنجء2 ,ع ومهالا نل 
.م ,(1952 بالنامة1]-رعوء8 مره أل6 :وموط) 


(15) محمد بوكبوط. مقاومة الهوامش الصحراوية للاستعمار 1938-1880: صفحات مجهولة 
من صمود قبائل التخوم الشرقية من تافيلالت إلى واد نول (الرباط: دار أبي رقراق للطباعة والنشرء 
5) ص 143. 


91 


محاولات تسلق جبل بوكافر كلهاء قرر الجنرال هوري التحضير لهجوم شامل 
في 28 شباط/ فبراير أو المعركة الفاصلة كما سمّاها العسكريون الفرنسيون» 
فأقفلت الممرات كلها وضَّيّق الحصار على بوكافر الذي تعرض لقصف مدفعي 
وجوي متواصل*". ويعتبر هذا اليوم نقطة بارزة في تاريخ مقاومة قبائل آيت 
عطا المغربية؛ فمنذ الساعات الأولى للهجوم الفرنسي ظهر عجز القوات 
الفرنسية عن التقدم على الرغم من شراسة هجومها وطوفان النيران المتساقطة 
على بوكافر» فكانت النتيجة كارثية بجميع المقاييس وتمثلت في تكبيد القوات 
الفرنسية خسائر جسيمة تمثلت في سقوط عدد من الضباط العسكريين وعدد 
كبير من القوات الاستعمارية. 

في ظل هذا التحدي الذي رفعته جماعات المقاومين في وجه الآلة 
العسكرية الاستعمارية التي عجزت عن قهرهم وإرغامهم على الخضوع 
والاستسلام» أدركت المؤسسة العسكرية الفرنسية جيدًا صعوية إخضاع هذه 
الأوساط القبلية من خلال عمليات واسعة النطاق» لذا قرر القادة العسكريون 
الفرنسيون وقف هجوماتهم بعد أن اتضح لهم أن بوكافر عصي على التسلق 
ولا يمكن أن يهزم المقاومين إلا حصار خانق منظم طويل من الجهات كلها 
وعزلهم في المرتفعات. وبالتالي إجبارهم على الخضوع والاستسلام عدرض 
الموت من شدة الجوع والبرد. وعبّر عن ذلك الجنرال هوري قائلا: #من غير 
المفيد الاستمرار فى إراقة الدماء هنا حيث فشل كل جنودنا الجيدين... لا أحد 
سينجح هناء يجب البحث عن بديل76. 

أوضحت إِذا هذه العمليات التي قادتها القوات الفرنسية في المنطقة صعوبة 
الإجهاز على هذه التكتلات القبلية» كما بئّنت أن المراهنة على خضوعها صعبة 
المنال» لذا اكتفت القوات الفرنسية بتطويق معقل المقاومة الجبلية وعزلها عن 
المراكز الخلفية الداعمة لها وفرض حصار خانق عليهاء وجعلها تعاني يحرمانها 


(16) بوكبوط.» ص 144. 
(217 .114 .م رفسا 


52 


كل مورد أو إمكانا للعيش بهدف الضغط عليها لإرغامها على الخضوع عند 
حلول فصل الشتاء. 

مع بداية آذار/ مارس 1933 قررت القيادة العسكرية الفرنسية الشروع 
في تنفيذ خطة الحصار كوسيلة أخيرة للقضاء على هذه الحفنة من المقاومين. 
وارتكزت خطة الحصار على تشديد الخناق على المقاومين وتكثيف القصف 
المدفعي والجوي بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المحاصرين من دون 
تمبيز بين المقاتلين والأطفال والنساء والفتك بمواشيهمء وبالتالي النيل من 
معنوياتهم. واستمر الحصار نحو شهر ركزت خلاله القوات الفرنسية قصفها 
على التجمعات السكنية وموارد المياه وحظائر الماشية. 


عاشت منطقة بيوكافر التي يتحصن فيها المقاومون بقيادة الزعيم عسو 
أوبسلام» حصارًا عسكريًا واقتصاديًا خانقًا من الجهات كلها دام حوالى 42 
يومّاء مرفقًا بقصف لسلاح المدفعية المتمركز في القمم المحيطة» وبغارات 
عنيفة لسلاح الطيران الذي استهدف الملاجئ والكهوف والمغارات» لكن 
هذه الخطط التي استهدفت وضع اليد على موارد العيش كلها لدى المقاومين 
بغية دفعهم إلى الخضوع أو التسريع بوتيرة استسلامهم» ووجهّت بصمود 
صلب من جماعات المقاومة التي أصرت على مواصلة مقاومتها. لكن» وبعد 
طول فترة الصمود الناتجة من اشتداد الحصار العسكري والاقتصادي ولجوء 
القوات الفرنسية إلى تكثيف عمليات القصف الجوي والمدفعي؛ أدركت هذه 
الجماعات المقاومة المتحصنة في المرتفعات عجرّها عن مواجهة القوات 
الفرنسية المدججة يجميع أنواع الأسلحة» خصوصًا سلاحي المدفعية والطيران» 
ما كان له دور كبير في النيل من معنوياتها وإرهابها والتأثير فيها نفسيًا؛ إذ عمّت 
حال من اليأس رجال المقاومة جعلتهم يفكرون جديا في المكاسب التي 
يمكنهم تحقيقها في حال خضوعهم. فأصبحت مسألة الاستمرار بالمقاومة 
والصمود تعني الانتحار الجماعي. خصوصا في ظل الخسائر الفادحة التي 
تكتّدتها جماعات المقاومين» والتي تمثلت بمقتل أكثر من 2300 شخصء من 


523 


بينهم 0 مقاتل”*!) وتدمير قطعان الماشية التى تعتبر رأسمالهم الوحيد*"©؟؛ ما 
جعلهم يشرعون باتصالات مع الفرنسيين انتهت بإعلانهم الاستسلام في 24 


آذار/ مارس 1933 وفق شروط منصفة©2. 


واكب الشعر الشفوي المقاوم هذه المراحل كلها التي مرّت منها معركة 
بوكافرء وصوّر لنا جوانب مهمة من هذه المواجهات العسكرية غير المتكافئة. 
وبيحسب هذه النصوص الشعرية الشفوية عمد الفرنسيون في إطار عملياتهم 
العسكرية في معركة بوكافر إلى توظيف وحدات عسكرية متنوعة تتكون من 
قوات نظامية وأخرى غير نظامية تشمل القوات الاستعمارية (مغاربة وتونسيون 
وجزائريون وسنغاليون). لكن» وتماشيًا مع السياسة التي نهجها قادة جيش 
الاحتلال والقاضية بتفادي الخسائر البشرية في صفوف قواتهم النظامية ما 
أمكن. كانت هذه الأخيرة مسبوقة دائمًا بفرق من القوات غير النظامية من 
أبرزها فرق الكوم. 

كان يج بهؤلاء المقاتلين المغاربة المجندين في جيش الاحتلال في 
الجبهات الأمامية وفي مقدمة الوحدات المتنقلة لاجتياح جماعات المقاومين» 
وتوكل إليهم المهمات الصعبة والعمليات الخطرة» لأنهم تميزوا من باقي 
القوات الاستعمارية بتفوقهم الجسدي والذهني. وكان لهذه الشجاعة التي 
اتصف بها هؤلاء المجندون ثمنًا باهظا تمثل في الخسائر الثقيلة التي 
تكبدوها2. 


(218 115 .م رعس 
(19) تطرق الجئرال هوري إلى الخسائر المادية الثقيلة التى تعرضت لها جماعات المقاومة 
والمتمثلة في فقدانهم أعدادًا كبيرة من قطعان الماشية التي تعتبر رأسمالهم الوحيد باعتبار أغلبية من 
لجأوا إلى صاغرو ومن الرحل مربي الماشية» فمن أصل 25 ألف رأس من الماشية التي كانت في بداية 
شباط/ فبراير لم يبق إلا 2500 رأس في 24 آذار/ مارسء والباقي مات عطشًا أو قتل من جراء قصف 
المدفعية والطيران. انظر: بوكبوطء» ص 2 16» و .118 .م ,نسلا 


(20) بوكبوطء ص 145. 


(0) ,1912-1925 بعمتعاط ينه عتمومعجل امبوعهام:1 عل «مثتباااكما" | اه بروانصرا ,ءانه اعأموط 
.0 .م ,2 عمزه) ,(1988 ,مماأمدمدلا'! :كمدط) معممعغصمدمعانلمام كع اتاعع م دعم أء عمأه ذلا ,وعترره) 3 


94 


كما تميز رجال حركات المقاومة المغربية بحسب هذه النصوص الشعرية 
الشفوية بحركيتهم العالية وقدرتهم الكبيرة على الصبر والتحمّل. وعلى الرغم 
من توافر أسلحة بسيطة مثل البنادق التقليدية» استطاعوا تعويض النقص المادي 
الذي عانوه بسبب ضعف التسلح وقلة الإمكانات» عن طريق الاستغلال الذكي 
للبنية التضاريسية الصعبة لمنطقة صاغرو الجيلية؛ فعمدوا إلى إنشاء تحصينات 
في المنحدرات والملاجئ الطبيعية كالكهوف مكنتهم من تجنب نيران القوات 
الفرنسية. يضاف إلى ذلك تعلقهم الكبير بالحرية وحماستهم الدينية العالية 
وحركيتهم الهائلة. كما استفادوا أيضًا من ظلام الليل والأحوال المناخية» وعمدوا 
في أحيان كثيرة إلى استدراج العدو أو التسلل إلى صفوفه كي يجعلوا القتال 
وجها لوجه. وبالتالي فإن نهاية المواجهة غالبًا ما كانت دموية تكبدت خلالها 
القوات الفرنسية خسائر بشرية ومادية كبيرة. كما لجأت حركات المقاومة إلى 
تبني أساليب قتالية متنوعة مثل الكمائن والهجمات المضادة التي كانت تقوم بها 
مجموعات صغيرة تتكون من عشرات الأشخاص الذين يتخذون من الكهورف 
والصخور مخابئ لهم ويعملون على مباغتة الفرّق العسكرية الصغيرة والمعزولة 
والانقضاض عليها من خلال الشروع في إطلاق نار كثيف من مسافات قريبة» 
محدثين فوضى عارمة وسط الفوات الفرنسية» ثم تستغل هذه الفوضى للقيام 
بهجوم متلاحم. وقد يتخذ هذا الكمين حجمًا كبيرًا بشكل مناورة موحدة ومهيأة 
بشكل جيد. ويعتبر عامل المفاجأة أيضًا سلاحًا مهما استخدمه رجال المقاومة 
ووظفوه بشكل جيد مكنهم من تحقيق قيق انتتصارات عدة على الرغم من قلة أعدادهم 
وضعف تسليحهم» كما استغلوا أي خطأ ترتكبه القوات الفرنسية سواء تعلق 
الأمر بغياب التنسيق بين الوحدات العسكرية المختلفة أم انفصال وحدة عن باقي 
القوات» حيث لم يتركوا الفرصة تمر من دون أن ينقضوا عليها بشراسة. 

يرجع نجاح هذه الأساليب القتالية لحركات المقاومة إلى خصائص 
أساسة امتاز بها رجال المقاومة» وتمثلت بالخصوص في سرعة مناوراتهم 
ونجاحهم في إحداث المفاجأة وحركتهم العالية؛ واستغلالهم الذكي للمعطيات 
التضاريسية التي كانت تمكنهم من ٠‏ الاختياء. 


95 


انطلاقًا من القصائد الشعرية التي نظمها شعراء مقاومون وشاعرات 
مقاومات يتضح بشكل واضح الوسائل العسكرية الهائلة التي وظفتها قوات 
الاحتلال الفرنسى فى 0ت إخضاعها حركات المقاومة المغربية» حيث 
اعتمدت المؤسسة العسكرية الفرنسية في عملياتها العسكرية في المنطقة على 
أسلحة حديثة وفتاكة متنوعة مثل الرشاشات والبنادق ذات الطلقات السريعة2©) 
لكن توظيف سلاح المدفعية الخفيفة والثقيلة هو الذي ضمن لها التفوق في 
مواجهاتها مع جماعات المقاومين» من خلال لجوثها إلى القصف المدفعي 
المكئف لمواقع وجود رجال المقاومة وتشتيت تجمعاتهم» وما أحدثه ذلك 
من بت الرعب والفزع في نفوسهم؛ فعلى الرغم من تفوّقها العسكري الكبير 
لم تكن قوات الاحتلال تجرؤ على خوض معارك مفتوحة مع رجال المقاومة. 
وكانت تكتفي عوض ذلك بمواجهتهم بقصف مدفعي وجوي مكثف 27 وفي 
هذا الإطار يقول جورج بوردون: لذلك كان أول ما يطالب به رجال المقاومة 
عند خضوعهم هو وقف القصف المدفعي. 

من جهة أخرىء ساهم سلاح الطيران بدوره في ضمان تفوق قوات الاحتلال 
وحسم المواجهات العسكرية لمصلحتها بحسب شاعرات المقاومة» سواء من 
خلال الضبط الدقيق لطبوغرافية المجالء عبر القيام بجولات استطلاعية لالتقاط 
صور مكنت من رسم خرائط مفصلة للمنطقة» أم من خلال القصف العنيف 
لأماكن تمركز جماعات المقاومة بهدف تدمير تنظيماتها الدفاعية والمشاركة 
الفعلية في العمليات من خلال القيام بالتغطية الجوية للقوات البرية الزاحفة. 


(22) خلاقًا للخطابات الرسمية القائلة باعتماد القوات الفرنسية أساليب حضارية في غزوها 
المغرب مثل سياسة الاتصال المياشر والابتسامة وبقعة ة الزيت وإظهار القرة لتفادي استعمالهاء يبن 
الواقع عكس ذلك؛ حيث ارتكزت في عملياتها على وسائل وأساليب عسكرية أكثر فتكا وقساوة. انظر: 


271 ال 

(23) أثار لجوء القوات الفرنسية إلى هذا القصف الكثيف والعشوائي والاستعمال المفرط لقوة 

الثيران موجة من الانتقادات فى الأوساط الفرنسية باعتبار هذه التصرفات لا تليق يجيش من المفترض 

أنه يمثل دولة متحضرة في مواجهة مقاومة شعبية ذات تسليح بسيط. انظر: علال الخديمي» التدخل 

الأجنبي والمقاومة بالمغرب 1910-1894: حادثة الدار البيضاء واحتلال الشاوية (الدار البيضاء: إفريقيا 
الشرق. 1991)) ص 48. 


596 


شكل التوظيف المكثف لسلاحي المدفعية والطيران في العمليات 
العسكرية عاملًا حاسمًاء استهدف القضاء على مصادر العيش كلها في إطار 
خطة سعت إلى النيل من معنويات المقاومين وأسباب صمودهم والتعجيل 
بخضوعهم*©: إذ أدت غزارة استخدام القنابل والمتفجرات إلى تراجع 
المقاومين واستسلامهم نتيجة الرعب الذي بثته في نفوسهمء وساهمت بالتالي 
في تفكيك كتلة المقاومة. 


أمام استماتة المقاومين وصمودهم وعجز النشاط السياسي والقوة 
العسكرية عن إخضاعهم» أشارت مقاطع عدة من هذه القصائد الشعرية الشفوية 
إلى لجوء القيادة العسكرية إلى تبني أساليب الحصار الاقتصاديء إذ عمدت إلى 
السيطرة على المجال الحيوي للقبائل المقاومة كالأراضي الزراعية والرعوية» 
ونهب قطعانها ومصادرة ممتلكاتها والدفع بها إلى قمم الجيال لتقاسي البرد 
والجوع. والتخطيط للعمليات بتزامن مع موسم الحصاد لجعل هذه القبائل 
المقاومة أمام الأمر الواقع» إما الخضوع والحفاظ على محاصيلها الزراعية أو 
الاستمرار في المقاومة مع ما يترتب عن ذلك القرار من تبعات. وحتى إذا لم 
تضطر إلى الخضوع من شدة المعاناة فإنها تكون منهكة وتصبح مقاومتها صعبة 
إن لم نقل مستحيلة. 


ثالمًا: المرأة المقاومة فى معركة بوكافر من خلال الشعر الشفوي 


لم تبق المرأة المغربية في معزل عن مجريات المواجهات التي عرفتها منطقة 
بوكافر» إذ شاركت في هذه المعارك البطولية إلى جانب الرجل ضد القوات 


(24) تحدث الصحافي الفرنسي غوستاف بابان (مذطه8 ع#هاسة) الذي عاين العمليات العسكرية 
في المناطق المجاورة لصفرو عن لجوء القوات الفرنسية «إلى تبني سياسة الأرض المحروقة بهدف 
إرغام رجال المقاومة على الاستسلام» حيث كانت تعمد إلى تدمير الدواوير والقرى باستخدام أحدث 
أنواع المتفجرات وإحراق المنازل والمحاصيل الزراعية... ففي أقل من أسبوعين أقدمت على إحراق 
ويد مير أكثر من 14 قصبة ودوار». انظر : كها مهم © عم7م عا عمط :192 أت ممعملط 4 ,متطدظ عبمعنت 

.219 .م ,(1912 بأعدقة01 .8 تكايةط) عع/أانا 


57 


الاستعمارية9». فكانت تُسعف الجرحى وتساعدهم©» وقامت أيضًا بخدمة 
المقاومين وحثهم وتشجيعهم على الصمود والاستبسال ورفع معنوياتهم عن 
طريق ترديد الزغاريد والأشعار الحماسية» وفى الوقت نفسه قامت المقاومات 
كني بمطارفة رجا اللمقاومة اليد الجدي والمس ين هن المراتهات المسكرية 
مع قوات الاحتلال والسخرية منهم» كما عمدن إلى توبيخ وتحقير من تخلف 
منهم» فكنّ يحملن أواني من الحناء لرش المقاومين الفارين من المعارك فيظل 
لون الحناء وصمة عار لهم ولأفراد أسرهم؛ والتهديد بإنزال أشد العقوبات 
بالخاضعين أو أولئك الذين انخرطوا في هدنات مع الفرنسيين باعتبارهم يتحملون 
مسؤولية كبرى في إنجاح الغزو الفرنسي. 


لم يقتصر دورهن على تقديم الخدمات لرجال المقاومة وتشجيعهم 
وتحريضهم على القتال» بل شاركن أيضًا في القتال إلى جانب الرجال في هذه 
الحرب الاستعمارية وحملن البنادق من دون أي إحساس بالدونية©». وأكدت 
الأشعار الشفوية التي وردت على ألسنة مجموعة من الشعراء والشاعرات هذا 
الدور البطولي للنساء المقاومات» وفي هذا الإطار تقول الشاعرة تاوكرات» 


وهي من أقوى شاعرات المقاومة في منطقة الأطلس المتوسط المغربي» ولدت 
عمياء ولم تتزوج» وكان رجال المقاومة يخافون أشعارها أكثر مما كانوا يخافون 
نيران القوات العسكرية الفرنسية. وبحسب فرانسوا ريئييه ©ءنههع؟ وزموهم©) 


(25) عن مساهمات النساء المغرييات في الحركة الوطنية» انظر: أليكسون باكيرء «التاريخ 
والأسطورة: حكايات نساء المقاومة المغربية»» ترجمة ليلى أبو زيد» مجلة ملفات من تاريخ المغرب» 
السنة 2» العدد 15 (تشرين الثائي/ نوفمبر 1997). 

(26) محمد البكراوي» «دور المرأة القروية المغربية في حركة المقاومة المسلحة وإشكالية 
المصادر: 0»1934-1912» ورقة قدمت إلى: المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة» ص 70. 

(27) أكدت الكتابات الاستعمارية نفسها هذا الدور البطولي» وكيف أن المرأة في معركة بوكافر 
تركت بصمات خالدة في سجل تاريخ مقاومة الاستعمار» وكيف كانت النسوة «يتسللن بشجاعة خارقة 
إلى موارد المياه تحت نيران رشاشتناء ويسقط أغليهنء لكن الباقيات يواصلن مهماتهن البطولية... 
ويُحمسن المقاتلين بالزغاريد المدوية» كما يقمن بتوزيع الذخيرة والمؤونة» ويأخذن مكان القتلى 
ليعرّضن عن فقدهمء وفي غياب الأسلحة يدحرجن على المهاجرين من قواتنا أحجارًا ضخمة تنشر 
الموت حتى قعر الوادي»» انظر: .6 .م ,أقالا 


58 


الذي جمع نصوصها الشعرية» كانت #عجورًا هرمة مشرفة على الموت؛ أحيت 
بأشعارها الحماسة والشجاعة في نفوس رجال المقاومة» لذلك شكلت العدو 
الرئيس لقوات الاحتلال)!29: 


أتى النصارى وشربوا من العيون غير خائفين 
ربطوا خيولهم وضربوا الأوتاد 
وقالوا لكم سنتجاور بالخيام 
أمام الاستسلام المتكرر لرجال المقاومة» وقفت تاوكرات تستصرخ 
النساء لحمل السلاح والالتحاق بجبهات القتال لتعويض المقاومين المتخاذلين 
والمنسحبين: 
انهضى يا توذا نادي إيطو وإيرا*» استصرخن النساء 
قضت الضرورة أن تحملن السلاح 
فالرجال رغم كثرتهم كأنهم غير موجودين 
أما الشاعر والمقاوم أحماد أوباسو الذي شارك في معركة بوكافر فعمل 
توثيق بطولات المرأة المقاومة بأسلوب بلاغي» فيقول في صدد مشاركة 
المرأة 0 خصوصًا المقاومة عدجو موح في هذه المعركة إلى جانب 
الرجل» وحملها السلاح لمواجهة قوات الاحتلال: 
شاركت في معارك بوكافر 
نساء كن غاية في الجمال 
حملن الأسلحة والبنادق 
وكن يتحركن كاللؤلؤ والمرجان 


230( 


(28) محمد شفيق» «الشعر الأمازيغي والمقاومة المسلحة في الأطلس المتوسط وشرفي الأطلس 
الكبير؛» مجلة الأكاديمية (المغرب)» العدد 4 (تشرين الثاني/ نوقمير 1987)» ص 88. 

(29) أسماء أمازيغية للنساء. 

(30) اعلي خداوي, «دور الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط في الدفاع عن المقدسات 
الوطنئية وحفاظ الذاكرة:» ورقة قدمت إلى: ندوة علمية: المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بالأطلس 
المتوسط. ص 207. 


99 


أطلب من الله أن يبدل مشيتكن 
لكي تصير كلها أسلحة وخناجر 
فقد قمت بجمع ألفين من الأكباش والخيول 
وقدمتها لك هدية أيتها المقاومة عدجو مو ”2 
كما تتحدث إحدى النساء الشاعرات المقاومات عن بسالة المرأة المقاومة 
وشجاعتها وإصرارها على الصمود في هذه المواجهة العسكرية على الرغم من 
الإبادة الوحشية التي عمدت إلى تبنيها القوات الاستعمارية والمتمثلة بالحصار 
المطبق المؤدي إلى الجوع والعطش. كما تتحدى من خلال أشعارها الضباط 
العسكريين الفرنسيين من أمثال العقيد شاردون (002:ه0©) والنقيب بولان 
(«نهاسوم) الذي قاد فرقة من الكوم المغاربة» وتصف حالها في ردها على النساء 
اللواتى يعتبرنها سوداوية اللون قائلة إنها قاومت المستعمر وتحملت المشاق 
كلهاء ففي الكهوف وبين الأشجار الشائكة تنام متحدية الطبيعة القاسية: 
أيها المستعمر شاردون 
المرأة البوكافرية تتحداك 
وتقول لك عفر وجهك بالطين 
وعفر به خيولك وقوة كوم بولان 
ولتعلم النساء اللواتي تنعتني 
بسواد وجهي أنني لست كذلك 
يكفيني فخرًا واعتزارًا مقاومتي للنصارى 
في أعالي الجبال وبين الصخور 
أنام وسط الأحراش والأحجار والأمطار 
حتى تأكلت ملابسي وتمزق منديل رأسي 
في أعالي الجبال وداخل الكهوف والمغارات 
كل هذا من أجل صد النصارى عن ديارنا 


(31) العمراني اشاعرات المقاومة»» ص 177. 


100 


كانت تعتبر الشاعرة المقاومة عدجو موح أنموذجًا باررًا للنساء المقاومات 
اللواتي تميزن بشجاعتهن وبسالتهن وأبدين روحًا قتالية عالية. إذ ولدت هذه 
المقاومة في أواخر القرن التاسع عشر وحملت البندقية في معارك بوكافر إلى 
جانب رجال المقاومة وتمكنت من قتل عدد من جنود الاحتلال2ة© وعندما 
تمكنت القوات العسكرية الفرنسية من قتلها حلت حسرة وخسارة كبرى بهذه 
الجماعات المقاومة. وجسدت الأشعار الشفوية المحلية ذلك الحزن الذي 
أصاب المقاومين باستشهاد عدجو موح*©. وفي هذا السياق يشير الشاعر 
سيدي بادو أو مسعود إلى الدور البطولي الذي قامت به المقاومة عدجو موح 
واستماتتها إلى أن استشهدت في 28 شباط/ فبراير 1933 وهي في الأربعين» 
وكيف أن أفراح ومسرات أفراد قبيلتها توقفت بسيب استشهادها: 
سأروي قصتك يا معركة بوكافر 
سأحكى أحدائك وأحزانك كى لا تُدسى 
أقسم أن أفراحنا ومسراتنا قد اختلفت 
كما أقبرت ضحكتنا منذ استشهاد عدجو موح 
يا من حملت السلاح وواجهت وقاتلت السينغاليين 


بكل شجاعة واستماتة يستحيل وصفها 
فأنت الوحيدة التي خففت من أحزانتا ومآسينا 
بحملك للسلاح وسط الفتيان في بوكافر 


أنعيك اليوم وأنع معك أصحاب السروج النحاسية*3) 
ليوم وأنع جَ 


أما الشاعر أحماد أوباسو فيعبر في أسلوب بلاغي وخيال شعري متميز 
عن أحاسيسه المفعمة بالحسرة والحزن بعد استشهاد المقاومة عدجو موح. 
حين يوججه كلامه إلى جميع المقاومين الذين شاركوا في معركة بوكافر 

(32) البكراوي» ص 72. 

(33) المصدر نقسه. 


(34) علال ركوك. المقاوفة الجغربية من خلال الثرات الشبعضٍ (الرياظ" مطبعة المعارف الجديدة؛ 
نشر المندويية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير» 2004): ص 199. 


101 


لاستفسارهم عن هذه المقاومة» ويؤكد لهم أن الاستشهاد ليس عارًا وإنما العار 
هو الاستسلام للمستعمر: 
يا أبناء بوكافر أين عدجو موح؟ 
لقد فضلت الاستشهاد على تقديم الخضوع للمستعمر 
كيف ما كانت الأحوال؛ فأنت المنتصرة أيتها المقاومة عدجو موح 
أيتها الرياح خبريني بربك عن أحوال عدجو موح 
أجابتني وقالت: لقد استشهدت عدجو موح 
لم يبق أمامي سوى أن أطلب من أوبير وبولان 
أن يمنحاني تأشيرة المرور قصد الصعود إلى بوكافر لدفن عدجو موح 
لقد أصابت الخيبة والخزي والعار الذين قبلوا المفاوضات والاستسلام 
كما أصابت الذين نسوا مقاومتك واستشهادك ياعدجو موح 
واحدة هى التى كانت تملا سكون ديارنا قد دفتاها 
ولم تعد الرغبة في التزين بالحناء عند نسائنا بعد استشهادهااء" 

في أحيان كثيرة كانت النساء المقاومات أكثر شجاعة وجرأة من الرجل؛ 
إذ لم يقبلن بسياسة التفاوض والاستسلام» حتى وإن كانت شروط الصلح في 
مصلحة القبائل المقاومة» الأمر الذي انطبق على الشاعرة المقاومة هرة واسو 
التي لم تستسغ قرار رجال المقاومة الدخول في مفاوضات للاستسلام لإنقاذ ما 
تبقى من الأطفال والنساء خلال معارك بوكافر» فعبّرت في أشعارها عن رفضها 
المطلق للاتفاق المبرم بين زعيم المقاومة عسو أوبسلام والجئرال هوري قائد 
قوات الاحتلال» واعتبرته نوعًا من الانهزام وطالبت جماعات المقاومة بضرورة 
الثأر والاستمرار في المقاومة وعدم الاستسلام©2 على الرغم من أن شروط 
الخضوع كانت في مصلحة المقاومين» خصوصًا النساء منهم””'» حيث تقول: 


(35) العمراتى. «شاعرات المقاومة.» ص 179. 

(36) للاصفية العمرائي» «المقاومة ضد الاستعمار من خلال نصوص شعرية أمازيغية»» ورقة 
قدمت إلى: المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بجهة مراكش - تانسيفت - الحوز 1956-1912: ندوة 
علمية (الرباط: المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير» 2001): ص 181. 

(37) يورد الجئرال هوري أن الوفد المكون من زعماء المقاومة وشيوخ العشائر, الذي أبرم اتفاقًا - 


102 


يا باسلام!*2) الذي كان سيد جبل صاغرو 
إلى أن باعه لأهل بولان 
حينما صعدناك يا صاغرو 
كان النبي في مقدمنا 
وحينما نزلنا جبل صاغرو 
تركنا النبي بالجيل» أبى أن يرافقنا ويزكي انهزامنا 
لقد خجلت من نفسي أيها النبي لما استسلمنا 


رابعًا: الشعر الشفوي النسائي والمقاومة 


استطاعت المرأة المغربية أن تجعل من الأشعار الشفوية التى نظمتها وثيقة 
حية تصور لنا مجريات هذه الحرب الاستعمارية. ومن خلال استقرائنا هذا الإبداع 
الشعري الشفوي النسائي يتضح بشكل جلي أن المرأة الشاعرة واكبت بقريحتها 
الحوادث التي عاشتها القبائل المغربية طوال هذه الفترة من تاريخ المغرب» 
واستطاعت أن توصل إليئا التفصيلات التي ضحت من أجلها جماعات المقاومة» 
وشاركت في توثيقها وتأريخها من خلال قصائد شعرية شفوية مؤثرة وصفية 
وحماسية. وفي هذا الإطار يرزت شاعرات اشتهرن بشعرهن المقاوم وسعين من 
خلاله إلى تأجيج مشاعر المقاومين واستنهاض هممهم وحثهم وتشجيعهم على 
الصمود. وتذكيرهم بأهداف القوات الاستعمارية ونواياها المتمثلة في استنزاف 


خيرات البيلاد واستغلالها: 
أراد المستعمر أن نؤدي الضرائب 
وتمتحة البيض والسمن والدجاج 


قسمًا بالله لن نمنحه إلا رصاص بنادقنا 


د مع الفرنسيين على الاستسلام قابلته التساء بالشتائم» وكن يصحن في وجوههم: ديا للعار والخزي» 
لستم رجالا لقد صرتم عبيدًا للنصارى؛ وهن اللواتي كن في المعارك يثرن حماستهم ونخوتهم بقولهن 
«كونوا رجالا». انظر: بوكبوط» ص 162 

(38) عسو أويسلام زعيم حركة المقاومة. 


10 


استمرت الشاعرات المقاومات في تشجيع المقاومين وحثهم على القتال 
والاستماتة والتصدي لقوات الاحتلال» فقالت إحداهن: 
اضربوا أيها الشباب 
تقدموا إلى الأمام 
لأن من مات في الجهاد سيتبوأ 
مقعده في الجنة ويترك العز للأهل 
من أبرز الموضوعات التي عالجتها المرأة الشاعرة في قصائدها الشعرية 
هي التعبير عن الألم والحزن من جراء استشهاد قريب لهاء وفي هذا الإطار 
تقول الشاعرة هرة حسين نايت بنهكو في رثاء زوجها الذي استشهد في معركة 
بوكافر مع عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال: 
آه... يا قمة بوكافر أكثرت من اليتامى 
في مغارتك استشهد رفيق حياتي 
آه... لن انسدق فاجعة استشهاده 
حين بلغني الخبر من طرف المقاومين 
أقسم! لن يحل عطاوي مكانه في قلبي 
صغيرًا كان أم كبيرّاء وسيمًا كان أم قبِيجً](" 
كما استفزت مشاعرها المرهفة الخسائر الجسيمة البشرية والمادية التى 
لحقت بجماعتها القبلية المقاومة» فكانت تتفاعل بعواطفها البريئة تارة يائسة 
وتارة متفائلة» فجاء ذلك واضحًا فى أشعارها التى كانت مشبعة بأحاسيس الحسرة 
والحزن تصف فيها حالتها النفسية المتردية من جراء ما عانته في هذه المعركة: 


قلبي منفوخ مثل الرحى 
جراحه أبت أن تندمل 
(39) العمراني» «المقاومة ضد الاستعمار»» ص 176. 


104 


جراح بوكافر أدمت قلبي 
كل من يتذكر بوكافر إلا وتدمع عيناه 
أحداث بوكافر جرحت قلبي 
كلما تذكرتها إلا وذرفت عيناي 
أنهارًا من الدموع 
جبال صاغرو تذرف دموعًا من الدماء 
مات الشباب 
هم الآن تحت التراب 
واستشهدت فتيات جميلات 
لا يستحقن أبدًا أن يدفن في التراب 
عبرت الشاعرة المقاومة أيضا بأسلوب بلاغي عن إعجابها ببسالة 
المقاومين» حين قالت: ١‏ 
افتخر يا جبل صاغرو الهمام 
فقد رفع المجاهدون صيتك في بوكافر إلى الأعالي 
كما عمدت إلى ذم المتخاذلين والمنسحبين من رجال المقاومة» إضافة 
إلى هجاء العملاء ووصفهم بالجبن والخوف لأنهم قدموا أرضهم إلى المحتل 
من دون مقاومة وصاروا أداة في يده ضد إخوانهم: 
إني رأيت أولئك الذين يستبدلون البرانس 
وضعوا أحزمة الحرب وحملوا الحبال العادية 
وإنى رأيت البندقية قد عادت إلى المزود 
00 مثل المجوهرات 
رأيت هؤلاء المتخاذلين يلبسون مثل النساء 
يا أيها النبي لقد تسامحت مع الذين لا ملة لهم 
تُعبّر الشاعرة في هذه الأبيات عن استيائها من أولئك الذين تسلل الضعف 
إلى نفوسهم وأعلنوا استسلامهم وقبلوا توقيع اتفاقية الهدنة مع الجنرال هوري. 


105 


فرجال المقاومة في الأمس كانوا يلبسون البرانس في الجبال إشارة إلى صمودهم 
لكنهم أصبحوا بعد نزولهم من بوكافر شيوخًا للاستعمار وما عادوا بحاجة إلى 
البنادق التي أصبحت تخزن مثل المجوهرات في إشارة منها إلى استسلامهم. 
في الموضوع نفسه أيضًا تلعن شاعرة أخرى المقاومين الجبناء الذين لم 
يستطيعوا الصمود وفضّلوا التراجع والانسحاب من أرض المعركة: 
صاحبتك اللعنة أيها الهارب 
هل أشتري لك الشجاعة 
تاركا سلاي40) 
أمام ضراوة تقريع النساء وتحميلهن رجال المقاومة مسؤولية الهزيمة 
حرص الشاعر على تبرئة رجال المقاومة والدفاع عن رجولتهم: 
أيتها الفتيات لا تقلن بأننا عاجزون ومتخاذلون 
إنه المستعمر يضربني بمدافع لا أعرفها 
أيها المستعمر ضع طائرتك واحمل عدتك لكي نتساوى”» 
تتحدث الشاعرة زينة حماد بمرارة عن الواقع الذي أفرزه دخول قوات 


لن أنسى أبدًا يوم دخل النصارى بلادنا 
وأسجله في أعماق قلبي 
آه... دخل النصارى البلاد 
نزع النصارى عن الرجال العمائم 
(40) ركوك. المقاومة المغربية» ص 96. 
(41) يوكبوط. ص 146. 


106 


وألبسوهم متاديل النساء 
يا أيها الرجال ما أتعسنا 
تزوجتمونا فتزوجكم النصارى 
فكيف 2 سنقضي معكم هذه الحياة!4*2) 


كان وقع الهزائم التي تعرض لها رجال المقاومة قويّا على هذه المرأة الشاعرة 
المقاومة التي انكسرت معنوياتها وأدركت عجز جماعات المقاومة وعدم قدرتها 
على المواجهة؛ فعبّرت عن ذلك الإحساس بمرارة» حيث تقول في قصيدة أخرى: 
افرح أيها الحاكم فقد أصبح رجالنا سقاة لك 
افرح أيها الحاكم فقد أصبح رجالنا خادمات لك 
لقد ذهبت عنا الكرامات مع الأولين 
بقينا نحن متأخرين لا قيمة لنا 
مجرد ألعوبة بين يدي كل من دبليس وبولان”*“ 
من أبرز الموضوعات التي استأثرت باهتمام المرأة الشاعرة المقاومة الفروق 
الكبيرة فى الإمكانات العسكرية بين قوات الاحتلال وجماعات المقاومة» فجاءت 
أتغارها وضَيًا للأسلجة وانخطط واسماء الرق السكري والضباط المسكريين 
الفرنسيين الذين يقودون المعارك العسكرية:؛ إذ تقول إحدى الشاعرات: 
يا بوشف 44) جعبتك طويلة 
لكنها مليئة بالدخان فقط 
تتأخر في الطلقة إلى أن يمر الرومي 
فتصيب وراءه 
وتقول شاعرة أخرى في الإطار نفسه: 
(42) العمرانيء 7المقاومة ضد الاستعمارء» ص 180. 


(43) المصدر نفسه؛ ص 181. 


(44) نوع من البنادق التقليدية التي كان رجال المقاومة يستعملونها في مواجهاتهم مع قوات 
الاحتلال. 


107 


لقد عايشت أحداث بوكافر التى شارك فيها بولان 
أردت مقاومة المستعمر كى لا يصل ديارنا 
وأخذت بوشفرء وأخذ يقصفنا بالقنابل 
وعندما بدأ فى استعمال الرشاشات والأسلحة الثقيلة 
لم جد ينا من التراجع إلى معان اليل 
آه... لقد اختلطت لنا المياه بالدماء في منابع العيون 
وجرى الدمع من عيوني كأنه زخات مطر 
وعندما ذهبت إلى ابادو؛ لمواصلة مقاومتي العدو 
صعدت طائرات المستعمر الغاشم إلى السماء 
وبدأ وابل من الرصاص يتساقط من السماء 
آه... لقد تفطنا أن القصف بالطائرات 
لكن المواجهة بين «ساسبو؛ والطائرة غير متكافئة!4) 


شكل استعمال سلاح الطيران من القوات العسكرية الفرنسية صدمة 
كبيرة لحركات المقاومة المغربية» بسبب عدم قدرتهم على مواجهة الطائرات 
والتصدي لهاء ما أدخل الرعب واليأس إلى قلوب المقاومين الذين كانوا 
يعانون القلق» وعبّرت المرأة الشاعرة عن هذا الإحساس بالععجز الذي ألمّ 
بالمقاومين: 
طار اللقلاق من الأرض حاملًا في منقاره النار 
أيتها التريكراف* إلى أين تحمل الأثقال 
تحملين القنابل الحارقة ويقال إنك تنقلين المدافع 
كلما رأيناك يصيبنا الرعب 
يا عائشة! التريكراف جعل حياتئا لا تطاق 
ضربن قرب مساكننا وضرب أغنامنا 


(45) العمرانيء «المقاومة ضد الاستعمار»» ص 189. 
(46) لقب أطلقه المقاومون على الطائرة. 


108 


وكلما أخرجت ماشيتي وسرت بصحبتها 
فاجأني التريكراف يطلق رشاش الردى””) 
خامسًا: قراءة في أشعار المقاومة 

تتناول هذه النصوص الشعرية الشعبية موضوعات مختلفة ذات علاقة وطيدة 
وواضحة بمجريات الصراع الذي خاضته قبائل آيت عطا ضد الغزو العسكري 
الفرنسي في منطقة صاغروء وتصب كلها في التعبير عن تطلّعات هذه الأوساط 
القبلية المغربية وتوعيتها الجر الذي شكله المستعمر وأعوانه» وإعدادها 
للتصدي لهذا الخطر المزدوج. فمن ثناياها تتعالى أصوات الفخر بالانتصار على 
المستعمر والتحريض وتحريك الهمم. إنها أناشيد نابعة من إحساس بالحرية 
واعتزاز بالنفس والرفض للعبودية والذل. إذ انطلقت هذه الإبداعات الشعرية من 
مواقع المواجهة» وأبرزت هموم رجال المقاومة ونسائها وقدرتهم على الصمود 
والانتصارء فهؤلاء الشعراء انخرطوا في حركة المقاومة وشاركوا إلى جانب 
المقاومين في معارك بوكافر» ما مكنهم من أن يكونوا حا شعراء مقاومة. 

على الرغم من التداخل الحميمي القوي والتواشج المعنوي الواضح بين 
الموضوعات التي تتطرق إليها هذه الأشعار الشفوية» فإننا سنعمد إلى تجزئتها 
فحسب تيسيرًا لسبل الاستقراءء إذ يمكننا التمييز على سبيل المثال لا الحصر بين 
الدعوة إلى المشاركة في التصدي لقوات الاحتلال ومدح المقاومين والمقاومات 
وهجاء العملاء ورجال المقاومة المستسلمينء والتباين الكبير في الإمكانات 
العسكرية واللوجستية بين المقاومين والقوات الفرنسية» إضافةً إلى الأدوار التى 
قامت بها النساء المقاومات في هذه المواجهة البطولية. ١‏ 


قبل وفوع المعركة عمل هؤلاء الشعراء والشاعرات على استنهاض الهمم 
للمشاركة الفعلية لرد العدوان والدعوة إلى التكتل لمجابهة العدو والتعبير عن 
الشجاعة التي تميز بها الأجدادء وذلك باقتحام الأخطار وتحديها على الرغم 
(47) المالكي» ص 186. 


109 


من خطورتها من أجل حماية بوكافر مرعى ماشية آيت عطا. واستطاع هذا 
الأسلوب التحريضي التحفيزي الذي تضمنته هذه الأشعار أن يحبي في نفوس 
هذه الأوساط القبلية روح المقاومة ويعمل على رص صفوفهم وتوحيد جهدهم 
لمواجهة قساوة الحصار الذي دام أكثر من أربعين يومًا. 

من خلال هذه القصائد الشعرية أيضًا نلتقط بعض الصور التي رسمها 
هؤلاء الشعراء المقاومون للقوات الفرنسية والمجندين المغاربة المتعاونين 
معهاء إذ يتصف الجنود الفرنسيون بحسب شعراء وشاعرات المقاومة بالجين 
والخوف وعدم القدرة على المواجهة المباشرة مع المقاومين» لذلك تجدهم 
يتسترون وراء الأسلحة المتطورة الفتاكة التي تمنحهم القوة. 

هناك صورة أخرى تقف منددة بها جل الأشعار الشعبية وتأسف على ضياعهاء 
وهي مسألة القيم التي تتحدد في زوال مجموعة من الخصال كالمروءة والشجاعة. 
فإذا كان هؤلاء الشعراء والشاعرات قد اهتموا بتمجيد رجال ونساء المقاومة في 
معارك بوكافر باعتبارهم يستحقون التقدير لأنهم قدموا أسمى التضحيات. فإنهم في 
المقابل ومن خلال استنطاق المضامين المضمرة لهذه النصوص الشعرية يستنكرون 
كيف أصبح وجود المستعمر الفرنسي أمرًّا مستساعًا بين المقاومين المستسلمين 
والمتخاذلين» وكيف أصبح مقاومو الأمس في خدمة الفرنسيين. 

بما أن مساهمة المرأة العطاوية ومشاركتها إلى جانب الرجل في هذه 
المعركة كانت فاعلة منذ بدايتها إلى نهايتهاء حيث كانت تقوم بأعمال لا تقل 
بطولية عن أعمال الرجالء لكنها همّشت من التاريخ الذكوري الذي ركز 
فى الأغلب على مقاومة الرجال» استطاعت هذه الأشعار الشعبية أن توصل 
إلينا جل التفصيلات النبيلة التى ضحت من أجلها هذه المرأة التى صنعت 
المقاومة وعلى يدها تحقق الصموده وييّنت استعداد المرأة الكامل لهذه المهمة 
التاريخية ما دام رجال القبيلة ليسوا في مستوى الحدث التاريخي على حد تعبير 
هذه النصوص الشعرية. كما تناولت الأدوار البطولية التي قامت بها النساء 
المقاومات» والتي لم تقتصر على الأدوار التقليدية مثل استنهاض الهمم وإذكاء 


110 


المشاركة الفعلية في معارك بوكافر. 


من الموضوعات الأخرى التي عالجها شعراء المقاومة وشاعراتها في 
شعرهم التفاوت الكبير والواضح في الوسائل والإمكانات العسكرية بين 
رجال المقاومة ونسائها الذين كانوا يستعملون أسلحة بسيطة مثل السيوف 
والخناجر والبنادق البسيطة ذات الطلقة الوحيدة مثل #يوشفرة ولاساسبو؛. 
والقوات العسكرية الفرنسية التي كانت مدججة بجميع أنواع الأسلحة الحديثة 
كالطائرات والمدافع والرشاشات والقنابل المتفجرة» إضافة إلى لجوئها 
إلى أساليب الإبادة الوحشية عن طريق الحصار المطبق والمؤدي إلى الجوع 
والعطش والفتك بالماشية التي كانت المصدر الأساس لعيش السكان. 


من جهة أخرىء اتسمت هذه الأشعار بمرارة الهزيمة واليأس والإحباط» 
فصوّرت لنا قساوة الأوضاع التي عاشها رجال المقاومة ونساؤهاء لذلك 
اعتبرت لوحات إبداعية نقلت إليئا الجروح العميقة التي أصابت المقاومين 
والحزن الشديد الذي ألم بهم بسبب فراق الابن والزوج والأهل» وعبّرت عن 
الأسى والأسف لما آلت إليه أوضاع رجال المقاومة ونسائها. إنها خزان نفسي 
واجتماعي صب فيه شعراء وشاعرات المقاومة كل مشاعرهم وتمثلاتهم. 


خاتمة 


أكدت هذه النصوص الشعرية الشعبية صدقيتها من حيث قدرتها على سد 
الفراغ الذي يعرفه البحث التاريخي المغربي في موضوع المقاومة النسائية الذي 
يعتبر من أبرز الأبعاد التاريخية المهملة في حركة الاهتمام بقضايا المرأة في 
المغرب. فالكتابات الوطنية التي حاولت معالجة الموضوع تظل محتشمة. أما 
البحوث التاريخية الأجنبية التي اهتمت بالموضوع فتناولته بسطحية» ومن ثم 
عملت هذه النصوص الشعرية على إعادة الاعتبار إلى النساء المقاومات بالكلمة 
أكان أم بالسلاح من خلال تجاوز النقص الذي اعترى الكتابات الاستعمارية» 
والوصول إلى عمق بعض القضايا والإشكاليات المرتبطة بمقاومة المرأة المغربية» 


111 


لأنها تعتمد على روايات من عاش تلك الحوادث وعاصرهاء وبالتالي تساهم في 
إبراز الفاعلين الحقيقيبن في التاريخ. لذلك كان اعتمادنا على هذه الوثائق الشفوية 
مجالا تقويميًا وفي الوقت نفسه مكملا للبحث التاريخي خصوصا حين يتعلق 
الأمر بالتاريخ المحلي كما هو الشأن بالنسبة إلى موضوع المقاومة النسائية. 


من خلال هذا الإبداع الشعري الشفوي الذي جاء على لسان عدد من شعراء 
المقاومة وشاعراتها يتبين أن المرأة العطاوية المقاومة عاشت حدث المقاومة 
بتجلياته كلهاء إذ شكلت أداة محورية في مواجهة قوات الاحتلال من خلال شحذ 
الهمم والتحفيز على المقاومة. كما تعطينا صورة حية وواضحة لمجريات النضال 
الذي خاضته النساء المقاومات إلى جانب الرجال في معارك بوكافر والصمود 
البطولي الذي أبدته طوال هذه المواجهة العسكرية غير المتكافثة. 

شكلت هذه المخزونات الشعرية الشفوية قيمةٌ مضافةٌ كبيرة اكتسبت 
مشروعية الوثيقة من وجهة علم التاريخ. إنها وثائق تشكل الذاكرة الحية والوعي 
الجمعي في تاريخنا الماضي والراهن» تسمح لنا بإظهار الوجه الخفي للتاريخ» 
وتتيح الفرصة للتعرف إلى جزء من التاريخ كما يُرى بالعين المجردة وبذاكرة 
أناس عاشوا تلك الحوادث,؛ ما يجعل له معنى وقيمة. كما أنها مكنتنا من رصيد 
تاريخي مهم مليء بالمعطيات والمعلومات عن مقاومة المرأة المغربية» متحرر 
من التمثلات والأحكام الجاهزة كلها ومنفلت من هيمنة الموضوعات التقليدية 
وسلطتها ومن إسقاطات الآخر وتأويلاته. 


112 


الورقة الرابعة 


هيئة الإنصاف والمصالحة والتاريخ الشغوي في المغرب 
أنموذج شهادات النساء ضحايا سنوات الرصاص 


محمد سعدىق 


مقدمة 


إذا كان التاربخ يضيء الذاكرة ويساعد في تصحيح أخطائهاء كما يؤكد 
جاك لوغوفء فإن تعبيرات الذاكرة الجماعية بأشكالها المختلفة (التاريخ 
الشفويء. المذكرات. الشهادات الشفوية... إلخ) قد تضايق التاريخ الرسمي 
وتحاصر الكثير من زواياه لتطالب بتصحيحه أو إعادة كتابته» بهدف نزع 
طابع الأسطرة أو الأدلجة اللذين يكسوان عددًا من وقائعه وملء المساحات 
التاريخية الفارغة وإعادة الاعتبار إلى الهوامش التاريخية وإلى الرموز التاريخية 
التي طالها الإقصاء الممنهج. هذا ما ينطبق على التاريخ الرسمي في المغرب» 
الذي يُدرّس في المقررات التعليمية» حيث يعيش اليوم حالة اهتزاز وخيرة» 
إن لم نقل في ورطة» بفعل شدة التناقضات التي تكتنفه نتيجة الطابع الشمولي 
الأحادي والانتقائي الذي يغلب على تناوله وقائع المغرب القديم أو المعاصر. 


في حقيقة الأمر. سمح الانفتاح السياسي الذي دشنه المغرب منذ نهاية 
القرن العشرين مع تولي الملك محمد السادس الحكمء بمساحات أكبر لحرية 
التعبير وعزز ديناميات التعددية الثقافية والهوياتية من خلال الإقرار دستوريًا بأن 


113 


تاريخ المغاربة تاريخ متعدد الروافد والانتماءات والهويات ولا يمكن اختزاله 
في تاريخ خطي أحادي البعد. هذا ما شجع على البدء بكسر التابوات التاريخية 
وعلى إقبال الباحثين والصحافة المستقلة على تناول ملفات وموضوعات 
تاريخية حساسة لم يكن في الإمكان التطرق إليها في العهود السابقة. وفجأة 
بدا كأن التاريخ الرسمي للدولة المعتمد على تحكم الرواية الرسمية للسلطة 
في المخيال التاريخي الجماعي للمجتمع» أصبح متجاورًا بشكل كبير أمام 
التحولات السياسية والحقوقية والاجتماعية التي يعيشها المغرب. وفي فترة 
وجيزة انتفض عدد من الهوامش التاريخية واستيقظ من سياته وأصبحت 
حركات اجتماعية وثقافية عدة تطالب الدولة بإرساء سياسات اعتراف تاريخي 
عبر تحقيق مصالحة مع الذاكرات التي عانت مدة طويلة النسيان والصمت» 
والتي يعتبرها بعضهم اليوم بمنزلة تواريخ مضادة للتاريخ الرسميء» وبأنها 
تشكل جزءًا من التاريخ «الحقيقي6 للمغارية. 

في السياق العام لمبداية التفكير والبحث في التاريخ الراهن للمغرب» 
تصاعدت الأصوات المطالبة ب «تصحيح؟ التاريخ المغربي الرسمي و«مراجعته؟ 
وإعادة كتابته و#تنقيتهة مما يوصف ب «التزوير» و«التحريف» و«التزييف» 
و«التعتيم» و«الأساطير» و«الأكاذيب» و«مناطق الظل» ولتحريره من السلطة 
التي سرقت والتهمت التاريخ ونسبته إلى نفسها. وفي هذا الإطار تأتي بداية 
نبش عدد من الباحثين والمؤرخين في التاريخ المسكوت عنه أو اللامفكر فيه 
(تاريخ الأمازيغ» تاريخ الانتفاضات السياسية والاجتماعية» تاريخ الانتهاكات 
الجسيمة لحقوق الإنسان, ذاكرة الزعيم عبد الكريم الخطابي... إلخ)» تاريخ 
بعض المراحل التاريخية الحرجة (كما هو شأن الصراعات والتصفيات الدموية 
التي عاشها المغرب مباشرةٌ بعد الاستقلال» تصفية جيش التحرير وأعضاء حزب 
الور والاستقلال... إلخ). ومن المنطقي أمام هذا الوضع أن يشكل التاريخ 
والذاكرة الجماعية رهانا سياسيًا تحتدم في شأنه المعارك بين الفاعلين السياسيين 
والمؤرخين والحركات الاجتماعية الاحتجاجية (الحركات الأمازيغية واليسارية 
والإسلامية). هكذا أصبحنا أمام تطور مسارين تاريخيين متوازيين يعكسان 


114 


انقسامات وتقابللات متناقضة ومضادة لدرجة عدم القابلية للتعايش المشترك: 
التاريخ الرسمي المكتوب مقابل التاريخ الشفويء الذاكرة الوطنية مقابل الذاكرات 
الشفوية» والتاريخ الوطني المركزي مقابل تواريخ محلية هامشية. 

هذا يؤكد أن هناك فعلا مواقع ظل وبياضات الذاكرة في تاريخ المغرب 
الحديث» وآن وقت الباحثين للنبش فيه وإخضاعه للدراسة الدقيقة لفهم 
الماضي وبناء المستقبل المشترك للمغاربة. وثمة مسؤولية كبيرة مُلقاة اليوم على 
عاتق الدولة وعلى المجتمع المدني وعلى الباحثين من أجل ضمان الحق في 
الذاكرة الجماعية وضرورة كتابة تاريخ المغرب للتصالح مع الوعي التاريخي» 
عبر بناء المعرفة التاريخية بشكل موضوعي ومن دون إقصاء وتهميشء وبعيدًا 
عن التشئج والخلفيات المصلحية الضيقة والأحكام القطعية والرؤية الأحادية 
للوقائع التاريخية. وسيكون للتاريخ الشفوي دور مهم في هذا البناء التاريخي 
من خلال سد فراغات التوثيق وضعف الأرشيف المغربي وعبر مساءلة التاريخ 
الرسمي المكتوب وإحراجه بالكثير من الأسئلة؛ وتحفيز الأشخاص الذين 
عايشوا كثيرًا من الحوادث التاريخية المعاصرة (المقاومون؛ السياسيون» 
المسؤولون في أجهزة الدولة» الضحايا... إلخ) على البوح يشهاداتهم للمؤرخين 
لتدوينها وتوثيقهاء سيكون بلا شك حاسمًا في الكشف عن الكثير من الزوايا 
التاريخية المظلمة» خصوصًا أن جزءًا مهما من الذاكرة الجماعية الوطئية على 
وشك الضياع النهائي بفعل وفاة عدد من الذين عاصروا تلك الحوادث. 

شهد المغرب في الأعوام الأخيرة نقاشًا عموميًا متعدد الأبعاد في شأن 
تاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقضايا الاعتقال السياسي وتجارب 
السجن خلال سنوات الرصاصء وشكلت الشهادات الشفوية للضحايا من 
خلال جلسات الاستماع العمومية التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة 
تجربة فريدة من نوعها جسّدت بداية الانتقال من «ذاكرة الصمت؛ إلى «ذاكرة 
البوح4» ومن #سلطة المكتوبة إلى «سلطة الشفوي»» وكانت فرصة نادرة 
لإعادة الاعتبار إلى الرواية الشفوية باعتيارها وسيلة فاعلة لبعث أسئلة فعلية 
عن الذاكرة الجماعية والمصالحة مع الذات التاريخية والثقافية وحفظ الذاكرة 


115 


الشفوية. وأوصت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها الختامي بضرورة 
حفظ الذاكرة الجماعية والمراجعة التدرّجية للمقررات الدراسية للتاريخ. 

في ضوء ما سبق سنحاول مناقشة الإشكاليات المختلفة المرتبطة بالتاريخ 
الشفوي في علاقتها بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة ومدى مساهمتها في 
إعادة الاعتبار إلى الذاكرة الجماعية للضحاياء خصوضًا النساء. وسنطرح 
حدود وإمكانات حصيلة جلسات الاستماع الشفوية في سد الفراغ في مجال 
تاريخ الانتهاكات وكيفية توظيف الروايات الشفوية وأرشيف هيئة الإنصاف 
والمصالحة في معرفة جزء من تاريخ المغرب بعيدًا عن كل مزايدة سياسية. فما 
هي القيمة التاريخية للشهادات الشفوية؟ هل التاريخ الشفوي بإعادة تأهيله قادر 
على ملء الفراغات التاريخية وإعادة الاعتبار إلى الذاكرة الجماعية لانتهاكات 
حقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص؟ وفى هذا الإطار ستتناول قضية الذاكرة 
المقموعة والمهةشة للنساء ضحايا القمع السياسي خلال هذه السنوات» وذلك 
من خلال تحليل بعض شهادتهن الشفوية. والهدف هو التعرف إلى خصوصية 
الانتهاكات التي تعرّضت لها النساء وما يميزها من الانتهاكات التي تعرّض 
لها الرجال. وفي الواقع؛ فإن هذا الموضوع لم يحظ باهتمام كافٍ وبقي طي 
الكتمان والصمت مدة طويلة. 


أولا: هيئة الإنصاف والمصالحة 
التاريخ الشفوي وسؤال الذاكرة الجماعية 
1 - هيئة الإنصاف والمصالحة: لمحة أولية 
يشكل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة خطوةً حقوقية تاريخية بارزة 
لترسيخ مكتسبات احترام حقوق الإنسان وتكريس دولة الحق والقانون في 
المغرب. وجاءت الهيئة ثمرة للتطور الريجابي لحقوق الإنسان منذ بداية 
التسعينيات من القرن الماضي» حيث عاش المغرب تحولات سياسية مهمة 


116 


تعتبر تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة أول تجربة مصالحة حقوقية في 
العالم العربي» والمغرب أول دولة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كانت 
لها الجرأة لفتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي وتسويتهاء أنشأها 
الملك محمد السادس في 7 كانون الثاني/ يناير 2004 وصودق على نظامها 
الأساس الذي يحدد مهماتها واختصاصها في 10 نيسان/ أبريل 2004. وهي 
هيئة غير قضائية» لا تثير المسؤولية الفردية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق 
الإنسان في الماضيء ولا يمكن لها فتح متابعات جنائية ضد المسؤولين 
عنها. ويتمثل اختصاصها في التقويم والبحث والتحري والتحكيم والاقتراح 
فى ما يخص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة فى الفترة الممتدة 
بين بداية الاستقلال. أي عام 1956. وعام 1999 تاريخ بداية حكم الملك 
محمد السادس. ومن بين مهمات الهيئة إثبات نوعية وجسامة انتهاكات حقوق 
الإنسان في الماضي ومداها وإجراء التحريات وتلقّي الإفادات والاطلاع 
على الأرشيفات الرسمية واستيفاء المعلومات والمعطيات التي توفرها أي 
جهة» لفائدة الكشف عن الحقيقة. وكان عليها إعداد تقرير يتضمن خلاصات 
البحوث والتحريات المنجزة في شأن الانتهاكات وسياقاتهاء وتقديم التوصيات 
والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وعدم تكرار ما جرى. 


توصلت الهيئة في تقريرها النهائي إلى مجموعة من الخلاصات؛ فعلى 
مستوى الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي بلغ العدد الإجمالي لحالاات 
الأشخاص الذين كُشِف عن مصيرهم 742 حالة» منهم 89 شخصًا توفوا رهن 
الاحتجاز فى المعتقلات السرية» كما أن 325 شخصًا ممن اعتبروا ضمن 
مجهولي التقمر توفوا في إثر الحوادث الاجتماعية في الأعوام: 21965 
171 . كما خددت وفاة 173 شخصًا رهن الاعتقال التعسفى 
أو الاختفاء القسري بين عامى 1956 و1999». وذلك في مراكز الاعتقال. 
واستطاعت الهيئة نتيجة المعطيات والشهادات الشفوية لضحايا الانتهاكات 
التأكد من أن مجموعة من أساليب التعذيب استعملت بشكل منهجي ضد 
المعتقلين بقصد انتزاع اعترافات منهم أو معاقبتهم أو ترهيب عائلاتهم 


117 


ومحيطهم المجتمعي بصفة عامة. وخلصت إلى تنوع طرائق التعذيب المتبعة 
التي تستهدف إلحاق الألم والمعاناة بالضحية ماديا ومعنويًا أو الاثنين معًا 

بعد التحريات ثبت للهيئة مسؤولية الأجهزة الأمنية التابعة للدولة عن 
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغربء» وفي عدد من الحالات كانت 
هذه المسؤولية مشتركة وتضامنية أحيانا بين أجهزة أمنية متعددة”». ومن خلال 
ل ا ا و1981 
159058 حلست إلوررتر اللتعنالة مارط التو من الاوز الأصنيه منية2), 
وقامت الهيئة ببتَ الملفات على مستوى جبر الأضرارء بإقرار التعويض المالي 
ل 6385 ملفا وبالتعويض المالي مع توصية بجبر باقي الأضرار ل 1895 ملفًا. 
والمقصود بجبر باقي الأضرار: تسوية الأوضاع الإدارية والمالية للموقوفين أو 
المطرودين من الوظيفة العمومية والإدماج الاجتماعي للضحايا والتأهيل الصحي. 
وتميّزت هيئة الإنصاف والمصالحة من باقي تجارب لجان الحقيقة والمصالحة 
بتبنيها جبر الضرر الجماعي؛ أي دعم مشروعات اجتماعية تنموية في المناطق 
التي كانت الأكثر تعرضًا لاننهاكات حقوق الإنسان (الريف وفكيك وتزممارت 
واكدز وزاكورة والأطلس المتوسط)©. 


2- تجربة الشهادات الشفوية: الإنصات لصوت الضحايا 


اعتمدت جلسات الاستماع العمومية في بعض البلدان التي عرفت 
مسارات العدالة الانتقالية بعد أن عاشت في ظل أنظمة تسلطية شهدت انتهاكات 
جسيمة لحقوق الإنسان. وخصصت هذه الجلسات للاستماع إلى شهادات 
شفوية عن تلك الانتهاكات يتقدم بها الضحايا أمام الرأي العام» يحكون فيها 


(1) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة:. التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة 
(الرباط: المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان؛ مطبعة التجاح الجديدة, 2006). الكتاب الأول: 
الحقيقة والإنصاف والمصالحة» ص 82. 

(2) المصنر نفسهء» ص 84. 

(3) المصدر نفسه؛ ص 104. 


118 


عذاباتهم ويفرغون غضيهم مما حدث لهم. ويرى عدد من علماء النفس أن 
هذه الجلسات هي لحظات بوح وفضح ومكاشفة ضرورية» حيث إن الانتقال 
من مرحلة الصمت والمنع إلى التعبير الشفوي عن المعاناة عامل حاسم في 
التخفيف من الآلام النفسية. 


تتوخى الشهادات الشفوية استرجاع الضحايا كرامتهم والإقرار 
الرسمي والعلني بمعاناتهم واعتراف الدولة بمسؤولياتها عما حدث في 
الماضي. وتساهم جلسات الاستماع العمومية في تقريب معاناة الضحايا 
من المواطنين وتقوية فهمهم الماضي القريب وفي إيجاد شروط المصالحة 
وتغذية مسارها. 

بدأت هيئة الإنصاف والمصالحة بين كانون الأول/ ديسمير 2004 وأيار/ 
مايو 2005 تنظيم جلسات عمومية في بعض مناطق المغرب التي عانت 
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. لذا اختيرت مدن الرباط ومراكش وفكيك 
وخنيفرة والراشدية والحسيمة. ونقلت وقائع بعض الجلسات عبر قناتي التلفزة 
الوطنية. وفي أثناء هذه الجلسات حرصت الهيئة على أن تكون هناك تمثيلية 
لأجيال ضحايا حقوق الإنسان في المغرب المختلفة. 


تُظمت الجلسات في فضاءات عمومية وبحضور جمهور مكوّن من 
عدد من الضحايا والهيئات الحقوقية والثقافية والسياسية والتقابية والسلطات 
والهيئات المنتخبة ووسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة الوطنية 
والدولية وممثلين عن الدولة على المستويين المركزي أو المحلي. وكان 
الهدف تسليط الأضواء وكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة المختلفة التي 
شهدها المغرب منذ الاستقلال وحتى عام 1999. وشكلت الجلسات وسيلة 
لإيجاد نوع من التنفيس الذاتي للضحايا وتغليب روح المصالحة والحوار 
على ثقافة الحقد والانتقام داخل الفضاء السياسي والحقوقي المغربي. 
واعتبرت الهيئة أن هذه الجلسات تساهم في استرجاع كرامة الضحايا ورد 
الاعتبار إليهم وحفظ الذاكرة الجماعية» كما تؤدي دورًا تربويًا بيداغوجيًا 


119 


تجاه المسؤولين والرأي العام والمجتمع والأجيال الصاعدة. كي ل يتكرر 


ما حدث في الماضي”". 


مكنت جلسات الاستماع العمومية من توسيع النقاش العمومي التعددي 
في شأن وجه مأساوي من تاريخ المغرب الراهن ومن التقدم بشكل ملموس في 
عملية تسليط الضوء على وقائع هذا التاريخ وأنواع عدة من الانتهاكات» ظلت 
رهينة الصمت أو التابو أو الشائعات» وعلى رأسها مسألة الاختفاءات الفقسرية 
والاعتقالات السياسية والاحتجاجات السياسية والاجتماعية الكبرى. هذا 
ما أعطى دفعة قوية للنقاش العمومي في شأن كيفية تدبير طي صفحة الماضي 
ومسألة إعادة كتابة التاريخ وبناء الذاكرة الوطنية والذاكرات الجهوية. وكانت 
الشهادات الشفوية العمومية لحظة تاريخية أساسية لحكي المعاناة وتفريغ 
العذابات وفرصة للبوح والكلام والإنصات ومقاسمة الآلام والاعتراف المتبادل 
هذه الجلسات العمومية قد دشنت نوعًا من التفكير الهادئ والسلمي في شأن 
ما جرى في الماضيء ما من شأنه أن يفضيء مع مرور الوقتء إلى طي صفحة 
الماضي والتصالح مع التاريخ. وتذكر الماضي واستحضاره خلال الجلسات 
العمومية يتيح نوعًا من تكريم ذكرى الضحايا وتعريف الناس بماضيهم وتعديل 
الروايات الرسمية للتاريخ» كما يحفّز الحوار والبحث عن حقيقة ما جرى. 

اعتّبرت هذه الجلسات أيضًا بداية لاكتشاف عمق التعددية المغربية في 
جوانبها الإنسانية والثقافية واللغوية والاقتصادية والاجتماعية. وكانت تجسيدا 
لتزايد الوعي بضرورة تفكيك الأساطير المؤسسة للشرعية السياسية للدولة 
المركزية التي أقصت وهمّشت منذ الاستقلال عددًا من عناصر التنوع باسم 
الحفاظ على التجانس والوحدة الوطنية. وتحدث عدد من الضحاياء خصوصًا 
النساءء في الجلسات العمومية باللغة الأمازيغية”» ما اعتبر دعوة إلى النخب 


(4) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة: التقرير الختامي, الكتاب الأول: الحقيقة 
والإنصاف والمصالحة. ص 108. 
(5) تحدث عدد من الضحايا باللغة الأمازيغية في جلسات الاستماع العمومية التي شهدتها مدن - 


10 


ومؤسسات الدولة للتصالح مع الذات والثقافة الشفوية عبر إعادة الاعتبار للغة 
والثقافة الأمازيغيتين والتاريخ المحلي الشفوي والذاكرات الجهوية الأليمة في 
مناطق المغرب المختلفة. وتبقى أهمية الشهادات الشفوية هي التذكر وجعل 
الناس ينخرطون في نقاش حي دينامي» لا مع الماضي وحوادثه فحسبء بل في 
السبل التي يمكن أن يستفيد منها الحاضر من الماضي لبناء المستقبل. 


3 - سؤال الذاكرة والحاجة إلى التاريخ الشفوي 


تعتبر مسألة تدبير العلاقة بالماضي وإعادة بناء الذاكرة الجماعية وفتح 
ورشة كتابة التاريخ على أسس جديدة من أهم القضايا التي تتطلب أجوبة 
وحلولا مقنعة لتحقيق مصالحة المجتمع والمواطن مع الدولة والتاريخ. وكانت 
توصيات الهيئة مهمة وجريئة على مستوى علاقتها بالتاريخ الراهن للمغرب» 
ومن شأن تطبيقها وإعمالها أن يمنحا دفعة قوية للمصالحة التاريخية ودمقرطة 
الذاكرة عبر تعزيز البحث العلمي المتعلق بالتاريخ الراهن وماضي الانتهاكات 
الحقوقية والجسيمة. وأوصى التقرير النهائي للهيئة بحفظ الأرشيفات الوطنية 
كلها ومراجعة تدرّجية لمحتوى برامج مادة التاريخ» وإنشاء معهد وطني مستقل 
يتكلف بتوثيق التاريخ المغربي الحاضر والماضي ونشره'*. 

واجهت الهيئة صعوبات كبرى في عملها لجمع المعطيات وقراءة 
السياق التاريخي للانتهاكات بفعل شبه انعدام الأرشيف, ولهذا كانت واعية 
بأهمية الحفظ الإيجابي للذاكرة وألحت في توصياتها على الجانب التاريخي 
للمصالحة وحفظ الذاكرة. وحاوّلت الانخراط في دينامية حلحلة ذاكرة المغرب 
الراهن من خلال عملها على تنظيم جلسات استماع عمومية وسرية لمجموعة 
من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومن الفاعلين الرئيسيين خلال تلك 
الانتهاكات» وفتح تحقيقات للبحث عن تحديد وقائع خروق حقوق الإنسان 


- الراشدية وخنيفرة والحسيمة في عام 2005. 


(6) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة» المتقرير الختامي. الكتاب الرابع: مقومات 
توطيد الإصلاح والمصالحة» ص 23 


121 


وسياقاتها التاريخية» وتشجيع فتح نقاش عمومي في شأن مراحل أو حوادث 
بارزة أو شخصيات تاريخية كانت محل تغييب ممنهج من السلطة (الصراعات 
الدموية خلال بداية الاستقلال وحوادث الريف 1958 - 1959)©. 


قامت الهيئة ببحوث ميدانية عبر الاستماع إلى الشهود وإجراء مقابلات 
لجمع المعطيات عن حالات محددة» أو تحديد السياق السياسي والتاريخي 
لانتهاكات حقوق الإنسان في المغربء كما نزلت إلى الميدان لاكتشاف أماكن 
ذات علاقة بوقائع سنوات الرصاصء واستندت في ذلك إلى وثائق رسمية أو 
خاصة» وإلى استجوابات شهود عايشوا تلك الحوادث. وتكمن أهمية عمل 
الهيئة هنا في أن عنف الدولة في التاريخ السياسي المغربي الراهن كان لمدة 
طويلة أحد التابوات المحرم التطرق إليه في النقاش السياسي العام؛ ولم يحظ 
بأي اهتمام بحثي أكاديمي بسبب الرقابة القمعية الرسمية للسلطة والتوججه 
الممنهج لمؤسسات الدولة لإخفاء الأرشيفات المتعلقة بهذا العنف أو عدم 
إنتاج هذا الأرشيف أصلا في عدد من الحالات©. 


كثرت التساؤلات في شأن إمكان مساهمة الشهادات الشفوية في سد الفراغ 
في مجال تاريخ الانتهاكات وفي شأن القيمة التي يجب إعطاؤها لهاء والصعويات 
المنهجية التي تطرحها هذه الشهادات باعتيارها تسرد التجربة الذاتية للضحايا في 
شأن حوادث مؤلمة ومعقدة وقعت في الماضيء ما قد يجعلها متناقضة في بعض 
الأحيان. ويتساءل عدد من المؤرخين والباحثين المغاربة: ما السبيل أو المنهج 
الذي يجب اتخاذه للبدء بورش إعادة كتابة تاريخ المغرب الراهن» وهل ذلك 
ممكن على الرغم من اختفاء مجموعة من الشهود إلى الأبد ووجود الأرشيفات 


ع ااه 


في وضعية مزرية أو غيابها بخصوص عدد من المراحل التاريخية الدقيقة التي تهم 


(7) هك #لتماوئط رعبوتاتادم هو اتفامع” :دمنامالتعدمعمم هك غلأنوة ععمفافم ا ئل» ,تمسححولا ]18 فولقط 
.28-9 .مع ,(2007 غاتآ) 62 .320 ,عفرو جء/ مقاط ععع عن ارم «رع م16 


(8) «مالمجمم!' ل مالأ أأنا8 «رعتعالغ مها معتمامتط'1 عند انهنهنا ع1 أء 181 نل» بدءللسمكة برمطاعمطة .14 
.<803ع 78413 0تأع. مم5 لهت ج01 . لله . بد ينايب لنجناطا> .(2008 عن:ا0ك0)) 2 ,0« ,01/11 يك 


12 


انتهاكات حقوق الإنسان”*'؟ لهذا ربما لم تفلح هيئة الإنصاف والمصالحة «في 
تحديد النطاقات كلها المتضررة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتلوينها 
وتمثيلها كارتوغرافيّاة*”"» فوجدت «نفسها في مواجهة ضمور وتلاشي الآثار التي 
تركها الماضيء وفي المقابل» الحقيقة تنطلب تذكر واستحضار الشر كما وقع 
بلا رتوشات وبلا تلطيف... لكن التذكر فى حد ذاته يكتنئفه الصمت. الرقابة» 
الكذب, الانحسارء التخيل» النسيان» الانتقائية...0090. ويتحدث المؤرخ المغربي 
محمد كنبيب عن الفراغ السائد في ما يخص انتهاكات ما بعد مرحلة الاستقلال 
«التي لم يؤرخ لها بعد بكيفية علمية ومنهجية» فنحن لا نجد سوى شهادات 
متقطعة عن التجاوزات والانتهاكات المرتكبة مثلّا خلال السنوات الأولى من 
عهد الاستقلال20". 


لكن أمام صعوبة بناء الوقائع التاريخية الراهنة بتجرد وموضوعية» 
خصوصا في ظل نقص فظيع للمادة الوثائقية المكتوبة يصبح من الضروري 
الاعتماد على التاريخ الشفوي والذاكرة الشفوية للكشف عن المسكوت عنه 
والممنوع ونزع الحجاب عن «الحقائق؛ المطموسة أو الفراغات والبياضات 
الموجودة داخل التاريخ المكتوب. وتساهم الذاكرة الشفوية في صوغ وعي 
تاريخى مختلف وتشكل ملاذا للجماعات المقهورة «التى جرى تغييبها ونفيها 
من الكتابة التاريخية المؤسساتية الرسمية6*©. وفضحت الشهادات الروائية 


(9) «مننوصفل1' ل افاء|اه8 «كهناز عا ك عاك ثلق هنامز ؟1 ,ععأموغم ها بععاماكئنةطنل» ,أمسفعولا ]8 موقط 
.<804ع11اتة 7 زنام. م أرة لةتتاع01. تللع, بنابببن لز > .(2008 ععرطامء0) 2 .وه ,010ل ل 
(10) باحو أو جبور ولحسن أيت الفقيه» إملشيل: الذاكرة الجماعية ([الرباط]: منشورات 
جمعية أخيام في إطار برنامج جير الضرر الجماعي» 2011)؛ انظر: 16/009 «المسئده.طفعء عدو //نم0ط> 
حلم._2__2_اانطءائسا_عامموعلة 
0010 محمد مونشيح» «هميئة الإنصاف والمصالحة بين الحقيقة الغائية والإتنصاف المنقوصء*؟ 

وجهة نظرء العدد 35 (شتاء 2008)) ص 1 5. 
(12) محمد كنبيب» «الحقيقة التاريخية بين الضوابط العلمية؛ الدولة والمجتمع» (ورقة قُدمت 
إلى: ندوة مفهوم الحقيقة» المملكة المغربية» هيئة الإنصاف والمصالحة. طنجة» 18-17 أيلول/ سبتمبر 
4 )» ص 4. انظر: ,<كلم.«اتطهقط_لعمسصمطهتر_ءعاءتائع_لم/1)6/ القع جم نجاط > 


(0) .أله ,#«تماكةط'| عل معمونععجم له ععرءاء3 نمع روط اأونصياد كنود عراماك ل" .! ,موع8 عمولا 
.(1987 ملمقصمنااع0 :مصدط) 19 زععاماكل 


123 


لمجموعة من الضحايا في إطار أدب السجون والمعتقلات «بشكل وقح 
وججسور الأساطير المؤسسة للدولة المغربية المعاصرة كما ضبطها النظام 
وروّجت له قنوات التأثير الجماعية (...) أدبيات السجون تتحدث عن ذاكرة 
الآخرء الآخر المقصي (...) ولذلك فهي تشكل الذاكرة المنشقة0*"©. 

في ضوء تجرية هيئة الإنصاف والمصالحة نعتقد أن التاريخ الشفوي 
يمكن» في حال مقاربته مقاربة علمية صارمة» اعتماده مصدرًا رئيسًا لإعادة بناء 
ماضي الانتهاكات في المغرب» خصوصًا أمام الافتقار إلى رصيد مكتوب يوثق 
لهذه الانتهاكات. واعترفت الهيئة بأن «الانتهاكات ارتبطت بأحداث تاريخية 
غير موثقة ولا تتوفر حولها إلا شهادات غير مكتملة بقدر يسمح بقراءات دقيقة 
وموثوق بها (...) إلا أن الشهادات تقدم توثيقًا شفويًا غنيًا لأحداث ظلت 
تطبعها السرية والغموض وتضارب التأويلات2596. وتمثل جلسات الاستماع 
العمومية قفزة نوعية بالنسبة إلى المدرسة التاريخية المغربية التي ساد فيها إلى 
وقت قريب جدًّا تقديس الوثيقة المكتوبة ولم تهتم بالتاريخ الشفوي©". 


إن الشهادات الشفوية على الرغم من نسبيتها إلا أنها توفر معطيات عدة 
تشكل ماددةً تاريخية خامًا قابلةَ للدراسة والتحليل من الباحثين والمؤرخين للتأكد 
من صدقيتها. ويبقى المؤرخون والباحثون في التاريخ السياسي المغربي هم 
وحدهم القادرون على كشف أسرار هذا الماضي وتحويل فراغاته إلى تاريخ 


(14) محمد حاتمي؛ «أدبيات السجون كمصدر تاريخي: الإشكاليات والمقارية» (ورقة تُدمت 
إلى: ندوة كتايات الاعتقال السياسي» المملكة المغربية» هيئة الإنصاف والمصالحة:؛ الرباط 20 أيار/ مايو 
4)») ص 4. <كلم. اومسناهط_ء أءنامة لم/110لقمدىت].بببجيد لص > 

(15) السياق التاريخي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب» إعداد مجموعة من 
الباحئين والمساعدين تحت إشراف فريق العمل المكلف بالدراسات واليحوث بهيئة الإنصاف 
والمصالحة:؛ سلسلة دراسات وندوات هيئة الإنصاف والمصالحة (الرباط: متشورات المجلس 
الاستشاري لحقوق الإنسان؛. 2009)؛: ص 10 و54. 

(16) مناخخلة جامع بيضا في المائدة المستديرة: «جلسات الاستماع والتاريخ الشفوي»» تنظيم 
هيئة الإنصاف والمصالحة بتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ الرباطء 7 كانون الأول/ ديسمبر 
04 


14 


مفهوم وفي متناول الجمهور”". وبالطبع» هذا لا يعني أن تلك الشهادات يمكن 
أن تشكل وحدها الحقيقة التاريخية» فهي «لا يمكن أن تعكس في نهاية المطاف 
إلا جزءًا صغيرًا من ذاكرة هؤلاء الشهود» وهي ذاكرة يطغى عليها شأنها في ذلك 
شأن أي ذاكرة أخرى طابع الذاتية والانتقاء والاستغلال إذا اقتضى الأمرء وذلك 
بوعي أو بغير وعي من أصحابها. وإذا أخذنا هذا الجزء من الذاكرة بالاعتبار 
فيجب مقارنته بشهادات أخرى معاصرة فى شأن الحوادث نفسها ومن أكبر 
عدد ممكن من المصادر الأخرى» خصوصًا المكتوبة منهاه*"©. ولهذا نعتقد أن 
المعطيات التاريخية الشفوية المهمة التي استطاعت الهيئة تجميعها من خلال 
المقابلات والجلسات والزيارات الميدانية المختلفة» في إمكانها أن تساهم في 
التشجيع وتوفير الأوضاع الملائمة لكتابة تاريخ سنوات الرصاص في المغرب. 


4- المصالحة مع تاربخ ضحايا الانتنهاكات 


انتعش الحديث منذ نهاية التسعينيات عن ضحايا سنوات الرصاص من 
الفاعلين السياسيين والصحافة» فأصبحت الذاكرة تفرض نفسها بقوة بسبب 
غزارة إنتاجها كقراءة للماضي. وارتبطت مسألة الذاكرة والتاريخ ببداية مرحلة 
سياسية جديدة في المغرب شهدت توسيع مجال الحريات والانفراج السياسي 
مع تجربة التناوب السياسي التوافقي» حيث تحررت الذاكرة السياسية للفاعلين 
والشهود الذين عاشوا سنوات الرصاصء وانتقلنا من ذاكرة صامتة إلى ذاكرة 
صاخبة واحتجاجية!*''. 


أصبح هناك طلب اجتماعي ومعرفي متزايد على التاريخ الراهن؛ فأضحى 


(17) ممناهةاعومعف ك غاندوة عممماكملنا تمععص ]تو ى كاتهة بع ع مموامدغ1» بكءأامصمترزا5 ممكن5 
عنموقطة؟ هآ: عطععاعع عل وأمده12] :فصقل ,لهك المسصدةآ1 ممم اتنطيد1! «بده همدي ها كء عمتصدمعمدم (181) 
.123-148 .جو« ,(2008) 4 .اهن ,أعومطعما! نأك عفممامانا ,[دعطتطتمطههم: كدمتادامهه :ععام مغدم عا عل 

)218 .28-29 .وم «رععصماكمآ نل ,نسصمعولا 51 

(9) عنوتاتامم عدبتراممة'ل ماعرع© ما :كصفل «تلهنية 81 .]8 عل عرتمامعصتدمع» ,تلديم اع لعتممطمك1 
رلأاقنامط توتطةسعلطة ومتأملصه؟ :نقطه1) 6-2006 .0ه ر,كتاعاط وتعاظهت كما ,#«تماعلط اء مم84 ,(طوع) 
.18 .م ,(2006 


125 


حدث؟ وكيف حدث؟ ومن كان الفاعلون الرئيسيون في ما حدث؟ وتعطش 
المغاربة لمعرفة ماضيهم تبيّن من خلال زخم الكتابات عن الاختفاء القسري 
والاعتقالات السياسية والانتفاضات الاجتماعية وانقلابي 1971 و1972... 
وأنحذت هذه الكتابات شكل دراسات ومذكرات وشهادات مكتوبة وشفوية 
ومسموعة ومرئية. وساهمت الأعمال السردية التي تؤرخ لتجارب المعتقلين 
في إطار ما يسمى بأدب السجون22. وكذا إنتاج مجموعة من الأفلام السينمائية 
عن سنوات الرصاص”'2 في إيجاد اهتمام مجتمعي بالذاكرة الجماعية الخاصة 
بتجارب الاعتقال والمعاناة التي رافقتها. 


إن تجربة الشهادات المقدمة في جلسات الاستماع العمومية التي نظمتها 
هيئة الإنصاف والمصالحة؛ أكدت الدلالة الاجتماعية للتاريخ الراهن وضرورة 
إلغاء الحواجز بين الفضاء الأكاديمي والمجتمع المدني الذي بات يهتم أكثر 
بتدبير قضايا تتعلق بالماضي؛ إذ ساهمت تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة 
في تنبيه الباحثين المغاربة إلى أن التاريخ المغربي السياسي الراهن لم يقرأ بما 
يكفي من الموضوعية والرصانة» ولم يقع بحث جدي في الديناميّات العميقة 
التي صنعت وقائعهء وذلك بفعل استحواذ التاريخ الرسمي للدولة والتهامها 
الذاكرة الجماعية. وبحسب محمد الصغير جنجارء مارست الدولة انتهاكا 
رمزيًا على الذاكرة الجماعية من خلال تعبثة أواليات الإنتاج الأيديولوجي كلها 
(الإذاعة والتلفزيون والكتب المدرسية والأعياد الوطنية... إلخ) لصوغ تاريخ 
رسمي مركزي يطمس الصراعات السياسية والمجتمعية الفعلية ويقصي من 
مكوّنات الذاكرة الجماعية الآثار الأليمة كلها لسنوات الجمر. وكان من نتائج 


(20) من بين الأعمال الروائية الشاهدة على قمع سنوات الرصاصء يمكن أن نذكر: حديث 
العتمة لفاطنة البيه؛ تلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلون؛ تزممارت. الزنزانة رقم 10 لأحمد المرزوقي؟ 
درب مولاي الشريف: الغرقة السوداء لجواد مديدشء ومن الصخيرات إلى تزمامارت: تذكرة ذهاب 
وإياب إلى الجحيم لمحمد الرايس. 

(21) من هذه الأفلام يمكن ذكر فيلم «جوهرة بنت الحبس» للمخرج سعد الشرايبي؛ «درب 
مولاي الشريف» للمخرج حسن ينجلون؛ «ذاكرة معتقلة» لجيلالي فرحاتي؟ «منى صابر» لعيد الحي 
العراقي؛ «علي ربيعة والآخرون...» لأحمد بولان» و«طيف تزار» لكمال كمال. 


16 


هذا الاشتغال الأيديولوجي على التاريخ والذاكرة الجماعية على امتداد أكثر من 
أربعة عقود تكوين أجيال من المغاربة لا تجد ذاتها في سرد تاريخي رسمي» 
تاريخ شكلي لا يمنحها الشعور بالانتماء إلى دولة وطنية وهوية جماعية 
تستوعب روافد الكيان التاريخي المغربي التعددي كلها2©. 

لم يبدأ التفكير في إعادة كتابة التاريخ إلا تحت ضغط الذاكرة الجماعية 
والذاكرات المحلية المهمشة التي لم تعد صامتة بل تحولت إلى آليات قوية 
تدفع نحو بلورة سياسات اعتراف إزاء التواريخ المقصية للمغرب العميق. 
وهناك اليوم مطالبة واسعة لبناء تاريخ مغربي تعددي غير مختزل ولا إقصائي. 
وهذا ما يترجمه انتشار ورواج مجموعة من التعايير تكشف بيشدة شعورًا 
مجتمعيًا بالاضطهاد والإقصاء من طرف التاريخ الرسمي» والرغبة في 
المصالحة مع الماضي: اعتقال التاريخ ومحاصرته ومصادرته والاستحواذ عليه 
وابتلاعه والتهامه والسطو عليه ... 

إن إنجاح سياسة المصالحة التاريخية تتطلب الاعتراف بالآخر وذاكرته 
وحقه في ذاكرة مشروعة» وكذلك إتاحة الفرصة للذاكرات التي ظلت مكبوتة 
ومهمشة ومقموعة وصامتة في زمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. 
وبالتعبير عن حاجاتها وبالحضور في المشهد العمومي. 


ثانيًا: شهادات النساء الضحايا 
كسر جدران الصمت والنسيان 
1 - فى البدء كان الصمت 


لمدة طويلة اعتبرت معاناة النساء خخلال سئوات الرصاص مسجرد خسائر 
جانبية؛ فالضحية في المخيلة الجماعية للمجتمع هو حتمًا الجنس الذكوري 


(22) محمد الصغير جنجارء (الذاكرة ورهانات كتابة تاريخ المغرب المعاصرء» نشاز (كانون الثاني/ 
يناير 2005). انظر: .<[تط.54-2012-07-18-01-37-49لععاماكلط/ ترجه !سه -جعاءيعا ب /مطام .»ع ماده سمطعمه //وا> 


17 


بامتياز على الرغم من تعرض عدد من النساء لمعاناة لا تقل قساوة عما تعرّض 
له الرجال» حيث تعرضن للسجن والتعذيب بل ولم يعد بعضهن من أماكن 
الاعتقال”©. وهناك فئة من النساء» خصوصضًا القرويات» تعرضت لشتى أنواع 
التعذيب وسوء المعاملة خلال حمللات القمع لكونهن زوجات أو أخوات أو 
أمهات لأشخاص معتقلين أو مبحوث عنهم. 

طبع الصمت والنسيان ذاكرة تجارب النساء مع العنف السياسي حيث 
اقترنت سنوات الرصاص أكثر بمعاناة الرجال باعتبارهم يمارسون السياسة 
لا النساء*». لذلك فإن معاناة النساء كانت مضاعفة لأن الفضاءات العامة التي 
تشكل مجال الصراع والتدافع السياسي عادةً ما يحتكرها الرجال» في حين 
أن النساء غالبًا ما يعشن معاناتهن في عزلة وانفراد. وتداخل النظام الأبوي 
التسلطي للدولة مع النظام نفسه على مستوى الأسرة والمجتمع والتمبيز 
الجنسي ضدهن جعل الاعتراف بمعاناة النساء من جراء عنف الدولة أمرًا 
غير وارد لسنوات طويلة. كما تؤكد الأتثروبولوجية المغربية نادية كسوس: 
«لطالما أخفي أمر هؤلاء النساء وأبعد عن الأنظار جراء قراءة هرمية» تنصف 
بباطنية وذكورية» لسئوات الرصاص”02”©. هذه الحقيقة خلصت إليها حتى 
هيئة الإنصاف والمصالحة حين وقفت في بداية عملها على واقع يتميز بندرة 
المعطيات والكتابات والشهادات وغياب الدراسات بخصوص موقع النساء 
داخل ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» ما جعل (معاناة وتجارب 


(23) اختطفت سعيدة المنبهي الشابة النقابية والناشطة في صفوف الحركة الماركسية اللينينية في 
6 كانون الثاني/ يناير 1976 واحتجزت في المعتقل السري درب مولاي الشريف في الدار البيضاء: 
وخاضت مجموعة من الإضرابات عن الطعام توجت بالإضراب اللامحدود عن الطعام للمطالبة 
بالاعتراف بصفة المعتقلين السياسبين وتحسين أوضاع الاعتقال وفك العزلة. دام الإضراب 34 يومًا 
نقلت يعدها إلى المستشفى حيث فارقت الحياة يوم 11 كانون الأول/ ديسمير 1977 وهي في اللخامسة 
والعشرين. 

(24) نادية كسوس. «النساء والعنف السياسي خلال سئوات الرصاص في المغربء» المجلس 
الاستشاري لحقوق الإنسان وصندوق الأمم المتحدة للمرأة» الرباط» 2003؛ ص 10 و17. 

(25) مذكور في: «النوع الاجتماعي ومسار العدالة الانتقالية في المغربء؟ المركز الدولي للعدالة 
الانتقالية: مؤسسة المستقبل (أيلول/ سبتمير 2011): ص 8. 


128 


النساء وأدوارهن غير معروفة بما يكفي» أو بالأحرى غير مرئية» وكرس بالتالي 
التمثلات السائدة لضحايا العنف السياسي وللفاعلين في الحياة العامة» التي 
تضع النساء خارج تاريخنا القريب» والتي تستند بدورها إلى (كذا) ثقافة أبوية 
من مقوماتها الأساسية؛ التقسيم الجنسي النمطي للأدوار بين الفضاء العام 
والفضاء الخاص96©. 


قامت الدولة والمجتمع أيضًا بنشر الممارسات الذكورية وتعزيزها حتى 
حين يتعلق الأمر بالعنف الممارس ضد النساءء وتحدت بعض النساء نظامًا 
اجتماعيًا ذكوريًا يعتبر المجال العام والصراع السياسي مسألة تخص الرجال» 
والمجال الخاص «(الزواج والعمل المنزلي وتربية الأبناء) هو المجال «الطبيعي» 
للمرأة فحسب. لهذا عوقبن أشد العقاب لأنهن تجرأن على تجاوز النظام 
الذكوري والتصرف مثل الرجال والانخراط بشكل بارز في الحركات السياسية 
اليسارية عوض الانصياع للنظرة الذكورية تجاه المرأة التي تعتبرها كاثنًا خاضعًا 
ومطيعًا وتابعًا يكتفي بالانعزال في الحياة الخاصة. 


جزء منه إلى النظرة الاجتماعية السائدة عن المرأة التى تجعلها حريصة على 
الكتمان والحشمة مراعاة للنزعة الذكورية للمجتمع وتجبًا لوصمها ب ةالعارة 
و«الفضيحة». وصرّحت السيدة فاطنة البيه التى كانت من أوائل المعتقلات 
السياسية اللائي تجرأن على الكلام والبوح بأنها كانت في البداية تحس بالعار 
الذي يمنعها من الحديث أو الكتابة عن تجربة اعتقالها: #لماذا على النساء أن 
يبقى لسانهن في الداخل مسدودًا عليه؟0”©» وتضيف: «تذكروا بأن النموذج 
المثالي لكل النساء المغربيات هو المرأة التي تخفض عينيها ولا ترفع أبدًا 
صوتهاء ولا تخرج أبدًا لسانها من فمهاء والفتيات يتم تربيتهن وفق مبدأً: 
'"الصمت حكمة ومنبع كل الحكمث هذا يشكل جزءًا من مجتمعي. واخترت 

(26) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة:؛ التقرير الختامي» الكتاب الأول: الحقيقة 


والإنصاف والمصالحة» ص 86. 
20220 حوار مع فاطئة البيه» برنامج نوستالجياء القناة الثانية» 9. 


129 


أنا وزميلاتي وأصدقائي أن ننتفض ونثور ضد هذا الوضع»”**». وتؤكد عالمة 
الاجتماع فاطمة المرنيسي أن وفاة الناشطة الماركسية سعيدة المنبهي في كانون 
الأول/ ديسمبر 1977 بعد خوض إضراب عن الطعام داخل السجن كشف أول 
مرة للعالم كله عن انبثاق ظاهرة بداية بروز النساء الشابات في المشهد السياسي 
العربي الذي كان ذكوريًا بامتياز©. 

تؤكد شهادات عدد من المعتقلات السياسيات أن الجلادين عبر تعذيبهن 
وإهانة كرامتهن كانوا يستهدفون شخصية الأنثى داخلهن. فقد أنكروا أنوثتهن 
واغتصبوا هويّتهن وكانوا ينادونهن تلقائيًا بأسماء رجال09. 

تعتبر رواية حديث العتمة لفاطنة البيه» أول رواية تنقل شهادات المعتقلات 
السياسيات في المغرب» وتحكي السيدة فاطنة بكثير من الألم كيف جردوها 
من اسمها وسمّوها رشيدء ومحو بذلك هويتها وتعاملوا معها كرجل: «أعطوني 
رقمًا واسمًا: أنت من الآن اسمك رشيد ... لا تتحركى لا تتكلمى إلا إذا سمعت 
اسمك» يعني رشيد...270) والأمر نفسه تحكيه المعتقلة السابقة وداد البواب: 
«مع ملاحظة أن الحراس عيّنة من البشرء تنعدم لديهم أدنى المشاعر الإنسانية» 
قال أحدهم مرة لصاحبه. أرأيت هؤلاء الفتيات» يردن أن يدخلن عالم السياسة» 
وأن يقمن بأعمال الرجال» اختر معي أسماء رجال لهن. وهكذا اختاروا لكل 
واحدة منا اسم رجلء وكان اسم حميد من نصيبي» وبه نادوني طيلة الستة 
أشهر”02©. وبدورها تؤكد السيدة لطيفة اجبابدي: «قضينا أربعة أشهر بهذا المعتقل 


(28) |8 ممه لاتب بجو أطمعاما مم «عنهعآ م معطلا عوممط© 1 ه11 ونط1»» ,0935 تزمنزا5 مدكير5ة 
-(2001 ورصتمم5) 218 .20 31 .أ0؟ ,(تتكابة) أعةإوعط اله :«مرولم1 قدره «اعجمععء! اعمط 841601 «بشسمط 


(29) هآ لمقد©0 :طصوام عل معفعمة 1 كممل وعمتمعممدل1ا وع1) ,عإقطع. كعزولة :فمممل غات 
2004 ,انطنهل! عا «بستصتصة؟ ننه عناونازده عد عنوتائامم ممتاوعؤل 


(30) يعتبر كناب حديث العتمة لفاطنة البيه أول كتاب ينقل شهادات لمعتقلات سياسية في 
المغرب. ترجم إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان: امرأة تدعى رشيد. انظر: فاطنة الييه» حديث العتمة 
(الدار البيضاء: القفنك» 2001) وكمم عطصة"! عل الدطيمها ,ماطعم! عؤ رمه #سبسمعر علا رطتسم8 اع مصنه؟ 

.(2002 ,عممدظ مآ لم8 تعمةاطدعمع) وثتيه© كاعممه2 

.15 البيه» ص‎  0( 

(32) المصدر نفسه. ص 115. 


10 


السريء. كنا سبع فتيات من بين نحو مئة معتقلء كنا ننام في الممرء بينما ينام 
الذكور داخل القاعات. وللتمويه على وجود إناث داخل المعتقل» كان ينادى علينا 
بأسماء الذكورء فكنت أدعى سعيد أو الطويل أو الدكالي»””. وبهذا تكون العقلية 
الذكورية للسجان والمجتمع معًا وراء وضع معاناة النساء في الهامش» حيث اعتيرا 
أن السجن ليس هو المكان الذي يجب أن توجد فيه المرأة» وبالتالي اعتبرن مجرد 
ضحايا ثانويات أو ضحايا غير مباشرة مقارنة بالمعاناة التي تعرض لها الرجال. 
وكان مجرد وجود النساء في المعتقلات في حد ذاته استفزارًا للنزعة الذكورية 
السائدة في المجتمع وحتى داخل السجن. وتحكي لطيفة اجبابدي في شهادتها: 
«كانوا عند نقلنا إلى جلسات التحقيق مع قاضي التحقيق بمكناس يشددون علينا 
الحراسة ويسبقنا شرطى بدراجة نارية تطلق صفيرها لتوقف حركة السير. مرة 
دعيت بمفردي للتحقيق» ركبت سيارة ١السطافيت!‏ كالعادة» كانت مملوءة عن 
آخرها بالحراس والبوليس» كانوا محملين بالرشاشاتء وأمامنا وخلفنا سيارتان 
بنفس الحمولة» ناهيك طبعًا بالدراجة النارية التي تشق لنا الطريق» عندما استويت 
في مكاني وأمروا بالإقلاع ثارت ثائرتهم؛ لم يرضهم أن يستنفروا بهذا الشكل 
المضحك من أجلنا أو بالأحرى من أجلي وأنا مجرد امرأة في نظرهم. احتجوا 
وصرخوا وجعلوا منها قضية كرامة ورجولة. واحترت هل أسخر من الوضع 
لأنه فعا مضحك. أو ألعن الفكر الذكوري الذي يربط عدم خطورتي بجنسي 
لا بفكري واختياراتي وحدودي كإنسان200©. 


2 - تحرير صوت النساء 


قامت الهيئة عبر شهادات الجلسات العمومية أو المقابلات الفردية 
والجماعية”"2 بإسماع أصو ات النساء ومعاناتهن» ما سمح بكسر الصمت 


(33) البيه» 123. 

(34) المصدر نفسه.؛ ص 135-134. 

(35) في آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر 2005 أجرى فريق من الباحثات» تحت إشراف هيئة 
الإنصاف والمصالحة؛ دراسة ميدانية عن النساء اللواتي عانين العنف السياسي. وزار مناطق المغرب 
التي كانت الأكثر تعرضًا للعنف السياسي بين عامي 1956 و1999 وقام بدراسات ميدانية في مناطق - 


131 


المحيط بتجارب النساء خلال سنوات الجمر. وساهمت الشهادات النسائية 
عن سنوات الجمر في إيجاد فهم أفضل لمعاناة المرأة خلال هذه الفترة» فإلى 
وقت قريب كانت النساء يصنفن ضمن الضحايا غير المباشرة للقمع السياسي 
فحسب. لكن العنف وهول المعاناة وبشاعة الاستغلال والإقصاء الذي كشفت 
عنه روايتهن يؤكد أنه وإن لم تكن لهن «قدرة على الكتابة إلا أنهن يتوفرن 
على شجاعة نادرة لحكي سيرتهن الذاتية التي لا يمكن فصلها عن تاريخ بلد 
بأكمله (...) فشهاداتهن تجسيد لجغرافية المغرب المنسي0©06©. 

خلال جلسات الاستماع العمومية لشهادات ضحايا سنوات القمع في 
المغرب التي بثت مباشرة على التلفزيون الرسمي المغربي» كانت نسبة النساء 
اللواتي صعدن إلى منصة الشهادات تشكل 7 في المئة من مجموع الذين 
تقدموا بشهاداتهم. أما اللواتي تقدمن بملفات لهيئة الإنصاف والمصالحة لجبر 
الضرر وتعويضهن عن معاناتهن خلال سنوات الانتهاكات الجسيمة فتجاوزن 
5 في المئة من مجموع الملفات التي ناهز عددها 17 ألف ملف قدم إلى 
الهيئة. وشكلت النساء النسية الأكبر من الضحايا غير المباشرين كونهن أمهات 
أو زوجات أو بنات أو قريبات للرجال المعتقلين أو المخفيين. وشكلت النساء 
في المجموع 15 في المئة من الملفات التي رفعها الضحايا المباشرون إلى هيئة 
الإنصاف والمصالحة» و46 في المثة من القضايا المرفوعة من طرف الضحايا 


02 


غير المباشرين 


عملت الهيئة على الاستماع إلى أكبر عدد ممكن من النساء عن آثار 
الانتهاكات المرتكية بحقهن مع ما نتج منها من صدمات عاطفية ومعاناة وجدانية 


-عدة: فكيك والناظور والحسيمة وخنيفرة وإملشيل والعيون» وأجرى مقابلات شفوية فردية مع النساء 
الضحاياء كما اجتمع إلى السجيئات السياسيات السابقات. يمكن الاطلاع على نتائج الدراسة في: 
كسوسء «النساء والعنف السياسي». 
(6) نساء كسرن جدار الصمتء مرويات نساء سنوات الرصاص (الرياط: المجلس الاستشاري 
لحقوق الإنسان وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة» 2008): ص 3. 
(37) «النوع الاجتماعي ومسار العدالة.» ص 8. 


112 


واجتماعية وجسدية؛ وقامت باستخراج المعطيات الكمية المتعلقة بالنساء من 
قاعدة البيانات واستخلاص الاتجاهات العامة لأصناف الانتهاكات» والأضرار 
الناجمة عنهاء والسمات الديموغرافية للنساء الضحايا. كما أنجزت دراسة ميدانية 
عن النساء والعنف السياسي شملت سبع مناطق أساسية ونساء من فئات عمرية 
وثقافية واجتماعية مختلفة» عشن تجارب متنوعة من حيث أصناف الانتهاكات 
وتباين الأدوار والحوادث والاتجاهات السياسية الأساسية. واعتمدت على 
منهجية السيرة الذاتية من خلال المقابلات الفردية أو الجماعية*. ولم يكن من 
السهل في الكثير من الأحيان الحصول على شهادات النساء في شأن معاناتهن» 
وكان لا بد من محاولات عدة قبل تحررهن من ثقل الصمت وانطلاقهن في 
البوح بمعاناتهن المرعبة والمأساوية خلال سنوات الرصاص. وأكدت كثيرات 
من الضحايا أن الكلمات لا يمكن أن تعبّر بشكل كاف عن معاناتهن وحزنهن 
وألمهن. وكان أفضل تعبير عن هذا ما جاء على لسان إحدى النساء: «على 
الأقل بإمكان الرجال الذين قضوا فترة في السجن وتعرضوا للتعذيب تسمية 
ووصف العنف الذي تعرضوا له. أما نحن فقد سجنا وعذبنا بأساليب لا يمكن 
تسميتها”©. وأكد كثيرٌ من النساء أن الدولة والمجتمع نسياهن وأن أحدًا لا 
يستمع إلى رواياتهن» وقالت إحدى الضحايا: «حسناء ماذا عساي أن أقول؟ 
وحتى لو تكلمت فمن عساه أن يستمع ل 

في موازاة الشهادات والمقابلات عقدت لقاءات جماعية مع النساء ضحايا 
القمع السياسي لمناقشة جماعية لموضوع مركز» وكانت فضاء للاستماع 
والتواصل والتفاعل الجماعي والإحساس بتقاسم المعاناة. تقول إحدى 
المشاركات في هذه اللقاءات وهي سجينة سياسية تعرضت للاعتقال في عام 
5:: «خذي مثلا حضورنا اليوم هناء والذي هو في حد ذاته جلسة علاجية. 
لقد تحدثنا واستمعنا لوجهات نظر بعضنا البعض. قدمنا بعض الدعم إلى بعضنا 

(38) «النوع الاجتماعي ومسار العدالة.» ص 19. 


(39) كسوسء ص 26. 
(40) المصدر نفسه. ص 26. 


البعض واستمعنا إلى بعضنا البعض. كيف يمكنني أن أقول ذلك؟ من الصعب 
علينا أن نجد الناس الذين بإمكانهم أن يفهمونا ... وحتى في ما بينناء من النادر أن 
نعثر على شخص يستمع إليك كلية وبإمكانه أن يشاطرك نفس الأحاسيس62076. 


3 - الدهشة وصدمة الاعتقال 


من خلال تحليل شهادات عدة”* للنساء ضحايا سنوات الرصاص يتبيّن 
أن النساء تعرضن على غرار الرجال للاحتجاز والمضايقات والتعذيب» وحرمن 
من أبسط حقوقهن. ومنذ بداية استقلال المغرب تعرضت النساء لانتهاكات 
جسيمة؛ وفي رسالته المعروفة التي بعث بها الزعيم محمد بن عبد الكريم 
الخطابي إلى محمد حسن الوزاني الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال في 
تموز/ يوليو 1960» أشار إلى أن أكثر من 200 امرأة كن ضحايا الانتهاكات 
التي شهدها المغرب في بداية الاستقلال حين اختطفن وهتكت أعراضهن 
وبعضهن اختفى نهائيًا من الوجود”. 

تتميز تجارب معاناة النساء بمجموعة من الخصوصيات مقارنة بالرجال» 
وتبيّن الشهادات أنه لم يكن كونهن نساء يوفر لهن أي حماية من الانتهاكات؛ بل 
على العكس من ذلك جرى إرساء نظام للتعذيب والعنف والترهيب والإذلال 
موجه بالخصوص ضد النساء”**. والعنف السياسي كان موجها بشكل كبير ضد 
النساء اللائي يعشن في المناطق القروية وشبه القروية ويعانين الفقر والأمية. 


(0) كسوس» ص 25. 

(42) سنعتمد أساسًا في هذه الدراسة على الشهادات النسائية المقدمة أمام الجلسات العمومية 
لهيئة الإنصاف والمصالحة أو الواردة في الوثائق والكتب الآتية: كسوس. «النساء والعنف السياسي)»؛ 
نساء كسرن جدار الصمت؛ المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة: التقرير الختامي؛ فاطنة البيه 
ويوسف مدادء أطلسيات: شهادات من خلف الستاره شهادات (الدار البيضاء: لفنك. 22006))» والبيه» 
حديث العتمة. 

(43) خديجة عليموسيء. «حصيلة السنوات الأولى للاستقلال: قتل أزيد من 600 شخص 
واختطاف 235 امرأة.» المساء. 6 و7/ 12/ 2008. 

(44) كسوسء ص 115. 


134 


والأغلبية الساحقة للنساء استهدفها القمع كجزء من سياسة العقاب الجماعي التي 
انتتهجتها الدولة» وتمت معاقية الأمهات والزوجات والبنات والأخوات فحسب 
لأن واحدًا أو أكثر من أقاربهن اعتبر بمنزلة تهديد للدولة» على الرغم من جهلهن 
التام بالنشاط السياسي الذي كان يمارسه أفر اد أسرهن من الذكور قبل اعتقالهم. 
وكثير من هؤلاء النساء كان في وضعية رهائن لإجبار المبحوث عنهم لتسليم 
أنفسهم» أو كان وسيلة للضغط على أقاربهن الذكور لانتزاع اعترافات منهى 
وبالتالى تحولت النساء إلى آلية وأداة لسياسة تستهدف معاقبة الرجال وإخافة 
العائلات والمجتمعات المحلية وترويع المجتمع بأكمله. وأوجد هذا لديهن 
إحساسًا بالصدمة والدهشة.» وحدة الشعور بالظلم والعجزء ومنهن من لم يستطعن 
إدراك ما يجري حولهنء والسياق السياسي الذي حكمه. خصوصا بالنسبة إلى 
ربات البيوت والفلاحات» إذ شكلت الانتهاكات التى تعرضن لها أول لقاء مباشر 
لهن بأجهزة السلطة ومؤسسات الدولة الحديثة”". تقول امرأة من منطقة خنيفرة 
احتجزت في عام 1973: «هذا هو الظلم بعينه. ليست لنا أية علاقة بالأحداث 
السياسية. كنا ضحايا. نحن نساء لا نخرج من بيوتناء ماذا فعلنا؟ إذا فعل أزواجنا 
شيئاء عندئذ يمكنهم متابعتهم ومعاقبتهم. ولكن النساء؟ ماذا فعلن؟ إن معرفتنا 
لااتتعدى شؤون المنزل. كنا ضحايا وقد عانينا الكثير...8©*. وتروي فاطمة بويقبة 
التي اعتقلت وهي في الثالثة عشرة» وأمضت ثلاثة أعوام وستة شهور في السجن: 
«الحياة بالنسية لنا كانت رقصة مهتزة ومتناغمة كاهتزاز الصدور في رقصة 
أحيدوس (رقصة أمازيغية)» ومتناغمة كتناغم ضرب الطبول أو الأرجل في تلاق 
عجيب يجعلنا نحاول أن نقلد ذلك بمجهود خارق. لكن في لحظة سقط كل 
شيء وتبخرت كل الأحلام» لم أفهم كل ما حدث أو حتى بعضه. ولكن كان علي 
أن أحيا وأن أعيد الحياة لامرأة أنهكها قدر لم يكن لها يد فيه...8*. وفي السياق 
نفسه تحكي امرأة من مدينة الناظور اعتقل زوجها في عام 1984: #اعتاد زوجي 

(45) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة. التقرير الختامي؛ الكتاب الأول: الحقيقة 


والإنصاف والمصالحة.» ص 88. 


(47) البيه ومداد» ص 115. 


135 


الخروج من المنزل ولم أكن أعرف ما الذي يفعله. كان يوفر لي الغذاء والمياه 
والملابس. وكنت أعتقد دومًا أننا نعيش في أحسن الأحوال ... لسنا واعيات. 
تزوجنا الرجال بهذه الطريقة وفعلوا بنا ما أرادوه» لو كانت لدي أدنى فكرة عما 
سيقوم به هذا الرجل لما تزوجت به أبدًا ولما ضيعت حياتي معه...0». وكانت 
صدمة النساء المتعلمات والناشطات سياسيًا داخل المدن قوية أيضاء فلم يكن 
مهيآت لتحمل القسوة المسلّطة ضدهن من طرف الدولة ولم يستوعين بسهولة 
أن نشاطهن يمكن أن يؤدي إلى قلب مسار حياتهن بشكل جذري. وتروي امرأة 
انخرطت في سن مبكرة في العمل السياسي واعتقلت في عام 1976: اكنت قد 
اخترت ما اعتبرته الطريق الجيد والصحيحء أي طريق النضال. انضممت إلى 
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سن مبكرة» أي في سن الخامسة عشر أو 
السادسة عشر. في البداية كنت أذهب سرًا. ويعد ذلك بدأت أخبر أسرتي. كنت 
أعتقد أن ما أفعله ليس خطأً... وعندما حصل ما حصلء؛ لم أكن أفعل شيعًا خاطتًا. 
كنت معتادة على الذهاب للحلقات الدراسية. كنت رسمت مسارًا معيئًا لنفسي ... 
سوف أملك هذاء سوف أتابع هذا النوع من الدراسات» سوف أذهب بعيدّاء سوف 
أفعل هذاء سوف أفعل ذلك. ثم فجأة» بين عشية وضحاهاء ودون أي إنذار سابق» 
تبخرت كل أحلامي وأخذ مسار حياتي اتجامًا مختلفًا تمامًا...90©. 
4 - العنف الجنسي والعقاب المزدوج للنساء 

وقعت النساء ضحية الانتهاكات الخطرة نفسها التي تعرض لها الرجال 
(الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري)» وعانين أصناف التعذيب 
المختلفة وسوء المعاملة والمساس بالسلامة الجسدية» مثل الصفع والرفس 
والضرب والصعق الكهربائي والخنق وشرب الماء الملوث. لكن أكثر من 
ذلك خضعن لمعاملة خاصة بوضعهن كتساء (العنف الجنسي والاستبعاد 
المجتمعي)» واستهدفن في كرامتهن وحميميتهن وفي أجسادهن أحيانا. وتكون 


(49) المصدر نفسه.» ص 54. 


16 


معاناة المرأة مع التعذيب أكثر من الرجلء لأن التعذيب يقوم به في الأغلب 
الرجال» ويفرض عليها أن تبقى أحيانًا عارية أمام جلاديها مع ما يقترن بذلك 
من خخطر الاغتصاب والتهديد به كهاجس وفعل في بعض الأحيان. 


أدى تعرض عدد من النساء للعنف الجنسي والاغتصاب إلى وصمهن 
بالعار داخل أسرهن ومجتمعاتهن المحلية. وتروي امرأة من إملشيل اعتقلت 
في عام 1973 أنها تعرضت للاغتصاب من أحد الحراس في أثناء وجودها 
في السجن: «... جاء عندي وناداني بالعاهرة. ألصقني مع الجدار واغتصبني 
من مهبلي. قبلني ولمسني. كان واحدًا فقط. كنت أصرخ كلما سمعت صوت 
رجل آخر قادم. كانت النساء يضعن وشاحهن على عيونهن كي لا يرين ما فعله 
مع كل واحدة منا...0**. وهذه المرأة طلقها زوجها لاحمًا بعدما عرف أنها 
تعرضت للاغتصاب. ولم يستثن العنف الجنسي النساء الحوامل» وهذه شهادة 
امرأة تعرضت للاغتصاب من أحد الجنود في خيمتها على الرغم من كونها 
حاملا: 3... تعرضت للاغتصاب في إحدى الليالي عندما كان الجنود يرابطون 
خارج الخيمة. لا أدري إن كان الذي اغتصبني قائدهم أو مجرد جندي مثلهم. 
لا أعرف اسمه أو رتبته. استغل غياب زوجي وعائلته لارتكاب فعله الشنيع. لم 
يأبه لمقاومتي ولا لكوني حاملا. كان هدفه الوحيد هو إشباع شهوته الجنسية 
على حساب امرأة ضعيفة مكسورة الجناح ... كانت والدتي الشخص الوحيد 
الذي أخبرته بما حدث تلك الليلة وطلبت مني ألا أخبر أحدًا ... لم أكن 
المرأة الوحيدة التي تعرضت لمثل هذا الاعتداء» لم أجرؤ على إخبار زوجي 
بالاغتصاب الذي تعرضت له على يد أحد الجنود الذين كانوا يعيشون في قريتنا 
خوفًا من أن يطلقني» وأصبح أنا وأطفالي دون أي مورد رزق»”6. 

إذا كان الاغتصاب والاعتداء الجنسي لا يبدو أنهما كانا سياسة رسمية 
ممنهجة للدولة» إلا أن الدولة لم تعاقب مرتكبي العنف الجنسيء بل تساهلت 


(250 كسوس» ص 65. 
(51) المصدر نفسه. ص 66-65. 


وغضت الطرف عن مثل هذه الممارسات وشجعتها. وهذا مقتططف من شهادة 
صادمة ومريعة لامرأة تعرضت لاغتصاب جماعي على يد مجموعة من الجنود 
من دون أن يكون هناك أي تدخل في الوقت الملائم لوقف عذابها: «(...) سكتت 
برهة» كانت مترددة» خجلة مما ستقوله. زفرت ومسحت دموعها ثم أخرجت ما 
بجوفها في ما يشبه القيء: "ويلي لقد ضاعت حياتي. لقد تعرضت للاغتصاب 
من قبل عدة جنود كل ليلة لمدة أسبوعين. إنهم كانوا يتسللون ليلا إلى زنزانتي 
مثل اللصوص. كنت أرفض وأقاوم بشدة رغباتهم. ولكنهم لصيحاتي لم يهتموا. 
أخذوا ما أرادوه مني غصيًا. كانوا يضربونني ثم يغتصبونني بعد ذلك. كل مرة كان 
يدلف جندي إلى زنزانتي ويجردني من ملابسي ثم يعتليني وببدأ بتقبيلي رغمًا 
عني ويضاجعني بالقوة رغم صراخي وألمي إلى أن يقضي [وطره]. وعندئذ يأتي 
جندي آخر من بعده» ويفعل نفس الشيء... نفس الشيء“". 


بدأت تبكي بحرارة... دموع غزيرة لا تنقطع وكأن الماضي تجسد ثانية 
أمام عينها... مرت لحظات عصيبة قبل أن تتمم حديثها: “في معظم الليالي» 
كنت أتعرض للاغتصاب من قبل ثلاثة أو أربعة جنود مختلفين على الأقل. كان 
جسمي مليئًا بالندوب والخدوش والجروح. لم أعد أمتلكه. لقد سرقوه مني 
وأصبح مشاعًا بينهم. ونظرًا لأني لم أكن أستطيع تنظيف نفسي بعد كل عملية 
اغتصاب بسبب عدم توفر المياه في الزنازن» فقد عانيت إصابات والتهابات 
شديدة في المهبل. غير أن ذلك لم يمنع المغتصبين من معاودة الكرة كل ليلة. 
لم يتدخل أي ضابط أو جندي لوقف الاغتصاب إلا بعد انقضاء أسبوعين. 
أصبحت خلالها ذليلة ومهانة. كنت أخجل من نظرات الآخرين لا أجرؤ على 
النظر في أعينهم. لا أحد يغيثني من الحقارة التي عشتها آنذاك (...) تمكنت 
أخيرًا من تقديم شكوى إلى المشرف على الجنود» فأبعد الجنود عني» وتوقفوا 
عن ولوج زنزانتي ليلا. وتوقف الاعتداء علي» لكن هل تتوقف الصورة أمامي؟ 
وهل يتوقف الألم الذي يعتصر قلبي؟ 

بعد شهر من الاعتقال والعنف والسخرية» تم الإفراج عني (...) وقد 
عانيت مشاكل صحية خطيرة؛ إذ كنت لا أبصر بعيني اليمنى بسبب التعذيب 


138 


والعنف أثناء جلسات التحقيق. إن الجنود كثيرًا ما كانوا يضربونني بالعصي 
والأحزمة حتى على وجهي. إضافة إلى ذلك وبسبب المضاعفات الناجمة 
عن الاعتداءات الجنسية المتكررة من قبل جنود عديدين» اضطررت إلى 
الخضوع لعملية جراحية لاستئصال الرحم. وهو الشيء الذي زاد من عذابي 
وجعل مني امرأة وحيدة طوال حياتي“. توقفت قليلا حين أحست بالتعب 
وهي تحكي. اشتد بها غضب شديدء بدأت تلعن وتشتم بعنف يوم ولادتها. 
حاولنا تهدثتها... بعد أن روحت عن نفسها بالبكاءء أكملت قائلة: '(...) 
لقد انقلبت حياتي رأسًا على عقب بين عشية وضحاها دون أن أكون قد 
ارتكبت أي خطأ أستحق عليه ذلك. لقد سلبت مني حياتي وصحتي وكرامتي 
وحرمتني من أن أكون أما“26. 

عرضت السيدة خديجة المالكي يوم 29 كانون الثاني/ يناير 2005 
شهادتها في الجلسة العمومية في مدينة فكيك وروت فيها معاناتها والتعذيب 
الذي تعرضت له هي وأسرتها خلال نهاية الخمسينيات وعقد الستينيات. ولم 
تستطع أن تحبس دموعها وهي تصف ما تعرضت له في مركز الشرطة في وجدة 
عقب حوادث 1963 وسنها لم تكن تتجاوز آنذاك الخامسة عشرة» حيث روت: 
«لقد قاموا بأشياء يصعب علي البوح بها أمامكم ... اقتحام بيتنا ليلا من طرف 
عدد كبير من الرجال إلى درجة تحول معها المنزل إلى شبه معسكر وتحول 
الليل إلى نهار من فرط الأضواء التي أحاطت به... قاموا بتهديدي بالسلاح 
وجالوا بي كل جنبات البيت (...) دون أن يتوقف الضرب والشتائم. كانوا 
يسألون: *أين بونعيلات؟ أين جحا (...)' ولم يشفع لأمي كونها حاملًا فقد 
قاموا بتعذيبها وكيّها بأعقاب السجائر وأخذوني إلى مركز الشرطة في سيارة 
بوجو بيضاء حيث وضع أحدهم رأسي بين رجليه...». وفي مركز الشرطة (مقر 
الشرطة الرئيس في وجدة) - تضيف السيدة المالكي - وهي تبكي «ضربوني 
بقضيب حديدي ... مزقوا ثيابي ... كانوا يععصرون خرقة (شيفون) متسخة على 


(52) نساء كسرن جدار الصمت». ص 19-15. 


139 


وجهي ... ثم تبولوا علىّة. وتوقفت عن الحديث برهة قبل أن تضيف: «قاموا 
بأشياء أخرى يصعب عليّ البوح بها أمامكم ... ثم قيدوني إلى كرسي وأنا 
أنزف دما ... ووضعوني في زنزانة»6. 

لا تزال الذاكرة المحلية في منطقة الريف شمال المغرب موشومة بوقائع 
الاغتصاب وبقر بطون الحوامل التي شهدتها حوادث 1958 و1959. 
والإحساس بالعار والإهانة يمنع النساء من حكي ما حدث لهن**» وبالتالي 
كان من الطبيعي أن يكون موضوع الاغتصاب الجنسي للنساء غير حاضر بقوة 
في شهادات الجلسة العمومية في الريف. على الرغم من حضوره العميق 
والحارق في الذاكرة الشفوية لسكان الريف. ومأساة الاغتصاب يجري 
تناقلها أبَا عن جدء مع حرص شديدء على الرغم من مرور أكثر من نصف 
قرن على استعادة الذكرى وعدم نسيانهاء وهذا على الرغم من المبادرات 
الإيجابية والمشروعات كلها التي قامت بها السلطة المركزية للمصالحة مع 
المنطقة. وبقي الجرح غائرًا في المخيال الجماعي يصعب أن يندمل بسهولة» 
بل تحول إلى واحدة من أواليات المعاد الاجتماعي والسيكولوجي (بمفهوم 
فرويد)» حيث حوّل أهالي الريف المأساة إلى ذاكرة محلية مكثفة للمحنة 
تعززها باستمرار الاحتقانات السياسية والاجتماعية» وهذا ما أدى إلى إعادة 
واستمرارية إنتاج المظلومية والاحتجاج بشكل منتظم من ساكنة المنطقة. 
وكانت بالمفاجئة في الجلسة العمومية في الريف هي تحمل العنصر الذكوري 
ثقل البوح العلني والضمني عن جزء من المسكوت عنه» ويروي أحمد بن 
الصديق في شهادته في الجلسة العمومية في مدينة الحسيمة في الريف أنه 
تعرض وهو في الثالئة عشرة للتحرش والتهديد بالاغتصاب في أثناء حوادث 
الريف؛ وأوضح أن جنديًًا شهّر في وجهه السلاح» خلال تلك الحوادث» 


(53) ملخص شهادة السيدة خديجة المالكي. جلسة الاستماع العمومية بفكيك 29 كانون الثاني/ 
يناير 2005. انظر الموقع الرسمي لهيئة الإنصاف والمصالحة: . قحك أ ببجوب// :خط > 
() ,23/5/2005 ,عناوأكف عصهل «بعمتتهتلأعدمعم و1 عل ممسعط'! ذف أن8 عله ,لإمطسمد8 مم0 


-13-1-ع ل عتنت ط-1 -! ع1 ---ع 212100 -ع] ‏ امساعة/0تهاتهط 111220551 ل/ءاءنائة لمرمء.ع نا 51 مع هناء ز. ينيدي // نجاط > 
.حلسنطهه تنم أااعهدم» 


10 


بعدما جرده من ملابسه وخيّره بين القتل والاغتصاب» مضيفًا أنه حفر قبره 
بيديه العاريتين بعد أن رفض الخضوع لنزوة الجندي الذي تراجع عن قتله في 
آخر لحظة. يحكي أحمد بن الصديق باللغة الأمازيغية ما حدث له: «أخذني 
لمنطقة خلاء ... وأمرني أن أخلع جميع ملابسي وأن أبقى عاريّاء خلعت 
ثيابي وبقيت عاريًا (يتوقف عن الكلام للحظة)» هناك أمور لا يمكن أن 
نتحدث عنهاء لماذا؟ لأننا رجال» لأن أبناءنا لا علم لهم بما حدث» وزوجتي 
لدي معها ثلاث أيناء كبار ولم أخبرهم بما حدث لحد الآن. لو علموا اليوم 
بما وقع لي لوصموني بالعار... لقد خيرني إما الموت وإماء لا داعي لأقول 
ذلك. الاغتصاب. فضلت الموت على الاغتصاب ... قال لي هل فكرت 
بشكل نهائي» قلت له نعم والموت أفضل لي. أمرني بأن أحفر قبري بيدي ... 
وأن أتجه بوجهى نحو القبلة وأن أنطق الشهادة ليقتلنى. نطقت الشهادة ثلاث 
مرات وهو يوجه إليّ مسدسه واعتبرت نفسي في عداد الأموات. فكر مليًا ... 
وأمرني بأن أنهض وأرتدي ملابسي وأعود لمسكني)!05. 

كشفت الشهادات أيضًا أن معاقبة النساء جرت بشكل مزدوج من الدولة 
ومن المجتمع أيضًا الذي عاملهن باحتقارء وكان ينظر إليهن بعين الريبة» 
وعلى سبيل المثال كانت النساء يواجهن إحساسا بالرذيلة والعارء» وغالبًا 
ما يتبرأ منهن أزواجهن لأنهن وقعن ضحية الاغتصاب أو العنف الجنسي. 
لهذا تقول نادية كسوس: (إن هؤلاء النساء عوقبن مرتين: مرة من قبل رجال 
استغلوا سلطتهم لإشباع حاجاتهم إلى السيطرة ورغبتهم الجنسية» وأخرى 
من قبل مجتمع لا يزال يحمل المرأة ذنب تعرضها للاغتصاب ويعتبر أن 
ضحية العنف الجنسي بلا أخلاق ووسخة يتحتم عليها العيش في العار وفي 
57 وما زاد من شعور النساء ضحايا الاغتصاب الجنسي بالمهانة هو 
اضطرارهن إلى كتم الأمر وإلى العيش من دون القدرة على تقاسم عبء هذا 

(55) يمكن الاستماع للشهادة الكاملة لأحمد بن الصديق على الموقع الرسمي لهيئة الإنصاف 
والمصالحة: _ ا سي إ 


(56) مذكور في: «النوع الاجتماعي ومسار العدالة» ص 10. 


141 


السر الثقيل مع أي أحد؛ وأكد عدد من الشهادات حقيقة أن ضحايا سنوات 
الرصاص ذكورًا أكانوا أم إنانًا نادرًا ما يرغبون في تقديم شهاداتهم بخصوص 
الاغتصاتن(57, 

إن استغلال المرأة الجنسي والوصم الاجتماعي الناتج من ذلك أوجد 
لديها إحساسًا بالرذيلة والعار وجعلها منطوية على نفسهاء وأدى إلى تحول 
نظرتها إلى ذاتها من ضحية إلى مذنبة» خصوصًا حين تتعرض للوقصاء والنبذ 
والطلاق. وما يزيد من الإحساس بالذنب أن الانتهاكات الجنسية فرضت على 
النساء لزوم الصمت وتحاشي البوح بمعاناتهن حتى للأقربين خوفًا من العقاب 
الجماعي ومن الأسرة» ولهذا بقيت بعض هذه الانتهاكات» مثل الاغتصاب 
والتحرش الجنسيء بمنزلة تابوات يصعب تكسيرها ويتعذر بالتالي حصر مداها 
لأنها ما زالت تدخل ضمن المسكوت عنه6. 


5 - استغلال عاطفة الأمومة 


تبيّن الشهادات أن حب الأم وتعلقها بأبنائها استخدم بشكل ممنهج 
كتمط من أنماط التعذيب المعنوي والنفسي للنساءء وخضع عدد من الأمهات 
للتعذيب أمام أطفالهن» كما تعرض أطفال للتعذيب أمام أعين أمهاتهم» وكانوا 
يعانون البرد والحر والجوع وسوء التغذية. كما فصل عدد كبير من النساء عن 
أطفالهن بمن فيهم الرضضع. وتصف امرأة اعتقلت في عام 1985 انفصالها عن 
رضيعها ذي الستة شهور مدة أسبوعين بأنه أسوء شيء حدث لها: «... أنا أعتبر 
أن أسوء انتهاك وقعت ضحية له هو عندما فصلوني عن رضيعي الذي لا يتعدى 
عمره ستة أشهر مدة أسبوعين كاملين. وبالرغم من أنني فقدت زوجيء إلا أنه 
ليس ثمة أي انتهاك أسوأ من تلك الأربعة عشر يومًا من الانفصال ... في ذلك 


(57) معتوولةا لابه موأكمتصصره© طابطآا و'مععممن14 :عو 311 سرهع اأمعصسوعق 16» را ام سمزأة تمكباة 
,73-95 .ترم ,(2005 اله*1) 3 .هن ,1 .إ0؟ ,عءاساد دء ه11 اعمط ءللهناط إن أمصيمل «بووومملط امعتئلوط 


(58) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة؛ التقرير الختامي؛ الكتاب الأول: الحقيقة 
والإنصاف والمصالحة» ص 94-93. 


12 


شعرت وكأن حياتي قد انتهت...090. 


أدى استخدام الأطفال في الضغط والترهيب وانتزاع الاعترافات من 
النساء إلى إصابة الأمهات وأطفالهن على حد سواء باضطرابات عاطفية ونفسية 
كبيرة» وأوجد هذا الوضع اللاإنساني إحساسًا عميقًا بالقلق لدى الأمهات 
وشعورًا دائمًا بالذنب إزاء أطفالهن”'». وبحسب التقرير النهائي لهيئة الإنصاف 
والمصالحة فإنه لم تشفع الأمومة للنساء في أثناء انتهاك كرامتهن» بل وظفت 
كآلية للتعذيب النفسي. في هذا السياق تروي السيدة تودة من إملشيل: «في أحد 
أيام سنوات 1973 انقلبت حياة أسرتي الهادئة رأسًا على عقب. احتل الجنود 
المنطقة بحثًا عن الثوار. قاموا بترويع السكان ودمروا كل شيء صادفوه في 
طريقهم. واختبأ الجميع في منازلهم. جاء الجنود إلى المنزل بحثًا عن والدي 
الذي اتهموه بأنه ثوري وبأنه متورط في الاضطرابات التي عرفتها المنطقة. 
قاموا باستجواب وتعذيب جميع أفراد الأسرة. لم تكن أمي تملك أي معلومات 
عن مكان أبي وكانت تجهل كل شيء عن أنشطته السياسية. شأنها في ذلك 
شأن جميع نساء الدوار الذي كنا نقطنه. لم تكن المسؤوليات الأساسية للأم 
تخرج عن محور رعاية البيت والأسرة» ولم يكن أبدًا (كذا) من عادات النساء 
في إملشيل التدخل في أعمال وأنشطة أزواجهن خارج المنزل. كررت أمي 
على مسامع الجنود أنها لا تعرف أي شيء عن أنشطة أبي» لكنهم لم يصدقوها. 
قاموا بضربها وتعذيبها أمام أعيننا. رغم صغر سني آنذاك. فإن أمي حين تحكي 
عن تلك الفترة تتضح الصورة أمامي وأتذكر. إني أتذكر جيدًا منظر الجنود وهم 
يضربون والدتي ويعذبونها. 

قام الجنود بالاعتداء الجسدي عليّ وعلى إخوتي وتعذيبهم أمام أعين 
أمي بهدف ممارسة الضغط عليها وإجبارها على الإفصاح عن مكان أبي. أظن 


(259 كسوس» ص 69. 
(60) المصدر نقسهء» ص 10 


13 


أنكم لاحظتم أني معاقة في إحدى رجلاي ولا أمشي بشكل طبيعي مثل بقية 
البنات» فقد كان الجنود يرفعونتي من إحدى ساقي ويتركونني معلقة. كانوا 
يجبرون والدتي على إخبارهم أين أبي وماذا يفعل ومع من يعمل؟ وإلا فإنهم 
سيت ركونني معلقة هكذا حتى تخبرهم. 

كانت والدتي تصرخ وتتوسل إليهم أن يعفوني من العقاب» خصوصًا أننتي 
مجرد طفلة لا تقوى على العقاب. لكن ذلك لم يغفر لي. فقد جعلوا مني أداة 
للضغط عليها من أجل البلوغ إلى أهدافهم. كانت النتيجة عاهة مستديمة برجلي 
تذكرني وتمنعتي من المشي يشكل طبيعي. 


عندما اقتحم الجنود منزلنا في ذلك اليوم» كانت والدتي تحمل إحدى 
إخوتي على ظهرها وكانت ترضع أخرى من ثديها. اعتقلنا وتم اقتيادنا جميعًا 
إلى سجن «بوزموه حيث ظللنا رهن الاحتجاز لمدة شهر. وهناك عشنا في 
ظروف قاسية حيث كنا محرومات من الغذاء والماء النظيف. كنا ننام على 
الأرض مباشرة دون أي فراش أو غطاء يقي البرد القارس. وكثيرًا ما كنا نجبر 
على خلع ملابسنا والبقاء عاريات في زنازننا (...) وقد عذيت أمي بالصعق 
بالكهرباء والخنق بخرق مبللة مغمورة في مياه مالحة إلى درجة الاختناق. 
ونتيجة لذلك توقف جسم والدتي التي كانت بصدد إرضاع أصغر إخوتي من 
ثديها في ذلك الوقتء عن إنتاج الحليب من جراء التعذيب وسوء التغذية» لم 
تعد أختي ترضع حليبّاء بل تحول الحليب إلى دم من كثرة القهر. ولا أزال 
أذكر ما عاشته أسرتي ومنزعجة من صورة أختي الرضيعة وهي ترضع الدم 
من جسم أمي المعذب. لا زلت أتذكر قطرات الدم شاهدة على مأساة 
نسجت -خيوط الألم في ذاكرتي6*”6. 

اعتقل عدد من النساء وهن حواملء ولم يعفهن ذلك من التعذيب» 
وعلى سبيل المثال اعتقلت السيدة فاطمة أمزيان مع أطفالها في عام 1972 
واحتجزت 4 شهورء واختطفت ثانية إبان حوادث آذار/ مارس 1973» 


10) نساء كسرن جدار الصمت» ص 30-29. 


114 


واحتجزت مع أطفالها وهي حامل وتعرضت لمختلف أشكال التعذيب. 
وتروي هذه المرأة: «كانوا يسقطون علي رجلا مسا اسمه الحاج أحمد بعد 
تجريده من ثيابه. لقد كنت حاملا في شهري الثاني. وكم تمنيت أن يسقط 
الجنين تفاديًا لما قد يناله من تنكيل أو ما ينالني من تنكيل بسببه. ذلك أن 
حملي كان وسيلة من وسائل إهانتي» لأنه كان دليلا على اتصالي بزوجي بعد 
هروبه وفي ذلك دليل على تواطثي معه ... كانوا ينتزعونني من بين أبنائي 
لتعذيبي بالشيفون والعصا. ولم يكن البرد أو الجوع أو العري شفيعًا لنا بل 
على العكس من ذلكء» كانت تلك وسائل أخرى من وسائل التعذيب. كنا ننام 
بدون أغطية» وكانوا ينتزعونني من بين أولادي للتعذيب20). وشكل فقدان 
الجنين أو الطفل خلال الاعتقال حدثًا أليمًا في حياة النساء المعتقلات» 
وهن لم يتصورن الأمر كقدر إلهي بل كجرم ارتكب في حقهن. وأجهش 
عدد من النساء بالبكاء عند تقديم شهادتهن عن ذلكء وأكثر من ذلك, فإن 
سيدةً من ضواحي خنيفرة وضعت في المعتقل ومات رضيعها بعد ستة شهور 
في 1973 كانت وهي تروي ذلك تشد بطنها بعنف شديد وتصرخ: «لقد 
مزقوا أحشائي» لقد أخذوا أحشائي» ليتني مت:. وكانت تبكي بحرقة وكأنها 
فقدته للتو620. 


من المفارقات الغريبة في الشهادات الشفوية والمقابلات الفردية أن 
معظم الضحايا الرجال لم يهتموا بذكر مآسي النساء سواء تعلق الأمر بأمهاتهم 
أم زوجاتهم أم أبنائهم أم أخواتهم أم باقي أقاربهم» في حين أن شهادات 
النساء تميزت بإيثارية عالية» إذ تكلمن أكثر وبتفصيل عن معاناة أقربائهن 
أحيانا ولم يذكرن معاناتهن الشخصية إلا نادرًا. وبحسب بلال يوسف 
«تكلمت معظم النساء الضحايا عن معاناة أقربائهن بدلا من الحديث عن 
ما مررن به» وقد فضلت نساء عديدات السكوت عن انتهاكات الحقوق التي 


( )البيه ومداده» ص 78. 
(63) المملكة المغربية - هيئة الإنصاف والمصالحة: التقرير الختامي, الكتاب الأول: الحقيقة 
والإنصاف والمصالحة. ص 94. 


145 


طاولتهن ... بدافع من الحياء. في أغلب الأحيان تكلمت النساء عن معاناة 
أقربائهن أكثر مما تحدثن عن مآسيهن. ونادرًا ما ذكرن ما عايشنه ...6296 
وتشير النتائج التي توصلت إليها لجان الحقيقة في بلدان أخرى إلى أن النساء 
أكثر ميلا إلى الحديث عن معاناة أزواجهن وأطفالهن وآبائهن وأمهاتهن 
عوض الحديث عن معاناتهن الخاصة. ويحسب مركز العدالة الانتقالية 
يرجع هذا الأمر جزئيًا إلى أن التنشئة الاجتماعية للنساء توجههن لإعطاء 
الأولوية إلى حاجات أزواجهن وأطفالهن. لذا كثيرًا ما يترددن فى الحديث 
عن تجاربهن الخاصة: خصوصًا إذا كان البعد الجنسى حاضرًا فيها”». هذا 
البعد الإيثاري في الشهادات النسائية نجده أيضًا في تجربة لجنة الحقيقة 
والمصالحة في جنوب أفريقيا» حيث تبين من جلسات الاستماع العمومية 
أن النساء في شهاداتهن تحدثن عن ممارسات التعذيب التي عاناها الأبناء 
الأزواج والإخوان» لكن الرجال بالمقابل لم يتحدثوا عن الانتهاكات التي 
تعرضت لها النساء. وبعد الجولة الأولى من هذه الجلسات صرحت مابولي 
راماشالا (داهطمدصه؟ عادامه8) عضو اللجنة بأن النساء الضحايا في جنوب 
أفريقيا يعبرن عن ألم الآخرين وليس عن آلامهم؛ وإذا لم تتجرأ النساء عن 
كسر الصمت فإن التاريخ سيكون غير مكتمل ولن يتم التعرف إلى حقيقة ما 
تعرضن له من انتهاكات50. 


خاتمة 


لا مناص من إيجاد وعي جديد لدى النخب الأكاديمية والسياسية 
ومؤسسات الدولة بأهمية استثمار التاريخ الشفوي وإعادة الاعتبار إليه عبر 


(64) بلال يوسفء «النوع الاجتماعي والعدالة الانتقالية: نمذجة التجربة المغربية:» المجلس 
الاستشاري لحقوق الإنسان» وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة» الرباط» تشرين الأول/ أكتوبر 
9؛ ص 27. 

)2565 كسوس» ص 24-23. 


(6 6) دأ سمأعكممم) بمامالاء دمع !1 لله #ابطط1 هذا فته اك م10[ بعتم !!!| وااترمء8 ,دعم .© هدما"! 
.23 .م ,(2003 رموعع2 واناط :مععلهم]) بوأءاعه5 لت ععنااادح ,زهو أمممتطاصة ,مععرف انيعد 


146 


مجموعة من التدابير المؤسساتية والقرارات الجريئة. فسيشكل هذا التاريخ» 
خصوصًا عبر الشهادات والمذكرات؛ عنصرًا رئيسًا لكتابة التاريخ الراهن 
للمغرب ولدمقرطة الذاكرة عبر إعادة الاعتبار إلى الذاكرات المهمشة أو 
المنسية. وذلك هو السبيل لمصالحة المغاربة مع ذواتهم التاريخية وحماية 
ذاكراتهم الجماعية وتعزيز تاريخهم المشترك في ظل هوية متعددة ومنفتحة 
تتوخى بناء الحاضر من خلال استقراء الماضي لبناء المستقبل في ظل تاريخ 
منفتح يسع الجميع بلا إقصاء ولا تهميش. 

يبدو أن شهادات النساء المؤلمة والصادمة أحيانًا خلال جلسات الاستماع 
العمومية والمقابلات الفردية التي نظمتهما الهيئة نجحت إلى حد بعيد في 
كسر ذاكرة الصمت بشكل قوي وغير مسبوقء والرهان يكمن بحسب تزفيتان 
تودوروف في «استخراج قيمة مثالية من الذكريات الصادمة المؤلمة؛ وهذا 
لايتم بحق إلا عن طريق تحويل الذاكرة إلى مشروعء وإن كانت الصدمة تحيلنا 
إلى الماضي من أجل الذاكرة» فإن القيمة المثالية توجهنا نحو المستقبل6””0©. 
من هناء لا بد من تضافر الجهد والبحوث من أجل الوصول إلى فهم سياقات 
وأبعاد وأشكال المعاناة المختلفة التي تعرضت لها النساء منذ استقلال 
المغرب. فنحن لا نعرف اليوم إلا النزر القليل عن خريطة الانتهاكات وتاريخها 
التي عانتها النساء» واستعادة ذاكرة نساء سئوات الرصاص هو استعادة لكرامتهن 
وإنصاف لتضحياتهن وإعلاء لقيم الاعتراف المتبادل واستشراف لمستقبل تسود 
فيه المواطنة والمساواة وتحترم فيه كرامة النساء. 

يعتبر الصمت الذي يلف تجربة النساء مع العنف السياسي استمرارًا 
لإيذاء النساءء وما أحوجنا إلى دراسات أكاديمية شاملة تولي الاهتمام 
للخصوصيات الاجتماعية والثقافية والتاريخية لتجارب النساء مع الاعتقال 
السياسي وعنف الدولة في مناطق البلاد المختلفة وخلال المراحل التاريخية 


(67) بول ريكورء الذاكرة, التاريخ, النسيان» ترجمة جورج زيناتي (بيروت: دار الكتاب الجديد 
المتحدة 2009): ص 144. 


147 


الرئيسة لسنوات الرصاص في المغرب. هذا ما سيتطلب إعادة كتابة تاريخ 
المغرب الراهن بشكل يسلط الضوء على عدد من الجوانب المعتمة فى 
تجارب النساء ومعاناتهن”*): فما جمع من روايات وشهادات شفوية في 
هذا المجال غير كاف لرسم معالم واضحة للنساء ضحايا سنوات الرصاص. 
ولإعادة تشكيل الذاكرة الجماعية بشكل منصف وعادل لا بد من تحرير 
صوت النساء وإسماعه وحفظه وإنصاف النساء الضحايا وتخليد ذكراهن 
ورد الاعتبار لهن والاعتراف بما قدّمنه من تضحيات وتعزيز مكانتهن فى 


المجتمع. : 


(0) غاظا) 62 .0ه ,عفسه جه لالط كععدء1/ل:0© «رعوأمائتط'! ع0 كعمو 511 5عآة» ,تمدعنا 801 
9 ,ممع ,(2007 


18 


الورفة الخامسة 


الإاخوان المسلمون 
سياسات الفجوة الجيلية في حقية ما بعد الثورة 


مقدمة 


إن استمرارية أي جماعة اجتماعية مشروطة بانتقال الأفكار والأهداف 
الخاصة بالجماعة بين أجيالها. وربما يطرأ على هذه الأفكار والأهداف 
تعديلات فكرية ونظرية تنتهي بانتهاء الجماعة نفسهاء أو إعادة تشكلها في إطار 
تنظيمي جديد» ولا تختلف جماعة الإخوان المسلمين في ذلك عن غيرها من 
الحركات الاجتماعية»» خصوصًا مع وجود وضع تاريخي فاضل في تاريخ 
الجماعة متمثلا في توليها السلطة السياسية بصورة مباشرة» وصولًا إلى تنحيتها 
من المشهد السياسي في فترة وجيزة. 


تعتير حركة الوخوان المسلمين من أهم حركات الإسلام السياسي في 
العالم العربي. وعلى الرغم من كثافة الكتابات التي اهتمت يهأ وتنوعهاء هناك 
محدودية في الدراسات الني تركز على ديناميات التفاعل الداخلي في الحركة 


(1 ) لداعه5 كه «متامصه أكمم؟ عط لصة ,ساتدطه-مى111 ,كوم تاهعصء© لوءتاتاه5» ,تعءتاتط لا بإعمولر 
لعنه.ع1ه16ول//تماط> .(1997 عطماء0) 5 .50« ,62 .أه؟ ,موأتط[ أمعتومامع30 «معتعدق «رماصعجوع بنو11 
,<2657359/ع اطهاة 


149 


وخرائط الأفكار والتوجهات المنضوية إلى داخلها ومواقفها المختلفة من 
قضايا كثيرة» ولا سيما كيفية التعامل مع النظام السياسي والسلطة الحاكمة. 
وربما يعزى ذلك إلى غياب مساحة الحرية التي تتمتع بها الحركة في كثير من 
البلدان العربية» وهو ما جعل قدرًا وافرًا من السرية والغموض يحيط بتفاعلاتها 
الداخلية. يضاف إلى ذلك التضييقات الأمنية التى تعرقل عددًا من العمليات 
البحثية الجادة» من حيث صعوبة التواصل مع بعض أفراد الجماعة وقادتهاء 
أو صعوبات الاطلاع على محاضر الاجتماعات الداخلية» أو الرسائل بين قادة 
الحركة وقادة التنظيم الدولي... إلخ. 

لذاء تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن الديناميات الداخلية من خلال 
مدخل سوسيولوجي يركز على التفاعلات الجيلية داخل الحركة» وتحديدًا 
رؤى جيل الشباب وتصوّراته - في أعقاب حوادث الخامس والعشرين من 
كانون الثاني/ يناير 71 » تجاه عدد من القضاياء منها الهيكل التنظيمي وعملية 
صنع القرار» وثقافة السمع والطاعة» وإشكالية الدعوي والسياسي» والموقف 
من الحياة الحزبية» وإشكالية الثورة والإصلاح. 


يشير تعبير #شباب الإخوان المسلمين؟ إلى الأعضاء الشباب الذين هم 
فى سن العشرين والثلاثين» ولا يشكل هؤلاء وحدة جيلية متجانسة» بل تيارات 
0 متنوعة. وشكل السياق السياسي منذ أواخر التسعينيات الوعي السياسي 
لكثير من هؤلاء الشباب» وغيّرت مشاركتّهم السياسية في الثورة وغيرها 
من المبادرات السياسية نظرتهم تجاه دور الإخوان وتكوينهم الأيديولوجي 
ومواقفهم السياسية. 

تعتمد الدراسة في نتائجها على مجموعة من الشهادات الشفوية التي 
جمعت من خلال عدد من المقابلات الشخصية المباشرة مع بعض الكوادر 
الشبابية السابقة فى حركة الإخوان. إضافة إلى مجموعة من الأعضاء الآخرين 
المنضمين إلى الجماعة حاليًا (12 مقابلة شخصية)؛ وجرى اختيار هؤلاء 
المبحوثين بناء على معيارين: الأول؛ الموقع الذي يشغله المبحوث أو الخبرة 


130 


الخاصة به» في داخل الجماعة أم خارجها؛ والثاني» ثنائية المحافظة والثورية» 
بمعنى مدى قبول هؤلاء أو رفضهم لخطاب الجماعة وقادتهاء مايشير إلى 
وجود تنوّع واختلاف بين شريحة الشباب (الفئة العمرية للشباب) داخل 
الجماعة من حيث الرؤى والتكوين الثقافي والخيرة السياسية. وتجدر الإشارة 
هنا إلى أن الدراسة تميز بين نوعين من المقابلات: النوع الأول يُعرف ب غاذا8 
وبناء أبمع و[ أي المقابلات التي أجري- يت مع أشخاص ذوي ظهور إعلامي 
وسياسي ومشاركات حزبية واضحة» فذكرت أسماؤهم وخبراتهم والمناصب 
الي يحتلونها. ويتضمن النوع الثاني مقايلات عادية مع أعضاء من الجماعة 
لم تُذكر أسماؤهم (02/120105مق)» حفاظًا على مبدأي الحماية والسرية اشخاصة 
ببيانات المبحوثين 


إضافة إلى تلك الروايات» يرجع البحث إلى عدد من السّيّر الذاتية المكتوبة 
لبعض أعضاء الجماعة» وإلى نصوص الاستقالات المنشورة» ومحتوى 
المدوّنات لعدد من مدوّني الإخوان الشباب» والمتابعات اليومية لمحتوى موقع 
الإخوان أون لاين»؛ وعدد من الصفحات غير الرسمية التابعة للجماعة على موقع 
التواصل الاجتماعي «فيسبوك؛ مثل «شبكة نبض إخوان؛ ودإنت عيل إخواني؛؛ 
وذلك على مدار ثلاثة أعوام متتالية (2013-2011). 


يلاحظ أنه على الرغم من أن تصريحات أو آراء عدد من الكوادر الشبابية 
المنضمة إلى الجماعة بدأت تشق طريقها إلى الظهور الإعلامي إما من خلال 
الصحف أو من خلال المدوّنات» الأمر الذي قد يخرجها من دائرة #أصوات 
المهمشين» من الناحية السياسية» فإن تلك الآراء لم تحظ بالانتشار والهيمنة 
على صعيد الخطابء سواء الخطاب الداخلي لحركة بحجم الإخوان المسلمين 
أم الخطاب الإعلامي والسياسي في المجال العام المصري. كما أن هناك ندرة 
في حجم الدراسات الأكاديمية التحليلية التي تتناول هذه الروايات بالرصد 
والتدقيق بشكل يساهم في فهم واقع الحركة من ناحية» ومن ناحية أخرى» 
تقويم التجارب السياسية لحركات الإسلام السياسي. 


151 


أما في إطارها النظري» فتعمد هذه الدراسة إلى تقديم مفهوم «الجيل؛ 
كمدخل تحليلي» حيث يتناول الطرح موققفًا مغايرًا لما قدّمته المدرسة الوضعية 
من حيث التعامل مع الجيل بوصفه وحدة زمنية» أو مرحلة عمرية محددة 
تعكس شكلا من أشكال التتابع الزمني بين الأجيال المختلفة. ويمكن تصنيف 
ما قدّمه خليل العناني إلى الأجيال في جماعة الإخوان المسلمين ضمن هذا 
الإطار إذ يرى أن الجماعة الآن تشهد وجود أربعة أجيال رئيسة: 


الذين يعود تاريخ انضمامهم إلى الجماعة إلى مرحلة الخمسينيات والستيئيات 
من القرن الماضي؛ 

00 جيل الأعضاء الذين انضموا إلى الجماعة في مرحلة السيعينيات» وأطلق 
عليهم البراغماتيين؛ 
للجماعة خلال فترات التشديد الأمني في عهد الإدارة السياسية لحسني مبارك؛ 


- جيل فثة الشباب الحالية في الجماعة» وهم في مرحلة العقدين الثاني 
والثالث. 


يمل التصنيف الذي طرحه العناني مدخلا جيدًا لفهم التنويعات الجيلية 
أو العمرية في الجماعة. إلا أنه لا يفيد في فهم ديناميات التواصل الفكري 
والحركي بين تلك الفئات العمرية» ومن ثم يبدو الطرح النظري الذي يقدمه 
كارل مانهايم لمفهوم الجيل» إضافة إلى التطورات النظرية التي لحقت به 
أكثر ملاءمة لفهم هذه التفاعلات؛ فطرح مانهايم يتفادى التصنيفات الجامدة 
للمدرسة الوضعية التى تعتمد الفئة العمرية أساسًا للتصنيف» حيث يعكس 
الجيل» وفقًا لرؤية مانهايم» وحدة فكرية يتشارك الأفراد فيها الخبرات التاريخية 
والحركية والوجدانية والتوجهات الأيديولوجية والفكرية. بناء على ذلك. تصبح 
التصنيفات الجامدة لوصف الشباب بالانفتاح الفكري في مقابل الانغلاق أو 
الجمود الفكري لكبار السن تصنيفات غير دقيقة» ومغايرة لتعقيدات الواقع؛ إذ 


152 


يظهر التواصل الجيلي بين الفئات العمرية المختلفة» بين فئات الكبار والشباب» 
في ما يُعرف نظريًا بالتراكم الجيلي. ويشير مانهايم إلى أن كل فئة عمرية 
تتضمن مجموعة من الوحدات الجيلية المتفاعلة (كاندنا لودمننمعمه6) » وكل 
وحدة جيلية تتحدد بناء على إطار فكري وخبرات حركية ووجدانية يتشارك 
فيها أفراد هذه الوحدة» ومن ثم لا يبدو مستغربًا أن يقوم يعض الأعضاء 
الشباب في جماعة الإخوان بمعاودة إنتاج أطروحات فكرية لبعض شيوخ 
الجماعة الراحلين مثل حسن الهضيبي» المرشد الثاني للجماعة بعد وفاة حسن 
البنا أو عمر التلمساني. هذا إضافة إلى وجود نوع من التوافق الفكري بين 
الرؤى الإصلاحية التى يطرحها الشباب وعدد من القادة الوسط الذين انضموا 
إلى الجماعة خلال تر ة السبعينيات» أمثال عبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم 
الزعفراني ... وغيرهما. 


على صعيد آخرء نجد وحدات جيلية أخرى من شباب الجماعة وأفرادها 
تتبئّى خطاب القادة والشيوخ نفسه. ما يضعهم في موقف تصارعي مع غيرهم 


)2( للرجوع إلى تفصيلات مفهوم الجيل وتطوراتها النظريةء انظر: ترومامء2! يأءطهممةة امم 
بلإجوامطءلزة 01 وتهرانا لهدماقداعاتما ,عومء!1/01 كه «روواماعه50 ١1‏ ا «وتع مادا جره :مأممالا 4ه 
بأكنامع1187 :عاتملا بنجغل8 ز.مه 820 علطن1' رطعمع1 ,أبنو .1 :مهلممآ) لمطاءا؟ عكتادعاء5 نمه رطممدومائطط 
«رتصء لطم أقعأوه506101 8 ك8 لمالأمععمء0» تمع 1 28010 :252-310 .جرم ,(1952 ,إمومدمم لله ععورم 
لمة 127 .مم ,9 .آذ ,(1983 .عصآ وسعأااع1 لمنوصم :كتلقك ,الخ ملوط) بروواماعم3 كن موأابت[ أمباودك ندا 
نه «ركعائله80 أهده للوععمء6 لمة عدتاهن)-1112» ,انمع قنات:8 .11 اأعتميرمدا؟ 3210 أنقع ئناتج8 .0 لتمطءن8 :143 
:206-17 .مم ,12 .آذ ,(1986 ,.عصط ووعامع18 لهدهصف :ألمت ,مل ملوط) جوماملعمة ه بونجل أديد4 
نا «رع اتاععمكمء2 لمعتاءدمعط1 ذل :كامعتصء 1407 ناملا لاه كدده1شهع قت لق ترماكنلق» رانم منام8 .0 لعقطءن] 
رتج 6/101 2014 كل 1[ل0© ,كلتء77ع110 لأملعم5 «ذ «أعروعع؟ ,كله ,وعط تا كزسما لصة #تاعلمظ8 .8 لممطءن8 
65 !0 لم256ه)1!15 عط1» جععائلوذ .8 مول :104 .م ,(1984 ,و2 لذل :.ممع بطءاطهن07) 6 .آم 
/01.011ا5 لابوا« النمخاط> ,(1973 ع«عطامعءء0) 5 .مه ,18 .701 ,موأبج!آ أمء ارم اككط1 ارمع صع دمل «ركدم ل معموء 0 
.701 ,كم اتاوط إه مءأنك2 «بدهتاتمطاء1 ذة :كع نالأ20 هذا 068262005 كه بقلمامنظ متصوكة ,<1854096/عاطهاد 
:<1405847/عاتاماذ/ع50:.01[ بودبد //:متط> ,(1963 :ع00105) (عنادذ1] لإتقدو الممة طأأ1 هم 17) 4 .0م ,25 
3 .50 ,45 .701 ,كل ««لإعووعا لعدالوصعلطنا مذ :كه لتوعمء0 1ه بورمامزع50 5'منأء طممول8» رعطعائط عمول 
_01_نم10هأع50_وتاتأءعطمصدك44971/1ل2/جع عوط /رعطع! طع سول سلء.متسسعء لمعم معاوععء1//:متط> ,(1994 ععط رمعاي ة5) 
أقع :1115 لعة كعناوللآا عردمط)» ,طأعقطكدة2! .ة ,11 ابو :<زعقعء.]_لعن[وء00لا_مة_فمهأامع 062 
الإأأوعنالهنا أوعتههاممطعهء1 سمونطء141 ,و5ععمعنهء5 لوئ50 01 امعتمانوررء10). «لطعومعترهة توعؤوزة-ل180:1 م 
قعل ه[م/كع اعلزء_اهقاء50_ع ناوتجم نه التدمء.كذكعرجعء /01181/817|, بابد 7 //نجتاط> ,(1995 ععطتمعاريء5 ,801 بنماتلوناه]] 
انال 214 ج((أجرك كرت أ 71جناول 11167716110110 «ب0115 لأ12518) 01 لإلرا5 عطا مذ فعناككل» ,[ام1 .8 مدتالنا بحصصط 
نقا «بحن 0656800 لمء 2011 :كمه تمعن 6)» مقأماصنة متصولة لهة ,(1970) 3 .0ه ١١‏ .آ0؟ تيع ممواميوط2 
جتملاتدصعها/! :عازملا" بك01) 8 ها .كاه؟ 17 ,عععدواء5 أعاعم3 لا لو #العوماءوسط امن تمجعء1س] .لهك ,كالاثة سآ 

.17 .01؟ ,(1968-1991 بجععط عمر]آ لهة .0© 


1 


من الوحدات الشبابية الأكثر انفتاحًا في الجماعة. أو ما يُعرف ب ومدمةنم 
كانهنا امدمنتهعمء0. في الفئة العمرية نفسها. وترجع تلك الاختلافات إلى 
اختلاف المكوّن الفكري لكل وحدة جيلية واختلاف الخبرات ومصادر 
المعرفة» وهذا ما ستشير إليه الدراسة في مواقع متفرقة في شأن تنوّع وانفتاح 
الخبرات السياسية والفكرية لعدد من الكوادر الشيابية الناشطة» في مقابل هيمنة 
الخطاب السلفي والتوجه القطبي وضحالة الخبرة السياسية على فئات أخرى 
من الأعضاء الشياب المنضمين إلى الجماعة (انظر الشكل (1-5)). 


الشكل (1-5) 
وحدات جيلية مختلفة 


داخل الإخوان المسلمين 


كوادر كبار السن لديهم 
أفكار إصلاحية و أدو ات 
محافظلة تتكس : 
كوادر كبار السن تفاعلهم الحذر علي 
فوق ال 40 عامًا ش أرض الواقع» ويمتّلون 
أعضاء كبار وصغار السن وحندة جملة ثقافية 
يتشاركون في تبي الأفكار مختلفة. 
القطبية (نسبة إلى سيد 


قطب)» ويمئّلون بالتالي ٠١‏ أعضاء صغار السن 


لديهم أفكار إصلاحية 
وأدوات ثورية» تؤدي 
إلى إيجاد فجوة بينهم 
وبين الكوادر القديمة. 
ما يجعلهم و-حدة جيلية 
ثقافية في حد ذاتها. 


وحدة جيلية ثقافية 


الأفكار الإصلاحية الأفكار القطبية 





14 


أولا: التيارات الفكرية الرئيسة داخل الجماعة 


استنادًا إلى ذلك الطرح النظري» تجدر الإشارة إلى التيارات الفكرية 
الرئيسة داخل الحركة» وكيف شكل التفاعل في ما بينها الوحدات الجيلية 
المتنوعة. تتمثّل المدارس الفكرية في مدرسة حسن البنا والمدرسة القطبية 
والمدرسة السلفية» وأخيرًا المدرسة الأزهرية. وتتلاقح هذه المدارس لتشكل 
اتجاهين رئيسين في بنية الحركة: التيار اللإصلاحي والتيار التنظيمي أو القطبي. 


1 - مدرسة حسن البنا 


مدرسة حركية في الأساس» تشكلت في ضوء المؤتمرات العامة والرسائل 
التي كتبها الإمام» إضافة إلى مواقفه الحركية التي أبرزت توجهًا فكريًا يميل إلى 
إيجاد مساحات واسعة من التوافق وتفادي الاختلافات والفرقة بين التيارات 
السياسية والفكرية المختلفة. وأبرزت هذه المدرسة منهيبًا إسلاميًا وسطًا يسعى 
إلى تخليص العقيدة من الشوائب وفق نهج أهل السنّة والجماعة ونهج الحركة 
السلفية الإصلاحية الأولى التي ولدت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن 
العشرين. ويبدو أن محاولات البنا التوفيقية ساهمت في غموض عدد من الآراء 
التي طرحها الإمام» مثل موقفه من الثورة وموقفه الرافض للأحزاب بوصقها 
مدخلا إلى تقسيم الأمة وتفتيتهاء في حين أنه قبل العمل السياسي والمشاركة 
فيه. كما أن التصور الوظيفى الشامل الذي قدّمه البنا لحركة الإخوان. باعتبارها 
(دعوة سلفية» طريقة سئّية» حقيقة صوفية» مؤسسة سياسية» جماعة رياضية: 
رابطة علمية وثقافية» منظمة اقتصادية» وفكرة اجتماعية»؛ أوجد لَبِسَا حركيًا ظهر 
جليًا فى الآونة الأخيرة؛ إذ تداخلت الوظائف الخاصة للجماعة» وغيبت الحدود 
الفاصلة لأدوارها السياسية والاجتماعية والدعوية. ومثّل ذلك إحدى الإشكاليات 
المختلّف فيها بين أجيال الجماعة؛ كما سيلي شرح ذلك لاحمًا. 


استندت مدرسة البنا الإصلاحية إلى طرح تدريجي يرى ضرورة إصلاح 
الفرد (النفس المسلمة)» يليه الأسرة المسلمة» ثم المجتمعء ثم الانتقال إلى بناء 


155 


الدولة المسلمة» وذلك من خلال أدوات التربية والتعليم» من دون اللجوء إلى 
العنف أو تعجل نتائج الإصلاح©. 


2- المدرسة الأزهرية 


لا تختلف هذه المدرسة عن مدرسة البنا على صعيد النظرة الكلية إلى 
الإسلام والتفسير المستنير للشريعة؛ فهي قامت على أكتاف أعضاء الجماعة 
ممن لديهم انتماء مؤسسي وخلفية تعليمية أزهرية ساهمت في وجود تيار 
إسلامي مستنير في الجماعة» أمثال سيد سابق ومحمد الغزالي ويوسف 
القرضاويء إلا أن التوجهات الفكرية لهذه المدرسة لم تكن قاصرة على 
أصحاب الانتماء الأزهري المؤسسيء بل شملت أيضًا بعض الدوائر القريبة من 
البنا التي تبنت منهاج الأزهر الدعوي على صعيد الفكر والسلوك: كحال عمر 
التلمساني وعبد القادر عودة وحسن الهضيبي ... وغيرهم. وساهم وجود هذا 
التيار في حفظ الصورة المنفتحة والمستنيرة للجماعة» خصوصًا على الصعيد 
الدعوي وعلى صعيد المناهج التعليمية المتداولة بين أفراد الحركة خلال 
الحلقات التربوية التي تعقدها الأسر الإخوانية. 


3- التيار القطبى 
ترتبط هذه المدرسة بمساهمات سيد قطب الفكرية التي تشكلت في أثناء 
وجوده في السجن إبان الحقبة الناصرية. وعئرت كتابات قطب عن الحالة التي 


(3) في شأن المدرسة الفكرية السياسية لليناء انظر: طارق البشريء الملامح العامة للفكر السياسي 
الإسلامي في التاريخ المعاصر. ط 2»: في المسألة الإسلامية المعاصرة (القاهرة: دار الشروق» 2005)؛ 
ص 24-23؛ إبراهيم البيومي غانمء الفكر السياسي للإمام حسن البنا (القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية؛ 
2 ) ص 230-227؛ يوسف القرضاويء الإخوان المسلمون: 70؟ عامًا في الدعوة والتربية والبجهاد: 
مناسبة مرور سبعين عامًا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين (وخمسين عامًا على استشهاد مؤسس 
الجماعة حسن البنا) (القاهرة: مكتية وهبة» 1999)) ص 119. و ءذ؛ ره بوواعم5 77:6 بلاعطعاتكة ,2 لممطءنم 

.17 ب« ,(1969 بكموعع2 لزانو اندنا 010150 بوملهم]) 9 بعاجمجعدهك! «جاكمط علملناء! ,جمطنلمم8 «أإأساط 


() عولتنطههع) كاعتمماعا سول( هذ[ا مجه أجروط +جمء1 لناملااط ماعط بعلقظ ممعنللة/ة7ا لممممزمم 
.0 .م ,(2003 معط إأتوع حنملا لمدجدآ :خاة 


156 


عانتها الجماعة في حقبة النظام الناصريء ما أفرز خطابًا يقوم على فكرة العزلة 
الشعورية والانفصال الوجداني عن المجتمع الذي وصفه قطب بالجاهلية. 
وعلى العكس من نهج مدرسة البنا الداعية إلى ضرورات الانخراط المجتمعي 
والإصلاح التدريجي» تبتى قطب موقفًا يشير إلى تمايز فكري وشعوري بين أفراد 
الجماعة» أو ما أطلق عليهم الطليعة الإسلامية أو الجيل القرآني الفريد الذي 
يتولى مهمات عملية الإصلاح”». شكلت تلك الأفكار المركزية الوعي الفكري 
والحركي لمجموعة حوادث 1965» وهي المجموعة التي تولى قطب مهمة 
إعدادها نفسيًا وروحيّاء ومن ثم جاءت هذه المجموعة تبرز نهبا مغايرًا لأفكار 
البنا وعداء للمجتمع الذي يوصف في وعي هؤلاء بأنه غير راشد وغير قادر على 
إصلاح نفسه بحكم آفات السلطة والتيارات السياسية الأخرى. يلاحظ أن عددًا 
من أفراد مجموعة 1965 لم يتمكن من الالتقاء بالبنا ومعايشته» ومن ثم تكوّن 
وعي هؤلاء بصورة مختلفة عن المجموعة الأزهرية القريبة من البنا آنذاك. ويتولى 
عدد كبير من مجموعة 1965 المفاصل القيادية الحالية فى الجماعة» مثل محمود 
عزت؛ المرشد القائم بأعمال الجماعة حاليّاك ومحمد بديع المرشد السابق» إضافة 
إلى محمود حسين. 


4- المدرسة الوهابية 


لم تشهد الحقبة الناصرية بداية تشكل الأفكار القطبية فحسب» بل 
شهدت أيضًا بداية احتكاك أفراد الجماعة بالتيار السلفي الوهابي من خلال 


(5) لمزيد من التفصيلات في شأن التصورات السياسية لسيد قطب. انظر: باعمه8 .2 «وعومز 
عفاد لإعالد/ا سدكت ,كتكعط1 شكا) «ومع12 اكتلقطال كه كأوزلهعة لمدطءعاومت لد أ ترماكنةآ مذ :طلء2) ل الالإدكه 
هله أمعاهمامءل1 18 «اتكاأهاتء:ملسة! عأنبماكا أمعنممة ,الهككسه584 .5 لعدسطم :68-69 .م ,(2008 ,لتو باندنا 
متدامد8 لهة ,151 .م ,(2006 باتماعظ 6ه بواأدع اندلا سمتعهم شمء8) طل0) فالجرمك [و عوستمعئط أممتتناوط 
لمءناتا20 صا معنلية5 عع لعلئده]] ,برهمامء12 هه اأابرمفط-أه جمعمط «لموك :801 اأماط 7176 ,ععهاام2 .8 .لآ 

.54-650 .مم ,(2009 رعملك لانم زيملا بع[ ومملصمة) منهاو1 

ولمعلومات عن نشأة تنظيم 1965 وأعضائه؛ انظر: أحمد عبد المجيد, الإخوان وعبد الناصر.. 
القصة الكاملة لتنظيم 5م متوفر على موقع ويكيبيديا الأخوان المسلمون؛ .فلأتمدسطل بد /:منط> 
لقعةن) ومكعن1 علععنما5 لمدعامآ 5'لممطعطا8 ستامدك8ة غ15 :كطله1 ممئهكط» ,ععملام2 دعوطمدظ ننه ,حتضمء 
3 .50 ,39 1١؟‏ ,كعتضسلك اعمط عأهل:!! إن أه١7سامل‏ أه0:امتعنسة «ر | 1954-197 بدوتاتععدط و'عددولة اعلطم 

419 .جنر ,(2007) 


157 


سفر عدد كبير منهم إلى المملكة العربية السعودية هربًا من مطاردة السلطات 
المصرية. كما استقبلت السعودية أعدادًا أخرى من المفرج عنهم خلال فترة 
السبعيئيات. في هذه الأثناء» تشرّب أعضاء الجماعة الكثير من الأفكار الوهابية 
التي وجدت في تصرفات بعض الدوائر الأزهرية المحيطة بالبنا سايقًا تقريطًا 
في أصو ل الدين». وهنا تجدر الإشارة إلى اختلاف المناخ الثقافي والفكري 
الذي تشكلت فيه هذه الدوائر» مقارنة بالمناخ الذي عاصرته الدوائر المقرّبة من 
البنا خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن السابق؛ إذ تمايزت الحياة 
الفكرية والسياسية آنذاك بالثراء والتنوع» هذا إضافة إلى استقلال المؤسسة 
الأزهرية. في المقابل» بدأت حقبة السبعينيات تحصد عواقب القيود التي 
وضعها النظام الناصري على الحياة الثقافية» من تأميم للأوقاف وفرض هيمئة 
الدولة على الأزهرء علاوة على تأميم المسارح والمراكز الثقافية» الأمر الذي 
وفر مناححا ثقافيًا تمكنت الأفكار الوهابية من غزوه بدعم من رؤوس الأموال 
الخليجية©. ومن ثم» لم يكن انتشار الأفكار الوهابية أو تغلغلها قاصرًا على 
المناهج التعليمية وعلى الخطاب الداخلي في الحركة بل امتد ليشكل الوعي 
الفكري والثقافي لكثير من القطاعات في داخل المجتمع المصري. لذاء 
لم يكن غريبًا أن تطرح الحركة خطابًا يتحدث عن أهل الذمة وفرض الجزية 
والنقاب وسماع الموسيقى» وتنخرط في الجدالات الدائرة عن تلك الأمور 
الشكلانية» في حين أن كثيرًا من الرموز الإخوانية الأولى التي أسست الجماعة 
بالقرب من حسن البنا كانت تدخن السجائر وتعزف الموسيقى؛ كما أن بعض 
الأخوات لم يرتدين الحجابء ولم يكن ارتداء النقاب أمرًا شائعًا بين صفوف 
القواعد من الأخوات©. وأثّرت هيمنة التيار الوهابي في مواقف الجماعة من 

(6) لماه ممفسناط ءا إه «واعممظا +:11 :مع طام8 #أأعسالط زه 10ه12إه501 +711 ,تتقتمسة] صسددن1] 
عا غانه كطزوط 1116 «لموطء لم8 استأعساط ءا هاطانا اكالهاه5ى زه هداكا؟] 1١‏ مجه عواءع ]امصررل1 


مععطاوتاطل8ي توملموععاة) ١‏ باأعاطمصوط لعبووتبمم عط موامطاعك م ,0ععديد/! ,عع01 زه كر0اوسصءو ص11 
.2011 بقمقلمموعءاة 


(7) ,نط1 اعنبمهاءآ-اعوط 186 هالت كاد عولط أداعم5 :ءتلمععومع2 مادا والألعلط مندزدة8 أعوم 
1 1سقاة :اناه بل152ضما5) عععبطان© لمعه عناءاع50 عتلمداذآ لهة معافدط 15410016 هذ كعتسهذ 0ن هكتتماد 
80-5 .مم ,(2007 ,كعء© ادع زولا 


)23 ,80115 «أعساط زه 6أ1هةالهأه3 7176 ,تاتقاضاكاله1 


قضايا رئيسة طرحت خلال فترة التسعينيات مثل الموقف من الأقباط وحقوق 
المرأة والديمقراطية والخلافة الإسلامية. 

يلاحظ أن أنصار التيار القطبي في الحركة تأثروا بتلك الأفكار السلفية» ما 
كوّن مزيبججا من أقكار قطب في شأن العزلة الشعورية وجاهلية المجتمع» ومن 
الرؤية المحافظة/ الشكلانية في النظر إلى السلوك الثقافي والاجتماعي وحتى 
التأويلات الدينية السائدة في المجتمع. ومن ثم بدت الجماعة وأعضاؤها كيانًا 
متمايرًا من أفراد المجتمع المصريء يستندان في نظرتهما إليه إلى صورة المتقذ 
والمخلص من الضلال» وانعكس ذلك الشعور الوجدانى على إيمان أفراد 
الجماعة بأهمية حفظ البناء التنظيمي للحركة وأولويته» حيث تحول بقاء التنظيم 
إلى هدف رئيس لاستمرار الجماعة نفسها. 


ساهم التمازج بين الروافد الفكرية والخبرات الحركية على مدار تاريخ 
حركة الإخوان في تشكل الوحدات الجيلية في الجماعة. وهنا تجدر الإشارة 
إلى حدوث تقارب - بحكم الوضع التاريخي أو معاصرة رافد فكري لتشكل 
تيار آخر - بين المدرسة الأزهرية ومدرسة حسن البنا الحركية» وبين تبلور 
الأفكار القطبية على يد مجموعة 1965 وبين التيار الوهابي. ومثّل الانتماء 
إلى المزيج الأول التيار الإصلاحي أو تيار الحمائم في الجماعة» في مقايل 
القطبيين» أو تيار الصقور إن جاز التعبير. 

يلاحظ أنه في الوقت الذي جرى فيه استيعاب كثير من أفراد «الشباب» 
وقادة الجماعة من خطانن ديني جامد ورؤية تُعلي من أهمية الحفاظ على 
التنظيم والالتزام بالسرية» والتشكيك في جميع القوى السياسية والمجتمعية: 
كان هناك عدد من شبان الجماعة يتحركون ضمن الحركة الطالبية في 
الجامعات» ويتواصلون مع أعضاء الحركات الاجتماعية الوليدة» مثل حركة 
كفاية وحركة 6 أبريل» إضافة إلى الانفتاح على عدد من القراءات للمفكرين 
الإسلاميين مثل الريسوني وراشد الغنوشي وطارق البشري وعبد الوهاب 
المسيري ... وغيرهم من أصحاب الكتابات النقدية المنفتحة. ومن ثم برزت 


159 


حال من الجفاء الفكري والوجداني بين خطاب الجماعة ومناهجها التعليمية 
وحلقاتها التدريسية وهؤلاء الشبان وبعض أقرانهم من الشبان الأكثر محافظة 
داخل الجماعة» وما عادت الجماعة» على تنوّع أهدافها الوظيفية بين الدعوي 
والاجتماعي والسياسي» الحاضن الرئيس لهم؛ إذ وجد هؤلاء لأنفسهم متنفسًا 
في العمل من خلال منظمات المجتمع المدني والنشاط الطالبي والحركات 
الاجتماعية» يضاف إلى ذلك وفرة مصادر الإشباع الروحي وتنوّعها التي وفرتها 
القنوات الدينية الفضائية والدعاة الجدد. 


ظهرت ملامح الجفاء الوجداني والفكري في مدوّنات شبان الإخوان 
المسلمين» التي بدأت الحديث عن أمور شخصية واجتماعية أو انتقادات 
سياسية عامة للأوضاع القائمة. ثم انتقل الخطاب ليعبّر عن كثير من المشكلات 
في شأن طريقة إدارة الجماعة وأسلوب اتخاذ القرار وفلسفة الجماعة وخطابها 
المطروح للمجال العام والسياسي والمشاركة النسائية. وعبّرت الانتقادات 
الموجّهة من بعض شبان الجماعة إلى القادة عن شكل من أشكال التواصل 
الجيلي والفكري بينهم وبين بعض القادة الوسيطة التي انضمت إلى الجماعة 
خلال فترة السبعينيات» إذ عانى هؤلاء القادة الاستبعاد من مراكز صنع القرار 
بصورة أو بأخرى؛ وهذا ما بات جليًًا في تعليق عضوية عبد المنعم أبو الفتوح 
في أعقاب ترشحه للانتخابات الرئاسية في عام 2012 0". 


الواقع أن المجموعات الجيلية لا تمثّل جزرًا منعزلة؛ فبعض أعضاء 
السبعينيات» مثل عبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني وأبو العلا ماضي 


(9) عن تحليل مدونات الإخوان و محتواهاء انظر: 0مهطعطامم8 وعدملا ع15» ,تمعمف-لخ اتلمط؟ 
الالتاينا/ لت جا !> ,(2009 ععطاماء0) 9 ,أ0؟ ,نرهماوءل! أكنجروأع! ١ا‏ كفارء!1 انميت «رطاوط بعل( ه كأه طععوءة مذ 
8ملاملا» ,طعصيط عنوقة ,<طتدمء نعم هدام طعممعك- مل لم0 طءعطام6-عصنهز-ء طانائماء للطءتمعوعع /عده. كلمع" أمععرده 
1 تااتا//جتاط> ,(2011 باعءزم2 معوتامدم مم1 لعة طععمعدع1 امم 8511:0016) «ععدمكوعطن0) دز وعطمع8 
علء50 5دمعمع8!0 ممتامرزع2 ععملا» بدمالاقكق8 5م105 لمة ,حعهجودعطابرع-دعطاه: س0 245/2 هعنم كندلهنه 
8 .0ه ,28 .701 ,اوررق أكمطظ عءلقلألاط «ه #بممء8 «مععناائة!! «بلم0تأعطمء8 متاكسلةا عتاوعمصعدآ عجوكة ع 
-8 01 :1-9 1/629عط 21-2009-0102 3ع ا ذاكة ناناعا همع الع 620111000 /01©. هع 00 1بنا بجو //:جتاط> ,(2009 ععطاصس بن11) 

< !لماح . مه !رع طاه6- د أكناماءء نام تع0 صء ع0 ٠و«‏ اء»5-5؟ع ريع 10أ-ممتا مجع 


(10) مقابلة شخصية مع عبد المنعم الفتوح القاهرة» بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2012. 


0ظ10 


وغيرهم من الكوادر القديمة» شكل مصدر إلهام لبعض الأعضاء الشبان. 
ومن ثمء فإن أي تصنيف تاريخي للواقع الجيلي في الحركة ينيغي ألا يقوّض 
والثقافية في تشكيل هذا الاستمرارية. 


ثانيًا: المؤتمر الأول لشباب الإخوان 


شكل السياق السياسي منذ أواخر التسعينيات الوعي السياسي لكثير 
من الإخوان الشبان. وغيّرت مشاركتهم السياسية في الثورة وغيرها من 
المبادرات السياسية نظرتهم تجاه دور الإخوان» وتكوينهم الأيديولوجي 
ومواقفهم السياسية. لكن وعي أعضاء شباب آخرين كان متأئرًا بالخطاب 
السلفي في مصرء وظل هؤلاء على ولائهم لمناهج الإخوان التعليمية 
ونشاطهم الاجتماعي الديني. 

مثلت حوادث 25 كانون الثاني/ يناير نقطة فاصلة على اتساع مساحات 
النقد والمراجعة بصورة علنية بين صفوف أعضاء الجماعة» فى محاولة 
للتخلص من ثقافة السرية التى غلّفت أداء الجماعة الإداري» رقضت على 
آليات المحاسبة والرقابة الداخلية. وشكل المؤتمر الأول لشبان الإخوان فى 
شباط/ فبراير 2011 محاولة لإيجاد مساحة من التواصل في شأن المستقبل 
السياسي للحركة من جهة» وإيصال رؤى الشباب ومقترحاتهم إلى القيادة العليا 
في الجماعة من جهة أخرى. 


جاءت نتائج المؤتمر متضمنة مجموعة من التوصيات التي استئندت 
إلى عقد ورش عمل سابقة لانعقاد المؤتمر» ناقشت قضايا عدة» منها الهيكل 
الإداري للجماعة وأواليات اتخاذ القرارات والموقف من المشاركة الحزبية 
والبتياسية: نوفمًا لشهاداف كل من ميكيد تتنهين. ومضف: التعمان 
ومحمد القصاصء كان من المفترض أن يُعقد المؤتمر في إشراف مكتب 
الإرشاد. إلا أن المؤتمر عُقد من دون أي دعم من المراكز القيادية في 


161 


الجماعة» تخوفًا من بعض الاقتراحات التي تضمنتها ورش العمل السابقة 
انعقاد المؤتمر". 


قدّم المؤتمر اثنتي عشرة توصية عامة» منها: 

- الموافقة على حرية الأعضاء في الانضمام إلى أي حزب سياسي غير 
حزب الحرية والعدالة؛ 

- تقنين عمل الجماعة في ضوء القوانين المصرية المتاحة» كجمعية أهلية 
أم غيرها من التوصيفات الملائمة لأوضاعها الوظيفية؛ 

- توفير قنوات للتواصل والحوار بين أعضاء الجماعة في المحافظات 
المختلفة؟ 


- تشكيل لجنة لمتابعة أداء الجماعة وتقويمه في المحافظات كلها؛ 


- تشكيل لجنة شبابية تتولّى مهمة نشر الوعي السياسي بين أعضاء 
الجماعة وعقد اللقاءات والندوات والمؤتمرات؛ 


- إعادة النظر في المقررات التربوية في الجماعة» والتأكد من مدى اتساقها 
مع الممارسات الفعلية للحركة على الصعيد السياسي!*'". 


إلى جانب هذه المقترحات» ناقش المؤتمر أوراقًا تفصيلية عدة» منها 
الموقف من تأليف حزب سياسي للجماعة» وتطوير الهيكل التنظيمي للحركة. 


(11) إيمان عيد المنعمء «أسرار الصراع بين مكتب الإرشاد وشباب الإخوان: الخوف من الموجة 
التأسيسية الثالثة.» الدستور الأصلي. 1 11 متابلتان شخصيتان أجريتا مع محمد شمس (أحد 
القائمين والمشاركين في إعداد المؤتمر الأول لشباب الإخوان» عضو سابق في الجماعة: وأحد مؤسسي 
حزب التيار المصري)؛ ومحمد القصاص (أحد المسؤولين عن قسم الطلاب في الجماعة سابقّاء وأحد 
مؤسسي حزب التيار المصري)» القاهرة» بتاريخ 1 شباط/ فبراير 2© ومكالمة هاتفية مع مصعب 
الجمال (أحد الأعضاء السابقين في الجماعة وأحد مؤسسي حزب التيار المصري»» القاهرة» بتاريخ 
7 آذار/ مارس 2012. 

(12) محمد البطاوي» «في «مؤتمر شباب الإخوان»: شبه اختلاط وتصفيق لاا تكبير»» موقم 

- أ ريوع نام ريوع بسع دمع وهم-ورع ل أن1-اوتععمة داك زلقممة جعو/ أطدتناعه سيداعتهه ص //:ماط> ,26/3/2011 بتسواكتهه 
.<لصاط.25/129783-2011-03-26-11-20-24-مقناصة زعام 210 


162 


وعملية صنع القرار» وسيلي ذكر هذه النقاط لاحمًا. تجدر الإشارة إلى أن 
محتوى المؤتمر وتوصياته عبّرا بصورة واضحة عن الأفكار التي يحملها 
الشبان» والتي تختلف بصورة كبيرة عن خطاب القادة من الشيوخ وممارساتهم 
السياسية في الجماعة. 


حظي المؤتمر الأول لشبان الإخوان باهتمام الرأي العام» لكن مكتب 
الإرشاد رفض رعاية المؤتمره الأمر الذي وضعه في حرج لأن كثيرين فسروا 
ذلك بأنه انقسام داخلي في الحركة» وعدم قدرة قيادة الإخوان على استيعاب 
نقد الأعضاء الشباب وتطلّعاتهم. ردًا على ذلك. دعا المكتب الإداري في 
مديئة 6 أكتوبر إلى عقد مؤتمر آخخر للشبان ساهم في إعداده عدد من شبان 
الإخوان المنظمين للمؤتمر الأول. ولم يخرج هذا المؤتمر في توصياته 
عن توصيات المؤتمر الذي سبقه. إلا أنه أكد ضرورة التمييز بين نوعين من 
القرارات داخل الجماعة: النوع الأول هو القرارات المصيرية التي تتطلب 
مشاركة جميع الأعضاءء وهنا يجب القيام باستفتاءات عامة لاستطلاع رأي 
الأعضاء جميعًاء والثانى هو القرارات الفنية والإجرائية التى يمكن تفويض 
القيام بها إلى المستويات الإدارية الدنيا لمنحها المزيد من الاستقلالية 
وحرية العمل. 


1 - الهيكل التنظيمي وعملية صنع القرار 

كانت الديمقراطية الداخلية في الجماعة من أهم القضايا التي أثيرت 
في الفترة الأخيرة من حكم مبارك» ما دفع الجماعة إلى عقد أول انتخابات 
للمراكز القيادية العليا في عام 2005. وتجدر الإشارة إلى أن قضية الديمقراطية 
الداخلية فى حركة الإخوان المسلمين لا ترتبط بدورية عقد الانتخابات وإنما 
بقضايا أخرى تتعلق بتوجيه نتائج الانتخابات؛ ومعايير الترقية إلى المناصب 
العلياء وقواعد الرقابة والمحاسبة الداخلية» وتضمن الكثير من مدوّنات 
الإخوان كمدونة مصعب رجب ومصطفى النجار ومجدي سعد إشارات مفصلة 
في شأن تلك الإشكاليات. 


163 


لم يأت انتقاد الديمقراطية الداخلية في الجماعة وآليات صنع القرار من 
صفوف الشباب فحسبه بل إن كثيرًا من السّير الذاتية المكتوبة لجيل الوسط (أي 
الكوادر التى انضمت إلى الجماعة خلال فترة السبعينيات والثمانينيات) تشير إلى 
ذلك؛ فعبد الستار المليجي - على سبيل المثال - يذكر في كتابه عن تجربته في 
حركة الإخوان أن الهيكل التنظيمي للحركة هيكل هرمي شديد المركزية» يأتي 
على قمته مكتب الإرشاد الذي يعمل كهيئة تنفيذية علياء بالتوازي مع مجلس 
الشورى المنتخب. والأصل أن يمارس مجلس الشورى مهمات الرقابة والمتابعة 
لأعمال مكتب الإرشاد إلا أن ذلك لم يحدث؛ بل ظلت جلسات مجلس 
الشورى وانتخاباته معطلة منذ عام 1995 بحكم التضييق الأمني في عهد مبارك؛» 
ومن ثم ظلت سلطة مكتب الإرشاد غير مقيدة وبلا آليات للمراجعة والمحاسبة 
حتى انعقاد انتخابات مجلس الشورى في عام 2008*". 


على صعيد آخرء تشير استقالة أحد الشبان المكتوبة إلى فكرة الانتخاب 
غير المباشر في الجماعة وتأثيرها في شعور أفراد الجماعة العاديين إلى عدم 
القدرة على التأثير في عملية صنع القرار الداخلي في الجماعة. «فانتخابات 
مكتب الإرشاد ومجلس الشورى تتم بصورة غير مباشرة» بمعنى أن القواعد 
(5ءطتدءك8 علصمط ذ4هة 16ز5) من أفراد الجماعة لا تشارك بصورة مباشرة في اختيار 
أسماء ممثليها في تلك الأجهزة» وإنما يختار كل فرد مسؤوله في الشريحة 
الإدارية الأعلى والذي بدوره يشاركه في اختيار من هم أعلى منه» وهكذا 
إلى أن يتمكن رؤساء الجماعة بالمكاتب الإدارية العليا بالمحافظات ياختيار 
أسماء أعضاء مجلس الشورى ومكتب الإرشادة2". ومن ثم يبدو شعور أفراد 
الجماعة العاديين بالمشاركة في عملية صنع القرار محدوداء لذا كان متوقعًا أن 
يستشعر بعضهم الهوّة بين أفكاره وتوجهاته. وبين القرارات الفعلية التي تتخذها 


( السيد عبد الستارء تجريتي مع الإخوان: من الدعوة إلى التنظيم السري (القاهرة: الزهراء 
للوعلام العربي» 9 ) ص 316-314. 

(14) انظر نص استقالة أحد أعضاء الحركة: أنس السلطان؛ «نص استقالتي المسبية من العمل 
في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين؟ (متاح على صفحته الشخصية على الفيس بوك بتاريخ 9 شباط/ 
فبراير 2012). 


164 


المراكز القيادية العليا. كما أن الحركة لم تفكر في إجراء أي استفتاء عام لمعرفة 
رأي الكوادر في القرارات المركزية التي تتخذهاء كقرار الجماعة المتعلق مثلا 
بخوض الانتخابات الرئاسية» الأمر الذي دفع بعضهم لاحمًا إلى تشكيل أحز اب 
سياسية جديدة كحزب التيار المصري - في قيد الإنشاء29- الذي شكلته 
مجموعة من أعضاء الجماعة السابقين الذين أدوا دورًا كبيرًا في الحراك الطالبي 
في الجامعة بحكم مسؤوليتهم عن قسم الطلاب فيهاء كما قام هؤلاء بتمثيل 
الحركة في ائتلاف شباب الثورة الذي تولى إدارة الفاعليات الثورية خلال 
الشهور الأولى للثورة المصرية. كما انضم آخرون إلى الحملة الرئاسية لدعم 
عبد المنعم أبو الفتوح» ثم تحولت الحملة لاحمًا إلى حزب مصر القوية. 


يُعبّر عبد الرحمن عياش عن ذلك: «الشعور بالهوّة بين قرارات الجماعة 
وعدد من أعضائها لا يقتصر على الصورة غير المباشرة للاتتخاب فحسب 
وإنما أيضا على المعايير التي يجري على أساسها التصعيد للصفوف العلياء 
ووجود ممارسات من شأنها التأثير في نتائج التصويت والاختيار». ووفقا 
لجميع المبحوثين الذين رجعت الدراسة إليهم» وتحديدًا ما ذكره مصطفى 
النجار (مدوّن وعضو سابق في الجماعة» ومن مؤسسى حزب العدل). 
افمعابير التصعيد بالجماعة تعتمد على الأقدمية» ومستوى التدين والولاء 
للقيادة» بصرف النظر عن معايير الكفاءة والاستحقاق. لهذا يظهر دور القادة 
في تزكية أعضاء بعينهم في مقابل أعضاء آخرين» وتبرز هذه التزكية بصورة غير 
مباشرة من خلال السماح لأعضاء بعينهم بالظهور بصورة أكبر في جلسات أو 
مؤتمرات الجماعة» وتفويضهم القيام بالمزيد من المهام» ومن ثم يبدو بعض 
الأعضاء أكثر نشاطًا وأكثر تأثيرّاء وبالتالي قبولا عند لحظة الاختيار» في مقابل 
غيرهم الذين تتم تنحيتهم بصورة غير مباشرة» من خلال عدم دعوتهم إلى 
الاجتماعات؛ أو تقليص مساحات الظهور الإعلامي أو التواصل مع قواعد 
الجماعة» وريما يصل الأمر إلى حد ترويج الشائعات عن أفكارهم وتوجهاتهم؛ 


(15) يعني «حزب قيد الإنشاء» أنه لم يحصل على عدد التوكيلات اللازمة ليصبح حزيًا مسجلا 
من التاحية الرسميةء نظرًا إلى القيود المفروضة على تأسيس الأحزاب. 


165 


وهو ما يخلق صورة ذهنية سلبية عن هؤلاء الأفراده ويناء على ذلك. لا نجد 
داخل الجماعة انتخابات تنافسية أو برامج يقوم المرشح بإعدادها لشغل منصب 
ماء فالقاعدة بالجماعة هي (أن الكل مرشح والكل منتخب»» بمعنى أنه لا يتقدم 
شخص بعينه يجد في نفسه الكفاءة لشغل منصب ما وإنما يُختار بين الأعضاء 
كافة» حيث يكون الجميع مرشحين لشغل المنصب بصرف النظر عن اعتيارات 
الكفاءة. وقامت الجماعة بتبرير هذه الآلية من الناحية الدينية بحجة أن الرسول 
نص على عدم طلب الولاية6©©. 

يشرح محمد شمس ذلك قائلا: «بدت إشكالية توجيه نتائج التصويت 
واضحة في انتخابات مجلس الشورى في عام 2006» حيث خسر عصام العريان 
الانتخايات بنسبة 40 في المئة» ما أثار تساؤلات كبيرة عن هيمنة التيار القطبي 
بالحركة ورفضه استيعاب العناصر الأكثر إصلاحية التي منها العريان آنذاك» في 
أعقاب هذه الجلبة كان هناك اتفاق ضمني على ضرورة تجاوز الأمر وعدم تنحية 
شخصية بثقل العريان من المجلس ومن ثم جاءت الانتخابات التكميلية ليفوز بها 
العريان بنسبة 96 في المئة. هذا وقد شهدت انتخابات مكتب الإرشاد التي سبقت 
اندلاع الثورة استبعاد محمد حبيب الذي ظل محتفظا بعضوية المجلس مدة 24 
عامّاء بسبب ما أظهره من رفض للتوجهات السياسية والقرارات التى اتخذها 
مكتب الإرشاد7!0© . يلاحظ فى هذا الإطار أن التصويت على اختيار محمد 
مرسي مرشححا للجماعة في الانتخابات الرئاسية جرى ثلاث مرات؛ وكانت نتيجة 
التصويت في كل مرة لمصلحة الرفضء ومع ذلك أعيد التصويت مرة ثالثة - من 
دون أسباب معلومة - إلى أن جرت الموافقة بأغلبية بسيطة. 

في السياق نفسه يشير محمد شمس إلى «أن شدة التدرج والتراتبية التي 
يتسم بها الهيكل التنظيمي الهرمي للحركة من شأنها قتل مساحات التداول 
والإبداع داخل الجماعة» بمعنى وجود صعوبات في استيعاب الأفكار 


(16) نص مكالمة هاتفية مع مصطفى النجارء القاهرة؛ بتاريخ 18 آذار/ مارس 2012. انظر أيضًا: 
مدونة مصعب الجمالء عبد الرحمن عياش» مصطفى النجار ومصعب رجب. 
(17) مقابلة شخصية مع محمد شمسء القاهرة» بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2012. 


166 


والأطروحات المنوّعة التي قد يتقدم بها أفراد من قواعد الجماعة» فهناك 
تراتبية وبيروقراطية ومسار إداري طويل من الوحدات الأدنى (الأسر) وصولا 
إلى مكتب الإرشاد (الهيئة الأعلى) كفيلة بأن تجعل أي مقترح أو فكرة جديدة 
طي النسيان» ولعل هذا ما حاول مؤتمر شباب الإخوان تفاديه من خلال إيجاد 
مساحة حرة بديلة للتفكير وتداول الأطروحات بصورة مباشرة» خصوصًا مع 
تزايد عضوية المنضمين إلى الحركة: ما يجعل الهيكل التنظيمي مترهلا وبطيء 
الحركة»*'. ويلاحظ أن آلية عقد المؤتمرات العامة اتّبعها حسن البناء إلا أن 
الحركة لم تشهد عقد مؤتمرات لطرح الرؤى والتداول لاحقّاء و«هو ما يشكل 
نكوصًا عن تاريخ التداول الداخلي بالحركة*". 


2- ثقافة الطاعة ومحاولات النقد الذاتي 


يمكن اعتبار الولاء للقيادة العليا والإطار التنظيمي للحركة أحد المحددات 
التى تجري بناء عليها عمليات الاستيعاب والاستبعاد فى الجماعة. ومثلت 
هذه الثقافة ضامئًا قويًا لحفظ البقاء التنظيمي للحركة في ظل الملاحقات 
والتضييقات الأمنية التي تعرضت لهاء إلا أنها في الوقت نفسه كانت عاملًا 
رئيسًا لوأد مساحات المراجعة والنقد الذاتي. 


كانت ادعاءات ضرورة الانصياع لقرارات القيادة مبرّرة في إطار خطاب 
المحنة والمظلومية التاريخي؛ فالصراع المستمر مع السلطة السياسية والتنكيل 
بالجماعة وقادتها أوجدا لدى أغلب الأعضاء حالة ذهنية «كربلائية» في النظر 
إلى القيادة العلياء باعتبار أنهم قدموا الكثير من التضحيات على مدار تاريخهم» 
كما أنهم يمتلكون الخبرة اللازمة لاتخاذ القرارات الأفضل التي قد لا تبدو 
الحكمة من ورائها واضحة للأعضاء العاديين في وقتها. 


(18) مقابلة شخصية مع محمد شمسء القاهرة» بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2012. 
(19) توفيق الشاوي [وآخ.]ء الحركة الإسلامية» رؤية مستقبلية: أوراق في النقد الذاتي» تحرير 
عبد الله فهد النفيسي (الكويت: [عبد الله فهد النفيسي]ء 1989): ص 18. 


167 


أشار محمد القصاص ومجدي سعد إلى أن الحركة توظف خطاب 
المحنة أو خطاب المعركة لتبرير السرية والطاعة؛ فما دام الخوف من عدو 
خارجي أو من مؤامرة خارجية من شأنها أن تفكك الحركة حاضرًا في تبرير 
قرارات معيّنة. ووفتًا لمجدي سعد: «استفاد الإخوان المسلمون من الانفتاح 
السياسي بعد الثورة» لكن القيادة اعتبرته تهديدًا لتماسكها الداخلي وتضامنهاء 
حيث هددت الثورة مفاهيم الطاعة والثقة العمياء والجندية. فعلى سبيل المثال» 
اعتبرت القيادة أن التصويت لأي شخص ليس من أعضائها في الانتخابات 
البرلمانية بمنزلة خيانة. وفي أيار/ مايو 2011 استّبعد أعضاء جماعة الإخوان 
المسلمين في ائتلاف شباب الثورة. كما استبعد بعض الأعضاء لمجرد وضعه 
«#لايك» في واحدة من مجموعات الفيسبوك التي دعت إلى احتجاج لم تشارك 
فيه الحركة)20, 


تذكر إحدى المبحوثات أيضًا: #تعرضت للوم والتأنيب من مسؤولتي في 
الجماعة بسيب كتابتي بعض الآراء الناقدة لقرارات الجماعة على صفحتي في 
الفيسبوك» وبناء على أفكاري أشعر بأنني هْمَشْت داخل الأسرة حيث لم يوكل 
إليّ العديد من المهام لأقوم بهاء أشعر وكأنني أصبحت في القائمة السوداءة. 
وتضيف: «قبل الثورة كان هناك هامش أكبر من الحرية حيث كان يسمح لنا 
بالمشاركة على سبيل المثال في حملة دعم البرادعي وتظاهرات 6 أبريل 
وكفاية» أما الآن فمن غير المسموح ادام إلى أي حزب آخر غير حزب 
الحرية والعدالة)70©. 


يأتي بعض الإجابات الأخرى من داعل القيادة النسائية الشبابية في 
الجماعة كمؤشر إلى تخوّف القيادة من تبتي الشباب أفكارًا ثورية من شأنها 
التأثير في التماسك التنظيمي؛ فإحدى المبحوثات تؤكد أن (الشباب بطييعتهم 
مندفعون وربما ينجرفون وراء أفكار راديكالية من شأنها التأثير في علاقتهم 


(20) مقابلة شخصية مع مجدي سعدء القاهرة» بتاريخ 18 كانون الأول/ يناير 2012. 
(21) مقابلة شخصية مع إحدى العضوات في الجماعة: القاهرة؛ بتاريخ 13 شباط/ فبراير 2012. 


168 


بالقيادة» ومن ثم هناك حاجة إلى حمايتهم من تلك الأفكارة2©. وفي مقابلة 
أخرى أكدت إحدى المبحوثات العاملات في الحركة أن الالتزام التنظيمي 
بموقف الجماعة ونتائج الانتخابات الداخلية هو الضامن لتفادي الخلافات» 
حيث يجب على بعض الأعضاء التنازل عن آرائه الشخصية - حتى وإن كان 
على قناعة بصحتها - لمصلحة نتائج التصويت ورأي الأغلبية©. 

تشير الشهادات السابقة إلى تباينات بين الوحدات الجيلية في شأن 
القضية نفسها؛ ففي الوقت الذي يرفض بعضهم الوصاية التي تمارسها القيادة 
ضد أصحاب الرؤى الناقدة» هناك من يرى أهمية تفادي الخلاف والالتزام 
برأي الأغلبية حتى وإن خالف القناعات الشخصية للأعضاءء» حيث تصبح 
الأولوية للتنظيم لا للفرد» ويتحول الاهتمام من بناء الفرد وقناعاته إلى الحفاظ 
على دورية الانتخابات والتراتب التنظيمي. ويعتبر التنظيم السبيل الوحيد 
للاستمرارية والغاية العليا لبقاء الجماعة» ومن ثم تعتبر التباينات الداخلية 
والتعددية خطرًا يجب مواجهته. 


يجب التعامل مع ثقافة السمع والطاعة في السياق الإخواني بصورة 
موضوعية» حيث لا يُفهم أن قرارات القيادة العليا تفرض كلها فرضًا على 
أعضاء الجماعة من دون أن تلقى التأييد الداخلى المطلوب لتمريرهاء 
بل وتبريرها في حال إقرارها؛ فكثير من الفئات والقطاعات - الشبابية - 
المنضمة إلى الجماعة لا تعترض على الكثير من القرارات» بل تجدها قريبة 
من قناعاتها الشخصية. وربما يرجع ذلك إلى عوامل عدة تتعلق بالدور الذي 
يؤديه القسم التعليمي في الجماعة لتمرير خطاب أو للتعبير عن رؤى معيّنة 
لفهم موقف القيادة» وباستخدام كثير من الأعضاء الخطاب الديني» كما في 
حال القيام بإسقاطات من التاريخ الإسلامي أو مواقف من السيرة النبوية لتبرير 


(22) نص إجابات امرأة عضو في الحركة جرى التواصل معها عير «الإيميل»» القاهرة» 


8 شياط/ فبراير 2012. 
(23) مقابلة مع امرأة عضو في الجماعة وحزب الحرية والعدالة» القاهرة» 20 شباط/ فبراير 
01. 


169 


موقف سياسي للجماعة؛ ما من شأنه إيجاد قبول واسع لقرارات بعينها وحالة 
ذهنية ترى اتساقًا بين مواقف الجماعة وتعاليم الإسلاه*؛ واعتماد عدد من 
أعضاء الجماعة في استمداد ثقافاته ومعلوماته على المناهج التربوية للحركة» 
والبيانات التي تصدرها ووسائل الإعلام التابعة لها أو المتعاطفة معها. ومن 
ثم لا يبدو مستغريًا أن تجد عددًا كبيرًا من أفراد الحركة يردد الخطاب نفسه. 
مستخدما الكلمات المفتاحية نفسها في المنتديات والمجموعات العامة على 
صفحات التواصل ا يأتي هذا النوع من التنشئة في إطار عملية 
تأطير ثقافي (8«ند:ه5) تقوم تقوم على عدد من الجمل المفتاحية المتعارف عليها 
داخل الجماعة» منها: #يجب أن يكون الأخ بين يدي مسؤوله كالميت يقلبه 
المغسّل كيفما يشاءة؛ «الجماعة تنبذ خبثها (في إشارة إلى المستبعدين من 
الجماعة)ة؛ «الحفاظ على الجماعة هو حفظ للؤسلام نفسه6 ... وغيرها من 
الجمل التي ترسخ فكرة الطاعة من جهة» وتربط من جهة أخرى بين الحركة 
ووجود الإسلام بحيث د تتحول الحركة إلى المعبّر الوحيد عن الإسلام والضامن 
لاستمراريته 0 02600 


3- إشكالية السياسي والدعوي والموقف من الحياة الحزبية 


التعدد الوظيفي الذي رسمه البنا لأهداف جماعة الإخوان المسلمين لم 
يضع خطا فاصلًا بين الوظائف الدعوية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية 
للجماعة كما سبقت الإشارة. ولا يبدو ذلك التصور غريبًا عن الفكر والتراث 
الإسلاميين» خصوصًا في الفترة التي شهدت ميلاد الجماعة» حين اعتّبرت 


(24) عبد الله النفيسي؛ الحركة الإسلامية: ثغرات في الطريق (الكويت: دار الرييعان» 1986): 
ص 38. 

(25) نيت هذه الملاحظة على متابعة يومية لمحتوى كثير من صفحات التواصل الاجتماعي 
التابعة للإخوان مثل صفحة (إنت عيل إخواني» و(شيكة نيض إخوان»» إضافة إلى أهم المقالات 
والبيانات المنشورة على صفحة «إخوان أون لاين»: والتعليقات المكتوبة عليها. كما جرى الاعتماد في 
ذلك على قراءة بعض كتابات (بوستات) العديد من الأصدقاء الشباب المنضمين إلى الجماعة ومتابعتها. 

(26) النفيسي» ص 40-20. 


170 


الحركة خطوة لاستعادة الخلافة الإسلامية وتعبيرًا عن الطبيعة الكلية للوسلام. 
لكن. تشير كريستينا هاريس - فى تحليلها هذا الأمر - إلى أن البنا عمد إلى هذا 
النوع من الغموض والتداخل الوظيفي» واستخدمه سياسيًا بذكاء في مواجهة 
الحكومات المتعاقبة في أثناء فترة حكم الملك؛ ففي حال وجود حكومة قوية 
كان البنا يؤكد الوظيفة الدعوية للحركة لضمان استمرارية وجودهاء بينما كان 
يتحرك بصورة سياسية أنشط في ظل الحكومات الضعيفة. ومن منظور 
آخرء يؤكد البشري أن ذلك التضارب الوظيفي هو من أهم مثالب الحركة؛ إذ 
إن غياب الرؤية ووضوح الأهداف يؤديان إلى ضعف معايير المحاسبة والرقابة 
المؤسسية*©». وبصرف النظر عمّا إذا كان البنا عمد إلى هذا التضارب الوظيفى 
بصورة ذرائعية أم بناء على قناعة فكرية» فلا يمكن إنكار حقيقة أن البنا نفسه 
استشعر التأثير السلبي للانخراط السياسي في الأهداف الدعوية للجماعة 
قبل وفاته» وأقر برغبته في العودة بالجماعة إلى سابق عهدها الدعوي. وذلك 
في أعقاب الاغتيالات السياسية التي قام بها جهاز النظام الخاص في أواخر 
الأربعينيات!29©. 


مع انفتاح آفاق المشاركة السياسية منذ عام 2011» كان هناك حاجة 
إلى مراجعة أهداف الجماعة وفلسفة وجودها وموقفها من الحياة السياسية 
والحزبية. واهتم المؤتمر الأول لشباب الإخوان بطرح سؤال رئيس عما هو 
الهدف الرئيس من وجود جماعة الإخوان المسلمين» وما هو الإطار الذي 
ستتحرك الجماعة سياسيًا من خلاله في هذا الإطار» تقدم محمد شمس 
بأربعة سيناريوات ممكنة لرسم موقف الجماعة من الحياة السياسية والحزبية: 
السيناريو الأول هو الالتزام بالطبيعة الدعوية للجماعة وعدم تشكيل حزب 


() «تاعداط ءط؛ لزه ءاو8 186 «امروط ١‏ «مأسامج8 لمجه «كالمممنزولا بكنصةة! دماعطء ممتعمط 
عولا ده وملتاناتاكدآ ععبنمن1]1 102 لألوتاطبظ تعنهةاطآ 152) كصوتاف [1أطلظ دمتاتطتاكمآ ع بلمه1] ,لمورممام+8 
5 .م ,(1964 ,ععوءط لهة دمأ ءنامبع11 


)228 البشري. الملامح العامة» ص 129. 
(29) محمود عبد الحليمء الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ» رؤية من الداخل 
(القاهرة: دار الدعوةء» 1979)» 3 1: 1948-1928: .مقع/تاموعلك تطمعةنهاقل/دأمابة! ماذهط ١‏ أو//ئ ا > 
,36-45 .مم بالعطء ناا ممه رقم,21162005833منام 


171 


سياسي» حيث يكون لأفراد الجماعة الحرية في توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم 
الحزبية. هذا السيناريو يتفادى التناقض بين الأهداف الدعوية للجماعة 
والممارسات السياسية. السيناريو الثاني هو أن تلتزم الجماعة بوظيفتها الدعوية 
وتقوم في الوقت نفسه بدعم حزب سياسي يعكس توجهاتها على الصعيد 
السياسي» وبذلك تضمن الجماعة دورًا سياسيًا من دون تدخل مباشر يؤثر 
في شعبيتهاء كما أن تلك الوضعية توفر للجماعة حرية التنقل من دعم حزب 
سياسي لآخر وفمًا لما تراه ملاثمًا لأهدافها وتوجهاتها. السيناريو الثالث هو أن 
تقوم الجماعة بتشكيل حزب سياسي مع ضمان الانفصال الإداري والمالي؛ 
حيث يتمكن الحزب من التصرف باستقلالية وفقًا للمقتضيات والمتغيرات 
السياسية. والسيناريو الرايع الأخير هو أن تتحول الجماعة إلى حزب سياسي» 
وطرح هذا الأمر من مأمون الهضيبي»؛ أحد مرشدي الجماعة السابقين. المشكل 
في هذا السيناريو هو صعوبة إقناع عدد من الأعضاء بتحول الجماعة إلى حزب 
وتخليها عن وظيفتها الدعوية الرئيسة» كما أن الجماعة وفمًا لهذا السيناريو 
ستتصرف وفمًا لمنطلقات سياسية براغماتية» الأمر الذي من كانه التأثير في 
شعبيتها وحجم المؤيدين لها0. 

هناك اقتراح آخر قدّمه محمد عثمان الذي كان واحدًا من الأعضاء 
المنتسبين ومنسق حملة انتخابات أبو الفتوح الرئاسية. لم يرفض عثمان فكرة 
إنشاء حزب سياسيء لكنه اقترح أن يكون 30 في المئة من مؤسسي الحزب من 
غير الإخوان المسلمين» وأن تكون هناك حصة خاصة لتمثيل المرأة في اللجنة 
التأسيسية» وألا يقل تمثيل الأقباط عن 10 في المئة» وأن يزيد تمثيل الشباب 
على 30 في المئة. 

على الرغم من عدم تبئي الجماعة أيّا من هذه السيناريوات بصورة مباشرة» 
ساهمت حال الاندماج المالي والإداري بين حزب الحرية والعدالة - الذراع 
السياسية للحركة - والجماعة في التحول بصورة غير معلنة - أو من الناحية 


(30) مقابلة مع محمد شمس» القاهرة» بتاريخ 1 شباط/ فبراير 2012. 


12 


الفعلية - نحو السيناريو الأخير”©» حيث وجّجهت الموارد البشرية والمالية كلها 
لخدمة العمل السياسىء» أي يمكن القول إن الجماعة تحولت من الناحية الفعلية 
إلى حزب سياسي. ويشير أحد الشباب في الجماعة إلى وجود تعليمات صريحة 
لأعضاء الجماعة بضرورة الانضمام إلى الحزب وعدم حمل عضوية أي أحزاب 
سياسية أخرى. ويؤكد قائلا: «لم يكن لدى القيادة أي غضاضة في قبول عضويات 
غير فاعلة في الحزبء بمعنى أن يجري دفع أعضاء الجماعة إلى الانضمام حتى 
وإن لم يشاركوا في الفاعليات الحزبية بصورة ناشطة» من أجل التأكيد فحسب على 
أن حزب الحرية والعدالة هو الحزب الأكبر في البلاد من حيث القاعدة الجماهيرية؛ 
ومن ثم فالعمل السياسي أثْر في عقلية القيادة من حيث إعطاء الأولوية للكم على 
حساب الكيفه باعتبار أنها الوسيلة التي تحسم بها المعارك الانتخابية26©, 

يلاحظ أن الخلاف الدائر في شأن وضعية الحزب السياسي من حيث 
علاقته بالجماعة وكيفية تأسيسه شكل نقطة تباين رئيسة بين القيادة وعدد 
من الكوادر الشبابية؛ حيث قام مجلس الشورى في الجماعة» وليس مؤسسو 
الحزب؛ باختيار أعضاء الهيئة العليا في حزب الحرية والعدالة. وقال أحمد 
أبو ذكريء أحد شباب الإخوان: «إن هذه ليست الطريقة الصحيحة التي 
تؤسس بها الأحزاب السياسية». وأضاف محمد ماهر عاقل: «أنه صّدم لمعرفة 
هذا الإعلان؛ وأن هذا يعني أن قادة الإخوان لا يرون الأعضاء المؤسسين 
مؤهلين بما فيه الكفاية للقيام بالانتخابات واختيار أعضاء الهيئة العلياة. وبرر 
عصام العريان ذلك بحقيقة أن الحزب ليس لديه ما يكفي من الوقت لإجراء 
الانتخابات؛ وأنهم متعجلون للتحضير لحملات انتخابات مجلس الشعب. 
وأضاف أن الأعضاء المؤسسين للوسط والجبهة الديمقراطية عيّنوا أنفسهم 
قادة جددًا من دون انتخابات» وأن هذه الانتخابات موقتة ويمكن لأعضاء حزب 
الحرية والعدالة أن يطالبوا بانتخابات أخرى في وقت لاحق. 


(3) منطدء لمعا نم21 )د لمإمصسعتط دعطمت81 وصنملا و*لمهوطعطامع8 مرتلكن 1ل بممصدرهام5 ممممآ؟ 
0 , (أمج ) وجول( رازه «بكاتعستاساممومهة 


(32) مقابلة مع أحد شباب الجماعة: القاهرة» بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. 


173 


تجدر الإشارة هنا إلى أن المشكلة في وضعية الاندماج الكامل من الناحية 
الإدارية والسياسية والمالية بين الحزب والحركة لا يكمن في إمكانات التناقض 
بين الخطاب الدعوي والمناهج التربوية من ناحية والمواءمات السياسية من 
ناحية أخرى فحسبء وإنما في التداعيات الواردة على وضع الجماعة وشعبيتها 
في حال الفشل السياسي» وهذا ما حدث فعلا في ضوء الرفض الشعبي للحركة 
من دون تمييز بين أدوارها الدعوية والسياسية من خلال تظاهرات 30 حزيران/ 
يونيو التي اجتاحت البلاد. ويشير خالص جلبي إلى التأثير السلبي للعقلية 
الحزبية في حركات الإسلام السياسيء ويعتبر أن العقلية الحزبية عقلية ضيقة 
وجامدة تؤمن برؤية واحدة للحقيقة» وتقوم على فكرة الالتزام الحزبي الصارمء 
وعدم الخروج عنه حتى وإن اختلف مع بعض رؤى الأعضاء وقناعاتهم 
الفردية. كما أن استيعاب تلك العقلية ضمن عمل حركات الإسلام السياسي 
ساهم في حالة جمود وانغلاق فكري وعدم قدرة على التواصل مع التيارات 
المختلفة» ولم يسمح بتطوير برامجها الفكرية والاجتماعية بصورة جادة””©. 


4- إشكالية الثورة والإصلاح 


اتسعت الفجوة بين بعض أعضاء الإخوان الشباب وقادتهم بعد الثورة. 
وفي حين بادر الأعضاء الشباب إلى تنظيم التظاهرات والضغط على مبارك كي 
يتنتتىء لم يكن القادة مقتنعين حمًا بأن تغييرًا سياسيًا حقيقيًا سيجري. وقبلوا 
بأن يلتقوا عمر سليمان» نائب مبارك السابقء ولم يكونوا مقتنعين بأن مزيدًا 
من الضغط كفيل بأن يخرج الفريق أحمد شفيق من مجلس الوزراء. ورفض 
الإخوان المشاركة في عدد من التظاهرات» بينما كان أعضاؤهم موجودين في 
الشوارع في تفاعل يومي وجاهي مع شركاء سياسيين آخرين. 

يروي محمد القصاص (أحد ممثلي الجماعة سابقًا في اثتلاف شباب 
الثورة): «لم تكن الجماعة راغبة في المشاركة في الثورة منذ اليوم الأول» لكن 


(33) انظر: الشاوي [وآخ.]» ص 25. 


174 


مع اتهام النظام لها بإثارة العنف». أعلنت مشاركتها في جمعة الغضب يوم 28 
يناير؛ ولم تكن قادة الجماعة على دراية بما يحدث على الأرض من تطورات 
للحوادث؛ ولم تكن قادرة في الوقت نفسه على إدراك أن هناك ثورة حقيقية 
تحدث على الأرضء لذلك فوضت إدارة الفاعليات كلها على الأرض إلى 
ممثليها فى شباب اثتلاف الثورة ... واستمر الأمر هكذا حتى نيسان/ أبريل 
2.11 في هذه الأثناء لم تشارك الجماعة بصورة رسمية في الاحتجاجات 
القائمة» لكن كان هناك اتفاق ضمني بين قادة الجماعة والاثتلاف. وهو ألا 
تعلن الجماعة رسميًا عن عدم مشاركتها حتى وإن لم تشارك فعليًا حتى لا يتم 
إضعاف الحراك الشعبى». ويضيف: «بدأ الخلاف يظهر بين توجهات الجماعة 
والتحركات الشعبية التي يدعو إليها الائتلاف في 27 أيار/ مايو 2011. حيث 
دعا الاثتلاف إلى جمعة “ضد الفسادء. وفي ذلك الوقت كانت هناك قوى 
ثورية أخرى تدعو إلى تسمية الجمعة بجمعة ”الدستور أولًا". وعلى الرغم من 
إعلان الاتنلاف رفضه هذه الدعوة في مؤتمر مستقلء إلا أن الجماعة أعلنت 
عدم مشاركتها رسميّاء وأعلنت أن أعضاءها المنضمين إلى الائتلاف لا يمثلون 
الجماعة» كما أن هذه المظاهرات تضع (إسفيئًا) أو تدعو إلى الوقيعة نين 
الجيش والشعب. وألقت الجماعة على هذه المظاهرات ”جمعة الوقيعة“090. 
يمكن القول إنه حدث منذ هذه اللحظة انفصال بين التوجهات الثورية للشياب 
ومشاركتهم على أرض الواقع والقرارات السياسية للجماعة. 

كان موقف القيادة دائمًا أن الإخوان حركة إصلاحية تتبئّى تدابير تدريجية» 
وأن الثورة ضد أيديولوجيتها. ووفقًا لأحد الأعضاءء. فإن تغيرات مفاجئة جرت» 
والإخوان ليسوا حركة ثورية. والتغيبرات الثورية لا تتلاءم مع طبيعة المصريين» 
ونحن نفضل المناورة والضغط التدرّجي على النظام”©. والواقع أن كتابات 
حسن البنا ليست واضحة في هذا الصدد؛ حيث وصف الثورة بأنها فتنة» في حين 
أكد في يوميات أخرى أن أعظم الجهاد هو ضد الحاكم إذا لم يُجر الإصلاحات 


(34) مقابلة مع محمد القصاصء القاهرة؛ بتاريخ 1 شباط/ فبراير 2012. 
(35) مقابلة أجرتها المؤلفة مع أحد أعضاء الإخوان, القاهرة» 13 شياط/ فبراير 2012. 


175 


المطلوبة. وقناعات البنا المتعلقة بالثورة غامضة» ومن غير الواضح كيف سيطيّق 
النظام الإصلاحات الجذرية التي يدعو الإخوان إليها من دون ثورة أو ضغط 
قويين» وهل سيدعم الإخوان الثورة إذا حققت مطالبهم أم ل00. 

يستخدم كثير من الأعضاء والقادة المقاربة التدرّجية الخطية التي تبدأ 
بالأفراد وتنتهي بالخلافة الإسلامية» للتعبير عن موقف الإخوان المتشكك تجاه 
التغيبرات الثورية. بعبارة أخرىء إن مسرح إصلاح المجتمع لم يجهز بعد 
لذلك ينبغي ألا تتسرع الحركة في إصلاح الدولة؛ فوفقًا لما يراه مجدي سعده 
فإن مبررات القيادة في مهادنة السلطة السياسية ومؤسسات الدولة كانت تصب 
دائمًا في ضرورة عدم التعجل والانصياع للدعوات الراديكالية» والالتزام بالنهج 
التدرجي الخطي للإصلاح؛ حيث لم تنته مرحلة إصلاح المجتمع التي يمكن 
بعدها الانتقال الى إصلاح الدولة والمؤسسات©. 


انعكس ذلك في اللهجة الهادئة التي تبنّتها الحركة من الانتهاكات التي 
مارسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال حوادث مجلس الوزراء 
وشارع محمد محمود؛ وحوادث ماسبيرو» وممارسات الكشف على العذرية. 
ورفضت الحركة المشاركة في احتجاجات شعبية قامت ضد حوادث مجلس 
الوزراء وشارع محمد محمود. 

واكب تلك النظرة شعور بقدرة الجماعة على السيطرة والحشد الشعبى 
لمواجهة أي انقلابات ضدهاء وهذا ما أشار إليه أحد الكوادر الشبابية المقر 3 
من خيرت الشاطر وأكد (أن الجماعة هى الأكثر تنظيمًا والأكثر قوة» بل الأكثر 
ديمقراطية على الصعيد الداخلي» وهي الأجدر بالتعامل مع كل المشكلات 
في البلاد وإدارتهاء حيث لا يوجد فصيل سياسي - على حد تعبيره - على 
هذه الدرجة التنظيمية العالية والشعبية الكبيرة حيث يمكن التعاون معه في 


(36) طارق البشري» الحركة السياسية في مصرء 1953-1945. ط 2 (القاهرة: دار الشروق» 
02 ). ص 125-124. 
(37) مقابلة مع مجدي سعده القاهرة» بتاريخ 8 كانون الثاني/ يناير 2012. 


1/6 


إدارة أمور البلاد»2) وهو تصور لم تدعمه الحوادث» مع خروج التظاهرات 
الحاشدة ضد الجماعة في 30 حزيران/ يونيو» ومع تراجع التعاطف الشعبي 
مع الجماعة وقادتها على الرغم من حجم الخسائر البشرية التي تعرضت 
لها الجماعة والمعارضون للانقلاب العسكري خلال المذابح التي ارتكبها 
المجلس العسكري والشرطة في ميداني رابعة العدوية والنهضة. 


ملاحظات ختامية 


إن الاستناد إلى متغير السن كمدخل لفهم الاختلافات والتباينات الفكرية 
بين أعضاء الجماعة غير مجد مقارنة بغيره من المتغيرات التي ترسم مساحات 
فكرية مشتركة» مثل المصادر الثقافية والعامل الطبقيء والانتماء الريفي 
والحضريء وحجم الخبرة والمشاركة السياسية. في هذا الإطار» يرى حسام 
تمام أن الانتماء الريفي في ما سمّاه «ترييف الإخوان» وتغلغل الخطاب السلفي 
في بنية الخطاب الديني للجماعة (تسلّف الإخوان)» والقيود الأمنية التي فرضتها 
الدولة هي من أهم العوامل التى ساهمت في بروز الفجوة الجيلية بين القادة 
العليا والوحدات الجيلية المنوّعة داخل جيل الشباب. ويبرر تمام ذلك بأن 
الثقافة الريفية ثقافة محافظة بطبيعتهاء وساهم اتساع مصادر التجنيد من القواعد 
الريفية في دعم التوجهات المركزية للقيادة» وقبول خطابها الوصائي9©. 

في واقع الأمر؛ لا توجد بيانات أو إحصاءات يمكن الاعتماد عليها في 
التأكد من صحة اتساع مصادر التجنيد الخاصة بالحركة في الأرياف والقرى» 
وأغلب الظن أن الحركة اعتمدت في قواعدهاء خصوصًا المنضمين إليها من 


(38) مقابلة شخصية مع أحد المسؤولين التنفيذيين عن مشروع النهضة (المشروع الرئاسي 
للحركة)؛ القاهرة» 20 شباط/ فبراير 2011. 

(39) عن ترييف الإخوان. انظر: حسام تمّامء ترييف الإخوان (القاهرة: مكتبة الإسكندرية. 
وحدة الدراسات المستقبلية» 2)2011) ص 12-1.ء. وخليل العناني» الإخوان المسلمون في مصر: 
شيخوخة تصارع الزمن؟, تقديم محمد سليم العرا وضياء رشوان (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية» 
7 » ص 304. 


177 


الشباب منذ الثمانينيات» على شرائح المهمّشين من الشباب الجامعبين الذين 
انتقلوا من الريف إلى الحضر لاستكمال دراساتهم الجامعية. واستٌوعب هؤلاء 
في المناصب القيادية الوسطى والأدنى ضمن الإطار المستند إلى معايبر الولاء 
والطاعة الذي بدأ مصطفى مشهور ومأمون الهضيبى يشكلانه. وتجدر الإشارة 
هنا إلى أن ثنائية الريف والحضر لا يمكن أن تعر وحدها عن الحالة المؤسسية 
للجماعة» فالإطار التنظيمي القائم على مركزية القيادة والانصياع لها وضعته 
قادة نشأت في المدن. بل إن لأغلبيها جذورًا عائلية برجوازية. 

كانت هيمنة الخطاب السلفي مدخلا لنفور كثير من الشباب من الخطاب 
الديني والتربوي للحركة» وللخروج إلى مساحات فكرية ودينية أخرى. وكما 
تشير استقالة أحد شيوخ الأزهر المنتمين سابقًا إلى الحركة» فإن الجماعة تعاني 
على صعيد المناهج التربوية والدينية التي اعتمدت على مجموعة من القراءات 
الضحلة. حتى إن كثيرًا من الأعضاء الشباب لم يُحصّل إلا التزر اليسير من 
السيرة والفقه*»» ووضعت الحركة نفسها بديلا من المؤسسات الدينية» وفي 
مقدمها الأزهرء في ما يخص الوعي الديني والدعوة؛ وعلى الرغم من ذلك لم 
تقم بأيٌّ من تلك الوظائف على النحو السليم؛ فالخطاب الذي قدّمته مناهج 
الحركة لم يختلف عن المدرسة الوهابية في التركيز على الجوانب الشكلانية 
الدينية» ولم يتفاد شعبوية الخطاب الديني التي سيطرت على الساحة الإعلامية 
العربية. 

هذاء وجعلت هيمنة الخطاب السلفي الكثير من القواعد الشبابية للحركة 
أكثر ميلا إلى تبئّي الرؤى السياسية والفتوى المطروحة من بعض رموز الحركة 
السلفية في مصرء ما ظهر في محتويات مواقع التواصل الاجتماعي غير الرسمية 
التي تعر عن توجهات قطاع من الشباب الإخواني ك (شبكة نبض إخوان» 
و3إنت عيل إخواني». 

(40) نص استقالة الشيخ محمد سعيد. انظر: محمد عبد البر الأزهري» (استقالتي المسببة من 
جماعة الإخوان المسلمين» (متاح على صفحته الشخصية على الفيس بوك بتاريخ 9 آذار/ مارس 


2002 


108 


تجدر الإشارة كذلك إلى أن من غير الممكن إصدار أي تعميم في شأن 
ما إذا كان «العامل الطبقي5» مثل الانتماء إلى البرجوازية الإسلامية أو الطبقة 
الوسطى أو الشرائح الاجتماعية الأدنى أو العامل الجغرافي (ثنائية الريف 
والحضر)ء يمكن أن يفسر التوجهات الخاصة ببعض أعضاء الحركة نحو 
التسلّف؛ فعلى الرغم من وجاهة هذه العوامل وقدرتها التفسيرية العالية» 
فإن غياب البيانات المتعلقة بعضوية الجماعة ومصادر التجنيد والانتماءات 
الجغرافية للأعضاءء وغيرها من المعلومات الديموغرافية» يُصعب إمكانات 
التعميم والوصول إلى نتائج في هذا الشأن. وربما تشير الخريطة الاجتماعية 
والاقتصادية المبدئية لأسماء الرموز الشبابية الأهم - على سبيل المثال محمد 
القصاص وإسلام لطفي ومحمد أبو الغيط وإبراهيم الهضيبي ومصعب الجمال 
وماهر عقل ومصطفى النجار - الذين استّبعدوا من الجماعة؛ إلى بروز العامل 
الحضري والانتماء إلى الطبقة الوسطى أو الوسطى العليا فى تبئّى خطاب 
سياسي أكثر انفتا حا ومغاير لخطاب الجماعة. وعلى الرغم من ذلك لا يمكن 
إسقاط الواقع الاجتماعي والاقتصادي لتلك الشريحة المحدودة على باقي 
القطاعات الشبابية للجماعة» خصوصًا أن مستوى الخبرة السياسية والوعى 
الثقافي والانخراط في المجال العام لتلك الفئة أهم من الناحية التفسيرية» وهو 
ما قد يتوافر لدى كثير من شباب الإسلاميين من الريف أو من صعيد مصر أيضا. 

من الأهمية التشديد على أنه في الوقت الذي كانت شرائح شبابية منوّعة 
في الجماعة تشارك في العمل السياسي من خلال الحملات الانتخابية للحركة 
والنشاط الطالبي في الجماعة» كانت القيادة العليا إما في السجون وإما في 
حال هروب من البطش الأمني أو في مفاوضات مع النظام السياسي في شأن 
مساحات المشاركة السياسية المسموح بهاء وهو ما عبّر عن وجود فجوة في 
نوعية الخبرة والتوجهات السياسية””*. وكانت هناك شرائح أخرى من شباب 


)241 حسام تمام» تحولات الإخوان المسلمون: تفكك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم (القاهرة: 

مكتية مديولي.ء 2010). ص 52-6. و 8 07 طعتةء5 هأ لممطعطام8 صملا ع15» ,تمقمف-اخ اتلمط] 
/601105.012ككنات, الابجاب0 التجااط> ,(2009 «عطاماء0) 9 .أ0؟ ,نرعمامءف] اكتممأوا [١‏ عمع<1 ابرعجريت «رطتوط بجعل«ة 
<تطاهم - اعم - 8 0- طععمعة- وذ - لمع لت مط وصنهه زه طاا تماء للا ءجمعوعر 


179 


الجماعة لا تطلع إلا على مقرراتها التربوية» وتعتمد في ثقافتها على الخطاب 
السلفي الشعبويء, الخطاب المتداول داخل الحركة أم خارجها. كما كان هؤلاء 
الشباب يلتزمون حرقيًا بقرارات الجماعة كلهاء ولا تتخطى حدود التواصل 
الاجتماعي الخاصة بهم حدود الأسر الإخوانية وبعض المعارف والأقارب 
المنضمين إلى الجماعة أيضًا. ومن ثم ظهر التناقض بين قيم العزلة في مقابل 
الانفتاح» والشك والاستقطاب في مقابل الثقة والتعاون» والبراغماتية والمهادنة 
في مقابل الثورية والحسم. يضاف إلى ذلك تهميش القيادة الوسيطة التي 
انخرطت في الممجال العام والعمل النقابي» وكان من الممكن أن تؤدي دورًا 
في تجاوز الأزمة الجيلية بين القادة والشباب2». 


تجدر الإشارة إلى أن ثقافة السرية والبنية التنظيمية الصارمة لحركة 
الإخوان المسلمين ساهمتا في حدوث انفصال شعوري بين القيادة العليا 
والقيادة الوسيطة والرموز الشبابية الأكثر حركة وانخراطا في المجال العام؛ 
فالشكل الهرمى المركزي والانتخابات غير المباشرة قضت على مساحات 
التداول والإبداع في الحركة» إضافة إلى عدم القدرة على استيعاب المهارات 
الفردية الخاصة ببعض الكوادر الشبابية. ويلاحظ أن غياب الشفافية كان نتاجًا 
طبيعيًا بسبب الضغط الأمنى الذي تعرضت له الجماعة. وأدت ثقافة السرية 
إلى تدعيم قيم الولاء والطاعة لمصلحة القيادة العلياء الأمر الذي كان يَُسَّر من 
منظور ضرورات احترام البيعة للمرشد الأعلى للجماعة» وعدم الخروج عنها. 

على الرغم من التنويعات الجيلية - التي قد توصف بالمتصارعة - داخل 
الجماعة» لم تشهد الجماعة حتى الآن تصِدَّعًا أو انشقاقًا من شأنه القضاء على 
التماسك والوجود التنظيمي للحركة. ويحدد إبراهيم الهضيبي أسباب هذا 
التماسك على مدار تاريخ الجماعة في: 

(42) أمثال عبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني وجمال حشمت ومختار نوح وأبو 
العلا ماضيء إضافة إلى محاولات احتواء الآخرين ضمن خطاب الجماعة من خلال الاستيعاب في 


العضوية الحزبية أو عضوية مكتب الإرشاد كما في حالة عصام العريان. مقابلة شخصية مع إسماعيل 
الإسكندراني, القاهرة» بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 


1530 


- التزام الجماعة النهج السلمي وعدم اللجوء إلى العنف للتعامل مع 


- كيل والبطش المستمران على أيدي النظم السياسية المتعاقبة» ما أوجد 
حالا من اللحمة والتعاضد بين أعضاء الجماعة لتفادي السقوط أمام النظام؛ 

- عمومية المبادئ العامة للحركة وتعاليم البنا التي أوجدت قدرة 
على استيعاب الكثير من التوجهات الفكرية وتفادي مساحات الصراع 
والاختلاف(43, 

أصبحت وجاهة هذه الأسباب على المحك عقب الانقلاب العسكري في 
مصرء ما يستدعي المزيد من التأمل والمتابعة لفهم الإطار التنظيمي المستقبلي 
للحركة وحدود انخراطها في العمل السياسي ومدى استطاعتها المحاقّظة على 
صورتها ومكانتها على المستوى الشعبي. 


المراجع 
1 - العربية 


كب 
البشري. طارق. الحركة السياسية في مصرء 1945 - 1953. ط 2. القاهرة: دار 
الشروق. 2002. 
. الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر. ط 2. 
القاهرة: دار الشروق» 2005. (في المسألة الإسلامية المعاصرة) 
تمّام» حسام. تحولات الإخوان المسلمون: تفكك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم. 
القاهرة: مكتبة مدبولي» 2010. 


. ترييف الإخوان. القاهرة: مكتبة الإسكندرية» وحدة الدراسات 
المستقبلية») 2011. 





(43) محاضرة غير منشورة لإبراهيم الهضيبي» في الجامعة الأميركية في القاهرة. 


151 


الشاويء توفيق [وآخ.]. الحركة الإسلامية» رؤية مستقبلية: أوراق في النقد الذاتي. 
تحرير عبد الله فهد النفيسي. الكويت: [عبد الله فهد النفيسي]؛ 1989. 

عبد الحليم» محمود. الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ» رؤية من 
الداخل. القاهرة: دار الدعوة» 9 ج :: 1928--1948. 

عبد الستار» السيد. تجربتي مع الإخوان: من الدعوة إلى التنظيم السري. القاهرة: 
الزهراء للوعلام العربي. 9. 

عبد المجيد. أحمد. الإخوان وعبد الناصر.. القصة الكاملة لتنظيم 1965م. متوفر 
على موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمون: <حسمه.نت«مدعط ا دسم /نجاط>. 

العناني» خليل. الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن؟. تقديم 
محمد سليم العوا وضياء رشواتن. القاهرة: مكتية الشروق الدولية» 2007. 

غانم» إبراهيم البييومي. الفكر السياسي للإمام حسن الينا. القاهرة: دار التوزيع 
والنشر الإسلامية» 1992. 

القاعود. إبراهيم. عمر التلمساني شاهدًا على العصر: الإخوان المسلمون في دائرة 
الحقيقة الغائبة. تقديم عمر التلمساني. القاهرة: المختار الإسلامي» 1985. 

القرضاوي» يوسف. الإخوان المسلمون: 0 عاما فى الدعوة والتربية والجهاد: 
مناسبة مرور سبعين عامًا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين (وخمسين 
عامًا على استشهاد مق سس الجماعة حسن البنا). القاهرة: مكتبة وهبة» 


09 . 
النفيسي. عبد الله. الحركة الإسلامية: ثغرات في الطريق. الكويت: دار الربيعان. 
6. 


2- الأجنبية 
28200 
.3 .عه1آ 5و1 أقنامتة :02111 ,مأام ملو .نروماماع 50 زه ممعاناعغ][ [2 71 


6 ,عض1] 5ع ا 1 [قنالكاتث :1 أأو) ,مأأة مأوظ . 


كاكتامهأ5طآ مول( ءا 0:14 أمبروط نجوءط اناا «ه[كط .تمعتتائك/لا لممصحومظ رمعلمط 
.3 ,ؤوعء2 بوازوء8197ل] لتقضداط :خالا ,عع 10 ط سد 


12 


اعتجهأكط-اعم عطا هسه كارع تعصطماط أملع30 نعلو مجء8 #«بداكا عنتطمللط أععهة اأوزوط 
هذ 165لنا5 0:مكسمقا5) .2007 رووع2 واأواع لالدلا 0مأمماد :.02111 ,ل:ه0كتتقاذ .21 
(كعتناانن) لتتة تعتاعاع80 عتدهدأذ1 لمة مرعامدظ 111001 


6 إن عأمطظ 18 «امنروط جنا «مسامبع1 2:6 «#كنلع مله .وماعطط هستادوتئط0 ,وتسقلط 
عقبلا هه نرمتاتنطتاكما عع 1100 102 لعطعتاطسط :تعدهوجط ع1" .مممريءطنصظ :اموز 
(025قاقء 1 أطنا© 0و تا بطتاكهآ عء110017) .1964 رععوعط لتنة مانام ع1 


11571 انه 5/216 71:6 صميطانت :نعللاو أاكتنماكط! عدما فطاع .وجلهذ ,اتقسةآ 
أققظ 15010016 تنعل1540 2ه بصنورطارآ) .2003 ,كعناة1” .1.8 عأرمل؟ بجول بوملدمآ 
(19 جوع1لناهة 

اجاتقاء بالدنا 010:0 تسصملومآ ,كه اتصب8 اناب ماه بووزعءم53 776 ,2 لمقطاعنظ8 ,لأعطعاتا8 
(9 زقطمقع114020 معافمط ع311001) ,1969 ,موععط 


لمعءتنتاوط مجه أمعتهمامعل1 176 :1داك اهنا 71ع0 كل ءزرجيهأاد[ أوء :100 .5 لقتصطفم ,لتللهوديه81 
.06 ,انالا 8 ك0 تمع 1أدالآ سدع اتعسط التساع8 ,18نا0) فأبرج 0/5 كلام 215 


,8402111115 أموزع50 :اذ أعجوععه2 .(.كلء) عاعوع سا د5انامآ لهة .8 لمقطاعن8 ,17 1اعلم1 
4 ,ذ5قة21 1ل :.هنا0ن) ,نآء ا التمععء و .موعن 04ت كك 1ألام0 


586لا قة لصة 050بتاععه1 بج 1! هج ذا[/ة؟ .اوعاوبظ جوأيرورم 0114 ترهمأوء12 .عع دمع ,1106 
اهعفن طرءه1! 1ه واأممع لالدلا :28111 أعمقطن) .عتزف؟! .ل بزءبصمدة] برط رطمدو5و1ائ8 
.5 رووعوط 


هأ .5أ0؟؟ 17 .كععتعاع3 أمأاعم3 ع8[ كه مالءممأعتو رط 17712712110101 .(.لع) ..آ 12310 ,15اأك 
1968-1991 رووعءط عع1*2 200 .00) سقااتسعدةآ 1 بجولر .8 


6 0 1(مأكم7ظ 776 «كرءطاصعة ١لأعبطاط‏ 0 52/772240 776 .تمقكندة1 ,تتقسصسة1” 
اسلا 116 انان «استإهلد5 إن عاتأكلا 1116 م2 ععأععطامصوط ‏ أمادت 1710271 
تقاأكلسة علط .ععانملن) زه ك«مأدصيم عمعا 1:6 2:4ه كطنوظ 116 عمو بعطاورهة 
(1 باعلطمصوط لعج اعم ععء2 وموامطعذ ن .لعكقمد]/8) .2011 بقمساملموعيء لم مععطام أ اطز8 


,الو 0أ0ع1[2 0تنه أطتره همس ط-اه مجه :80112004 :اأعياط :711 1 .1آ وتوطموظ ريعصاام2 
(تهاذ] لمعغتاه2 نز 5ع50101 عع لع 1ه 1) .2009 ,ععلع نم18 عإر0ل؟ بجعل2 بمملهدمآ 


كأوء وسور 


«.لومطمعطامم8 ستامساة ع1 تنععتستامبك؟-لة موجطط]- لف .81 لأعدمنسه ب,سمتعوظط-اتامطةف 
.2003 أذناونلت - '17ئال ,4 .0< ,83 .آمب :وزيب بورم ا اءق1 


1١14‏ <ططنة2 بنع71 8 01 طععقعءذ5 مذ 000تعتطامج8 وعدملا عط1» .اتأقطكا ,تمممفداهف 
,009 01065 ,9 .701 :بترومامع2! اكته !ع1 :أ 1105 


3ظ1 


[ه نروماماء30 11 10 لم117 جتنت :عأممانة 27:4 ج«رومامء10 .انفكا ,تمتعطمصمداة 

بأكنامع5ة11 نكاأقملا بله[8 .مه 300 معتاطنك1 بطعرعة1' ,انة2 .1 :«ملهمط .ععلءاسمن1 

لإطأمهكهاتط2 ,نووم امطءووط غن بصوعطنط أهتده تع نمل) .1952 ,لإمممدمه2© لمح ععو8 
(00طاعء84 علتامعاء5 لسمة 


تستأاكسطلا عتاممعمتدية1 م145 د عاءء5 دعوع810 مقتامو8 عسرملا» طمء105 ,دمالزاد/1 
,8 .80 ,28 .701 :مرك أممط 1:04 دده مومعل ماع د«تؤكة1! «.لممطعطامط 
,2009 عت طاتوع ج800 


«الإعوععآ لعدلة معلمنآ مث :كه2200عتء) 1ه 7يه5001010 5 تمأعطممة81)» .عمو بوعطء1ازم 
.1994 عع تاأتمعامء5 ,3 .20 ,45 .701 :85 


70 :عزاو إن ناواتاع 11 «وهلاتمقء12 3 :5ع 1ل20 سز وممأأووعدء0) خ» للأصدك8 بدأمامت]1 
0610565 ,(15500 لإكقكطء /الاكلنث 111 1-جانء /113) 4 .120 ,25 


أمء ماما انمء 4711 «.قمهأوقعدء0) 01 بمعاطمع2 أمعلرماول عط1» .8 مهام ععاامه 
6 6م1266 ,5 .120 ,7701.78 :واج 


[ه771لامل [7161107:4 1711 «.ق 022221100 01 بذ عطا دا دعنادك1» .8 مقتلائنآ ,للم" 
0 ,80.3 ,1 .701 :1ت 1«جرواعنك(] تتمتلاط 1ه 


015 101112608قضة1' عط 0هة ,رخأتم ط0)-11120 ,0280085 21ع8011)» ,لإ سدل1 بعلملا 
061055 ,5 .20 ,62 .701 :مواطعغط أمءنعومامئء50 م47:25 «.كالع د 1107 50121 
1997 


ع لأعنال عأععنتاد اقمععاصا 5ل00ط1عطاوم8 مستأكيطا8 عط :111 صمدت2» .ممقطتوظ تعمصاام2 
إه [7714نامل أمهانم له تجعادط «.1954-1971 ,0 ماتاعععء2 5:ععؤقولة أعلطة أدهد 
7 ,3 .20 ,1.39١؟‏ :عع زمننائ اعوط ء[24:00 


200 
لعطةاطنامهنا) «.م همه تسدع01 0) بصمعط؟' دده أذنصمةاك1 أوه50» .1ن13هذآ ,تسصتلصمعرء ام - ام 
.2011 جتعامع © 500165 275 مرعالةف طورم عه عوط 


أوللقطأل 05 5أذلزلوضة أقنطوعنام 00 اسه لمع1رماذل مخ :005 لاتكزّج5» .(1 طوعوم[ عاعده8 
.00 ,انوع كنضلا ماما تإعالوا لصورن ,متوعط؟” شابل8 «بصمعط 1" 


طعا 71/0:10-5 ى :مم0 1115602121 لسة 171275 عدمل)» .ف .28 1أمه) بطاعوطدمةد1 
أقعتهعهأمقطاعةء1" عمقولطء:811 ,كعءمواء5 أواء50 01 امعسعدمء12 «طاعقمئمموم 
.1995 #ءطتمعامء5 ,111 رقمغطع نا10] ,إأتوء لملا 


لهة طععوءدع1 أممط 1541001 «.ععدمىءط0:6) صا وتعطامع8 عمناملا» .مم13 ,طعميآ 
نباعء زوع مم اأقسعمكمآ 


154 


المصادر الشفوية 
مقابلة شخصية مع عبد المنعم الفتوح» القاهرة» بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2012. 
مقابلة شخصية مع محمد القصاص (أحد المسؤولين عن قسم الطلاب في الجماعة 


سابقّاء وأحد مؤسسي حزب التيار المصري)» القاهرة» بتاريخ 1 شباط/ فبراير 
2. 


مقابلة شخصية مع محمد شمسء القاهرة» بتاريخ 1 شباط/ فبراير 2012. 

مقابلة شخصية مع محمد شمسء القاهرة» بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2012. 

مقابلة شخصية مع مجدي سعد القاهرة؛ بتاريخ 18 كانون الأول/ يناير 2012. 

مقابلة شخصية مع إحدى العضوات في الجماعة» القاهرة» بتاريخ 13 شباط/ 
فبراير 2012. 

مقابلة مع امرأة عضو في الجماعة وحزب الحرية والعدالة» القاهرة» 20 شباط/ 
فبراير 2011. 

مقابلة مع أحد شباب الجماعة؛ القاهرة» بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. 

مقابلة أجرتها المؤلفة مع أحد أعضاء الإخوان, القاهرة» 13 شباط/ فبراير 2012. 

مقابلة شخصية مع أحد المسؤولين التنفيذين لمشروع النهضة (المشروع الرئاسى 
للحركة»)؛ القاهرة» 20 شباط/ فبراير 2011. 

مقايلة شخصية مع إسماعيل الوسكندراني» القاهرة» بتاريخ 0 تشرين الثاني/ 
نوفمبر 2011. 

محاضرة غير منشورة لإبراهيم الهضيبي» في الجامعة الأمريكية في القاهرة. 

مكالمة هاتفية مع مصعب الجمال (أحد الأعضاء السابقين في الجماعة وأحد 
مؤسسي حرب التيار المصري)» القاهرة. بتاريخ 7 آذار/ مارس 2012. 

نص مكالمة هاتفية مع مصطفى النجارء القاهرة» بتاريخ 18 آذار/ مارس 2012. 


نص إجابات امرأة عضو في الحركة جرى التواصل معها عبر «الإيميل؟» القاهرة» 
بتاريخ» 28 شباط/ فبراير 2012. 


الورفة السادسة 


إشكالية التاريخ الشفوي وبناء الذاكرة 
في المجتمعات التعددية 
الخبرة اللبئانية (2013-1975) 


طوني جورج عطا الله 


مقدمة 


ما العمل كي يستفيد لبنان والبلدان الشبيهة بتركيبته من التجارب التاريخية 
الأصيلة التي عاشتهاء فلا تعيد هذه البلدان إنتاج حروبها الماضية في الحاضر 
والمستقبل؟ كيف يمكن تجنيبها آلية تكرار الماضي الأليم بخلاف ما يقوله مثل 
عربي شائع: إن «التاريخ يعيد نفسه0. 

عادةٌ تترجم المجتمعات توبتها القومية واتعاظها من النزاعات الداخلية في 
محتوى الذاكرة الجماعية والتاريخ الشفوي وفي برامج الثقافة والتربية المواطنية. 

يُترجم هذا الإدراك في طقوس الماضي المختلفة ورموزه باحتفالاات 
ومهرجانات ومناسبات وأنصاب تذكارية تُعبّر عن فوائد التضامن ومآسي 
الانشقاقات وكلفته. تهتم جمعيات ومنظمات غير حكومية بهذه الطقوس 
وبإعداد أفلام وثائقية ومتاحف بلدية» كجزء من عمل مكمّلء لأن الفرد لا يتعلّم 
تاريخ بلده من كتب التاريخ المدرسية فحسب»ء بل من المحيط الاجتماعي 


157 


والعائلي» في الشارع والحي والعائلة وروايات الأهل والجدود ووسائل الإعلام 


تكمن مشكلة التاريخ في لبنان» وربما في العالم العربي» في أن التاريخ 
ملقّنء في حين تنتقل ذاكرة وذاكرات مشوّهة ومجتزأة من خلال المحيط 
المعاش» ولا سيما ما يُنقل منه شفويًا. 


التاريخ الشفوي ليس مادة ضرورية في لبنان اليوم لاستعمالها في تدريس 
تطويرها بين عامي 7 و2002. وهذا الفرع من علم التاريخ. في مفهوم 
برامج التاريخ اللبناني الجديدة وفلسفتهاء لا يوازي بأهميته المصادر التاريخية 
المكتوبة. ثمة ضعف شديد أو حتى غياب تام للتاريخ الشفوي في الاستعمال 
باعتباره أحد مصادر تدريس التاريخ. في حين يظهر الواقع أن التاريخ الشفوي 
قادر على كشف الغموض والالتباس في يعض الموضوعاتء ويُعطي فرصًا 
للشهود ولجميع أفراد المجتمع في الإدلاء بالمعلومات المتوافرة لديهم» ضمن 
شروط أبرزها صحة هذه المعلومات وصدقيتهاء ما يساهم في إيجاد مضامين 
تاريخية جديدة: أكثر فاعلية ودقة وتأثيرًا. وتاليًا ربما تكون أكثر إقناعًا وجذبًا 
للمتعلّم من التاريخ المكتوب فحسب الذي يضعه المؤرخون التقليديون. 

التاريخ في لبنان قعدب جامعي هو فرع من العلوم الإنسانية» لكنه 
كمحتوى كان مرتبطا بالحكام والعلاقات الدولية والدبلوماسية وبالذوات 
والوجهاء والأعيان» بينما يغيب الناس عن هذا التاريخ على الرغم من أنهم 

يتطلب تبدل مقهوم الحرب التقليدية بين الدول تطوير المقاربات 
التاريخية؛ فبينما كانت الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الأولى لا تتخطى 
0 إلى 20 في المئة» تطورت في الحرب العالمية الثانية إلى أقل من 50 في 
المئة وفي حرب فيتنام إلى حوالى 0 في المئة وقاربت في حروب لبئان 


158 


حوالى 90 في المئة. وبما أن التاريخ هو من الإنسانيات» فمن الأهمية أن يهتم 
بضحايا الحروب كجزء من التاريخ» وكي تتعلم المجتمعات من تاريخها وليس 
دائمًا فيه. هذا التبدّل في طبيعة الحروب أدى إلى حصول تطور كبير في العالم 
في قراءة التاربخ وروايته وكتابته أيضاء بينما بقي التاريخ في الدول العربية غاليًا 
خارج العلوم الإنسانية. أفلا يستحق المقتولون أن يكونوا ضمن التاريخ» وهل 
التاريخ هو للقتلة فحسب؟ 

ألا يكفي ذلك كله لاعتبار المدنيين من التاريخ؟ من هنا تبرز الحاجة إلى 
جمع التاريخ الحي والشهادات والروايات المّعاشة عن الحروب وتوثيقهاء 
وإنتاج مختارات عن تاريخ الناس والتاريخ الإنساني و«تاريخ الضحايا 
والمقتولين»» على حد تعبير الرئيس تقي الدين الصلح. 

يؤدي المؤرخون العرب غالبًا وظيفة قضاة. في حين أن المؤرخ ليس 
قاضيًا. المؤرخ هو باحث ومحقق يعرض الشؤون التاريخية الخلافية من خلال 
وسائل متنوعة» وربما متناقضة» تاركًا للمتلقي أن يبني اقتناعاته وتفسيراته 
وشكوكه واستقصاءاته. لذلك تبرز الحاجة إلى التاريخ الشفوي كي لا يظل 
التاريخ المكتوب وحده المسيطر على المقاربات التاريخية. 

يقتضي تاليا التركيز على الوقائع وعدم محاولة فرض رأي المؤرخ على 
الناس وتركهم يكوّنون قناعاتهم بأنفسهم. إن التاريخ المُلقّن بصورة الفرض» 
أو في شكل مجتزأء لا يثير القناعة الذاتية بمضمونه» ويؤدي إلى نتيجة عكسية 
حيث تتنامى ذاكرات مشوّهة. 

من المفيد التوسع في مفهوم التاريخ؛ إذ في الأغلب كانت دراسة التاريخ 
في لبنان نزاعية تبحث عن أقل ضربة كف وقعت في تاريخ لبنان لإقناع من 
لا يريد أن يقتنع أن العيش المشترك والهوية المشتركة مستحيلان» أو يجري 
التفتيش عن أسباب في الفروق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تبريرًا 
للنزاعات أو رفعًا لمسؤولية اللبنانيين وتملصًا من العمل لتجتّب تكرار الحرب. 
وفي هذا السياق فهم كثير من اللبنانيين كتاب غسان تويني حروب من أجل 


1569 


الآخرين بأنه «حروب الآخرين على أرض لبئان6 خلافًا لروحيته» وتبرئة للذات 
بينما جميع اللبنانيين مسؤول عما حصل. في حين أن السلم الأهلي يعني رفض 
أشكال التقاتل كلها بين اللبنانيين» أو مجرّد التحريض عليه وتبريره والتنظير 
لأيديولوجيا الاختلاف بين اللبنانيين. 


من واجب الذين بقوا أحياء بعد سنوات الحروب تجاه الجيل الجديد أن 
ينقلوا ما حصل لبناء ذاكرة لبنانية جامعة لأنهم المؤرخون والشهود الحقيقيون. 
وهذا علم جديد نحتاج إليه في لبنان وفي بلدان أخرى تمرّقها النزاعات 
الداخلية» لأن آليات نقل الخبرات الحضارية على المستويين الثقافى والتربوي 
بين الأجيال في لبنان والمنطقة العربية معطلة. وهذا عامل تخلّف. ‏ 


أولًا: ما هي الخبرات المتراكمة في مجال تعليم التاريخ؟ 
لا تفي الخبرات اللبنانية المتراكمة في مجال تعليم التاريخ في إدخال 
القناعة التامة إلى التلامذة المتلقين بصوابية المنهجية المعتمدة» حيث يحفظ 
التلميذ غيبًا دروس التاريخ لإفراغها في الامتحان» ثم ينسى كل ما تعلمه. 
ويبقى راسحًا في ذهنه التاريخ الشفوي فحسب الذي يتعلمه في البيت والشارع 
والبيئة. ولهذا الانفصام القائم أسباب عدة» أبرزها: 


تكتب عبارة على كتب التاريخ المدرسية أو على المؤلفات المتخصصة 
بالتاريخ» تشير إلى أنها «تاريخ لبنان»» في حين أن هذه الكتب لا تروي 
تاريخ لبنان بل جزءًا منه هو جبل لبنان» بسبب دوره المحوري. تريّت أجيال 
وتخرجت على هذه الكتب» وكانت بحاجة ل مصالحة مع المكان والتاريخ 
والآخر والهوية» ومن خلال تاريخ الشوارع أيضًا. يفتقر اللبناني غالبا إلى إدراك 
شامل لمساحة لبنان كلها. تعليم التاريخ في أي بلد من بلدان العالم ينطلق من 
الجغرافيا لتدريس التاريخ. عندما كان يُسأل ابن جونيه عن الوضع الأمني» كان 
يجيب بأنه جيد» بينما كانت تجري اشتباكات في الجنوب أو الشمال. 


0ظ1 


ثمة حاجة إلى تعليم الحوادث المهمة بتفاعلاتها في المناطق كلها! في 
القراءة عن حوادث عام 1860 يبدو كأنها حصلت في دير القمرء علمًا أنه 
كان لها تأثيرات عدة في باقي المناطق (تهجيرء غلاء أسعار... إلخ). في تاريخ 
سويسرا توصف الحوادث وتفاعلاتها في المناطق كلها (التأخر الكبير في 
وصول البريد والمراسلات» ارتفاع سعر المواد الغذائية... إلخ). 

في لبنان» يكتب دائمًا المؤرخون عن تاريخ السلطة والحكام. ويدرس 
التلامذة في كتب التاريخ المدرسية عن الحكام الذين كانوا يقمعون الثورات 
والمعارضينء وبالتالي يضع المؤلفون هذا القمع في باب الإنجازات. 
لكن حين يسأل تلميذ ما إذا كان ذلك الحاكم استمع إلى الناس أو أجرى 
إصلاحات» كان الأمر مربكًا للمُدرّس! عندما تُقدم الكتب المدرسية 
الأمير بشير الثاني كأنه حاكم جبّار وفي ختام الدرس نفسه يكتب: «وثفي 
إلى الآستانة»... فكيف أن حاكمًا جبّارًا يجسدونه بصورة قوية وفى النهاية 
ينفى إلى الخارج! ولهذا ما عاد التلامذة فقون اما رعع او نهنا جيف زرو 
أن هناك الكثير من التضخيم والتناقض» وهناك عبارات غير دقيقة. ويميل 
التلامذة إلى تصديق التاريخ المنتقل شفاهة أكثر من ذلك الذي تورده 
المؤلفات والكتب التاريخية. 


2- تاريخ الحريات في لبنان 

يحتاج لبنان اليوم إلى منهجية مختلفة لتاريخه وقراءة أخرى بمقاربة جديدة 
لا من منطلق الهويات والأصول والجذور والانتماءات التي اختبرت ولم 
توصل إلى نتيجة» بل ساهمت في تغذية النزاعات والتحريض على الفتنة. وهذه 
المقاربة الجديدة لا تكون لتاريخ الحكام ولا للتاريخ الدبلوماسي فحسب» بل 
تاريخ الناس العاديين في معاناتهم ونضالهم اليومي البطولي والمتواضع. 

افتصر تدريس التاريخ منذ الاستقلال في عام 13ؤظ1 إلى غاية بذدء تطبيق 
خطة النهوض التربوي على سرد الحوادث في طريقة انتصارية بتفصيلاتها 
ووقائعها كلها وعلى تبسيطها بسذاجة في عرض أسباب الفتن» واختزالها 


141 


ببعض الحوادث الصغيرة» مثل اصطياد الحجل أو اصطدام دواب مسيحيين 
ودروزء أو «بوسطة» عين الرمانة» إلى حدّ اعتبارها بأنها الأسباب الرئيسة 
للنزاعات الدائمة. وهذا نمط شائع لتسطيح المداخلات الخارجية في الشأن 
اللبناني ووسيلة لتضخيم العوامل الداخلية للتزاع. 


أمام هذه الحوادث الصغيرة» يمكن عرض حوادث أخرى تبدو صغيرة» 
إنما لها مدلولاتها في المجتمع المدني مثل حواجز توزيع الزهور على المعابر 
ضد معابر التقسيم والفرز» وضد حواجز القتل والتصفية على الهوية الدينية؛ 
وانعقاد المؤتمرات الوطنية للتصدي لمحاولات تفجير النزاعات المسلحة. 
وبلورة ثقافة لبنانية جامعة إزاء عوامل التفكك. والمبادرات الإنسانية والتضامن 
بين اللبنانيين. 

مئلاء عندما شل عمل البلديات في تلك المرحلة تولّت جمعيات مدنية: 
من هيئات شعبية وإدارات مدنية» الاهتمام بتسيير عمل البلديات. وحين ضرب 
الشلل المدارس الرسمية وعجزت السلطة المركزية عن تمويلهاء نشأت مجالس 
أهل عدة سعت إلى دعم المدرسة الرسمية» وعملت بشكل خاص على إبعاد 
الناشئة عن الحرب. من ناحية ثانية» أطلقت حواجز الحلوى كرد على حواجز 
التصفية والقتل. ونظمت مظاهرات اخترقت خطوط التماس بين المناطق تعبيرًا 
عن تضامن اللبنانيين وتصديهم للفرز القسري. وكان اللبنانيون يعودون بعد كل 
جولة قصف إلى أعمالهم يحرّكهم أمل جديد. 

ظهرت خلال «حرب السنتين»ة (1975 - 1976) ميادرات كثيرة» 
من بينها مبادرة الجندي اللبنانى خالد كحولء واندفاعه لإنقاذ رفاقه الجنود 
من حاجز للخطف على الهوية» وهي تظهر كيفية دفاع اللبنانيين من أديان 
مختلفة بعضهم عن بعضء واستمرار تعلقهم بالقيم”2 وبدولة العيش معًا. هذه 

(1) طوني جورج عطالله. نزاعات الداخل وحروب الخارج: بناء ثقافة المناعة في المجتمع 
اللبناني: 2007-1975 (بيروت: المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم - المكتبة الشرقية؛ 2007): 
ص 602. 


12 


المبادرات تُشكل نماذج أصيلة في الثقافة المواطنية تحوّل التاريخ المعاش إلى 
تاريخ ملقّن وذاكرة جماعية معيشة. 

إن الماضي لا يتغيّر» لكن ما يتغيّر بصورة مستمرة هو معرفتنا بالماضي 
وفهمنا له. لذا تجب إعادة قراءة التاريخ بصورة مستمرة. والتاريخ هو أساسًا 
عملية مراجعة. إنه يتقدم بالفعل كلما أعاد النظر باستمرار في نتائجه. في حين 
أن التاريخ كان لزمن طويل مجرّد قراءة وتدريس أعمال المؤرخين السابقين من 
دون أي تعديل أو إبداع. 

الملاحظ أن أشد المراحل تأزمًا في التاريخ السياسي اللبناني هي أشد 
المراحل دفاعًا عن الحريات والعيش المشترك. لكن هذا الواقع التاريخي 
ومكتسبات اللبنانيين كلها في حقوقهم وحرياتهم» مرشحة للانهيار إذا استمر 
المقاريات المعتمدة كانت تجعل منه لا تاريخًا واحدًا بل مجموعة تواريخ. وعندما 
يكون لكل تاريخه ووقائعه» يصبح الحوار والتضامن صعيّاء إن لم يكن مستحيلا. 

حافظ عدد من الأفراد والجماعات في هذا البلد على القيم الإنسانية 
وعلى معايير الاحترام والتسامح والإدارة السلمية للتنوع في خضم الحروب. 


ونجح لبنان» تاليّاء في الحفاظ على فسحة حرية بفضل تنوع طوائفه التي هي 
كلها أقليات. وكل مقاربة للتاريخ اللبناني لا تأخذ في الاعتبار هذه الحقائق - 
الوقائع هي تحريف للتاريخ. 

لا يمكن إغفال تاريخ الحريات في تاريخ لبنان المدرسي والمنطلقات 
الحديثة» فالأعوام بين 1975 و1990 تزخر بأمثلة حية. الحريات لا يصونها 
مجرّد إعلان الحرص عليهاء بل تحتاج إلى نهج وإطار للدراسة لأنه ليس 
صحيححا أن اللبنانيين يختلفون على الحريات» فهم يتفقون على أنها العنصر 
الميثاقي الأول للكيان اللبناني والخصوصية اللبنانية. 


13 


ثانيًا: البحث عن نماذج أصيلة 


إن النماذج التاريخية المعاشة التي نعرضها في النص التالي هي نماذج 
من التاريخ الشفوي لأنها جمعت انطلاقًا من مقابلات مع أشخاص كان لهم 
دور محوري فيها. بمعنى أنهم يعرفون الحدث التاريخي ويلموّن به أو بيبعضه 
بوصفهم أشخاصًا عاشوا الحدث أو سمعوا به أو كانوا شهودًا عيانًا أو حتى 
بصفتهم فاعلين فيه. أجريت معهم مقابلات وسّجلت شهاداتهم عبر مسجلات 
صوتية» ما جعلها عملية جمع تاريخ» مصدرّها عدد كبير من الناس» ثم جرى 
تفريغ التسجيلات وتوثيقها لنقلها إلى الأجيال المستقبلية. غالبًا ما استُعمل في 
المقابلات أسلوب الأسئلة المفتوحة للحصول على أكبر قدر من المعلومات 
التي تستخدم بطريقة شائقة لإثارة المزيد من الأسئلة. ولم يكن لهذه النماذج 
في الأساس أي أصل مكتوبء أو ريما كان لها جزء صغير وغير كاف للإحاطة 
بها. لكن هذا الجزءء على ضآلته» لم يجر إهماله؛ بل أخذ في الاعتبار. ومنعًا 
للوقوع في أخطاء الروايات» وكي لا يكون الاعتماد على النقل مجرّد عمل آلي 
غير قابل للتحليل أو القياس العقلاني» أخضعت تلك النماذج لبحث تحليلي 
تاريخي بهدف إضفاء تفسير على الوقائع المتجمعة حيث يكون الأكثر انطباقًا 
على الواقع. وكي لا يأتي مؤرخون في المستقبل يكتبون تاريخًا لا ينسجم 
مع هذه الوقائع أو يجري تسخيفها أو إهمالها في شكل سطحي. لذا اعتمدت 
النماذج المعروضة على الرواية الشفوية إلى جانب بعض المصادر المكتوبة 
التي شكلت إثباتات على صحة البيّنات الواردة في المقابلات. 

أعيد تكوين النماذج الآتي تفصيلها استنادًا إلى منهج تاريخي اعتمد على 
روايات تاريخية متنوعة ومحققة رواها أناس» متذكرين حوادث الماضي. وهؤلاء 
الناس ليسوا بالضرورة أشخاصًا في مواقع القرار في مجتمعهم» بل هم أناس 
عاديون» لكنهم يملكون تجارب أو يحفظون في ذاكراتهم روايات الماضي. 

اتجه المنهج الذي اعتمدناه في دراسة النماذج الواردة في هذه الدراسة 
نحو القيام باستقصاءات بهدف الكشف عنها وإظهارها في مرحلة السلام للإفادة 


14 


منها في صوغ ثقافة مواطنية تؤدي إلى تعميق عناصر الترابط والتواصل في 
المجتمع اللبناني. لو لم ُونّق هذه التجارب الأنموذجية خلال مراحل النزاع» 
لكانت ثمة مخاوف جدية ماثلة في شأن مخاطر إضاعة جزء من تاريخ الشعب 
اللبناني ونضاله في اكتساب حرياته» وفي مقاومته المدنية السلمية ضد الحرب. 


في الانتقال من العموميات والنظريات إلى إعطاء نماذج معاشة على 
الصعيد الميداني وهي أكثر انطباقًا على تاريخ لبنان من مجرّد الاعتماد على 
التاريخ السياسي المكتوب. يُلاحظ في هذا السياق» أن المجتمع المدني جابه 
نظام الحرب في لبنان منذ اندلاع القتال في عام 1975 بمقاومة ومحاوللاات 
صمود. تحرك عدد من الأفراد والمؤسسات لمواجهة الحرب والمعابر وفرز 
المناطق على أسس دينية ومذهبية والدفاع عن الحريات. تحتاج هذه التحديات 
إلى الكشف عنها وإظهارها في مرحلة السلام للإفادة منها. تحتاج دراسة 
مقاومة المجتمع المدني لنظام الحرب إلى عمل موسوعي كبير بسبب وفرة 
عناصره التي قد تشكل موضوعا لتاريخ شفوي يمكن صوغ مواده وتوثيقها في 
مؤلف من الحجم الكبير. يمكن إعطاء أمثلة كثيرة في هذا المجال» أبرزها: 

- تحدي الهيئات الاقتصادية الحرب. مثل الجمعيات الاقتصادية 
والتجارية والمهنية التي كانت دائمًا تجمعات يغلب عليها طابع التعاون والتعقل 
الاقتصاديين. 

- نشاط القادة الديئيين واستمرار العلاقات بينها والمساعى المبذولة 
لإعادة الألفة ووقف تفريق الصفوف. وبصورة خاصة عمل اللجئة الدائمة 
للعائلات الروحية والقمم الروحية والنداءات المشتركة؛ وخطبة الإمام موسى 
الصدر في كنيسة الكبوشية وهي حال أنموذجية في ضرورة اتخاذ رجال دين 
من الطوائف كلها مواقف جازمة تجاه افتعال انقسام طائفي. 


- حواجز توزيع الزهور على العابرين على الطرق التي سعى منظموها إلى 
الرد على حواجز الخطف المسلحة (1/ 6/ 1975)» ومبادرات التكريم التي 
قوبل بها نشاط بعض شبان الأحياء في بيروت بتوزيع ميداليات ذهبية عليهم 


1 


تشجيعًا لجهدهم في هذا المجال. أبرزها مبادرة جان شدياق الذي قدّم ثماني 
ميداليات لهذه الغاية (4/ 6/ 1975). 


- انعقاد العاميات والمؤتمرات الوطنية التي سعى من خلالها بعض أبناء 
المناطق إلى التصدي لمحاو لات تفجير النزاعات المسلحة. وساهمت في إبقاء 
مناطق بمنأى عن العنف» أبرزها ميثاق جبيل 1975. 


- بلورة ثقافة لبنانية جامعة إزاء عوامل التفكك» حيث نشطت نخبة 
مستقلة عن القوى المسيطرة» عبر الجمعيات» إلى عقد لقاءات دورية بين أحياء 
بيروت «الشرقية» و«الغربية» التي فرقتها خطوط التماس» بهدف نشر الوعي بين 
المواطنين (9/ 6/ 1975). ومع تطور الحرب قامت الهيئات الثقافية بتأسيس 
#تجمّع الهيئات الثقافية اللبنانية» الذي تألف من هيئات عدة قائمة في بيروت 
وأنطلياس وطرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية. من هذه الهيئات: الحركة 
الثقافية في أنطلياس والنادي الثقافي العربي والرابطة الثقافية في طرابلس 
والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي» وجرى تنسيق مع هيئات المجتمع المدني 
الأخرى. 

- المبادرات الإنسانية وتهافت اللبنانيين للتبرع بالدم لإنقاذ حياة إخوة 
لهم في المواطنية وقعوا جرحى من دون تمييز في الدين أو الطائفة» على 
غرار ما فعل شباب زحلة الذين لبوا نداء رئيس أساقفتهم المطران يوحنا بول 
بتهافت لافت من أجل إنقاذ حوالى مئة جريح من المسلمين انفجر بهم لغم في 
معسكر للتدريب تابع لحركة «أمل6 الإسلامية في قضاء بعليك (6/ 7/ 1975). 

- اجتماع شمل اللبنانيين عند خطوط التماس وفي ميدان سباق الخيل حال 
هدوء الأوضاع الأمنية وعودة الحياة الطبيعية» ما كان يؤدي إلى ازدحام المعابر 
بالأشخاص وقوافل التموين في هذه المناطق التي تحولت إلى نقاط لتبادل 
المصالح والخدمات بين اللبنانيين بطريقة يستحيل منعها (7/ 1/ 1976). 


- تعلو اللبنانيين بشعاراتهم ورموزهم الجامعة التي تمثل وحدة الدولة» 
أهمها العلم اللبناني الذي ظل يرفع في كل مناسبة وطنية (24/ 6/ 1975 


116 


و10/13// 1975) والعملة اللبنانية والمؤسسات الدستورية والعسكرية 
والإدارة العامة التي بقيت تمثل رابطا مشتركًا بين اللبنانيين في الأوضاع 
المختلفة. 

- مقاومة الخطف. وأبرز مثال أنموذجي يمكن إدراجه في هذا السياق 
هو تصدي الجندي اللبناني خالد كحول لعملية خطف عسكريين حين أوقف 
مسلحون في بيروت قافلة عسكرية تنقل جنوداء فطلبوا إلى الجنود المسيحيين 
النزول من الشاحنات لخطفهم والمسلمين لمتايعة سيرهم؛ وما كان من الجندي 
كحول إلا أن اعترض بشدة ضد هذا التصرف الذي قامت به قوى الأمر الواقع» 
فأحرج بموقفه المسلحين الذين اضطروا إلى ترك الجنود. وكاد إحباطه عملية 
الخطف يكلفه يومها حياته (8/ 12/ 1975). 


عبرت قافلة للجيش في 1975/12/8 في اتجاه المنطقة الغربية من 
بيروت تنقل طعامًا إلى الجنود هناك. أوقفها حاجز مسلح وأمر بنزول الجنود 
المسيحيين من القافلة ومتابعة المسلمين سبيلهم! رفض الجندي خالد كحول 
الامتثال للخطف على الهوية قائلا: «أو ننزل جميعنا أو نتابع طريقنا جميعًا!». 
حصلت مشاةة بينه وبين عناصر الحاجز المسلح. نقلت إحدى الصحف 
الحادثة في بضعة سطور: مشادّة بين شاحنة للجيش ومسلحين ثم تابعت 
الشاحنة طريقها ... علمًا أن الحادثة مهمة للغاية. أجريت شخصيًا تحقيقًا في 
شأنها وراجعت تقارير الجيش وقابلت خالد كحولء ووقفت على تفصيلات 
الحادث. قاوم خالد كحول الخطف على الهوية. يفوق هذا الحدث بأهميته 
تصريحات في الصفحة الأولى! أوردته الصحف في زاوية. علينا التنقيب عن 
حوادث مماثلة وعرضها©. 

(2) طوني عطالله» «الجندي خالد كحول يقاوم الخطف على الهوية - 12/8/ 601975 في: 
المؤسسة اللبنانية للسلم الأعلي الدائم؛ مواطن الغد: الحريات وحقوق الإنسان؛ إشراف أنطوان مسرة» 


3 ج» منشورات المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم؛ 7 (بيروت: المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي 
الدائم» 1998-5) ص 285-263. 


157 


تشير الوقائع إلى وجود عدد من الحالات المشابهة التي كانت مضرب 

مثلة خصوصا حسن معاملة بعض السخطوفين: والحرض على حيائه وتدخل 
قادة سياسيين وعسكريين وشخصيات اجتماعية وشعبية ة فضلا عن صحافيين 
وإعلاميين للإفراج عنهم. تحتاج هذه الوقائع إلى كشف النقاب عنها ودراستها 
من أجل بناء الذاكرة. 

- شطب المذهب عن بطاقات الهوية احتجاجًا على التذابح و«القتل على 
الهوية»؛ ورفضًا لجميع أشكال العنف والتعصب (29/ 10/ 1975). 

- تواصل تقاليد الحماية والمساعدة والاستضافة وحسن الجوار بين 
اللبنانيين على الرغم من ظواهر الحرب وتدخل بعض الأقطاب الذين يتحلون 
بمزايا «رجال الدولة» من أجل إيواء المهجرين وحمايتهم ومساعدتهم. فتح 
الأمير مجيد أرسلان باب قصره في خلدة أمام حوالى ألف شخص من أهالي 
الناعمة تهبججروا من بلدتهم وأدخلهم في حمايته» واستدعت عقيلته الأميرة 
خولة أطباء وممرضات لتقديم الإسعاف الطبي إليهم (1975/11/12): في 
شكل يمكن به وصفها كأنها تتصرف مثل «أم للمهسجرين؟. 

- المقاومة الشعبية السلمية التى شملت المسيرات والإضرابات ومظاهر 
الرفض الاجتماعي المختلفة للحرب واعتيرت بمنزلة الرد على خطوط التماس 
والمتاريس والحواجز. 

- ملء الفراغ الناجم عن توقف عمل المرافق العامة والخاصة خلال 
الحربء مثل تنظيم الجمعيات الشبابية حملات النظافة وإزالة النفايات من 
الأحياء لسد تراجع أجهزة البلديات التي عطلتها الحرب» وتشغيل الأفران لتلبية 
حاجات المواطنين» وفتح المدارس الشعبية لسد الفراغ التربوي وإبعاد الناشئة 
عن الانخراط في الحربء وغيرها من الوقائع التي سمحت بتسيير تلك المرافق 
الحيوية في أوضاع بالغة الصعوبة. 

- تواصل الأوضاع الدستورية وتعلق اللبنانيين بحرياتهم وكيفية محافظة 
المؤسسات الرسمية وفي طليعتها مجلس النواب على احترام مبدأ الشرعية 
والأصول القانونية وتبيان أهم الوقائع في هذا المجال. 


118 


- ميثاق السلام بين اللبنانيين حصل حدث آخر بارز في 11/9/ 1987. 
يلفت إليه أنطوان سيفء وهو التظاهرة العمالية الكبرى لمقاومة الحرب الأهلية 
أو الداخلية. كما حدث توقيع أكثر من سبعين ألف لبناني على يافطة تتجاوز 
عشرات الأمتار ضدّ الحرب. اخترقت التظاهرة الحواجز وكان عنوانها: ميثاق 
السلام بين اللبنانيين. هذا هو التاريخ الحي للحريات في بيروت ولبنان”. ويقول 
عصام خليفة: اليس صحيحًا أنه تم إيقاف الحرب بشكل خارجي وبجهاز التحكم 
عن بعد (01اده© عاومء2). كان هتاك تيار شعبي و اسع رافض للحرب بأهدافها 
ووسائلها. وليس صحيحًا أن اللبنانيين كلهم كانوا على خلاف»». باستثناء «فئة 
كانت على ارتباط بقوى خخارجية إقليمية ودولية» بينما الأكثرية مع استقلال لبنان 
ووحدته وسيادته وسلمه الأهلي كما الديمقراطية». ويُضيف: «هذه هي الأمور 
الأساسية التي أردنا إيضاحها عبر تحركنا وعبر هذه الوثيقة (اليافطة). ورغم كل 
أساليب الترهيب والقمع والتخويف. كانت هناك بنية اجتماعية متمثلة بالجمعيات 
الأهلية صمدت في موقفها ولم تخف. كان اللبنانيون الذين شاركوا في الاعتصام 
يحضرون سيرًا على الأقدام من الشمال إلى الجنوب لينضموا إلينا عند المتحف 
أمام البرلمان (في مقره المؤقت). هذه سيرة تعكس إرادة صلبة. كنا نلقى ارتياحًحا 
من الناس ونشعر أنهم معنا وليسوا مع العنف6*. 


- الدفاع عن الحريات في مراحل أخرى إذا كنا عرضنا النماذج السالفة 
مراحل أخرى من تاريخ لبتان. عرفت بيروت حوادث عدة دفاعًا عن الحريات. 


(3) أنطوان سيف, «تظاهرة 11/9/ 1987»» وعصام خليفة» «ميثاق السلام بين اللبنانيين»؟ في: 
المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم» مرصد السلم الأهلي والذاكرة في لبنان: من ذاكرة الحرب إلى 
ثقافة السلام 2003-9: وقائع بحث جماعي وخمس ندوات عقدت في 7-3/ 9/ 2.1999 14- 
١٠2003 /8 /6-1 »2002/8/29-24 .2001/8 /11-6 22000 /8 9‏ إشراف أنطوان مسرة» 
منشورات المؤسسة اللينانية للسلم الأهلي الدائم؛ 20 (بيروت: المؤسسة اللينانية للم الأهلي الدائم - 
المكتبة الشرقية» 2004)) ص 422-411 و240-235. وبهيج حجيج ولور مغيزل» فيلم وثائقي» 
بيروتء اللجنة الوطنية للتربية والعلم والثقافة - اليونسكوء آذار 2003. 

(4) من مقابلة أجرتها معه أرليت سعادة أبي نادر. 


19 


يروي أنطوان مسرّة أنه عند إعداده مؤلفًا في إطار برنامج «مواطن الغد: نماذج 
في الثقافة المدنية»» جمع بصفته منسقًا للبرنامج حوالى ثمانين مؤرحًًا يدرّسون 
في المدارس. طلب منهم البحث عن حوادث لبنانية دفاعا عن الحريات. 
اقترحوا أسماء معروفة ويارزة في التاريخ اللبناني مثل يوسف بك كرم وطانيوس 
شاهين والأمير فخر الدين ... قال لهم: «نريد أشخاصًا عاديين مثلناة. لم يلق 
منهم جوابًا! يُضيف: «معنى ذلك أن الناس غير موجودين في التاريخ ويقتصر 
التاريخ على الزعماء!». ويقول: «بحثنا ووجدنا مثلا وردة بطرس إبراهيم» أول 
شهيدة لقضية حق التظاهر وحقوق العمال. قتلت سئة 1946 برصاص الدرك 
في تظاهرة الريجي في منطقة فرن الشباك. ذكرتها بعض الكتب في بضعة 
أسطر. وضعنا تحقيًا كاملا عنها في مواطن الغد وما تضمنته الصحافة في ذلك 
الحين: «إطلاق الرصاص على البنات»» في مجلة الصحافي التائه. علينا وضع 
نصب تذكاري لوردة بطرس إبراهيم في فرن الشباك0). 


إن البحث عن النماذج الإيجابية المذكورة التي يمكن أن تُشكّل نماذج 
في التمكين هي نماذج شفوية أكثر منها مكتوبة. وعادة لا تبرز في الصحف 
أو الوثائق المكتوبة» بل يقتضي التفتيش عنها. بعض هذه الوقائع التي قد تبدو 
صغيرة أهم بكثير من الأخبار الواردة على صفحات الصحف (مثلّا الجندي 
خالد كحول). لا أحد يتعمّق في موضوع كحول أو موضوعات مشابهة» بل 
تُكتب ترسانات من الكتب والمؤلفات عن أمراء الحرب. وأهمية مثال كحول 
أنه أنموذج لبناني وعربي أصيل غير مستورد بل معاش محليًا. هذا الأنموذج 
وأمثاله بحاجة إلى تعريف وتعميم للاقتداء به. وهذا يكون من خلال النشرء أي 
من خلال تحويل التاريخ الشفوي إلى تاريخ موئق. 

إن مهمة المؤرّخ الراغب في الاعتماد على التاريخ الشفوي مهمة صعبة 
ودقيقة» إذ عليه أن يمخص كل معلومة أو كل خبر أو كل واقعة شفوية قبل 

(5) حسن صالحء «الحريات النقابية: وردة بطرس إبراهيم؛ 27/ 6/ 621946 في: المؤسسة 
اللبنانية للسلم الأهلي الدائم» مواطن الغده ج 2.» ص 330-285. 


200 


التثئت منهاء وإخضاعها للنقد والشك العلمي احترامًا للأمانة العلمية» ويمكن 
للراوي أن يقع في الخطأ أو المبالغة أو التحريف... وغيرهاء الأمر الذي 
يجعل من شهادته أو أحاديثه واقعًا مجافيًا للحقيقة. لذا يقنضي على المؤرّخ أن 
يُخْضع المصدر التاريخي لمنهج النقد العلمي» لأن التاريخ يقوم على الجمع 
بين عاملين: المصادر التاريخية» ونقد هذه المصادر. 


ثالثًا: ما الفائدة من دراسة تاريخ التضامن والدفاع 
عن الحريات في زمن الحرب؟ 

عن الوقائع والحوادث التي أوردناها أعلاه وغيرهاء ماذا كان سيقال في 
المستقبل عن تاريخنا وحضارتنا لو حصل أن اختفت كل مادة شفوية أو رواية 
محكية أو الشهود الحقيقيين؟ وإضافة إلى استتاد الرواية التاريخية هنا إلى وقائع 
ضمن إطار نظري متماسك» فمن شأن هذه النماذج أن تساهم في التمكين 
الديمقراطي» أي تعزيز ثقة المواطن بقدراته. إن الحرية في لبنان عنصر جامع 
يلتقي حولها جميع اللبنانيين لكن لم تُستغل في بناء ذاكرة جماعية ومناعة 
لبنانية انطلاقا من نماذج في الثقافة المواطنية. لذلكء» تبرز فائدة دراسة وقائع 
من التاريخ الشفوي في الآتي: 

- سد الحاجة إلى أدبيات سلام: إن الهدف الأساس هو التعمّق في كيفية 
العمل على تخطي الحرب. تُكتب مجلدات عن الحروب وأمراء الحروب 
لكن العالم يشهد نقصًا في أدبيات صناعة السلام. فالذين يشاركون في 
صناعة السلام عادة لا يكشفون أسرار الوساطات والمفاوضات التي قاموا بها 
والعناصر الفاعلة في الحلول. إن مجرّد توافر إرادة تجاوز الحروب والكوارث 
لا تصنع وحدها السلام» بل تحتاج إلى معرفة آلية السلم الأهلي وآلياته لتعزيز 
مناعة المجتمع ضد المخاطر الداخلية والخارجية. 

- بناء الذاكرة: من فوائد هذا النوع من الأدبيات والوقائع التاريخية المروية 
بناء الذاكرة» إذ يخشى أن يؤدي نسيان تلك التجارب إلى إهمال قيمة تضحيات 


201 


المجتمع اللبناني. لم يجر بناء ذاكرة جماعية لبنانية» حيث ما زالت تُسمع في 
الاحتفالات الخاصة بشهداء الحرب أصواتٌ هذا الفريق أو ذاك يحبي ذكرى 
بعض شهدائه. في حين أن الحروب في لبنان شهدت سقوط عشرات الآلاف 
من الشهداء اللبنانيين ومن الأفرقاء جميعهم. 

- ثقافة مواطنية: يسمح البحث باكتشاف الأفعال والمواقف التي هي 
بمنزلة نماذج في الثقافة المواطنية ويتعيّن ألا تبقى طي النسيان. ويمكن أن يفيد 
منها سنويًا تلامذة المدارس والثانويات وطلاب خدمة العَلّمِ أو الخدمة المدنية 
عند إعادة إطلاقها. وبهذا العمل يظهر المجتمع اللبناني أنه يدين بالعرفان» 
ولو بعد حين» لجميع الأشخاص الذين يأتون بالمبادرات لمصلحة التضامن 
والدفاع عن الحريات. 

- مواد تاريخية جديدة: ثمة مبادرات ممائلة وأنموذجية» تحتاج أولا إلى 
رصدها وجمعها وتوثيقها وتبويبها وتصنيفها لأنها تُشكل الأساس لمواد التاريخ 
والتربية المواطنية والذاكرة الجماعية. من هنا الحاجة إلى إنقاذ ما يمكن أن 
يتوارى في الماضي لتثبيته» لأن التاريخ يُوضع للأجيال الحالية واللاحقة بهدف 
تأكيد الاحتفاظ بالمكتسبات إلى الأبد» على حد قول توسيديد. 


على سبيل المثال» قمت في عام 1995 بإعداد دراسة عن النصب التذكارية 
في محافظة البقاع (تمثل الجزء الأكبر من الجغرافيا اللبنانية) في إطار برنامج 
«مواطن الغد: نماذج في الثقافة المدنية». كان الهدف من المشروع محاولة جعل 
التاريخ مادةٌ محببة إلى التلامذة يسهل فهمها من خلال التجوال في الشوارع 
وجمع التاريخ الشفوي المشتت. كان يسأل الأولاد الأهل عما ترمز إليه هذه 
النصب. ونادرًا ما يحصلون على إجابات وافية. لم تكن سيرة النصب مكتوبة» 
بل كان أقدمها يعود إلى خمسينيات القرن الماضي. وكان بعض الأشخاص 
يحفظ في ذاكراته المعلومات عنهاء وكانت هذه نماذج عن تاريخ شفوي غير 
مدوّن. أجريتٌ مقابلات عدة وقابلتٌ الأقوال» وما تسنى لي جمعه من مصادر 
الصحافة المحلية. الأمر الذي أمكن تكوين دراسة شاملة عنها كانت أول دراسة 


202 


عن الموضوع. وباتت مرجعًا لكل من يريد التجول أن يتعرّف إلى تاريخ المنطقة 
من خلال الأنصاب التذكارية التي كان السياسيون يمثلون العدد الأقل فيها. في 
حين تكثر الشخصيات التي عاشت حياةً هي مدعاة للتمثل والاقتداء. 


قام من ثم أربعة تلامذة من زحلة بنقل الدراسة على كاسيت فيديو مدتها 
نصف ساعة:» وتمكنوا من تحضير فيلم وثائقي» ربما هو الأول عن زحلة. لولا 
نشر الدراسة في كتاب لما تمكن التلامذة من الاستفادة من المشروع والإبداع فيه. 
في هذا المجال» بشكل إبداعي في كتاب: أولاء كي تحفظ هذه المواد؛ وثاتيّاء 
كي يسهل الرجوع إليها. ومن الأهمية أن تكتب الخبرات الميدانية كلها بهدف 
تعميمها والإفادة منها. 


يظل تأثير الوقائع الواردة في أي من برامج التنشئة الوطنية قاصرًا على 
الاختصاصبين إذا لم تخرج تلك الوقائع من دائرة المحاضرات إلى التأثير المباشر 
في المواطنء لأنه حتى بين الشباب في الجامعات والمدارس فإن نسبة قليلة منهم 
تُشغل أوقات فراغها بالمطالعة. من هنا ضرورة استخدام تقنية الأفلام التلفزيونية 
القصيرة حتى لا يمل المشاهد. شرط أن تأتي لافتة وسهلة وغير معقدة» نظرًا 
إلى تفاوت المستوى الثقافي بين الصفوف. وحيث إن الهدف هو تجاوز الأمور 
النظرية إلى الإطار العملي عبر التوجه إلى التلامذة كافة بأمثلة واقعية حية بدلا من 
الاسترسال في التفسير بالعموميات. يعطي هذا الأسلوب فاعليته القصوى إذا كان 
مدعومًا بنقاش منظم بعد عرض الفيلم» ما يسمح بتشغيل العقل» وإفساح المجال 
أمام التلامذة لطرح التساؤلات لأن الشباب هو مرحلة التساؤل؛ فإذا منعوا من 
التعبير تولد لديهم الكبت. يتعيّن تبني المنهج بطريقة أن نعطي للتلميذ فرضًا 
للتعبير عن استقلاليته التي تعزز ثقته بنفسه من دون تنمية الفردية عنده أو الأنانية» 
وأن يدافع عن رأيه. ويقنع غيره» ويقتئع بآرائهم. 

- الحاجة إلى قراءة الحرب وروايتها في بعدها المحاسبي: لم يعم 
المؤرخون بعد بإعادة قراءة تاريخ لبئان من منطلقات محاسبية» أي بمقاربات 


203 


أكثر عقلانية على الرغم من كون الإبداع في هذا المجال عملية مستمرة. لذلك 
لا عجب إن استمرت الأحقاد والهواجس في التحكم بالسلوك الذي تبقيه كتب 
التاريخ ورواياته السطحية حيّة في النفوس. في لبنان هناك حاجة إلى معرفة 
الكلفة وعدد ضحايا الحرب. وهذه من أهم التحديات للمستقبل كي تعرف 
الأجيال الجديدة احتساب الأكلاف ومقارنتها بالمنافع التي يمكن كسبها من 
وراء الحرب. حساب الكلفة المتعلق بالفاتورة البشرية والمعاناة الإنسانية 
واقتصاد الحرب يظهر بالأرقام ضخامة المغامرة وخطورتها في لبنان. ولا 
سبيل لبناء ذاكرة لبنانية جماعية من دون تبيان نتائج الحروب الداخلية بالمعنى 
المحاسبي والمصلحي بالنسبة إلى كيان لبنان واستقلاله وحريته ومصالح أبنائه 
الحياتية ومحيطه ودوره. 


- إن الشبان ليسوا شهودًا على المآسي: قد لا توجد اليوم مخاوف على 
السلم الأهلي واستعادة الفتنة لدى الذين اتعظوا من اللبنانيين» وهم ممن عاشوا 
الحرب. لكن توجد مخاوف حقيقية من إعادة إنتاج حروب داخلية بالنسبة إلى 
الشباب الذين ولدوا ما بعد الحربء وما بعد السلام (مواليد 1985 - 1990 
وما بعد)» والذين لم يكونوا أصلا شهودًا على المآسي والمعاناة» خصوصًا لدى 
جيل من هم دون التاسعة والعشرين ويمكن تعبثتهم بسهولة. 

- التركيز على التاريخ الشفوي تركيز على التاريخ المشترك: من المفيد 
البحث عن الوفاق الحياتي في مظاهر التضامن المختلفة التي طمستها 
الأيديولوجيات النزاعية: في تبادل أبناء الطوائف المنافع والخدمات في أشد 
الحوادث عنفاء وفي تعاونهم لتسهيل الانتقال من منطقة إلى أخرى» وفي 
الاستمرار في التعامل التجاري في مؤسسات طوعية ومصلحية متنوعة الطوائف. 
وفي إنشاء شركات وجمعيات مختلطة طوال أعوام الحرب. والطروحات كلها 
غير التعايش كانت أسوأ من التعايش. 


بخلاف التاريخ الشفوي أو التاريخ المروي ستظل كل طائفة تعيش مخاطر 
الانطواء على معاناتها وحدها بشكل مستقل عن معاناة الطوائف الأخرى» 


204 


وستبقى الروايات التاريخية بعيدة عن روحية التسامح والتوبة القومية الرادعة. 
المطلوب مقاربة تاريخ لبنان لا من منطلق تغذية النزاعات» بل تاريخ الحريات 
وتاريخ المعابر والمعاناة المشتركة التي تولد صدمة نفسية لدى المواطنين. فإذا 
حاول أحد في المستقبل أن ينصب معبرًا في الحي أو الشارع» فيواجه بردة فعل 
المجتمع حيث ينتفض الناس ويمنعوه من إقامته» فما الذي يضمن للأجيال 
المقبلة التي لم تعرف ما حصل ألا تقع من جديد في أخطاء التجارب الدموية؟ 
هل تولدت صدمة لدى الناس» خصوضًا لدى الشبان؛ تنتقل من جيل إلى 
جيل تجاه مخاطر الفرز؟ هذه الصدمة مطلوب إيجادها عند الأجيال الجديدة. 
وساعتئذٍ نكون أوجدنا مناعة كبيرة تجاه إعادة إنتاج الحرب. 


من مزايا التاريخ الشفوي أنه يتيح للتلامذة التعرّف إلى أجزاء قديمة أو 
حديثة» غير مستكشفة أحيانّاه من تاريخ بلدهم وفي شكل ملموس» أي من 
خلال تجارب معيوشة وشهود على حوادث تتمتع بقيمة تاريخية مهمة. إضافة 
إلى أن التاريخ الشفوي يعمل على تنمية مهارات التلامذة البحثية والاستقصائية 
وحس الاستماع وتوجيه الأسئلة والمشاركة في النقاش» حيث إن هذا النوع من 
التاريخ هو بحث عن الحقيقة قد يسد الثغرات التي يمكن أن توجد في المصادر 
المكتوبة. ويُساهم تاليا في احترام الرأي والرأي الآخرء ويُشعر المتلقين بالآلام 
والمعاناة والمشاعر المختلفة» والمشتركة أحيانًا التي رافقت الحدث من خلال 
روايات الشهود. وهذا ما يُنمي الإدراك لدى التلامذة بأن التاريخ استمرار» لا 
حوادث متفرقة» بل تجارب حياة قامت على جهد الأجيال السابقة ونضالاتها. 


في الحالة اللبنانية»؛ يمكن أن نعتبر أن مؤرخي الحرب الحقيقيين في لبنان 
هم المواطنون اللبنانيون الذين عاشوا الحرب بلحمهم ودمهم وما رافق ذلك من 
آلام ومعاناة مشتركة تؤسس لذاكرة توبة جماعية. وهذه التجارب إذا لم تنتقل من 
جيل إلى جيل يُحخْشى أن تقع الأجيال المستقبلية في أتون حرب داخلية جديدة» 
فنعود إلى إنتاج آلية التكرار. يقوم التاريخ الشفوي على نقل المعرفة والخبرة من 
جيل إلى آخر. فقبل أن يبدأ الإنسان باستعمال الكتابة لتدوين التاريخ كان التاريخ 
الشفوي الوسيلة الوحيدة لنقل المعارف والذاكرة من جيل إلى جيل. 


205 


رابعا: الذاكرة الجماعية المشتركة 
الأنصاب التذكارية والمناسبات الوطنية للذكرى 


أدت الذاكرة التاريخية» ما قبل الحروب الأخيرة» فى لبنان دورًا أساسيًا 

في التهيئة النفسية لإشعال الحرب؛ قفي لبنان بقيت الحوادث الدموية التي 
وقعت في عام 100 حيةٌ في الذاكرة الجماعية. الم تسمح البرامج التربوية 
ومناهج التاريخ بتطهير النفوس من الأحقاد» وجا عات قافن زواميب الماضي 
لأنها كانت تسرد الحوادث في طريقة انتصارية. ثم جاءت حوادث 1958» 
والحروب بين عامي 1975 و1990 لتُّعيد إحياء الصور المأساوية القديمة. 


يكمن منبع الخطر في ذاكرة لبنان اليوم في أن عددًا من القوى السياسية 
تحتفل بذكرى شهدائها مستعيدة خطابات وشعارات تتضمن تكرارًا وإنتاجًا 
جديدًا للغة الحربء وإلا فما هو المقصود بتبرثة الذات وتخوين الآخر فى تلك 
الخطابات كلها؟ ْ 

لم يجر بناء ذاكرة جماعية لينانية. إذ يبيّن عدد من الوقائع أن اللبنانيين 
لم يتعلّموا من المآسي» وهنا مد منبع الخوف. ففي بعض الاحتفاللات الخاصة 
بأعياد شهداء الحربء أو المراسم 5953 لز عماء راحلين؛ يستمع المشاركون 
إلى خطابات مثل معزوفة صادرة عن أسطوانة معطلة» حيث تتردد الكلمات 
والمواعظ فى الوطنية واللاوطنية» في الانتماء والهوية والخيانة©. إنها إعادة 
إنتاج خطابات الحرب كلها من دون أسباب. ليست المعضلة في معرفة من كان 
على حق» ومن كان على خطأ! 

ما زالت تُسمع في الاحتفالات الخاصة بشهداء الحرب أصوات هذا 
الفريق أو ذاك يحيى ذكرى بعض شهدائه. ويُركز أحد الأحزاب المسيحية مثلا 
في خطاباته واحتفالاته على أربعة شهداء فقط. في حين أن الحروب في لبنان 

(6) من محاضرة شفوية ألقاها أنطوان مسرّةء منسق الأبحاث في المؤسسة اللبنانية للسلم 
الأهلي الدائم؛ في معهد راهبات القلبين الأقدسين زحلة الراسية في 11/18/ 1999» في مناسبة ذكرى 
الاستقلال» بعنوان: «كيف يدافع الشباب اللبناني الجديد عن الاستقلال؟». 


206 


شهدت سقوط المئات منه» إضافة إلى عشرات الآلاف من الشهداء اللبئانيين 
ومن الأفرقاء جميعهم. يقتضي تظهير التكلفة الباهظة التي دفعها لبنان لتبيان 


هناك مؤشر آخر إلى أن اللبنانيين لم يتعلموا من تجربة الحروبء إذ نشاهد 
يوميًا خلال تجوالنا في الشوارع الكثير من النصب التذكارية التي تُمثل زعماء 
لبنانيين» لا بأس بهاء لكن سنظل مختلفين في شأن الزعماء في لبنان. حبذا لو 
نرى نصبًا عن الناس ومعاناتهم مثلا: بوسطة التلميذة التي كانت متوجهة إلى 
المدرسة وأصيبت بقذيفة حارقة على معبر المتحف. أو نصبًا لذلك الرجل 
الذي نشرت الصحف صوره مصابًا برصاصة قناص بينما كان عائدًا إلى أطفاله 
يحمل إليهم ربطة خبز. آلام الناس تجمع أكثر» في حين أن الزعماء تتباين الآراء 
في شأنهم. لا نجد نصبًا من هذا النوع تعبّر عن الآلام المشتركة وتخلق توبة كي 
لا تتكرر المعاناة. 


يقتضي الخروج من الذاكرة الحاقدة إلى «ذاكرة التوبة القومية» والعمل 
على تنظيم مساحات للذاكرة وأنصاب وشعائر تذكارية وطنيًا وعلى مستوى 
البلديات. ويتعيّن عزل الذاكرة عن شحنتها العاطفية أو المشاعرية: #ننسى لكن 
نتذكر»» نخرج من حال الصدمة وحتمية التكرار وخلال آلية لمقاومة الفتنة وبناء 
مناعة الذاكرة. إن نسبة الأجيال التي لم تعرف الحرب آخذة في الارتفاع» وهناك 
حاجة إلى تعميم الشعور لدى الشبان بأن شعوبًا حوّلت خبرتها إلى نجاحات. 
نذكر في هذا السياق تجربة اليابان التي عمدت إلى تغبير برامج التربية والتاريخ 
في إثر إلقاء القنبلتين الذريتين عليها في هيروشيما وناكازاكي» واعتذار رئيس 
حكومتها من الإنسانية جمعاء عن أعمال الحكومات السابقة» وتحوّلت اليابان 
بعد ذلك إلى قوة اقتصادية كبرى في العالم. 

في هيروشيما تقام ذكرى سنوية لإلقاء القنبلة الذرية على المدينة في 
الحرب العالمية الثانية» كيف تجري المراسم التذكارية؟ وفي إسبانيا يحبي 
المواطنون كل عام ذكرى الحرب الأهلية لكن بأي شكل؟ بالتأكيد في جو من 


207 


التوبة والدعاء بأن لا تتجدد الحربء لا بالشتائم والسباب. هل تكون هكذا 
مناسبة 13 نيسان/ أبريل في لبنان؟ 


خامسا: ببليوغرافيا الحرب من خلال الأدب الحي'” 


كيف نروي الحرب ونصوّرها روائيًا؟ ما أهمية الشهادة السمعية والبصرية 
في الأفلام الوثائقية التي تدور عن الحرب في لبنان» في إيقاظ الضمير 
الجماعي؟ ما هو دور الأدب والرسم والنحت والصور الفوتوغرافية؟ وما دور 
المعارض والسينما والأغاني؟ 


عبر الشهادة المرئية يحاول المبدعون من كتّاب وفتانين البحث عن 
دورهم في صنع ذاكرة للحرب وبنائها كي لا تتكرر. ونلاحظ في هذا السياق 
وجود أنواع عدة من البيّنات» أبرزها: 


- الرواية والسيرة الذاتية 


- تعتبر رواية كوابيس بيروت للأديبة غادة السمّان في مقدمة الأعمال التي 
اتخذت هذا المنحى وقدمت من خلالها صورة للحرب. ترسم السمّان جنون 
الحرب منذ 13 تشر ين الثاني/ نوفمبر 1975» وتحكي عن واقعها المرير المؤلم 
ببشاعته وتداعياته» وما تولّده من انغلاق وتقوقع بفعل ما تحمل من مآس ناجمة 

عن القتل والدمار والتفجير والقصف. في #الكابوس 0 تقول: «أنا أقف الآن 
على الخيط الفاصل بين الموت والحياة» أشعر بحواسي التائمة تستيقظ وتخرج 
إلى سطح الوعيء موجة العنف والصخب اللامتناهي تحملني إلى حيث لا 


(2) هيا زيادة» #بيبلوغرافيا الحرب في لبنان من خلال الأدب الحيء؛ في: أنطوان مسرة» إشراف» 
مرصد السلم الأهلي والذاكرة في لبنان: من ذاكرة الحرب إلى ثقافة السلام» مجموعة وثائق: دراسات 
وتقارير ومداخلات في مؤتمرات وورشات عمل 2008-2005» المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم 
بالتعاون مع مركز المؤتمرات في أيانابا - قبرص ومنتدى التنمية والثقافة والحوار (507©12) ورابطة مراكز 
التدريب والرياضات الروحية في الشرق الأوسط (©0645818)» سلسلة «وثائق»؛ 21 (بيروت: المؤسسة 
اللبئانية للسلم الأهلي الدائم المكتبة الشرقية» 2008))» ص 370-363. 


208 


أدري» وأغمض عيني كي لا أرى جيدًا. عاودني الإحساس الغامض بالخطر. 
عادت الصواريخ. ثم هدأ الرصاص قليلا». 

- لبئان - القرن في صور (1900 - 2000)»؛ صدر عن دار النهار لنواف 
سلام وفارس ساسينء؛ وهو أرشيف لحوادث القرن العشرين اللبنانية في أكثر 
من 1500 صورة. 

- أوراق من دفاتر سجين لمي منسى» هي رسالة ضد الحروب. سبرت مي 
في روايتها ما جرى للبلاد خلال الحربء وأسباب ما جرى» فقدمت صورة عن 
إنسان لا يعرف كيف يدافع عن نفسه. لكنه يتوقع الموت في أي لحظة. 

- تناولت ربى الصلح في روايتها كلنا نسقط معًا حياة اللبنانيين على 
اختلاف انتماءاتهم خلال الحرب. 

> فى روايته عن عبثية الحرب بعنوان مدرسة الحرب». يصف ألكسندر 
نجار ما شهدته العين وما عاشه العقل والجسد من مآسى الحرب. شكل 
السرد في سيرته لقطات أنموذجية هي مقتطفات حياة في حقبة الحرب. يتذكّر 
نجار الحرب في ذمة شاهد العيان» وفي حدة من عاشهاء وفي ألم من تعمّد 
بأخطارها. ويتذكر الحرب ليذكرنا بالموت الذي جاورناه جميعًا. جمع في 
أوراقه مشاهد ساخرة وجارحة في زمن المأساة وعن الموت الذي صادفنا في 
حياتنا. يقول نجار: «من المهم جدًا أن يوثق التاريخ الإنساني للحروبء لأن 
الروك تتغيّر والشخصياتء. لكن الإنسان يبقى هو هو. شهد لينان حرويًا عدة 

ضمن الحرب والضحية فيها هو الضحية». 

- تحكي لمياء السعد في روايتها السعادة الزرقاء قصتها مع الحرب» حتى 
تتصالح مع ماض مؤلم» إذ أصيبت بشظية في رأسها مطلع التسعينيات. تردي 
للآخرين كي يعلموا أن الحرب والقصف واليأس والعذاب هي أمور م* مشتركة 
بين الناس. وما يؤلم هو أن الحديث عن الحرب غالبًا ما يحصل بلغة الأرقام: 
آلاف القتلى والجرحى. 

- صوّرت هدى بركات في رواياتها الثلاث: حارث المياه وحجر الضفحك 
ويا سلام» خراب المدينة والخراب الأخلاقي الذي يصعب إصلاحه. تحكي عن 


209 


أن حرب بيروت لم تكن إلا حلقة في سلسلة من الحروب وأوجه الدمار التي 
طالت المدينة» ويبدو لها أن السبب الجوهري لتكرار الحروب هو عدم الإفادة 
من تجارب الأقدمين؛ والبناء على ما قدّموه إلينا من دروس وحكم. 
2- الأفلام السينمائية 

تروي الحرب وتعيد بناء الذاكرة. من الأفلام اللبنانية التي عرضت في 
الصالاات: 

- فيلم غسان سلهب أشباح ببيروت» يحكي قصة رجل يدعى خليلء عاد 
إلى مدينته بيروت في نهاية الثمانينيات» بعد عشرة أعوام أمضاها في الغربة. 
وبعد اختفائه في إثر مشاركته في إحدى المعارك في الجبل» وبعد شيوع 
الاعتقاد في محيطه أنه قتل» تأتي عودته كعودة شبح عائد إلى أحياء الأموات. 
ويتحول السؤال عن الحرب الذي يطرحه الفيلم إلى سؤال الذات والعلاقة 
بالآخر وبالوطن والتفصيلات الحياتية الأخرى. 

- يحكي زياد دويري في فيلمه وست بيروت عن معالجة مراهق 
للمشكلات حوله في أجواء الحرب: شرقية - غربية» مسلم - مسيحي. 

- فيلم محمد سويد حرب أهلية يعطي صورة هي كناية عن الحياة كما 
تجري في ظل الحرب. 

- فيلم وثائقي لجوسلين صعب حاز جائزة الفيلم الوثائقي الفرنسي في 
عام 1997. وتتحدث فيه عن أهمية الشهادة المرئية لتوعية الحس الجماعي. 

في مسرح المدينة» جرى عرض أفلام من الحرب في لبنان في 11 و12 
نيسان/ أبريل 2003» أبرزها: 

- وثائق حرب: مارون بغدادي. 

- لبنان في الدوامة: جوسلين صعب. 

- هل انتهت الحرب: زينة صفير. 

- نكاية بالحرب: زينة صفير. 


210 


- عرضت لمياء جريج في الفيلم الوثائقي أغراض الحرب مشاهد من 
الحياة اليومية داخل البيوت» صورة عائلة ومشاهد مشوشة لشوارع المدينة. 
وهذا يظهر العلاقة المشوشة بين الأشخاص ومدينتهم. يروي أغراض الحرب 
قصة الحرب من خلال بعض الأغراض: حقيبة سفر وستائر ممزقة تحت الشبّاك 
وشريط تسجيل يحوي مقتطفات من نشرات الأخبار الإذاعية وتسجيلات 
أحاديث عائلية وراديو ترانزيستور ومفتاح ملجأ ولعبة ورق وبطاريات راديو. 


_- في فيلم المخرج السويسري لورن تيسن («أووتزط15 م2م) الدهليز 
(/::#ترطصة) في عام 2004 عن الحرب في لبنان» يأتي الأستاذ الباحث الجامعي 
إلى لبنان لدراسة ما يجري ميدانئيًا. يخرط تي الحياة البونية في تنتال المعرفة. 
جوابًا عن سؤال خلال محاضرة عامة: ما هو سبب الحرب؟ ينتز زع الأستاذ 
الجامعي منفضة عن طاولته ويجيب: بعضهم يقول إن هذه امف مؤامرة 
صهيونية» وبعضهم يقول إنها مؤامرة أميركية . ثم يصمت. طرح عليه عندئذ 
السؤال: وأنت ماذا تقول؟ يجيب: أنا أقول إنها منفضة! وتسقط المنفضة من يده 
وتنكسر قطعًا متائرة وييختلط صوت الأستاذ بصوت المنفضة المحطمة. يعني 
ذلك أنه أيّا كانت التفسيرات والتحليلات. التتيجة واحدة ومأساوية للجميع: 
لبنان هو دهليز والكل في خطر! 

- الأغنية 

الموسيقى» إحدى وسائل التربية» تخاطب الإنسان بكليته وأحساسيه 
وعقلهء وترسخ فيه القناعات. وللأغنية دور مضاعف في هذا المجال. نذكر 
في مسرحية فخر الدين للأخوين الرحباني ما ثبته القائد اللبناني بقوله للصبية 
المدافعة عن الوطن: «أنا السيف وأنت الغنّةة. ْ 

أغاني الحرب عديدة ومتنوعة» أبرزها: 

- أنشد مارسيل خليفة فى كاسيت «عالحدود) أغنية ايا بيروت4؛ كما فى 
كاسيت فرح أغنية «يا أرضي». 1 


211 


للفنان زياد الرحباني عدد من الأعمال الغنائية عن الحرب: كاسيت «فيلم 
أميركي طويل؛ يحوي أغنية «يا زمان الطائفية». ونستمع إلى أغاني الحرب في 
كاسيت «نزل السرور» مثل أغنية «أبو علي». 
للأستاذة الجامعية أمل ديبو «أغنيات عن المقاومة المدنية» أكثرها شهرة 
في عام 1989 «سوا وتعال إليّ» موجهة غالبًا إلى الأطفال» لكن إعجاب الكبار 
بها لا يقل أهمية. تستعمل فيها كلمات بسيطة لكنها غنية مثل: «منتجول. متنقّل» 
منقصدهاء يللا نقررء يللا نخطط؛. 
تقول أغنية «منكبر سواه (كلمات وألحان أمل ديبو): 
نحنا كيف بدنا نكبر؟ إيه متكبر سوا 
والبلد كيف بدو يعمر؟ منعمّر سوا 
بالمدارس بالساحات 
بالبيوت بالطرقات 
نحنا مش راح نتراجع؛ بدنا نعيش سوا 
أنا ما بعرف كل لبنان» متتعرّف سوا 
لكن كيف بدي أتنقل» منتجوّل سوا 
بالسرفيس بالبوسطات 
عجقة سير وعربيات 
نحنا مش راح نتراجع؛ بدنا نعيش سوا 
أنا بدي زور بعليك» منقصدها سوا 
أنا بدي صيّف بالأرزء منطلعلو سوا 
يللا نقرر يللا نفكر 
يللا نخطط ما نتأخر 
نحنا مش راح نتراجع بدنا نعيش سوا 
هوي بيزرع أنت بتحصد مناكل سوا 


212 


أنت بتتعب وأنا بتحمّل ومنكفي سوا 
مش مهم مين الربحان 
نحنا راح نبني لبنان 
نحنا مش راح نتراجع بدنا نعيش سوا. 
«تعالى إلى - نشيد اللاعنف في لبنان» (كلمات وألحان أمل ديبو). تقول 
الأغنية: 
تعال إليّ استقبلني 
أنا آت إليك فحاورني 
نعمل معًا ونصنع غدا 
فإن إيمانك يساعدني 
الاختلاف بيننا لا يخيفنا 
الحواجز أمامنا لا تعيقنا 
ونحن قلة ولكننا ... نؤمن باللقاء 
الجهل والتعصب يضعفكم 
ونحن قلة ولكننا ... معكم أقوياء 
علينا أن نبادر ولا نتنظر 
اخترنا أن نقاوم فلا نتكسر 
ونحن قلة ولكننا ... سوف ننتصر. 
4- المسرح 
- قدّم شكيب خوري مسرحية اذاكرة الأقنعة؛ وهي مسرحية تعبر عن 
ضمير لبنان وضمير صانعيها ومتلقيها. يختصر كابوس الحرب وماتولده من 
هلاك روحي ومادي. 


213 


- قدم الفنان منصور الرحباني مسرحيته الوطنية «صيف 4840 وفيها 
استعادة محطات من التاريخ تعيد نفسها بين أعوام 0 و1989 و1990. 
ولمنصور أيضًا مسرحية «وقام في اليوم الثالث» يحكي فيها عن الإله المتأنس 
وهو طريق الخلااص: «مش مهم الموت, المهم القيامة4. ويحكي عن العطاء 
في وجه البغض. رسالة واضحة: الحق والحقيقة هما الباقيان دائمًا. 

5- التصوير الفوتوغرافي والمعارض 

- عرض الفوتوغرافي أيمن تراوي صوره عن بيروت القديمة والحديثة» 
بيروت الحرب وبيروت الإعمار من خلال 56 لوحة» في العاصمة بيروت وفي 
سان باولو في البرازيل. وسعى إلى إقامة معرض نقَّال لثلاثة أعوام أو أكثر في 
أنحاء العالم كلها. كان معرض تراوي «ذاكرة بيروت». 

- في نقابة الصحافة في بيروت» جرى عرض «شهر الصورة الفوتوغرافية» 
عن بيروت الحرب والغياب وصورة إنسان لينان الشاهد الصامت» ووجوه 
استعادة الحياة أو إيقافها. حاول الشهر أن يمد الجسور بين المدن اللبنانية 
والمناطق» ونجح في تحقيق بعض أهدافه. وأيقظ حوارًا ثقافيًا بين المصوّرين 
الذين يصوّرون اللحظات. لكن هل يريد الناس محو لحظات الماضي؟ نتذكر 
كي لا ننسى. 

- معرض لوحات ضوئية: كان للفنانة منى باسيلى حكاية عن الحرب 
#بأسلوب آآخرة. رافق هذا العنوان عرقها سين الروحة أن ضوئية كما قالت» 
رسمت الحرب بأسلوب مختلف عن رسوم الحرب. لا رصاص ولا دماء بل 
مقهى» هو مقهى للسلام» حيث كان يحلو احتساء فنجان قهوة قبل أن تجرفه 
الحرب. عرضت ضوثياتها من لوحة الحرب حتى لوحة السلام. 

- معرض بوسطة عين الرمانة: أقام الفنان حسين صولي معرضًا في 
الصنائع لبوسطة عين الرمانة» حماية لذاكرة الحرب ضد النسيان. في موقف 
للسيارات» وضعت بوسطة عين الرمانة الشهيرة وتحوّلت معرضًا يحاول 
اختصار حرب كاملة وأرقام حتى لا ننسى: 144250 قتيلاء 197506 جرحى؛ 


214 


0 مهبر و17415 مفقودًا. وججهّزت البوسطة التى خلت من المقاعد. 
بعاعة عسوت نيع ماهد طن حادثة عين الرمانة والتترب: 

- معرض أتذكر: في وسط العاصمة» في ساحة الشهداءء أقامت ندى 
صحناوي معرض «أتذكر. جمعت فيه صحفًا وشهادات تروي الحرب. ذكريات 
وشهادات على أوراق صحف غدت مصفرّة. كتب وأفلام وأغان ومعارض» هذه 
الصور والمشاهد كلهاء كي لا تندثر دروس الحرب القاسية. 


- معرض صحف الحرب: خلال مراحل الحروب في لبنان بدءًا من عام 
5 كتكائر عدد صحف الحرب غير المرخصة وبلغ حوالى 79 صحيفة 
سياسية» بين يومية وموقوتة (أي أسبوعية» نصف شهرية» شهرية» وفصلية). 
وجاء الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982 ليجمّد تضخم الإعلام المقروء» 
فتقلص العدد. وتمكن محمد ميشال الغريّب من جمع نسخ أصلية لمعظم 
هذه الصحف. وأقام معارض عدة في بيروت جاءت شهادة على «الحرب بين 
الكلمات داخل قاعة واحدة6» ومن ثم أهدى الغريّب تلك النسخ إلى معهد 
(ليافث4 في الجامعة الأميركية في بيروت لتكون هناك في متناول من يرغب في 
الاطلاع عليها. 


بلغ عدد الصحف غير المرخصة التي صدرت فى بيروت «الغربية4 مقر 
أحزاب «الحركة الوطنية؟ والمنظمات الفلسطينية 60 صحيفة, بينها عدد من 
الصحف التابعة للمنظمات الفلسطينية» بينما انحصر عددها فى المنطقة الشرقية 
من العاصمة فى 19 صحيفة. تُنشر هذه الدوريات باللغات العربية والفرنسية 
والإنكليزية والأرمنية. وهذه الظاهرة لم يشهد العالم العربي مثيلًا لها في 
تاريخه9. 

(8) 792 صحيفة غير مرخصة تنتمي إلى كل الاتجاهات: ظاهرة استثنائية في بيروت»؟ إقرأء 
العدد 494 (2 تشرين الثاني/ نوقمير 1984)؛ ص 37-36. 


(9) المصدر نفسه. 
(10) المصدر نفسه. 


215 


يمكن تاليا مقارنة ما شهده لبنان من انفلاش إعلامي خلال تلك المرحلة 
من الحرب بما مرّت به دول أخرى في مراحل مضطرية من تاريخها. إبان 
الثورة الفرنسية في عام 1789 وبعدهاء تكاثرت الصحف السياسية حتى 
بلغت زهاء الألف. وتنوعت أسماؤها التى جاءت أحيانًا معترة عن النقمة 
على الأوضاع السائدة. 
6- كتنب وروايات وشهادات وتاريخ شفوي عن الحرب 
في يلي كشف روايات وشهادات وتاريخ شفوي عن الحرب: 
خويري؛ أنطوان بطرس. حوادث لبنان. 12 ج. بيروت: دار الأبجدية للصحافة» 
6 -1983. 
ديب» يوسف. الجنوب تحت الاحتلال: يوميات» وثائق 1983. بيروت: مؤسسة 
الأبحاث العربية» 1984. 
الذيب» محمد. لوحات من عجرب الجبل. قدم له فؤاد سلمان. بيروت: دار 
الفارابي» 65. 
صليبي» غسان. «الأعمال الجماعية للمقاومة المدنية ضد الحرب في لبنان اليوم». 
عبد الله» حليم. الوجه الآخر للحرب في لبنان: ما لم يُكتب عن الحرب في لبنان. 
بيروت: حليم عبد الله» 1993. 
عقل» فاضل سعيد وأنطوان جرجي الجبيلي. وقائع - الحرب في لبنان: موسوعة 
أحداث 1975 - 1976 المصورة. بيروت: دار الوقائع» 1978. 
كيوان» فاديا. تشكل المجتمع المدني في لبنان. بيروت: المركز اللبناني للدراسات» 
3. 
. #تاريخية مفهوم المجتمع المدني.؟ في: المجتمع المدني في لبئان: وقائع 
الندوة المتخصصة المنعقدة فى 25-24 أيار 1996. بيروت: الهيئات الأهلية 


216 


أء] ضنهل0ز86 ل2تصطة عل دعاءةا زمودلف]1 12018 [06] عتل [13 كناهك] .1ن ' ناماه 611طآا عآ 
متأم غ5 أ .عمأماولط 601785) .1994 ,.ل6 01115 :[وموط] 0181800 :[طسمسرعظ] .[.له 
(عمتةىممسعاهمه 


سادسًا: ما العمل؟ 

يحتاج لبنان إلى بناء ذاكرة مشتركة جماعية» لا من خلال كتب تاريخ 
فحسبء بل أيضًا إلى تاريخ شفوي وأفلام وثائقية وطقوس ذاكرة وتشجيع 
إنشاء متاحف بلدية. لكل بلدية ذاكرة» ولا يجدر الانطلاق من فكرة أن الناس 
لا تريد الاستماع إلى تاريخ الحرب. ما يزيد على 80 في المثئة من تاريخ 
الحروب في لبنان يقوم على تضامن الناس ومقاومتهم الحرب ودقاعهم عن 
الحريات''؟. هذه ظاهرة عمومية. 

يروي روبير يونغ (ومدالا 80565) عن هيروشيما بعد تفجير القنبلة النووية 
فيهاء كيف ظهر عقب المأساة أشخاص عاديون ومعلمات مدارس وبائع 
وممرضة... إلخ كان همهم مساعدة زملائهم وتحوّلوا إلى أبطال. إنها ظاهرة 
إنسانية عامة بعد كل كارئة من منطلق دفاعى. شاهدنا ذلك أيضًا فى ذكرى 
مرور 60 عامًا على الإنزال الأميركي في النورماندي خلال الحرب العالمية 
الثانية» 5 في لبئان مرارًا. وتساهم هذه الظاهرة في رفع المعنويات» لكن 
عمومًا يركز الوعلام على العنف وعلى ما هو عنصر إثارة» فيما للكوارث 
عبر التاريخ جانب آخر هو جانب إنساني يحث الناس العاديين على المبادرة. 
فيتحولون إلى أبطال يجاهدون في سبيل السلام والمساعدة والعون والدفاع 
عن الحريات ودعم الصمود. 

يقتضي تاليا العمل على: 

- تغيير نظرة الأهل إلى أن التاربخ مادة ثانوية: يقتضي العمل على تغيير 


نر لعل 00 أل أولادهم ممن اختار فرعا علميًا لا يعود يتقعه تعلم 


(11) عطالله» نزاعات الداخل وحروب الخارج. 


217 


- برامج التاربخ: تلقن أنماطا مجتزأة من الحضارة العربية وما كتبه 
الفلاسفة والأدباء والشعراء عن البطش والقتل والانتقام. نادرًا ما تركز على 
نماذج في ثقافة التسامح حيث الحضارة العربية غنية بها. هناك حاجة إلى قراءة 
التاريخ والمبادرات الأنموذجية بمنهجية جديدة مختلفة عما تعلّمته الأجيال في 
الماضى. 


- التاريخ هو فعل استمرار: إن التاريخ هو استمرار. وسياقه يجب أن 
يعكس هذه الاستمرارية. لا يمكن حذف أي مرحلة حتى لو كانت مرحلة 
ظلامية لأن تاريخ الأوطان كلها يشمل في آن حقبات مظلمة وأخرى أكثر 
إشراقًا. قامت إحدى الدول العربية بحذف حقبة مهمة من تاريخها في مؤلفات 
التاريخ المدرسي. هذا الحذف جعل التاريخ أشبه بتعليم اجتماعي. لا بد 
من التنقيب في التاريخ العائلي» وفي التاريخ الوطني والعام طيعاء لا للتفاخر 
والشوفينية» بل لوعي المسؤولية وليدرك كل إنسان مواطن أنه جزء من كل 


واستمرارية. 


- منهجية جديدة: تستعمل في المقاربات التاريخية الحديثة منهجية جديدة 
وقراءة أخرى للوقائع والحوادث التي يعيشها لبنان» لا من منطلق البرمجة 
المتعمدة للأذهان التي ما عادت تتلاءم مع تجارب لبنان» وأن لا نتجاهل 
مظاهر التضامن والتسامح والدفاع عن الميثاق الوطني والحريات. يقتضي ألا 
نكتفي بالقول في واقعة أو مبادرة أن صاحبها دافع عن ميثاق العيش المشتركء 
بل نحدد بتفصيل دقيق كيف قام بذلك. 

هل لدينا تاريخ من دون تزوير تاريخي؟ الذاكرة التي لدينا هي ذاكرة أمجاد 
نتغنى بهاء بينما يحوي تراثنا إيجابيات في العلاقات بين الطوائف والأديان 
والجماعات المختلفة والديمقراطية والتحرر والمقاومة المدنية. نحن بحاجة 
إلى إعادة قراءة التاريخ بمنهجية ومقاربة جديدة تركز على الشفوي ولا تهمل 
أي جزء منه. 


218 


الورقة السابعة 


معا في الهم العام 
أصوات قبطية قبل 25 يناير 


محمد عفيقي 


يكاد يجمع معظم الدراسات المتخصصة بتاريخ الأقباط المعاصر على 
إبراز ظاهرة مهمة هي ظاهرة عزلة الأقباط أو سلييتهم أو حتى انسحابهم من 
الحياة السياسية”». وهناك عدد من الأسباب وراء هذه الظاهرة التي نفضل أن 
نطلق عليها ضعف المشاركة في الحياة العامة؛؟ إذ يرجعها بعضهم إلى عصر 
السادات الذي أفسح المجال لعودة التيار الإسلامي لضرب اليسار» هذا فضلا 
عن الصدام المعروف بين الدولة والكنيسة أو السادات والبابا شنودة» ولا سيما 
في أواخر السبعينيات2. 


بينما يرجع بعضهم الآخر هذه الظاهرة إلى الحقبة الناصرية» على الرغم من 
شيوع الرأي القائل إن عصر عبد الناصر كان عصرًا ذهبيًا للأقباط نظرًا إلى الطابع 
القومي «العلماني؟ لهذه الفترة. على أي حال» يرى هؤلاء أن مخاوف الأقباط 
تصاعدت منذ ثورة 41952؛ ففي البداية شهدت فترة 1952 - 1954 شهر عسل 


() انظر: أبو سيف يوسفء الأقباط والقومية العربية: دراسة استطلاعية (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية» 1987). 

(2) محمد حسنين هيكل» خريف الفضب: قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات (بيروت: شركة 
المطبوعات للتوزيع والنشرء 1988). 


219 


قصيرًا بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين» هذا فضلا عن غياب الحضور 
القبطي في مجلس قيادة الثورة وربما حتى بين الصف الثاني من الضباط الأحرار. 
ويؤكد هذا الفريق مقولته من خلال إبراز التأثير السلبي لقوانين يوليو الاشتراكية في 
عام 1962 وحركة تأميم الشركات التي تأثر بها بعض كبار الرأسماليين الأقباط 
فضلًا عن الشريحة العليا من الطبقة الوسطى من الأقباط التي كانت تعمل في هذه 
الشركات بمرتبات كبيرة» وسيتغير ذلك مع التأميم. يضاف إلى ذلك إلغاء ثورة 
يوليو الأحزاب. وبالتالى ما عاد هناك حزب الوفد؛ حزب ثورة 1919 والقومية 
المصرية الذي أدَى الأقباط من خلاله دورًا تاريخيًا مهمًا في الحياة السياسية. 

لكئنا نرى أن بدايات انسحاب الأقباط من الحياة العامة والسياسية على 
وجه الخصوص ربما ترجع إلى فترة سابقة عمّا طرح في الافتراضات السابقة 
ونقصد بها الفترة الملكية أو الفترة الليبرالية التي درج على وصفها بالعصر 
الذهبي للأقباط والأقليات بشكل عام. 


في رأيناء تجمع عدد من العوامل في نهايات الفترة الليبرالية ساعدت 
في نشوء ظاهرة انسحاب الأقباط من الحياة العامة. ربما يأتي في مقدمها 
الصعود المتنامي للإخوان المسلمين في الأريعينيات وبدايات الفرز الطائفي 
في المجتمع المصري. الأمر الثاني الخروج الكبير للزعيم القبطي مكرم عبيده 
الرجل الثاني في حزب الوفد» من الحزب بعد خلافه مع مصطفى النحاس» 
وتأسيسه حزبًا جديدًا حزب الكتلة الوفدية. ووصف نجيب محفوظ ذلك على 
لسان رياض قلدس المثقف القبطي العلماني قائلا تعقيئًا على خروج مكرم من 
الوفد وقول محدثه المسلم من أن البعد القومي للوفد لن يذهب: «هذا ما يكتب 
في الجرائد؛ أما الحقيقة فهي ما أعني» لقد شعر الأقباط بأنهم طردوا من الوفده 
وهم يتلمسون الأمان وأخشى أن لا يظفروا به أيدّاة0©. 

صاحب ذلك ظهور مشكلات داخلية حادة فى داخل الكنيسة القبطية» 
ولاسيما في ما يتعلق بعملية الإصلاح. الأمر الذي أدّى إلى اقتناع مجموعات 


(3) نجيب محفوظهء السكرية (القاهرة: مطيعة مصرء [1958])» ص 249. 


220 


من الشبان الأقباط آنذاك بأفضلية إصلاح البيت الداخلي» الكنيسة» على إصلاح 
المجتمع بشكل عام. وعلى هذا نشأت ظاهرة الهجرة إلى الكنيسة مع مجموعة 
شبان مدارس الأحد التي اختارت دخول الحياة الديرية لإصلاح الكنيسة 
من الداخل» وما عرف في نهايات الأربعينيات ومطلع الخمسينيات بظاهرة 
«الرهبان الجامعيين»» والمقصود دخول خريجى الجامعة إلى الدير للارتقاء 
بالحالة المتردية التى وصلت إليها الكئيسة» وكان فى مقدمة هؤلاء الشاب نظير 
جيد خريج قسم التاريخ في كلية الآداب جامعة القاهرة الذي أصبح في ما بعد 


البابا شنودة*. 


مهما يكن من رصد بدايات انسحاب الأقباط من الحياة العامة القبطية» 
إلا أنه أصبح واضحًا للجميع» ولا سيما أبناء جيلي» مدى حجم هذه الظاهرة 
وفداحتها على الوحدة الوطنية والمشاركة السياسية؛ إذ كاد المجتمع المصري 
يتلوّن بلون واحد هو الطابع الإسلامي» فليس هناك محافظ قبطي» أو رئيس 
جامعة» وحتى الأسماء في الأفلام والمسلسلات خلت تقرييًا من الطابع 
القبطى. وبينما عرفت الجامعات المصرية ظاهرة الجماعات الإسلامية لتجذب 
الشباب المسلم إليهاء ظهرت كردة فعل ظاهرة الأسر المسيحية بين الشباب 
القبطي الجامعي» وإن خلت الأخيرة من فكرة العنف. 

في مثل هذه الأجواء غاب الصوت القبطيء أو مّمَشء وارتاحت الدولة 
لهذا الأمرء ولا سيما في عصر مبارك» حيث اختزل الأقباط في شسخص الكنيسة» 
أو في الحقيقة في شخص البابا شنودة الذي مال إلى جانب نظام مبارك تخونًا 
من البديل المرء التيار الإسلامي”*. 

منذ النصف الثانى من التسعينيات بدأت تتشكل ظاهرة جديدة تحاول 
تغيير هذا الواقع الأليم كلهء محاولة إبراز الصوت القبطي والمشاركة في الحياة 
العامة؛ وبدت هذه الشخصيات كأنها تسبح ضد التيار للوصول إلى مجتمع 

(4) غاني شكريء الأقباط في وطن متغيرء كتاب الأهالي؛ 29 (القاهرة: دار الأهالي» 1990). 

(5) رفيق حبيب ومحمد عفيفي» تاربخ الكنيسة المصرية: كتاب لكل المصريين» تقديم رفعت 
السعيد (القاهرة: الدار العربية للطباعة والنشر والتوزيع» 1994). 


221 


المشاركة. من أبرز هذه الشخصيات التي سنجعل دورها محلا للدراسة: الأنبا 
يوحنا قلته (مواليد 27) وجورج إسحق (مواليد 38) ونعيم صبري 
(مواليد 1946) ورفيق حبيب (مواليد 1959) وسمير مرقص (مواليد 1959). 


نلاحظ أن العيّنة تَغطى فئات عمرية مختلفة» ما يساعد فى الوصول إلى 
صورة أوضح لهذه الظاهرة. الأمر الثاني أن العيّنة تضم الأقباط الأرثوذكس» وهم 
أكثرية الأقباط جورج إسحق ونعيم صبري وسمير مرقصء وأقباط بروتستانت 
رفيق حبيب» وأقباط كاثوليك الأنبا يوحنا قلته نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك. 


يشترك الجميع في مسألة الاهتمام بالتاريخ وإبراز المتغيرات التاريخية 
التي طرأت على المجتمع المصري في النصف الثاني من القرن العشرين» 
ومحاولاتهم العودة إلى المجرى الطبيعي للتاريخ المصريء وهو أن مصر بلد 
التسامح؛ فجورج إسحق خريج قسم التاريخ في كلية الآداب جامعة القاهرة. 
وهو كناشط سياسي يذكر أنه يستلهم داتمًا التجربة التاريخية المصرية في 
الوحدة الوطنية» وكم كانت سعادته عندما شتهته بمكرم عبيد. ورفيق حبيب 
على الرغم من أنه حائز الدكتوراه في علم النفسء إلا أن معظم دراساته تتعلق 
بالتاريخ بدءًا بأطروحته للدكتوراه عن «التطور النفسي للشخصية المصرية» 
تحليل مضمون للفن التشكيلى فى خمسة آلاف سنة»» مرورًا بالكتاب الذي 
كتبه بالاشتراك مع كاتب هذه السطور عن تاريخ الكنيسة المصرية وصولًا إلى 
كتاباته عن المشروع الحضاري الإسلامي. 

أما نعيم صبري فهو روائي وشاعر وأحد حوارتي نجيب محفوظ» وفي 
روايته شبرا©» وهي شبه سيرة ذاتية» يبدأ بالتاريخ متضمنًا حكمًا وتعاليم 
فرعونية» وآيات من العهد الجديد, وأحاديث نبوية» ليصل إلى التاريخ القريب 
تاريخ التسامح في حي شيرا عند منتصف القرن العشرين. وكذلك يفعل 
في روايته الأخرى يوميات طفل قديم التي يروي فيها ذكريات الطفولة في 
الخمسينيات» حيث القاهرة» وشبرا الحي الذي يعيش فيه ما زال يعيش آخر 


)06 عيم صيري» شبرا (القاهرة: مكتبة الحضارة» 2000). 


222 


لحظات الحالة الكوزموبوليتانية. وعندما سألته لماذا كتب رواياته الأولى على 
هذا النحو؟ كان رده: #كانت صرخة ألم ومحاولة للإمساك بالتاريخ6. 


أما الأنبا يوحنا قلته فهو دارس الأدب العربى» حاصل على الدكتوراه عن 
أدب طه حسين» كتب سيرة ذاتية بعنوان قرية غرب النيل70» قال لي إنه استلهم 
فيها روح الأيام» السيرة الذاتية لطه حسين. والحق أن أول انطباع لي بعد قراءة 
الرواية أنها محاولة رفض الواقع بالهجرة إلى التاريخ» ولا سيما التاريخ القريب. 
وعندما تحدثت مع الأنبا يوحنا قلته في ذلك قال لي: #عشت زمن الصبا وحلم 
الشباب في مصر أخرى غير التي نعيش فيها الآن». 

أما سمير مرقص فعلى الرغم من دراسته الاقتصاد الزراعيء إلا أنه مولع 
بالتاريخ » ويُرجع ولعّه هذا إلى تأثير المستشار وليم سليمان قلادة وأبو سيف 
يوسف وكتاباتهما التاريخية المهمة» ولا سيما فى شأن الدور الوطنى للأقباط 
والكنيسة» كما كتب مرقص بعد ذلك مقالات عدة عن تاريخ الأقباط. 

سنجد أن النماذج الخمسة ترفض الواقع المرير بتهميش الصوت القبطي 
وترفض الواقع بالهجرة إلى التاريخ» ولا سيما التاريخ القريب» لتؤكد أن مصر 
هي بلد التسامح والحريات الدينية. 

أعترف أن صداقتي والانخراط في العمل العام مع هذه الشخصيات الخمس 
ساعدني كثيرًا في سهولة عقد اللقاءات المتتالية» بل المعايشة شبه الدورية لمعظم 
هذه الشخصيات أحياناء ولا سيما جورج إسحق ورفيق حبيب ونعيم صبري 
وسمير مرقص. أما الأنبا يوحنا قلته فنظرًا إلى عمله الكهنوتي اكتفيت بعقد لقاءات 
عدة معه في عام 0 فضلا عن الاشتراك في بعض الندوات العامة» والمعايشة 
اليومية أحيانًا عندما تكون هذه الندوات خخارج القاهرة. 

خلال مقابلاتي مع هذه الشخصيات لاحظت الولع بالثقافة العربية» قراءة 
وكتابة» فهم جميعًا يشهدون بأنهم أبناء الثقافة العربية الإسلامية» بل إن الأقباط 
شركاء فيهاء لكن تتباين درجات هذه العلاقة وطبيعتها عندهم. 


(7) يوحنا قلتهء قرية غرب النيل (القاهرة: دار الثقافة - الهيئة الإنجيلية القبطية» 1996). 


223 


يشترك الأنبا يوحنا قلته ونعيم صبري في المساهمة في الأدب العربي» 
كتابة إبداعية أم نقدية» لكنهما يريان أن هذه الكتابة وسيلة أيضًا لوصول الصوت 
القبطي الغائب أو المغيب في الثقافة المعاصرة» إذ تقفز الشخصيات القبطية في 
رواياتهما إلى الساحة العامة التي هي مغيبة عنها آنذاك في الروايات الأخرى» 
وتعالج بعض النقاط شديدة الحساسية مثل الزواج المختلط أو العلاقات 
الغرامية بين الشبان» بصرف النظر عن التماثل الديني» أو حتى التعرض لمسألة 
الفتنة الطائفية. وعندما باغتهما بالسؤال الحرج هل نحن أمام «أدب قبطي؛ 
وروايات قبطية؟ رفضا بشدة هذا التصنيف, وأصرًا على أنها رواية بصرف النظر 
عن التصنيفات المقولبة» قائلين أليس الأقباط جزءًا من المجتمع المصري؟ 
فلماذا لا يظهرون في الأدب أو الدراما السينمائية والتلفزيونية؟! 


دائمًا: «أنا مصري. الثقافة العربية جزء أصيل ومعاصر من ثقافتي» أنا ابن مكرم 
عبيد السياسي الخطيب المفوّه بالعربية». ويشترك إسحق ورفيق حبيب في 
الإيمان بأن الأقباط جزء من المشروع الثقافي العربي الإسلامي. هما يؤمنان 
بضرورة مشاركة الأقباط في ذلك. وعندما سألت إسحق عما دفعه إلى هذه 
الفكرة» كان واضحًا جدًا تأثير المفكر اليساري سابقًا الإسلامي بعد ذلك 
عادل حسين في جورج إسحق؛ إذ ساعد في انخراطه أيضًا في حزب العمل 
في أواخر التسعينيات» ولا سيما عندما تخلى الحزب عن اتجاهه الاشتراكي 
وساد فيه الاتجاه الإسلامي. أما حبيب فتأثر بشدة بمسألة البعد الحضاري 
للإسلام ومشاركة المسيحيين في هذا البعد» ومفهوم «الجماعة الوطنية» أيضا. 
ويرجع رفيق ذلك إلى تأثره الشديد بطارق البشري: «التأثير الأهم في كتاباته - 
في المجتمعء مسلمين ومسيحيين». وتخلى حبيب وإسحق ومرقص مبكرًا 
عن عادة توجس الأقباط من التيار الإسلامي؛ هذه العادة التي استمرت منذ 
أربعينيات القرن الماضي وربما حتى ثورة 25 يناير حين انخرط الجميع في 
روح ميدان التحرير. 


24 


دخل إسحق اللجنة العليا لحزب العمل ما أثار عليه الكنيسة وأغلب 
الأقباط. وقبيل ثورة 25 يناير توثقت علاقة حبيب وإسحق بأبو العلا ماضي 
المنشق عن الإخوان» ورئيس حزب الوسط ذي المرجعية الإسلامية على 
النسق التركي الأردوغاني. هذا الحزب الذي لم تصرح له السلطات إلا 
بعد ثورة 25 يناير. وتعرفت أنا إلى أبو العلا ماضي من خلالهما. وأصبح 
رفيق بعد ذلك نائب رئيس حزب الوسطء ثم بعد ثورة 25 يناير نائب رئيس 
حزب الحرية والعدالة» حزب الإخوان المسلمين! وهاجت الدنيا على رفيق 
من جراء ذلك» ولا سيما أنه ابن رئيس الطائفة الإنجيلية» وأبوه هو القس 
صامويل حبيب» لكن رفيق برر لي موقفه بضرورة المشاركة بين الأقباط 
والتيار الإسلامي؛ وأن هذه هي العودة الطبيعية إلى التاريخ» حيث الأقباط 
جزء من الثقافة العربية الإسلامية» وهذه الطريق الوحيدة لكسر عزلة الأقباط 
عن المجتمع المصري الذي هو بحسب رأيه ذو هوى إسلامي. وكتب رفيق 
مقدمة للبرنامج الأول لحزب الوسط. واعترف لي أنه شارك أيضًا في إعداد 
البرنامج الثاني لحزب الوسط وصوغه بعد ذلك. 


مع اشتراك إسحق مع حبيب في ضرورة العمل مع التيار الإسلامي ضد 
نظام مباركء إلا أن إسحق اختار طريقًا أخرى أكثر اعتدالا. اندمج إسحق يشدة 
في حركة المعارضة من دون توجس من التيار الإسلاميء بل أيّد أبو العلا 
ماضي وعصام العريان ومحمد البلتاجي اختيار جورج إسحق كأول منسق عام 
لحركة (كفاية»» هذه الحركة المعارضة المعروفة التي مهّدت بالفعل لثورة 25 
يناير. وعندما سألت أبو العلا ماضي كيف يرضى هو ذو المرجعية الإسلامية 
أن يكون الرجل الأول لحركة كفاية مسيحيًا؟ أجاب ماضي أن الفقه الإسلامي 
يسمح بذلك فهو يمنع الولاية الكبرى فحسب. أي الخلافة» وأن جورج إسحق 
خير واجهة لإبراز أن «كفاية» تمثل أطياف المجتمع المصري كلها. وكم كان 
إسحق سعيدًا بذلك» لأنه يمثل مرحلة عودة الأقباط إلى الحياة العامة مثلما 
حدث بعد ثورة 1919. وكم كان سعيدًا عندما سألته هل أنت مكرم عبيد؟ 
حيث لم يجب بالكلام» بل بابتسامة عريضة. 


225 


أما سمير مرقص فبدأ حياته العامة من داخل الكنيسة فى أسقفية 
الشباب» في خدمة التوعية الثقافية للشباب القبطي» أو ما يحب هو أن يُطلق 
عليه «التوعية الوطنية». ساعده في ذلك وجود أسقف مستنير مولع بفكرة 
الوطنية وضرورة اندماج الشباب القبطي في المجتمعء هو الأنبا موسى 
أسقف الشباب» هذا الأسقف الذي أدلى بتصريحات مؤيدة للثورة في أثناء 
ثورة 25 يناير» وحتى قبيل رحيل مبارك» على الرغم من تحفظ الكنيسة في 
هذا الشأن. ويتذكر مرقص هذه الأيام جيدًا قائلا: «دورنا في دفع الشباب 
القبطي إلى الوطن لم يكن مرتاححا له من بعضهم في الدولة والكنيسة» لكن 
الواقع فرض نفسه». 

من ناحية أخرى. كان من الضروري استطلاع رأي هذه النماذج في 
الحقب المختلفة لتاريخ مصر وصولا إلى الحالة الحاضرة حتى نستطيع رصد 
الاتجاه العام أو حتى الاتجاهات العامة السائدة لدى الأقباط. و بشكل عام يكاد 
يجمع الجميع على أن عصر عبد الناصر كان أفضل عصور الأقباط في النصف 
الثاني من القرن العشرين» حيث يصف جورج إسحق هذا العصر بأنه (عصر 
المشروع القومي». ويرى سمير مرقص أن الفترة بين عامي 1919 و1969» 
حتى توفي عبد الناصر في عام 1970» تمثل العصر الذهبي للأقباط» وعلى 
العكس من كثيرين يرى مرقص وحدة هذه الفترة بشقيها الليبرالي قبل عام 
2 والاشتراكي بعد ذلك. يقول: «هي فترة الطبقة الوسطىء وفي القلب 
منها الأقباط» التي استفادت من النظامين». لكنه يأخذ على عبد الناصر عدم 
نجاحه في معالجة ما سمّاه «الغياب القبطي في الحياة العامة». 

أما الأنبا يوحنا قلته فيرى أن الأقباط أحبوا عبد الناصر مثلما أحبه معظم 
المصريين: «لشجاعته وإقدامه وتحديه للدول الكبرىء» وانتصاره للفقراءة. 
ولايختلف نعيم صبري كثيرًا في هذا الشأن» فهو يرى: كان جيلي من الأقباط 
متعلقًا بعبد الناصرء» شخصية عظيمة» لم تكن عليه شبهة إهمال للوحدة الوطنية» 
كان يهتم بكل الطبقات». وربما يختلف رفيق حبيب بعض الشيء في نظرته إلى 
عبد الناصرء وهي نظرة مركبة» يرى حبيب: «لم يكن عبد الناصر ضد الأقباطء 


226 


لكن المناخ السياسي ونظام القطاع العام والتأميم ضيّق الخناق أمام الأقباط 
ليتميزواء كما كان عليه الحال في الفترة السابقة الليبرالية». 


أما بالنسبة إلى السادات فالرؤى أكثر من مركبة» ربما بحكم طبيعة شخصية 
السادات التي تجمع في داخلها عددًا من المتناقضاتء أو حتى بحكم متغيرات 
العصر ذاته ... وريما أيسط الرؤى هي ما قاله يوحنا قلته: #لم يبلغ حبي للسادات 
مبلغ حبي لعبد الناصرة؛ ويأخذ على السادات مواجهته البابا شنودة في أيلول/ 
سبتمبر 1981» ما أغضب الأقباط» لكن يذكر له أنه بطل السلام. ويزداد التركيب 
والجمع بين المتناقضات في شهادة نعيم صبري: (السادات لم أكن أتقبله» لكن 
أكبرته في حرب 1973. لم أتقبل كامب ديفيد في البداية» لكن أعدت النظر بعد 
ذلك. هناك اعتراض عام من الأقباط» بل ومن المصريين» على سياسة السادات 
في اللعب على الدين». أما موقف رفيق حبيب فيسير في الاتجاه نفسه» الصورة 
المركبة» وأن عصر السادات جمع بين المتناقضات: (عوامل عدة متناقضة؛ 
الانفتاح الاقتصادي كان في مصلحة الأقباط» لكن عصر السادات أيضًا كان عصر 
الإحياء الديني القبطي والإسلامي» فأصبح بداية للفتنة الطائفية» كان دور النظام 
السياسي اللعب على التناقضات. فأثار ذلك الأقباط بشدة». وتأتي إجابات إسحق 
ومرقص شبه قاطعة فى رفض عصر السادات» يقول إسحق: «أنا كنت ضد كامب 
ديفيد» السادات هو الذي أحيا الإخوان المسلمين". ويرى مرقص أن السادات: 
«رمى الطبقة الوسطى في الشارع» ومعظم الأقباط منهاء ولذلك تضررنا». 

ربما لا تفارقنا الصورة المركبة» والجمع بين التناقضات عند الحديث عن 
عصر مبارك» لكن مع ميل إلى إدانة عصر مبارك؛ إذ يتحفظ الأنبا يوحنا قلته 
في الحديث عن مبارك» ويترك ذلك للتاريخ» بينما كان جورج إسحق حاسمًا 
بطبيعته كمعارض معروف لعصر مبارك: «أنا كنت المنسق العام لحركة كفاية» 
أنا سُجنت في عصرهة. وعلى المنوال نفسه يرى نعيم صبري أن مبارك وعصره: 
الم يكن له لون ولا طعم ولا رائحة» حتى في موضوع الوحدة الوطنية». 
ويختلف سمير مرقص بعض الشيء في تقويمه مبارك وعصره؛ إذ يخفف من 
حدة النقد تجاهه: «لم يكن حاسمًا في حل المشكلة القبطية» لكن لا أستطيع أن 


227 


أدينه بالقدر الذي أدين به السادات». وربما يعطى رفيق حبيب صورةٌ أكثر تركيبًا 
وأكثر تصويرًا لأزمة الأقباط فى عصر مبارك: «تشكلت لدى الأقباط إشكالية 
كبرى؛ تحالفوا مع النظام بقوة» وفي الوقت نفسه كانوا يشعرون بالاضطهاد. 
الحامي والجلاد كانا شخصًا واحدّاء خوفا من التيار الإسلامي» كان نظام 
مبارك - بالنسبة إلى الأقباط - حليقًا وخصمًا في وقت واحدا. 


هكذا نرى أن أكثر العصور قبولا - فى الفترات الأخيرة - عند الأقباط 
هو عصر عبد الناصرء كما هناك شبه إدانة جماعية لعصر السادات؛ واخختلافات 
نسبية في النظر إلى عصر مبارك» ترجح الإدانة» لكن وصول الإخوان المسلمين 
في أعقاب عصر مبارك» يؤثر في الصورة العامة» وربما يخفف من حدة الإدانة. 

الأمر الآخر هو النظرة إلى الإخوان المسلمين» وبينما يتحفظ الأنبا يوحنا 
قلته بعض الشيء. لكنه شارك قبل 25 يناير في عدد من الندوات السياسية 
والفكرية مع بعض الإخوان» كما مثّل الكنيسة الكاثوليكية في لجنة إعداد دستور 
2 الذي أطلق عليه دستور الإخوان» لكنه ضد اختلاط الدين بالسياسة 
وأمامه التجربة التاريخية للكنيسة الكاثوليكية في أوروبا. ويأتي رد نعيم صبري 
حاسمًا في هذا الشأن: «كنت أحاول أن أغفر لهم تاريخهم - الإخوان - وأقول 
إنهم تيار وسطيء لكن اتضح أنهم جماعة إرهابية» لذلك اندمج الأقباط في 
ثورة 30 يونيو دفاعًا عن الهوية المصرية6. 


أما بالنسبة إلى جورج إسحق وسمير مرقص ورفيق حبيب فالعلاقة مع 
الإخوان علاقة مركبة وشديدة التعقيد بحكم انخراطهم في الحياة السياسية قبل 
5 يناير وبعدهاء وربما تحالفهم مع الإخوان» ضمن جبهة وطنية واسعة ضد 
نظام مبارك. وسيدخلون هؤلاء الثلاثئة في حوار مع جماعة الإخوان» ولا سيما 
منذ عام 2005. حين حصل الإأخوان على 20 في المئة من المقاعد النيابية» وبات 
واضحًا أن الإخوان هم الوريث المحتمل لنظام مبارك. وكان هذا الحوار يجري 
بعدم ممانعة الكنيسة. ويرجع حبيب سبب الحوار إلى خاصية تتعلق بالشخصية 
القبطية وهي ضرورة التأقلم مع المتغيرات: #وجد الأقباط حصول الإخوان على 
8 مقعدًاء فكر الأقباط لماذا لا نتحاور مع الإخوان ونتكيّف معهم». 


228 


لم يكن جورج إسحق بعيدًا عن ذلكء فرفاقه في النضال ضد نظام 
مبارك هم عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد البلتاجي وغيرهم. 
لكن الحوار بين الأقباط والإخوان فشل في إقامة جسور بين الطرفين» ويرجع 
سمير مرقص سبب الفشل إلى: «حاول الإخوان طمأنتنا من المخاوف التي 
تحكم علاقة الأقباط بالإخوان» لكنهم - الإخوان - لم يقدموا إجابةٌ واضحة 
أو اجتهادًا أو مشروعًا فكريًا واضحًا في هذا الشأن». لكن رفيق حبيب يرجع 
فشل الحوار إلى أسباب أخرى: «الدولة تعمل دائمًا على إفشال الحوار» لأن 
التواصل بين الأقباط والإسلاميين يسقط حجة الدولة». ويرى: «أعتقد أن في 
حوار 2005 - 2006 كانت الرؤى أكثر وضوحًاء وخطاب الإخوان جيد. لكنه 
يواجه بالشك من المسيحيين». 


على أي حالء فشل هذا الحوار في تجسير الهوة بين الأقباط والإخوان 
المسلمين» وهذا ما اتضح بشدة بعد ذلك في أثناء حكم الإخوان» عندما 
اتهم زعماء الإخوان الأقباط بأنهم أغلبية المتظاهرين أمام القصر الرئاسي أيام 
مرسيء وأن الأقباط تحالفوا مع فلول مبارك! 


خاتمة 


إن هذه الخلفية التي قمنا بتوضيحها في الصفحات السابقة توضح لنا سر 
خروج كثير من الشباب القبطي في أثناء ثورة 25 يناير» ثم الموجة الثانية في 
0 يونيو. وتفسّر أيضًا خروج معظم الأقباط من الكنيسة إلى حضن الوطن. 
كان الأقباط قبل 25 يناير عندما يواجهون بعض المشكلات يقومون بالتظاهر 
داخل الكاتدرائية القبطية في العباسية» لكنهم الآن يتظاهرون في شوارع مصر 
مثلهم مثل إخوانهم المسلمين. وهو الحلم الذي سعى إليه جورج إسحق 
وحبيب ونعيم صبري وقلته ومرقص وغيرهم., هذا الحلم الذي بدا بوضوح 
غير مسبوق في تاريخ الأقباط في أثناء قداس عيد القيامة في البطريركية» وفي 
أثناء تلقى البابا شنودة» قبيل وفاته» تهنئة وفد المجلس العسكري بالعيد هتف 
بعض الشباب القبطي: #يسقط حكم العسكر». فكانت هذه سابقة كسرت مبدأ 


229 


«على ابن الطاعة تحل البركة؟» ومؤشرًا مهمًا إلى ظهور جيل جديد من الشباب 
انخرط بشدة في الشأن العام من دون وصاية كبيرة من الكنيسة. 


يبقى في النهاية عرض الحالة الحاضرة للشخصيات الخمس محل 
الدراسة؛ جورج إسحق الناشط السياسي وعضو مجلس حقوق الإنسان» تخلى 
عنه الإخوان في الانتخابات البرلمانية» بل ونجح مرشحهم في مواجهة إسحق» 
وأصبح إسحق بعد ذلك عضوًا باررًا في جبهة الإنقاذ المعارضة للإخوان. 

رفيق حبيب أصبح نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي 
للوخوان؛ ومستشار الرئيس المعزول محمد مرسيء, لكنه بعد 30 حزيران/ 
يونيو - كما قال لي - اعتزل السياسة لأنها عملية قذرة من وجهة نظره» وتفرغ 
لاستكمال كتابة مشروعه الحضاريء لكنه لا يزال يؤمن - من وجهة نظره - 
بضرورة اندماج الأقباط في المشروع الحضاري العربي الإسلامي. 

الأنبا يوحنا قلته أصبح عضوًا في لجنة المئة لكتابة دستور 2012 في زمن 
مرسيء وكما قال لي إنه دخل كممثل للكنيسة الكاثوليكية» وكانت البدايات مبشرة» 
لكنه انسحب من لجنة كتابة الدستور مع غيره من ممثلي الكنائس والأزهر والقوى 
المدنية» احتجاجًا على سيطرة التيار الإسلامي على مجريات إعداد الدستور. 

اختير سمير مرقص مساعدًا لرئيس الجمهورية في زمن مرسيء لكنه 
سرعان ما استقال احتجاجًا على الإعلان الدستوري الاستبدادي في تشرين 
الثاني/ نوفمبر 2012, وأصبح عضورًا بارزًا في جبهة الإنقاذ المناوئة للإخوان. 

أما نعيم صبري فاحتجب تقريبًا في منزله في الفترة الأخيرة لكتابة رواية 
جديدة. 

في أي حال أوضحت الدراسة نضالات بعضهم في كسر عزلة الأقباط 
وضرورة انخراطهم في الهم العام» هذا المشوار الطويل الذي بدا صعبًا في 
البداية لكن تجلى نجاحه بشكل كبير مع ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011 
و30 حزيران/ يونيو 2013. 


2130 


الورقة الثامنة 


جوانب غير مكتوية من مقاومة 
الاستعمار الفرنسي في المغرب 
(مدينة الجديدة أنموذجا) 


عزالدين جسوس 


مقدمة 

ربما لا يخفى على أحد من أهل مديئة الجديدة» خصوصًا من الذين 
عايشوا الاستعمار الفرنسي للمغرب بمن في ذلك أبناؤهم؛ ما قامت به فئة 
من أهل المدينة من مقاومة المحتل بطرائقهم وأساليبهم. وإلى الآن يحظى 
هؤلاء المقاومون بتقدير خاص ومكانة مميزة في ذاكرة المديئة» سواء أولئك 
الذين قضوا نحبهم أم الذين ينتتظرون. وإضافة إلى هؤلاء نجد آخرين عملوا في 
مواقع بعيدة عن القيادة أو تعاطفوا مع المقاومة. ولا تحوي المصادر المكتوية 
أعمالهم» فكل ما يرتبط بهم وبأعمالهم تحفظه الرواية الشفوية وذاكرة المدينة. 
وهذه المعلومات إن لم تُتدارك ستُفقد» ومن ثم تضيع إحدى صفحات الحركة 
الوطنية المرتبطة بتاريخ المغرب الحديث. لذلك» اعتمدنا أساسًا في جمع 
المعلومات على الرواية الشفوية لكتابة هذا البحث. وتقع هذه المعلومات 
ضمن أعمال المقاومة التي واجهها الفرنسيون في المغرب» وأدت في ما يعد 
إلى استقلال البلاد. ومن المصادر التي اعتمدناها: ْ 


231 


عبد الله شاكر: محام ورئيس المجلس العلمي في الجديدة» درس في 
جامعة القرويين بفاس”" وكان له علاقة متينة في الأعوام الأخيرة قبل الاستقلال 
برواد المقاومة في الجديدة: قاسم العراقي وراضية لمسفر اللذان كانا يعتبرانه 
بمنزلة ابنهما. وما زاد من توطيد هذه العلاقة أن الزوجين لم يرزقا ذرية. ورشّحه 
قاسم العراقي في عام 1963 عضورًا في المجلس الوطني لحزب الاستقلال. 
ويبلغ عبد الله شاكر حوالى 5 عاما. وتتميز رواياته بالدقة. 


(1) يحكي عبد الله شاكر قصة لافتة عن سبب متابعة دراسته في مدينة فاس. كان طلبة مديئة 
الجديدة ونواحيها يتابعون دراستهم في مراكش لقربها من الجديدة. وحدث أن التقى محمد الدكالي 
وهو الأخ الأكبر للمغني المغربي عبد الوهاب الدكالي. واستقرت هذه الأسرة في فاس منذ زمن طويل. 
فاقترح محمد الدكالي على الطلبة الستة الذين التقاهم؛ ومن بينهم عبد الله شاكر الذي كان أصغرهم 
سنّاء متابعة دراستهم في فاس في جامعة القرويين» وقرن الاقتراح يتأكيده لهم أنه سيساعدهم في كل ما 
تنطلبه هذه الرحلة الدراسية. وتردد عبد الله شاكر لصغر سنه. وقبل الطلبة عرض محمد الدكالي وتهيأوا 
لرحلتهم العلمية. ويتنسيق معه وجدوه يتنظرهم في محطة الحافلات في باب أبي الجنود بفاس. فأخذهم 
إلى منزل أبيه لأنه لم يكن قد تزوج. فلقوا ترحييًا كبيرّاء واضطلعت الأسرة بكل ما يلزمهم من مسكن 
ومأكل وعاملتهم كأنهم أبناؤها. وكان أبو محمد أحمد الدكالي حافظًا القرآن» له علم ومعرفة وخط 
جميلء فكانوا يجلسون إليه في حداثتهم ولا يأبهون لمضي الوقت لطريقته في الكلام وحسن قوله. كما 
كانت أخت محمد فتيحة حافظة القرآن أيضًاء تجوّده بين الحين والآخر فكانوا يستمعون إلى تجويدها 
وحسن إلقائها من دون رؤيتها. وكان جميع أفراد الآسرة من حزب الاستقلال ما عدا إدريس الذي كان 
منخرطا في حزب الشورى والاستقلال. وشعر الطلبة بعد استقرار حالهم أن عليهم مغادرة دار أحمد 
الدكالي واستئجار منزل للسكن. وبعد بحث طال لأيام لم يجد الطلبة مسكنًا للكراء وزاد حرجهم من 
وضعيتهم. ولما يئسوا قرروا العودة إلى ديارهم فأخبروا محمد الذي فاجأه قرارهم. وظن أن ثمة تقصيرًا 
في أمر من الأمورء أو أن أحدهم في الييت عاملهم معاملة غير لاثقة» لكنهم أكدوا له أن أيّا من ذلك 
لم يحدث وأنهم ما لقوا إلا ترحيبًا ووجهًا بشوشًا وكرمًا سخيّاء وأنهم لا يمكن أن يستمروا في هذا 
الوضع. وبما أنهم لم يجدوا السكن قرروا العودة وقرارهم هذا لا رجعة فيه. تركهم محمد وذهب إلى 
أمه مباشرة فأخبرها بالطارئ. طلبت منه أن يأتيها بالطلبة لتحدثهم. ويقول شاكر إن الأم حدثتهم من 
وراء حجاب ولقّتنهم درسًا مهما في الكفاح والجد والمثابرة لمواجهة الصعاب. وكان لقولها وقع عميق 
على نفوسهم؛ فخجلوا من أنفسهم ومن موقفهم وتراجعوا عن قرارهم. وساعد القريب والبعيد الطلبة 
في البحث عن السكنء وبعد معاناة عثروا على مسكن في حي سيدي العواد. واشترط أحمد الدكالي 
وأسرته على الطلبة بعد رحيلهم إلى إقامتهم الجديدة في فاس أن يتناولوا معهم أسبوعيًا وجبة الكسكس 
المعروفة في المغرب كل جمعة: وأضحت لديهم عادة أسبوعية. وعندما حل شهر رمضان كانت الأسرة 
الدكالية ترسل إليهم يوميًا شرية «الحريرة» التي يتناولها أهل المغرب عند الإفطار في رمضان تحملها 


أخخدت محمد والخادمة. 


212 


عبد الرحمن خلقي: يلقب ب #السكوري» وةالبناي»: اسمان تمويهيان لتخليط 
الأمر على الفرنسيين. انخرط في حزب الاستقلال في عام 1947» وأصبح في عام 
3 من رجال المقاومة الميدانيين المعروفين في الدر البيضاء". يحمل بطاقة 
خاصة ب «أعضاء المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحريرة 
رقم: 521874. وحصل في عام 2005 على وسام ملكي من درجة قائد. وحمل 
السلاح في الدار البيضاء ونفذ ثماني عمليات ميدانية كللت كلها بالنجاح. وانخرط 
بعد الاستقلال في سلك الشرطة وأصبح مفتشًا بها. غادر الدار البيضاء واستقر في 


الجديدة. يبلغ حاليًا حوالى 92 عامًا ويتحرى التدقيق فى رواياته بصوته الجهوري 
الذي يدل على مواقفه الثابتة في خط المقاومة. 


حسن هيكل: يبلغ نحو 80 عامّاء ويمثل مصدرًا مهما لأنه كان المشرف 
على «مكتبة النجاح» التي يملكها قاسم العراقي؛ وكان فاعلًا في دور المكتبة 
في المقاومة» إلا أنه لا يركز في معلوماته. وكنت أظن أن الاتصال به سيعود 


(2) شارك بشكل فاعل في الإضراب الذي قرره حزب الاستقلال والمنظمات النقابية تضامنًا مع 
المقاومين التونسبين بعد اغتيال فرحات حشاد في 5 كانون الأول/ ديسمير 1952. فقام بالتعبئة مع باقي 
المقاومين ووزعوا المناشير لإنجاح يوم الإضراب في 8 كانون الأول/ ديسمبر. فهوجم عدد من مراكز 
الشرطة ومصالح الفرنسيين في الدار البيضاء. وألقي عليه القبض وحقق معه مرات عدة. ثم انخرط في 
المقاومة المسلحة ضمن منظمة سرية يرئسها عبد السلام الجبلي. وقبض على أفراد هذه الخلية التي 
نالت من عدد من العملاء. وتمكن عبد الرحمن خلقي من الاختفاء عن أنظار الفرنسيين» ثم مغادرة 
الدار البيضاء نحو المنطقة الإسبانية» إلا أنه اعتقل في بلدة تيسة بالقرب من مدينة فاسء ونُقل إلى الدار 
البيضاء إلى سجن غبيلة» ثم إلى سجن مديئة القنيطرة . ونظم مع زملائه خطة فرار لم تنجح أول مرة. 
وعندما تسنى لهم الفرار توجهوا إلى المنطقة الشمالية في تطوان والتحقوا بأعضاء جيش التحريره حيث 
تلقوا تدريبات عسكرية على الأسلحة الثقيلة في «جنان بريشة» في ضواحي المديئة تحت إشراف عبد 
القادر بوزارة. وشارك في الهجوم على المركز العسكري في بني زروال في عام 1955. ومن الععجائب 
التي وقعت لعبد الرحمن خلقي أنه نجا من الموت ثلاث مرات: الأولى عندما ألقي عليه القبض في 
مركز تيسة» حيث تناول حبة الموت كي لا يُمبَض عليه حيّا فلم يمت لأنه لم يجد ماء لأخذ الحبة» فكسر 
قارورة زجاج وحاول قتل نفسه بها. ولا تزال آثار الجروح ظاهرة على بطنه» ونقل إلى مستشفى فاس 
حيث تلقى العلاجات. ثم أصابته رصاصة في موضع قلبه عند الهجوم على المركز العسكري في بني 
زروالء إلا أن قلمًا حديديّاء كان يحمله ردّ عنه الرصاصة التي كسرت القلم وجرحته في كتفه. ويحتفظ 
متحف مديئة الجديدة بتلك الرصاصة. 


233 


بفائدة كبيرة لقربه من الرئيس والمشرف العام على العمل الوطني بالجديدة» 
لكن تبيّن أنه مريض بالبيركينسون» ما جعله ينسى أمورًا كثيرة وهو يعترف 
بذلك» لذا تميّزت مروياته بالعمومية وعدم الدقة وبرسم الخطوط العريضة 
لحركة المقاومة. 

أبو بكر البركاوي: أحد أبناء مدينة الجديدة من أسرة معروفة في منطقة دكالة» 
حيث يحمل حي في المدينة اسم هذه الأسرة لما كان لجد أبي بكر هذا من مكانة. 
وكان أبو بكر موظفًا في وزارة الأشغال العمومية» ثم عمل في المكتب الجهوي 
للاستثمار الفلاحي. يبلغ حوالى 80 عامّاء لم ينخرط في حزب الاستقلال» وكان 
شاهدًا على الحوادث» وهو يتحرى الصدق في مروياته. 

محمد العروبي: بائع الحصائر والأغطية» يبلغ حوالى 80 عامًا. لم يشارك 
في حوادث آب/ أغسطس 1955.» لكنه ساهم في توزيع المناشير ليلة التظاهرة. 
ويقدم معلومات عامة وغير دقيقة. وهو أمي» والظاهر أنه نسي بعض الحوادث» 
لذلك تتميز مروياته بنقص كبير في التركيز. 

تتجاوز سن هؤلاء الثمانين عامّاء وحرصتٌ على أن يكون مصدر الأخبار 
منهم لأنهم عايشوا الحوادث وشاركوا فيها وليسوا بعيدين عنها ولم يروها لهم 
أحد. وهذا ما يجعل معلوماتهم أصدق خبرًا لما حدث في الجديدة في المدة 
الزمنية المحددة» فكان الحرص على أخذ المعلومات من مَظانّها. إلا أني لم 
أتمكن من التحدث إلى إدريس لمسفر أحد الأعضاء البارزين في قيادة الحركة 
الوطنية وحزب الاستقلال. وهو ابن أخ راضية لمسفر المقاومة المتميزة. 
وكذلك الحال بالنسبة إلى خخديجة الصديقي التي كانت ضمن الهيئة النسوية 
التي تشرف عليها راضية. ولا شك في أن لرواياتهم أثرًا كبيرًا في توسيع 
معارفنا عن المعلومات التي ججمعت لأنهم لا يزالون في قيد الحياة وعاصروا 
الزمن موضوع البحث. 

يتفق هؤلاء الرواة بمستوياتهم المعرفية والثقافية المختلفة على حرصهم 
خل لاحر عن عاستي رعاه التفصيلات التي يتذكرونها؛ فعند السؤال 


2134 


عن أمر من الأمور التي غابت عنهم كانوا يجيبون بأن لا علم لهم به. وإذا ما نسي 
أحدهم أمرًا فإنه سرعان ما يقول إنه نسي الحادث. وهذا ما كان يردده بين الفينة 
والأخرى محمد العروبي) وحسن هيكل. ولعل هذه المواقف - إضافة إلى 
اتفاق الرواة على مجموعة من الأخبار - تفيد في توثيق المعلومات التي جمعت. 

ولا بد من التأكيد في ختام هذه المقدمة الأمور الآتية: 

- تتناول الأخبار المدة الزمنية للاستعمار الفرنسى فى الجديدة إلى حدود 
عام 1056 

- استقيت المعلومات من خمسة أشخاصء منهم من شارك في المقاومة 
ومنهم من عايش حوادثها. وتتفق رواياتهم على بعض الأخبار وتكمل بعضها 

- للمستوى الدراسي أثر واضح في المعلومات المروية من حيث الضبط 
والتدقيق. 

- ثمة أفراد من المجتمع الجديدي لم أتمكن من اللقاء بهم لديهم معلومات 
عن سير الحركة الوطنية فى هذه المدة الزمنية» هذه المعلومات غير تامة. 

- يشكل اتفاق الرواة على الحوادث دليلا على صحة المعلومات التي 

- فقدان الرواة لا يمكننا من إعادة التأكد مما رووه من أخبار» حيث لا يمكن 
عندئذ إعادة استنطاق هذه المعلومات من خلالهم» وعند ذلك يصبح الياحث 
لا يجد الباحث أمامه في هذا الميدان إلا ما جمع من معلومات من هذه المصادر. 
وهذا ما وقع فيه الإخباريون في مرحلة تدوين التاريخ الإسلامي. 

(3) كان إدريس لمسفر - استنادًا إلى ما يقدمه عبد الله شاكر- يدعو عمته ب #مامي»» وهذا 
ما يفيد ويؤكده أيضًا شاكرء أنه كان مقربًا منها بشكل كبير. 


235 


أولا: رواد الحركة الوطنية بالجديدة 


تقع مدينة الجديدة على الساحل الأطلسي وسط المغرب على بعد مئة 
كيلومتر جنوب الدار البيضاء. وهي مدينة صغيرة كانت تعيش فيها طائفة يهودية 
كثيرة العدد. ويقول عبد الرحمن الخلقي إنه كان يطلق عليها «الملاح؛ - وهي 
تسمية الحي اليهودي - بسبب كثرة اليهود. ولهذا كانت محمية بشكل كبير» 
وملاذًا لكل من أراد أن يلجأ إليها ويختبئ فيها من العملاء. وهذا ما يؤكده أبو 
بكر البركاوي الذي كان يلتقى عددًا من الوجوه التي هربت من الدار البيضاء 
ولجأت إلى الجديدة» حيث إنها كانت تشعر بأمن وحماية بعيدًا عن المقاومين. 
أما أفراد الحركة الوطنية فكانوا يعيشون في خطر كبير نتيجة المضايقات 
وصعوبة تحركاتهم بسبب صغر المدينة. ولهذا وصف الخلقي وضعهم هذا 
بأنهم «كانوا يعيشون في جهنم». ونظرًا إلى حجم المدينة الصغير كان السكان 
يعرف بعضهم بعضّاء إلى درجة أنك إذا ما ركبت سيارة الأجرة ذاهيًا عند 
أحد سكان المدينة ما عليك إلا أن تقول للسائق خذني إلى دار فلان. ويؤكد 
البركاوي فى حديثه بين الفينة والأخرى تلك الألفة التى كانت بين سكان 
الجديدة وكأنهم يتتمون إلى أسرة واحدة. ْ 

في هذا المكان. وفي هذه الأوضاع عاشت فئة من أفراد الحركة الوطنية 
المناهضة للاستعمار الفرنسي. وتُجمع الروايات المعتمدة» بما في ذلك 
ما تحتفظ به ذاكرة المدينة» على أن المقاومة في الجديدة كانت تضطلع بها 
الأسر ذات الأصول الفاسية؛ واستقرت في المدينة لأجل التجارة. وأضحى 
أفراد هذه الأسر تجارًا وسياسيين ومقاومين. ووجد مع هؤلاء القادة بعض 
الأفراد الدكاليين الجديديين وأفراد من أهل منطقة سوس. أما رواد هذه 
الحركة فكان في مقدمهم قاسم العراقي وزوجته راضية لمسفر اللذان كانا 
عضوين فى حزب الاستقلال الذي قاد المقاومة السياسية. ولا شك في أن 
كان" ليها كوو فى المقاومة المسلحةء وهذا ما يظنه رواة الأخبار عق دوق 
إعطاء دليل بسبب التكتم الذي كان يحيط بالعمليات المسلحة. كان قاسم 
العراقي مندوب فرع حزب الاستقلال في الجديدة» وكان رأس الحركة 


2136 


الوطنية. والظاهر أنه من أسرة مقاومة» إذ انخرط أخوه الأصغر فى المقاومة 
في مدينة فاس. وكان قاسم يملك «مكتبة النجاح»» المكتبة الوحيدة في 
المدينة التي كانت تأتيها المناشير وتوزّع منها على الساكنة وعلى أصحاب 
الدكاكين كلما اقتضت الحاجة". ويقول حسن هيكل إن المناشير كانت 
تأتيه إلى المكتبة ولا علم له بمكان إعدادها وكيفيته» وكان يتلقى التعليمات 
بتوزيعها فحسب. والظاهر أن قضية المناشير هذه أحيطت بدورها بسرية تامة 
للخطر الذي كانت تشكله على المقاومة. وكانت فى حد ذاتها دليلا كافيًا 
لإلقاء القبيض على من وجدت عنده. كما كانت المكتبة تتعرضٌ لزيارات 
الشرطة الاستعمارية المتكررة» إما لاصطحاب قاسم العراقي للتحقيق معه. 
إن وجدته في المكتبة» وإما للتحقيق في أمر آخر. وكان حسن هيكل يتعرض 
أيضًا للاستجواب في مكان عمله هذا. 


يتمتع قاسم العراقي بتقدير وثقة كبيرين من أهل المدينة لمواقفه الشجاعة 
وعمله الدؤوبء وهو الذي كان يدير أعمال الحركة الوطنية. ويقول حسن 
هيكل إن «الرجال مثل العراقي قليل؟ و«أمثاله يشكلون ثروة وطنية». وتُجمع 
الروايات أن حياته كانت بين بيته وأعماله التجارية في الكتب» وبين السجن 
والتحقيق. لكن أكثرها كان في المواجهة مع الفرنسيين. وجعل من بيته ومن 
مكتبة النجاح مقرين للاجتماعات. أما دخوله السجن والزمن الذي أمضاه فهذا 
أمر لم يستطع أحد تحديده لعدد المرات التي سجن فيهاء حيث سجن في 
أغبالونكردوس في الجنوب الشرقي للمغرب في إقليم الراشدية: أحد السجون 
النائية عن الجديدة مع إدريس لمسفر في عام 1952. وكانت راضية لمسفر 
تتكبد عناء السفر إلى هذا المكان لزيارة زوجها وابن أخيها. وكان يسهل على 
رجل بهذه الخصال وهذه المواقف جمع التبرعات المالية والعينية من سكان 
الجديدة أو من المناطق المجاورة لهاء وهذا ما كان يفعله بين الحين والآخر 


(4) كنت أود أن أضيف نقطة خاصة تتناول دور «مكتبة النجاح» في العمل الوطني وفي حركة 
المقاومة لأنها تتردد كثيرًا في الروايات» إلا أن حسن هيكل الذي كان مشرقًا عليها ويعد مصدرًا معاصرًا 
وشاهد العيان ما عاد يتذكر من المعلومات ما يُغني. 


2237 


لدعم المقاومة. ويذكر أبو بكر البركاوي أن الوطنيين كانوا يلجأون في عيد 
الأضحى إلى جمع جلود الأضاحي لاستعمالها في تمويل المقاومة. وكانت 


كانت راضية لمسفر مقاومة من الطراز الأول من المؤسسين لفرع حزب 
الاستقلال في الجديدة» وكانت حركية تعمل بكد ونشاط كبيرين في قيادة 
الحركة الوطنية. يصفها عبد الله شاكر وأبو بكر البركاوي ومحمد العروبي 
ب «الشعلة المتوقدة» التي كانت تضطلع بتوعية سكان الجديدة؛ حيث 
كانت تطرق أبواب الدور محرّضة ضد الوجود الفرنسي» ذاكرة مساوثه. 
وبعبارة البركاوي؛ فإن هذه المقاومة تستحق أن تُنجز عن شخصيتها ودورها 
في المقاومة «أفلام وأفلام». ويفيد حسن هيكل أنه كان للمرأة مواقف 
شجاعة وتتميز شخصيتها بشهامة وإقدام في المواقف الصعبة. وكانت إذا ما 
أحجم الرجال عن القيام بأمر من الأمور فإنها تنطوع للاضطلاع به وتنفيذه. 
ومن بين مواقفها في دعم الحركة الوطنية أنها كانت تتكلف بإعداد ما لل 
وطاب من الطعام للمعتقلين في «سجن العدير» - الذي أعدم فيه عدد كبير 
من المقاومين في القرب من الجديدة - وتأخذه إلى السجناء بمعيّة زوجها. 
ولم يقدم حسن هيكل عنها معلومات ذات بال باستثناء أنه كان يعتبرها في 
مرتبة أمه» وكانت تتكلف بالمكتبة عندما يساق زوجها إلى السجن أو إلى 


كانت تحيط براضية نسوة أخريات مثل لبابة القادري وبهيجة القادري 
وزوجة التازي وزوجة أحمد الزموري وخديجة الصديقي وفطومة الصديقي. 
ويضيف أبو بكر البركاوي أن صداقة أسرية كانت تربط زوجة عمه بكل من 
فطومة وخديجة. وستصبح راضية بعد الاستقلال المسؤولة والمشرفة على 
الهيئة النسوية. وانتقل الزوجان المقاومان فى آخر حياتهما إلى الدار البيضاء 
التي كانت أرض وفاتهما. ولم يرزقا بذّرية فعمدا استنادًا إلى ما يذكره عبد الله 
شاكر إلى التكفل بتربية ابتتي أخت راضية لمسفرء لطيفة وعتيقة الحريشي. 
وكانت هي التي اختارت عروس عبد الله شاكر الذي يؤكد أنه كان في مرتبة 


238 


ابن هذين الزوجين المقاومين”"©. وهذا ما يفيد أن العلاقة كانت قد توطدت 
كثيرًا بينهم. وكلما تحدث شاكر عنها كان يقرن اسمها بعبارة تقدير واحترام؛ 
وهى بالعامية المغربية: «للا راضية» أي سيدة راضية» وكذلك الحال بالنسبة 
إلى زوجها الذي يدعوه «بالسيد قاسم». وكانت راضية تُعرَف عند ساكنة 
الجديدة بزيّها الأوروبي ويفيد عبد الله شاكر أنها كانت أول امرأة تقود سيارة 
فى المديئة©. 


من وفاء راضية لزوجها وإخلاصها له كانت تسأل الله عند مرضه وإصابته 
بشلل نصفي أن تموت بعدهء وهذا ما كانت تقوله لعبد الله شاكر. لكن شاءت 
القدرة الإلهية أن تموت قبله بستة شهور. وكان فى إمكان أخيها إدريس 
وصديقتها خديجة الصديقي أن يقدما تفصيلات أكثر مما لدينا عن حياتها 
ومقاومتها. 

يأتي مع العراقي عبد الواحد القادريء بائع الأثواب؛ ورفيقه في المقاومة. 
وعانى بدوره التحقيق والسجن إلى حد أنه كان يعيش بنصف رئة يسبب 
ما تعرّض له من الفرنسيين. وفي عام 1954 قدم عبد الله شاكر مع زميل 
له يسمى صلاح الدين إلى الجديدة بموافقة من حزب الاستقلال في فاس 
لتسجيلهما في لوائح الحزب في فرع الجديدة؛ فاتصلا يعبد الواحد القادري في 
فرع الحزب وتم لهما ذلك. 


جعلت داره بمبادرة من أبنائه» خزانة تشرف عليها مؤسسة عبد الواحد 
القادري» افتتحت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2010. وفي هذا المنزل استقبل 


(5) يظهر ارتباط راضية وقاسم بعبد الله شاكر في ما قاما به من بحث عن الزوجة الملائمة» حيث 
أخذاه عند إحدى الأسر في الدار البيضاء ووصل البحث في مدينة القصر الكبير التي تبعد عن الجديدة 
حوالى أربعمثة كلم. وفي آخر المطاف كان محمد التازي سببًا في أن يتزوج من فتاة من أسرة بن كيران 
في الجديدة. 

(6) شبّه شاكر الأمر بما كان قد اطلع عليه في إحدى الصحف زمن إقامته في مصرء حين نشر 
بعضها خبرًا أن أم المطربة أسمهان كانت أول امرأة تقود سيارة في لبنان» فأسقط الأمر على راضية 
لكونها كانت أول امرأة تقود سيارة في الجديدة. 


2139 


أعضاء الحركة الوطنية ولي العهد مولاي الحسن في عام 1949. وتوجد في 
المكتبة صورة تؤرخ لهذه الزيارة وللوفد الذي صحب ولي العهد. كما توجد 
فيه صورة لراضية لمسفر وبعض النسوة اللواتي كن معها عند زيارة زعيم حزب 
الاستقلال علال الفاسي الجديدة. 


كان مع هذه الهيئة القيادية عبد الرحمن لمسفر وهو عم إدريس. والظاهر 
أن أسرة لمسفر كانت فى جلها مقاومة كما هو الحال بالنسبة إلى الأسر الفاسية 
السالفة الذكر. وكان عبد الرحمن يقيم في الدار البيضاءء لكنه كان على اتصال 
دائم بالحركة الوطنية في الجديدة. ولا علم لأحد من الرواة بما كان يقوم به 
من أعماله في سلك المقاومة في الدار البيضاء. وحضر اللقاء الذي كان مع 
ولي العهد في منزل عبد الواحد القادري في عام 9 . ولعل اللقاء بإدريس 
سيفيد في التعرف إلى معلومات إضافية عن حركة المقاومة وعن علاقاتها. 
وأصبح إدريس كاتبًا عامًا لحزب الاستقلال وسجن مع قاسم العراقي في 
أغبالوتكردوس. وألف كتيبًا عن سيرته الذاتية أيام المقاومة. 


إلى جانب هؤلاء ساهم أفراد آخرون في تأسيس حزب الاستقلال في 
الجديدة» مثل محمد التازي وأحمد الزموري الذي أصبح مديرًا لمدرسة 
التهذيب بعد حسن هيكلء» وعبد الله بن إبراهيم خالد يحيى الذي كان يموّل 
المقاومة بكل سخاء وهو من مؤسسي فرع حزب الاستقلال في الجديدة» 
وكان له مكانة خاصة عند ساكنة المدينة» حيث كان يساعد في حل مشكلات 
الناس ويتوسط بينهم ويصلح بين الزوجين. ويؤكد عبد الله شاكر أنه كانت 
لإبراهيه' كلمة مسموعة عند ساكنة الجديدة» حيث لا يستطيع أحد رفض 
طلب له أو وساطة. وهو الذي تولى تسيير شؤون الزاوية الشياضمية بعد وفاة 
مُقدمهاء أي المسؤول عنها. وقبض عليه وحقق معه مرات عدة بسبب مواقفه 
ضد الاستعمار الفرنسي. وهناك أيضًا أحمد السرغيني الذي كان عشَّابًا وصديقًا 


(7) كان عبد الله بن إبراهيم يملك محطة وقود على طريق مراكش من الجديدة. وكان يحب 
عبد الله شاكر كما يحب الأب ابنه ويردد أنه أبوه الثاني. وكان يلومه إذا ما غاب عنه أو تأنخر عن زيارته. 


210 


لأبي بكر البركاويء إذ كانا صديقين يقطئان حيًّا واحدًا. توفي السرغيني عن 
سن تناهز 86 عامّاء وشارك في الحركة الوطنية وعمل على توزيع المناشير 
وتوعية الساكنة وتحريضهم ضد المحتل» وسجن وحقق معه مرات عدة. ويؤكد 
البركاوي أنه كان صاحب ذاكرة قوية» وقبض عليه مع البركاوي في تظاهرات 
عام 1955» حيث سجنا في أزمور على بعد أربعة عشر كلم شمال الجديدة. 


ثانيًا: اغتيال العميل الحمدونى 


تتفق الروايات على أن الحمدوني كان عميلًا للفرنسيين ومن مساعديهم 
ويدور في فلكهم. وكانت تحركاته ومواقفه تؤثر في سير الحركة الوطنية 
وتعرقله. واستنادًا إلى روايتي عبد الرحمن الخلقي وعبد الله شاكر كان يجب 
التخلص من هذا العميل؛ فأخيرّت قيادة المقاوقة فى الدار البيضاء كي تتولى 
أمرهء واتّخذ قرار بقتله. وهذا ما يفيد أن أهل الحركة الوطنية فى الجديدة كانوا 
ضاقوا ذرعًا من أعمال الحمدوني. ويقدم عبد الله شاكر مثالًا لهذه المضايقات 
وهو يحكي ما تعرض له بسبب هذا العميل» حيث كان شاكر يقضي بعض 
عطلاته في مدينة الجديدة لزيارة أهل بيته» وفي إحدى العطلات التقى بصديق 
وزميل له في الدراسة يسمى التونسي كان يستعد للعودة إلى فاس على متن 
الحافلة. فتجاذب الصديقان أطراف الحديث واقترح شاكر القيام بجولة مشيًا 
إلى أن يحين موعد انطلاق الحافلة» وكان لهما ذلك من دون إغفال موعد 
الحافلة» ووصلا إلى المحطة قبل الموعد بقليل ووقفا في المدخلء وللحديث 
شجونء فرمقهما شرطي فرنسي مع الحمدوني وتوجّها إليهما وبدأ التحقيق 
معهما: ماذا تفعلان وإلى أين أنتما ذاهبان» ثم السؤال عن بطاقة الهوية وغير 
ذلك من الأسئلة الاستفزازية التي كان يوجهها إليهما الحمدوني بصوت مرتفع 
وبتهديد واستكبار. ولم يكن شاكر يحمل معه بطاقته لأنه خرج كي ينجول في 
شوارع المدينة الصغيرة ليروّح عن نفسه. بينما كان التونسي يحمل معه لوازمه 
التعريفية وأوراقًا كثيرة سجل فيها دروسه. ولم يكتف المحققان بذلك يسبب 
الأوضاع العامة في المغرب التي ترتبت عن نفي محمد الخامسء بل أخذا 


2141 


الشابين إلى قسم الشرطة لمعرفة سر تلك الأوراق الكثيرة التي لم يستطع 
الحمدوني قراءتها بسبب الخط وبسبب كثرتها. وأسفر التحقيق عن إطلاق 
شاكر على الرغم من أنه لا يحمل بطاقته» بينما تسببت تلك الأوراق بمشكلات 
للتونسي الذي كان عليه ركوب الحافلة. وعندئذٍ تحوّل شاكر إلى مترجم لما 
يوجد في تلك الأوراق لشكهم في أنها مناشير للمقاومة. كما أنهم شكوا في 
بطاقة الطالب التي كانت مع التونسي في كونها بطاقة لحزب الاستقلال. فقال 
له الشرطي الفرنسي بأعجميته #استكلال» فأجاب بأنها ليست بطاقة للحزب» 
ولما تيقنوا من أنه لا يوجد ما يدين الشابين أطلقوا الصديقين في آخر النهار, 
وكانت الحافلة قد غادرت الجديدة إلى فاس. وقضى الصديقان يومًا عصيبًا ما 
زال يذكره شاكر ويضحك. 


حان الوقت لتنفيذ قرار القيادة في الدار البيضاء. فكلفت خلية مقاومة 
للقيام بذلك. وهناك وقع تنسيق بين الجديدة والدار البيضاءء ولا نعلم شيئًا 
عن هذا التنسيق. وما يفيد به عبد الرحمن خلقيء كونه أحد رجالات العمليات 
المسلحة. أن «المزابى؛» كان رئيس الخلية التى نفذت الاغتيال إلا أنه لا يذكر 
باقي الأفراد الذين أوكلت إليهم المهمة. وهذا أمر لا يعلمه عبد الرحمن 
الخلقي ولا عبد الله شاكر. واستنادًا إلى رواية الخلقي» فإن اغتيال العميل 
الحمدوني نظمه في الجديدة العربي القرطبي ومحمد بن شقرونء إذ استقبل 
القرطبي المكلفين بالمهمة وأمضى الرجال تلك الليلة عند بن شقرون. ويقال 
إن قاسم العراقي كان على علم بالعملية لكن لا ندري ما مدى مساهمته فيها. 
وكل ما نعلمه حتى الآن أن بن شقرون كان على اتصال دائم بقاسم العراقي. 
وقُضي الأمرء لكن تمكنت الشرطة الفرنسية بوسائلها التي لا نعرفها من إلقاء 
القبض على العربي القرطبي وبن شقرون. وأودعا السجن وعُذْبا كي يعترفا 
بقاتل الحمدوني. ويعزي الخلقي سرعة القبض على الرجلين إلى صغر المديئة 
وأن ثمة طائفة كبيرة من سكانها كانت تتعامل مع الفرنسيين. ويقول حسن 
هيكل إن قاسم العراقي وقادة الحركة الوطنية كانوا يعرفون العملاء الذين 
يخدمون الاستعمار» فكانوا يتحاشون التعامل معهم. 


212 


ثالًا: اغتيال العميل المعاشي 


اغتيل عميل آخر أيضًا يُسمى المعاشي وأحرق منزله» وكان المعاشي 
كاتب عدل يوثق العقود. وبحسب رواية عبد الرحمن الخلقي» فإن العميل 
المعاشي كان يقيم في الدار البيضاءء وأزعج عمله مع الفرنسيين الحركة 
الوطنية والمقاومة المسلحة» فانّخذ قرار بقتله . ويظن خلقي أنه تعرض لمحاولة 
اغتيال في الدار البيضاء نجا منها. فخشي على نفسه لأنه يعلم أنه أصبح في 
عداد الموتى» ففر إلى الجديدة لأنها كانت تعرف بشدة حراسة الفرنسيين 
ومساعديهم» علاوة على صغر المدينة وسهولة ضبطهاء وكثرة اليهود فيها 
ومساعدة أكثرهم الاستعمار الفرنسي. والظاهر أن المعاشي قتل في مرحلة 
المفاوضات بين المغرب وفرنسا في شأن الاستقلال» وإبان التظاهرات 
التي اندلعت بسبب نفي محمد الخامس. ولم يستطع أحد من الذين أخذت 
رواياتهم تقديم تفصيلات عن قضية الاغتيال» ولو من قبيل المعلومات التي 
وفرها الخلقي عن اغتيال الحمدوني. إلا أن المؤكد أن اغتيال المعاشي نفذته 
خلية للمقاومة المسلحة جاءت من الدار البيضاء كونها مركز القيادة» وهي 
ليست بعيدة عن الجديدة. واستنادًا إلى رواية البركاوي فإن المعاشي ذُبح أمام 
داره في تظاهرات آب/ أغسطس 55 ولا علم لنا بما قام به أفراد الحركة 
الوطنية في الجديدة عند عملية الاغتيال لتسهيل الوصول إلى العميل. ويقول 
عبد الرحمن خلقي إن العملية أحيطت بسرية تامة» ربما لتفادي ما وقع عند 
اغتيال الحمدوني. 


رابعا: تظاهرات الجديدة فى ذكرى نفى محمد الخامس 
ثورة الملك والشعب 
عرفت مدينة الجديدة تظاهرات ضد الوجود الاستعماري في عام 1555 
بسبب نفي السلطان محمد الخامس في 20 آب/ أغسطس 21953 وهي 
الحوادث التي أعاد زمنها عبد الله شاكر إلى الجديدة من رحلته الدراسية إلى 
فاس . وكان النفي إد يذانًا بغليان شعبي في أنحاء المغرب كلهاء فزادت المقاومة 


203 


المسلحة عملياتها وكثر الاغتيال في صفوف العملاء. وردت فرنسا على ذلك 
بالقمع وقبضت على عدد كبير المتظاهرين وعلى كل من استطاعت الوصول 
إليه من المقاومين الذين أعدم عدد كبير منهم. وعمد المتظاهرون في الجديدة 
إلى حرق دور اليهود المتعاونين مع الاستعمار. وأحرقت دور حي بن إدريس 
وحي الركبة وحي مرشان. وتدخلت السلطات الاستعمارية لمعالجة وضع 
اليهود وأخذتهم إلى قاعة الرياضة في المدينة. ثم غادروا الجديدة إلى الدار 
البيضاءء ومنها هاجروا إلى فلسطين. ولم يكن اليهود كلهم بهذا التوجه؛. بل 
كانت طائفة منهم ضد الوجود الاستعماري الفرنسي في المغرب مثل أسرة 
الرويمي وأبرجيل وبينيستي وعقوقا وغيرهم. ويشير البركاوي إلى أن موقف 
هؤلاء اليهود من الفرنسيين استخلصه من علاقته وصداقة ربطته بأبناء جيرانه 
اليهود. وأحرقت دكاكين بيع التبغ لأنها تمثل أحد رموز الاستعمار الذي 
أدخل هذه البضاعة إلى المستعمرات. ويؤكد الرواة المعتمدون أن ما حدث 
في الجديدة عندئذ كان بإشراف راضية لمسفر وقاسم العراقي وإدريس لمسفر 
وعبد الواحد القادري وتنسيقهم. وألقي القبض على عدد كبير من المتظاهرين» 
كان من بينهم عبد الله شاكر وأبو بكر البركاوي» وأخذ الموقوفون إلى 
فندق الخيل الذي كان يقع بالقرب من ثانوية ابن خلدون, ثم نقلوا إلى مرفأ 
الجديدة حيث جرى تجميعهم في انتظار سوقهم إلى السجن. ويحكي شاكر 
أن أحد الموقوفين ابن علال عمارة قفز في البحر وفر من المرسى» ولم يفطن 
الفرنسيون لهربه لأنهم لم يحصوا عدد المحتجزين. وفي المساء أخذوا إلى 
سجن أزمورء حيث التقوا بمحمد بن شقرون. وقضى المتظاهرون ثلاثة عشر 
يومًا في السجنء ثم نقلوا إلى مطاحن الحبوب في الجديدة» وأطلقوا بعد ثلاثة 
أيام. ولم تعرف المدينة حركة للمقاومة المسلحة. 


خامسًا: المقاومة الثقافية والمدارس الحرة 


لا يكفي أن تستند المقاومة إلى الجانب العسكري وتنظيم المقاومة 
المسلحة لمواجهة الاستعمار» بل كان من الضروري اللجوء إلى المقاومة فكريًا 


214 


وثقافيًا. وفكرت الحركة الوطنية في الأمر في الأعوام الأولى من الاستعمار» 
فأسست المدارس الوطنية التي كانت تسمى أيضًا «المدارس الحرة». وقرر 
أعضاء الحركة الوطنية قاسم العراقي وعبد الرحمن لمسفر وعبد الواحد 
القادري في عام 1930 تأسيس مدرسة في درب الطويل في الزاوية الناصرية 
كانت تعرف ب «المدرسة الوطنية6 تمييرًا لها من المدرسة الفرنسية ببرامجها 
ومقرراتها؛ فكانت تدرّس اللغة العربية وتعمل على تحفيظ القرآن. ولم يكن 
للمدرسة اسم خاص. وعندما أراد مؤسسوها إدخال اللغة الفرنسية ضمن 
برامجها واتصلوا بالحزب في الرباط عن قاسم الزهيري مديرًا لها. وعندئذٍ 
أطلق عليها اسم «مدرسة التهذيب» في أيلول/ سبتمبر 1945. وتولى إدارتها 
بعد الزهيري أحمد الزموري. وهي المدرسة التي درس فيها إدريس لمسفر 
والجنرال عبد الحق القادري ابن عبد الواحد القادري وحسن هيكل وأبو بكر 
البركاوي. وكتب قاسم الزهيري كتيبًا عن المدرسة بعنوان مدرسة لها تاريخ”*' 
عرض فيه تاريخ المدرسة. 

أما المدرسة الثانية التي أسست على هذا المنوال» فكانت مدرسة «الصفا 
الحسنية؛ على يد إدريس لمسفر وعبد الله بن إبراهيم في عام 6 . وكان 
لابن إبراهيم دور في اقتناء الأرض والبناء» ويقول شاكر إنه لولا كلمته (بن 
إبراهيم) المسموعة لما بُنيت المدرسة» وكان أول مدير لها. ويعرض إدريس 
لمسفر مراحل تأسيس المدرسة في ما كتبه عن سيرته في عام 2005. وأنشئت 
المدرسة في حي الصفا الفقير لتلقين أسس التربية والتعليم لأبناء الفقراء. 
ولا تزال هذه المدرسة قائمة حتى الآن. وما زال إدريس لمسفر يشرف على 
المدرسة على الرغم من كبر سنه ومرضهه. علاوة على أنه استقر منذ زمن في 
مدينة الدار البيضاء. حيث يقيم حاليًا. وهو يزور المدرسة بين حين وآخر وكلما 
سمحت له حالته الصحية. وبسبب حالته الصحية هذه لم أتمكن من التحدث 
إليه» لأنه قد يغادر المدرسة فى أي لحظة» كما حدث فى إحدى المرات عندما 
عاد على وجه السرعة إلى الدار البيضاء لألم حاد فاجأه. لذلك لا يعلم أحد 


(8) قاسم الزهيريء مدرسة لها تاريخ (الدار البيضاء: [د. ن.]ء 1999). 


215 


من الهيئة الإدارية للمدرسة متى سيأتي, ولا الوقت الذي سيمضيه معهم؛ على 
الرغم من أن من عادته زيارة المدرسة كل يوم اثنين وخميس. والتقيته ووجدت 
أن لديه معلومات مهمة» لكن بسبب هذه الأوضاع لم يُجد معه تحديد المواعيد 
شيئًاء وما زلت أتصل بالمدرسة هاتفيًا وأتردد عليها شخصياء لكن من دون 
جدوى حتى الآن. 


خلاصة 


لا شك في أن الرواية الشفوية تُعد مصدرًا من مصادر المعلومات 
التاريخية. ويرتبط مدى صدق الأخبار المروية بالراوي. ويذكر هذا الأمر في 
مجموعة من جوانيه بمرحلة الجمع التي سبقت التدوين التاريخي في العالم 
الإسلامي. وما عاناه الإخباريون في جمع ار من أفواه الرواة. وهذا 
مايحسه كل من يدخل ميدان الرواية الشفوية ويستشعر الجهد الذي بذلوه من 
تجوال وبحث عن مصادر الأخبار» إلا أن من يجمع الأخبار عليه أن يتحلى 
بكثير من الصبر وسعة الصدر. لذلك كان اللقاء بمصادر المعلومات يتطلب 
لقاءات متعددة» وكان كل منهم يرخب برواية ما عنده من معلومات. وهذا 
ما أكسبني أصدقاء جددًا ألتقي ببعضهم بين حين وآخر. 

يشكل ما توصلنا إليه جاتبًا من التاريخ المحلي الذي يمثل جزءًا من 
تاريخ المغرب في زمن الحماية الفرنسية. الأمر الذي له أثر كبير في ذاكرة أهل 
الجديدة خصوصًا والمجتمع المغربي عمومًا. ويبرز الأمر بالنسبة إلى ذاكرة 
المدينة في إطلاق أسماء هؤلاء المقاومين على دروب وأزقة مثل «زنقة راضية 
لمسفر؛ التى توجد فى حى السعادة. كما أنه يبرز الدور القيادي التى اضطلعت 
به الأسر الفاسية التي استقرت في الجديدة» والتي غادرت أغلبيتها المدينة بعد 
الاستقلال إلى الدار البيضاء. وتنتضمن المعلومات التي جرى التوصل إليها 
أعمال أفراد من الحركة الوطئية في الجديدة وممن تعاطف معهم ويساندهم. 
ويبقى مضمون هذه المعلومات رهيئًا بما يمكن أن يضيفه أشخاص آخرون من 
أمئال إدريس لمسفر وخديجة الصديقي. ومن ثم تأتي أهمية المعلومات التي 


216 


تنحصر مصادرها في ما حوته صدور الرجالء يعتمد فيها على الرواية الشفوية 
فحسب. وقد نتمكن إذا ما توافرت وثائق الاستعمار الفرنسي من أرشيف 
الشرطة وغيره من رسائل السلطات الاستعمارية أن نوثق جانيًا من تحركات 
المقاومة. وهذا ما يؤكد في هذا المقام الترابط الذي نجده بين التاريخ الشفوي 
والتاريخ المكتوب. لكن الجانب الكبير من تاريخ المقاومة في المغرب تستأثر 
به الرواية الشفوية. وما دُوّن لا يفي بحركات المقاومة التي احتضتتها المناطق 
المختلفة في المغرب. لذلك يكون موت هؤلاء المقاومين أو من احتك بهم 
فقدانًا لجانب من تاريخ المغرب وفقدانًا أيضًا لذاكرة وطنية مهمة. وتشكل 
مدينة الجديدة أنموذجًا لهذا المصيرء حيث أضحى هؤلاء الرواة في تناقص 
متتال» ويشعرون بالغربة في مدينتهم حاليًا. ولا يعرف الجيل الجديد أسماءهم 
أو أسماء المقاومين التى تحتفظ بها الأزقّة والدروبء أو تحملها خزانة. 
وانكبت حديئًا المندويية السامية تقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على 
وضع خزانة من الأشرطة لما تمكنت من جمعه من روايات شفوية للمقاومين» 
تتضمن معلومات عن تاريخ آخر للمقاومة والمجتمع المغربيين. 


217 


الورقة التاسعة 


وافع ثورة التحرير الجزائرية (54 2-19 196) 
وحوادثها (دراسة ميدانية من خلال 
شهادات معتقلي (دار الجنرال») 


عمر جمال الدين دحماني 


مقدمة 


نحاول في هذه الدراسة أن نتطرق إلى موضوع الشهادة الشفوية وأهميتها 
بالنسبة إلى كتابة التاريخ في الجزائر» خصوضًا بين عامي 1954 و1962. 
آخذين مركز من مراكز التعذيب في ولاية تلمسان» أي معتقل دار الجنرال» 
أنموذجًا للدراسة لتوضيح مسعانا من أجل إدراج هذا المنهج في سياق البحث 
العلمي» وكذا التطرق إلى بناء الحادثة التاريخية له فى ضوء مستجدات الشهادة 
الشفوية التي تحدثت عنه. 


جاء مثل هذه الدراسات التي نعني بها التفاعل مع إقامة الشهادة الشفوية 
كمنبر رئيس للبحث العلمي متأخرًا بالنسبة إلى البحوث الأكاديمية الجزائرية» 
بحكم أننا أعطينا اهتمامًا كبيدًا للوثائق الأرشيفية الفرنسية وكل ما كتب عن 
الجزائر خلال الاحتلال واستغنينا عن جانب مهم وركيزة أساس لبناء المجتمع 
الجزائري» ألا وهي النظر إلى الفاعلين التاريخيين وتدوين شهاداتهم الشفوية 


219 


التي تعيّر عن حالة معينة عايشوهاء وهذا ما جعلنا نفقد جل الشخصيات التي 
كان لها وزنها في أثناء الثورة التحريرية ولم نستطع أخذ شهاداتهم. ويناء عليه 
أدرك الباحثون» خصوصًا في مجال التاريخ بصفة عامة» هذا النقص وحاولوا 
حديئًا القيام بمثل هذه الدراسات مع من تبقى في قيد الحياة من الشخصيات 
الثورية. 

تبقى الشهادة الشفوية على الرغم من تنوّع أشكالهاء مثل القصص 
والحكاية والرواية والغناء والشعرء ذات صلة بالماضي والحاضرهء والرجوع 
إليها يعني الرجوع إلى المصدر الحقيقي لأي حدثء وهذا ما يجب أن يكون 
في مسارات الحياة الإنسانية كلها. 


في هذا الباب تحضرني بعض الإشكالات المتعلقة بمدى توصل الباحث 
الجزائري إلى دراسة مثل هذا النوع من الدراسة» وإلى أي مدى كان الاهتمام 
بالشهادة الشفوية وتوظيفها في البحوث العلمية. 

لكن قبل الولوج في تفصيلات هذه الورقة» نرى ضرورة إيضاح ماهية 
الشهادة الشفوية. فيرى بعض المؤرخين التاريخيين أن الشهادة الشفوية أساس 
العمل التاريخي الهادف إلى توضيح الرؤى. الاجتماعية أو السياسية أو حتى 
الثقافية» وإذا سلّمنا بهذه المعطيات والاستنتاجات نكون قد مارسنا نوعًا من 
الاجتهاد الحقيقي في خدمة تاريخ أي بلد وهويته. 

إذا رجعنا إلى تحليل هذه العبارة» نقع بين توضيحين مهمين: 

الشهادة: أو الشاهد وهو مصطلح يطلق على من عاصر أي حدث تاريخي» 
في الماضي أو في الحاضرء والشاهد كما عبر عنه كريم ولد النبية هو أن 7مصدر 
الخبر هو أهم من الخبر نفسه»”2. وهذه دلالة على أهمية الشاهد وتمكينه من 
إثراء التاريخ وكتابته بأي طريقة. 


(1) كريم ولد النبية» محاضرة بعنوان «المنهج التاريخي» ألقيت لطلبة السنة الأولى ماجستير يوم 
الثلاثاء 13 كانون الأول/ ديسمبر 2011: في الساعة 10:00 في قسم التاريخ: جامعة سيدي بلعباس. 


250 


الفاعلين التاريخيين لم يكتب شهاداته» وإنما رويت إلى أطراف معينة بغية كتابة 
سيرته الجهادية الذاتية. 


تعتبر الشهادة الشفوية المحلية النصف الآخر المكمل للحدث التاريخي» 
على الرغم من أن التاريخ يكتبه الأقوياء» لكن هذا لا يمنع حتى المغلوبين على 
أمرهم (الخاضعين لسلطة الاستعمار) من أن يكتبوا يومياتهم التي تتحول بعد 
ذلك إلى شهادة مصدرية معتمدة في توضيح حدث ما. 


أعطى محمد مجاود بعدًا آخر للشهادة الشفوية باعتبارها خاضعة لمنهج 
شفوي يعد إحدى تقنيات البحث التاريخي ويعزز التعددية في تناول الخبر 
التاريخي”©. 

تجعل هذه التوضيحات الباحث في التاريخ المعاصر يدرك أهمية هذا 
المنهج ويستدل به في كتاباته التاريخية» خصوصًا بالنسبة إلى الدراسات التاريخية 
والتأريخية في الجزائر» وعلى الرغم من أن الاهتمام بمثل هكذا مناهج جاء متأخرًا 
إلا أننا نسعى إلى تطويره واعتماده قاعدة أساس مدرجة ضمن قائمة الببليوغرافيا 
البحثية من وثائق أرشيفية إلى كتب مصدرية إلى مراجع... إلخ*. 


هذا ما يستوقف الباحثين في الجزائر أمام مشكلة بناء الحادثة التاريخية من 
جديدء أو ما يسمى بإعادة كتابة التاريخ» وهذا أمر جديد ترتكز عليه الشهادة 
الشفوية. وفى هذا الشأن يذكر مجاود: «... أن الدراسات الحديثة قد شددت 
على أهمية الرواية الشفوية لسد الفراغ الذي يمكن أن تتركه الوثائق الأرشيفية» 


(2) عمر جمال الدين دحمانيء «مراكز التعذيب بدائرة عين تالوت» (تقرير» مديرية المجاهدين 
لولاية تلمسان» 2011-0)» ص 4-3. 

(3) محمد مجاود «أهمية المنهج الشفوي في الكتايات التاريخية»» الناصرية للدراسات 
الاجتماعية والتاريخية» عدد خاص (كانون الأول/ ديسمير 2012)» ص 7. 

(4) عمر جمال الدين دحماني» «التشاط الاجتماعي والثقافي بمنطقة سيدي بلعياس 1931- 
2 :[ددراسة تاريخية ميدانية لدوار القرابة» (ورفة قدمت إلى: الملتقى الوطني حول تاريخ منطقة 
سيدي بلعباس 1962-1900 قسم التاريخ» جامعة سيدي بلعباس 2013). 


251 


ليس فقط عندما تعكس الأحداث الماضية بدقة» بل لأنها تعبّر كذلك عن شيء 
من العلاقة بين الماضى والحاضر والامتدادات بينهماء لأن رواية الأفراد تعكس 
إلى حد ما خلفياتهم المعاصرة لأنهم يتأئرون بالمحيط الاجتماعي السائد 


وبحياتهم الحاضرة...0. 


عمومّاء لقي الاهتمام بالشهادة الشفوية صدّى واسعًاء ولا سيما أن الباحثين 
التاريخيين جميعهم في البلدان العربية والإسلامية كلها اعتنوا بأصحاب هذه 
الشهادات الشفوية» الفاعلين التاريخيين» واستحضارهم في النشاط الثقافي 
الذي يعنى بالهوية الوطنية» وهذا ما يساعدهم في تنشيط الذاكرة من جديد» 
والإفادة من حقائق تاريخية جديدة لم يسبق أن كتبت في الوثائق الأرشيفية» ولا 
في الكتب المصدرية©. 


أولًا: أساليب نقل الشهادة الشفوية وطرائقها 


ركزت الدراسات والبحوث التاريخية في الجزائر» خصوصًا على مستوى 
الجامعات ومعاهد العلوم الإنسانية والاجتماعية» على ضرورة محاكاة الشهود 
التاريخيين من أجل وضع رواياتهم ضمن أطر المخابر البحثية وتحليلها وربطها 
بعضها ببعض» وعلى هذا الأساس أوضح السعيد عبادو ضرورة الاستعانة 
بذاكرة الشعب الجزائري (جيل الثورة التحريرية) لأنها منطلق تطورنا وتقدمنا 
والمحافظة على هويتنا الوطنية©. ويقول محمد العربي الزبيري أيضًا إن 
التاريخ هو ذاكرة الشعوبء ودراسة الذاكرة تكون بالاستماع إلى الشهادة 
الشفوية والتمعن فيها والغوص في مجرياتها'". 


(5) مجاودء ص 10-9. 

(6) عمر جمال الدين دحماني» «المحافظة على التراث الوطني - آثار مديئة تلمسانء؛ اليوم 
الدراسي حول التراث والسياحة» سيدي بلعياس 2012 (غير منشور). 

(7) عبادو السعيد (الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين)» حوار في الذكرى 56 لثورة نوفمبر 
المجيدة في: صوت الأحرار (تشرين الثاني/ نوفمبر 2010): ص 8. 

(8) محمد العربي الزييري» حوار في الذكرى 56 لثورة نوفمبر المجيدة في جريدة صوت الأحرار 
(تشرين الثاني/ نوفمبر 2010):» ص 18. 


252 


أكد هذا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة موضحًا ضرورة تجاوز 
صعوبات الماضي وترسيخ مسعانا المتمثل في تطوير العلاقات في سياقها 
التاريخي". وأكد أيضا ضرورة الكشف عن الحقائق التاريخية''©» موضحًحا أن 
مهمة الباحثين التاريخيين في الجزائر يجب أن توبّه إلى العمل على استخراج 
الشهادة الشفوية من صنّاع الحدث الذين ما زالوا في قيد الحياة واستقراء الوقائع 
والحوادث وتتبع الشواهد والآثار الناجمة عنهم. 


بناء على هذاء يمكن القول إن المحافظة والاهتمام بالشهادة الشفوية 
مسؤولية الجميع من مؤسسات جامعية إلى وزارة المجاهدين» وصولا إلى 
اهتمام الدولة الجزائرية بهذا الشأن» إذ خصصت له ميزانية تدخل ضمن إطار 
التكفل بجيل الثورة الجزائرية المجيدة تحتضنه وزارة الثقافة» وذلك بعقد 
ندوات وجلسات كل سنة للتذكير ببطولات هؤلاء المجاهدين أيضًا ومن أجل 
التحدث أكثر عن حوادث تاريخية عدة لم يكتب عنها إلى يومنا هذا'2. 


سعت وزارة المجاهدين أيضًا إلى بناء مراكز خاصة لاستقطاب المجاهدين» 
مثل مركز منظمة المجاهدين ودار المتحف المجاهد ومديرية المجاهدين» 
هذا كله ليلقى المجاهد المتّسع الوافر من أجل الذهاب إلى مثل هذه الأماكن 
والإدلاء بشهادته أو الاستماع إلى شهادات شفوية أخرى. لكن إذا ما رجعنا إلى 
العملية التقنية للمقابلة والاستفادة من الشهادة الشفوية فعلينا أن نتبع خطوات 
منهجية تساعدنا في نقل هذه الشهادة بأمانة جيدة. وفي هذا النطاق يمكن وضع 
برنامج كتابي خاص بالحدث التاريخي لكل شهادة شفوية. 


(9) خطاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتقليقة ل جريدة لوموند الفرنسية: ,44050 ملا 
,2 تقلا عن: صوت الأحرار» 5/ 2012/7: ص 2. 

(0) خطاب الرئيس الجزائري عبد العزيز يوتفليقة بمناسبة عقد الملتقى الدولي عن الاستعمار 
بين الحقيقة التاريخية والجدل السياسي؛ تموز/ يوليو 2006: انظر: أعمال الملتقى الدولي حول 
الاستعمار بين الحقيقة التاريخية والجدل السياسيء فندق الهيلتون 03-02 جولية 2006 (الجزائر: 
منشورات وزارة المجاهدين؛ 2007). ص 14. 

(11) دحماني» «مراكز التعذيب»» ص 10. 


253 


الجدول (1-9) 


تم إستاقتم] بوسوصية | عسوتت 











ذكر صاحب الشهادة 
الشفوية 

صفة الشهادة الشفوية 
ترتيب الصفة 


الجدول (2-9) 
عميزات الشهادة الشفوية 


ذكر أعدادهم ة مشتركة ة» | تعتمد هذه الشهادة وتطبسع 
ذكر حالتهم العامة : في سجلات إدارية وتخضع 


لمقاييس عالية وتحفظ في أرشيف 
الجامعات والمراكز الخاصة 
للاستفادة منها عند الضرورة 

المصدر: إعداد الباحثء (التجربة الميدانية في محاكاة الشهادة الشفوية:» تقرير خاص. 

مع هذا كله راعى الباحث بعض القواعد المنهجية: 

- ما هى القواعد المنهجية للشهادة الشفوية عند المقابلة؟ 

لعل كل باحث يريد القيام بممارسة المنهج الشفوي مع أحد الفاعلين 
التاريخيين يلزمه قوانين ونظريات يعتمد عليهاء لعل أبرزها: 

٠‏ أن يكون الشاهد قد عايش الحدث التاريخي وانخرط فيه. 

* حرية التعبير السائدة في المجتمع والقدرة على قول الحقيقة بتفصيلاتها. 


254 


انفرادية) 





* نقد المصادر الشفوية وتجريدها من التأثيرات الذاتية. 

*نقل المصادر الشفوية إلى مصادر مكتوية!22. 

* التعرف إلى المصطلحات العامية والمحلية لكل منطقة. 

* التوسع بدائرة معارف الحوادث التاريخية. 

9 ضبط سجل أسَماة كل من أدلى بشهادة شغوية2"2. 

ندرك جميعًا ضرورة أهمية الشهادات الشفوية في البحوث التاريخية» فهي 
الجزء التام للمصادر والأرشيف فلا يمكن أن نبعدها عن مثل هذه الدراسات» 
فالمنهج الشفوي في هذا الميدان هو الأكثر تلاؤمًا. وعرف هذا المنهج رواجًا 
كبيرًا في أوساط المتخصصين والجامعيين الغربيين لما له من أهمية وفائدة 
علميتين ويستغل بطريقة يقة محكمة لمقاربة الحقائق ق التاريخية بموضوعية 10 

يبرز هذا المنهج أكثر فأكثر عند تناول موضوعات تاريخية تكون أقرب إلى 
الحاضرء بمعنى لا يزال يوجد فاعلين تاريخيين في قيد الحياة. وهذا ما سنراه 
عند تطرقنا إلى الأساليب الميدانية في ممارسة التعامل مع الشهادة الشفوية. 

- الأساليب الميدانية في ممارسة التعامل مع الشهادة الشفوية 


أود أن أميّز في هذا الشأن بين العمل النظري والتطبيقي» فمهمة استخلاص 
الشهادة الشفوية أمر صعب للغاية لما له من أهمية في البحث عن الفاعلين 
التاريخيين وتدقيق شهاداتهم الشفوية. وكما سبق يكمن التعامل مع هؤلاء 
الفاعلين في مجالات عدة متنوعة؛ منها على سبيل المثال في الجزائر خصصت 
منح لافتة من أجل تحصيل الشهادة الشفوية للثورة الجزائرية المجيدة» علاوة 
على إنشاء مراكز وطنية للاهتمام بهذا الأمرء منها 


(12) مجاودء ص 14-13. 
(13) دحماني» «مراكز التعذيب»؛ ص 10. 
(14) مجاود.» ص 212 


255 


٠.‏ المتحف الوطني للمجاهد: ويهدف إلى الاحتفال بتواريخ استشهاد رموز 
الثورة» من خلال تنظيم أيام وطنية لتنشيط الذاكرة الشعبية واستخلاص الشهادة 
الشفوية» مع الحرص كذلك على إصدار مجلة الذاكرة التي تعنى بالشهادات 
الشفوية الحية كلهاة"2, 


٠‏ المتحف المركزي للجيش: يقوم نشاطه على جمع الوثائق والشهادات 
الحية المحلية كلها وجردها وتسجيلهاء بالتنسيق مع المديريات الولائية 
للمجاهدي-29. 


٠‏ المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول 
نوفمبر: يهدف هذا المركز إلى جمع الوثائق والمواد المتعلقة بالثورة الجزائرية» 
كما أنه يقوم بتسجيل الشهادات الشفوية المتعلقة خصوصًا بالحركة الوطنية 
وثورة نوفمبر 1954» وكذا المساهمة في إثراء المنظومة الثقافية والإعلامية7". 

مع هذه الأنواع والمجالات كلهاء هناك نوع ومجال آخر حاصن بالباحثين 
الأكاديميين وهو الأصعب من حيث المنهجية العلمية» حيث تستقى الشهادة 
الشفوية عن طريق الاحتكاك المباشر بالمجاهد (الفاعل التاريخي)» وهو 
ما يسمى بالأسلوب الميداني22 أو العمل التطبيقي» وفي هذه الحال يشرع 
الباحث في وضع خطة قائمة أساسًا على فكرة الموضوع والإلمام بالمعطيات 
الفنية ومحاكاة الحدث مع شخصية الفاعل وإبراز السلوك الناجم عن أي نقطة 


(15) يقع المتحف الوطني للمجاهد في مقام الشهيد في العاصمة» تبلغ مساحته الإجمالية 
5م يحوي مكتبة وقاعات عرض عديدة تبرز الحقب التاريخية المختلفة. انظر دليل متحف 
المجاهدين؛ مجلة الجيش الوطني الشعبيء العدد 496 (تشرين الثاني/ نوفمبر 2004): ص 33. 

(16) يقع المتحف في محاذاة مجمع رياض الفتح في العاصمة» على مساحة تقدر ب 17000م”* 
ويشمل أماكن عرض مساحة كل منها 2700م:. انظر دليل متحف الجيشء؛ مجلة الجيش الوطني 
الشعبي؛ العدد 496 (تشرين الثاني/ نوفمير 2004)؛ ص 32. 

(17) يقع هذا المركز في منطقة الأبيار» على مساحة تقدر ب 215000مت: يضم هياكل المركز 
ومكتبة تتسع لأكثر من خمسة آلاف كتاب. انظر دليل المركز الوطنيء مجلة الجيش الوطني الشعبي؛ 
العدد 496 (تشرين الثاني/ نوفمبر 2004)» ص 32. 

(18) عمر جمال الدين دحماني» «مظاهرات 17 تشرين الأول/ أكتوير 1961م: دراسة من خلال 
شهادات شفوية» (تقرير» قسم التاريخ بمناسبة يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر؛ جامعة سيدي بلعباس 2013). 


2156 


من الحدث التاريخي هذا من جهة:؛ أما من جهة أخرى فهو التوفر على وسائل 
مساعدة مثل التسجيل الفوري للشهادة وتصوير الميدان الذي هو في قيد 
الدراسة وتصنيقه التاريخى. 

عموماء يبيّن الجدول الآتي كيفية التعامل مع الشهادة الشفوية وترتيبها 


الحدول (3-9) 
كيفية ممارسة الشهادة الشفوية 


يجب التأقلم مع الفاعل التاريخي وعدم تحسيسه بالألم والمعاناة 


يجب التعرف إلى المنطقة المدروسة بشكل عام» ومعرفة خنصوصياتها 
وميزاتها 


وضع تصور مبدئي للحدث في ظل المعطيات الواردة» قصد الخروج 
ببعض الأسئلة التي ستوجه إلى الفاعل التاريخي 


الخروج إلى مواقع الحدث يجعل من البحث ذات أهمية استراتيجية 
فاعلة 





الشاهد (الفاعل التاريخي) 













مكان الحدث 






















عناصر الحادث الأساسية | على الرغم من أن للموقع أهمية إلا أن اكتهال الحدث يشترط أن يتزود 
الباحث بالوسائل التي مثلا قد عذب بها الشاهد في أثناء وجوده في 


ذلك المكان ١‏ 


ليس ضروريًا إذا تعذر الحال» ولكن لاشتراط اليوم إيجابيا 
تنشيط الذاكرة 





يستحسن على الباحث من أجل إثراء موضوعه أن يجمع عددًا لابأس 
به من شخصيات الحادث» وهذا دافع إيجابي لتذكير بعضهم بعضًا 


لا بد للباحث من أن يتفاعل مع وقائع الحادث وذلك لتحسيس 
الشاهد بقيمة شهادته الشفوية» مع استعمال الوسائل الحديثة 
كالمسجلة؛ والتقاط الصور له وللموقع» هذا كله يجعل الشاهد 
يتحمس للإدلاء بالشهادة الشفوية 












257 


تابع 










لا بد من أن يكون كل باحث في هذا الميدان ملا باللغة التي سوف 
يحاوره بها الشاهد مع معرفة اللغة المحلية أيضًاء زد على هذا التفنن 
في إيصال الأسئلة غير المباشرة إلى المتلقي» وتجنب الأسئلة المباشرة 
المحرجة 







كتابة أي ملاحظة قد تساعد الباحث في تفسيرها لاحقا 
كتابة استنتاج خاص بالجولة الميدانية» تتضمن جميع النقاط (الأهم 


من المهم) 






المصدر: إعداد الباحثء «التجربة الميدانية في محاكاة الشهادة الشفوية». 
انيًا: معتقل «دار الجنرال» فى تلمسان 1955 

تكملة لما سبق ذكره عن الدراسات الميدانية التاريخية ها نحن أمام تجربة 
من مثل هذه التجارب التاريخية» ولتوضيح أكثر عن دور الشهادة الشفوية في 
كتابة التاريخ. وبناء عليه تطرقنا إلى دراسة معتقل دار الجنرال» لما له من 
أهمية وسمعة كبيرة وباعتباره المعتقل والمركز الرئيس الذي تنتمي إليه مراكز 
التعذيب كلها الموجودة في ولاية تلمسان» ولأن جميع المجاهدين الذين 
قبضت عليهم الؤدارة الاستعمارية حوّلوا إلى هذا المعتقل للتحقيق معهم 
وتعذيبهم من أجل البوح بالأسرار»ء وهذا ما يسمى بعملية الاستنطاق. 


تجدر بنا الإشارة إلى التفريق في المصطلحات؛ فالمعتقل هو كل مكان 
يُجِمّع فيه الناس وتُقيّد حريتهم ويمكثون فيه من دون محاكمة؛ أما السجن 
فالمكان الذي يُزْج فيه كل من خالف قوانين الحكم القائم ويخضع للمحاكمة» 
وهو بذلك أرحم من المعتقل أو مركز التعذيب”"©. وعمدنا إلى دراسة هذا 
المعتقل دون غيره من المعتقلات في الجزائر لأسباب عدة: أبرزها توافر شهادات 
شفوية كثيرة عنه وعن الأساليب التى اتبعتها الإدارة الاستعمارية فيه. وجاء العمل 
الميداني التطبيقي لدراسته بحسب برنامج مسطر يحوي موقع المنطقة الموجود 
فيها والشهادات التي جمعناها عنه وعن الحال التي هو عليها الآن. 


(19) أرشيف مصلحة البحوث والتوثيق بالمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية 
وثورة أول نوفمبر 1954» وزارة المجاهدين. أيار/ مايو 1999» ص 9-4. 


258 


الجحدول (4-9) 
برنامج الزيارة إلى معتقل «دار الجنرال1 


لا تزال بنايات 
هذا المعتقل قائمة 
على الرغم من أن 
جزءًا كبيرًا منه 
اندئرء أما عن 


السجن قلا يزال 
قامًا إلى اليوم 





المصدر: إعداد الباحث؛ التقرير الشامل حول زيارة المعتقل. 


يوجد مركز «دار الجنرال» في وسط المدينة تلمسان» وكان تابعًا للجيش 
الفرنسي» حيث استعمل للتعذيب”* والبحث من طرف مصالح الشؤون 
الأهلية بداية بين عامي 1955 و1962» حيث كان يُحوّل المجاهدون من 
مراكز تعذيب إلى هذا المعتقل قصد إخضاعهم لعملية الاستنطاق» كما حوى 
أماكن خاصة للتعذيب عبارة عن بيوت منفردة» مساحتها ضيقة جدًا مع وجود 
صهريج بقصد التعذيب به (التعذيب بالماء)2©» كما حوى سجنًا تابعًا له يُلقى 
فيه كل من حكم عليه بالإعدام أو السجن في انتظار تنفيذ الحكم. 

(20) أرشيف مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي؛ الدليل الأولي لمراكز التعذيب 


(الجزائر: مديرية المجاهدين لولاية تلمسان.» 2003))» ص 21. 


(21) أرشيف السجل الذهبي لشهداء الثورة التحريرية - ولاية تلمسان؛ الجزائر؛ 2005 ص 389. 
(22) تقرير عن الدراسة الميدانية (إعداد الباحث). 


259 


1 - سجن دار الجنرال 


على غرار السجون الأخرى في الجزائر» كان سجن دار الجنرال أو سجن 
تلمسان الكبير» كما كان يسمى قبل عام 21954 سجنئا تابعًا للإدارة المدنية 
الاستعمارية» تقام فيه محاكمة كل جزائري (الأهالي) خالف القوانين الإدارية. 
وكان تابعًا ليلدية تلمسان الكاملة الصلاحيات» حيث أنشئ في عام 20011 
ومن الطبيعى أن منطقة تلمسان كانت تقطنها أغلبية الفرنسيين التى تمتعت 
بالصلاجيات المشروطة العامة كلهاء وهذا ما لم يشهد معظم المناطق الأخرى 
التابعة لتلمسان. تحوّل السجن بعد اندلاع الثورة في عام 1954 إلى سجن 
عسكري** تابع مباشرة لإدارة معتقل دار الجنرال» حيث خصضت الإدارة فى 
داخله جناحًا خاصًا بمحاكمة الجنود والمجاهدين الذين قيض عليهم عاكية 
عسكرية تامة استجابة لقانون الطوارئ» بعد إلغاء المحاكمات المدنية في ظل 


النظام المدني» وارتكز جل مهمات هذا السجن على: 


- إصدار قوانين ومحاكمات قرارية (رقم القرار» قرار نظري وتصريحي). 

- تدوين المخالفات كلها ووضعها في سجل كل شخص من الأهالي9©. 

- سعت المحكمة العسكرية الموجودة فى داخله إلى كتابة شهادة كل من 
صدر في حقه قانون الإعدام وتدويتها. 0 

- اتساع وكبر هذا السجن جعل منه مكانًا يُجمع فيه عدد كبير من 
المجاهدين. 


- قضاء مدة العقوبة داخل هذا السجد ©©. 


(23) مقابلة شفوية مع المجاهد شريف مولاي البالغ 70 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - حكم 
عليه بالإعدام داخل مركز دار الجنرال في عام 41961 في 4 آب/ أغسطس 2012.» الساعة 10:30» 
داخل مقر منظمة المجاهدين تلمسان. 

(24) أرشيف مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي» ص 21. 

(25) مقابلة شفوية مع المجاهد سيفي بن يحبى البالغ 65 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - بض 
عليه بتهمة أنه مسؤول عن شبكة توزيع الأسلحة (1956 - 1958) وحوّل إلى مركز 0.7.7 ومن ثم إلى 
سجن دار الجنرال في 30 نيسان/ أبريل 2012» الساعة 14:00» في منزله في أولاد ميمون. 

(26) مقابلة شفوية مع المجاهد دريسي أحمد البالغ 71 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - دخل د 


0ظ20 


تحدث جل الشهادات الشفوية الحية عن هذا السجن بوصقه مكان عقاب 
أرحم من المراكز الأخرىء ودليلهم على ذلك هو أن المجاهد حين دخوله إلى 
هذا السجن يرتاح ”© من أنواع التعذيب كلها التي مورست عليه في معتقلات 
ومراكز أخرى. 


2- الحياة اليومية داخل السجن 


تنوعت حياة المجاهدين اليومية في داخل هذا السجنء فمنهم من كان 
ينتظر تنفيذ الإدارة الاستعمارية حكم الإعدام فيه !228 ومنهم من كان يننظر اليوم 
الذي ستنتهي فيه مدة عقابه ويفرّج عنه» ومنهم من كان ينتظر محاكمته واتخاذ 
قر ار في حقه*2 - أيسجن أم يعدم؟ 

جاء من خلال الشهادات الشفوية أن السجن كان بمنزلة المنزل الكبير الذي 
اجتمعت فيه العائلة الجزائرية» يبدأ اليوم مع الصباح حين يخرج المجاهدون 
إلى ساحة السجن ويقوم فريق منهم بتنظيف الأرضية» ويخرج فريق منهم إلى 
العمل في الأعمال الشاقة داخل مراكز تعذيب أخرىء ولأن عمليات التنظيف 
كانت جماعية» كان هناك تواصل بين المساجين وذكر الحالات والأوضاع 
الاجتماعية لكل منطقة» وكانت هناك فرصة للالتقاء بأسرهم وسماع الأخبار 
عنهم» خصوصًا أولئك الذين كانوا يعملون خارج السجنء علاوة على ذلك 


> إلى سجن دار الجنرال وحُحكم بعقوية الأعمال الشاقة في مركز عين الحوت. في 27 تموز/ يوليو 2012» 
الساعة 16:25.» في منزله في تلمسان. 

(27) مقابلة شفوية مع المجاهد بن ثابت ميلود البالغ 90 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان- 
حكم عليه بالإعدام داخل المعتقل» في 4 آب/ أغسطس 2012.» الساعة 216:15 في منزله في 
تلمسان. | 

(28) مقابلة شفوية مع المجاهد ورنيدي بومدين البالغ 82 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - 
حكم عليه بالإعدام داخل المعتقل في عام 1960» في 4 آب/ أغسطس 2012. الساعة 212:00 في 
منزله في تلمسان. 

(29) مقابلة شفوية مع المجاهد بن حمو بوزيان البالغ 85 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - 
كم بعقوبة الأعمال الشاقة داخل المعتقل ثم بعد قضاء مدة سجنه تحول إلى معتقل بوسوي في سيدي 
بلعباس» في 2 كانون الثاني/ يناير 2013» في الساعة 12:30.» في منزله في الحناية. 


261 


ساد نوع من المحبة بين المساجين ترجم إلى التعاون في ما بينهم"”؛ وعلى 
سبيل المثال نذكر: 


- في المجال الصحي: سعى المجاهدون جميعهم في داخل السجن إلى 
تكفل بعضهم ببعض صحيّء فالتضامن من أجل مساعدة المريض حتى يتعافى 
كان مسؤولية الجميع. 

- في المجال التعليمي: كانت تنظم حلقات سرية قصد نشر التعليم الثقافي 
وتحفيظ القرآن الكريم وانتزاع سلطة الجهل والخرافة وتعميم العلم والثقافة 
العامية والمحلية» وكان معظم هذه الحلقات ينظم بحسب الأوضاع الملائمة: 

٠‏ الفترة الصباحية: وحود دراسة مع عدم وجود الوقفت المحدد (نظرًا إلى 
الأشغال اليومية المعتادة). 


54 الفترة المسائية: توفر فرص الدراسة مع الحذر الشديد من الإدارة 
الاستعمارية. 

* فترة التنظيف الجماعي: وهي فرصة مواتية للمراجعة والتذكير بالدروس 
كلها التي استفادوا منهاء مع مراجعة القرآن وقراءته جماعيًا وفي سرية تامة. 

- في المجال التوعوي: ختصص هذا المجال لنشر الوعي الوطني فحسب 
من أجل حمل راية القضية الوطنية كمبدأ رئيس7©. 

صنفت مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي هذا السجن من 
بين أكبر السجون التي عرفت تجمعًا كبيرًا من حشد المجاهدين» خصوضا بين 
عامى 1955 و1962.ء إضافةً إلى أنه حوى عددًا من الزنزانات» كان معظمها 
انفراديًا لمن صدر في حقه حكم الإعدام2. 

(30) مقابلة شغوية مع المجاهد بن حمو بوزيان. 


010) المصدر نفسه. 
(32) أرشيف مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخيء الدليل الأولي لمراكز التعذيب. 


2062 


3 - موقع السجن الحالي 

يقع هذا السجن شمال وسط مدينة تلمسان» ويبعد عن معتقل دار الجنرال 
حوالى 1.5 كلم. حافظ هذا المكان على خصوصيته إذ لا تزال بلدية تلمسان 
تعتمده سجنًا عامًا للمدنيين» وفي عام 2003 وضع هذا السجن ضمن إطار 
برنامج التراث الاستعماري المتبقي في تلمسان. فرُمم وأعيدت هياكله وضبطت 
في شكلها الأول. 


الحدول(5-9) 
رمزية سجن «دار الجنرال» 


الأعمال المضبوطة داخل السجن 


1954-1 سجن في ظل الحكم المذني 
1962-4 سجن في ظل الحكم العسكري 
مدة السجن تراوح بين عام وثلاثة أعوام 


تنفيذ العقوبات أعمال شاقة مع التعذيب المستمر من حال 
إلى حال 

تنفيذ حكم الإعدام يكون داخل السجن نفسه 

حالة السجن لا يزال قائً) إلى يومنا هذا 





المصدر: إعداد الباحث. التقرير الشامل عن سجن دار الجنرال. 
4- تفصيلات 15 يومًا 
يقول المجاهد ورنيدي بومدين: يمكث جميع المحكوم عليهم. بالإعدام 


أم بالسجنء في المعتقل 15 يومًا يتعرضون فيها لأبشع أنواع التعذيب النفسي 
وال 1 


(33) مقابلة شفوية مع المجاهد ورئيدي بومدين. 


203 


أضاف المجاهد شريف مولاي أن الاستجواب والبحث من المصالح 
الخاصة (545) داخل المعتقل هو من بين الفترات اليومية التي كانوا يعانونهاء 
حيث كان المجاهد يخضع للتعذيب بالكهرباء والماء والرفع بالحبل من 
الأرجل؛ فيصير الرأس إلى أسفل والرجلان إلى أعلى؛ كان هذا للبوح بكلمة 
واحدة فقط من أسرار جيش التحرير الوطني*©, 

يضيف المجاهد بن ثابت ميلود أيضًا أن كل عملية بحث خلال هذه 
المدة (15 يومًا) معها تعذيب لإجبارهم على النطق:*©2. وهذا ما ذهب إليه 
المجاهد باسعيد الطيب» حين تحدث عن بشاعة الخمسة عشر يومًا التي 
أمضوها في زنزانات ضيقة مع التعذيب المستمر» خصوصًا أنهم كم عليهم 
بالإعدام*”. ويذكر المجاهدين بن عبد الله بن عمر وسيفي بوعلام أنه عند 
انقضاء مدة ال 15 يومًا يُحوّلون إلى قاضي البحث”* ليفصل في قضيتهم 
بالإعدام أو السجن9©. 


تدوم مدة التعذيب في اليوم الواحد حوالى ثلاث ساعات أو أكثر تقوم 
فيها المصالح الخاصة بتسليط أنواع عدة من التعذيب على الشخص الواحد*©. 
وعمدت الإدارة الاستعمارية الفرنسية خلال هذه الفترة (1954 - 1962) إلى 


(34) مقابلة شفوية مع المجاهد شريف مولاي. 

(35) مقابلة شفوية مع المجاهد بن ثابت ميلود. 

(36) مقابلة شفوية مع المجاهد باسعيد الطيب البالغ 86 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - حكم 
عليه بالإعدام داخل المعتقل في عام 1961.» في 5 آب/ أغسطس 2012» في الساعة 09:30 في منزله 
في تلمسان. 

(37) مقابلة شفوية مع المجاهد بن عبد الله بن عمر اليالغ 73 عامّاء من مواليد منطقة تلمسان - 
حكم عليه بالإعدام داخل المعتقل» في 5 آب/ أغسطس 2012» في الساعة 211:20 في منزله في 
تلمسان. 

(38) مقابلة شفوية مع المجاهد سيفي بوعلام البالغ 80 عاماء من مواليد منطقة تلمسان - 
حكم عليه بالإعدام داخل المعتقلء في 5 آب/ اغسطس 2012»: في الساعة 13:30» في منزله في 
تلمسان. 

(39) مقابلة شفوية مع المجاهد طالحي حسين اليالغ 81 عاماء من مواليد منطقة تلمسان في 27 
نيسان/ أيريل 2012» في الساعة 15:12» في منزله في أولاد ميمون. 


204 


إيجاد وإنشاء أماكن للتعذيب (مثل المعتقل والسجن والمركز والمحتشد)»ء من 
أجل خنق توسّع الثورة» وهذا ما أكده جل المجاهدين الذين أدلوا بشهاداتهم 
الشفوية", 

استطاعت فرنسا من خلال هذا العمل فصل الشعب عن جهد الثورة» 
وفعلا عندما نرى الإحصاءات المدونة» خصوصًا في الوثائق الأرشيفية نلاحظ 
أن عمليات التعذيب والإعدام كانت تطاول القرية كلها لمجرد أنها تعاونت مع 
رجالاات الثورة. 

من أجل هذا استطاع جيش التحرير الوطني نقل الثورة من الريف إلى 
المدينة» وهذا ما سهل إنجاح مسار الثورة ونيل الاستقلال المشرق في عام 
2 . وفي الجدول (6-9) سنوضح أهم الحوادث التي جرت داخل المعتقل 
بحسب كرونولوجية الوقائع التاريخية. 

الجدول (6-9) 
أهم الوقائع داخل معتقل «دار الجنرال6 


| سسست إسمس ايت 






































5 فتح المعتقل ورنيدي بومدين 1960 الكهرباء 

6 257 المعاقبة شريف مولاي 1961 التعذيب النفسي 
8 التحويل الجماعي باسعيد الطيب 1961 / 

9 قرار سيفي بوعلام/ الكهرياء 
الإعدام بن عبد الله بن عمر/ الكهرباء 

1 ألغلق بن ثابت ميلود/ الماء (الصهريج) 


المعتقل 


(40) أرشيف مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي؛ ص 9-6. 


265 


ااساة 


العمل الفلاحي الشاق | 1956-1962 


تنظيف المركز 1956-2 
تكسير الحجارة 1957-2 
تكسير الحجارة /-1962 





أما عن أخطر مراكز التعذيب التابعة له فأحصينا خمسة مراكز بحسب 
ما استطلعناه من خلال الشهادات الشفوية: 


الحدول (7-9) 
أهم المراكز التابعة لمعتقل «دار الجنرال» 


اسم صاحب الشهادة الشفوية ولقبه 
مركز التعذيب جوليان دي كريو رضوان درقال 
سماحي عبد الكريم 
دحماني الجيلالي 
سماحي بوسياحة 
دراوي عبد القادر 
دحاني يو سف 


مركز التعذيب مزرعة شنفرو تاجوري مسعودة 
دحاني بيو سف 


سنوس شرفي 





206 


دراوي فاطنة بنت عكاشة 


مصطفاوي بن عبد الله 
قشفوش بوشامة 





المصدر: عمر جمال الدين دحماني» «مراكز التعذيب بدائرة عين تالوت» (تقريرء مديرية 
المجاهدين لولاية تلمسان» 2011-2010): ص 12-5. انظر أيضًا: دراسة عمر جمال الدين دحماني 
في شأن معتقل بوسوي الضاية» مديرية السياحة والصناعة التقليدية» ولاية سيدي بلعياس» 2013. 


ثالنًا: بناء الحادثة التاريخية لمعتقل دار الجنرال 


سعت الدولة الجزائرية حديئًا إلى استحداث قواعد علمية جديدة للاهتمام 
بكل ما يتعلق بالفترة اللاستعمارية ودراستهاء خصوصا الفترة بين عامي 1954 
و1962 التي لا تزال أرضًا خصبة للدراسات التاريخية» منها على سبيل المثال 
ما تعلق بالرجوع إلى الاهتمام بالشهادة الشفوية واعتبارها مصدرًا محليًا مهمًا. 

في هذا الإطار استدرجنا الدراسة إلى كل ما تعلق بالفاعلين التاريخيين 
في منطقة تلمسان وعلى سبيل المثال اختيارنا «معتقل دار الجنرال» موضوعًا 
للدراسة» حيث سعت الجهات المعنية») مثل مركز مديرية المجاهدين 
والمتحف الولائي لولاية تلمسان إلى أن تسلّط الضوء على هذا المركز من 


2067 


خلال استرجاع الذاكرة الوطنية والوقوف عند الشهادة الشفوية لمن عذبوا في 
داخله. 
1 - مركز مديرية المجاهدين لولاية تلمسان 

ارتكز نشاط مديرية المجاهدين منذ عام َ2(00 على الاهتمام الكثيف 
بتدوين الشهادات الشفوية» وخصصت لها مصلحة خاصة سَمّيت مصلحة 
المحافظة على التراث الثقافى والتاريخى 0 وجل مهمات هذه المصلحة 
كتابة تاريخ الجزائر بناءً على معطيات الشهادة الشفوية وتمحيصهاء حيث 
تخضع للمقارنة مع وثائق الأرشيف الفرنسيء وساعد هذا العمل كثيرًا الباحثين 
التاريخيين في إعادة كتابة تاريخ كل منطقةء وذلك عن طريق: 

أ- مصلحة التوثيق 

تتكوّن من باحثين في مجال التراث التاريخيء مهمتها البحث عمن عُذّب 
أو سجن داخل هذا المعتقل أو المراكز التابعة له» وضبط المعلومات مع كل 
مجاهد**)؛ وهي كالآتي: 

- مهمته العسكرية. 

عبت مجن 

- نوع المركز الذي زج فيه (معتقل» سجنء مركز). 

- مدة التعذزيب ومدة السجن. 

- آثار التعذيب وأنواعه. 

- الحياة اليومية داخل المعتقل7". 

0 أرشيف مصلحة المحانظة على التراث الثقافي والتاريخي» ص 37-36. 


(42) المصدر نفسهء ص 36. 
(43) ضبط الباحث هذه المعلومات والأسئلة. 


268 


ب- مخير التحرير 


تُجمع الشهادات الشفوية كلها عن هذا المعتقل (دار الجنرال) وبحثها 
بشكل نظام التقارير المبني على كل شهادة ومقارنتها والخروج في الأخير بتقرير 
خاص ونهائي بشكل جزئي» نظرًا إلى عدم الحصول على الشهادات الحية كلها. 
ويسمح لمصلحة التحرير أيضًا أن تضبط بشكل نهائي أعوام التعذيب التي مرت 
داخل هذا المركز (المعتقل) من خلال الاستعانة بالشهادة الشفوية. 

اج أرشيف المصلحة 

تقوم مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي بتدوين هذه 
المعطيات من خلال طبغها في مجلة المديرية أو استعمال نظام التخزين 
(القرص المرن)» لتسهيل عملية الاطلاع عليها في أي وقت ممكن من الباحثين 
الجامعيينت42. 


د- يوم وطني للمذاكرة الشعبية 


تقوم المديرية بتنظيم يوم وطني للمذاكرة الشعبية في شأن جرائم 
الاستعمار الفرنسي» وكذا اليوم الوطني للاستقلال الجزائر» وبالتالي تقوم 
بدعوة عامة لجميع المجاهدين والاستماع إلى شهاداتهم الشفوية عن كل 
مظاهر التعذيب داخل هذا المعتقل**؟ وذلك في 5 تموز/ يوليو من كل عام. 

- إحصاءات مراكز التعذزيب وجردها 

أحصت مديرية المجاهدين في عام 2003 عددًا كبيرًا من هذه المراكز بين 
معتقلات وسجون وحتى المحتشدات, وهذه الأخيرة لم يبقّ منها إلا أطلال 
دالة على وجودهاء وبالتالي فالرقم الإجمالي لهذه المراكز بلغ حوالى 76 

(44) محضر اجتماع لمصلحة المحافظة على التراث التاريخي والثقافي» تحت رقم 1342» 
المؤرخ في 23 آذار/ مارس 2003. 

(45) اليوم الوطني لاستقلال الجزائرء وبالتالي تقام احتفالات في ربوع الوطن كلها وتنظم 


مسابقات وتوزيع شهادات تقديرية على المجاهدين. 


269 


مركراء منها ما هو مقترح ليصف في الدليل الوطني» ومنها ما هي مراكز لم 
تصئّفء نظرًا إلى عدم توافر شهادات شفوية عنها©». 

و- الخروج إلى ميدان الحدث4727) 

بيدأت هذه العملية بالتجاوب مع المجاهدين الذين تتكفل إدارة المتحف 
بإخراجهم ومواجهة مكان الحدث» وبالتالي تزداد فرص الحصول على الشهادة 
الشفوية بكثرة» وهذا ما جرى مع معتقل دار الجنرال» خصوصًا في أماكن 
التعذزيب والعثور على وسائل التعذزيب التي كانت الإدارة الاستعمارية تستعملها 
في التعذيب. 

ز- المحافظة على المراكز الاستعمارية وترميمها 

تعد هذه العملية خطوة ناجحة بقصد الحفاظ على الذاكرة الوطنية الشعبية 
واللجوء إليها متى استدعت الحاجة؛ ومن بين المراكز التي أخضعت للترميم 
في إطار برنامج خاص لمديرية الثقافة مركز بغاون (1956 - 1962). 

ح- جمع كل ما تعلق بالثورة 

في هذا الصدد وضع برنامج لحماية الوسائل كلها التي استعملت في أثناء 
الثورة» أي المحافظة على التراث المادي وغير المادي. ويدخل في هذا الإطار 
الوثائق والمراسلات والأجهزة العسكرية (أسلحة. الزي العسكريء أدوات 
التعذيب) وهذا ما طبق فعلًا على معتقل دار الجنرال*». 

ط- تصنيف مراكز التعذيب 

صَئّف إلى الآن حوالى خمسة عشر مركرًا للتعذيب» وهذا ما قامت به 
مديرية المجاهدين بالتعاون مع المتحف الولائي: 


(46) أرشيف مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي» إحصاءات 2003. 
(47) المصدر نفسه. 
(48) أرشيف مصلحة الثورة التحريرية بالمتحف الولائي» تلمسان 2013. 


210 


- دائرة تلمسان: مركز دار الجنرال» مركز 18 /13:آ:8485111. 

- دائرة أولاد ميمون: مركز العبور17©» مركز عين يسرء مركز الشولي. 

- دائرة سيدي الجيلالي: مركز حاسي سيدي أمحمد» مركز سيدي 
المخفى. 

- دائرة سبدو: مركز الشاطوء مركز 04114615. 

- دائرة بني سنوس: مركز 84114018. 

- دائرة مرسى بن مهيدي: مركز بن مهيدي. 

- دائرة الغزوات: مركز دار يغمراسن» مركز 4884201آء مركز يغاون. 

- دائرة منصورة: مركز عين غراية”". 


ذكرتثٌ هذه المراكز للدلالة فحسب على أن هذه المراكز كلها صَنّفْت بناءً 
على ما ورد فيها من شهادات شفوية قدّمها أصحابها. 


ي- برنامج وضع مخطط لمعتقل دار الجنرال 
في هذا المجال قمنا بيبحث عن هذه التقنية لتزويد المتحف الولائي 


بمخطط شامل عن كل ما تعلق بالمعتقل من سجن وأماكن خاصة للتعذيب 
في داخله والمساحة الإجمالية له©6. 


2 - بطاقة جرد لمعتقل دار الجنرال 


تمكنتٌُ من خلال دراستي مراكز التعذيب في ولاية تلمسان”© من أن 
أجعل لكل مركز بطاقة جرد خاصة به وهذا منطيق كذلك على هذا المعتقل 
كي تكون له أهمية علمية ومعرفية» وتحوي هذه البطاقة: 


(49) أرشيف مصلحة المحانظة على التراث الثقافي والتاريخي»: إحصاءات 2003. 

(50) انظر مخطط معتقل دار الجنرال في ما يلي» ٍ 

(51) تقع ولاية تلمسان شمال غرب الجزائرء يحدها شمالا البحر المتوسط وجنوبًا ولاية 
النعامة وشرقًا ولايتا عين تموشنت وسيدي بلعياس وغربًا المغرب الأقصى. وهي منطقة تاريخية 
وسياحية؛ كانت تعرف ببوماريا في العهد الروماني واتخذها الزيانيون عاصمة لهم. انظر أرشيف بلدية 
تلمسان. 


بطاقة جرد لمعتقل دار الجنرال 





الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية 
بطاقة جرد لمراكز التعذيب عبر ولاية تلمسان 
مركز معتقل «دار الجترال». 


التاريخ: 2013/ 2014م 
اسم المركز: دار الجترال 
الرمز: م. دج 


رقم التسجيل: 107 
نوع المركز: معتقل للتعذيب أثناء الفترة الاستعمارية 
تاريخ صلاحياته: 1955- 1962م 


تصنيف المركز: 

#مصنف: تم تصنيفه وفق برنامج مديرية المجاهدين 
لولاية تلمسان سنة 03م 

#غير مصنف: / 

#تاريخ التصتيف: 03م (إحصائيات 2003م) 


الوضعية العامة: 
© ملكية شخصية: / 


* ملكية الدولة: هو الآن تابع لمصالح الجيش الوطني الشعبي 


تحديد موقع المركز: يقع مركز دار الجنرال بوسط المدينة بمحاذاة المعلم الأثري لقلعة المشور. 
المعلومات التاريخية: قامت السلطات الفرنسية في سئة 1955م من فتح هذا المركز الذي كان تايعًا 
للجيش الفرنسي» وجعله من بين أماكن التعذيب للجزائريين ووضعت مكاتب خاصة فيه مهمتها 
البحث والتحري والاستجواب لكل من تم القبض عليه من المجاهدين؛ أغلق هذا المركز سنة 
2م وذلك بعد نيل الجزائر لاستقلالهها التام. 

حالة الحفظ: لقد حوفظ على هذا المعلم التاريخي فترة من الزمن على الرغم من أن جزءًا كبيرًا منه 
تعرض للهدم. ١‏ 

صاحب بطاقة الجرد: الباحث عمر جمال الدين دحماني - قسم التاريخ - جامعة سيدي بلعياس. 


3- المتحف الولائي لولاية تلمسان 


هو المركب الخاص بالولاية الخامسة التاريخية!©» في أثناء الثورة 
الجزائرية» متحف أقيم خصوصًا للتعريف بالثورة في هذه المناطق وفي 
مقدمها منطقة تلمسان» وخصص منذ العام 0 مصلحة وجناحًا يهتمان 
بتدوين الشهادة الشفوية» بالتعاون مع مديرية المجاهدين لولاية تلمسان!2 
واستوفى عمله بالتطرق إلى كل ما يتعلق بالاستعمار الفرنسي في ولاية 
تلمسان. وبطبيعة الحال الاهتمام بمراكز التعذيب كلها ومن بينها معتقل دار 
الجترال. 


خاتمة 


نستنتج أن على البلدان العربية أن تنجه إلى مثل هذه الدراسات في المنهج 
الشفوي لأنها تعبّر حقيقةٌ عن الوجه الحقيقي لأي حدث كانه فمثلا نحن نعتمد 
في دراستنا في الجزائر على هذا المنهج الشفوي ولو قليلاء حيث أعطى تصورًا 
جديدًا عن حقائق تاريخية كانت غائبة عند كثير من الباحثين» وشهدنا أخيرًا قفزةٌ 
نوعية في هذا الجانب» خصوصًا عند كتابة الشخصيات الجزائرية التي غادرتنا 
في عام (2012 - 2013) من رؤساء ومناضلين كبار كتبوا عن سيرتهم الذاتية 
وعن الأعمال كلها التي قاموا بها في شكل مذكرات خاصة:. هذا ما حاولنا في 
هذه الدراسة إيضاحه بشكل عام عن معتقل دار الجنرال الذي استطعنا أن نجمع 
عددًا ممكنًا من الشهادات الشفوية عليه» ووضعه في سياقه التاريخي مع مراعاة 
الجوانب التطبيقية والنظرية لمحتوى أي شهادة حية. 

أعطت كتابة التاريخ» خصوصًا في الجزائر» دافعًا قويّا للاعتماد في التأريخ 
لأي حدث تاريخي على مثل هذه الشهادات واعتبارها سندًا مهما له وبناء عليه 


(52) قسمت الجزائر في أثناء الثورة التحريرية إلى ست ولايات تاريخية» صنفت تلمسان ضمن 
الولاية الخامسة التاريخية. 
(53) أرشيف مصلحة الثورة التحريرية بالمتحف الولائي» تلمسان 2013. 


213 


تستدعي دراسة أي حالة موضوعية؛ مثل معتقل أو مركز كدار الجنرال» الوقوف 
عند الفاعلين التاريخيين الذين ساهموا في حوادث رُسمت في أذهانهم. 
وماعلينا اليوم إلا أن نحاكي يومياتهم بالكتابة عنها. ويمكن إبراز النقاط الآتية 
عن فاعلية الشهادة الشفوية ومعتقل دار الجنرال في: 

- يعتبر معتقل دار الجنرال إدراجًا مهما ضمن القائمة المعتمدة في تحليل 
أي صورة استعمارية بالنسبة إلى تاريخ الجزائر. 

- توصيات الحفظ الجارية عليه وعلى جميع الفاعلين التاريخيين. 

- يعتبر مركرًا مهما في تدوين الروايات الشفوية التي تحدثت عن فترته 
الزمنية» وتوثيقها وجعلها من المصادر الأساسية عنه. 

- اعتبار الشهادة الشفوية ذات دلالة واقعية معتمدة من أصحايها. 

- المحافظة على الشهادة الشفوية يعني المحافظة على الذاكرة الوطنية. 











مخطط لمعتقل دار الجنرال 
(من عمل الياحث) 


مخطط لسجن التابع لدار الجنرال 
(من عمل الباحث) 
1 





مخطط لمركز التعذيب التابع لدار الجنرال (من عمل الباحث) 


1 


204+ 


المراجع 

كتب 

أرشيف مصلحة المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي. الدليل الأولي لمراكز 
التعذيب. الجزائر: مديرية المجاهدين لولاية تلمسان» 2003. 

أعمال الملتقى الدولي حول الاستعمار بين الحقيقة التاريخية والجدل السياسيء فندق 
الهيلتون 03-02 جولية 2006. الجزائر: منشورات وزارة المجاهدين» 2007. 

دوريات 

مجاود» محمد. «أهمية المنهج الشفوي في الكتابات التاريخية.» الناصرية 
للدراسات الاجتماعية والتاريخية: عدد خاصء كانون الأول/ ديسمبر 
2. 

مجلة الجيش الوطني الشعبي: العدد 496» تشرين الثاني/ نوفمير 2004. 


ندوات ومؤتمرات 
دحمانى» عمر جمال الدين. «التشاط الاجتماعى والثقافى بمنطقة سيدي بلعباس 
1962-1131: دراسة تاريخية ميدانية لدوار القرابة.4 ورقة قدمت إلى: 


الملتقى الوطني حول تاريخ منطقة سيدي بلعباس 1962-1900» قسم 


تقارير ومحاضرات 
دحماني» عمر جمال الدين. «المحافظة على التراث الوطني- آثار مدينة تلمسان.» 
اليوم الدراسي حول التراث والسياحة» سيدي بلعباس 2012 (غير منشور). 
تلمسان. 2011-2010. 
. «مظاهرات 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1 196م: دراسة من خلال شهادات 
شفوية.» تقرير» كسمم التاريخ بمناسية يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر» جامعة 
سيدي يلعباس 2013. 


215 


ولد النبية» كريم. محاضرة بعنوان «المنهج التاريخى؛ ألقيت لطلية السنة الأولى 
ماستر يوم الثلاثاء 13 كانون الأول/ ديسمبر 2011» في الساعة 10:00 
بقسم التاريخ جامعة سيدي بلعباس. 

أرشيف 

أرشيف بلدية تلمسان للعام 2012-2011. 

أرشيف السجل الذهبي لشهداء الثورة التحريرية ولاية تلمسانء الجزائر 2005. 


أرشيف مصلحة البحوث والتوثيق بالمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة 
الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954» وزارة المجاهدينء أيار/ مايو 1999. 


أرشيف مصلحة الثورة التحريرية بالمتحف الولائي» تلمسان 2013. 

محضر اجتماع لمصلحة المحافظة على التراث التاريخي والثقافي؛ تحت رقم 
2 المؤرخ في 23 آذار/ مارس 2003. 

المقابلات الشفوية 

مقابلة شفوية مع المجاهد شريف مولاي. 

مقابلة شفوية مع المجاهد ورنيدي بومدين. 

مقابلة شفوية مع المجاهد بن ثابت ميلود. 

مقابلة شفوية مع المجاهد باسعيد الطيب. 

مقابلة شفوية مع المجاهد بن عبد الله بن عمر. 

مقابلة شفوية مع المجاهد سيفي بوعلام. 

مقابلة شفوية مع المجاهد طالحي حسين. 

مقابلة شفوية مع المجاهد بن حمو بوزيان. 

مقابلة شفوية مع المجاهد دريسي أحمد. 

مقابلة شفوية مع المجاهد سيفي بن يحيى. 


216 


الورفقة العاشرة 
محاذير توظيف المصدر الشفوي 
في كتابة تاريخ الزمن الراهن 
شهادات فاعلين في الثورة التونسية 
فتحي ليسير 


مقدمة 


يشهد التدوين التاريخي منذ أكثر من ثلاثين عامًا عودةً لافتة إلى المصدر 
الشفوي في ما يشبه رد الاعتبار إلى المحكي والمروي والملفوظ» حيث يجري 
اليوم تناول المروي والسردي باعتبارهما مصدرين تاريخيين وموضوعين 
للتاريخ في الآن نفسه. 


من المعلوم أن المصدر والتاريخ الشفويين لقياء وحتى أمد طويل» 
الإقصاء والازدراء» وتحديدًا خلال الفترة الواقعة بين نهاية القرن التاسع عشر 
ومطلع ثمانينيات القرن العشرين» حيث اشتركت المدارس التاريخية المعروفة 
كلها تقريبًا في تبخيس هذا الضرب من المصادر من خلال رفض ما سمي 
آنذاك «التقليد الشفوي:» واعتبر المؤرخون والأكاديميون الصفويون المروي 
والشفوي رديفين للإشاعة و«التاريخ الصغيرة» واصمين إياهما بالهزال والتفاهة 
وعدم الاطمئنان لمعطياتهما. 


277 


لكنء اقترنت بداية ثمانينيات القرن الماضي يتغيّر نظرة المؤرخين إلى 
الشفوي؛ ولم يلبث هذا المصدر أن تأقلم في المشهد الإسطوغرافي بعد 
أن سلّم الباحثون - أو سالموا - بأهمية الرواية الشفوية لا بوصفها مصدر 
معلومات إضافي جد ثمين فحسبء بل أداة مقارية خصوصية للنفاذ إلى 
أعماق ثقافة ما أو شكل من أشكال الوعي الجماعي". ورد المؤرخ فيليب 
جوتار أسباب المصالحة هذه" بين المؤرخين والشفوي في العالم الغربي إلى 
عاملين أساسبين: الأول تطور المعرفة التاريخية وانفتاح المؤرخين على أدوات 
ومناهج جديدة لتناول التاريخ وتوسيع فهمه. والثاني تطور وسائل الاتصال 
المرئية والمسموعة والاتصالات الهاتفية أيضًا إلى درجة أصبح الأوروبيون 
اليوم يسمعون أكثر مما يقرأون. ونضيف من جهتنا عاملا آخر؛ علاوة على 
هذين العاملين» قوامه ازدهار تاريخ الزمن الراهن منذ حوالى ثلاث عشريات» 
وهو التاريخ الذي أضفى ألقاب الشرف الأكاديمية على الشفوي» خصوصًا رد 
الاعتبار إلى الشاهد بوصفه عنصرًا مركزيًا في التوثيق للحوادث» حيث أمكن 
للمؤرخ أن يقيم حوارًا مباشرًا مع «مصدره؛» وهذه إحدى الخصائص المميّزة 
لهذا الضرب من الكتابة التاريخية. 


هذه هى الإحداثيات العامة التى تنزل فيها العودة إلى الشفويء, لا عودة 
الشفويء باعتبار أن الاستئناس بهذا المصدر لم ينقطع يومًا على الرغم من تشديد 
الخناق عليه كما أسلفنا. وسنقصر همّنا في إطار هذه الدراسة المحدّدة الهدف 
على مسألة محاذير توظيف المصدر الشفوي في كتابة تاريخ الزمن الراهن في 
تونس (منطلق ما يسمى اليوم «الربيع العربي») التي كثر القول فيها وفي شأنهاء 


(1) كععسه5 تعد«مطممانمعمته ننه 11650016" 5)» ,أعمترقصطء5-همتق عنوتمتصسوط اء اعمول؟ وافتهدط 
١ )1980(, 2. 198,‏ .مه ,35 .01؟ ,كصمنامعااتطا) ,كطاناع50 ,ه8010 .كعأععدق4 «بعلصنه ووالطععة ك وعلهره 


(2) وجب التذكير بأن كبار المؤرخين مثل هيرودوت وتوسيديد ويوليب وابن خلدون وميشليه... 
زاولوا التاريخ الشفوي واعتمدوا على المصادر الشفوية وأخذوا مادتهم من «أفواه الفاعلين» والشهود 
إلى جوار اعتمادهم على المصادر المدونة. وتواصل هذا التقليد الشفوي حتى نهاية القرن التاسع عشر 
قبل أن تتخذ المدرسة الوضعانية (المنهجية) موقفًا معاديًا منه بصفة صريحة. 

() ذا كلامة ,ععبوا«ماكالط كمءدواع3 كعك وجأهمدملاء!2 :عصمل «بعلهره ععتماواتط1» ,لعمائول عممنتائطط 

97 اء 495 .وم ,(1986,ععمقم عل وعتتماتوء املا دعدهعظ :زوزمدط) عتلأنوسا8 غتسة عل نأل 


218 


تأسيسًا على ما تجمّع لدينا من حصيلة استطلاعات وعمل ميداني في مدن وقرى 

من الوسط التونسي: : سيدي بوزيد والقصرين ومنزل بوزيان وسيدي علي بن 
عون» أي المدن والبلديات التي شهدت انطلاق شرارة الثورة التونسية» حيث 
كانت لنا حوارات/ مقابلات مع شريحة من الشباب المشاركين في الثورة. 


يستمد هذا العمل جانبًا من طرافته وخصوصيته في كوننا أجرينا عملين 
استقصائيين في الأماكن نفسها في فترتين زمنيتين مختلفتين: أنجز الأول بعد 
مرور عام على انطلاق الثورة (25 كانون الأول/ ديسمبر 22011)؛ والثاني بعد 
انقضاء عام وثلاثة شهور على العمل الميداني الأول (بين 23 و27 آذار/ مارس 
3)»©» وتسنى لناء بعد نقد معطيات الاستجوابات والمقابلات المختلفة 
ومقاطعتهاء الوقوف على الطابع المعقّد جدًّا لشهادة الفاعل؛ ما يسوّغ في رأينا 
التشديد على جملة المحاذير الملازمة للمصدر الشفوي المباشر. 

نرى من الضروري قبل الخوض في العينة المُنتقاة وأوضاع (إنتاج» 
المصدر المذكور أن نعرّج» ولو في إشارات سريعة ولمعات خاطفة إلى ما يميّز 
تاريخ الزمن الراهن من حيث هو «تاريخ تحت مراقبة الشهودة» وكذا الإضافات 
المهمة للمصدر الشفوي مهما تكن أهمية التحفظات والاحترازات التي قيلت 
وتقال في شأنه. ْ 


أولا: تاربخ الزمن الراهن: تاريخ «تحت مراقبة الشهود؛ 


إن تاريخ الزمن الراهن”؟ في أهم تعريفاته وأبسطها هو ذلك التاريخ الذي 
لايزال فاعلوه وشهوده (بمن فيهم الباحث طبعًا) في قيد الحياة*» إنه «زمن 


(4) اختلفت التسميات للإشارة إلى التاريخ الساخن الجارية وقائعه (مادةة! :معمدت) الذي 
يكتب تحت مراقبة الفاعلين والشهود والذي يكون فيه الباحث والمؤرّخ ملاحظين وشاهدين ولريما 
فاعلين أيضًا. فهو حيئًا تاريخ الزمن الحاضر أو الراهن» وهو حيئًا آخر تاريخ مباشر أو فوري أو 
لحظي أو آني. وللاستزادة في شأن هذه التسميات والفويرقات بينهاء انظر: فتحي ليسيرء تاريخ الزمن 
الراهن: عندما يطرق المؤرخ باب الحاضرء تاريخ (تونس: دار محمد علي الحامي صفاقس» 2012): 
ص 47-36. 

(5) إن تاريخ الزمن الراهن - وفق ما ضبطته أدبيات باحثي معهد الزمن الراهن في فرنسا - 


219 


التجربة المعيوشة»» كما ذهب إلى ذلك فرانسوا بداريدا رئيس مذهب تاريخ الزمن 
الراهن في فرنسا الذي أكد أن هذا الحقل يتميّز بوجود شهود وذاكرة حيّة. من هنا 
كان الدور الخصوصي للتاريخ الشفوي”» والحاصل من كل هذا أن هذا التاريخ 
يكتب تحت العين المراقبة للشهود والفاعلين الاجتماعيين» ما يجعل منه تاريخًا 


تحت المراقبة (عءصةاالع ده كلاهة عتامائنط عصد) وفق عبارة مارك فير ا 


استعاض المؤرخون» بسبب استحالة الاطلاع على ما يوجد في دور 
المحفوظات (الأرشيف) من وثائق أرشيفية» لأسباب تتعلّق بالمٌُدد القانونية 
للاطلاع عليها أو جرّاء فقدان تلك الوثائق وتلفها لسبب أو آخر أو لأن الحدث 
لم يخلف أثرًا مكتوبًا يعتد به» بأدوات خاصة أخذت من علوم قرينة رديفة 
(الأنثروبولوجياء الإثنولوجياء علم الاجتماعء الفولكلور... إلخ) وعمدوا إلى 
القيام ببحوث ميدانية وعقد المقابلات واستقصاء الشهادات. 


هكذا غتّرت هذه التجربة المعاصر ة أو الحاضرانية؟؟ (#سدةمعهم 16) من 
وظيفة المؤرّخ وحتى من هويته؛ إذ بات يواجه تحديات عدة مرذها كيفية تدبر 
الوفرة المصدرية من ناحية وضرورة الانفتاح على علوم خارج إطار تخصصه 
نحو القانون والأنثروبولوجيا والاقتصاد من ناحية أخرى. والمهم في مقامنا 
هذا أن الحاضرانية التي أعادت الاعتبار إلى الشاهد «حرّرت الباحث في 
تاريخ الزمن الراهن من عقدة التعامل مع الشهادة. ورفع التطور التكنولوجي. 
وتقدم وسائط الإعلام الحرج عنه في توظيف الصورة والذاكرة. وأصبح مقبولًا 


- «يغطي مقطعًا (©66ناو؛:) تاريشيًا يحدّه معلمان متحركان: الأول في أعلى المقطع ويتناظر مع مدّة حياة 
بشرية (الشاهد)» والثاني في الأسفل؛ ويشكل الحدّ الفاصل بين اللحظة الراهنة واللحظة المنصرمة أو 
الماضية». لمزيد من التفصيلء انظر: 762 اءعدم اه ممجعاء3 (ع16ره||ا وياد كنامد #رأماعةإلانا ,مآ عمدلا 
كنام5 11135]011605» ,عرمطماآ عصئئط اه ,(1985 ,لإلاغماءمسمصلص) :وصدط) ععتماكتط'! عل ععمعوتتاعاما ,عتميكنط'! عل 
.36-49 .مم ,(1994 عع ترمول) يسركط «رععمهزااعءصيد عاتاقط 


(6) 18 .0ه عأعة 5تمط ,كع اناه ةد كع 5127 «بأفعكمم ومتمعا دال عتأماذذ!][» بملائملة8 كتمعممآ 
20-2 ,مم ,(1997 عبطماء0-ع سم وعة) 


زفق 11 .م ,مجم 


(8) دث عمتمءطنا هآ ,دمامءا بك كدع د ةجوت كك وكتادهعنطط جفاء أماعاط'ل كه تجن ,عواعدكا وأمومم؟ 
.(2003 باتنعء5 تكامة8) ع[مؤزة “201 


2130 


للهيئات العلمية الحريصة على احترام المنهجية في الكتابة التاريخية الاشتغال 
بأدوات ومصادر لا تحمل صفة #رسمية6. 


نخلص من هذا كله إلى أن التسليم بأهمية إفادات الشهادات الحيّة في 
الكتابة التاريخية وقيمتها المضافة بعد أعوام مديدة من الحججر الفكري على 
مثل هذا المصدرء جعل من المصدر الشفوي مكونًا أساسيًا من مكونات جهد 
التقميش واللملمة الذي ينهض به الباحث في التاريخ الآني الفائر. ويمكن 
القول» من دون خشية السقوط في أي اختزال مجحفء. إن حضور المصدر 
الشفوي القوي في التأليف التاريخي شكل على حدّ قول المؤرخ جان - 
فرانسوا سوليه والمؤرخة سيلفان غانل - لورينيه #إحدى أكبر الثورات في 
العلوم التاريخية المعاصرة وإحدى السمات الخصوصية للتاريخ الراهن:©. ‏ 


1 - الشاهد أو عودة «العين والأذن» 


إن الرواج الكبير الذي يلقاه التاريخ الشفوي والإثنوبيوغرافيا 
(عنطمدمعهفهسطاغ) وشيوع الأر شيفات الصوتية» والازدهار اللافت لتارد يخ الزمن 
الراهن والإشكاليات المرتبطة بالذاكرة» والتطور الهائل للشرائط الوثائقية 
في السينما والتلفزيون» وهي شرائط عادة تتناوب فيها الوثائق الأرشيفية مع 
الشهادات الاستذكارية» أكدت في نهاية الربع الأخير من القرن العشرين العودة 
الجديدة إلى الصورة القديمة لشاهد العيان في التاريخ أو الرجوع إلى «العين 
والأذن» وفق عبارة أوليفييه لفي ديمولان, إننا نعيش عصر الشاهد ده مغ') 
(دذهمة كما أفاضت في ذلك. أنيت فيفيورك"©. والحق أن الدقة تقتضي منا 
القول إنه لا يجوز الحديث عن الشاهد بصيغة مفردة» وكذلك بالنسبة إلى 


(9) عبد الحميد الصنهاجي» «المؤرخ والشاهد: الكوم المغاربة في حرب الهند الصينية 
(1954)» في: : التاريخ الحاضر ومهام المؤرخ» تنسيق محمد كتبيب» سلسلة ندوات ومناظرات؛ 158 
(الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية» 9 ص 1 


(10) عفدرماط مل «عندألةاصما ع«زونكابا'ل كاعفم2 بأعصارمةآءلمتنا© عمتمابرك كء أعلدمة وتأمعمطءممعز 
.39 .م ,(1989 ,تتأآامن) ,ىذ :وفتة8) عتتماكئط ذا ,60 كعؤمجه عمل دالا هآ عاباء2 


0010 .(1998 ,هما :كضة) «أوينة بك عرة “نآ بملتمات 1لا عاأعممة 


2851 


الذاكرة أيضًا. وميّزت دانييل فولدمان بين أصناف عدّة من الشهود. فهناك 
«الشهود الكبار» أو الفاعلون الكيارء أي أولئك الذين تقلدوا مسؤوليات أو 
كانوا وراء مبادرات... إلخ» وهم شهود غالبًا ما يكون لديهم «الكثير مما يمكن 
قوله»» وهناك «الشهود الصغارة من عامة الناس الذين «عاشوا حياة بسيطة4» أي 
من «منسبي التاريخ ومغيّبيهة2". 

أصبح الشاهد موضوعًا للتاريخ (عننه؛عنط”ك :هزذ0 هد) (تمامًا كما الذاكرة)» 
والدلالة على ذلك مؤلفات سير الحيوات التي شهدت طفرة لافتة خلال الأعوام 
الثلاثين الأخيرة في أقطار العالم كلها تقريبًا. وغالبًا ما تُدرج هذه الشهادات 
ضمن استراتجيات اجتماعية أو شخصية محدّدة: الدفاع عن تاريخ محلي أو 
عن فعل سياسي» بل حتى رهانات عائلية أو هوية أو روحية... إلخ*1©. ويذهب 
فرانسوا بداريدا إلى أن كلمة شاهد حمّالة ثلائة معان على الأقل: 


- المعنى الأول تاريخي/ تجريبي. فالشاهد إما فاعل أو متفرّج ينقل ما رآه 
أو سمعه. ومن هذه التجرية يولد السرد. ومن هنا يمكن أن نتحدث عن شاهد 
عيان أو شاهد سماع*". 


- المعنى الثاني قانوني ويعني ذاك الذي يشهد على حدث عاينه وشاهده 
مباشرة» وينزل فى إطار ما يمكن أن نصفه بالمؤسساتيء أي العدالة تحديداء 
أو في مكان نقول عنه إنه المحكمة. ومن ثم فهو شاهد أساس قد ينير العدالة 
ويحسم في نزاع ما" . 

- المعنى الثالث فلسفي/ أخلاقي» حيث ينصّب الشاهد هنا نفسه ناطقًا 
رسميًا باسم الحقيقة وضامئًا لها. ويمكن القول إن الشاهد من خلال اعتبار نفسه 


(0) مباأعبعباءه8 ما +2ةاشتؤم ها عل وبلعيه8 مم :كممل ««عع مكنا ك صوناتما12» بممدعلاه/ا عاغتموط 
تومو" ) 21 :1.11.12!'! عل وونطي كعا ,ممصلاه/ عاغتمهط عل عتل ها كدهد ,عامره كععصنامى | أه عنموترواعاطظ 
<0 طم. 1/5070 -تقتك. تاقلا الابو بد //جااط> .3 .م ,(1992 ,15ل 


(13) ,منعطفك اه كاصوعددم) :قدا ايد هه بمكةط تعمعل جبدءرمكتط'1 ك متمصث]1 عل» بالمماكد02 فمامه 1لا 
.3 .م ,1 .آم ب(2010 بلمفصتالمد© تمتيدع) عتتماكتط ه011 ركاه؟ 2 ,[له ك] عتتمعواءط ,© عل ومتعمتل د! كنامة 


(14) ذكره: الصنهاجي» ص 72. 
(5) المصدر نفسه) ص 72. 


222 


ضامئًا لما يروي من حوادث ووقائع يؤكد صدقيته وسلطته بمعنى أنه يجتهد» من 
خلال تقديم روايته في إبراز (هويته البيوغرافية الخاصة» عبر الزمن!©. 

إن لشهادة الشاهد أبعادًا عدة واستخدامات اجتماعية كثيرة: فإلى جوار 
المعرفي والعلمي”''» نجد البعد الذاكراتي والإيصالي (#تنهاههمدده1)”*" والإيتيقي 
والمستقبلي أيضًا”". ويمكن أن نذكر أخيرًا البعدين المعلمي والتصوري©. 


إن مجموع هذه الأبعاد المتراصّة من شأنه أن يضفي على التعاطي مع 
الشاهد قدرًا غير قليل من التعقيد كما سئرى. 


2 - إضافات الرواية الشفوية أو إضافات الشهادة الحيّة 

يطول بنا الحديث لو مضينا تُعدّد إيجابيات المصدر الشفوي ومساهماته 
في إغناء المعرفة التاريخية» لكننا سنكتفي من الأمر بالقول إن الشهادة 
الشفوية هي قبل كل شيء مصدر أوّلي للمعرفة التاريخية» ومهمة في سد 
ثغرات الوثائق الأرشيفية وملء بياضات التاريخ المكتوب. وتشكل الذاكرة 
المنطوقة رصدًا شموليًا للواقع» فإذا كانت الوثائق الأرشيفية المكتوبة غالبًا ما 
تقدم الوقائع والحوادث إما مجزأة أو مبتورة» تقدمها الرواية الشفوية مجمّعة 
ضمن سياق دلالي موحًد. كما أن المصدر الشفوي مفيد وجدّ مخصب في 
معرفة الفاعلين الذين نصّبوا أنفسهم «شخصيات للحبكة التاريخية» وفق تعبير 


(16) ,كدوافمت عاب عل عالعة1! «عجاماعانا' | ات ععاهجه كع صدمد كعط ,عأل ها كنامة ,ومسمعء2 عمدعرهاظ 
.0 .م ,(2006 ,لشمغءظ8 بكتمة©) عمامائتط 'ل دععمناه5 ,تعره عم عممعاوجنا 


(17) تهدف الشهادة هنا إلى قول و«بلوغ» ما حدث ضمن أفق يجمع بين المعرفة ومطابقة 
الحقيقة. 
(18) ترمي الشهادة هنا إلى الحؤول دون نسيان ما حدث وتنظيم نقله إلى الأجيال الحالية 
والمقبلة. 
(19) عادةٌ تكون الشهادة حمّالة دروس وعظات من حيث إنها تتضمن ما يجب فعله وما يجب 
تجنب فعله في المستقبل. وياختصار بفكرة «واجب الذاكرة» (#تامصفم عل :زميول 16) التي أسالت كثيرًا 


من الحير. 
(20) يسعى الشاهد من خلال الإدلاء بشهادته إلى أن يقول من هوء ومن يريد أن يكون وأن يحوز 
اعتراف سامعه بذلك. انظر في هذا الخصوص: 3 .م ,ومتصوعوع 7 


203 


فلورانس ديكامب. أضف إلى هذا كله أن الشفوي يمكن أن يقدم إضافات 
مهمة واستثنائية في مجال التاريخ اليومي والمعيوشء أي كل ما يتعلق بالمحيط 
البشري والجغرافي والمحلي والاجتماعي والمهني والمادي للوجود البشري» 
حيث يتحرك الفاعلون أيّا كانت مواقعهم في التراتبية الاجتماعية. كما يتيح 
الشفوي إدراك الحوادث من الداخل فهو في المحصلة معرفة من الداخل بما 
أنه يسمح بالتعرف إلى الطريقة التي «يترجم بها الأفراد في حياتهم الواقعية» 
الضغوط الاجتماعية والمؤسسية الواقعة عليهم مما ينتج عنه أن معرقتنا بالواقع 
الاجتماعي تكون أدق وأشمل ما دمنا قد أضفنا إلى الإلمام بشروطه الموضوعية 
معرفة خصائصه الذاتية7”6©. وفي إمكاننا أن نردد مع عبد الله العروي أن (ما 
يستهوي الباحث فى الرواية الشفوية هو الجانب النفسانى»226» وهذا البعد 
النفساني لا يدرك إلا بالشهادة الشفوية «الفورية الفائرة؛» ذلك أن هذا الضرب 
من المصادر يُميط اللثام عن نواح مهمة غالبًا ما يهملها التاريخ المكتوب أو 
يسقطها من حسابه نحو التمثلآت الذهنية والسلوك الفردي والانفعالات 
والأحاسيس والرؤى والمتخيّل والأحلام والمعايير والمسوّغات والنوايا 
والقيم والمعتقدات والمعيوش والاستراتيجيات الفردية ... وفي المحصلة 
فإن المصدر الشفوي الذي رد الاعتبار إلى الجزئي والمهّش واحتفى بهما 
أصبح ضروريًا لكل باحث يروم التعرف إلى الوقائع الصغيرة الحقيقية التي 
تمثل نسيج الوجود. أي جملة الوقائع التي تعامت عنها الوثيقة المكتوبة لكونها 
لم ترتق في نظر المدونين إلى مستوى الحوادث «رغم ما قد يكون لها من 
صلات بممارسات المجتمع وقيمه ...0©. والشهادة مفيدة كذلك «في معرفة 
الممارسات التي انحرفت عن المعايير السائدة وشكلت الهامش في مجتمعها 
أو رفعت لون العصيان في أي شكل من أشكاله. 


المختار الهراس» «منهج السيرة في السوسيولوجياء» في: إشكاليات المنهاج في الفكر 
العربي والعلوم الإنسانية (الدار البيضاء: دار توبقال للنشر» 7 )» ص 2 9. 

(22) عبد الله العروي» مقهوم التاريخ» 2ج (بيروت: المركز الثقافي العربي» 02ج 1: 
الألناظ والمذاهب؛» ص 108. 

(23) الهراس» ص 93. 


54ظ2 


كما تفيد في التعرف إلى النزاعات التي لم يفسح لها المجال لتتحوّل إلى 
صراعات مكشوفة ...00 على ما سيزداد وضوحًا من خلال الأنموذج الذي 
سنعرضه أدناه. 


ثانيًا: فاعلون يتذكرون 
بعض القادة الميدانيين للحراك الثورى 
في الوسط التونسي 

ستركز هنا على ما انجلى عنه عملان ميدانيان كنا قد أنجزناهما في إطار 
هيكل بحث يتبع كلية الآداب والعلوم الإنسانية في صفاقس* من استخلاصات 
ونتائج أولية. وتمثل العمل المذكور في التحول إلى أربع بلدات ومدن في الوسط 
الغربي التونسي الذي شهد انطلاق شرارة الحراك الثوري في تونس (بين كانون 
الأول/ ديسمبر2010 وكانون الثاني/ يناير1 201)» وهذه القرى والمدن: سيدي 
بوزيد والقصري.29) ومنزل بوزيان وسيدي علي بن عون. حيث جمعنا شهادات 
حيّة من عدد من الفاعلين في الحراك الثوري المذكورء وتزامن هذا العمل الحقليّ 
الأول مع ذكرى احتفال سيدي بوزيد (مهد الثورة) بالذكرى الأولى لاندلاع الثورة 
التونسية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2011. 


نرى من الضروري هناء أن ندوّن الملاحظات التأطيرية الآتية: 


- تخيّرنا منح الكلمة لمقصيي المكتوب (نضعة*! عل كداءظ 165) والمغيّبين 
ومطحو ني التاريخ (عجامائتط"! عل وؤلرمء8 ع1)» أي أولئك الذين لم ينظر إليهم 


(24) الهراسء» ص 93. 

(25) يتعلق الأمر بوحدة البحث: «القرى والمجموعات الريفية في تونس» التي عقدت ندوة 
علمية في 12 كانون الثاني/ يناير 2012 عنوانها: «الثورة التونسية من المدينة إلى الريف: (17 كانون 
الأول/ ديسمبر 2010 - 14 كانون الثاني/ يناير 6)2011 في مدينة مدئين في الجنوب التونسي. وأشرف 
على عملية جمع الشهادات ورنّبها ودوّنها طالب الدكتوراه لطفي العبّاسي الذي يعدّ المهندس الحقيقي 
لهذا العمل التجميعي. 

(26) اقتصر العمل الميداني في مدينة القصرين على حيّي «النور» و«الزهور»» حيث دارت أعنف 
المواجهات» خصوصًا في يومي 9 و10 كانون الثاني/ يناير 2011. 


2135 


الأرشيف المكتوب على أنهم موضوعات دزا0)» مثل الأقليات الثقافية 
والعرقية والطبقات الشعبية المهمشة والمستضعفة. 


ثمة اتجاه في الغرب اليوم» في إطار العلوم الاجتماعية» يفضّل الالتفات 
إلى «الشهود الصغار» لأن كواهلهم لا تَنُوءٌ في الأغلب بثقل الرهانات الجماعية 
للذاكر ة أو الصورة العمومية (6نونتاطنام عومد]"'1)» فضلا عن أن الارتكان إلى هذه 
الشريحة يسمح بالتعامل مع شهود متحررين من أي التزامات وفي حل من أي 
تعهدات» وهذه من الأمور المهمة بالنسبة إلى الباحث. 


- ليس من السهل الكتابة عن الثورة حتى وإن كان العمل المنجز مقصورًا 
على عملية جمع بسيطة لبعض تفصيلاتها الصغيرة من عدد من الفاعلين» ذلك 
أن فصول الثورة ما زالت تتوالى وحلقاتها لم تكتمل. لكننا نعتقد أن غياب 
المسافة بين الباحث وحدث في ضخامة الثورة وارتداداتها المتوالية (أي 
إن الثورة» كما هو معلوم؛ ليست لحظة بل سيرورة» وهي بالتالي مد وجزرء 
انتصارات وهزائم» لكن لا الانتصارات تكون نهائية وحاسمة ولا الهزائم أيضًا). 

إن محاولة مقاربة حدث ساخن متوتر بوقائعه الغضّة وسياقه الحامي «تظل 
ذات قيمة بعينها لأنها تنتج سرديّة المتورّط في الحدث وهي سرديّة تقول ما 
لاتقدر على قوله سرديات أخرى». 


- لماذا أقدمنا على تحصيل الشهادات من أفواه عدد من الفاعلين في 
الحراك الثوري بعد فاصل زمني قصير من حدث الثورة؟ 

يؤكد كبار المتخصصين في الشفوية أنه كلما كانت المدّة المنصرمة بين 
وقوع الحادثة ولحظة جمع الشهادات قصيرة كان ذلك أجدى وأهم بالنسبة إلى 
محصّلي الشهادات الشغوية من الشهود؛ ذلك أن اختصار مدد الجمع المذكورة 
بالنسبة إلى الفترة موضوع الدراسة يؤدي إلى التقليص بالضرورة - ولو جزئيًا - 
من جملة الآثار الضارة (655عم 56605 165) الناجمة عن الابتعاد عن الماضي: 
هكذا يكون هناك نسيان أقل وأخطاء أقل وإمكانات تداخل كتابي وبناء غائي 
(مدونههامة1ة]) أقل» وفي المقابل» يجري الحصول أو الظفر بذكريات «طازجة» 


256 


أكثر . ومن شأن معاصر ة أو تعاصرية (616هومم00:6©) عملية الجمع واللملمة 
أن تتيح تحصيل مادة غزيرة ومتنوعة من البيانات والمعطيات» ونوعية جيّدة 
من المعلومات وإمكانية كبيرة للتحققق من التواريخ والوقائع والأماكن 
والأشخاص. هذا فضلا عن إعادة بناء مخقّفة أو منسبة» بما أن التداخلات 
المرتبطة بالظرفيات المتعاقبة» السياسية منها والثقافية والاقتصادية والاجتماعية 
هي أقل كثافة» وكذا مدونة شهود جدّ ممثلة بما أن جل الشهود في قيد الحياة» 
ما يجعل أقوال هؤلاء قاطعة ومن ثم أقل ضبابية» ويتيح إمكانية أكبر لمقاطعة 
المعلومات والشهادات ومكافحة بعضها يبعض. 


هكذا يسمح قصر المدّة أو الحيّز الزمني بين وقوع الحوادث التي نسائل في 
شأنها الشهود أو الفاعلين» ولحظة لملمة الشهادات وجمعها بالحدّ من النسيان: 
النسيان اللاإرادي الذي يسببه طول المذّةء وكذلك النسيان الإرادي/ الطوعي 
للشاهد الذي غالبًا ما يتمترس وراء السنوات المديدة المنصرمة لتجئْب سؤال 
محرج. 

- لم نشأ أن يكون الموضوع - المنطلق مع حوارنا مع المستجويين من 
الشهود عامًا واسعًاء أي في شأن مقدمات الحراك الثوري وأطواره وتداعياته 
وذلك لسببين: أولهما أننا حاولنا اجتناب ما سمّنته فلورنس ديكامب المسائل 
المثقلة بالرهانات الذاكرانية الجماعية أو الأيديولوجية الإعلامية» لأن مراوضة 
الذاكرة الجماعية من شأنها أن تتسيّب بتفسّخ خطوط الذاكرة الفردية على 
نحو عميق أحيانًا. والثاني مرده قناعتنا بأن عملية الرصد الدقيق والشامل 
للحراك الثوري لم يحن وقتهاء وأقصى ما يمكن القيام به الآن لا يتعدّى جهد 
اللملمة والتجميع ضمن عملية مسح أولية. ومن هنا كانت مبادرتنا - إذا جاز 
الكلام على مبادرة - جد متواضعة (وليس مردّ ذلك تواضع إمكاناتنا المادية 
ومحدوديتها فحسب) في مناقشة الموضوع الذي رسمناه لأنفسنا: ليالي الثورة 
أو الحراك الثوري الليلي» ما نعتبره أحد عناصر الجدّة والطرافة ومن ثم إحدى 
الخصائص المميّزة للثورة» ذلك أن منسوب الاحتجاجء خلال الفترة الواقعة 
بين 19 كانون الأول/ ديسمبر 2010 و10 كانون الثاني/ يناير 2011 كان 


2057 


مرتفعًا بشكل لافت خلال الليل» في حين يسود هدوء نسبي المدن المنتفضة 
خلال النهار. 


اقتنضت ضرورات البحث الاشتغال على عينة من «نشاط الليل4 لشياب 
المدن والقرى المذكورة فكان اختيارنا عيّنة عشوائية بسيطة”” من القادة الميدانيين 
للشباب. وهذا الاختيار أملته طبيعة بحثنا هذاء ذلك أن العينة العشوائية لا تمثل 
بالضرورة خصائص المجتمعات المحلية المدروسة:؛ لكنها تترك اخختيار الأفراد 
للصدفة. وبهذه الطريقة ننقص إمكان تسرب التحيز في اختيار العيّئة. 

تألفت العينة من فثتين: تشكلت الفئة الأولى من شباب (بين 17 و25 
عامًا) ذوي مستوى دراسي محدود (لم يتجاوز المرحلة الإعدادية)؛ والفئة 
الثانية من عدد من صغار الموظفين والطلبة وأصحاب الشهادات العلمية 
العاطلين من العمل» راوحت أعمارهم بين 22 و31 عامًا. وكان من بين هؤلاء 
«الشهود الصغار؟ من الفئتين نقابيون قاعديون وباعة متجولون ومهربون (رواج 
التهريب على الحدود الجزائرية - التونسية» والتونسية - الليبية). وجدير 
بالإشارة هنا إلى أن النساء والفتيات أحجمن عن المشاركة في هذه اللقاءات. 
وكان بعض المستجوبين متحفظا بل ومرتابًا من هذه العملية؛ بينما تفاعلت 
أغلبية الحاضرين إيجابيًا مع المقابلات. 


تحدث المستجوبون بانتفاضة واستفاضة. وكانت لدى بعضهم لهفة 
واندفاع للحديث عن المواجهات الليلية مع قوات الأمن وانسيابية في 
التعبير» وامتزجت حركات اليدين وتقلصات الوجه مع الملفوظ من الأقوال. 
كما عبّرت الأغلبية عن عميق خيبة الأمل وحال الإحباط التي تلم يسكان 
الجهة مما آلت إليه أحوال البلاد بعد انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 
71 وصعود الحكومة الجديدة. هناك من تكلم بحرقة» وهناك من مازجت 
الحسرة والأسى أقواله وهو يتحدث عن (مصادرة الثورة» وعن التضحيات 
التي ذهبت سدى. 


(27) يجب التنبيه هنا إلى أن تقنية العيّنة ضرورة من ضرورات البحث العلمي الميداني. 


2358 


تبين لنا من خلال المقابلات أن عددًا كبيرًا من شباب المدن المنتفضة 
هو اليوم» وبعد الثورة وفي عهد الحكومة الجديدة. متابع من وزارة الداخلية 
ووزارة الدفاع بتهم عدة تعود إلى فترة الحراك الثوري» في مقدمها تهم حرق 
مقارّ السيادة (مراكز أمن» محاكم., إدارات... إلخ) أو التطاول على الجيش 
الوطني والأمن والتعدّي عليهماء أو تعاطي المخدرات وبيعها وتسهيل الهجرة 
غير الشرعية في «قوارب الموت؟ إلى إيطاليا... إلخ. 

لما كان همنا من هذا الاستطلاع الميداني البحث في «ليالي الثورة» 
أفادنا مستجوبونا أنه كان للمنتفضين من الشياب استراتيجيتهم في استدراج 
قوات الأمن إلى أحيائهم ليسقطوا في فخاخ أحكموا نصبها. ولما تطرق 
الحديث إلى تنظيم تلك التحركات الليلية تبيّن أنها أبعد ما يكون عن التلقائية 
والعفوية» إذ كانت منظمة ومدروسة. هكذا أمكن لنا أن نعرف أن جماعات 
الشباب الثائر انقسمت إلى مجموعات مواجهة (مجموعات صغيرة بين 10 
و12 نفرًا)» ومجموعات تزويد (مجموعات مكلفة بتزويد المجموعة الأولى 
بالمقذوفات من حجارة ومولوتوف وإحضار البنزين)» ومجموعات للإرشاد 
(كانت تتمركز فوق سطوح المتاجر والمنازل أو في داخلها) ومجموعات 
الاستفزاز والتمويه (لإثارة أعصاب أعوان السلطة من خلال السب والشتم 
وانضمت إلى هذه المجموعات نساء وفتيات) وأخيرًا مجموعات التشجيع 
وكيد الزن والحماسةة 


كما أفاض المتحدثون في الكلام على أدوات المواجهة ووسائلهاء 
فكان منها ما هو معروف (حجارة» مفرقعات» مولوتوف) وما هو مبتكر وليد 
في البنزين» أكياس بلاستيكية من الطلاء والسكر تلقي على الزجاج الأمامي 
لسيارات الشرطة لحجب الرؤية... إلخ). 

من الأشياء الطريفة التي كشفت عنها المقابلات والاستجوابات الوقوف 
عند لغة التواصل بين الشباب الثائرين (شفرات مخصوصة. كلمات سر خلال 


259 


التخاطبء الصغفيرء نقر الدفوف بطريقة خاصّة... إلخ)» وكذلك الغرافيتي (فن 
الجدران المتمرّد)» حيث دورّنت شعارات ورسوم شتى من وحي المواجهات. 

من الطرائف كذلك - وما أكثرها في قضية الحال - حديث الثوار الشبان 
عما اعتبروه غنائم خلال مواجهاتهم مع الشرطة (البنادق التي تطلق القنابل 
المسيلة للدموع. بدلات. خوذات. واقيات بلاستيكية)» كما جرى احتجاز عدد 
من الدراجات النارية وحتى بعض الأعوان لساعات مقابل إطلاق سراح بعض 
الموقوفين من المحتجين كما حدث فى مدينة سيدي بوزيد في كانون الأول/ 
ديسمير 2010). ْ ْ 


لم يغفل الناشطون الجانب التوثيقي والدعائي حيث عمدوا إلى 
«الاحتفاظ» بتحركاتهم و«تخليدهاة من خلال تصويرها بهواتفهم بل وتمكين 
قناة #الجزيرة؛ من بعضهاء اعتبارًا لتأثيرها الإعلامي الكبير في البلدان العربية. 

الحق أن محاورة هؤلاء الفاعلين لم تكن سهلة لسببين على الأقل: 

- كنا أمام شهود يتكلمون بثقة واعتداد» عدّتهم في ذلك «قوّة من عاش 
الحدث:. فالشاهد. كما قال فرانسوا بداريدا: «ينصّب نفسه ناطقًا رسميًا باسم 
الحقيقة4» ومن ثمّ يتحوّل إلى سلطة «كنت حاضرًا إذا أنا أعرف6. (ما يقال في 
الكتب شيء وما عشته شيء آخرة. ومن هنا نشأ سوء التفاهم المستمر والدائم 
بين الشاهد والمؤرّخ. فالشاهد لا يفهم (ولا يقبل) أن التاريخ كتخصص معرفي 
(ودناونء:ز0) يختلف عن التاريخ المعيش (منه6؛ منزههوذةة'0)» من حيث إنهء أي 
الاختصاص. إعادة بناء الماضى بوساطة عناصر أخرى غير العناصر التى توافر 
عليها الفاعل. ومن هنا تجيء خيبات أمل الشهود والفاعلين عند قراءة إنتاج 
المؤرّخ. 

- ما تميّز به الحوار أحيانًا من قلة انضباط واستطرادات مقصودة كان 
الهدف منها جرّنا إلى موضوعات أخرى لا علاقة لها بموضوع المقابلة تعد 
ضمن استراتيجيات فرديّة ذات أبعاد أيديولوجية وجهويّة. وهذا موضوع يحتاج 
إلى وقفة غير هذه. 


210 


بعد مرور عام وثلاثة شهور على العمل الميداني الأول (25 كانون الأول/ 
ديسمبر 2011) عدنا إلى الأماكن نفسها (23 - 27 آذار/ مارس 2013) 
لاستكمال البحث فى أطوار الثورة» خصوصًا «لمتابعةة الشهادات الشفوية 
السابقة. وحاولنا - ما وسعنا ذلك - استجواب الأفراد أنفسهم الذين التقيناهم في 
كانون الأول/ ديسمبر 2011 بغية اختبار صحة ما قيل في أول مرة» لكن مبتغانا 
لم يتحقق إلا جزئيًا بسبب تغيب بعضهم لأسباب جديرة بالتوقف. عندها: عمد 
قسم من أولئك الفاعلين إلى مغادرة البلاد بطريقة سرّية إلى إيطاليا عبر البحر 
(الحراقة). كما أصبح بعضهم الآخر يخشى الظهور في المجال العمومي لأنه بات 
محل تتبع قضائي بتهم تعود إلى ما قبل الثورة» اعتقد الشباب أنها انتهت بسقوط 
نظام بن عليء من ذلك اعتقال شابين من قرية منزل بوزيان جرى استجوايهما. 
وثمة قسم آخر أخذ اليأس والإحباط بمخانقه فآثر الانطواء على النفس وقاطع 
كل حديث عن «الثورة والثوارة. والكلام نفسه يمكن أن يقال على نفر من 
الشبان الآخرين الذين انجذبوا إلى التطرف الدينى واعتقدوا أن الحل يكمن فى 
الانخراط في السلفية الجوامة ومن ثم عزفوا عن الحوارات والمحادثات إلا 
في المجالس الدينية. وتبيّن لنا بعض ذلك من خلال تغيّر سحناتهم وأحاديثهم 
و0 


أما رابع هذه الأسباب وآخرها فمردها فشلنا في ضبط مواعيد لقاءات (على 
الرغم من محاولاتنا المتكررة) بسبب انشغال بعض ممن استجوبناهم سابقًا 
بتجارة التهريب» سواء على الحدود التونسية - الجزائرية أم التونسية - الليبية 
(تهريب البنزين» أو السجائره أو إلكترونيات التجهيز المنزلي أو الخموز... إلخ). 
توخيّنا في هذا التمشي الثاني التقئيات نفسها التي اعتمدناها في المرة 
الأولى*©. وكررنا الاستفهامات والأسئلة نفسهاء وإن اختلف صوغهاء 


(28) وقع الاعتماد خلال المقابلات نصف الموجهة 9ناءمنهندهعدمعناءامة) على تقنية 
السؤال - المحور (ععه-ههةوءن0) والأسئلة التيمات (5©5مهطاءفدمنادءن0) عتد محاورة المستجوبين 
حيث كان السؤال الواحد يتفرع إلى أسثلة أخرى عديدة تتمحور حول مسألة محددة (لغة التواصل بين 
المجموعات خلال الليل؛ أدو ات الشباب الثائر وكيفية الحصول عليهاء قطع الطرق... إلخ). 


291 


وهذا أمر تعمدناه كي نتأكد من أن المستجوبين أفضوا إليها بما حدث فعلًا 
وحقيقة”©. ولا بد من أن نسجل كذلك أننا زاوجنا بين المحادثات الفردية 
والمحادثات الجماعية. والحق أن سياق تحصيل المعطيات تغيّر خلال هذه 
الفترة الثانية يسبب تعكر الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية 
في البلاد؛ إذ كنا حيال أشخاص عصبيين في الأغلب. غابت عنهم نهمة 
الحديث التي شدّت انتباهنا في أول مرة: شم في الكلام وإحساس بالغبن 
وعبارات مثل: «ليس هناك ثورة» و«الثورة سرقت»... إلخ. وتبيّن لنا من خلال 
هذه المحاورات أن عددًا كبيرًا من الفاعلين بات يطوي جنويه على إحساس من 
ثم «توظيفه (هكذا) واستغلاله...6 ومن تجليات هذه الحالة المعنوية الجديدة: 


- احتداد النقمة والغضب على الحكومة التي أفرزتها انتخابات 23 
تشرين الأول/ أكتوبر 2011. ولعل أبرز مئال على ذلك رشق رئيس الجمهورية 
الموقت ورئيس المجلس الوطني التأسيسي بالحجارة في مدينة سيدي بوزيد 
خلال الاحتفال بالذكرى الثانية لاندلاع الثورة في 17 كانون الأول/ ديسمبر 


2 : وهذا لا يحتاج إلى تعليق. 


- الحنين إلى العهد السابق» أي عهد بن علي تحديداء هذا على الأقل ما 
أمكننا استشفافه من كلام عدد غير قليل من المستجوبين. 


(29) كانت الأسئلة من نوعين: أسئلة معدّة سلقًا وأخرى كانت وليدة اللحظة ووفق ردود 
المستجوبين. أما الأسئلة الجاهزة فتمحورت أساسًا حول تقديم المتحدث نفسه؛ ثم الحديث عن 
زمن انطلاق الاحتجاجات (الساعة» اليوم» نوعية المشاركين وعددهمء والأماكن التي انطلقت منها 
الجموع... إلخ) مع التركيز على الاشتباكات الليلية (ميادينهاء مواقيتهاء أطوارهاء والأسلحة المستعملة من 
الطرفين (شباب الثورة والشرطة) وأسلوب الكرّ والفرّ من لدن الشباب الثائر والغنائم وكيفية التعامل مع 
المصابين والجرحى ولغة التواصل؛ ودور المرأة في الحراك الثوري والمناطق الريفية المجاورة). أما الأسئلة 
التي كانت من وحي ردود المستجوبين» حيث دارت في الأساس حول مشاعر الفاعلين وأحاسيسهم وهم 
في معترك الفعل الثوري (الخوف. النخوة» الحزن على من استشهدوا... إلخ)» وكيفية التعامل مع الوشاة 
وميليشيات الحزب الحاكم والشعارات المرفوعة (خلال المواجهة أو ما كتب على الجدران)» وحول 
التحرك اليومي (كان قادة الليل في الأغلب منظمي المسيرات السلمية خلال النهار ...)» ورصد تحركات 
قرات الأمن وفضح المتعاونين من التجار والحرفيين وسائقي التاكسي... إلخ. 


32ؤظ2 


- تهجمات مركزة على عائلة البوعزيزي وعلى البوعزيزي نفسه (نعته 
بالمحروق»)» وفي المقايل» تعاطف مع الشرطية فادية حمدي التي اشتبكت معه 
فى ملاسنة حامية قبل إقدامه على الانتحار. 


تبين لنا فى نهاية هذا العمل الميداني الثاني» وبعد فاصل زمني جاوز 15 
شهرًا عن العمل الأول مع الفاعلين المستجوبين أنفسهم مدى التعقد الذي يسم 
شهادة الفاعلين في الثورة خصوصًا واستحضارات شهود العيان بصقة عامة» 
وهو يقيم في طريق الباحث حزمة من الصعوبات والعوائق يفترض تجاوزها 
النسبي وعيًا بالأبعاد الإبيستمولوجية لتوظيفاتها فضلا عن الأخذ بجملة من 
الاحتياطات التقنية والمنهجية في هذا الخصوص. 


الثًا: الطابع المعقّد لشهادة الفاعل أو حدود المصدر الشفوي 


إن إقرار المؤرخين المحترفين بقيمة المصدر الشفوي ينبغي ألا يجعل 
الباحثين يغفلون عن واجب الاحتراس من عملية (إنتاج الذاكرة». كما ينبغي 
ألا يحجب عنا الطابع المعقّد للشهادة الشفوية الذي يظهر على نحو جليّ 
حينما ننزل بها إلى مستوى التطبيق الميداني. علينا أن نقر منذ البداية بأن 
الفاعل غالبًا ما يكون شاهدًا سيئًا"”» على الرغم من أن مارك بلوخ اعتير أنه 
«ليس هناك شهادة جيدة وأخرى رديئة وما يهم المؤرخ من هذه الشهادات 
كلها هو بناء الواقع6©. هذا من ناحية» ومن ناحية أخرى» نشدد على أن 
اللقاءات الفردية والجماعية التي رتيناها مع عيّنة الشهود. والتي سنعود إليها 
أدناه» ولم تكن بريئة تمام البراءة من حيث إننا كنا طرقًا - إن قليلًا أو كثيرّاء 
شئنا ذلك أم أبينا - في صنع الشهادة وتوجيهها وجهة معينة؛ إذ من المعروف 

(30) «,1956-1964 عاأمملمعمفله1 عتوتصناة 12 عل ععتمامتط"'! عل عامماكتوغم عطءعم ممه كط .21 :]يز 
5 عل كمكامء ارم ل معامنة كمتتواع؟ اه عأه«ه ع«زمامائط جناى أعترهألوجوونجا عوولامء “111/! :ة متمعكممم تعتهوم 
كناء661م0ا5 اللاتاكها"! عل قمو تقلطنا ,كنسناة 94 1996 قماط 11 اه 0[ عه| بتجبع1 :107:05 جبنه عأمعمع هة ,19862 4 


ر(1998 مأقممأاهه العصسع مانامته نال عمأماقتط "0 عنمن الاتاكما"! :دنهنا؟) لمدمتتهم أمعصمع تنام بحل ععزماعئط "0ل 
.26 .م 


(0) ذكره: الصنهاجي» ص 1 7. 


2133 


أن الشهادة الشفوية» شأنها في ذلك شأن المصدر المكتوب تعتبر مصدرًا مبنيًا. 
إلا أن خصيصة هذا المصدر تكمن في كونه في الآن نفسه مصدرًا مستثارًا 
(من الباحث أي منا نحن) ومصدرًا مبنيًا لاحقًا من الفاعل» خلال استحضاره 
الحوادث والوقائع لحظة استجوابه» وهذا ما يسميه جان جاك بيكير العائق 
المابعدي (عمأءعادوممة"! عل مدءنلمد3ا). 


قولنا إن المصدر الشفوي مصدر مستثار معناه أن الباحث يروض ذاكرة 
الشاهد ويحاول أن يبني مصدره وفق مقتضيات بحثه الشخصي انطلاقًا من 
استجواب/ استبيان وأسئلة محدّدة قام بإعدادها بنفسه» وهذه كانت حالنا مع 
عيّنة شباب سيدي بوزيد والقصرين ومنزل بوزيان وسيدي علي بن عون. 

من بين خصائص المصدر الشفوي أنه معاصر للمؤرّخ لا للحدث مناط 
البحث. ومن هنا جاز لنا القول إن مؤرخ تاريخ الزمن الراهن محظوظ كونه 
المؤرخ الوحيد (مقارنة بمؤرخي الفترات التاريخية الأخرى» القديمة والوسيطة 
والحديثة) الذي في إمكانه أن يقيم حوارًا مباشرًا مع مصدره. هكذاء «يثير' 
الباحث خلال استدعاته ذاكرة الشاهد المصدر (ومن ثم يؤثر فيه) ويشارك في 
بناء الشهادة مع المبحوث وفق الأسثلة الموجهة. في الآن عينه. 

لا بد من أن تترك هذه البيانات الناجمة عن لقاء بين الباحث والمبحوث 
آثارًا لا ُمحى في المصدر «المصنوع». وهذا أحد المآخذ الأساس على 
المصدر الشفوي. 

أما القول إن المصدر الشفوي مبني لاحمًا فمعناه وجود مسافة زمنية 
معينة بين زمن الإدلاء بالشهادة وزمن حدوث الواقعة أو الحادثة (حتى وإن 
كانت قريبة جدًا). ومن هذا المنطلق» فإن الشهادة تسقط في لعبة الذاكرة التي 
تنتقي وتختزل وتبتسرء أي تعيد تركيب الماضي وفق ضروريات الحاضر وربما 
إدراكات المستقبل. معنى هذا أن الراهن يؤثر في عملية التذكرء وهذا ما خرجنا 
به من الحوارات التي أقمناها مع #شهودنا»؛ إذ لاحظنا خلال الاستجوابات 
الجماعية صراعات خفيّة بين المستجوبين وغالبًا ما كانت الأصوات تتعالى 


214 


ويشتدٌ العناد والإصرار على صدقية الرواية الشفوية المصرّح بهاء لهذا أو لذاك» 
حيث يحتدٌ اللغط وتتطور الحال في بعض الأحيان إلى حدّ تبادل الاتهامات 
بالكذب والمبالغة أو دإسقاط» بعض البيانات وحتى نفي وجود المتحدث على 
عين المكان ساعة وقوع المواجهة» حيث أصبح من العسير علينا التمييز بين 
من كان فاعلا حقيقيًا ومن كان مجرّد شاهد أو متابع «سلبي». 

الحق أن لهذا التشنج ما يبرره؛ إذ إن كل مستجوب يتحدث تأسيسًا 
على الموقع الذي كان موجودًا فيه جغرافيًا كان أم عملياتيًا (في إطار توزيع 
الأدوار الذي تحدثنا عنه) ثم - وهذا الأهم - أن أغلب مجريات الانتفاضة 
دارت خلال الليل» ما يحد من الرؤية الشمولية» ويكرّس نوعًا من الانعزال إلا 
لمن خبر المكان في أدق تفصيلاته. وثمة ملاحظة أخرى لا بد من تسجيلها 
أن الاستجواب الفردي بقدر ما تميّز بهدوء المتكلم وبشيء من التسلسل 
النسبي للآفكار ينطوي على جرعات مركزة من المبالغات وحتى المغالطات؛ 
فضلًا عن منسوب مهم من الاعتداد بالنفس (مزعج أحيانًا)» حيث يجعل من 
نفسه محور الحوادث في تجاهل باقي الفاعلين (الذين ليسوا حاضرين خلال 
استذكاراته ما يجعله في حل من أي ضغط أو قيد أو رقابة). 


لكن الأمر المهم الذي سجلناهء والذي سبقنا إليه باحثون آخخرون02 
اشتغلوا على شهادات الفاعلين» هو ذلك الذي يهم هوية المتكلم الحقيقي 
عند الإدلاء بالشهادة من خلال طرح السؤال: هل الراوي هو المتكلم الحقيقي 
والوحيد؟ وهل يتحدث عن نفسه فعلا حين يستعمل صيغة المفرد؟ 

كان هناك شبه اتفاق على أن السيرة أو مضمون الشهادة يحوي أكثر 
من صوت وأكثر من راوء حيث إن خطاب الشاهد يتضمن أكثر من «أناك» 
ذلك أنناء في الأغلب أمام «أنوات» مختلفة: أنا الشخصية ©عدهدهدءمءن) 


(32) عادةٌ ما يوصم المصدر الشفوي بالذاتية المزدوجة: ذاتية الراوي الذي تتلاعب ذاكرته 
بالحوادث. ذاكرة تزدحم فيها شذرات من الحقائق والتهويمات والخيال. وذاتية الباحث أو الجامع من 
خلال تقويمه وتركيبه وتبويبه واتصحيحه» وإخراجه النهائي للشهادة. 


205 


(الراوي كمو ضوع لشهادته) وأنا الراوي (ندهندعده-16) (الراوي كملاحظ 
وكمقيم لتجربته وكمخير أيضًا على ما شاهده من حوادث ووقائع)» وهناك 
صيغ كلامية أخرى تسمح للشاهد بأن يعطينا صورة عن شخصيته من دون 
أن ينطق بكلمة «أنا» (أحكام» سخرية» تأملات فكرية... إلخ)» أو تسمح له 
بإبراز أناه عن طريق قبول أو تفنيد آراء الآخرين (هذا صحيح, هذا خطأء هذا 
وهمي...) كما أن الشاهد «قد يخاطب نفسه بأنت أو يستعمل صيغة الغائب 
(هو) كلما تعلّق الأمر بإبراز صورته لدى الآخرين أو صيغة «نحن؛ لإبراز 
انصهاره في المجموعة». 

لو افترضنا جدلا أن خطاب الشاهد صادر عن صوت صاحبه فحسب» 
فالو اقع الذي يتحدث عنه ينقسم إلى و اقع متمثل (هذادعدنمم: غاناه86 عص) (معناه 
أن الشاهد يتحدث للباحث عن جملة الأفكار والآراء والتصورات والخيالات 
التي كانت تجول في ذهنه خلال مراحل حياته المختلفة)» وواقع مقنن (الحديث 
عن مجمل القيم والمعايير والأعراف والميادئ الأخلاقية والدينية والضوابط 
الاجتماعية التي كانت توجه سلوكه باعتباره عضوًا في الجماعة) وواقع معيوش 
(يتجسد في الأساس في العلاقات الاجتماعية الواقعية والممارسات الفعلية التي 
تشكل من حيث المبدأء تطبيقًا لأشكال التقنين الاجتماعي المختلفة)!7©. 


خاتمة 


كانت التجربتان اللتان ار مع طائفة من الشباب الثائر في الوسط 
التونسي خصبتين بقدر ما كانتا ممتعتين» إنها متعة: الاحتكاك بالمصدر الحي 
والشهادة الفائرة المتوترة ل عا الله ار رجفي هلا لان «إن ما يستهوي 
الباحث في الرواية الشفوية هو الجانب النفسي إن لم نقل الجواني»*) لكن 
مدوّنة الشهادات (ودام:ه©) التي حضلناها تتضمن معلومات لا يمكن الاطمئئنان 


(53) بعنههامء50 عنآ ,ءا عل علاءة1! كما بانتدطلزمع لندوط ك وململلة/ا-م أمهات عومومنة خعزهط صوعل 
.(1983 بععصدظ عل معتنتاأوء انما جعدوع2 #كزعةط) 52 


16ظ2 


إليها تمامّاء حيث كيفت ظرفية السرد عملية التذكر والاستحضار وأطرتها ... 
وينبغي ألا يغيب عن الذهن هنا أن فعل التذكر هو حالة نفسية وأن رواية 
الحوادث نشاط اجتماعي مُدرج ضمن علاقات اجتماعية. وكانت خيبة أمل 
شباب الثورة سيدي بوزيد والقصرين ومنزل بوزيان وسيدي علي بن عون مائلة 
بقوة وازئة» بل حاسمة في تلوين استحضاراتهم» خصوصًا في تحديد أحكامهم 
على الوضع الحالي بكثير من القسوة. قسوة لامست التطرف أحيانًا. طبيعي 
والحال هذه أن تتواصل ردات الأفعال العنيفة والمواقف العدمية والتلويح 
بثورة ثانية تكنس من «سرق الثورة» هذا من ناحية» ومن ناحية أخرى لا بد من 
أن نسججل ما لاحظناه من رغبة لدى أنفار من الشهود (من بين المثقفين) في 
التحول إلى أيديو لو جيي (65نكه1051) حيو اتهم الخاصة» حيث إنهم اجتهدوا من 
خلال أحاديثهم إلينا إلى محاولة الاحتفاظ بما اعتبروه الحوادث الأكثر أهميّة 
في مسيراتهم» وهذا ما جعلهم يقدمون إلينا المعلومات التي تخدم هذه الفكرة» 
فكانوا بذلك انتقائيين واختزاليين خلال الإدلاء بشهاداتهم. 

محصلة هذا كله أننا وقفنا فى النهاية على صعوبة الاطمئنان الكامل لما 
جاء على ألسنة الرّواة من بيانات ومعطيات: وفتحت المقابلات معهم عيوننا 
واسعة على الطابع المعقّد لشهادات الفاعلين وحزمة المحاذير الملازمة لكل 
تعاط مع الشفوي. نقول هذا على الرغم من المقولة المعروفة لمارك بلوخ التي 
مؤداها أن مبالغات الشهود واختلاقاتهم وحتى كذبهم, لا يقل قيمة» بالنسبة إلى 
الباحث؛» عن الحقائق والإفادات الصحيحة. 

لا تكمن المشكلة اليوم بالنسبة إلى المشتغلين عن الثورة التونسية في 
المادة المصدرية؛ ذلك أن الباحث في هذا الموضوع يجد نفسه أمام فيض من 
المعطيات كبير» حيث باتت مشكلته الحقيقية كيفية تدبّر الوفرة. ومن ثم أصبح 
ينشد الطريف والأصيل وهذا ما سوّغ اشتغالنا على «ليالي الثورة». 

ماذا كانت هذه الحصيلة - التي تبقى أولية وهو ما يدخل في باب 
الضروري - في النهاية؟ 


2137 


- إضاءات في شأن الحراك الثوري (خصوصضًا مقدماته)» ولا سيما 
«ناشطى الليل» كما ذكرنا. ورصيد من المعلومات يبقى بحاجة إلى الإغناء 
والتدقيق وحتى المراجعة. 

- إفادات أصليّة» جمّة الفائدة فى شأن الأجواء التى لابَسَتْ فترةً ومجالًا 
محدّدين» وكذلك إشارات مهمّة عن شخصيات الفاعلين وحيواتهم اليومية 
وسلوكهم» ومن هذه الناحية فإن المقابلات كانت مفيدة وخصية. 


الورفة الحادية عشرة 


شهادات من التاريخ الشفوي الليبي 


محمود أحمد الديك 


أولًا: أهمية الروايات الشفوية باعتبارها إحدى مصادر التاريخ 


لا شك في أن الحادثة التاريخية ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية» يمثلها 
الزمان والإنسان والمكان» ولا يمكن تصور حدوث هذه الظاهرة خارج هذا 
الإطار» فالزمان يحدد تاريخ الوقوع أو النطاق الذي عاش فيه الإنسان ويحدد 
عمره على الأرض. أما المكان فهو المحيط الجغرافي الذي وقعت فيه الحادثة» 
أما الإنسان فهو العنصر المحرك والفاعل ومنفذ العملية التاريخية» والتاريخ في 
عمومه دراسة الماضي البشري والعمل على أحيائه. وبما أن الإنسان هو صانع 
الحوادث أو مشارك فيهاء فهو المعني بتأريخها وتوثيقها كتابيًا أو عبر الرواية أو 
عن طريق أي وسيلة حفظ؛ مثل الرسم والتصوير والنحت إلى غير ذلك. وعند 
بداية الكتابة التاريخية نجد أن الرواية الشفوية تتصدر الخطوات الأولى ضمن 
المصادر الأساسية التي يعتمد عليها الباحثون والدارسون. ليس في مجال 
التاريخ فحسبء وإنما في أغلبية الموضوعات السياسية والاجتماعية والثقافية 
والاقتصادية وغيرها لدراسة المجتمع. وكان للعرب قبل الإسلام اهتمام 
ملحوظ في هذا النهج» حيث كانت تندر عندهم الكتابة والتدوين؛ لذا اعتمدوا 
على نقل الأخبار شفويّء وبالتواتر من خلال الشعراء والإخباريين والنسّابة 


259 


وسردهم الحوادث والمعارك» وتمجيدهم لهاء وترفت ب «أيام العرب؟ وكانت 
الفراسة والذاكرة سجل تاريخ القبيلة©. 

أبسط تعريف للرواية الشفوية أنها تمثل الأرشيفات الصوتية 5عانطمعه 5ه1) 
(ومهمة وأنها هيئات أو هياكل أو مؤسسات عمومية أو خاصة تحوي 
محفوظات مسجلة على هيئة مقابلات وتصريحات وخطب وأغان... إلخ. 
ويمكن للباحثين مراجعة المحفوظات المذكورة إما على الفور أو وفق آجال 
محددة مقئنة0©». ومع بداية الستينيات من القرن العشرين» تنامى الاهتمام 
بالتاريخ الشفوي في موجة وظاهرة الاستقلال من الاستعمار التقليدي» ومن 
أهم مظاهره صدور كتاب جان فانسينا الأول من نوعه عن التاريخ الشفوي 
في عام 1,. وحدد الأهداف والدوافع ووجهات النظر المتعلقة بالتراث 
الشفوي. وقدّم هذا المصدر خدمة كبيرة إلى الدراسات التاريخية» نظرًا إلى 
اهتمامه بهذا المجال»؛ خصوصًا في دول العالم الثالث التي تندر فيها الكتابة 
ونظام الأرشفة. وأعطت هذه الخطوة حافرًا كبيرًا في ازدهار سعي الباحثين 
وتناميه وراء مواصلة دراسة «التأريخ الشفوي؟ ومتابعتها. وتشكل الشهادات 
التاريخية والروايات والمقابلات الشفوية بأنواعها كلها مصادر أساسية 
للأرشيف الشفوي, ويقدم معلومات ذات قيمة إلى معظم التخصصات العلمية. 
وعلى الرغم من أن الأرشيف يحفظ المخطوطات والوثائق المكتوية» لكن 
أحدًا لا ينكر اليوم قيمة الشهادات الشفوية وضرورة دمجها في الأرشيف شرط 
أن تخضع لمعايير الوثيقة المكتوبة حتى يستفاد منها. 


كثر الجدل الدائر حول الذاكرة واستخدام الشهادات الشفوية في إعادة 
بناء حوادث التاريخ وربطها بالذاكرة» وعلى الرغم من أن هذين العنصرين ليسا 
متجانسين؛ فالسابق مقبول وله أسس واضحة المعالم علميًا "ويمثل معرفة تطبق 
عليها مناهج نقدية6» بينئما الثاني وجد استجابة لمطلب إنساني عالمي للمجتمعات 


(1) علي عفيفي غازيء «التاريخ: ماهيته وأهمية دراسته؟ الشهيد؛ العدد 32 (2011): ص 152. 
(2) فتحي ليسيرء تاربخ الزمن الراهن: عندما يطرق المؤرخ باب الحاضرء تاريخ (صفاقس : دار 
محمد علي للنشر؛ جامعة صفاقس - كلية الآداب والعلوم الإنسانية» 2012)» ص 134-122. 


300 


البشرية» حيث يشكل حضور التاريخ في الزمن الحاضرء وهو محور أساسٌ 
للكائن الاجتماعي وعلم قائم في حد ذاته لا جدال فيه» فهو ليس استرجاعًا 
للذكريات من المجتمعات والأفراده حيث تشغل الذاكرة حيرًا كبيرًا منه. 

تحاول تطبيقات التاريخ الشفوي المختلفة في العالم تصنيف الشهادات 
الشفوية تبعًا لسياق عرضهاء إضافة إلى الموضوعات التي تتناولها والتقنيات 
الخاصة المستخدمة لتقديمها. وهكذا نجد مثل هذه الشهادات في بلدان 
مختلفة ذات طبيعة خاصة» حيث لكل مجتمع إطار ومحددات ومواصفات» 
قد لا نجدها بالضرورة في مجتمع آخر بالمعايير والمفاهيم نفسهاء لكن بشكل 
عام تتفق كلها في إطار البحوث الأكاديمية العلمية. وهناك أشكال أخرى 
في استخدام التاريخ الشفوي عبر وسائل متعددة مثل: المتاحف والمذياع 
والأقراص الليزرية والتلفزيون والعروض المسرحية... إلخ. ونظرًا إلى 
الاهتمام القوي في دمقرطة الدراسة في الماضيء, أصبح التاريخ الشفوي شائع 
الاستخدام ومعترفًا به في الأوساط العلمية بنسب متباينة. 

تعتمد هذه الدراسة على المنهج السردي التحليلي لموضوع المنفيين 
الليبيين إلى الجزر الإيطالية بين عامي 1911 و1943 إبان الغزو الإيطالي» 
وهي صفحات سنحاول تبيان مدى قسوة الحكومة الإيطالية في تعاملها مع 
سجناء حرب من خلال تتبع الشهادات المباشرة من الذين وقع عليهم الأسر 
وما تضمنه من مآس طوال فترة الاعتقال. 


ثانيًا: التجربة الليبية والذاكرة الشفوية 
عد مسألة التعليم والثقافة والتدوين في ليبيا متواضعة جدًا إذا قورنت 
ببعض دول المشرق العربي أو حتى مغربه» نظرًا إلى أوضاع داخلية وخارجية» 
وهي تعقب فترات الاستعمار وعدم الاستقرار السياسي الذي يرتبط بالضرورة 
بالإنتاج الفكري. أما العوامل المحلية فتتمثل في ندرة الموارد» فالليبيون 
هم أقرب إلى مجتمع البادية وشبه الرحلء إذا استثنينا من ذلك بعض المدن 


301 


الكبرى والواحات التى نالت حظا من الاستقرار وإنشاء المؤسسات مثل الزوايا 
والكتاتيب» وهي محدودة النشاط التعليمي الذي يتعلق بالكتابة والتدوين 
البسيط؛ لهذا غلبت على المجتمع الأمية. وكان نقل المعارف يجري بالطريقة 
الشفوية وعبر التواتر حتى مطلع القرن العشرين. وبالنظر إلى شح المعلومات 
ومحدوديتها عن المجتمع الليبي» في الوثائق المحلية» الرسمية منها أم حتى 
الأجنبية في التاريخ المعاصرء التي أهملت دور الليبيين في الحوادث العسكرية 
التي كتبت من -جانب واحد وهو الإيطالي» وهي من دون شلك تمثل وجهة النظر 
الرسمية الاستعمارية» وتهدف هذه الدراسات إلى التقليل من أهمية المقاومة 
وتمجيد بطش الجنود الإيطاليين وقوتهم. لهذا سيعوّض هذا النقص الحاد من 
خلال جمع الرواية الشفوية وحفظها باعتبارها مصدرًا للتوثيق» خصوصا التي 
تتعلق بتناول الحياة العامة» أو التي تفرد لتفصيلات المعارك وموضوع المنفيين 
والمعتقلات والمهاجرين» والبطولات الفردية وأضرار الحرب» وأسماء 
المجاهدين والقبائل والأماكن والآبار والعادات والتقاليد إلى غير ذلك من 
المعلومات. وكلما تعددت الروايات في شأن حادثة أو موضوع واحد. تكون 
الرواية أكثر صدقًا وقوة» خصوصًا إذا دتمت بالوثيقة المكتوبة. 


1 - مراحل إجراء المقابلات الشفوية 


من خلال العمل الميداني وتجربتي الشخصية في شعبة التاريخ الشفوي 
بين عامي 15281 و1989» ثم بين عامي 8 و2011 تكوّنت لدي خبرة 
مباشرة في كيفية جمع الروايات الشفوية وحفظهاء ومن خلال التقصي المبدئي 
لتحديد الرواية الشفوية في المجتمع الليبي» يلاحظ أن هناك اختلافا بين أهمية 
الرواة من حيث قيمة المعلومات وتحديد بعض التصنيفات» أولها أن الشاهد 
العيان أو المشارك في الحوادث بنفسه يُعدَ الراوي الأساس, وهناك من سمع 
عن الحوادث ولم يشارك فيهاء أو نقلها عن غيره من المعاصرين له. وربما 
يكون النقل شبه حرفي عن الراوي الأصلء وهذا تقبل شهادته في حال غياب 
الشاهد الفعلي» لكن التعامل بين الاثنين لن يكون بالدرجة نفسهاء كما يجب أن 


2302 


تؤخذ الرواية منه بحذر من حيث وثوق المعلومات والتحري عن دقتها مقارنة 
بين الروايات عن الموضوع الواحد. وهنا تظهر قوة ملاحظة الباحث من خلال 
طرح أسئلة ذكية ومتناقضة: يتبيّن له من خلالها إن كان الراوي معاصرًا للحدث 
أم هو سامع به فحسب وينقل كلامًا عن غيره. 


الذاكرة الشفوية هي نص غير مكتوبء ينقصه التراتب وترد المعلومات 
غير متناسقة في أحيان كثيرة» وتمثل رؤية الراوي بما عليه من ثقافة تن عن 
محدودية المعرفة ومحلية التجربة. وهنا يتدخل الباحث في إعادة ربط 
الحوادث. سواء في أثناء إجراء المقابلة أم بعدها من الناحية الفنية التنسيقية» 
ونظرًا إلى كون الذاكرة الشفوية غير مكتوبة وليست لها إحالات مصدرية مكتوبة 
في أغلبيتهاء لذا تستكمل بما يأتي للمتذكر وقتها وفي ما بعد. وهذا يعني أن 
الراوي يستطيع أن يعدّل في حديثه كيفما شاءء لأنها ذاكرة فسات من مخرونة 
المتراكم وتأتي على لسانه بعد فترة من الزمن من خلال الصفاء الذهني؛ لأنها 
تعتمد على التذكر واستحضار الحدث. وربما يؤثر تقادم الحوادث وتباعدها 
سلبًا في تذكر الراوي في سرده المعلومات والحوادث. 


هكذاء من جملة مجموع الروايات قد تتكون الصورة الشمولية بشكل 
أوضح لحادثة أو معلومة بعينهاء وتُعطيها الصدقية النسبية؛ إذ تحمل المقابلة 
الشفوية أبعادًا إنسانية نفسية ومباشرةً لا يمكن الوصول إليها من خلال النص 
المكتوب. والمصدر الشفوي لا يعني حوار الفرد مع ماضيه وتجربته الشخصية 
فحسبء ومن هنا ينبغي ألا نركن إلى كل ما يقال على علاته من دون إدخال 
الشك الإيجابي؛ أي النقد من باب التأكد. وتكمن قيمة الرواية الشفوية وأهميتها 
في الدرجة الأولى في قيمة المعلومات التي يدلي بها الراوي. 

من أجل جعل المقابلة تحمل طابع الصفة العلمية والمنهجية اعتمدت شعبة 
الرواية استمارةٌ تتكوّن من خمسمئة سؤال تغطي النواحي السياسية والعسكرية 
والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والنفسية والصحية وغيرهاء وصممت على 
أن السؤال يتضمن الإجابة المختصرة والمركزة التي تشمل نواحي وجزئيات 


1303 


دور المجاهد كلها في المعركة؛ وهذه الاستمارة تعتبر مكملة ورافدًا مهما يُعِين 
الباحث على استحضار الأسئلة وطرحها على الراوي بالتوالي. 


بعد عملية التأهيل والتأطير البحثي العلمي, زُوّد الباحث بوسائل وأدوات 
ضرورية لإجراء المقايلة» أهمها آلة التسجيل صغيرة الحجم ومن النوع الممتاز 
وعدد من الشرائط (الكاسيت) وبطاريات شحن بعدد كافٍ وآلة تصوير فوتوغرافي 
ابت لتوثيق المقابلة وكل ما يتعلق بهاء وأخذ صورة شخصية أو أكثر للمجاهد. 
وإذا تبين أن المعلومات التي أدلى بها المجاهد جيدة؛ يطلب منه» بل يستأذنه 
في إجراء مقابلة بآلة تصوير متحركة (الفيديو) بموافقته. لكن قبل الشروع في 
إجراء المقابلة من المهم للباحث أن يعد بطاقة أو استمارة يدوّن فيها المعلومات 
الأساسية: اسم الراوي الثلاثي وعمره ومكان ميلاده وقبيلته ومستوى تعليمه 
وعمله السابق وأسباب تنقله من مكان إلى آخرء وهل ذهب إلى الحج» وهل 
يتتمي إلى إحدى الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في ليبيا. 

على الباحث أن يكون ملمًا بالعادات والتقاليد والأعراف» مع ضرورة 
استيعابه بعض المصطلحات المستخدمة في السياق الشعبي للمنطقة المراد 
مسحها في التاريخ الشفوي. وأن يختار الوقت الملائم لإجراء المقابلة» 
ويستعين بوجهاء أو أحد أعيان المنطقة حتى يُسهل عليه عملية إجراء المقابلة 
ويُيسر تقديمه إلى الراوي. ومن. المهم أن يجري اللقاء في أجواء ملائمة من 
بناء الثقة بين الراوي والباحث وكسر حاجز الريبة والشكء ويحبّذ للراوي ألا 
يرتدي الزي الرسميء بل عليه أن يقترب من الزي الشعبي التقليدي الذي يريحه 
في سهولة الحركة؛ وتجتّب الصالونات التي لا يحبذها كبار السن» بل عليه 
الجلوس أحيانًا على الأرض ليكون قريبًا من الراوي الذي ربما يكون سمعه 
نكل ربط فعناء جمدي أنه عن الحهم عرض نرع اتن الددلوكاسية لقني 
في التعارف ورفع المعنوية في الجانب الصحي. وهناك مسألة حرجة نسبيّاء 
فالراوي حريص جدًا على معرفة هوية الباحث» من أي منطقة ومن أي قبيلة) 
وهذا من شأنه أن يبعث الاطمئنان للانطلاق بحرية في أثناء الحديث. صحيح 
أن الأجيال لا تتحمل وزر الخلافات القديمة التي عمًا عليها الزمن» لكن من 


2304 


الصعب الدخول في حوار مع راو ينتمي إلى جيل تلك الحوادث وما تحمله 
دن تراكيات سليه في ذاكراه ومن عا عار جنا اججراء العقايلة مع هلم الفنه 
التي قد تحجم عن الكلام؛ أو ربما تُحوّر المقابلة في غير سياقهاء ولهذا يكون 
من الأفضل أن يستيدل الباحث بآخر أكثر قبولا. 


هناك معلومات حساسة وذات طابع اجتماعي لا يمكن أن يصرح بها 
الراوي بكل حرية وأريحية فى حضور أحد من أفراد العائلة القريبين جدًا في 
أثناء المقابلة نظرًا إلى الحياء المتعارف عليه» لذا يطلب أن تُجرى المقابلة 
بعيدًا عن المؤثرات الاجتماعية والنفسية كلهاء ويجب أن ترتب في أجواء 
هادئة وبعيدة عن أي ضوضاء أو تشويش أيّا كان نوعه» كي يتحدث الراوي 
بكل راحة وليخرج التسجيل الفني سليمًا. وهنا يبرز دور الباحث وقدرته في 
فتح الحوار واستنطاق الراوي بطريقة سلسة:؛ على أن يترك له العنان في سرده 
الحوادث من دون مقاطعة أو تدخل منه؛ إلا في بعض الحالات التي قد ينحرف 
الراوي فيها فيخرج على الموضوع إلى حديث آخرء على الرغم من أهميته 
فيتدخل هنا بشكل لا يشعر به الراوي. من المهم أن يكون الباحث على دراية 
كافية بعناصر الموضوع المراد الخوض فيه وتسجيله من أفواه الرواةه من 
أهمها إدراكه المفردات واللهجة المحلية التي يتحدث بها الراوي. والباحث 
خن يري النقابلة النثرية م أخد الرواق نون جكامل مم لعن الرنايت اكنه 
حي في الذاكرة قد لا يجده في الوثيقة المكتوبة» فالمقابلة هي علاقة مباشرة 

بين الطرفين ذات بعد إنساني». فالحوار بين الجانبين قد يطول لساعات طوال 
ولا شك في أنه يحمل مشاعر وأحاسيس مشتركة» لتأريخ الحوادث وضبط 
مكوّناتها ضمن جملة صانعي الحدث2. 

على الباحث أن يكون يقظا وفطنًا على الدوام في مراقبة حركات الراوي 
من كثب» وحين يشعر بقلقه أو تعبه أو ظهور علامات الإجهاد يجب إنهاء 


(3) محمود أحمد الديك. «الرواية الشفهية كمصدر لحركة الجهاد الليبي وتجربة المركز 
كنموذج» (ورقة قدمت إلى: آليات الاستعمار الاستيطاني الأوروبي ذ في الجزائر وليبياء التدوة العلمية 
الأولى» جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية - قسنطيئة» 0 015 


305 


التسجيل على الفور» والدخول في موضوع جانبي فيه راحة لبعض الوقت. 
وقد يتخلل المقابلة تناول بعض المشروبات وتبادل بعض الحكايات الجانبية 
والطرائف حتى تنشط ذاكرة الراوي» ثم يستأنف الحديث معه. 


ربما يلجأ الراوي إلى استخدام لغة الرمز والشعر والأمثال الشعبية أو 
القصص ونحوهاء لسرد المعلومات أم محاولة لإثبات صدقهاء وهز الرأس له 
دلالات في الإجابة بنعم أو لاء واستخدام حركات اليدين والأصابع والحاجبين 
كلها علامات تحمل مضامين يتطلب إدراكهاء وبالتالي فإن فهم الباحث لهذه 
المعاني جزء متمم في استيعاب جل الرواية وتتبع مسارتها. وللشعر الشعبي 
مكانة خاصة في الرواية الشفوية في المجتمعات نادرة التوثيق» لأنه يختزن في 
الذاكرة ويُسرد بأسلوب موسيقي؛ وهو سهل الحفظ ويمكن تناقله عبر أجيال 
عدة. فالشعر يوظف أحيانًا 20 جيدة في نقل المعلومات والأخبار» وهو 
رسائل قريبة للغة الشيفرة» وربما تستخدم فيه الرمزية والتورية بين المجاهدين» 
حيث يجهلها العدوء والشعر يكون أحيانًا بديلا من الرسائل المكتوبة التي 
يخشى وقوعها في أيدي العدوء والتي قد تغير أو تفسد سير الحوادث والخطط 
المرسومة وكثيرًا ما نجحت في إنقاذ المجاهدين من انتقام العدو. ويستخدم 
الشعر في بث الحماسة والتفاخر في شجاعة المقاتلين مما يحفز المجاهدين 
للتدافع نحو جبهات القتال» وقد يتعرض الشعراء» خصوصًا النسوة بالهجاء 
والسخرية للمتقاعسين عن المعارك. 

نظرًا إلى هذه الأهمية وقيمة الموروث الشفوي والمخزون من الحوادث 
التاريخية» ومن هنا جاء الإسراع في جمع وثائقها ورواياتها الشفوية من أفواه 
الذين شاركوا في الحوادث مسألة حيوية ومهمة قبل أن يتخطفهم الموت. 
وتأتي أهمية الاعتناء بهذه الناحية لأسباب عدة في مقدمها: 

أولًا: إن الليبيين الذين شاركوا في المقاومة بين عامي 1911 و1931 
توفي أكثر من نصفهمء سواء في المعارك أو بسبب المرض أو الشيخوخة» 
والباقي منهم في قيد الحياة وقت إنشاء المركز كانوا كبارًا في السن وقلائل 


306 


جدّاء وبعضهم مصاب بأمراض صحية أو ضعف في الذاكرة» وبالتالي يصعب 
محاورتهم والحصول على المعلومات بسهولة» ومع ذلك أجريت مقابلات مع 
أغلبيتهم» وكانت متفاوتة في أهميتها. 

انيّا: كانت تندر في المجتمع الليبي ثقافة التدوين والكتابة» ولهذا لم يترك 
الآباء والأجداد وثائق أو مراسلات أو مذكرات إلا نادرًا إلا من الذين نالوا حظا 
من التعليم» وكثيرًا ما كانت الحكومة الإيطالية تترصد تحركات المجاهدين 
وتراقبهاء ولم يتورع العدو عقب كل عملية هجوم واقتحام منازل المجاهدين 
وخيامهم من إتلاف الكثير من الوثائق وحرقهاء وما سلم منها سرق أو-نقل إلى 
خارج الوطن. 

ثالثًا: أصبح التأريخ الشفوي يمثل جانبًا مهمًا في المجتمعات بما يحويه 
من الموروث الإنساني والذاكرة التاريخية التي لا تستخدم الكتابة بشكل واسع» 
ومنها المجتمع الليبي الذي سادت فيه الأمية في أثناء الغزو الإيطالي وحتى من 
قبله في العهد العثماني. وإن موت طاعن في السن من دون التسجيل معه يعني 
فقدَ جزء من ذاكرة تاريخ الوطن. 

رابعًا: سجَل الشعر الشعبى من المجاهدين أو من الرواة» لما فيه من 
تصوير أدبي اجتماعي دقيق لحوادث يسهل حفظه وتواتره وانتقاله بين الأجيال. 


2- ظاهرة النفى أو الإبعاد فى حركة المقاومة الليبية 


أما المشروع الذي ستتناوله في هذا البحث فيتعلق بمقابلات وشهادات 
مع الذين جرى نفيهم وإبعادهم من الليبيين إلى ست وعشرين جزيرة إيطالية في 
ظروف صعبة للغاية» وتشكل مأساة إنسانية» وكان عدد المنفيين الذين أبعدوا 
عن ديارهم قسرًا حوالى عشرة آلاف منفي وأعداد أخرى لا يعرف مصيرهم 
حتى اليوم» وهم يمثلون الأعمار المختلفة من الطفل الرضيع إلى الشيخ الكهل 
والنساء الحوامل» وكانت عملية ترحيلهم تشكل رحلة من العذاب النفسي 
والجسدي» وماتت أغلبيتهم من شدة البرد أو من تعرضهم للأمراض» ودفلوا 


307 


في مقابر جماعية» ومن عاد منهم حيّا أجريت معهم مقابلات عن طبيعة معاناة 
النفي التي امتدت من عام 1911 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وصدرت 
موسوعات عدة بهذا الخصوص توضح حجم المأساة التي تعرض لها الليبيون 
زمن الاستعمار الإيطالي. 


هناك عدد كبير من المنفيين جنّد في الجيش الإيطالي جيرّاء وزج بهم في 
حرب الحبشة» وكثير منهم لقي حتفه هناك» والذين رجعوا أحياء تمت مقابلتهم 
ورووا قصصًا مثيرة وحزينة في تلك الجبهة التي فرضت عليهم. وهناك آخرون 
أيضا انخرطوا في الجيش الإيطالي الذي هزم في الحرب العالمية الثانية. 
وأسرت بضعة آلاف منهمء وأجريت مقابلات معهم. والجدير بالذكر أن 
موضوع المنفيين والمعتقلات الفاشستية تعد من أعقد مشكلات البحث. نظرًا 
إلى تداخل الجوانب السياسية والقانونية والاجتماعية فيهاء إلى جانب غياب 
الصورة تمامًا من المصادر المحلية» خصوصًا الأجنبية (الإيطالية). وحين 
اتخذ الموضوع طابعًا سياسيًا أصبح يثار في العلاقات الليبية - الإيطالية في 
إطار معالجة الحقبة الاستعمارية. وكان هناك اعتقاد سائد وخاطئ أن النفى إلى 
الجزر الإيطالية لا يعدو عن كونه نوعًا من السجن الذي في العادة لا يتضمن 
معلومات مثيرة كما هو واقع النفي. وتشير المصادر إلى أن أول من تناول 
موضوع المنفيين جاء بشكل عابر في أثناء إجراء المقابلات مع المجاهدين 
حين وردت أسئلة عن النفي إلى إيطاليا في موسوعة روايات الجهاد رقم 7 سنة 
1 » شملت ثلاث عشرة مقابلة» أقدمها سبجلها الباحث امحمد البوجديدي 
في معرض إجراء مقابلة مع المجاهد سليمان خزام القلعة في 13/ 5/ 21978 
من منطقة طرابلس تحت رقم 2/ 20. وتحدث عن النفي بشكل عام. 

في إطار تنفيذ بنود الإعلان المشترك الليبي - الإيطالي الموقع في روما 
بتاريخ 4/ 7/ 1998 في شأن معالجة أوضاع المنفيين والمفقودين إبان الحقبة 
الاستعمارية» اضطلعت شعبة الرواية الشفوية وشعبة الوثائق والمخطوطات 
بالبحث في موضوع المنفيين الليبيين من خلال العمل الميداني. ووزعت استمارة 
حصر أولية عن المنفيين تسمى بطاقة تبليغ عن منفي كان عددها 10.000 استمارة 


308 


وزّعت في أغلب المناطق الليبية» وبلغت حصيلة الخمس سنوات الماضية تعيئة 
0 استمارة للمنفيين إلى الجزر الإيطالية خلال الفترة الاستعمارية 1911 - 
3 إضافة إلى تسجيل مقابلات شفوية مع الذين عادوا من المنافي أو مع 
أبنائهم. وشارك في العمل الميداني في ليبيا عدد من الباحثين الإيطاليين التابعين 
لمعهد إيطاليا وأفريقيا والشرق. ويعمل باحثو شعبة الرواية الشفوية بمشروع 
علمي مكمل يشمل جمع معلومات عبر استبيانات تتكوّن من أسئلة واستفسارات 
عن المعتقلين وأعمال السخرة وأسرى الحرب والمجندين خلال مرحلة 
الاستعمار الإيطالي. وكانت النتيجة الأولية تسجيل ما مجموعه 692 شريطا من 
مناطق بحثية مختلفة» وجرى تفريغها على ورق بواقع خمس وخمسين موسوعة 
فقط حتى الآن» ويجري العمل على استكمال الباقي. 

من خلال حديثنا ولقاءاتنا المباشرة التي سجلناها مع بعض المنفيين» 
تبين أن هناك معلومات غاية فى الدقة وأكثر تفصيلية فى شأن حوادث إنسانية 
جديرة بالتدوين والحفظء ومتطابقة نسبيًا مع الوثائق الإيطالية التي تناولت 
هذا الموضوع في شكل تقاريرء فهي تمثل وجهة النظر الرسمية من الحكام 
العسكريين أم الموظفين في إدارة المستعمرات التي كانت تشرف على السجناء. 
ومع ذلك. هناك إشكالية قانونية في تاريخ الحروبء فهناك صمت شبه كامل 
عن هذه القضية» وهي لا تُثار على المستوى القانوني ولا حتى على المستوى 
الأكاديمي» وهناك مقالة واحدة لصحافي إيطالي أشار فيها أول مرة إلى موضوع 
المنفيين في عام 1985 وهذا بالتالي أثار حفيظة الحكومة الليبية في متابعة 
هذه المسألة» وعلى الرغم من زياراتنا المتكررة إلى الجزر الإيطالية لم نعثر 
على أي منفى حي أو حتى أبنائهم أو أحفادهم وهذا لغز محيّره حيث إن 
أعدادهم التقديرية جاوزت العشرة آلاف منفي» وهو رقم كبير بالنسبة إلى عدد 
السكان الذي يقل عن المليون نسمة. وهكذا يظل مصير عدد كبير من المنفيين 

(4) أرشيف المكتبة الصوتية بشعبة الرواية الشفوية» مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية. 

(5) روماين راينيروء #الجوانب المجهولة عن (المقاومة الليبية؟: الليبيون المرخّلون إلى إيطالياء» 
مجلة البحوث التاريخية: السنة 27 العدد 2 (تموز/ يوليو 1985)» ص 109-97. 


309 


مجهولاء فهل يا ترى أن معظمهم توفى» هناك بعض الدلالات على وجود 
مقابر جماعية؛ على سبيل المثال في جزيرة فافينينا توجد مقبرة لحوالى أربعمئة 
منفي دفنوا في حفرة كبيرة» وتحققنا من ذلك حين رجعنا إلى السجل المدني 
في البلدية في الجزيرة وجدنا أسماءهم, وماذا عن باقي الجزر وما تحمله من 
أسرار هؤلاء التتعساء» وهل من بقي حيّا رُحَل إلى المدن الإيطالية ودُّمج في 
الحروب مع الدول الأوروبية؟ 


من خلال اطلاعنا على بعض القرارات الصادرة بحق من نفتهم السلطات 
العسكرية الإيطالية» الذين يجري تجميعهم عقب كل معركة عبر عمليات 
تمشيط المدن والقرى المحيطة» تصدر الأوامر لترحيل الأهالي غير المحاربين» 
فالوثائق لم تحدد بشكل دقيق الإطار القانوني للمصطلحات أو المفاهيم. 
تصفهم الوثائق أحيانًا بالمنفيين أو المرخّلين أو السجناء أو المساجين 
السياسيين أو المبعدين أو المعتقلين» والرهائن أحيانًا أخرى» من دون صدور 
تهم واضحة ضدهم تحمل أي صفة قانونية تقرّها التشريعات الحربية الدولية؛ 
خصوصًا معاهدة جنيف لعام 1907.» لكن مسألة الاعتقال لا تزيد على محاولة 
الضغط على المقاومين الذين يحملون السلاح وإجبارهم على الاستسلام حين 
يشاهدون ذويهم يتعرضون لمثل هذه الأفعال القاسية» وكانت التهم التي يطلقها 
السياسيون هي أن هؤلاء مجرد عصاة يساعدون ويموّلون حركة الجهاد بالسلاح 
والمؤن والمعلومات» وهذه المشكلة هي التي تواجه المؤرخين والقانونيين 
والسياسيين الإيطاليين إزاء هذه المخالفات» لأنهم منعوا الصحف الإيطالية 
والعالمية من متابعة عمليات الترحيل وتصويرهاء وحتى من خلال بحثنا في 
الوثائق الإيطالية لم نعثر على تهم مباشرة ضد الليبيين المدنيين باستثناء أنهم 
محاربون يستحقون الطرد من بلادهم لأجل غير معلوم» فأغلبية هؤلاء المنفيين 
من الرجال الكهول والنساء والأطفال» تعرضوا للسجن خارج وطنهم» من 
دون أي سند قانوني حربي سابق على الحرب ومناف للمعاهدات التي وقعتها 
إيطاليا. وحين احتج بعض المنفيين شفاهة وكتابة على اعتقاله من دون تهم كان 


23210 


مصيره الحبس الانفرادي وإنقاص وجبة الأكل إلى النصف عقابًا لطلبه حقوقه 
كسجين وأسير حرب. وقام الجنرال كانيفاء الحاكم العسكري لليبيا في بداية 
الغزوء بمذبحة كبيرة عقب هزيمة قواته في معركة الهاني المعروفة التي نطلق 
عليها المعركة الوطنية» حيث شارك فيها معظم أبناء ليبيا ومن أغلب المناطق» 
فقتل حوالى أربعة آلاف وشُرّد معظم السكان, وهنا كان كانيفا يزعم تألمه لهذه 
الفعلة الشنيعة وتنبه ضميره الإنساني واقترح على حكومته نفي ثلاثة آلاف امرأة 
وطفل إلى إيطاليا لأن هؤلاء بحسب زعمه بقوا من دون مأوى ولا مورد لهم 
ويعانون نقصًا في المياه والغذاء» ووجودهم سيشكل خطرًا على الصحة بسبب 
كثرة الأمراض ولكونهم يهددون الأمن العام وبات الجنود المدججون بالسلاح 
يخافون النسوة والأطفال» ويتبجح الجنرال كانيقا بقوله: إن هذا الإجراء الذي 
اتخذته حكومته فيه من الرحمة أكثر مما فيه من القسوة على السكان. ورد عليه 
رئيس الوزراء الإيطائي جوليتي أنه في إمكانه إرسال أي عدد من المعتقلين إلى 
إيطالياء وكأنهما يجهلان أن الجزر الإيطالية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة» 
فهي تعتبر مقرًا لعدد من السجناء الخطرين والمعتقلين» ولا توجد في الجزر 
أدنى مقومات الحياة» حتى الماء الضروري للحياة كان يورّد إليها عبر السفن 
في خزانات وصهاريج» فكيف يستقيم الأمر بإرسال آلاف عدة من البشر إلى 
مصير مجهول؟ اللهم إلا إذا كان الاثنان متفقين على إفناء أعداد بشرية وبشكل 
جماعي. لإفراغ الأراضي الليبية وتوطين مئات الآلاف من المعمرين الإيطاليين 
في المدن الليبية» بدءًا من عام 1930. 


تضاريت البرقيات في استقبال وتأجيل ترحيل المنفيين إلى إيطاليا. 
ولا تخلو بعض التقارير من التناقض حين تشير إلى أنه ينبغي عدم نفي النساء 
والأطفال حتى لا تتعرض الحكومة الإيطالية لنقد الصحف العالمية التي ربما 
تصفها بالبربرية والإرهاب» ومن جهة أخرىء تشير الوثائق إلى عدد النساء 
والأطفال في المنافي» وهم أكثر عرضة للأمراض والوفيات. وهناك مراسلات 
بين وزارة المستعمرات والمكتب السياسي وحكومة أريترياء تقترح فيها أسمره 
إرسال ستمئة منفي للعمل هناك في أشغال السكك الحديد. ما كان مصير 


311 


هؤلاء؟ وهنا تتفق الروايات القوية مع ما أوودته المادة الوثائقية التي تحوي 
معلومات قيمة لا تخلو هي أيضًا من المبالغة في إخفاء بعض المعلومات عن 
الحكومة المركزية. وينفرد عدد من الوثائق بمعلومات تبين مدى تعرض 5 
المنفية إلى الجزر الإيطالية بانفصال اجتماعي وتجزئة بين الأسرة الواحدة بين 
الوطن الأم ليبيا وأماكن النفي. ولم ينج المنفيون من الرقابة الصارمة وغالبًا ما 
جرى تفريق التجمعات» ورفضت وزارة المستعمرات تعيين بعض المشايخ 
ليقوم بتقديم بعض الدروس الدينية» بحجة أن هؤلاء يمكن أن يؤثروا في 
المنفيين سياسيّاء ويحثوهم على التمرد والعصيان. من المهم الإشارة إلى أن 
عملية النفي كانت تجري بطريقة عشوائية عقب كل معركة بأسلوب وحشيء 
حيث يُدفع الأهالي العزل من فئات المجتمع كلها ويحشرون في مراكز تجميع؛ 
وكانت أحوال المرتخلين تثير الخوف والفزعء فقرار الترحيل كان يتخذ بسرعة 
لم يتصوّرها الأهالي» وكانت الرحلة نحو المجهول. وربما يكون التصور 
عند أغلبية المنفيين أنه الموت المحتوم بعيدًا عن أرضهم وأهاليهم. فأغلبية 
المرحلين لم تغادر قراها أو أرض قبيلتها إلا للحرث أو التجارة في المحيط 
الجغرافي القريب» ولم تعرف في حياتها البحرء ولم تركب في أي نوع من 
السفن» ولم تعتد العيش في مناخ بارد وفي مساحة في معتقل كان الفرار منه 
يعني الموت المحقق. علاوة على وقوع حالات غرق كثيرة. 

يروي عدد من المنفيين قصصًا تثير الشفقة عن أوضاع حياتهم الصعبة 
في أثناء مرحلة السجنء ووجدناها تتطابق في كثير من المعلومات التي وردت 
في بعض التقارير الإيطالية الرسمية التي رصدتها لجان التفتيش والمراقبة على 
المعتقلين وأحوال المنفيين» والتي تقدمت بمجموعة مقترحات وتوصيات 
لتحسين أوضاع المنفيين» لكن الأمر كما يقول الرواة كان محاولة تسكين 
وتهدئة غضب المساجين أمام اللجان المراقبة» وهي إجراءات صورية لا ترقى 
إلى مرحلة التنفيذ» لأننا لم نعثر على وثائق تفيد اتخاذ إجراءات عملية لمصلحة 
المنفيين. وفى المقابل» تعطى الشهادات التى استمعنا إليها إجابة شافية وكافية 
عما أغفلته الوثائق أو حتى الصحف الإيطالية. فظروف الأسر والرحلة الرهيبة 


312 


التي مضى عليها أكثر من نصف قرن من إجراء المقابلات مع المنفيين (بدأت 
بعد عام 5 ) الذين بقوا في قيد الحياة» عملية لم تكن سهلة؛ فمعظم 
المئفيين الذين تعرضوا للنفيى خلال المرحلة بين عامي 1911 و1943 وافاه 
الأجل» ومن بقي منهم كان مسئّاء ومنهم من كان يعاني بعض الأمراض المزمنة 
والعاهات المستديمة» مثل ضعف في السمع أو مشكلة النسيان وصعوبة تذكر 
حوادث معينة مؤلمة مروا بها في أثناء الاعتقال. إن محنةً طالت لسنوات عدة 
يشكلٌ تذكدها أو محاولة الضغط على ذاكرة المنفي أن يستعيد حوادثها مشكلةً 
جوهرية عند الباحث. 


من المشكلات الأساس التي تواجه الباحث عند طرح الأسئلة على 
الراوي (المجاهد أو المنفي) في أغلب المقابلات أنه لا يجيب عن الأسئلة 
كلها التى يطرحها الباحثء ولا بد من أن نلتمس العذر لاعتبارات عدة» حيث 
لا يتذكر المنفي أحيانًا اليوم أو الشهر أو حالة الطقس في أثناء عمليات النفي 
وكم استغرقت الرحلة من طرابلس إلى الجزر الإيطالية» فهي تفصيلات دقيقة 
دخلت في عالم النسيان. 

في بداية عمليات ترحيل المنفيين إلى الجزر الإيطالية» حدثني المنفي 
الدهماني سالم الدهماني من مدينة مصراتة» وهي من المقابلات الأنموذجية التي 
طالت حوالى خمس ساعات من التسجيل الصوتيء وكان المنفي يتمتع بذاكرة 
قوية فى سرده الحوادث بشكل سلسلة» على الرغم مما فيها من مرارة الألم 
تخيّل تلك السنين التي اقتطعت من حياته من دون أن يقترف أي ذنب. يقول 
إن عمره حين اعتقل كان خمسة عشر عامًا ولم يكن يحمل سلاححاء لكنه اعتقل 
في أثناء عملية مداهمة لقريته مع مئات غيره» وظل في المعتقل لسنوات عدة» 
فهو يحكي عن مأساة عاشها بنفسه في المنفى» يقول: (إنه في أثناء عملية التجميع 
والترحيل في نقاط محددة في الميناء» حيث يجري سلب الملابس وتركهم عراة» 
وهذا قمة الوحشيةء ودون استحياء من العادات والتقاليد الاجتماعية» ويقوم 
العمال برشهم بالماء في حمامات جماعية» وإلباسهم ملابس جديدة» خوفًا من 
الأمراض» ثم يرمى بهم في السفن التي لم تُعدَ للمسافرين بل خحصصت لشحن 


313 


البضائع» ثم وضعهم في القبو الكبير والمظلم في أسفل السفينة» مكدسين على 
بعضهم؛ منهم الجريح ومنهم من لفظ أنفاسه. وتضاعفت المأساة وتعرضوا لسوء 
معاملة الجنود الأحباش الذين كانوا يلقون عليهم الماء الساخحن جدًا وما يسيبه 
من حروق. وجاءت التعليمات من قائد السفينة للمرححلين بضرورة التزام الهدوء 
والصمت الكامل في عرض البحر لبعض الوقت» حتى لا تكتشف السفينة بعض 
السفن الأوروبية الأخرى ويفتضح أمرهم. ويبدو أنه كان يخشى أن تهاجمهم 
سفن العدو ... التي تمخر عباب البحر. وحين يشعر ربان السفينة بالأمان يأمر 
بإلقاء جئت الموتى في عرض البحرء بل هناك بعض الجرحى الذين يحتاجون 
إلى علاج وعناية يُقذف به في البحره وواحدهم يصيح أنه حيء لكن من دون 
أدنى رحمة. ويبدو أن الجئث التي ألقيت في البحر كانت كثيرة ولم تكن بعيدة 
عن شاطئ إحدى الجزر ما دعا الأهالي الإيطاليين إلى أن يتقدموا بشكوى إلى 
الحكومة؛ لكون الجئث ستلوث الثروة السمكية» وضرورة اتخاذ اللازم. ويضيف 
الراوي أنه حينما أنزل المنفيون عند شواطئ الجزر كان في استقبالهم الأهالي» 
وكان منظرًا محزنّاء فقد تلقوهم بالشتائم والسباب وقُذفوا ببعض الحجارة» وكانوا 
ينظرون إليهم بازدراء واحتقار لاعتقادهم أن هؤلاء يمثلون المقاومين والمسؤولين 
عن قتل الجنود الإيطاليين في ليبيا...6. ومع مرور الوقت تروي بعض الشهادات 
أن سكان الجزر صاروا يشفقون على هؤلاء المنفيين المساكين» وأدركوا أن 
هؤلاء لم يكن لهم ذنب اقترفوه» حتى يلقى بهم في مثل هذه الجزر الصعبة في 
تضاريسها ومناخها. وهو ما يعبر عنه بالموت البطيء» ومع مرور الوقت تكونت 
' بين بعض سكان الجزر والمنفيين علاقات وثيقة واستخدموهم في بعض الأعمال 
المنزلية أو في المزارع وفي مواسم الحصاد. 

من بين المعلومات التي رصدناها من خلال بعض المقابللات التي تتعلق 
بمسائل مهمة في معاناة المنفيين طوال سنوات سجنهم في الجزرء منها: 

- الغذاء: يقر معظم المنفيين بأن الغذاء المخصص لهم كان عبارة عن 
حبات مكرونة توضع في الماء أو صحن شورية وقطعة خبز وقليل من الزيت» 
خصوصًا أنه كان يُورّعَ في الساعة الخامسة مساءء في غير وقت الإفطار أو 


314 


الغداء الذي اعتاده المنفيون. علاوة على ذلك» كانت كمية الطعام قليلة جذا 
لا تسد رمقّاء فكان المنفي يظل جائعًا ساعات طويلة؛ خصوصًا في الطقس 
البارد الذي كان يستمر شهورًا عدة» وكان يتطلب طاقة غذائية لتحمّله. فكان 
كثير من المنفيين يلحون بشدة ويستغيئون بأهاليهم لإرسال النقود إليهم. 
وكان بعضهم يطلب من أهله في ليبيا بيع ما يملكون ومذدّه بالنقود لمقاومة 
شدة الجوع والحاجة» وكانوا يصرون أنهم لن يقبلوا أي عذر في التأخير. 
ومن جهة أخرى» سججلت زيارات المفتشين العسكريين الإيطاليين ملاحظات 
سلبية ضد المتعهدين الذين كانوا يتلاعبون بالحصص التموينية المخصصة 
للمنفيين في الكشوفات التي كانوا يقدمونها إلى الحكومة. ورفضت المتصرفية 
مرات عديدة كشوفات إدارة المعتقل بسبب وجود أخطاء واختلاسات» ولأن 
الرصيد المخصص كان يُصرّف قبل انتهاء المدة المحددة له. وتضمنت الحلول 
الإجرائية لتوفير مصدر دخل بسيط للمنفيين تكليفهم العمل في الحقول 
والمزارع والمصانع. 

تشير إحدى الوثائق أنه جرى توزيع أربعة آلاف وستمئة وواحد (4601) 
من المنفيين على ست عشرة منطقة في المدن الإيطالية المختلفة. وكان من 
بين السجناء أسر بأكملهاء وكان الأطفال يُفصلون أحيانًا عن ذويهم إمعانًا في 
قهرهم وإذلالهم. وحين يموت الوالدان كان الأطفال ينضّرون ويضمون إلى 
معسكرات الأشبال لإعدادهم جنودًا للعمل في الجيش الإيطالي. 


كان السجناء الذين أجبروا على العمل يتقاضون أجرًا يوميًا زهيدًا يبلغ 
خمسين ستتيمّاء فطالبوا برفع هذه القيمة وتحسين الوجبة الغذائية. كما طلبوا 
أن تطبق عليهم القوانين المعترف بها لحقوق السجناء. واستجابة لهذه المطالب 
قامت السلطات الإيطالية بنقلهم وتفريقهم في سجون انفرادية خشية أن تتحول 
هذه المطالب إلى تمرد عام في السجون كلها. فالسجن الانفرادي كان مصير 
كل من يخالف أبسط اللوائح في السجنء وهي لا تخرج على كونها نزوات 
الحراس ومديري السجون. ومن أهم هذه المخالفات: اللعب على السرير في 
أثناء النهار ورمي الأدوية وتدخين السجائر في الحجرة والاستلقاء على الفراش 


315 


في أثناء النهار والصلاة عند لحظة التفتيش وحيازة قلم رصاص... إلخ» وكانت 
تتفاوت مدة الحبس الانفرادي من ثلاثة إلى ثمانية أيام. 

- الناحية الصحية: أشارت المصادر الشفوية وكذلك الوثائق الإيطالية» 
أن سوء التغذية الناتج من نقص حاد في الوجبات الغذائية التي لم يعتدها 
المنفيون» وكذلك الأحوال الجوية التي كان يستحيل أن يتأقلم معها المنفيون» 
فضلا عن مكان الاعتقال؛ فالحجرات كانت مخصصة لنوم عدد محدود - من 
ستة إلى سبعة مساجين - يفترشون التبن وغطاء بسيطاء لكن في الواقع كان 
يُحشر العشرات منهم دون أي مراعاة للحياء بين الشاب والشيخ والطفل. هذا 
كله ضاعف المأساة» وستب الإصابة بكثير من الأمراض المختلفة للمنفيين» 
خصوصًا أمراض الجهاز التنفسي والسكتة القلبية والشلل العام والنزلة المعوية 
الحادة» والسل. ولم يكن العلاج بالصورة المطلوبة» علاوة على الأمراض 
النفسية الناتجة من القهر النفسي الذي كان يؤدي إلى الانتحار. 

تشير التقارير الصحية أيضًا إلى أن نسبة الوفيات كانت عالية جدًا بين 
المنفيين. وتشهد المقابر الجماعية بذلك ولم تشر التقارير إلى أنه جرى معالجة 
المرضى في مستشفيات كبرى باستثناء العلاج الذي يقدّمه الطبيب الذي كان 
يزور المنفيين بين الفينة والأخرى. 

حين طالت مدة إقامة المنفيين في الجزر الصغيرة شديدة الانحدارء والتي 
كانت تشكل مناطق معزولة» كانت الحركة فيها محدودة ومقيّدة» وحيث لا 
أقارب ولا أخبار عن الأهل» حدث نوع من التضامن بينهم في رعاية المرضى 
وكيار السن» خصوصا الذين فقدوا البصرء فكوّنوا نوعًا من الرابطة الاجتماعية 
والتعارف في ما بينهم» على الرغم من أنهم لم يكونوا يتتمون إلى قبائل واحدة 
ولا يعرفون بعضهم بعضًا قبل النفي. وفي أغلب الحالات لا يتذكر الراوي 
الذي عاد من المنفى عدد رفاقه» ولا عدد الذين ماتواء وحتى إن تذكر فهو يذكر 
الاسم ناقصّاء فكان يقول على سبيل المثال «كان معنا علي ومحمد... إلخ»» 
من دون ذكر اللقب أو القبيلة. 


316 


- رسائل المنفيين: من المهم الإشارة إلى أن الوثائق الإيطالية اتفقت 
مع الروايات الشفوية في أنه لا توجد بيانات وافية عن عمليات النفي 
الجماعي» فلم يكن المنفيون يملكون بطاقات إثبات هوية» وأن عمليات 
التجميع والترحيل مرت بشكل سريع؛ ولم تُسجَل الأسماء إلا بعد وصول 
المنفيين الأحياء إلى الجزر الإيطالية. وحين سألنا بعض المنفيين عن ذلك 
أفاد أنه كان يعطي السلطات الإيطالية معلومات خاطئة عن نفسه. سواء في 
مرحلة التجميع الأولى أم عند وصولهء فكان المنفيون يصرحون بأسماء 
وهمية أو غير كاملة» لأنهم كانوا يخشون انتقام السلطات الإيطالية من 
ذويهم وأهاليهم» أو حصول مساومات وضغط عليهم بالاستسلام ونحو 
ذلك. ومن جهة أخرىء هناك وثائق تشير إلى أن إدارة السجون أمرت بأخذ 
بصمات وصور فوتوغرافية وتسجيل أوصاف المنفيين من حيث طول القامة 
ولون البشرة والعلامات الفارقة» إن وجدت في الوجه أو في الذراعين أو في 
الصدر من دون تعرية الجسم. وكانت توضع على ملابس السجين إشارة أو 
علامة خاصة تحمل اسم السجن ورقمه المتسلسل على القسيمة» وتظل تلك 
القسيمة معلقة على صدره طوال مدة سجنه. وكانت الوزارة أوصت بحفظ 
هذه المعلومات من أجل محفوظات متكاملة تحوي البيانات الشخصية 
لهؤلاء المنفيين» فهل تحقق هذا الإجراء؟ 


تشير المصادر الشفوية من خلال رسائل المنفيين إلى أنه حين سمحت 
الحكومة الإيطالية للمنفيين بمراسلة ذويهم حتى يطمئنوا على أحوالهم 
ويتواصلوا معهم اشترطت الوزارة عليهم عدم تضمين أسرار في رسائلهم» 
وألا تحتوي على ذكر السلبيات التي تجري في المعتقل. ومع ذلك تسرّب في 
بعض الرسائل أنهم «سيقوا عنوة وأوهموا بأنهم متوجهون إلى طرابلس ولكنهم 
وجدوا أنفسهم سجناء في إيطالياء ويتعرضون لمعاملة سيئة». ومن خلال 
اطلاعنا على الوثائق التي نشرت» وعددها ستة وتسعون وثيقة» منها خمسون 
رسالة من المنفيين إلى ذويهم وباقي الوثائق تتعلق بالمنفيين والإدارة العسكرية 
بخصوص التحقيقات. 


كانت ترجمة الرسائل مشكلة واجهت المنفيين والمسؤولين عن إدارة 
السجون. فلم يكن هناك مترجمون أكفاء؛ وكان عددهم قليلا لا يتلاءم مع عدد 
المنفيين الموزعين على ست وعشرين جزيرة. ويستفاد من هذه الرسائل التي 
صادرت الحكومة معظمها أن أسماء المنفيين غير كاملة» وريما تجد في الرسالة 
نحو خمسين اسمّاء وفيها أسماء قبائلهم ومن توفي منهم. وتطوّع بعض المنفيين 
ممن يتقنون القراءة والكتابة في كتابة رسائل المنفيين من الصباح حتى المساء من 
دون كلل وملل» وهناك من يؤكد وصول ردود على بعض الرسائل. 

من إشكاليات هذه الرسائل أنها تذكر عرضًا وجود تحقيقات واستبيانات 
خاصة لجمع المعلومات»؛ وتشير إحدى الوثائق إلى أن وزارة الداخلية صادرت 
رسائل المنفيين التي اشتبهت فيها أو تعذرت قراءتهاء أو لأسباب أخرى لم 
تذكر. وعثرنا على ماوت من رؤساء السجون موجهة إلى الوزارة يطلبون 
فيها إحالة عدد من مكاتبات المنفيين إلى ذويهم. وورد في إحدى الوثائق 
ملخص ثثلاثين رسالة في أربعة أسطرء ولم تذكر أسباب هذا التلخيص. 
ويلاحظ في الرسائل التي اطلعنا عليها قلق المنفيين واحتجاجهم بسبب عدم 
رد أهاليهم على رسائلهم العديدة. ومن المحتمل أن هذه الرسائل لم تصل 
وربما تكون موجودة في الأرشيفات الإيطالية. ومن المسائل المثيرة في هذه 
الوثائق ما ورد في حوالة بريدية لمنفي عربي في جزيرة أوستيكاء رأت «لجنة 
أسرى الحرب؟ التابعة لوزارة الحرب أن العرب المعتقلين في جزيرة «أوستيكا؛ 
ليسوا أسرى حرب وينبغي عدم اعتبارهم كذلك؛ وإنما جرى نفيهم من ليبيا 
كتدابير اقتضتها دواعي الأمن العاه!. 

اتفقت أغلبية المصادر الشفوية والوثائق الإيطالية على أن أوضاع المنفيين 
كانت صعبة من حيث الغذاء والعلاج الصحيء وما كانوا يعانونه من قهر نفسي 
وقلق على مصيرهم. كما يتضح لنا أنهم كانوا يطلبون من أهاليهم إرسال المال 


(6) محمد شوقي هيكلء إبراهيم سالم الشريف والفرجاني سالم الشريفه» من رسائل المتنفيين» 
عدد خاص بمتاسبة إحياء الذكرى الثمانين لأكبر عملية نفي وإبعاده سلسلة نصوص ووثائق؛ 19 
(طرابلس: مركز -جهاد الليبيين للدراسات التاريخية» 171 ) ص 208. 


318 


إليهم» حتى لو اضطروا إلى بيع الرخيص والغالي. وفي هذا مؤشر إلى ضيق 
الحال. وكان بعضهم يطلب في رسائله أن يتدخل أهله لدى السلطات الإيطالية 
من أجل العفو عنه» والسعي بشتى السبل لإعادته إلى أرض الوطن. علاوة 
على ذلك. كان لبعض المنفيين مصالح تجارية أو ديون مستحقة على آخرين 
أو التزامات مالية» فكانوا يطلبون من أهاليهم الاهتمام بهذا المسائل» فضلًا 
عن ضرورة الاهتمام بالمحاصيل الزراعية» وبعمليات البيع والشراء في أثناء 
غيابهم» لحين عودتهم. 


خاتمة 


ربما يبدو أن مسألة التعامل مع الرواية الشفوية عملية سهلة وبسيطة» قد 
لا تحتاج إلى معاناة الباحث كما هو الحال مع الوثيقة أو المخطوطة» لكن هذه 
النظرة تغلب عليها السطحية وعدم إدراك أهمية الرواية الشفوية حتى تصنف 
باعتبارها أحد المصادر التاريخية» وهي سلسلة من العمليات الإجرائية المعقدة 
التي تتطلب صيرًا واستمرارية» بدءًا من اختيار الرواة وعملية الجمع والتسجيل 
والحفظء. م توظيفها وكيفية استغلالها واستخدامها ذ في البحوث والدراسات 
العلمية. وتّعد مسألة حساسة وحرجة للغاية» وتتطلب تقنية وخبرة عالية من 
المتخصصين؛ فالرواية التي تتناقل شفويًا في صورة حديث أو فعل أو سلوك 
أو ظاهرة» وقعت في الماضي القريب أو البعيد» سجلت في حينها أم في ما 
بعد ينظر إليها كمادة أو موضوع تاريخي يوق لحدث أو لمرحلة بعينهاء وأن 
تعدد الروايات المتناقضة قد يغير من بعض المعلومات والمفاهيم والأحكام 
السائدة. ومن خلال تتبعنا مسألة جمع الشهادات عن موضوع المنفيين الليبيين 
إلى ست وعشرين جزيرة إيطالية في الفترة الممتدة بين عامي 1911 و1943» 
يلاحظ أنه بالنظر إلى ل امار التي مرت بها الأقطار العربية» رُزئ 
الشعب الليبي باستعمار متخلف ومختلف في أساليبه وآلياته القمعية عن 
الدول المستعمرة كلهاء فلا يوجد مثيل لمعاناة الاحتلال الإيطالي. وتعد مسألة 
المنفيين الليبيين صفحات لا تزال الحكومة الإيطالية تتكتم عليهاء ويتجاهلها 


3139 


الباحثون الإيطاليون في دراساتهم أيضًا. ومن خلال تناولنا هذا الموضوع 
بالبحث المباشر والدراسات السابقة على الرغم من تواضعها يتبيّن أن مسألة 
المنفيين ستأخذ حيرا في الدراسات على المستويين القانوني والأخلاقي» 
لأن سياسة الحكومة الإيطالية الاستعمارية لم تعر هؤلاء المبعدين أي أهمية 
حتى في نمط التعامل مع أبسط حقوق المعتقل! هل هو أسير حرب أم سجين 
من دون اتهام. سوى أنه عاص أو متمرد أو خائن. ولا تذكر صحف الاتهام 
أنهم ثائرون» وعلى الرغم من العرائض رد ماه المئفيين 
وأحفادهم إلى الحكومة الإيطالية عبر سفارتهم في ليبياء لم تستجب لمطالبهم 
بالتعرف إلى مصير أجدادهم المجهولين أو حتى منح الحق في زيارة مقابر 
المعروفين منهم. هذا الحدث المأساوي نراه يتكرر في المشهد المحزن في 
فلسطين المحتلة وفي السجون الإسرائيلية بصور مختلفة. لكن تجربة الليبيين 
تُعد ظاهرةٌ فريدة في النفي» وتتطلب من الباحثين دراسة عميقة وجادة من خلال 
الشهادات التي أدلى بها الرواة الذين عايشوا هذه الظاهرة بشكل مباشر. 


المراجع 

كتب 

دقالي» محمد عبد الغني» محمد عبد السلام الجفائري ومصطفى حامد أرحومة. 
المنفيون الليبيون إلى سجون الجزر الإيطالية: وثائق» أرقام, قوائم» صور. 
2 ج. طرابلس: مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية» 1989. (سلسلة 
نصوص ووثائق؛ 10) 

المنفيون الليبيون إلى إيطاليا خلال فترة الاستعمار الريطالي» المؤتمر الثاني 
2001/11/4-3. النفي إلى الجزر الإيجادي - فافينيانا. تحرير صلاح 
الدين حسن السوري وفرانشيسكو سوليبزي. روما: مركز جهاد الليبيين 
للدراسات التاريخية بالاشتراك مع المعهد الإيطالي لأفريقيا والشرق» 
0. 


300 


المنفيون الليبيون إلى إيطاليا خلال فترة الاستعمار الإيطالي» الندوة الأولى 28- 
9 2000/10 النفي إلى جزر تريميتي. تحرير صلاح الدين حسن 
السوري وفرانشيسكو سوليبزي. روما: مركز جهاد الليبيين للدراسات 
التاريخية بالاشتراك مع المعهد الإيطالي لأفريقيا والشرق. 2000. 

المنفيون الليبيون إلى إيطاليا خلال فترة الاستعمار الإيطالي» الندوة الثالثة 30- 
17 2002/10 النفي إلى جزيرة بونزا. تحرير صلاح الدين حسن السوري 
وكارلا جيزي. روما: مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية بالاشتراك مع 
المعهد الإيطالي لأفريقيا والشرق» 2000. 

المنفيون المبعدون عن أرض الوطن من جراء الغزو الاستعماري الإيطالي: قوائم 
أولية. طرابلس: مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية» 1987. 

موسوعة روايات الجهاد. 42 جح طرابلس: منشورات مركز جهاد الليبيين 
للدراسات التاريخية» 2002-1983. 

هيكل» محمد شوقيء إبراهيم سالم الشريف والفرجاني سالم الشريف. من رسائل 
المنفيين. عدد خاص بمناسبة إحياء الذكرى الثمانين لأكبر عملية نفي وإبعاد. 
ووثائق؛ 19) 


دوريات 

الحسناوي» حبيب وداعة. «المنفيون إلى إيطالياء حقائق وأيعاد.4 الإنصاف: السنة 
2 العدد 2, 1989. 

رايئيروء روماين. «الجوانب المجهولة عن «المقاومة الليبية»: الليبيون المرخلون 
إلى إيطاليا.» مجلة البحوث التاريخية: السنة 7: العدد 2. تموز/ يوليو 
5 . 


ضويء علي. «المنفيون إلى إيطاليا ومكونات الجريمة.» الإنصاف: السنة 2» العدد 
2 1989. 


هويدي» مصطفى علي. «ظاهرة النفي وأسبابها.» الشهيد: العدد 0) تشرين 
الأول/ أكتوبر 1989. 


321 


وثائق 

شريف. إبراهيم سالمء الفرجاني سالم الشريف ومحمد هيكل. «الوثائق 
الإيطالية - المجموعة الثامنة (عدد خاص بمناسبة إحياء الذكرى الثمانين 
لأكبر عملية نفي وإبعاد).؛ ترجمة شمس الدين عرابي بن عمران وخالد زكي 
ثابت» مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية» 7 01. 

الشريف. الفرجانى سالم ومحمد عبد التبى الدقالى. «الوثائق الويطالية -ِ 
المجموعة السابعة (عدد خاص بالمنفيين العرب الليبيين إلى سجون الجزر 
الإيطالية).» ترجمة المهدي عمر التريكي وشمس الدين عرابي بن عمران» 
مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية» 0. 

نشرة إعلامية عن يوم الحداد باللغة العربية والإنكليزية والفرنسية» والإيطالية. 

الهازل» على عمر. (الوثائق الإيطالية- المجموعة الثالئة عشرة (المنفيون العرب 
الليببين في جزيرة بونزا 4.)1915-1911 ترجمة خالد زكي ثابت» مركز 
جهاد الليبيين للدراسات التاريخية» 1990. 

. #الوثائق الإيطالية - المجموعة الرابعة عشرة (المنفيون العرب الليبيين 

في جزيرة أوستيكا 4.)1918-1915 ترجمة خالد زكي ثابت» مركز جهاد 
الليبيين للدراسات التاريخية» 1992. 


302 


الورفة فة الثانية عشرة 


ا وسردياته : 
روايات مهاجري منتصف القرن العشرين 
من كيرالا إلى الخليج 


حسين الياس 


طوال أكثر من نصف قرنء أفرزت الهجرات من منطقة كيرالا في جنوب 
الهند إلى منطقة الخليج العربي أشكالا مختلفة من التواريخ الشفوية والسرديات 
المحلية في البلدان المضيفة كلها وفي كيرالا نفسها. غير أن هناك أبعادًا مثيرة 
عدة لاهتمام السرديات والتقاليد الشفوية التي تتناول الهجرات المبكرة. ويعود 
ذلك؛ كما يبدو؛ إلى أسلوب هذه الهجرة التي وُسمتء من حيث أغراضها 
العملية كلهاء بالهجرة غير الشرعية وما رافقها من تجارب مريرة. 

مع أن هجرة الهنود إلى الخليج» بعد اكتشاف النفطء بدأت باكرا في 
أربعينيات القرن العشرين» إلا أن العقود اللاحقة شهدت (فى الخمسينيات 
والستينيات والسبعينيات) تدفمًا هائلا للعمال غير الشرعيين من أجزاء مختلفة 
من الهند. ولأن هذه المرحلة تزامنت مع بداية تكوين الدولة في معظم يلدان 
الخليج العربي» لبت إلى حد كبير حاجة هذه الاقتصادات النفطية الناشئة إلى 
اليد العاملة من خلال وصول هؤلاء العمال الذين أتوا في مراكب غير شرعية 
من الموانئ المختلفة في القارة الهندية» وعلى الرغم من ذلك كانوا يوظفون 
رسميًا بوساطة وكالاات معتمدة لدى شركات النفط الغربية. وفي حين اعتمد 


363 


المهاجرون من المناطق الحضرية على الوسائل الرسمية» راح المهاجرون من 
القرى الساحلية في كيرالا وغوجرات يستغلون الإمكانات التي وفرتها الروابط 
التاريخية بين مناطقهم وشبه الجزيرة العربية» فكانوا يركبون مراكب التجار 
الغوجراتيين والسنديين الذين كانوا يأتون إلى مناطقهم لشراء سلع ينقلونها إلى 
موانئ دبي ومسقط والبحرين. ولم تكن هذه التحركات تخضع لأي عقوبات من 
الدول المصدذرة أم المستقبلة» وكانت تنفذ بسرية تامة على مسؤولية المهاجرين 
والتجار الشخصية. ولم يكن لهؤلاء المهاجرين أعمال مضمونة في الدول 
المستقبلة» ولا كانوا يملكون أي نوع من وثائق السفر أو إثبات الشخصية. 


ضم الجيل الأول من مهاجري كيرالا بشكل رئيس عمالا غير متعلمين 
وغير مهرة وجدوا في الهجرة ملجأ للخلاص من مشكلات البطالة والفقر. 
وظل الوضع على ما هو عليه حتى منتصف سبعيئيات القرن العشرين حينما 
أصبحت السياسات الخارجية والعلاقات الثنائية أكثر رسمية ومأسسة من خلال 
سَن مجموعة جديدة من القوانين. 

تبحث هذه الدراسة في مجموعة من السرديات التي تدور حول تجارب 
مهاجري كيرالا الأوائل إلى دول الخليج العربي. وتتخذ السرديات في هذا 
السياق أشكالا مختلفة: ذكريات فردية محكية وتعليقات شخصية ووجهات 
نظر وروايات عن حوادث وتجارب. وتمتد دراسة هذه السرديات لتشمل طائفة 
واسعة من الذكريات التي تعكس إلى حد بعيد التجارب الحية لأناس يروون 
تجربة الماضي. وتراوح الموضوعات من التعبير البسيط عن تخرية السفر 
إلى الرواية الذاتية لتاريخ بناء الدولة في البلدان المضيفة. وخلافا للروايات 
الشخصية للمهاجرين الأوروبيين الأوائل إلى المنطقة» تدور هذه السرديات 
بصورة أساس حول مجتمعات المنطقة وثقافاتها مع غياب واضح للنظرة 
«الاستشراقية». وما تجدر ملاحظته أن هذه السرديات لا تحاول أن «تجعل» من 
السكان المحليين «آخر؛ مختلفًا. 


من هناء يعتبر هؤلاء المهاجرون شهودًا على كثير من الحوادث الأساسية 
في الخليج, ولا يقتصر نطاق ذكرياتهم على التمرين الشخصي المتمثل بحكاية 


204 


قصص الماضي فحسبء بل يمكن أن يمتد ليكون جهدًا جماعيًا لإعادة حكاية 
التاريخ بأسلوب بديل. وفي واقع الأمرء تكمن الأهمية الأكاديمية لهذه التواريخ 
الشفوية في قدرتها على إيجاد رواية بديلة للتاريخ في الخليج. وهذا مفيد في 
التعرف إلى رؤية المهاجرين العاديين الأوائل المتحدرين من جنوب آسيا 
وفهمهم عددًا من الحوادث التاريخية» مثل التحول الذي طرأ على مجتمعات 
الخليج بعد الاستعمار وقيام الدولة وبناء الأمة وغيرها من الحوادث التي لا 
تتوافر عادة في السجلاات التاريخية «المعيارية6. وهي إلى ذلك مصادر تاريخية 
فريدة» إذ تمنح» أولاء صونًا إلى الذين غالبًا ما يُهِمَل تمثيلهم في التاريخ أو 
يُمثلون على أنهم دخلاء «ثقافيًاة. وتتيح هذه السرديات للقرّاءء ثانيّاء رؤية 
الأشياء التي غالبًا ما تكون مغيّبة في الرواية الوطنية «المعيارية» في دول الخليج 
العربي. لذا غاليًا ما نجد أن لدى مهاجري كيرالا الأوائل روايتهم الخاصة البديلة 
أو حتى المنافسة في بعض الأحيان» لكل حدث تاريخي. 


تدور الشهادات الواردة هنا بصورة أساس حول: تجربة السفر المؤلمة 
والحياة في الخليج. وربما تكون السرديات الواردة في هذه الدراسة نمطية 
مطابقة لتواريخ حياة الجيل الأول من مهاجري جنوب الهند إلى الخليج بعذ 
اكتشاف النفط. لكن لبعض المراجع خصوصيته الثقافية وهي بعيدة كل البعد 
عن المراجع العادية الشائعة. وتحمل سرديات الحياة والمغامرات في. بعض 
الأحيان عناصر غير نمطية. وفي العودة إلى كيرالاء استورد المهاجرون الأوائل 
عالمًا اجتماعيًا مختلًا. وكما يروي كاظم: «كان العطر البخاخ ”جنة الفردوس* 
وساعة "سايكو' » وقبل هذا كله سجائر "روثمان* العلامات التجارية للمهاجر 
الأنموذجي إلى دول الخليج». كما جلب المهاجرون في عدد من المناطق التي 
يهيمنون عليها ثقافة ارتداء القمصان والسراويل الفضفاضة. وعاشوا الحياة 
الخليجية» فلبسوا ألبسة مختلفة وأدخلوا المزيد من المفردات العربية والهندية 
والأوردية إلى لهجاتهم وفضلوا الخبز على الأرز. 

من المعروف أن عددًا كبيرًا من عائلات التجار الهنود المتحدرين من 
بهاتيا وبانية ومجتمعات أخرى في الشمال الهندي أقام مستوطنات في الشتات 


325 


في عدد من المدن الساحلية في الخليج. لكن الجاليات الآتية من جنوب الهند» 
بعد اكتشاف النفط» لم تحتك نسبيًا مع الباحثين في هذا الميدان. والهدف 
الآخر لهذا العمل هو فهم هذا الجزء من التاريخ من خلال تواريخ سير أبناء 
كيرالا الذين أمضوا قدرًا كبيرًا من حيواتهم في الخليج. 

تطورت الأفكار المتواترة في هذه الدراسة عن سلسلة من التفاعلات 
الميدانية قام بها المؤلف في بلدان خليجية مختلفة وفي كيرالا نفسها. ساعدت 
هذه التفاعلات الشخصية مع الجيل الأول والثاني من المغتربين المالاياليين 
المنتمين بشكل رئيس إلى الطبقة الدنيا وأدنى الطبقة الوسطى» في تطوير 
النقاشات المقدّمة هنا. فكانت أغلبية الأشخاص الذين تحدثت إليهم في أعوامهم 
السبعين والثمانين» غادرت منطقة الخليج بعد قضاء ثلاثين أو أربعين عامًا فيها. 
وشاركونني في أغلب الحالات عن طيب خاطر رسائلهم وألبومات صورهم. التي 
زخرت بصور متنوعة عدة لأسواق قديمة وموانئ ومنازل عربية وصور أصدقاء 
لهم وهم يرتدون الزي العربي. تصوّر هذه المواد بإيجاز بعضًا من الحوادث 
المعقدة التي مرّت بها مجتمعات الخليج. أما الوصف المفصل لتجارب السفر 
فكان يسلّط الضوء على طبيعة حركة الأشخاص والبضائع في بحر العرب. 


تُعطي المنهجية المستخدمة هنا الأهمية الأكبر للتفاعلات العضوية بين 
الكاتب الذي أمضى الكثير من الوقت في منطقة الخليج وكيرالاء والمهاجرين 
الأوائل. وتستخدم الدراسة الميدانية أسلوبًا نوعيًا من التفاعل عوضًا عن 
الشكل التقليدي المتمثل بالمقابلات والاستبيانات. وساعدت الزيارات غير 
الرسمية والتفاعلات الشخصية الوثيقة مع المهاجرين في صوغ النقاشات في 
شأن فهم المالاياليين لحوادث تاريخية مختلفة في الخليج. وتصوّر المواد 
والبيانات التي جمعت من العمل الميداني ما نتج من ذكريات المهاجرين 
المالاياليين الأوائل من الروايات عن حركة البشر في بحر العرب والسيناريوات 
السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمرحلة ما بعد النفط في الخليجء ولا سيما 
في الإمارات العربية المتحدة. 


356 


يُعدَ براكاش وجولاتي من رواد البحث في الجوانب الاجتماعية 
والاقتصادية للهجرة المالايالية إلى الخليج". يناقش براكاش المعنى 
الاجتماعي للتحويلات المالية الخارجية والإنفاق في قرية شافاكاد. بينما 
تحلل جولاتي بوادر تمكين المرأة مع زيادة دوريها الاجتماعي والاقتصادي في 
أسر المهاجرين التي وقفت على رأسها النساء في ثمانينيات القرن العشرين. 
وشهدت تسعينياته والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين نشر كثير من 
الأعمال عن الآثار الاجتماعية للهجرة إلى الخليج» حيث بحث معظمها تأثير 
التحويلات المالية في الدخل الأسري ونمط الإنفاق لأسر المهاجرين؛ إضافة 
إلى الأبعاد الجندرية لهذه الهجرات. ويقدم زكريا وآخرون الهجرة إلى الخليج 
باعتبارها مساهمة اجتماعية واقتصادية كبيرة» لا في خفض وطأة الفقر فحسب». 
لكن في تغيير العلاقات الاجتماعية أيضًا أكثر من أي برنامج من برامج الهندسة 
الاجتماعية التي أطلقتها الحكومة؛ بما فيها برامج الإصلاح الزراعي وتشريعات 
الرعاية الاجتماعية©. 


بناء على تجارب مجتمع إزهافا في ولاية كيرالاء حلل فيليبو وكارولين 
أوسيلا كيف تكون الهجرات» بصرف النظر عن الاعتبارات الاقتصادية» 
«مشروعات تحوّل4. يصوغ فيها المهاجرون هوية جديدة ويتحدّون النظام 
القائم» وكيف تساهم الهجرة إلى الخليج في تغيير أنماط الممارسات الدينية 
بين المهاجرين”؟. كما رصد فيليبو وكارولين في عمل آخرء ومن خلال تجربة 
الكويا في كاليكوت» أوسيلاس» كيف اكتسب الدين» ولا سيما بعد التأثيرات 


(1) صا عودلاالا لمللهجمك ,ه بزوره5 عمد لخ :تععهما تمع مواعره؟ ؤه أمموسله ,طفملمم .ىم ,8 
هقانا لقهة 1107-1111 .صم ,(1978 عزانال 8) 27 .مه ,13 .له؟؟ ,نرااءه؟! أمءائاوط هحه ء1«مدمعظ «بملوعكا 
ر«ةلوعء1 نمه جععمع10ا8 عررم5 الإلأميو© عطا هه أعقتركم[ هاز لمة أفمط 85410016 عط 0) كدملنمع341 علدال» 

24-3 ,مم (1983) 18 ,برتاءء1! أمء لاوط مجه عننمجمء2 

() ععأسمصرط بمدزمظ وبردليصا ممأعوطء5 لمعه بعنلدك51] 1١‏ لماتومماظ ,لمممطعم2 ,© اأممسععودتجمصكا 

بالقتتع 01[ 017121 تأطاعطاط بتولة) ,كمع دءناوءى00 024 ركأهأ !61 011/2 رك (مأكاء 71[ تولعر عل «ز مولام علاط إن 
.(2003 

(3) ,عه #رعدة اأمسائظ كه ووذأنمعنانلمصصه© لقه ممتامج 81ل بولاء05 عستالممقك لضة هلأءعو0 مرمناة 
2- .505 ,37 .أو؟ا ,نرومأماء30 0107[ 10 كاره 60171111 «بقتلها بقلمعء1 مأ عدهغنهانعام0© لههة عاعماععوق 

,109-139 ,صم ,(2003 بممرمطكء2) 


327 


الإصلاحية: مكانًا مهيمئًا في حياة المهاجرين في الخليج مساعدًا إياهم في تحمل 
مصاعب الهجرة*. وتظهر الدراسات الأنثروبولوجية الأخيرة أن تجربة الهجرة 
والعيش خارج الوطن يساهمان في تحول هوية المهاجرين وإحساسهم الذكوري. 
إلى جانب ذلك تُعدَ عمليات الهجرة وتشكيل الهوية الدينية الجديدة عاملا في 
تغيير العلاقات بين الجنسين في مجتمعات كيرالا المختلفة (ولا سيما المسلمة 
منها)”». وكان لهجرة الذكور إلى الشرق الأوسط عواقبها في إجبار النساء من 
عائلات المهاجرين على الانخراط في الحياة العامة والقيام بأدوار لم يقمن يها 
سابقًا. إن لهذا الأمر أهمية كبيرة في سياق أن الاقتصاد المندفع أوجد وظائف 
جديدة في الخليج ودفع الشابات المهاجرات إلى مغادرة المنزل» ويذلك؛ وربما 
من غير قصد. حث المجتمع التقليدي على تقيل حريات جديدة للمرأة. 

دعا التدفق الكبير للعمال الجنوب آسيويين (المتحدرون من كيرالا أيضًا) 
إلى التركيز وإثارة النقاش المستمر في شأن التأثير الاجتماعي والثقافي لهذا 
التدفق في المجتمعات المحلية في دول الخليج العربي. وناقش باحثون مثل 
لونغفا وكابزيويسكي ودريش هذه القضية على نطاق واسع. كان عمل لونغفا 
الذي نشرته في عام 1997 نقطة تحول بارزة في الأدبيات التي تناولت الهجرة 
في الخليج». وتناول كتاب كابزيويسكي عمومًا الأبعاد الاجتماعية والسياسية 
للفجوة بين المواطن والوافد والانقسام الشديد إلى «نحن؟ و2هم؟ في أذهان كل 
جماعة”". و في مقالته «صوؤونعه5 آنا مذ كممعمونة 2ه وعماط عط :رعندل] مونعءم2» 


يلقي دريش نظرة على مدى التأثير والتعديل الذي تركته الهجرة الكبيرة للعمال 


(4) مروتهماتاوممطرومع كه ومتاعنلوءط عط1 :أن صبة 1»» ,ملاعو0 عمتامعقت نمه هللعو0 مممتاة 
11 010 151077 «ررواكالط لاس ع اأعونداد :صا «بقاووعءا1 ,علمطئطه؟! 06 كولزه؟1 عطا كرممصمة 
علا وذ بورماوتطط لمة بزاعاء50 رعودعيا تهمكل لمة موومدزد لعوسل8 برط لعاأله ,ممعء0 :م1هم![ ماوعا ع[ درا 

.(2008 رؤوععط2 بزانويء دنا وأطمسآامت عاعملا بجعلة) مععء0 مدتلدآ 


(5) ودمتهاعه ععلمع0 لعوممطه 7هممنامدذامطه01 عه ,نهنا دستمعلهك8 ردمتاموتصداد1» بععطلمنآ ممعم 
.(2009 لأعصة) ١‏ .20 ,32 .701 ركعأ4ياا3 العأكل الإيزو3 إه أوتيامل نوزول الاناوى «ركه1تأآكنك! سقتلها طاناه5 عهمصتة 


(6) ,الوعمةا1 جا «اءاء30 هه ,امأسامحط ,رمانوجعااما :500 بده ؛اأثب8 كلاء!! ,وناهدمآ وعلة طمة 
.(1997 ,لع اجوعلا :0010 رتعل1أنم8) 


0 أن ءذ! زه كداجاترءال2 «ناوذها 0ه «روناوانتووط :معاد تقوحظ لحه كلمدمتاوك؟ ,ععدتموم؟ زعصلسم 
.(2001 ,كوع؟8 هعهطا! :صممدم]) ععاماد اأعسلام) مو أامرعومهم) 


308 


الأجانب (خصوصضًا أولئك المتحدرين من جنوب آسيا) في البنية الاجتماعية 
التقليدية في المنطقة”". ويستكشف غاردنر في عمله المنشور في عام 2011 
تجارب الحياة اليومية للجاليات الهندية في البحرين من خلال دراسة إثنوغرافية 

معمّقة". ويفصّل هذا العمل في المزالق الأخلاقية والعمليّة لمنظومة الخليج 
المتمثلة بتشكيل طبقة دنيا كبيرة من الرجال والنساء كانت فرصهم في الحصول 
على العدالة محدودة. ويركز عمل فورا على أنماط مختلفة من الذات الشتاتية 
والوعي العرقي والطبقي وتكوين الشبكات غير الرسمية التي كانت تقدم على ما 
يبدو ملجأ لحال الاغتراب والعزلة التي يعيشها المهاجرون الهنود في دبي9". 
ومع ذلك» لا توجد دراسات كثيرة تتناول بشكل كافٍ الأشكال المختلفة 
للسرديات التاريخية بين المهاجرين الأوائل من جنوب آسيا في الخليج. وريما 
كان عمل سكومب واحدًا من الأعمال القليلة التي تناولت موضوع المهاجرين 
الأوائل في حقبة ما بعد النفط في الخليج”". 


أولًّا: صلة كيرالا بالخليج 


يبدو واضحًا تقريبًا أن صلة كيرالا بالخليج تعود إلى القرن الأول 
الميلادي2"©. إذ كشفت أعمال التنقيب الأثرية في باتانام (كيرالا) عن 


الخليج. ومنذ القدم كان للجزء الشمالي من كيرالاء مالابار» دور محوري في 


(8) .لآ مطول :صا «واءاء50 آنا سا ك5عع8 ماك 01 عمماط ع1 :ععانوا/! موتعه» ,رطعمع لنوط 
:0 ) لانن عا انه ««مامعتاعطهان ,كلت بوبدمات1ا-!2 لعسصسفطه18 لضة للنوططوك5-ملعسيهك5ة ملدلة ,ره 
,2003 .مم ,(2006 ,عملت 8001 

(9) مذ «تسممم© بهللا عا مجه «مالم هاا /أس2 «مععوع«ا3 كره © تعملعة0 .81 باعتلدم 
2011٠‏ رجوعع7 خانآا عاتملا بجبع81) «دزوم:/ه8 

(10) صا كاممج كا دمد1[-»54:001 مدتفهاط :همأنهعألوطهانت لمة كدممعوتط جرماعبلمع5» ,عملا معز 
,377-406 .هم ,(2008 ورستام5) 2 .0ه ,81 .01؟ ,نرامعابه0 أمءنعمامصوص ةمق «توطندا 

) وعناذلمعاعمممطك هه ممكساوج8 عأن© موتطهم عط ما «مأامجأك1! عامطمل» ,عطتومءعه5 ,ل مدآ 
.30 .جوم ,(1983) ١‏ .مه ,10 .أه؟؛ ركه اهيف #بعاعمط عءاله0ثالا «ض نراواع30 بأكااء8 إت #رزاءالباه ,1920-1950 
(12) أمممنامعيل5 امتالكسا! عط جستتككضفط1) ,مأمرعط ١‏ بمماءط 7156 ,طمطك معملاطه84 لرع5 
.(1972 ,3008أعمعقم 


309 


الشبكة الواسعة لتجارة المحيط الهندي من حيث السلع القيّمة التي امتلكتها 
وبادلتها. وجاءت شهرة كيرالا من موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة 
وإنتاجها الفلفل والبهارات*'©. وكانت هناك رحلات متكررة للتجار العرب 
جيئة وذهايًا منذ ذلك الوقت. وتوّجت هذه الرحلات بقيام جماعات عربية 
في أجزاء عدة من كيرالاء ولا سيما في منطقة مالابار التي كانت قلب التجارة 
العربية في كيرالا. وعرّز انتشار الإسلام في منطقة المحيط الهندي صلات 
كيرالا بمنطقة الخليج. 


بحلول القرن الثاني عشرء قامت منظومة من الشبكات التجارية المترابطة» 
كان لسواحل مالابار فيها الدور الأهم*". وتّمثّل التطور المهم والبارز لتجارة 
مالابار فى هجرة جماعات تجارية كبيرة من مناطق متباعدة. واستدعت تجارة 
المسافات البعيدة هذه وجود وكلاء من منطقة الخليج في مدن ساحلية عدة في 
كيرالا لرعاية مصالح التجار الذين كانوا يرسلون بضائعهم من أماكن بعيدة. 
وكان الرحّالة المعروف ابن بطوطة أول من وصف بالتفصيل مستوطنات 
العرب الآتين من الخليج في أجزاء عدة من كيرالا. ويبدو واضحًا من كتاباته 
كيف كانت شخصيات مثل القاضى والخطيب فى المدن الساحلية الهندية من 
أصول مُمانية في الأغلب”©. وتذكر الروايات التاريخية التي تتناول تاريخ 
تطور كيرالا قصة مثيرة عن أخوين من مسقط كان لهما الفضل في بناء مدينة 
كاليكوت2. 


تُوّجت الروابط التجارية أيضًا بقواسم مشتركة ثقافية ومادية بين هذه 
المناطق في مناح عدة» مثل الطعام والزراعة والملابس وأشياء كثيرة غيرها. 


(13) زادت أهمية مالايار بحكم موقعها على الطريق بين الجزيرة العربية والصين. انظر: 
'إزمة5 لزط صوثاءا12:00 هه طاتيبت ,قمع الاعوارعع3 ءا نط هأل17[ 7هللا ,تقلأ ممعم للوممقممدة 
.39 .م ,(2004 رومعع2 واتكسء الول لجهل0 تأطاء بعل8) تمملزمةتسصطوطن8 


)2014 .1014 ت 7 أاأسواا ,اممساصومهسمة 


0050 لمث .آلآ نزتا معاععا5 فتتة لمعأقاقمهةا ,هاطاه8 5ط :354[-325] ,هعأطللك 00ت ماأدك أ كاءنه1 
.(1929 ,ماع14 .]1 مارملا بجعل8) معأوه5 الامصوععث 16 ,تعاه!! 320 وموتاعنالممادا هد طاته ,مانن 


(6) نط1 كه هل 171:6 “لفء ألم ,ممقمهيممةل! .5 .0 ١.‏ نهذ لعاتح ععاءاوممرلت للنووامامسمة 
.66 .م ,(2005 بأناعأله© كه نالو بادلا تان ألد6) ,لعءاأئتمل 


2330 


وكانت الثقافات التي غاليًا ما بدت متشعبة ومختلفة إلى حد كبير» في اتصال 
وتبادل متواصلين بعضها مع بعض في حقيقة الأمر. لكن توسع الجاليات 
الهندية في الخليج ظاهرة حديثة نسبيًا لم توثق إلا ابتداءً من منتصف القرن 
العشرين””» على الرغم من وجود دلائل مونّقة عن هجرات فردية لأشخاص 
من كيرالا إلى الخليج قبل ذلك*". ومن اللافت أن المهاجرين الأوائل إلى 
الخليج كانوا بصورة أساسية من مدن كيرالا الساحلية*© التي كانت مدنا 
كوزموبوليتية لآلاف السنين» وأن النسيج الاجتماعي والديني لهذه المنطقة 
تشكل من تبادل الأشخاص والأفكار والبضائع بين كيرالا والخليج. وسلكت 
الموجات القليلة الأولى من هجرة مرحلة ما بعد النفط الطرق التقليدية التي 
اعتمدها التججار بصورة أساسية: ألا وهي الطرق البحرية. 


تمثلت موجة المهاجرين الأولى بهجرة مجموعات من الأشخاص 
ودخولها إلى مناطق عذة في الخليج من دون أي وثائق (جواز السفر أو 
التأشيرة) بعد أن عبرت بحر العرب عبر موانئ مومباي وكراتشي وغوادر في 
أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته حاملين جوازات سفر باكستائية©. 
وألهمت قصص الغنى السريع لرواد المهاجرين مجموعة أخرى من الباحثين 
عن الحظء فأبحروا إلى دول الخليج. واعتمد هؤلاء بشكل أساس على 
القوارب المحلية الصغيرة والمراكب الشراعية (الداو) التي كانت تنقل البضائع 
بين موانئ السواحل الجنوبية الغربية للهند والخليج. واستمرت الهجرة حتى 


(17) بدأت الهجرات الحديثة للمالايالبين يرحلاتهم إلى بورما وسيلان وستغافورة في المرحلة 
الاستعمارية. ولاحقًا أصبحت مدن كبيرة في الهند كمومباي وكلكوتا مراكز الجذب الساحلية الرئيسة 
للهجرات الفردية والجماعية. ْ 

(18) لم يحتك مغتربي جنوب الهند (الأفراد والجماعات) مع الباحثين في هذا المجال. ومع 
ذلك هناك كثير من الأعمال بالعربية والمالايالية عن تاريخ حياة اثنين من أبناء كيرالا - شيرامان بيروميل 
و سيد فضل بن علوي - اللذين أمضيا قدرًا كبيرًا من حياتهما في الخليج. 

(19) كان ميناء! القرون الوسطى في كيرالاء كاليكوت وبونانيء الميناءين الرئيسين لمغادرة 
المهاجرين المتجهين إلى دبي ومسقط. 


)220 .6 .« ,(2012 نإمالا 4) برلاءه1! ملت فمم0 


331 


أواخر ستينيات القرن العشرين» حين شُدّدت قوانين الهجرة وإجراءات ملاحقة 
المهاجرين غير الشرعيين”*. وشهد عام 1970 نزوحًا جماعيًا للمالاياليين إلى 
منطقة الخليج» وكانت الطفرة النفطية التي أدت إلى التطور الاقتصادي فيها 
من جهة والركود الاقتصادي في ولاية كيرالا من جهة أخرى من أهم عوامل 
الجذب والطرد التى عززت هذه العملية2. 


كانت خورفكان (في الإمارات العربية المتحدة حاليًا)» نظرًا إلى قوانينها 
الليبرالية» المدينة الساحلية الأولى في جذب المهاجرين المالاياليين©» حيث 
لم تكن القوانين هناك صارمة» كما لم يكن الحكام قلقين من عواقب الهجرة 
الكبيرة للعمال الجنوب آسيويين*0. وجعلت المزايا الجغرافية من خورفكان 
نقطة عيور إلى عدد من المناطق الأخرى في منطقة الخليج. وكانت بحكم 
موقعها كبوابة محورًا لمعظم السرديات. كان الناس في خورفكان أيضًا متقبّلين 
جدًا المهاجرين الجنوب آسيويين واستقبلوا الجميع بحفاوة وترحاب. ويعود 
هذا الاستقبال الحار جزئيًا إلى العلاقات التجارية والثقافية التاريخية لهذه 
المنطقة مع ساحل مالابار؛ إذ سبق أن سافر شخص واحد على الأقل من كل 
عائلة إلى كاليكوت في مراكب محلية”©. وأدت الصلات الثقافية أيضا إلى 
نشوء علاقات مصاهرة» حيث كان كثير من عائلات خورفكان زوجات من 
كاليكوت©©. وهذه العلاقات الزوجية هى التى شكلتء؛ جزئيّاء عامل جذب 
الموجة الأولى من الهجرة» بعد اكتشاف النفط» من مالابار إلى هذه المنطقة. 
وحافظ البحارة العمانيون على عادة الزواج من نساء المدن الساحلية الكبرى 


() المصدر نفسه؛» ص 37. 
(2)22 2 ,0 بلأموططلهط 


() أأنا© عه عدكذا لمأععم5 ,تبد نر مماط أنه بقتلكنط! مصتلة عأصتطاودعل مط ,تعمعولة ىه .© .لز 
5-12 .رم ,(2012) فالعا صروظ دمأأموأتم 


(24) في ظل حكم آل بوسعيد في تممان» ظلت خورفكان أرضًا بلا حكم. وعلى الرغم من أن 
الشرطة البريطانية كان مسؤولة عن القيام بالدوريات بين عامي 5 و1977. كانت تتجاهل هذا 
الأمر. 

)225 2 ,24 .0 جيعدقةل1 

(26) المصدر نفسه. 


23212 


في مالابار» خصوصًا كاليكوت التي كانت مركز التجارة البحرية في العصور 
الوسطى وأوائل العصور الحديئة”©. لكن السلطات العمانية قامت في عام 
6 بتنظيم هذا الأمر نظرًا إلى العدد المتزايد للنساء المحليات اللواتي يردن 
الزواج من عتماتند 9 


ثانيًا: تحربة السفر المؤلمة 
1 - علوي حجي (دبي) 


الحقيقة أتيت هنا لحاقًا بأخي الأكبر الذي سافر إلى الخليج في عام 
5. ولم نسمع عنه أي أخبار ولم نتلقٌ منه أي رسائل مدة طويلة. غادرت 
على متن قارب صغير (أورو)”©» كان يأتي بالتمور المستوردة إلى كاليكوت» 
يملكه رجل عربي له علاقات عائلية مع كاليكوت من خلال زوجته الثانية. 


فاتحني أحد الوكلاء وعرض علي أن يأخذني إلى الخليج مقابل 400 
روبية في أوائل الستينيات. لا أذكر تمامًا كيف بدأت الرحلة وكم كان عدد 
المسافرين في ذلك القارب.. ما أذكره أن 14 مسافرًا كانوا معنا على متن القارب 
لم يتمكنوا من الوصول حيث قضوا في طريقهم إلى هناك. استغرقت الرحلة 
2 يومًا حتى وصلنا إلى ساحل خورفكان. وخلال الرحلة رأينا كيف كان 
البحار © يحاول جاهدًا أن يخفي القارب عن عيون رجال خفر السواحل الذين 
كانوا يقومون بدورياتهم في البحر. 

(27) أكقه© اع /الا-طانه5 عطا مه كتألكب84 مأأمع1/]2 عط وممسعة مناه:0 كناها5» ,قعناه5' ,2 ,5 عمكآا 


تتطاءجا بجت71) وأل«! دأ ك7 أأعبظا[ عانوتنه «مأامء للها لماعم فاته ع1ك0) ,لت ,لقسطذف كوتتص!آ :ما «بعللها 1ه 
.21-48 .مم ,(1995 بجمعع2 واتوءأزونا لرك0 


0 ) آأد0 :3 .ا0؟ ,اممنممرامماط /أنه© «بكععمطهنآ أماتتدا؟ مم0 ان ألم» ,مذللنمسممطكذ 1 زمصتطدة 
.66-69 .مم ,(2012) عنهذا لدأءءم5 ممتنمجاقة1 


(29) مركب محليء كانت بلدة بيبور في كاليكوت معروفقة يبناء هذا المركب لأغراض نقل 
البضائع في منطقة المحيط الهندي. 
(30) قبطان القوارب والمراكب المحلية. 


313 


2- بالان (دبي) 


دفعني فقر العائلة المدقع إلى التفكير بالهجرة إلى فارس”© في عام 
7 . وكانت قصص نجاح الجيل الأول من المهاجرين إلى الخليج ألهمت 
كثيرين للسير على خطاهم. اتخذتٌ قرار مغادرة الهند بعد محاولات فاشلة 
عدة في الحصول على عمل «محترم؟ في مومباي. كانت طائفتي الاجتماعية 
المتدنيّة حجر العثرة الرئيسة أمامي. وكان حال العمل محبطا جدّاء فطائفة 
الناياريين العليا هي وحدها التي تحصل على الوظائف الجيدة من خلال شبكة 
علاقاتها ومعارفها. بدأتٌ رحلتي من مومباي إلى دبي على متن سفينة تنقل 
البصل. كانت في أغلبية السفن (السفر والبضائع) حجرة خاصة مخصصة لمن 
لا يملكون الوثائق المطلوبة. 

عانيت دوار البحر كثيرًا. وظهرت لدي مشكلات في التنفس. وصلنا 
إلى خورفكان بعد 9 أيام قضيناها في رحلة مزعجة. ولم يكن هناك أحد في 
انتظارنا. وجدنا ملجأ في أحد المساجد القريبة. وقدّم إلينا المصلّون بعض 
المال الذي ساعدنا في العيش لأسبوع تقريبًا. 


3- سي إتش عمر (رأس الخيمة/ دبي)2) 


رسا الزورق البخاري في مكان سري قريبًا من خورفكان في يوم العيد. 
قدّم إلينا البدو بعض الأغراض الخاصة» إضافة إلى الهريس والتمر والماء. 
واصلنا الرحلة إلى دبي وفي الطريق اعترض رحلتنا قارب لخفر سواحل دبي. 
كان سطح القارب يعج بعناصر الشرطة وأسلحتهم موجهة نحونا. «ارفعوا 
أيديكم؟ ... «أحضروا قاربكم إلى هناك» ظلت الشرطة تملي التعليمات علينا 
من خلال مكبر الصوت. سألونا «من أين أنتم؟»؛ اعترف ربان الزورق» وهو 


(31) كان ينظر في كيرالا إلى منطقة الخليج باعتبارها جزءًا من بلاد فارس. 
(32) مقابلة أجراها موديهو أزيور مع سي إتش عمر ,(2012 بردالط 4 - اضتجة 28) برلكء!1 مذارفمم 0 
3841 .وم 


2314 


من غوجرات بالحقيقة للشرطة: «نحن من مومباي» وهذا الزورق متجه إلى 
مانغالور». أتى الرد: «حمار» وتبعها مجموعة من الألفاظ البذيئة باللغة العربية» 
والتزم ربان الزورق الصمت. فاعتقلوا بعض المسافرين وأخذوهم إلى قاربهم» 
ورّبطوا زورقنا بقاربهم وأبحرنا معًا. لكن تفاجأت في حينها أن الخوف لم 
يصب يصب أحدًا من المسافرين على الرغم من أننا كنا مقتادين إلى السجن. كنا على 
قناعة بأن السجن في دبي سيكون مختلمًا. لكن حادثًا مؤسمًا حصل ... فبعد 
نصف ساعة من الإبحار انقطع الحبل الذي يربط زورقنا بقارب الشرطة وانقلب 
في دقائق قليلة. 


باءت عمليات الإنقاذ التي قام بها خفر السواحل بالفشل وغرق أكثر من 
ثلاثين شخصًا كانت أغلبيتهم من قرى ساحلية في كيرالا. ونقل الناجون إلى 
سفينة أخرى وأخذوا إلى ميناء رأس الخيمة. بقيت الشرطة تكرّر قائلة: «لم 
يحدث شيء*» «لم يمت أحد». جعلت هذه الحادثة المشيخات المحلية تتنبه 
أكثر لموجات الهجرة الكبيرة من الهند. 


4- بي بي كُنه عبد الله (دبي)! 


تركتٌ المدرسة في سن العاشرة بعد إكمالي الصف الخامس الأساسي. 
أدى برنامج الإصلاح الزراعي*" والتوزيع اللاحق لأراضينا على الفقراء 
إلى جعل عائلتي من الفقراء والمعوزين. حاولنا التوفيق بين دخلنا وحاجاتنا 
الضرورية» لكن حتى تأمين كفاف يومنا كان مشكلة. كان الشبان غير المؤهلين 
والعاطلين من العمل أبناء العائلات الميسورة سابقًا مترددين جدًا في قبول 
الوظائف متدنية الأجور في كيرالا. 


(33) مقابلة أجراها مانو رحمان مع بي بي كته عبد الله ,(2012 برهالة 4-11) براغهه7 ملماههم0 
.384 بع 


(234 بدأ برنامج الإصلاح الزراعي في كيرالا في عام 1957 حين أصدرت الجمعية التشريعية 
في كيرالا قوانين متعاقبة للإصلاح الزراعي في أعوام 1960 و1963 و1964 و1969. لكن قانون 
الإصلاح الزراعي التاريخي الذي وضع حدًا للنظام الإقطاعي وضمن حقوق المستأجرين على الأرض 
دخل حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني/ يناير 1970. 


335 


نصحني نسيبي كنجي محمد: #القيام بالعمل نفسه في الخليج ليس مشكلة 
حيث لا أحد يعرفك هناك ... وتستطيع بالمال الذي تجنيه استعادة الثروة كلها 
التي خسرتها في الماضي'. وتأثرت أكثر بوصفه (الحياة السعيدة6 في الخليج 
فى رسالة أرسلها إلى: «... إنه مكان جميل للإقامة والعمل» والعملة قيمتها 
عالية مقابل الروبية» والطعام وافرء والمياه كذلك» والعرب كرماىء إذا أحبوك 
فسيكون مستقبلك مشرقًاة”©. ويذلت العائلة والأصدقاء الكثير من الوقت 
محاولين ثنيي عن الذهاب إلى منطقة الخليج. 

كانت تكلفة الرحلة من مومباي إلى دبي 1000 روبية حصلت عليها من 
رهن بعض حلي أخختي الذهبية. ووفمًا لتعليمات نسيبي الصارمة لبست سروالا 
طويلا أول مرة في حياتي. 


5- بي كي كاظم (دبي)1؟*) 


عندما وصل عمي تي كي موديهو إلى دبي في خمسيئنيات القرن العشرين 
كانت دبي مجرد ساحل صغير لصيد اللؤلؤ وبعض بيوت الصيادين المصنوعة 
من القشء وكان الإيرانيون والأفارقة يعملون في صيد اللؤلؤ قريبًا من هناك. لم 
يكن هناك طرق أو مرافق للمسافرين على جانبي الطريق”» وكانت المطاعم 
الصغيرة التي يديرها عمي» في فندق كاليكوت وفندق بهاري وفندق مسقط 
وغيرهاء الملجأ الرئيس للآتين الجدد من مالابار بغض النظر عن ديانتهم 
وطبقتهم الاجتماعية. وأصبحت هذه المطاعم مكان تجمع وتبادل اللقاءات 
لكثير من الآتين من مالابار إلى دبي في زوارق «غير شرعية؛ معرّضين أنفسهم 
للخطر. 

(35) رسالة كتبها كن هاموتكي إلى نسيبه في عام 1965. 


(36) مقايلة أجراها مانو رحمان مع بي بي كاظم ,(2012 عمط ا-ردالا 26) «لكء11 منامف ممصن 
عه .37-40 .مع 


(37) تى كي موديهو بحسب سرد ابن أخيه بي كي كاظم عمس ا-إهاا 26) برلامء1! صلامدممن 
0 .6 .م ,(2012 


2316 


كان عمي يقضي جل وقته في وصف التجربة التي مرّ بها في طريقه إلى 
دبي. كان يشتري الملابس المعطرة والحلويات الأجنبية. وكانت رائحة الخليج 
تتتشر في المكان من خلال تلك الهدايا التي كان يأتي بهاء والتي جذبتني 
مثل الأشياء الأخرى كلها. كان الناس تواقين للقمصان الفاخرة والأحذية 
الجميلة وعطور الماركات المعروفة. كان العطر البخاخ «جنة الفردوس»6 
وساعة «سايكو)؛ وقبل هذا كله سجائر «روثمان؛ العلامات التجارية للمهاجر 
الأنموذجي إلى دول الخليج. 


كان الجيل الأول من مهاجري الخليج هم أولئك الذين أتوا بثقافة ارتداء 
السراويل إلى قريتنا. وعلمنا منهم أن هذه الممارسة كانت من ابتكار الأوروبيين 
والعرب المتعلمين ... ولم يكن السكان المحليون معتادين هذا النوع من 
اللباس» وكانوا يرتدون عوضًا عن ذلك ثوبًا يصل حتى الركبة يسمى «الكندورة» 
أو «العباية». ومع أنَّ عمي كان قليل الكلام إلا أن قريحته كانت تستفيض ولسانه 
ينطلق عندما يتعلق الأمر بالحديث عن رخاء العيش في الخليج. كانت دبي في 
نظره مكانًا ملائمًا لجني المال بالنسبة إلى أولئك الذين يعملون ببجد!*0. 

بدأت رحلتي من مومباي على ظهر سفينة كانت تنقل البصل إلى دبي» 
وبرفقتي 28 آخرين. أجبرتنا ندرة الطعام خلال رحلتنا على فتح أكياس البصل 
وأكل ما فيهاء تلك الأكياس التي كنا ننام عليها على الرغم من الإحساس 
المزعج كثيرًا. وكانوا قد زوّدونا بقائمة طويلة من الإرشادات: «... لا تأكل 
التمر من المزارع على جانبي الطريق» لا تزعج السكان المحليين بطلبات غير 
مهمة. سيقدمون إليكم السمك المجفف وحليب الإبل والتمر بلا مقابل». 
6- شوكت (عجمان) 


كنت أعمل في مومباي في متجر للمؤن. كنا نسمع قصصًا عن التجربة 
الفريدة لرحلة الهجرة على المراكب الصغيرة والسفن الشراعية من أناس 
(38) المصدر نفسه» ص 36. 


337 


عادوا من الخليج لقضاء العطلة. وكنا نعجب بأسلوب حياتهم هذا. وبإلهام من 
تلك القتصصء عزمت على السفر إلى الخليج. في ذلك الوقت كانت الزوارق 
البخارية غير الشرعية تتوسع وتنقل المزيد من الشبان من مومباي. كانت رحلتي 
على ظهر سفينة تهريب» وكانت خلافا لغيرها سريعة جدًا. وبحكم معرفتي 
بالأشخاص الذين يعملون في تهريب البضائع بين مومباي ودبي كان بإمكاني 
السفر بالمجانء إذ كانوا في نهاية كل رحلة يأتون إليّ للتزود بالمؤن. 


7- أم في عبد القادر حاجي الياس هاجيكا (رأس الخيمة/ قطر)”*:) 


بدأنا رحلتنا في زورق بخاري صغيره وفي الطريق انتقلنا إلى زورق أكبر. 
علق الزورق في عاصفة وانحرف مع التيار باتجاه السواحل الباكستانية. أمضينا 
أيامًا عدة بلا مياه شرب حتى أنقذنا قارب عابر من كاليكوت. وحين وصلنا إلى 
السواحل الإيرانية حاصرنا الحراس وطلبوا منا الاستسلام. حييناهم ب «السلام 
عليكم» لنقنعهم أننا لسنا قراصنة» وبعد أن رأوا حالتنا المزرية قدموا إلينا الماء 
والتمر وحذّرونا من أن أمامنا مناطق عرضة لأعمال القرصنة. 


بسبب الجوّ السيئ علق الزورق في البحر من جديد بعد حوالى عشرين 
يومًا. كان الأرز الطعام الوحيد الذي تبقى على متن الزورق» فأعددنا منه 
العصيدة لأيام عدة. وبعد أيام قليلة من التقدم البطيء تحطم القارب ونجونا إلى 
«شام» بمساعدة زورق آخر. وهناك كان رجال الشرطة متيقظين جدّاء فلجأنا 
إلى أحد المساجد هربًا منهم. أخيرًا أوصلنا سائق باكستاني إلى رأس الخيمة 
شرط ألا نُظهر رؤوسنا خارج مركبته كي لا نلفت أنظار رجال الشرطة. هناك 
في رأس الخيمة التقيت بأحد المالاياليين وانتقلت برفقته إلى الشارقة. وصلت 
إلى الشارقة في اليوم ذاته الذي اعتقل فيه الجيش البريطاني حاكمها. وأدّى بنا 
الوضع المضطرب في الشارقة إلى الانتقال إلى دبي ومنها إلى الدوحة أخيرًا. 
كانت الرحلة هذه المرة في زورق بخاري أيضًاء حيث دفعت عشر روبيّات 


(39) كما ورد في: 1 مها أن2) «,نل2 انتهمه0 هالإنطا:تمتاطائمكا االإزمطممك1» ععمطما 2 اط 
.96-98 .مم ,(2012) عنكعا لدتعمهم5 «متامج 84 الن© :3 .ام 


23218 


لرحلة الخمسة أيام» ورسونا في «#شمال؟ في يوم العيد. في ذلك الوقت كانت 


الًا: حكايات ماضي الأمم 


1 - علوي حجي (دبي) 


بعد وصولي إلى خورفكان في عام 1963. قمت ببحث واسع عن 
أشخاص من كيرالا. وقابلت بعض الوكلاء المالاياليين في الميناء. وقاموا 
بإجراء ترتيبات رحلتي كلها إلى الشارقة بحئًا عن عمل. هناك تعرّفت إلى فوج 
من المالاياليين القادمين من أجزاء مختلفة من مالابار. وعشنا سوية في منازل 
من نوع خاص تسمى «المربع». وحصلت من خلال هذه الشبكة على وظيفة 
طاه لدى رجل إنكليزي ... هذه المهنة التي كانت أرقى مهنة يحلم مالايالي في 
الحصول عليها. كان أجري الأول حوالى 100 روبيّة» في الوقت الذي كان فيه 
أجر الموظف ذي المنصب الرفيع في الحكومة في كيرالا لا يتجاوز الثمانين 
روبتّة. شهدت أواخر ستينيات القرن العشرين وصول المهاجرين المتعلمين 
والمؤهلين من الهند. وكان الأجر العالي نسبيًا عامل الجذب الأهم للمهاجرين. 
ظلت الروبية الهندية في التداول في دبي حتى بداية سبعينيات القرن العشرين 
عندما حلّت محلها عملة دبي. 

في خلال عامين أو ثلاثة» أصبح المكان حيث أقيم معقلا مالاياليًا قويًا 
مع تدئق المهاجرين بأعداد كبيرة من مالابار في مراكب «الأوروس؟ التي كانت 
تنقل الليف الهندي وزيت السمك من كاليكوت. وكان أغلب أصدقائي في 
عشرينياتهم ذ في الشحن والتفريغ في ميناء الشارقة. وساعدت الخبرة السابقة في 
كاليكوت أصدقائي الخلاصيين المابيلابين بالتفوق على باقي الجنسيات» 
ولا سيما الباكستانيين الأقوياء. 


(40) الأشخاص الذي يعملون تقليديًا في عمليات الشحن والتفريغ في موانئ عدة في مالابار. يشير 
هذا المصطلح العام أيضًا إلى عمال أحواض السفن والبحارة العاملين في الموانوع وأحواض السفن. 


339 


كنا نلتقى كل مساء. وكان الحديث عن السياسة فى كيرالا هو تسليتنا اليومية. 
كانت هناك لقاءات خاصة في المناسبات»؛ مثل الأعياد. ولم تظهر الجمعيات 
الهندية إلا في السبعينيات. وكان الأمر في السابق يقتصر على لقاءات دورية غير 
رسمية للأشخاص الآنين من كيرالا. كانت المطاعم الصغيرة والمقاهي التي 
يملكها المالاياليون المكان المفضل لهذه اللقاءات» حيث كانت قراءة الرسائل 
على الملا ومشاركة أخبار قرى كيرالا النشاط الأكثر أهمية وقيمة. 

دخلتٌ إلى عالم الأعمال في بداية عام 1965» ولاقيت الكثير من 
الدعم من السنديين والإيرانيين الذين كان يملكون متاجر كبيرة» بينما كان 
المالاياليون يملكون الوكالات”* والمتاجر الصغيرة والمقاهي. استطعت إدارة 
عملى بمعرفتى البسيطة للغة الأوردية التى يستتخدمها السنديون والبهاتيون 
والباكستانيون. ْ 


استغرق الأمر خمسة أعوام حتى أصبحت مهاجرًا شرعيًا. كان أول جواز 
سفر حصلت عليه من إصدار القنصلية الهندية في مسقط2". كان العرب 
ودودين بسبب ألفتهم التاريخية مع مالابار. وكان الشيخ راشد يعتاد زيارة 
سوق الديرة حيث كان متجريء, لكنه لم يكن يأتي لشراء أي شيء»؛ كان يتجول 
ويخالط الباعة فحسب. كان يتصرف كشخص عادي ويزور المقاهي التي 
يملكها الوافدون الهنود ويتذوق الطعام الذي يعدّونه. 


2- بي كي كاظم (دبي)!2*) 
وقدموا إلينا التمور والقهوة العربية وكفايتنا من الطعام. كان يقطن خورفكان 
عدد كبير من الويرانيين الذين دخلوا عن طريق ميناء بندر عباس. وبقي العمال 
(41) المتاجر الصغيرة غير المرخصة. 
(42) لم يكن هناك أي بعثة ديلوماسية هندية في دبي حتى عام 1973. 


(43) مقابلة أجراها مانو رحمان مع بي كي كاظم ,(2012 عمط ا-برولة 26) برنلءء1! ماامدمم 08 
3740 .رم 


340 


من أجزاء مختلفة من الهند وباكستان يسكنون في أكواخ الشوبادا” أو في 
أكشاك صغيرة. كانت الأرض عارية والناس ينامون في صفوف طويلة بين 10 
و15 شخصًا على حصائر من القش. انتقلت أخيرًا إلى دبي حيث تمكنت من 
البقاء هناك خمسة أعوام بلا أي وثائق. وكانت مهنتي الأولى عاملا في مطعم 
شتريته لاحمًا. 


كانت وجهة هذا الجيش الجرار من العمال غير المهرة الآتين من جنوب 
الهند هي المطاعم والمقاهي. عمل بعضهم الآخر في مشروعات صغيرة» واستطاع 
قليل منهم الحصول على وظائف جيدة في القطاعين الحكومي والخاص. 


دفعتني رغبتي الشديدة في زيارة موطني إلى العمل من أجل الحصول على 

ثق السفر المطلوية. وتزامنت هذه المحاولة مع زيارة أنديرا غاتندي (رئيسة 
و ا ل رن اميه 
امتلاكهم الوئائق الضرورية طلبت من السفارات الع د كدر 
دون أن نعي 3 أعرت كم هذه الحرات الل 7 تحسست فيها الغلاف الأزرق 
لجواز سفري الهندي. وكنت أقبله أحيانًا 0 


3 - شوكت (عحمان) 


وصلت إلى ععجمان في أواخر ستينيات القرن الماضي. مشينا على الأقدام 
من دبي إلى عبجمان أنا وآخرون ضمن مجموعة. توقفنا على الطريق في 
الشارقة. واستغرقت الرحلة من الشارقة إلى عجمان نصف يوم. وعرض علينا 
الجيش البريطاني في أثناء رحلتنا هذه أن يوصلنا إلى عجمان. كانت عجمان 
خالية من أي شيء؛ لا نور» ولا كهرباء. أقمت أول مطعم هندي في عجمان 
للعمال الهنود والباكستانيين الذين كانوا يعملون فى بناء دار للسينما يملكها 
حجى مامو. المهتدب الباكستانى. 


(44) مساكن صغيرة موقتة مبنية بشكل أساسي من الصفائح المعدنية أو البلاستيكية. 


341 


كان السكان المحليون يأتون لتناول الأطباق الهندية الخاصة. وكان الشيخ 
راشد النعيمي» حاكم عجمان في ذلك الوقت. من الرواد الدائمين أيضًا. كان 
يأتي برفقة الأطفال والأصدقاء وكتيبة من البدو لحراسته. وكان معجبًا جدًا 
بالطعام المغولي الذي كان يطلبه ليقدّم في الحفلات التي تُقام في القصر. قربني 
الطعام الذي كنت أقدمه في مطعمي من الحاكم. وأصبح هو الكفيل لسلسلة 
المتاجر الكبرى التي أنشأتها لاحقًا. دعم مسعاي في نشر هذه السلسلة في المدن 
والبلدات المجاورة أيضًا. فقدم إليّ التسهيلات كلها لافتتاح متجر في المنامة!*» 
ووظف عنصري شرطة لتنظيم زحمة السكان المحليين في داخل المتجر. كانت 
هذه الترتيبات الأمنية» بصورة رئيسة» لأجل الأشخاص الآتين من القرى الناثية 
التي كانت متاجري تقدم إليهم تجربة جديدة لم يكونوا معتادينها. 

كان الشيخ راشد يثنيني عن اللجوء إلى البنوك في كل مرة أحتاج فيها 
إلى المال. وكنت اقترضت منه مبالغ كبيرة. كان يمقت الفائدة التي تأخذها 
البنوك لأنها مخالفة للشريعة الإسلامية. كان تقيًا جدًا. وبقي يعيش حياة بسيطة 
قريبة من الناس حتى وفاته في عام 1981. خضعت مشروعاتي لإعفاءات من 
تكاليف الكفالة. وعندما غرق متجري في المنامة نتيجة الحتّ البحري» سارع 
إلى نجدتى عارضًا علي مبلعًا كبيرًا من المال جناه من زراعة التمور. غير أن 
هذه لم تكن حال أبنائه الذين تعلموا في الغرب. على الرغم من أنني كنت 
أعتني بهم عندما كانوا صغارًاء لكن وصولي إليهم بات بعد ذلك محدودًا 
وشعرت بالغربة بعد وفاة الشيخ راشد. 


4- بالان (دبي) 


كان عملي الأول في دبي جليس أطفال لدى عائلة بريطانية» بأجر وصل 
في حينها إلى حوالى المئة درهم إماراتي» ومع اكتسابي المزيد من الخبرة في 
هذا المجال أصبحت قادرًا على الحصول على أجر أعلى ومنتظم. بقينا (نحن 
العمال الوافدون من الهند وباكستان) نعيش في الخيام» بينما كان الإتكليز 
(45) منطقة في عجمان. 


2012 


ونخبة العرب يعيشون في بيوت مستقلة. كنا نستخدم ضوء مصابيح الكيروسين 
الذي كنا نشتريه من الباعة المحليين الذين كانوا يبيعونه على ظهور الحمير. 


كان الأشخاص الذين يعملون في قصور المشايخ الأكثر ثراء بين 
المالاياليين. وعلى الرغم من كونهم الشريحة الاجتماعية في أسفل السلم خدمًا 
وطباختين وسائقين منزليين» تمتعوا بموقع مميز بسبب صلاتهم بالمشايخ. كان 
للمدرسين السريان المسيحيين ذوي الأجور العالية وأمناء السر والمديرين من 
شمال كيرالا الذين وصلوا إلى الخليج في الستينيات مكانة مميزة أيضًا بين 
الوافدين من جنوب أسيا. وكانوا القلة القليلة التي بإمكانها إبقاء عوائلها معها 

كانت مفردات مثل جواز سفر وكفيل وتأشيرة وبطاقة عمل غريبة عنا. 
كان يسيطر على نقاشاتنا في أغلب الأحيان مصطلحات مثل «فيزا البدادة 
والمراكب غير الشرعية والدخول غير القانوني. كانت أغلبية الأشخاص الذين 
يعيشون معي من قرى فقيرة» لكنها ناشطة سياسيًا في شمال مالابار. كنا جميعًا 
شيو عيين » وعملنا في الخفاء بين المهاجرين المالاياليين» لكن كنا نخاف من 
الإفصاح عن ذلك تجئبًا للعواقب. كنا نتشارك في لقاءاتنا السرية الأسبوعية 
أخبار الحزب التي تصل إلى منطقة الخليج من خلال الرسائل الاعتيادية من 
الأصدقاء في كيرالا. واستمر الحال هكذا حتى السبعينيات عندما أطلقنا منظمة 
تابعة للحزب تحت راية المنظمات الثقافية. 


5- أبو بكر (دبي وعحمان) 


وصلت إلى دبي في عام 1963. وكان علي كأي مهاجر مالاباري غير ماهر 
أن أدخل بطريقة غير شرعية. أمضيت كثيرًا من الوقت في البداية أبحث عن ثلاثة 
أخوة من قريتي كانوا قد وصلوا إلى دبي عبر باكستان في منتصف خمسينيات 
القرن الماضي. وتمكنت بعد بحث واسع من اللقاء بهم في عجمان. الأكبر بينهم 
كان عبد القادر الذي اختفى من قرية ماثيلاكام في جنوب مالابار في العشرينيات» 
غادر في حينها البلاد وهو في العشرين ليقوم برحلة عبر شبه القارة الهندية. 


23213 


انتقل في البداية إلى لاهور عبر مومباي» وبعد أن قضى هناك عشرين 
عامًا عمل فيها صبيًا في متجر للشاي وحمَالا وعامل بناء» وصل أخيرًا إلى 
ميناء مطرح في مسقط عبر غوادر© في نهاية الأربعينيات. وانتقل من مسقط 
إلى منطقة الزبارة في قطرء حيث كانت تحكم أسرة آل ثاني» وأصبح الحارس 
الشخصي لأحد أمراء العائلة. لفتت بنيته القوية انتباه شيوخ العائلة الحاكمة» 
لكن عادته في تدخين الحشيش أدّت إلى وقوع حادث مؤسف. ففي ذات مرة 
أخذ بندقية من مخزد السلاح وأطلق منها الرصاص على غير هدى. . وفي إثر 
ذلك طرد من قطر ووصل إلى عجمان في الخمسينيات. 

كانت الأعمال الكهربائية التى تعلمها عبد القادر في الزبارة خير عون 
له» وأصبح من روّادها في مان كان يتحدث العربية بطلاقة كأهلها 
تقريئاء ويلبس الملابس العربية. وانضم إليه أخواه الآتيان من باكستان في 
عام 1955» وأنشأوا أول شركة للتعهدات الكهربائية في عجمان في نهاية 
الخمسينيات» وأول فندق (فندق حسينة) وأول دار للسينما (سينما نسيمة). 
كان الأخوان؛ الأصغران كحال مواطني باكستانيين بعد انفصالها عن الهند في 
عام 1947 يحملان جوازي سفر باكستانية وتخليا عنهما مقابل الحصول على 
جوازات سفر هندية في السبعينيات. ولم يتواصل الإخوة مع العائلة حتى بداية 
الستينيات» وكان الأخ الأكبر قد نسي لغته الأم فوظف كاتبًا مالاباريًا لكتابة 
الرسائل إلى أولاده في كيرالا. 
6- أم في عبد القادر حاجي الياس هاجيكا (رأس الخيمة/ قطر)”*) 

كان ثراء الدوحة وفخامتها اليوم حلمًا بعيد المنال في بدايات السبعينيات. 
أجزاء كثيرة من الدوحة في تلك الأيام لم تكن إلا قرية ممتدة لم تعرف الحداثة 
بعد. كان جميع الناس يعرفون بعضهم بعضًا. وكان مشهد المركبات في شوارع 

(46) ميناء غوادر في إقليم بلوتشستان في باكستان. 

(47) كما ورد في: ,تعمد ادماط [أب0 «رنلةهده0 «رإنطمتساطءم؟ ززم لممط1» ,رعمدمك 8 م 


.96-98 .مم ,(2012) عنكدا! لمتععم5 دمننهج 111 كأنا© :3 .ام 


3244 


الدوحة أمرًا نادرًا. لم يكن هناك تنوع كبير في السكان» حيث كان الإيرانيون 
والباكستانيون هم المهيمنين على مجتمعات الوافدين. وكانت الرمال تلف 
الجزء الأكبر من المشهد الجغرافي للمنطقة. 


تملأ قصص الغوص بحثًا عن اللؤلؤ المكان. إذ كان البحر مصدر رزق 
أغلبية القطريين. وقضيتٌ كثيرًا من الوقت أستمع إلى غزواتهم البطولية. كانت 
الحياة قاسية نسبيًا حتى قدوم فورة النفط. وكان علينا أن نعمل في الأعمال كلها 
حتى نستطيع تغطية نفقاتنا. لكن شهدت قطر في متنتصف السبعينيات تطورًا 
وتحديثًا سريعًا. إذ خضع نظام الاتصالات لتغيير شامل. وجي بنظام بريدي 
فاعل. استعدت اتصالاتي مع الأصدقاء والأقارب في كيرالا من خلال الرسائل 
المنتظمة. كان والداي وأولادي لا يعلمون عني أي شيء مدة طويلة. وكانوا 
يسمعون قصصا كثيرة عن غرق القوارب في بحر العرب,. حتى إنهم وصلوا إلى 
قناعة أنني ربما مت في إحدى هذه الحوادث المؤسفة. وأقاموا بعض الطقوس 
لابنهم المفقود. ١‏ 


7- حمزة (دبي) 


كنت واحدًا من المجموعة الأولى من المهاجرين الذين وَظفوا من 
خلال القنوات الرسمية. لذلك. وخلافا للآخرين» كانت رحلتي على متن 
سفينة اسمها سردانا. وعلمت من الطاقم أنه كان من المفترض لهذه الرحلة أن 
تكون الأخيرة لهذه السفينة. كانت دبي عالمًا جديدًا كليًا بالنسبة إلي. قضيت 
خمسة أعوام برفقة أخي في منزل مكوّن من غرفة واحدة على أطراف المدينة. 
في الستينيات» كان العرب من مصر وسورية والإيرانيون والبهاتيون من السند 
وكوتش المسيطرين على قطاع الوظائف في دبي. انضممت إلى مجموعة 
14هلا2 في عام 1968 وشهدت شخصيًا تطوير مطار دبي. 


لم أشعر بالغربة لأن من حولي كانوا يتكلمون الهندية. شعرت كما لو أنني 
أعيش في جزء آخر من الهند. حدث تطور دبي السريع في العشرة أو الخمسة 
عشر عامًا التالية. انعكس هذا التغيير على سلوك السكان المحليين» فتغيّر نمط 


3045 


إنفاقهم بصورة دراماتيكية. وظَلُوا محافظين على إعجابهم بالعمال الهنود. أما 
في المكاتب الحكومية وشركات القطاع العام فاستبدل الجيل الأول من العرب 
المحليين ليحل محلهم الشباب ذوو التعليم الغربي. وظلت المناصب العليا في 
قطاعات عدة» مثل الطيران في يد الأوروبيين. 


8 - محمد (الفجيرة) 

انتقلت من خورفكان إلى الفجيرة في أواخر الستينيات. كانت تحركات 
العمال غير الشرعيين آنذاك صعبة جدّاء والشرطة متيقظة على الدوام. حينها 
توقفت الهجرة غير الشرعية من الهند» ورخل كثير من المهاجرين غير الشرعيين 
إلى دبي حيث كانت القوانين أقل صرامة في هذا الخصوص. 

في الفجيرة لم يكن أحد من جماعتنا يملك مهنة ملائمة. أغلبيتنا كانت 

تعيش في خيام وكبائن متحركة. وعلى الرغم من أننا كنا مهاجرين غير شرعيين» 
عاملنا السكان العرب بشكل جيد ووفروا لنا أعمالا بسيطة لكفاية أنفسنا. كان 
لدينا بعض التفاعل المنتظم مع شيخ الفجيرة”. وعلى الرغم من مكانتنا 
المتدنية كان دائم الاختلاط مع الأجانب العاملين في الفجيرة آنذاك. 

كان متوسط أجر العامل غير الشرعي 50 درهمًا في الشهر. لكن كان 
هناك هنود يتقاضون أجورًا مرتفعة عن وظائفهم في القطاع الحكومي. وكان 
هؤلاء بشكل رئيس من المتعلّمين المسيحيين ممن يعرفون اللغة الإنكليزية 
واستخدام الآلة الكاتبة» آتين من جنوب كيرالا وجرى التعاقد معهم من خلال 
وكلاء التوظيف في مومياي خلال خمسينيات القرن العشرين وستينياته. وكانت 
التجارة تحت سيطرة السنديين الذين كانوا يعيشون في مستوطنات جماعية 
صغيرة. 

لم أحصل على جواز سفر هندي إلا في عام 1973. في ذلك العام أنشئت 
الإمارات العربية المتحدة. وكان لتلك المرحلة الأثر الأكبر في حياتي. في العام 


(48) الشيخ محمد بن حمد الشرقي الذي حكم الفجيرة بين عامي 1942 و1975. 


36 


نفسه حصلتٌ على وظيفة محترمة في شركة بريستو هليكوبتر”. في البداية 
كان رؤساؤنا في العمل من المهندسين والطيارين البريطانيين. ثم حل محلهم 
في ما بعد مهندسون وطيارون من أميركا وأيرلندا. ستب تغيير الإدارة هذا 
مشكلات كثيرة للهنود» حيث كان الموظفون الجدهد يميلون إلى التعامل معهم 
بروح من «التمييزة. 

كانت رحلة عودتي الأولى إلى الهند فى عام 1974. حتى ذلك الوقت 
لم يكن هناك أي تواصل لي مباشر مع عائلتي في كيرالا. مع ذلك كانت العائلة 
تبقيني مطلعا على آخر أخبارها عبر الأقارب والأصدقاء من فريتي. وكانت 
الرسالة تستغرق من يوم إلى يومين كي تصل من كيرالا إلى الإمارات العربية 
المتحدة. فضلت في رحلة العودة أن أستقل مركب أورو الغوجراتي لأحيي من 
جديد تجربة رحلتي الأولى من ميناء بيبور في كاليكوت كمهاجر غير شرعي 
في الثالثة عشرة. واخترت أن أسافر في حجرة مخفيّة على مركب الأورو ذاك 
لأعيد إحياء التجربة المريرة لرحلتي الأولى. 


9- مواطن عبد الرحمن (الفجيرة)50) 


عندما وصلت إلى الفجيرة في بداية السبعينيات» كانت المنطقة مجرد 
ساحل صيد متواضع ... بعيدًا كل البعد عن الحداثة. ولم تكن أغلبية العمال 
المهاجرين في الفجيرة تملك أي تأشيرات أو جوازات سفر أو بطاقات عمل. 

لم تكن تقنيات الصيد الحديثة قد استخدمت هناك بعد. وبخبرتي التي 
أتيت بها من كيرالاء أدخلت مهارات جديدة إلى الصيد. تلك المهارات التي 
لم يأخذها السكان المحليون على محمل الجد في البداية» ووصلت بهم الحال 
إلى حد دعوتي بالمجنون. غير أن الثناءات بدأت تنهال عليّ حالما أثبتت 


)249 اعم-1625ممء ذاء1! ممتي 


(50) كما ورد فى: «مناممونل! ؟اد0 :3 .أ ,اتمسمبرطاعاط رأنه© ,قاعلا تاوخ ,وتتلنالععطممظ .م 
7 .86-88 .مم ,(2012) عنوذآ امامعمع 


317 


هذه التقنيات جدواهاء وقام كثيرون بمحاكاتها. وكإشارة إلى تكريمي» منحني 
السكان المحليون لقب «مواطن». وبعد منحي هذا اللقب نصحني المسؤولون 
في دائرة الهجرة بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية لكن ارتباطي الوجداني 
بكيرالا منعني من فعل ذلك. 


0- حاجي أم في كنهى محمد (عمان/ الشارقة) 


رسوت في ميناء صٌحار بعد رحلة بحرية استغرقت حوالى واحد وأربعين 
يومًا في سفيئة كبيرة تدعى خواجة محيي الدين كانت تنقل التوابل من كاليكوت 
إلى مسقط في أيار/ مايو 1969. طلبوا منا أن نسبح من مكان رسوٌ السفينة حتى 
اك را ار على لاحر يعراره راصاوا إن بروج انضرا 0 
الماء والطعام. 


على الرغم من أن السكان المحليين أعلموا الشرطة بقدومناء فلم تأخذ 
الشرطة وجودنا محمل الجدن حيث لم يكن ذلك أمرًا مستهجنًا في ذلك 
الوقت. فوجئنا أنهم لم يهتموا كثيرًا ... طلبوا معلومات عن وجهتنا التالية 
فحسبء ورححبوا بنا قائلين: «فلتجلب الصحراء لكم الحظ؛. وساعدونا في 
عبور حدود :الإمارات المتصالحة. وكنّا قد قررنا التوجه إلى الشارقة حيث كان 
يقيم كثير من أصدقائناء وتحرّكنا من دون أدنى فكرة عن الاتجاه الذي يجب أن 
نسلكه في الصحراء. وجاءنا الحظ في صورة شاحنة تنقل البطيخ من خورفكان 
إلى الشارقة. 

رابعًا: تحليل الذكريات بوصفها تاريخًا شفويًا 


تستند السرديات الواردة أعلاه إلى الذكريات والشهادات» وتعطي فهمًا 
مختلفًا لماض عايشه شخصيًا أو جماعيًا المهاجرون الأوائل الآتون من 
كيرالا إلى الخليج. تقع هذه السرديات في فئة التاريخ الشفوي مقدّمةٌ بديلا 
من التواريخ الرسمية المعيارية ومتأصلة في ما يسمى «التاريخ من الأسفل». 
الذكريات وقصص الحياة المكونين الأساسّين المستخدمين هنا من 
مكونات التاريخ الشفوي. وتراوح الموضوعات التي نوقشت بين الوضع 


348 


الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين الأوائل في كيرالاء وسبب مغادرتهم. 
ورحلة المغامرات التي خاضوهاء والحياة التي أسسوها في منطقة الخليج» 
وإحساسهم بكونهم عمالا مغتربين أو وافدين. 


على الرغم من أن هناك مشاغل مشتركة» لكن طريقة رواية هذه المشاغل 
تختلف من شخص إلى آخر. وعلى الرغم من أن هذه السرديات مجرّأة ومشتّتة 
ولا تحوي إلا أجزاء «مختارة» من الذكريات» فإنها تشمل مجموعة واسعة 
من القضايا التي نوقشت من وجهات نظر مختلفة. وكونها جزءًا من التاريخ 
الشفويء فإن الأسئلة المتعلقة بمقدار ما كشفته؛ هل هو جزئي أم منسي» خفىٌ 
أم مكبوت. تصبح أقل أهمية. وعلى نحو مماثل فإن غياب المادة المكتوبة 
والمصادر الآر شيفية الداعمة يجعل مهمة إعادة اكتشاف ماضي هؤلاء وإعادة 
تفسيره أمرًا صعبًا. 


كان الأمل الحقيقي في الحصول على وظيفة وحياة كريمة بالنسبة إلى 
كثيرين مطوقين بالفقر في المناطق الريفية في كيرالا يتمثّل في الهجرة غير الشرعية 
إلى بلدان الخليج. وتمتّل المجموعة الأولى من القصص مشقّات الهجرة غير 
الشرعية على المستوى الشخصي والجماعي. وخلافًا لموجات الهجرة الأخرى؛ 
كان الأشخاص المنخرطون في موجة الهجرة الأولى مترعين بالقصص عن 
المخاطر التي واجهوهاء ولا سيما قصص النجاة النادرة والانتصارات الكبيرة التي 
رددت بالنسبة إلى كثيرين أصداء جهدهم في الخارج. وتحاول هذه السرديات 
بشكل عام أن تعيد بناء تجربة السفر والإقامة في المجتمعات المضيفة موضحةً 
استراتيجيات البقاء التي تبناها المهاجرون. وتشكل ذكريات المصائب الجماعية 
السمة الأهم لكل السرديات. وربما كان ذلك خصوصًا حين تواكب المصائب 
تجربة السفر, لأن البشر قد يجدون عزاءً في استذكار ذلك. 

ارتبط قدر كبير من الصراع الوجداني مع مغادرة كيرالاء وتجربة السفر 
الخطرة» وحال الاغتراب التي عاشها المهاجرون في بلد أجنبي. وفضلا عن 
سرد التجارب القاسية لرحلات الهجرة» فإن هذه الذكريات تلقي الضوء على 


309 


تحركات الأشخاص «غير الشرعيين» وانتهاكهم حدود الشرعية الصارمة من 
أجل العيش والعمل. ولا يزال لغرًّا حقيقيًا ما إذا كانت أجهزة الدولة في الهند 
ودول الخليج تدرك «لا شرعية» هذه التحركات. وعلى أي حالء فإن هذه 
السرديات التي يُرجح أن تكون جزءًا من التاريخ الشفوي هي حتى الآن غير 
ممئّلة بشكل كاف أو غائبة تمامًا عن مصادر التاريخ. 


تحوي المجموعة الثانية من الحكايات سرديات مهاجرين عاديين لم يكن 
لهم أي دور في الحياة الاجتماعية والسياسية» لكنهم كانوا شهودٌ عيان صامتين 
على بناء دول وأمم في أماكن كالإمارات العربية المتحدة. إن ذكريات ماضي 
الأمم التي شاركها المهاجرون الأوائل جزئية ومتناقضة كثيراء ويكون أحيانًا 
للقصة نفسها أكثر من صيغة. مع ذلك فإن إحساسهم ومعاناتهم الاغتراب 
الاجتماعي والثقافي عاناه وشاركهم به المهاجرون الأوائل الآخرون من 
خلفيات مختلفة. وبالنسبة إليهم؛ أوجد الخوف من فقدان الهوية إحساسًا عميقًا 
بانعدام الأمان وعدم الاستقرار وشحذ إحساسهم بالتهميش. 

يركز البحث في عملية بناء الدولة بعد الاستعمار في دول الخليج العربي 
على التخب المحليّة والأوروبيّة. ولا يولي إلا القليل من الاهتمام للتجارب 
التي خاضها العمال الوافدون. وتسعى الأدبيات التقليدية إلى نفي حسس الفاعلية 
لديهم مشددة على عجزهم عن مباشرة أي فعل بمعزل عن السكان المحليين 
أو المساهمة في أي تغيير اجتماعي أو ثقافي. ومن جانبهاء تركز السرديات 
المذكورة أعلاه على بعض مراحل التحوّل من «التقليدي؟ إلى (الحديث». 
وتحاول رسم خريطة التجارب والخبرات الشخصية والجماعية لأولئك الذين 
أقصوا عن السلطة السياسية والاجتماعية وكانوا على هامش أي خطابات 
اجتماعية أو ثقافية سائدة. أمَا الصعوبات التي لا تُحصى التي واجهوها خلال 
محاولتهم التكيّف مع الأوضاع المحليّة فتشكل انعكاسًا لتحوّل دول الخليج 
العربي من «الشرعية القبليّةة المرتكزة على اليناء التقليدي إلى الشرعية 
الحديثة. وتصف هذه السرديات التغيير في طبيعة الحوكمة مع إدخال مجموعة 
من البيروقراطيات المدروسة واستراتيجيات الحراسة وآليات مراقبة الهجرة. 


350 


تشكل ذكريات الأشخاص المقرّبين من العائلات الحاكمة في بعض 
المشيخات في الإمارات العربية المتحدة شاهدًا على التغيّرات السوسيولوجية 
الدقيقة التي طرأت على شؤون الدولة استنادًا إلى القرابة والعلاقات الأسرية 
وغيرها من أشكال العلاقات الشخصية. فسرديات شوكت». على سبيل 
المثال» تحاول تسجيل تحوّل عميق أُثّْر في العلاقة بين الحكام والمحكومين 
في عجمان. وتوضح شهاداته كيف أن لغات العائلة والقبيلة والدين الرمزية 
التي اعتاد الحكام كسب التأييد من خلالهاء حلت محلّها الوسائل الحديثة. 
وبذلك يمكن للمرء أن يجد في هذه السرديات أولى تجليات محاولة الحكام 
بلورة البنية القبلية المنظمة في موضوع «الدولة الحديثة4. كما يُسرد في بعض 
الروايات عن إنشاء دولة معقّدة بجهاز حكومي متعدد الأشكال كآثار متضافرة 
لزيادة عائدات النفط وجهد الأسرة الحاكمة لتعزيز موقعها. وتتحدث تجريتا 
عمر وكنه محمد عن إصرار الحاكم الجديد آنذاك على تنظيم الهجرة وضبط 
الحدود. في حين ترسم تجربة حمزة المنتمي إلى الدفعة الأولى من المتعلمين 
الذين جرى التعاقد معهم رسميًا الملامح العامة لطبيعة قطاع التوظيف المتغيرة 
في الخليج. أما ذكريات بالان فتبحث في الحياة الاجتماعية للمهاجرين من 
كيرالا والذين شكلوا أقلية صغيرة مع معدّل للهجرة منخفض قبل سبعينيات 
القرن العشرين وما شكلوه من جمعيات وعدم قدرتهم على التعبير بحرية. 

لا يكمن نطاق مقاربة التاريخ الشفوي في الفرصة التي يوفرها لاتخاذ 
قصص حياة الناس شاهدًا على حدث معيّن فحسب. بل يكمن أيضًا في فرصة 
فهم السياقات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية الأوسع وأخذها في الاعتبار. 
إن القصص التي تقاسمها المهاجرون الأوائل» بصرف النظر عن كشفها كيفية 
صمود الأشخاص بوجه الحوادث القاسية» تتطرق بشكل مهم لمسائل مثل 
الهوية والاغتراب وإحساس العجز في أرض أجنبية. ولا يمكن اعتبار الذكريات 
الشخصية والجماعية فى هذا السياق خاملة وسلبية لما لها من إمكانات كبيرة 
في تقديم سرديات بديلة من ماضي الأمم. وعادةٌ تشمل سرديات ماضي الأمم 
في دول الخليج ذكريات الآباء المؤسسين وروايات الضباط الاستعماريين 


351 


الذين شهدوا على الحوادث الأساس. وتُّصاغ هذه السرديات وفقًا لمفهوم 
معيّن لما #نحن؟ حمًا. ولا مكان في هذه الحالة لرواية «الآخرين». 


تصوّر ذكريات البشر وقصص حياتهم» بوصفها مصدرًا رئيسًا للتاريخ 
الشفوي» تصويرًا موجرًا كيف يمكن للهجرة أن تنتج مخزوناتها الخاصة من 
التوصيفات والتفسيرات البديلة للحوادث ذاتها التي سبق أن ناقشتها النتصوص 
التاريخية «المعيارية». نادرًا ما ركز البحث التاريخي عن الخليج على قصص 
حياة الجماعات غير النخبوية. فعقليات هذه الجماعات وتجاربها ودعائمها 
الأيديولوجية لا مدخل لها نسبيًا إلى سجّّلات التاريخ الرسمي» لأن أصواتها 
غير مسموعة وإنتاجها من المصادر الوثائقية ضئيل جدًا وهي عاجزة عن 
الإتيان بخطاب سائد ومسيطر. هذه السرديات قد لا تتبع ترتيبًا زمنيًا محدّدًا 
ولا مواقع جغرافية متشقة. لكنها كرواية لتجارب مجموعات بشريّة مقصاة 
عن السلطة السياسية ومهمّشة عن الخطابات الاجتماعية السائدة تبنى إحساسًا 
بفاعلية «التابعين4 مؤْ وَكدةّ مساهمتهم «الحاسمة» في ديناميات التغير التاريخي 
ك #امتفرجين»6 أو #ضحاياا. 


خاتمة 


أوجدت هجرة ما بعد النفط من كيرالا إلى دول الخليج العربي مجموعة 
كبيرة من التقاليد الشفوية والسرديات المحلية التي لا يمكن في معظم الحالات 
تقويمها بحسب مؤشرات «التاريخ المعياري». وتبدي التواريخ الرسمية 
لدول الخليج العربي التي 7 عن الاحاملى الججلات الاستعمارية» ميلا إلى 
حذف ذكريات الماضي لدى الوافدين الذين شهدوا بعض الحوادث التاريخية 
الأساسية. لذلك من الاهتمامات الأساسية لهذه الدراسة أن تتكشف بعض صيغ 
التاريخ البديلة منعكسة في سرديات شخصية لأناس عاديين كانوا إما ضحايا أو 
«شهودًا صامتين؟ على التاريخ. وهي صيغ لم يسبق أن كُتب عنها بشكل كافٍ 
في البحث العالمي والمحلي بسبب الطبيعة «غير الرسمية» لهذه التحركات في 
تاريخ الخليج ما قبل الدولة. 


352 


بالطبع» لم تستوعب التواريخ الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي 
هذه الروايات لأنها خارج حدود الدولة الأمّة. لذلك يشمل هذا العملء أولًا 
وقبل كل شيء» إعادة مَفُهَمة تاريخ الخليج» الذي يفهم بأنه ممارسة» أو 
مجموعة ممارسات. الماضي غير المتعلقة إلا بفاعلين معينين في وحدات 
إقليمية محددة. ولعل التدقيق في هذه الروايات في ضوء الحقائق والدلائل 
من مجالات أخرى كالمواد الأرشيفية سيكون أمرًا عقيمًاء لأن صحة هذه 
الروايات ربما تكون محل جدل ومشكوكًا فى قيمتها. لكننى على قناعة راسخة 
بآن هلة القضصض_ ينا فيها من هافك شخصية أساسية تلقل أجزاء صَغَيرة 
محددة من محاولة إعادة رواية قصة الماضى من دون أي تحيزات «استعماريةة 
أو «قومجية» أو انخبوية». ١‏ 


2353 


القسم الثاني 
فلسطين الذاكرة والتاريخ 


الورفة الثالثة عشرة 


التاريخ الشفوي الفلسطيني 
ذاكرة شعبية أم مصدر تاريخي؟ 


بيان نويهض الحوت 


مقدمه 


مهما تعددت موضوعات التاريخ الشفوي» ومهما تباينت طرائق 
التعامل معه» فالهدف الرئيس هو التعرّف إلى مرحلة ماء أو تجربة ماء بعيون 
أصحابهاء وبكلمات نابعة من ذاكرتهم. وتكمن الميزة الرئيسة لهذا المنحى 
التاريخي في التفاعل الحي بين الرواة وقرّاء شهاداتهم أو المستمعين 
إلى أصواتهم عبر الوسائل السمعية» أو المشاهدين حين تتوافر الشهادة 
صونًا وصورة. وبقدر ما يشعر الراوي بالرغبة في إعطاء شهادته والحرية 
والانطلاق في حديثه» وبقدر ما تعر نظراته وحركاته ونبرات صوته عن 
خفايا ذاكرته» تتميّز شهادته بالأصالة والأهمية. وهذا ما دعا رونالد غريلي 
(©6:1 .1 4لهده8) وهو من رؤاد التاريخ الشفوي» مع مجموعة من زملاثه. 
إلى عقد حلقة نقاش في شأن التاريخ الشفوي في عام 1973 بعنوان «إنه 
ليس الأغنية. إنه الغناء06©. 


(0) لمة .ع١‏ .80 293 ,بربماكااط أه«0 إن أل 1186 :لم5 زه عودماءظ2 ,[.له اء] ماعع0 .3 للمدمع 
50-5 .مم ,(1985 ,.طنظ أمعلعمععط :1ل! ,مومعنط0) لمومدلوع 


357 


أما توججه التاريخ الشفوي في موطن نشأته في الولايات المتحدة نحو 
المهمّشين والأقليات والسود من أصول أفريقية» فمن روّاده كان لورانس 
غودوين («600053 أممعمهم1آ) الذي ما اكتفى بتشجيع هؤلاء على المشاركة 
في مشروعات التاريخ الشفوي فحسبء بل حتّهم على المشاركة في الحياة 
السياسية. وأنتج الطلاب الأفريقيون الأميركيون في برنامج التاريخ الشفوي في 
جامعة ديوك؛ بإشرافه» في سبعينيات القرن العشرين» عشرين مجلدًا نال عدد 
منها جوائز تقديرية وشهرة واسعة؛ ما ساهم في فتح الباب واسمًا أمام اعتبار 
هذا المسار في التاريخ الشفوي «تاريخ الذين لا صوت لهم0". 

هكذاء لا نجد أي غرابة في أن يحتل التاريخ الشفوي مكانة خاصة لدى 
الشعب الفلسطيني 5 ْ تتفوّق على مكانته عند كثير من الشعوب؛ لأن هذا الشعب 
تعرّض لتجربة الاقتلاع من وطنهء كما اقتلع السود بهمجية مماثلة» أو حتى أشده 
من وطنهم أفريقيا. واصطلح العرب على تسمية اقتلاع الفلسطينيين ب «النكبة»» 
وهي في واقعها نكبات متلاحقة» أو نكبة مستمرة بدأت بتحويل الفلسطينيين 
من مواطنين إلى لاجئين في داخل وطنهمء فكان هناك لاجئون من القدس إلى 
القدس» ومن فلسطين إلى فلسطينء وأما داخل الأرض المحتلة (إسر ائيل) 
فأبعد القرويون عن قراهم» ريما إلى مسافات ليست بعيدة عنهاء وريما تُرى 
بالعين المجردة» لكنهم أبعدوا أو طردواء بعد أن هدمت السلطات الإسرائيلية 
بيوتهم واستولت على أراضيهم. وواكب هذا الاقتلاع الداخلي ضمن حدود 
فلسطين التاريخية عمليات الاقتلاع لمئات الآلاف من المواطنين العرب إلى 
خارج الحدود. هكذا تحوّلت هويّة الفلسطيني إلى هوية لاجىئع ... وهكذا 
كتبت أم الحكايات وما زالت تُكتب: من البيت والوطن إلى الخيمة والشتات. 


ليس موضوعنا عذابات الشعب الفلسطيني من النكبة حتى يومنا هذاء كي 


والتهجير المتواصل وضم الأراضي وتهويد القدس وتضييق سبل العيش .. 


(0) ,30/9/2013 ,برموفة1 عط «ركعاط موببلمه0 ععرعينها ممءواو1] العرءسما كوهها ععلسط» 
204 لعاتوايا ,حور لموع/2013/09/نالء.عء نال لإهل0), بج دجب عاط > 


23258 


وليس موضوعنا أن هذا كله يجري كأن القدس الشرقية أو الضفة الغربية أو 
قطاع غزة أو أريحا ما هي إلا زر في بحار نائية» ليس في استطاعة قادة الدول 
الكبرى الذين يبشّرون بالديمقراطية مشاهدة ما يجري لفلسطين وشعبها في 
عصر الفضائيات والإنترنت. لكن هذا الواقع الأليم هو الذي حدا بمجموعات 
من الباحثات والباحثين الفلسطينيين إلى القيام بعدد من مشروعات التاريخ 
الشفوي؛ فوجدوا في هذا «التاريخ» ميدانًا لكتابة تاريخهم كما عاشه الآباء 
والأجداد. وكما يعيشونه هم. 

اليوم يعتبر التاريخ الفلسطيني الشفوي في مقدمة التاريخ الشفوي العربي 
الذي يخوض غماره أيضًا عدد من الأقطار العربية. ويسعى هذا البحث إلى 
تقديم صورة جلية بقدر الإمكان عن بدايات «التاريخ الشفوي الفلسطيني؟ 
وتطوّره وأثره في التأريخ لفلسطين. 

بداية» أود الإشارة إلى أن الهدف من التوقف عند عدد من المؤلفات 
والبحوث ما هو إلا لشرح منحى التطور العام في التاريخ الشفوي الفلسطيني. 
كذلك أود الإشارة إلى أن هناك أنواعًا من الكتابات التي تدخل في إطار 
التاريخ الشفوي بشكل عامء لكنني لم أتوقف عندها لأنها وُجدت قبل عهد 
التاريخ الشفوي الحديثء ثم استمرت كما كانت؛ ومنها اليوميات والمذكرات 
الشخصية والأحاديث والتصريحات الصحافية في الدوريات العربية والأجنبية. 


أمَا إشكالية البحث فهي تكمن في انعدام رؤية الباحثين المشتركة في 
فرعي التاريخ الشفوي الفلسطيني: الفرع الأول هو الأقدم تاريخيّاء وما نطلق 
عليه «التاريخ الشفوي كمصدر تاريخي». أي إنه التاريخ الذي يكتبه المؤرخون 
والباحثون» أي التاريخ الذي يقوم المؤرخ أو الباحث نفسه بإجراء المقابلات 
مع الذين يختارهم وفقًا لموضوعه فيسبجلها ويقتبس منها في نصّه ويعتبرها 
مصدرًا أساسًا من مصادر بحثه؛ الفرع الثاني هو التاريخ المعروف ب «تاريخ 
المهمّشين والمقهورين؛ أو ”تاريخ الذين لا صوت لهم» الذي يقوم بتنفيذ 
مشروعاته أفراد أو لجان تشرف عليها جامعات أو مراكز للدراسات أو باحثون 
مستقلون» وتسجّل المقابلات بهدف أرشفتها أو نشرها على الإنترنت أو 


2359 


بالطرائق المعتادة. ويجدر القول إن هذه الإشكالية توجد إلى حد ما في التاريخ 
الشفوي عمومّاء لكنها في التاريخ الشفوي الفلسطيني أكثر حدةٌ من سوا 
وبلغت حدًا وجّه فيه العاملون في تاريخ «الذين لا تاريخ لهم؛ إلى المؤرخين 
تهمة التقصير في التأريخ للنكبة» وتهمة تجاهل دور اللاجثين المقهورين 
والمضطهدينء مع تأكيدهم أن التاريخ الشفوي وحده البديل. 

السؤالان الرئيسان: ما صحة هذه الاتهامات وغيرها؟ وكيف يمكن توحيد 
جهد المؤرخين والباحثين والعاملين في الفرعين؟ إذ لا بد من مد جسور الثقة 
والتعاون بينهماء خصوصًا أن مؤلفات ومشروعات وتسجيلات رائدة ورائعة 
حمًا موجودة في ميدان كل منهما. 


أولا: التاريخ الشفوي والتاريخ المدون 
نبدأ ببعض الإيضاحات في شأن عدد من التعابير والمقولات التي ترد في 
مقدّمات مشروعات التاريخ الشفوي وفي نصوص تحليل الشهادات: 
1 - التاريخ المدون 


يتردد كثيرًا مصطلح «التاريخ المدوّن»» وواضح أن القصد منه هو المؤلفات 
التاريخية» أو كتب التاريخ؛ لكن يبدو أن هذا التعبير تُرجم خطأ عن الإنكليزية 
بدمائنل؟ م806 فالترجمة الصحيحة هي «التاريخ المكتوب». وشتّان ما بين 
المدوّن والمكتوب. ف «المكتوب؛ في هذا السياق كلمة تعني الكتابة التاريخية 
المستمدة من المصادر والمراجع المختلفة المتاحة للمؤرخ في عصرهء مع 
احتوائها المقارنة والتحليل والرأي. أما الفعل «دوّن؛ فمعناه: سجّجلء قيّد؛ والكلمة 
بالإنكليزية (9:م200)؟ وكلمة التدوين أو التسجيل تقابلها (دهنادلدهء»0©). 


2- المصدر الوثائقي 


في أن الوثائق على أنواعها مصدر رئيس للمؤرخ» لكنها مصدر واحدء فما من 


3060 


كتاب تاريخي قام على الوثائق وحدها إلا حين يُعلن المؤرخ نفسه ذلك موضحًا 
ومحددًا وثائقه كمرجع أوحد أو شبه أوحد مع ذكر الأسباب. فمثلا حين تُفرج 
دولة ماعن وثائقها الرسمية السرية» لنقل بعد ثلاثين عامّاء أو أكثر» تكثر الكتابات 
استنادًا إليها. وانتشرت هذه المقولة مع انطلاقة التاريخ الشفوي في الغربء وربما 
للفت الأنظار نحو التاريخ الشفوي الذي تُعتبر مادته شائقة للقراءة» خصوصًا 
مقارنة بالمادة الوثائقية التي توصف عادة بالجافة. واليوم تنتشر هذه المقولة عندنا 
بينما تنحسر في الغرب. 
3- التاريخ الأكثر أهمية 

كثيرًا ما يؤكد بعضهم أن التاريخ الشفوي أكثر أهمية من التاريخ المكتوب» 
مقدمًا الدليل تلو الدليل بذكر معلومات وردت في شهادات الناسء لكنها لم 
ترد في كتب التاريخ. وهذا صحيح تماماء لكن من حيث نوعية المعلومات في 
التاريخ الشفوي فحسب التي - نظرًا إلى خصوصيتها - يصعب توافرها في 
الكتابات الأخرى؛ ولهذا السبب تحديدًا - أي خصوصة التاريخ الشفوي - 
يلجأ المؤرخ عند قيامه بدراسة تاريخية ما إلى إجراء مقابلات مع الشهود ذوي 
الخبرة بالموضوع الذي يبحث فيه معتيرًا المقابلات التي يقوم بها عادةٌ بنفسه 
مصدرًا من مصادره. وفي حالات أخرى قد يستند إلى الشهادات التي ينشرها 
الباحثون في التاريخ الشفوي. 


4- التاريخ الشفوي هو البديل 


المقولة الشائعة أن التاريخ الشفوي بديل من التاريخ المكتوب تعود بالظلم 
على التاريخ الشفوي أولاء ثم على التاريخ المكتوب. فليست مهمة التاريخ 
الشفوي أن يكون تأريحًا جامعًا شاملاء بل أن ينقل القارئ إلى أعماق التجارب 
الفردية» إلى النفسياتء إلى داخل البيوت والملاجئ في أتون حرب عالمية: مثلاء 
ولا شأن له بما يجري في البيت الأبيض أو الكونغرس أو الكرملين» وهذا ما 
فعله ستادز تيركل 76:61 405دةه5) في تاريخه الشفوي عن الحرب العالمية الثانية» 


361 


الحرب الجيدة©» فكان كتابه الأكثر شهرةً فى الولايات المتحدة» وكذلك فعل 
رونالد فريزر 7ع:ه5 2204 في كتابه الذي لم يقل شهرة عنه» وكان كتابه عن 
الحرب الأهلية الإسبانية*» وأمنيتنا أن نقرأ يومًا ما كتيًا مماثلة عن حرب 1948 
أو حرب 1967 أو الانتفاضات. ولِمَ لا نقرأ عن زراعة البرتقال والبيارات؟ 


ثانيًا: تطور التاريخ الشفوي الفلسطيني باعتباره مصدرًا تاريخيًا 

يختلف كبار المؤرخين الشفويين في تصنيف التاريخ الشفوي مصدرًا 
تاريخيّاء فهم يعترفون بأهميته» لكن هذا الفرع يبقى بشكل عام خارج 
المؤتمرات وحلبات المناقشات التي يعقدونهاء وربما يعود ذلك إلى كون 
هذا العمل فرديًا بشكل عام. والقائم عليه مؤرخ أو أستاذ جامعي يُجري بنفسه 
المقابلات ويقتبس منها في كتاباته - كما ذكرنا سابقًا - لذلك. ما يقوم به أستاذ 
زميل لهم لا يخضع لإشرافهم. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد أساتذة روّاد في 
التاريخ الشفوي وقفوا بصلابة إلى جانب أهميته مصدرًا تاريخيّاء وكان منهم 
لورانس غودوين الذي عبّر عن موقفه بتساؤلات عدة منها: «هل الوثائق/ 
الشهادات التى يحصل عليها أعضاء فريق عمل مجهولون تقرياء هى ذات فائدة 
كتلك التي يقوم بها مؤرخ لبحوثه الخاصة ومنشوراته؟0©. 0 

أما الدلائل على صدقية ما قاله غودوين فنجدها أدناه في تطور هذا 
المنحى التاريخي في فلسطين الذي سبقت بداياته الفلسطينية ولادة التاريخ 
الشفوي الأميركي؛ إذ إن من المعروف أن التاريخ الهيرودوتي الحديث انطلق 
من جامعة كولومبيا في عام 1948» أول جامعة في العالم تنشئ قسمًا خاصًا 
للتاريخ الشفوي, وكان آلان نيفنز (5م206:1 هدااخ) أول رئيس لهذا القسم؛ ومرت 
أعوام قبل أن يشهد العالم مؤتمرات وتنوّعات واتجاهات في التاريخ الشفوي. 


(3) ومعطاصوط لمملا بج1) مبنا1 م1( 4اءه1! كز «ررماكنقا |02 ده «مدرع !ةا 4عه6 772» ,اأععات1 م50 
.(1984 ,لم80 


(4) عامملا ببت1١)‏ «ه1ة أأعطان) #أكتدهم5 عط كإه «ماكلاط لأع07 دك :اهمد إن 8000 ععمم"! لأعدمه 
.(1979 ,رقكأمه8] ومعطنموط 


() ابابو //زمااط> ,28 .م «رععاها5 لعاندنا عطا ند بورماكذة! [جج0» رواعع0 .ل لأمصمظ نذأ لعامنو كم 
.4 لع اكاب ,حقع. تامنصه) ورم ائاطاهره 


362 


كانت قرى فلسطين ومدنها في الثلاثينيات والأربعينيات شاهدة على 
اللقاءات والأحاديث المطوّلة بين الأهالي من فلاحين وبدو وسكان مدنء وبين 
زائرين كان كل منهما يُستقبل بكل ترحاب حين يقرع الباب. لا أعلم إن كان 
كل منهما على صناقة أو صلة بالآخر في تلك الأعوام؛ لكنني أعلم أن كلا 
منهما كان يعرف جيدًا ما يريد» كان يريد أن يُحدثه الأهالى عن شؤون الحياة 
والمعيشة والتاريخ والتقاليد والعادات في قريتهم ومحيطهم. أما الزائران فهما 
عارف العارف ومصطفى مراد الدباغ اللذان أصبحا من كبار الجيل الأول من 
المؤرخين. 

في مطلع الثلاثينيات كان العارف مديرًا لمنطقة بئر السبع» وصرف جهده 
في مراجعة سجلات القضاءء وفي الوقت نفسه دأب على تقوية صلاته بالأهالي 
والتحدث إليهم والتعرف إلى تاريخهم وأحوالهم» خصوصًا الأعراف العشائرية 
السائدة» وصدر له كتابان عن بثر السبع: أولهما عن القضاءء والواقع أنه لولا 
أحاديث العارف المطوّلة مع رجال القبائل لما أصبح هذا الكتاب أهم الكتب 
في بابه منذ صدوره في عام 1933 وحتى اليوم. 

في مطلع الأربعينيات كان الدباغ يعمل مفتشًا للمعارف في لواء نابلس» 
ولعله لم يترك قرية واحدة من دون زيارة أهلها مرات عدة» وكانت غايته معرفة 
تاريخ القرية وشؤونها الزراعية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها؛ وعندما انتقل 
في عام 1946 مفتشًا في اللواء الجنوبي ومسكنه يافاء راح يتواصل مع الأهالي 
في مدن اللواء وقراه مدوّنًا أقوالهم؛ وفي الوقت نفسه راح يطالع المصادر 
والمراجع عن جغرافيا فلسطين وتاريخهاء حتى تمكن في عشرة أعوام من 
إنجاز ستة آلاف صفحة. استقاها من المصادر المتعددة وأهمها من أحاديثه 
إلى الأهالي» وهي التي تُعرف في يومنا ب «الشهادات». والله وحده يعلم كم 
احتوت مخطوطة الدباغ تلك من ذاكرة الناس» ذلك أن المركب الشراعي الذي 
حمله مع أقرباء له من ميناء يافاء بعد أن كانت يافا قد فرغت من أهاليها في 
آخر نيسان/ أبريل 1948 تعرض لخطر الغرقء فأمر البحار برمي الحقائب في 
البحرء وهنا يقول الدباغ في مقدمة كتابه الأول: «احتضنت حقيبتي التي فيها 


363 


كتابي» ولكن يد بحار قوية. تساعده موجة دخلت ظهر السفينة. انتزعت الحقيبة 
وقذفتها إلى الماء. وهكذا ضاع الكتاب66. 


في الستينيات عاد الدباغ إلى قلمه. وتمكن من تحقيق مشروعه كاملا في 
أحد عشر مجلداء بعنوان بلادنا فلسطين» صدرت بين عامي 1965 و1976. 

تبقى النكبة الموضوع الأهم والمشترك بين المؤرحين العارف والدباغ, 
فالعارف كان مساعدًا لحاكم لواء القدس زمن النكبة» ويروي أنه منذ صدور قرار 
التقسيم لم يتوقف عن كتابة يومياته» كما أنه راح يجمع أخبار الثورة التي هتّتت 
بعد التقسيمء وما تلاها من حرب النكبة ومآسيها. كان العارف بحكم عمله يقابل 
يوميًا المسؤولين من عرب وأجانب ودبلوماسيين وكل من يطرق بابه من أهالي 
الشهداء والجرحىء كما يزور الناس في بيوتهم ويستقي أخبارهم ويبذل جهدا 
كبيرًا للحصول على شهادات الثوار والجئود بنفسه» ويستكمل البحث بزيارة 
المستشفيات وتفقد سجلاتها. وما إن انتهت الحرب حتى سافر إلى الأقطار 
العربية المجاورة وقابل المسؤولين العرب من عسكريين وسياسيين. وكانت 
حصيلة جهده أنه كان أول من أرخ للنكبة في ستة أجزاء النكبة: نكبة يبت المقدس 
والفردوس المفقود. وحوت الأجزاء الأربعة الأولى حوادث النكبة بتفصيلاتها 
وأخبار سقوط المدن والقرى» كما كان يسمعها ثم يتحقق مما يسمع. وهو يشرح 
منهجه في مقدمة الجزء الأول: «... إنني في كتابي هذا (راوية) يريد أن يقول 
للناس ما حدثء وقد آليتُ على نفسي ألا أروي إلا ما رأيت بأم عيني وما رواه 
لي العدل الثقات» مستهدقًا في الحالين أن أدون الوقائع قبل اندثارها...00©. 

قام المؤرخ الدباغ بجهد مماثل لتأريخ النكبة» والفارق الأساس بين 
المؤرحَين أن النكبة كانت الموضوع الأوحد للعارف». بينما كان تاريخ 
فلسطين وجغرافيتها موضوع الدباغ» لكنه صرف اهتمامه أيضًا إلى شجاعة 

(6) مصطفى مراد الدباغ» بلادنا فلسطين» 10 ج (بيروت: منشورات دار الطليعة» 1965- 
06ج 1عءق آءص 8. 


(2) عارف العارف, التكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود. 6 ج (صيدا: المكتبة العصرية» 
1962-6)ج 1 -«-1952.: ص 4. 


2364 


المقاتلين وبطولاتهم» وإلى سقوط المدن والقرى وتفصيلات النكبة» لكنه لم 
يفرد للثورات والحرب والنكبة بايًا خاضًاء فتوزعت أخبار النكبة في مجلداته 
كلها؛ فهو بعد أن ينتهي من كتابة تاريخ مديئة ما وجغرافيتها واقتصادها 
ومجتمعها ... يسرد عن نضالها وأساليب مقاومتهاء ثم عن نكبتها. وعند قراءة 
ما كتبه عن سقوط مدينة يافاء مثلاء يتضح العدد الكبير من المصادر والمراجع 
التي عاد إليها بأكثر من لغة واحدة» ومنها العبرية» لكن روعة التاريخ الشفوي 
تتجلى في سرده المعلومات التي يتضح من مساقها أنها من نتاج لقاءاته مع 
الأهالي والثوار. 


كان المؤرخ وليد الخالدي يستكمل دراسته العليا في جامعة أكسفورد أيام 
النكبة» وهو المعروف بأكاديميته الصارمة» غير أنه كان من أوائل الذين أدركوا 
أهمية التاريخ الشفوي. وهذا ما حداه في الخمسينيات إلى مقابلة عدد من 
الدبلوماسيين والسياسيين» كما أنه سافر إلى بغداد لمقابلة عسكريين عراقيين 
كانوا على علم بما جرى في حرب فلسطين. ونشر أبرز ما في مقابلاته من آراء 
ومقاطع في مقالاته على مر السنين» وللمثال نذكر مقالته الأولى عن سقوط 
فلسطين”*» ومقالته المعروفة عن سقوط حيفاء وفيها نقل فيه عن الأهالي 
وصفهم مرحلة الرعب الأخيرة» وكأن شوارع حيفا تشهد يوم القيامة”©» ومن 
يقرأ كتابه خمسون عامًا على حرب فلسطين يدرك كم شاركه من سياسيين 
وقادة ومقاتلين وجنود عرب وفلسطينيين في كتابه هذا "". 

شهدت السبعينيات تطورًا مهما في طبيعة العلاقة بين التاريخ الشفوي 
والدراسات التاريخية والسياسية والاجتماعية. ولم يكن مصادفة أن كثيرًا 
من تلك الدراسات كانت رسائل جامعية» ما يعني توافق الأساتذة المشرفين 


(8) وليد الخالدي. «سقوط فلسطينء؛ الثقافة العربية؛ السنة 1» العدد 1 (حزيران/ يوئيو 1957)» 
ص 53-51. 


(9) ,(1959 «عطوععءة) 10 .مه ,35 .اهلا ,صم أحموط 810416 «بطانه1! كه اله" عطك» ,نل ألمطا لألوتنا 
22-2 .مع 


(10) وليد الخالدى.ء خمسون عامًا ب 1948: أولى الحروب الصهيوئية - العربية 
يالتسو حر 2 
(بيروت: دار النهار للنشرء 1998). 


365 


وطلابهم على اعتبار التاريخ الشفوي المصدر الذي يضفي على الرسالة العلمية 
تميّزها وتفرّدها وشخصيتها. ونتوقف عند أنموذجين: 

الأنموذج الأول كتاب مي صيقلي» حيفا العربية 1939-1918 (التطور 
الاجتماعى والاقتصادي)!' وهو الكتاب/ الأطر وحة الذي كان بداية العمل عليه 
في بريطانيا والنهاية في الولايات المتحدة. ولم تترك الباحثة مصدرًا أو مرجعًا إلا 
واحتضتته فكرًا ومقارنة وتحليلاء لكن هل من الممكن تصور هذا الكتاب وقد 
غابت عنه مقابلات الباحثة ومراسلاتها إلى العشرات من أبناء حيفا الذين باتوا 
منتشرين في العالم؟ أو التصور كب كيف رُسمت خريطة حيفا في الثلاثينيات من 
الذاكرة؟ تلك هي مي صيقلي يوم زارت مديتتها في منتصف السبعينيات» تمشي 
من شارع إلى شارع» يحيط بها شيوخ المدينة الذين لم يغادروهاء هي تمشي وهم 
يمشون ويتذكرون معالم الأبنية التي أزيلت وبقايا الباقية» ويشيرون بأصابعهم 
ويذكرون أسماء أصحاب الأبنية» وقد يختلفون» لكن الباحثة تستمر تمشي وهي 
تسجل» وهم يمشون وتمشي معهم الذكريات؛ وفي النهاية تُرسم الخرائط. اليوم 
يمكن الحصول على أدق المعالم لأي مدينة بالتقاط الصور من الطائرات» وماذا 
تفعل «غوغل» «طاىدظ #لومه6»؟ ألا تنقلنا إلى العالم بأسره. حتى إلى حاراته وأزقته 
وبيوته؟ لكن ما من أحد في استطاعته أن يرسم شوارع حيفا في ثلاثينيات القرن 
العشرين بعد اليوم» فهؤلاء الشيوخ غادروا حيفا أخيرًاء في رحلة لا عودة منها. 


الأنموذج الثاني كتاب روزماري صايغ الفلاحون الفلسطينيون: من 
الاقتلاع إلى الثورة» وكان دافع الباحثة الأساس لخوض هذا الموضوع امتلاء 
رفوف المكتبات بالكتب التي تعالج القضية الفلسطينية من النواحي السياسية 
والقانونية والدولية» وخلوّها من معالجة هموم الشعب وقضاياه. قالت في 
مقدمتها: «. .. كنت أريد أن أغرف عن الفلسطينيين» ولم أكد أعثر على شيء. 
فالشعب اختفى خلف 'القضية“. لماذا؟200©. وهكذاء ما كان عليها إلا أن 


10 1) مي إبراهيم صيقلي» حيفا العربية: 1939-8 (التطور الاجتماعي والاقتصادي). سلسلة 
المدن الفلسطيئية؛ 1 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطيئية» 1997). 
2120 روزماري صايغ» الفلاحون الفلطيتيون من الاقتلاع إلى الثورة» تقديم إبراهيم أبو 53 


366 


تبحث بنفسها عن الشعب في تجمعاته» مع قيامها بدراسة شاملة لموضوعها 
كأي بحث تاريخي اجتماعي؛ لكن ما من باحثة عرفتها أزقة المخيمات في 
لبنان كما عرفت السيدة روزماري»؛ خصوصًا بين عامي 1975 و1978» وهي 
مرحلة مقابلاتها لكتابها هذا. وراحت تتعلم العربية» فهي بريطانية الأصل. 
وتعتمد على آلة التسجيل» ثم تسأل عن أي كلمة لم تفهمهاء ثم قررت الانتقال 
إلى العيش معهم في قلب المخيم. وهناك عاشت آلامهم وأحلامهم وكتبت 
عنهم. واستطاعت من خلال الاقتباسات المختارة ومن خلال عرضها الذي 
اتسم بتوازن نادر بين العمق الإنساني والتحليل العقلاني» أن تقدم البرهان على 
أهمية التاريخ الشفوي مصدرًا لا غنى عنه في كتابة التاريخ المعاصر. 

مؤلفات عدة صدرت من نهاية السبعينيات في القضية الفلسطينية تعتمد 
على التاريخ الشفوي مصدرًا أساسيّاء ونتوقف إزاء ثلاثة منها تتميز بكون 
التاريخ الشفوي الدافع القوي لكتابتهاء كما تتميز بموضوعاتها التي تعالج 
مرحلة رئيسة في التاريخ السياسي الفلسطيني في القرن العشرين. 

المرحلة الأولى مرحلة النضال ضد الصهيونية والانتداب البريطاني» وهي 
المرحلة التي عالجتّها فى أطروحتيء باحثة عن قادتها ومؤسساتها ومؤتمراتها 
ورجالاتهاء وامتدت المقابلات التي أجر يتها مع القادة وأصحاب القرار 
بين عامي 1972 و1977. ومن الطبيعي ألا تقتصر الأطروحة على التاريخ 
الشفوي؛ فهي حوت في النهاية الجمع بين مناهج عدة» وبشكل أساس دراسة 
التطور في التاريخ السياسي» وتحليل منهجي ميداني في قسم مستقل للنخبة 
المسؤولة» فضلا عن ملاحق الوثائق وجداول الأسماءء؛ قسم كبير منها ينشر أول 
مرة» لكنه اتضح في النهاية أن التاريخ الشفوي لهذه الدراسة بالذات كان أشبه 
بالروح للجسد؛ فالمتحدثون لم يكتفوا بذكرياتهم الخاصة. بل تحدثوا أيضًا عن 
ذكرياتهم مع الذين رحلواء فكان أروع ما ورد في حديث المفتي الحاج أمين 
الحسيني ما قاله عن المجاهد الشيخ عز الدين القسّامء إذ عترت رجفة صوته 


- ترجمة خالد عايد (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية. 1980). 


367 


ودمعته وكلماته الدافئة عن تقديره العظيم للشيخ القسّام. والحق أن أهمية 
المقابلات تجاوزت مضمونٌ الشهادات نفسهاء فكان أصحابها يقومون بمراجعة 
ما أعرضه عليهم من وثائق ومعلومات لإبداء آرائهم في صحتهاء وكثيرًا ما 
أبدوا شكوكهم في صدقية مصدر ما أو وثيقة ماء وهكذا تحولت المقابلات إلى 
ورشة عملء» شارك فيها رجال المرحلة ليس بذكرياتهم فحسبه بل في كثابة 
التاريخ» وكأنهم قاموا بصناعته مرتين”2. 


المرحلة الثانية مرحلة النكبة» وهى أقصر المراحل الزمنية عمرًاء لكن أبعادها 
ما زالت بلا حدوده فضلًا عن أنها تشكل المفصل الرئيس في حياة الشعب 
الفلسطيني» فما قبلها كان هناك وطنء وما بعدها احتلال وضياع وشتات. وفي 
السبعينيات كان نافذ نزال هو من راح يقابل العشرات من النازحين من فلسطين 
إلى لبنان وسورية» وهدفه التوصل إلى الإجابة عن السؤال التاريخي: كيف غادر 
الفلسطينيون بلادهم؟ وبالتالي ما علاقة ما حدث بقيام دولة إسرائيل؟ واستطاع أن 
يبرهن على أن الفلسطينيين أخرجوا من ديارهم في عمليات طرد جماعية وقسرية» 
كما برهن على تلازم المسار بين إقدام الإسرائيليين على طرد الأغلبية من السكان 
العرب واستيلائهم على بيوتها وممتلكاتها وإنشاء دولتهم إسرائيل*". 

المرحلة الثالثة مرحلة مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية من النكبة حتى 
أوسلو (1993-1949)» وهي المرحلة التي أرَخْ لها يزيد صايغ» وامتدت 
مقابلاته مع قادة الفصائل ورجالات الحركة إلى الأربعمئة مقابلة» قام بها خلال 
ستة عشر عامًا في عدد من العواصم والمدن العربية والغربية. كان صايغ من 
الباحثين القلائل الذين تحققوا من صدقية الشهادات التى حصلوا عليهاء إما من 
خلال المقارنة أو القيام بجولة ثانية من المقابلات مع الأشخاص أنفسهم؛ وإما 
بأسئلته المتكررة لهم عن أسباب الاختلاف في الروايات. ويقول إن التاريخ 
الشفوي أتاح له دراسة «أنثروبولوجيا منظمة التحرير الفلسطينية من حيث علاقاتها 


(13) بيان نويهض الحوت,. القيادات والمؤسسات السياسية فى فلسطين: 1948-1917» سلسلة 

الدراسات؟؛ 57 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطيئية. 1 )2 
(14) عتليه5 عمتاعاةط <0) عانطتاكم!ا ,948( عءاثله0) :مر كبممظط نمام عامط 786 ,اجعدلا معغولد 
.(1978 بوعنلية5 عمتاكلدط ع0) عتتطتاكصا تأبماءع8) 49 .مم بعلءىء5 عاأجمعومده4ة 


368 


الداخلية وممارساتها غير الرسمية». كما أنه ملأ الفراغ الذي أحدثته صعوبة 
اطلاعه على وثائق أساسية حجبت عنه انطلاقًا من سرية العمل الفدائي”*'". واعتبر 
صايغ التاريخ الشفوي أحد المراجع الأولية الخمسة في كتابه المرجعي سردًا 
وتأريخًا وتحليلا. وما من شك في أنه عالج مرحلة من أصعب مراحل الحركة 
الوطنية» وهي المرحلة التي كانت بدايتها انتقالا من التيه إلى البحث عن الدولة 
تحت راية الثورة» ثم كانت نهايتها قبولا بتسوية تتناقض مع شعارات البداية» 
فكيف؟ وهذه الأسئلة طرحها الباحث نفسه وأجاب عنها في كتابه المرجعي هذا. 

شهدت الثمانينيات بداية منحى جديد في الكتابة التاريخية - الشفوية - 
التوثيقية ثيقية ظهر جليًا في مشروعين لم تكن لأي منهما صلة بالآخرء لكنهما 

يشتركان في كون كل منهما انطلق من التاريخ الشفوي ثم انتهى إلى الجمع 
بين المصادر والمناهج المتعددة؛ وكذلك يشترك كلاهما في الموضوع الواحد: 
المجازر الإسرائيلية. 


قال المؤرخ وليد الخالدي في مستهل كتابه عن دير ياسين» أن يوسف 
الأسعد كان طفلا يوم المجزرة» ولم يشاهد شيئًا من أهوالهاء إذ كان في زيارة 
مع والده في المجدلء لكن الحدث المأساوي لم يفارق خيال الطفل ووجدانه 
وهو يكبر بعيدًا عن قريته المدمّرة» وجاء يوم استطاع فيه أن يحبي ذكرى قريته» 
فأشرف على إجراء مقابلات مطوّلة مع الشهود الأحياءء ثم كان صلة وصل بين 
الخالدي والأهالي. وفي متتصف الثمانينيات أوفد الخالدي زميله أحمد خليفة 
ليقابل من يستطيع من أهالي القرية» كذلك اجتمع المؤرخ مع عدد منهم؛ في 
الأردن» وطرح أسئلته حتى اكتمل لديه المشهد. لكن ... هل تكفي الشهادات 
والذكريات للرد على المزاعم الإسرائيلية؟ ألم يكن الخالدي بحاجة إلى الوثائق 
والمذكرات والتصريحات الإسرائيلية للبرهان على ما خططوا له وما قاموا به؟ 
هذا ما ساهم به زملاء آخرون له فترجموا كل ما ورد عن المجزرة في المصادر 
والمراجع العبرية. وصدر الكتاب عن دير ياسين بعد نحو خمسين سنة من 


(0) يزيد صايغ» الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية» 1949- 
3 : ترجمة باسم سرحان (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 32) ص 13. 


369 


مأساتها الدامية» وهو الكتاب الأول الذي جمع بين روعة الشهادات بكلماتها 
ومشاعرها وصدقيتهاء والسرد التاريخي» والعمل التوثيقي2". 

يوم كانت مجزرة صبرا وشاتيلا كان الزمان قد اختلف؛ إذ راحت الفضائيات 
تنقل إلى العالم أهوالها حال انتهائها والسماح للإعلاميين بدخول المخيمين. 
وكان على الأرض من الشواهد ما يكفي. وكان الشهود من الأحياء الناجين 
الهائمين بحنًا عن ضحاياهم يروون ما حدث؛ والنساء في بكاء وعويل: (وينكم 
يا حكام العرب وين؟؛. لكن الصمت الرهيب خيّم على المكان مع نهاية أيلول/ 
سبتمبر» وأضحى ذكر المجزرة يقود صاحبه إلى السجون. ولم تحل أجواء التعتيم 
دون قيامي بالشروع في مقابلات مطولة مع ذوي الضحايا والشهود امتدت عامين. 
وكان تجاوب الأهالي مذهلًا على الرغم من قيود السرية التامة. لكني بدأت أواجه 
التحديات مع صدور تقرير كاهان في شباط/ فبراير 1983 الذي يحوي أرقامًا 
ومعلومات مضللة ويعيدة كل البعد عن الصحة. وتراكمت التحديات» واكتشفتٌ 
أن المجازر هي التي تقود الباحث إلى كيفية تأريخهاء فالتاريخ الشفوي وحده 
يروي ذكريات المعذبين» وليس في استطاعة هؤلاء المعذبين الرد على المزاعم 
والأكاذيب الإسرائيلية كلهاء وهكذا فرضت علي التحديات عدم الاكتفاء بالتاريخ 
الشفويء بل القيام بأكثر من مشروع» كالعمل المتواصل على جمع أسماء الضحايا 
والمخطوفين والمفقودينء والقيام بدراسة ميدانية تحليلية للتعرف إلى الضحايا 
والمخطوفين بأسمائهم وأعمارهم وعائلاتهم وأوضاعهم الاجتماعية .. وجمع 
ما يتوافر من وثائق على ندرتها ومن مقالات وما كان أكثرها بأقلام أجنبية. ثم كان 
السؤال الصعب: هل تنشر الشهادات بشكل مستقل؟ أم يؤرخ للمجزرة في بحث 
تاريخي قائم على التاريخ الشفوي بشكل أساسء وتنشر الدراسة الميدانية في 
قسم مستقل في الكتاب الواحد؟ ثم كان أن صدر كتاب واحد لا اثنان» لا انتقاضًا 
من أهمية الشهادات بكاملهاء بل رغبة في توثيق المجزرة بكل المصادر المتاحة» 
وأهمها التاريخ الشفوي. 


(16) وليد الخالدي» دير ياسين: الجمعة, 9/ 4/ 1948 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 
2)9). 


2320 


ثالا: تطور التاريخ الشفوي الفلسطيني من الذاكرة الشعبية 


انطلق المشروع الأول من الذاكرة الشعبية في عام 1952» وربما كان 
المشروع الأول أيضًا على الصعيد العربي لا الفلسطيني وحده؛ ففي تلك 
السنة كان المؤرخ عجاج نويهض قد استقر في عمّان.» بعد النكبة وضياع بيته 
ومكتبته في القدس. ولم تكن آلات التسجيل الصغيرة قد تُرفت» فالقلم بيد 
صاحبه يقوم بالمهمة. ولم يكن مشروع المؤرخ تجاوبًا مع جامعة كولومبياء 
بل نابعًا من التراث التاريخي العربي الإسلامي. كثيرة هي أحاديث اللقاءات 
العفوية التي دوّنها المؤرخ للأصدقاء ولغير الأصدقاء عما لاقوه من مأساة 
النكبة» وعما لاقوه من تجارب متعددة. فمن عادته الاحتفاظ فى جيوبيه 
بدفاتر صغيرة للقاءات كهذه. ولازمته هذه العادة طوال العمر. أما في تلك 
السنة فأخذ يعمل على مقابلات مطوّلة مع رجالات الحركة العربية الأولى؛ 
أجرى معظمها في بيته. وكانت أبرز الموضوعات: الأحزاب في نهاية 
العهد العثماني والثورة العربية الكبرى وغيرها من الثورات ... استمرت 
المقابللات حتى عام 9» وامتدت من عمّان إلى الجوار العربي» ولمّا 
كانت الثقة المتبادلة أساسًا بين المؤرخ ومحدّثيه. فكثيرًا ما امتدت المقابلة 
إلى مقابلات. كان يراجع كل مقابلة مدققًا فيها ومقارنًا نصها بالمذكرات 
المنشورة لرجالات المرحلة» ثم يناقش محدّثه في جلسة قادمة عمّا وجده 
من تناقض أو اختلاف27. شملت المقابلات عددًا كبيرًا من السياسيين 
والمناضلين العرب*') ومن بينهم كثير من الفلسطينيين الذين أثبتوا أهمية 
المشاركة الفلسطينية في الحركة العربية”". لكن سراج العمر انطفأ من غير 
أن يتمكن المؤرخ من إنجاز كتابه الموعود. 


(17) عجاج نويهضء شهادات في تاريخ العرب الحديث (مخطوطة لشهادات من رجال الحركة 
العربية سجل المؤرخ الأردن ما بين سنة 1952 وسنة 1959, في 26 كراسًا). 
(18) من هؤلاء العرب: عبد الستار الستدروسىي؛ محمد الشريقى؛ الأمير فايز الشهابى؛ سلطان 
باشا الأطرش؛ محمد علي العجلوني. ْ ْ ْ 
(19) من هؤلاء الفلسطينيين: عوني عبد الهادي؛؟ رشيد الحاج إبراهيم؛ عبد الفتاح درويش؛ سليم 
عبد الرحمن؛ موسى الكيالي. 


371 


نقرأ أحيانًا أن التاريخ الشفوي على أرض فلسطين ولد منذ زمن بعيد 
ومن دون تحديد للزمنء غير أننا في بحثنا لا نتناول المؤلفات التي اعتمدت 
بشكل جزئي على خبرة الآخرين ومعلوماتهم وهناك من قام بتصنيفها لاحمًا 
ضمن قوائم التاريخ الشفويء فنحن نبحث عن التاريخ الشفوي من الذاكرة 
الشعبية بمنهجه المعاصر والمتعارّف عليه منذ ولادته في نهاية السبعينيات» من 
رحم الانتفاضة الأولى التي ولدت في التاسع من كانون الأول/ ديسمير 1987» 
وتكرست في العام الذي تلاه انتفاضة شعبية عارمة» بل نهجٌ حياة؛ أما عن بداية 
العمل في ميدان التأريخ الشفوي, فكان هناك اقتراحٌ من منير أبو فاشه - مدير 
مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي لاحقًا - وقبول من محمود إبراهيم» رئيس 
دائرة التاريخ في جامعة بير زيت» لكن الفكرة لم تطبق يومذاك يسبب المحاذير 
التي أدت إلى عدم تجاوب القائمين على الانتفاضة» وأهمها كان انشغالهم 
اليومي بالانتفاضة» لكنهم يا ليتهم تجاوبوا وطالبوا بتأجيل النشر. ولم يتوقف 
محمود إبراهيم وزميله عادل يحيى في الجامعة نفسها عن العمل على إصدار 
كتاب يبحث في هذا المنحى التاريخي الجديد منهجية وتقنية ووسائل. وصدر 
الكتاب/ الدليل الذي لا بد منه للعاملين في التاريخ الشفوي» بعد خمس 
سنوات. وواصلت مؤمسة تامرء بعد تأسيسها رسميًا في عام 1989 عملها 
في التأريخ الشفويء ولعل قيامها منذ البداية بالتنسيق والتعاون مع عدد من 
المؤسسات في هذا الميدان التي أخذت تنمو نمو الفطر كان له الأهمية الكبرى» 
ومن بين تلك المؤسسات جامعتا بير زيت والنجاح الوطنية وجمعية الدراسات 
العربية وجمعية إنعاش الأسرة ومركز الفن الشعبي وفنانون مستقلون”"©. 


مثل آخر على التعاون بين مؤسسات «الداخل» و«الخارج» كان مشروع جمع 
شهادات أهالي القرى التي دمرتها إسرائيل في زمن النكبة» وشهادات كل من لديه 
المعلومات والذكريات عنها أيضًا. وكانت عودة إلى كتب التاريخ والمراجع التي 


(20) عادل يحيىء محمود إبراهيم وتوماس ريكس» من يصنع التاريخ؟ التأريخ الشفوي 
للانتفاضة: دليل للمعلمين والباحثين والطلبة» تحرير سيرين حليلة وجهاد الشويخ (رام الله: مؤسسة تامر 


للتعليم المجتمعي؛ 1994): ص 3-2. 
302 


لا نتحصى. وكانت المؤسسات المشاركة في هذا المشروع الذي امتد خلال عقدي 
الثمانينيات والتسعينيات: مؤسسة الدراسات الفلسطينية فى واشنطن وجامعة 
بيرزيت ومركز الجليل للأبحاث الاجتماعية. وكان نتاج هذا العمل المشترك 
الكتاب المرجعي للمؤرخ وليد الخالدي بالإنكليزية أولاء ثم بالعربية كي لا 
ننسى.... عن تاريخ 448 قرية» مع الصور القديمة والحديثة» ومع أدق التفصيلاات 
عن الحياة في كل قرية قبل الضياع» ومدارسها ودور عبادتها ومزارعها وكيفية 
احتلالها وتهجير سكانها وأسماء المستعمرات القائمة ... هذا المرجع الأكاديمي 
بامتياز والقائم على التاريخ الشفوي بامتياز الذي يجمع بين الجغرافيا والتاريخ 
والاقتصاد والسياسة والفلسطينولوجياء هو الشاهد على العدوان الصهيوني على 
الشعب والتاريخ قبل أن يكون عدوانًا على الحجر والزرع والشجر ”© 

أصدر مركز التوثيق والأبحاث التابع لجامعة بيرزيت سلسلةٌ من الكتب عن 
عدد من القرى المدمّرة» كما أصدر مجموعة من الكتب لشخصيات فلسطينية 
وكان قد توالى على رئاسة المركز في تلك المرحلة بكر أبو كشك وشريف 
كناعنة وعلي الجرباوي وصالح عبد الجواد؛ والأمنية أن يصدر مستقبلا عن 
القرى المدمّرة كلها الخضراء بأشجار تينها وزيتونها وعنبها وبرتقالها. 


من أبرز الباحثين الشفويين في الثمانينيات سونيا نمر»ء وميدان بحثها 
الرئيس الذاكرة الشعبية للثورة الكبرى (1936 - 1939). وهي من الرائدات 
في التاريخ الشفوي الفلسطيني, وأكثر ما يميز كتابتها هو أسلوبها الذي يرتقي 
بالمادة بين يديها إلى عالم الرواية المتكاملة. مع بقائه وفيا لجذوره في عالم 
التاريخ؛ ولنتوقف عند مقالتها عن الجد سعيد نمر (1885 - 1970)؛ فالمقالة 
التي استمدت مادتها من التاريخ الشفوي بشكل كلي تتعدى حكاية جد طبيب 

0 ) نمادانتومصء8 همه فءأصنه0 كععه|!ا!! «ماسأاعاوط 116 كارزه 8 امط أل ,.له ,تلتلمطكا 0ألولتا 


:..2 بلمأعمتطكدناا) تلأأمط؟ أأخ 20تتستقطنب4! لتند مسستماط .5 اأمقناك )1 لد طعجمعطا ,1948 دا أعمروا برط 
له ,(1992 بكعتلنا5 عستاععلو :10 عانطتاكما 


وليد الخالدي» كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائهاء 
ترجمة -حسني زينة؛ ندقيق وتحرير سمير الديك (ييروت: مؤسسة الدراسات الفلسطيئية» 2000). 


33 


وسيرة كفاحه في الحياة ومبادئه ومثُله؛ إذ تنتقل الكاتبة بقارئها إلى العهد 
العثماني» إلى عقلية السلطان والعادات الاجتماعية والظلم» كما إلى دروب 
النجاح ومجموعة من السيّر المتشابكة والمتوحدة بالقربى في ما بينهاء ومع أكثر 
من جيل» مع سرد شائق يصور الشخصيات المتعددة من خلال جمل محدودة 
لكنها أكثر من كافية لتحويل النص إلى دراما تمثيلية. هنا التاريخ الشفوي - 
على العكس من التوقعات - يبدو وسيلة لا غاية في حد ذاتهاء وهكذا يرتقي 
النص بمعانيه وبالاقتباسات من الشهادات» كما بأسلوب السرد2©. 
في التسعينيات» كانت فيحاء عبد الهادي من أولى الباحثات في التأريخ 
الشفوي. ومساهماتها متعددة» كان في طليعتها إصدارها أول كتاب في 
ببليوغرافيا التأريخ الشفوي في عام 1999» أي يوم كان يُعتقد أن هذا التأريخ 
ما زال في بداياته نسبيّاء غير أن فيحاء أثبتت حوس ل يجيدها الكتب و اليرت 
والمقالات المختلفة أن لهذا المنحى جذورًا ترسّخت في الأرض”7©. وهي 
كانت في الوقت نفسه تعمل على مشروعها الشفوي الخاص باحثة عن المساهمة 
السياسية للمرأة الفلسطينية. ما ميّز نتاج عبد الهادي في مشروعها هذا أنها عَنيت 
بتقسيم المرحلة الزمنية مدار البحث إلى ثلاث مراحل: الثلاثينيات والأربعينيات 
والخمسينيات حتى منتصف الستينيات. والمشروع من ألفه إلى يائه» أي بدءًا من 
الفكرة إلى التخطيط وتدريب الباحثات الميدانيات وتوسيع دائرة الراويات من 
فلسطين إلى دول الجوار العربية الأربع واختيارهن من سكان المخيمات والمدن 
والقرى» مع التنوع في المستويات الثقافية والاجتماعية والمعتقدات السياسية» 
مشروع تأريخي شفوي بكل ما للكلمة من معنى. وهي - في المجلدات 
لثلاثة - أضافت إلى الشهادات المختارة التى نُشرت كاملة» قسمًا خاضًا قامت 
فيه بتحليل تاريخي لطبيعة المساهمات المرأة السياسية وأهميتها استنادًا إلى 


(22) آه علممظ عطا ما أنطههاذا كه عدمععصنا عطا ممع :تععمد© لإلرماك واعدوتلة 10'ه5» عصتلة وتمه5 
77-7 ,ع ,(2007 عستتم5) 1 .مه ر8 .أ ,نراعءاردي0) دمءأمعصعل «لزدعة طهم كلووتة؟1 


قضايا المرأة الفلسطينية) (رام الله: السلطة الوطنية الفلسطينية - وزارة التخطيط والتعاون الدولي: 1999). 


214 


مجموع الشهادات» مع توقفها إزاء المراجع التاريخية الأخرى» بهدف المقارنة. 
وصدر مجلد مستقل لكل من المراحل الثلاث!*©. 

جيهان الحلو بدأت العمل على مشروعها الضخم عن المرأة الفلسطينية في 
الساحة اللبنانية فى عامي 1993 و1994» وكان هدفها التوصل إلى دور 0 
نضائًا وسياسيًا واجتماعيًا بين عامي 1965 و1985 عبر الشهادات؛ وهدفها 
هذا ناشئ عن رغبتها في إنصاف المرأة» وعن الصلات المتينة بينها وبين رفيقاتها 
النساء المناضلات اللواتي راحت تبحث عن أماكن إقامتهن بعد الهجرة الثانية في 
أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وقامت حلو بهذا المشروع كاملا بمفردهاء 
بدءًا من البحث والتخطيط وليس انتهاءً بإجراء المقابلات» لكنها اصطدمت 
بعقبات متعددة أهمها التمويل» فتوقفت عن المضي في مقابلاتها وعادت بعد 
ثلاثة عشر عامًا إلى استكمالها في أكثر من مدينة عربية وأجنبية. وفي الوقت نفسه 
عادت إلى الراويات الأوائل بجهد ممائل. تناولت حلو فى مقدمتها الشاملة سردًا 
تاريخبًا لأدوار المرأة ونشاطهاء وأفردت صفحات مطولة تحوي مقتطفات من 
الشهادات التي لم تُنشر كلها وأتبعتها بعدد من الشهادات الكاملة وكأنها تقو 
للقارئ: هذه الشهادات تتكلم على نفسهاء فاقتيس منها ما شئت!5©. 


من مظاهر تقدم العمل في التاريخ الشفوي في فلسطين المحتلة» بضمّتها 
وقطاعهاء ذلك التواصل في عقد ورشات العمل والمؤتمرات وفي إقبال المزيد 
من الجامعات على خوض غماره. وكذلك إقبال المؤسسات الكبيرة والصغيرة في 
المدن والقرى» وكان هذا جليًا في المؤتمر الذي عُقد في رام الله في عام 2005» 
إذ اتضح للمؤرخين الشفويين المجتمعين ذلك العدد الكبير من مشروعات 


(24) فيحاء عبد الهادي, أدوار المرأة الفلسطينية في الثلاثينيات 19305: المساهمة السياسية 
للمرأة الفلسطيئية (رام الله: مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق» 2006)! أدوار المرأة الفلسطينية 
في الأريعينيات 19405: المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية (رام الله: مركز المرأة الفلسطيئية للأبحاث 
والتوثيق» 2006)» وأدوار المرأة الفلسطينية فى الخمسينيات حتى أواسط الستينيات 19655-19505: 
المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية (رام الله: مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق» 2009). 

(25) جهان الحلوء المرأة الفلسطينية في لبنان: المقاومة والتغيرات الاجتماعية: شهادات حية 
للمرأة الفلسطينية في لبنان 1985-1965 (البيرة: مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق» 2009). 


375 


التاريخ الشفويء منها ما نُفَذء ومنها ما ينتظر. واتضح لهم أيضًا وجود آلاف 
المقابلات المسجلة على شرائط التسجيل والفيديو» ومنها المقابلات التي جرى 
تحريرها وطباعتها ومحفوظة لدى عدد من الباحثين وفي بعض المؤسسات. 
ويشرح عادل يحيى في محاضرة له محتويات الأرشيفات الكبرى التي لا تقل عن 
ستة عشر أرشيفًا وأهميتها وأماكن وجودهاء إضافة إلى عدد أكبر بكثير يتوزع بين 
المؤسسات الإعلامية والثقافية والمجموعات التي يمتلكها أفراد*. 

أما أبرز ما يميّز التأريخ الشفوي في فلسطين المحتلة فهو التنسيق 
والتعاون الوثيق بين المؤسسات والجامعات المختلفة والأفراد» فكانت مؤسسة 
تامر للتعليم المجتمعي أول من دعا إلى التعاون منذ عام 1989» كذلك أكد 
مركز التاريخ الشفوي في الجامعة الإسلامية في غزة في دعوته إلى عقد مؤتمره 
العلمي عن الرواية الشفوية في عام 2006» أهمية التعاون» وجاء في الدعوة: 
«... كما يسعى المركز من خلال هذا المؤتمر الاطلاع والوقوف على إنجازات 
المراكز المماثلة للتعاون والإفادة منها وإبراز دور المركز وطموحاته؛. 

الساحة الثانية التي استقطبت عددًا لا يُستهان به من مشروعات التأريخ 
الشفوي الفلسطيني في العقدين الأخيرين كان لبنان» مهد التأريخ الشفوي. 
كما مر معناء لكن القائمين عليها ليسوا جميعًا مؤرخين وباحثين كما كانوا 
في البدايات» إذ نشطت في هذه المرحلة جبهات وأحزاب ومؤسسات ثقافية 
متعددة» وكان القسم الأكبر من مشروعاتها منصيًًا على معالجة موضوع محدد. 
أو تجربة محددة» لكن هذا الجهد الكبير ما زال حتى اليوم مبعثرّاء والسبب 
الرئيس عدم رغبة كثير من الجهات المذكورة في الإفصاح عما لديهاء فضلًا عن 
إتاحتها المجال للباحثين كي يطلعوا على ما لديها. 

أما أهم تجربة في لبنان فكانت تجربة معتز الدجاني» مؤسس «مركز 
المعلومات العربي للفنون الشعبية» الذي يهتم اهتمامًا خاضًا بالتاريخ الشفوي. 


(26) عادل يحبى»؛ «مشاريع التاريخ الشفوي الفلسطيني إلى أين؟2 (ورقة قدمت إلى: المؤتمر 
العلمي: التاريخ الشفوي: الواقع والطموح. الذي عُقد في الجامعة الإسلامية في مديئة غزة» 16-15 
أيار/ مايو 2006)» ص 28-23» .013 فعازونب ,<07ط,10046 نوع |تالدم نالع مدع متا ءممعدعم> 


376 


وأبرز ما يصدر عنه نشرة الجنى التي ينشر فيها بشكل متواصل المقاللات 
والتقارير عن مشاريع التاريخ الشفوي الفلسطيني ومنشوراته في فلسطين المحتلة 
وفي كل مكانء كما تُنشر المقابلاتٌ مع كبار الإذاعيين والموسيقيين والفنانين» 
وللمثال نذكر منهم كامل قسطندي ويسرى جوهرية عرنيطة؛ وأصدرت الجنى 
عددًا خاصًا عن الذاكرة الشعبية النسائية”؛ ولا يفتأ المركز يقيم دورات لتعليم 
الصغار والناشئة وتدريبهم على أصول فنون الرسم والتصوير الفوتوغرافي» ولعل 
أهم دوراته تلك التي أقامها في مخيم نهر البارد في عام 1992 ولفترة شهو 
طويلة» وتضمنت نشاطا تطبيقيًا في التاريخ الشفوي عن «الهجرة من فلسطين عام 
8. والجديد البارز في الدورة طريقة التعلم من خلال الممارسة9 . وتعلم 
النا شئة من خلال الممارسة» وهل أروع من منظر فتاة أو فتى في العاشرة وهو 
يحمل كاميرا الفيديو ويمشي متحمسًا ليسجل حديثًا مع لاجئين في مخيم آخر؟ 

ليت الفضائيات العربية تشجع هؤلاء الصغار وتبث بعضًا من شرائطهم 
ولا تكتفي بما تبئه من حوارات تجريها مع لاجئين فلسطينيين عن أيام النكبة 
وما قبلها وما بعدهاء وعما يجري اليوم في الأراضي المحتلة. إذ تضاعفت هذه 
المقابلات في الأعوام الأخيرة» ويا ليته يوجد نوع من التنسيق بين الفضائيات» 
فمعه تتضاعف أهمية المقابلات هذه. 


هكذا نصل إلى مشروع الذاكرة الشعبية الفلسطينية عبر الإنترنت» وروعته 
في أن عشرات الآلاف من أنحاء العالم يشاهدونه في الدقيقة الواحدة» 
ولايعرف أحد منهم الآخرء لكن المشاهد من أبناء فلسطين بات يشعر في 
أعماقه بأنه ما عاد وحيدًا. «فلسطين في الذاكرة» مشروع شفوي قام به صلاح 
منصور في الولايات المتحدة في عام 2000» وأنشأ له موقعًا إلكترونيّاء ولعله 
المشروع الأكثر شهرة بين أبناء فلسطين وأصدقائها. قائمة المدن والقرى على 
الشاشة تبدو كحبل من مسدء مرتبة وفمًا للتقسيم الإداري؛ ومع كل قرية أو 


(27) «المرأة الفلسطينية: ذاكرة حية» تحرير فيحاء عبد الهادي. الجنى» عدد خاص (2009). 


(28) معتز الدجانيء «التاريخ الشفوي في أنشطة الناشئة.» الجنى؛ العدد 3 (آب/ أغسطس 
5 ) ص 30-28. 


377 


مدينة أسماء أبنائها الرواة المنتشرين في بقاع الأرض. ويحوي الموقع آلاف 
الساعات المسجلة بالفيديو”». وهل من داع إلى التذكير بأن الفلسطينيين الذين 
باتوا اليوم يستمعون إلى بعضهم عبر العالم» هم الذين قيل لهم يومًا: «هذا هو 
المخيم. هذه حدوده. اجترّوا ذكرياتكم هنا. والأفضل لكم أن تنسوها». 

كتاب قول يا طير لإبراهيم مهرّي وشريف كناعنة يُعتبر من أروع الكتب 
التي صدرت في التاريخ الشفوي» صدر بالإنكليزية في عام 2”1989 وبالعربية 
في عام 002001» ويحوي خمسًا وأريعين حكاية شعبية» اختارها المؤلفان 
الباحثان البارزان فى بحوث التراث الشعبى الفلسطينى كما فى الحقل الأكاديمي» 
من مثني حكاية جمعت من أنحاء فلسطين» ويكاد القارئ وهو يقرأ الحكايات 
بالعربية يسمع أصوات الرواة بلهجاتهم المحلية المتعددة» وذلك للدقة المتناهية 
التي 0 بقواعد نقل كلماتهم. أما الدراسة العلمية التي ترافق النصوص 
الترائية فلا تقتصر على المقدمة» أو فصل محدد. بل يتابعها القارئ في الحواشي 
الإيضاحية» وفي التعقيبات بعد كل مجموعة متجانسة من الحكايات» وفي القسم 
التحليلي لأنماط الحكاية الشعبية في الختام. وقد يفاجأ بعض القراء بملاحق 
فهرسة علمية حديثة لهذا الكتاب الجامع لحكايات الغيلان والجان» لكن هذا 
الجمع بين الحكايات التراثية الخرافية بأصولها وأصالتها من جهة» والتحليل 
العلمي من جهة ثانية» كانا سببًا في حصول فلسطين على جائزة التراث الشفوي 
على مستوى العالم» من خلال هذا الكتاب («نمواء دعم ,84 بامعمى)ء كما أدى 
إلى أن تعتبر الأونيسكو المحافظة على التراث الفلسطيني من مهمة شعوب العالم. 
هذا الكتاب نقل إلى العالم صورة بانورامية لوطن ينبض بالحياة. 

نصل أخيرًا عبر الذاكرة الشعبية إلى نهج فريد من نوعه» هو نهج عايدة 
النجار الذي لم أجد توصيقًا له سوى «الكتابة الحرةة. هي من الذين يؤمنون 


(229 <1ززهع لمعه ط اع جلاع مع ص أو امح ببببيب//ما > 


(30) سنأطهط! [نزط لعندأفههآ لمه لعخألظ] ,ععلامكام؟ طمعق «ماماعواوط نامعل لمعم ,8 بكدوة 
.(1989 ,جوعء8 وتمره]تاو0 كه زوم لمنا براعاءء8) مسمدمف؟! أمدط5 له المطما1 


(31) إبراهيم مهوّي وشريف كناعنة؛ قول يا طير..: نصوص ودراسة في الحكاية الشعبية الفلسطينية» 
ترجمة وتحقيق جابر سليمان وإبراهيم مهوّي (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية؛ 2001). 


3/78 


بالتاريخ الشفوي إيمانًا بلا حدود. وفي الوقت نفسه من الذين لا يتقيدون 
بالقواعد المتعارف عليها؛ مع ذلك» فكتابها القدس: البنت الشلبية معجون 
بالتاريخ الشفوي كما يُعجن الطحين والماء والخميرة والملح في معجن واحد... 
ثم يُخبز... وكتابها هو الخبز الشهي. كتبت عايدة عن كل ما لا يُكتب عادةً عن 
القدس» وعمًا يُكتب. كتبت عن المباني القديمة والمكتبات والأسواق والمعاهد 
والشخصياتء كما كتبت عن أزهار الساعة الليلكية وأم السبع سنين والعادات 
والتقاليد والعلاقات بين الجيران ورائحة خبز الطابون والنزهات والأفراح 
والأناشيد والأغاني الشعبية للمولود الجديد. هذا كتاب لا يُقرأ.. بل يُعاش2©. 
وفي مجموعتها القصصية القصيرة جدّاء وإن تكن في حقيقتها ما بين القصيرة 
جدًا والقصيرة» تتحدث عايدة عن أعشاب فلسطين وزيتونها وزعترها وترابها 
وروائحهاء كما تروي حكايات المعتقلين والمنكوبين أمام بيوتهم المهدمة.» 
والأمهات يصرخن في وجه المحتل... وكلها قصص منها ما رُوي لهاء ومنها 
ما شاهدتهاء أو قرأت عنها في خبر يومي» أو وصلتها في رسالة والنهاية؟ قصص 
على أجنحة القلب والذاكرة. عايدة النجار تسير عكس السيرء فتاريخها شفوي 
حتمًا ونابض بالحياة صدقًاء لكنه محرر من قيود التاريخ الشفوي69. 


رابعًا: أي نهج هو المطلوب؟ 


التاريخ الشفوي الفلسطيني من الذاكرة الشعبية نهج جديد نسبيًا في عمر 
الزمن» لكنه استقطب أبرز الجامعات الفلسطينية» وعقدت من أجله مؤتمرات 
ومناقشات وورشات عمل ونشاط متعدد» توزعت بين المدن الفلسطينية وعواصم 
الشفوي مسموعًا أو مرئيًا أو منشوراء أجوبة واضحة عن أسئلة من نوع: ماذا؟ 
لماذا؟ أين؟ متى؟ كم؟ لكنه لا يجد جوابًا شافيًا عن السؤال: كيف؟ والمقصود 

(32) عايدة النجار» القدس والبنت الشلبية (عمان: السلوى للدراسات والنشرء 2011). 

(33) عايدة النجارء عزوز يغني للحب: قصص فلسطينية من ألف قصة وقصة (عمان: السلوى 
للدراسات والنشرء 2013). 


232/9 


بكلمة «كيف» هذه ليس تقنية تسجيل المقابلات وأرشفتهاء بل كيف تتطور مراحل 
العمل فكريًا وبحثًا ومتابعة» بدءًا من طرح عنوان الموضوع. ونجد في التجربة 
الأميركية إيضاحًا عبر الخلاف بين نهج جامعة كولومبيا ونهج جامعة ديوك. 


سارت كولومبيا على نهج الأستاذين الرائدين لديها في قسم التاريخ 
الشفوي: ديفيد نيفنز وهو أول عميد لدائرة التاريخ الشفوي» وخليفته وليم ستارز 
(هها5 سدنااة/8)» هذا النهج الذي لا يناقش فيه الراوي» أي إن أجوبة الراوي في 
معظم الحالات لا يناقشها الطالب؛ فالراوي هو صاحب اليد العليا» وحديثه 
أو شهادته بمنزلة الوثيقة. وأما رونالد غريلي الذي كان العميد المسؤول في 
كولومبيا السبعينيات» فلخخص الدور المتميز للتاريخ الشفوي بجملته المقتضبة 
المعروفة: أعتقد أن التاريخ الشفوي أداة لنشر الديمقراطية في دراسة التاريخ». 
وهذا قول لا يختلف فيه اثنان. وأما الأهمية الكبرى لبرنامج كولومبيا فهي في 
الأرشيف الضخم الذي أنشأته على مر السنين الذي لا مثيل له» وموضوعاته 
متنوعة تشمل تاريخ شركات كبرى» كما تشمل سيرًا ذاتية للسياسيين الكبار. 


جامعة ديوك سارت على نهج مختلف بتأثير مؤسس برنامجها للتاريخ 
الشفوي لورانس غودوين وزميله وليم شاف 0886 صهنااة18). نقطة البداية في 
هذا النهج سؤال يطرحه الطلابء أو إنهم كانوا يطرحونه على أنفسهم, ثم لا 
يتوقفون عن طرحه حتى يقوموا بمطالعات وافية في الوثائق والسجلات المكتوبة 
والمخطوطات والصحف اليومية» أي إنهم يقومون ب «العمل التقليدي؟ الذي 
يقوم به الباحثون والمؤرخونء لكنهم عوضا عن أن يبدأوا بالكتابة بعد ذلك (على 
الآلة الطابعة زمن انطلاق البرنامج وعلى الكومبيوتر لاحمًا) كما يفعل الباحثون 
والمؤرخون. يبدأون حينئذٍ فحسب بالقيام بعملهم كمؤرخين شفويين؛ لكنهم لا 
يذهبون إلى مقابلة راو في الثمانين» مثلاء بل يذهبون إلى راو في هذه السن كان 
له ضلع أو وجود في ذلك الحدث. ويرى غودوين ضرورة تقويم حديث الراوي؛ 
وفي كثير من الأحيان قد تدفع الطلابٌ أجوبةٌ معينة إلى العودة إلى المصادر التي 
قرأوها في البدء» لكنهم يعودون إليها هذه المرة بنواظير جديدة. 


23530 


يقول غودوين» وهو من نكست جامعة ديوك أعلامها في أيلول/ سبتمبر 
3 حدادًا على وفاته» ومن وبّه الطلابٌ الأفريقيين الأميركيين وطلاب 
الأقليات نحو مشروعات في التاريخ الشفوي من صلب مشكلاتهم؛ يقول: إن 
نهجنا يتمحور حول مشكلة لها جذور تاريخية». ويقول أيضا: «التاريخ الشفوي 
ليس حلا سحريًا أو دواء لجميع الأمراض. وفي الحقيقة إنه عمل خطر» وفي 
اعتقادي إنه ما زال أمامنا طريق طويلة»**©. وأمام التاريخ الشفوي الفلسطيني 
تاريخ طويل» لكنْ ما هو واقعه في مطلع عامنا الحالي» عام 2014؟ 

التاريخ الشفوي الفلسطيني من الذاكرة الشعبية في معظمه متمائل مع 
نهج كولومبياء خصوصًا بالنسبة إلى المشروعات الجماعية؛ لكن الكثير من 
الحوارات المنشورة في الدوريات الشهرية والفصلية مع مسؤولين فلسطينيين 
مثلاء تقع بين النهجين» فالمحاورون (وهم عادة أكثر من محاور) يطرحون أنواع 
الأسئلة المختلفة» ويبتغون من مناقشتهم مع محدثهم ليس مجرد التوصل إلى 
أعمق ما يستطيعون من مخزون ذاكرته» بل مناقشة القضايا المهمة والمصيرية. 
أما التاري+ يخ الشفوي باعتباره مصدرًا تاريخيًا فمتمائل مع نهج ديوك» والاختلاف 
بينهما في النهايات» إذ بينما تصدر المجلدات الأميركية وهي تحوي الحوارات 
المطولة» تصدر لدينا مؤلفات تاريخية تضم بين صفحاتها المصدر الرئيس» 
وهو التاريخ الشفوي» لكن حجم استعماله يتفاوت من مؤرخ إلى آخرء ومن 
موضوع إلى آخر. 

هل هناك نهج آخر يتلاءم مع أوضاع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية؟ 

ليس هناك من نهج جديد كليّاء لكنه يوجد نتاج جديد يجمع بشكل مثالي 

بين النهجين في مشروع واحدء فهو يؤدي إلى نشر المقابلات في التاريخ 

الشفوي في مجلدات خاصة. ونشر النصوص التاريخية في مجلدات خاصة» 
وذاك هو نتاج مشروع «ساديت4 عن نضال شعب جنوب أفريقيا امع ترا طانامى) 
((181ططذ5) اميد 1 عباوط بهن 12:0. 


(34) 3 .مه ,3 .آه؟ ,لعصوعبدا!! *17 «رعهوم نإهه5 متا دمع كوستلسصيام؟ بورمامنة1 ل 0» ,نهم طجعومل 
,(1977 برمالة) 


381 


بدأ مشروع «ساديت» في عهد الرئيس الأسبق ثابو مبيكي (لهطك! وطة15) 
في أوائل هذا القرن» وما زال مستمرّاء والهدف الأول منه أن يقرأ الشعب تاريخه 
بنهج علمي موثق» وأن يتمكن أيضًا من الاستماع إلى الروايات الصادقة على 
ألسنة أبنائه؛ والهدف الثاني أن يعرف العالم بأسره تاريخ نضال شعب مانديلا 
في ثورة من أهم ثورات القرن العشرين. 

كان التأريخ الشفوي الملجأ حقّاء وعُرف مشروع «ساديت» على أنه 
مشروع شفويء لكنه في واقع الأمر انطلق من بدايته في مشروعين متكاملين» 
كل منهما يعتمد على الآخر بشكل أو بآخرء أحدهما تاريخ شفوي يقوم به 
طلاب الدراسات العليا في أنحاء البلاد» والآخر دراسات تاريخية بأقلام 
المؤرخين والأساتذة المتخصصين من الجامعات المختلفة. أما المرحلة الزمنية 
في قيد البحث فكانت بين عامي 1960 و1994. 


كان المال هو المطلب الأول؛ فالمشروع ضخم جدّاء وتوافر المال؛ وما 
زال المطلب الأول» وما زال يتوافر. وصدرت الدراسات التاريخية في مجلدات 
بعنوان مشترك: الطريق إلى الديمقراطية في جنوب أفريقياء وأبرز موضوعاتها: 
التطورات السياسية؛ الاضطهاد العرقي؛ الحظر على حركات التحرر؛ التنظيمات 
الرئيسة وتطور استراتيجياتها وتكتيكاتها؛ تطور سياسات محاولات احتواء 
المقاومة السوداء؛ القمع والثورة المضادة؛ السياق الدولي؛ السياق الإقليمي؛ 
استراتيجية التفاوض. وهذا مع سرد للنتائج الرئيسة في نهاية كل عقدء فالمرحلة 
التاريخية قُسمت إلى عقود. وصدر المجلد التاريخي الأول في عام 092004 
ومجموع المجلدات التاريخية الصادرة حتى اليوم تسعة مجلدات©2» صدر 
المجلد الأول في التاريخ الشفوي في عام 772008» والثاني يصدر قريبًا. 


٠: )0(‏ .7 ,(2004 ,قوعع8 وعطع2 نوببجه1' عومع) .واو 4 ,معتراء لاناه5 جا بووعم ع2 1١‏ 8004 1136 
.[1960-1970] 


)236 <هة. معاء مهد بط //زماط> لم7 1875م5 ذأ نط1" 


(37) :[معكم طانام5] «ماطوده1؟) يواجماى «اءطا ع1 ذاأة1 كمع ةلك االاه5 :نوهم 227:0 ١6‏ 8064 116 
.(2008 ,أقطعة1" بخ ) ,لوو عرز لأه]] زأقدطا' ععماتكت]! كارخ عكادهلاناق8 


23562 


ويُفترض أن يصدر مستقبلا باقي المجلدات في التاريخ الشفويء وكل منها 


غريغرري هاوستن (معاكناه!! ورمع 6) أستاذ جامعي كان المسؤول عن 
الإدارة والتنسيق في مشروع «ساديت» الشفوي» ألقى محاضرة في جامعة 
أكسفورد في عام 2009 ”*» قدّمته كرمة النابلسي» الأستاذة في أكسفورد. بقولها 
إنه الذي يعمل على اساديت» منذ البدايات» وهو لم يغادر بلاده مرة واحدة طوال 
الأعوام العشر الماضية لانشغاله بالمشروعء لكنه لتّى هذه الدعوة حيّا بشعب 
فلسطين المناضل وقضيته؛ وفعلاء شارك هاوستن في ورشة العمل التي دعت 
إليها النابلسي للبحث في توفير مصادر للباحثين عن الثورة الفلسطينية» وأولها 
التاريخ الشفوي. سألتٌ هاوستن في إحدى الجلسات: ما هي النتائج التي لم 
تكن متوقعة لديكم؟ أجابني بحماسة المناضل وثقة العالم بأنه التجاوب الشعبي 
المذهل مع المشروع الذي فاق التصورات كلها. ووصف الذاكرة الشعبية بأنها 
عجيبة حقاء لديها دائمًا ما تُضيفه إلى ما سبق. وتحدث كيف أن التفصيلات 
الصغيرة في الشهادات لا تقل أهمية عن الحوادث الكبرى» بل تتفوق عليها أحيانًا. 

بدأت تصدر مسلسلات وثائقية تلفزيونية في جنوب أفريقيا تعتمد على 
أرشيف «ساديت» وعلى مجلداته المنشورة» ويوفر مجلس أمناء «ساديت» 
للجامعات والمدارس المصادر المطلوبة» خصوصًا من الأقراص المدمجة. أما 
أرشيف «ساديت» الرئيس فمحفوظ في مركز الأرشيف الوطني لجنوب أفريقيا. 

تعلو اليوم في فلسطين أصوات تطالب بتأسيس أرشيف موحد للتاريخ 
الشفويء. وكان من أول الداعين إلى هذا رياض شاهينء رئيس مركز التاريخ 
الشفوي والأستاذ في الجامعة الإسلامية في غزة» فهل يتحقق ذلك؟ وهل في 
الإمكان أن يتحقق مشروع فلسطيني شبيه بمشروع «ساديت» الأفريقي؟ وهل 
يأتي يوم تتحقق فيه دعوة شيخ المفكرين العرب» قسطنطين زريق» بأن تتحول 
التكبة إلى علم مستقل بذاتهء يقال له «علم التكبة»؟ 


)238 (2009 ععطصعندول؟ 13 ,نوع لالدلا 50ه0:1) «87 همد نه ناعم ل]» ,وماكدهآا بورموع © 


333 


كان زريق من أوائل الذين كتبوا عن النكبة؛ إذ صدر كتابه معنى النكبة» في 
آب/ أغسطس 1948؛ ثم نشر دعوته إلى «علم النكبة؛ في آذار/ مارس 21965 
فقال بعد أن تحدث عن أدب النكبة وأعرب عن تطلعه إلى أدب زاخر عميق: 
«على أن ثمة تساؤلا لا يقل عن هذا ضرورةٌ بل يفوقه ويجب أن يتقدم عليه 
وبخاصة في هذا العصر. نعني به ذلك التساؤل عن الدراسات الدقيقة قيقة الشاملة 
المجيره لتق للسلن أصولهاء وأطوارهاء وأحوالها الحاضرة» ومستقبلها. 

نعني التطلع إلى ما يمكن أن ندعوه؛ بل ما يجب أن ندعوه: «علم النكبة6©. 

خمسون عامًا من الزمن تفصل دعوة زريق عن أيامنا هذه» تشعبت 
خلالها الدراسات الفلسطينية و رت إلى مدى لم يحلم أحد به في متتصف 
الستينيات؛ ولعله يمكننا القول إن كثيرًا منها يدخل في نطاق الفلسطينولوجياء 
لكن علم التكبة لم يتحقق» فهل يكون التاريخ الشفوي بفرعيه» كذاكرة شعبية 
ومصدر تاريخي مدخلا لعلم النكبة؟ 

توقفنا بداية مع المقولة التي يرددها رواد التاريخ الشفوي في الولايات 
المتحدة: (إنه ليس الأغنية. إنه الغناء»» لكن لتجارب التأريخ الشفوي 
الفلسطيني طبيعتها ونكهتهاء ولو كان رونالد غريلي أستاذًا في جامعة فلسطينية 
لا في كولومبيا لربما قال: إنه ليس الأغنية. إنه ليس الغناء. إنه الصدى. 

ومن يسمع الصدى... يحلم بفجر جديد. 


(39) انظر: قسطنطين زريقء «علم التكبة.» المعرفة (آذار/ مارس 1965)» ص 20-3. 


2304 


الورقة الرابعة عشرة 
القضصية الفلسطينية 
التاريخ الشفوي والأزمة والدولة 


روزماري صايغ 


مقدمة: التاريخ الشفوي في | لمنطقة العربية 

جذب تدوين الحكايات الشعبية والأغاني والأقوال المأثورة والتواريخ 
القبلية وسواها من التقاليد الشفوية كثيرًا من الباحثين في المنطقة العربية» مثل 
إيئيا بوشناق وإبراهيم مهرّي وشريف كناعنة ومضاوي الرشيد على سبيل المثال 
لا الحصر”». لكن على النقيض من الغنى في المادة الترائية الشفوية هناك غياب 
للعمل على التاريخ الشفويء باستثناء بعض الحالات النادرة. وعندما ننظر إلى 
الدور الكبير الذي تؤديه الشفوية في التأريخ العربي» في الحديث الشريف أو 
الملاحم القبلية أو الأنساب أو التواريخ المحلية» تبدو ضالة العمل على التاريخ 
الشفوي في المنطقة العربية مدهشةً. بيد أنَّ الشفوية تبقى أداة مهمة لنقل أنواع 


(1) دممة :(1986 بدمعطامدط تعارملا بنكل8) وممطكيظ8 معم! برط لعاتلظا لهة لعأهاكمه؟ ,ععلمطامط طعا 
؟أمقطك لعة أسقطد154 صنطدرطة؟ [نزط لعتماخصهءآ" لصة لعاتل8] ,يعلمغاهط طمعم معتمااععاوط :لمعا عأمعمد ,لماه 
مم صن ععنازلمم بلععطممظ-اه اسملدك؟ :(1989 ,كمع قتلمم]تاقت كه بزو ملا تفن بلرإعاعاءع8) ممقممممز 
50مآ) أمهة 11:0016 معل845 عا دز مانن لهة إاءاع50 ,وإكمببرط له115 ألألأعها 18 :كائه0 «عاطدم4م 

.(1991 ,كسنة1 .1.8 


إن الاهتمام بمثل هذه المواد مرتيط يللا شك بالقومية وبحثها الرومانسي الوعظي عن الجذور 
التاريخية والهوية الثقافية كما في أوروبا في القرن التاسع عشر. 


355 


كثيرة من التاريخ» خصوصًا تلك المتعلقة بالعائلة والمحلّة والتشكيلات السياسية. 
ونظرًا إلى الحيوية المستمرة التى تتصف بها هذه الكيانات دون الوطنية فى 
سياسات المنطقة» وإلى ما تميّز به تاريخها الحديث من انقلابات وأزمات» ريما 
كان من المتوقع أن يبدل جهدٌ أكبر في توثيق ذكريات حوادثها الأخيرة. وما أرأه 
هو أن هذا الغياب يتطلب تفسيرًا لسببين على الأقل: الأول هو أن هذا الغياب لا 
بد من أن يساعدنا في فهم أنواع التاريخ التي جرت كتابتها في الشرق العربي ومّن 
كتبها ولمّن. الثاني هو أنه لا بد من أن يخبرنا المزيد عن الأوضاع التي تشجع 
العمل على التاريخ الشفوي أو تُحبطه» وهذه قضية كان المؤرّخون الشفويون قد 
تجاهلوها نوعًا ما. 

يُعَدَ العمل على التاريخ الشفوي الفلسطيني استنائيًا في المنطقة العربية 
بحجمه ووفرة مواقعه وتنوّع مقارباته وموضوعاته. ويمكن تفسير ذلك جرثئيًا 
بنكبة 1948 وباستمرار التهجير الفلسطيني والأزمة الفلسطينية. ولا شك في أنَّ 
الزمن عامل حاسم في إثارة الاهتمام بالعمل على الذاكرة. ولما كانت خسارة 
الفلسطينيين لوطنهم قد امتدت إلى الجيل الثالث والرابع» عزِّز ذلك رغبتهم في 
إقامة صلة بالأرض وأهلها المشتتين. كما يشكل رحيل الجيل القديم الذي يذكر 
الحياة في فلسطين قبل النكبة قطيعة أخرى مع الماضيء ما يولّد إحساسًا بواجب 
«حفظ» التاريخ والتراث» هذا الإحساس الذي لم يكن موجودًا حين كان الناس ما 
زالوا يؤمنون بالعودة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 أو من 
خلال الكفاح المسلح. أما الانفصال المتواصل لأغلبية الفلسطيئيين عن وطنهم 
فيساهم أيضًا في تقوية مطالبتهم بأرض الوطن وبهوية وطنية. 

يحنّم اختلاف الأوضاع السياسية بين مناطق الشتات الفلسطيني ومرور الزمن 
على التشريد في عام 1948 تقسيم مقاربة متتوج التاريخ الشفوي إلى مراحل. 
وأنا أمّز موقتًا ثلاث مراحل أساسية: البدايات بين عامي 1948 و1982 التي 
تركزت في لبنان بصورة أساسية؛ والتطور بين عامي 1982 و2002 الذي كان 
موقعه الضفة الغربية بشكل رئيس؟ والدمقرطة من عام 2000 حتى الآن. وهي 
مرحلة تميزت بالتوسع المكاني والاجتماعي. وسوف تركز هذه الدراسة على 


366 


الفترة المبكرة يُعيد التكبة لأن هذه المرحلة معرضة فعلًا للاندثار» ولأنها تحوي 
قالب التطورات اللاحقة. وسأختم بملخص موجز عن خصائص المرحلتين الثانية 
والثالثة لأكمل بذلك تغطية المراحل كلها حتى اليوم. . 


أولًا: البدايات (1948 - 1982) 


بدأ العمل على توثيق الذاكرة الشعبية الفلسطينية بُعيد التكبة بوقت قصير» 
وكان ذلك مستقلا عن أي تشكيل سياسي. وفي كتابته عن الجالية الفلسطينية 

في الكويت» يذكر شفيق الغبرا شخصًا يدعى إبراهيم أبو حجلة كان يقوم بتدوين 
الملاحظات على نحو منتظم في أثناء التجمعات واللقاءات الفلسطينية. يقول 
الغبرا: «كان أبو حجلة على مدى السنوات القليلة الأخيرة يجمع المعلومات 

عن ثقافة الفلاحين وفولكلورهم قبل عام 1948. وجمع كثيرًا من القصص 
والموضوعات والأثواك المأثرة والتواريخ اعالية من خلال الاستماع إلى ميقا 
في الاجتماعات وتسجيله الدقيق»©. لكن محاولاتى تعقب أبو حجلة باءت 
بالفشل حتى الآن ما عدا اكتشافى أنه كان فردًا من عائلة كبيرة وممتدة تتحدر من 
قرية دير استيا فى الضفة الغربية. والمفارقة المؤسفة أن يُنسى هذا المشتغل الباكر 
على الذاكرة ويُفقد السجل الوطني ما كان قد دوّنه. وتميّز قصة أبو حجلة البدايات 
العفوية والانقطاعات وخسارة كثير من العمل التاريخي والثقافي الفلسطيني. 

كان أول مؤرّخ شفوي محترف ونّْق شهادات مهججري النكبة الطالب 
الفلسطيني نافذ نرّال الذي أعدّ أطروحة في أوائل سبعينيات القرن العشرين 
لنيل الدكتوراه في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأميركية بإاشراف 
هشام شرابي. . وأجرى مقابلات مع أكثر من مئة لاجئ في سورية ولبنان» ونُشر 
كتابه (948! نءء اذاه ««صزز عنتفمحظ «عا«تاعءاءم ) في بيروت في عام 8ةى1ظ1 في 
مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ويقول نرّال إن الحافز الأساس وراء بحثه كان 
الفضول لمعرفة أي الروايتين عن التغريبة الفلسطينية هي الصحيحة؛ الإسرائيلية 


) امصيمل «رلهابصدة له دعتائلم عطا لم لإلتصصةظ عط تاتو م1 رز كممامأادء1ت9» بوعطقط6 وم ع/أقط5 
.82 .م ,25 5 ,(1988 ععأمابلا) 2 .مع ,17 .آمب ,عع اليم3 عجزاععاوط كه 


3057 


أم الفلسطينية”». كما كتب رشيد الخالدي في تقديم هذه الدراسة الرائدة «إنها 
تقدم دليلًا دامعًا على أنَّ تأسيس دولة إسرائيل ترافق مع تشريد جماعي للأغلبية 
العربية في فلسطين من منازلهم وممتلكاتهم؛ بل كان مشروطا بذلك. وهو بفعله 
هذا يجيب بصورة حاسمة عن الادعاء بأن الفلسطينيين تركوا منازلهم لأسباب 
أخرى غير الإرهاب الصهيوني المنظم؛ هذه الكذبة التي طغت على الدلائل 
كلها على مدى ثلاثة عقودة. 

قام بعض الباحثين المستقلين في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته» في 
لبنان خصوصاء بدراسات أخرى مستخدمًا مناهج التاريخ الشفوي. فبعد طرد 
منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن بين عامي 1970 و1971 انتقلت إلى 
لبنان» وتحالفت مع الحركة الوطنية اللبنانية لتجعل من جنوب لبنان ومخيمات 
اللاجئين معقلا للكفاح الوطني التحرري. وأنجز في تلك الفترة دراسات في 
التاريخ الشفوي ودراسات أنثروبولوجية في المخيمات من أشخاص أمثال 
نافلٌ ندال وبيان الحوت وروزماري صايغ وجولي بيتيت» إضافة إلى بعض 
المنتسبين إلى المؤسسات الثقافية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية مثل هاني 
مندس وسمير أيوب وغازي الخليلي””. وفي تلك الفترة أيضًا جعل إدوارد 
سعيد أصدقاءه وزملاءه في لبنان يدركون الحاجة إلى العمل على التاريخ 


(3) «أردت أن أستمع إلى اللاجثين الفلسطينيين مباشرة» كيف غادروا ولماذا. كان لكل لاجئ 
قصته التي حملها معه. وكل قصة كانت مأساة بيوت وحيوات تركوها خلفهم. ولفهم مأساة الشعب 
الفلسطيني وأنسنة النزوح عن فلسطين لا بد من كشف الوجه الإنساني لوضع وجه لهذه المأساة»: اتصال 
شخصي مع نزال في شباط/ فبراير 2012. 

(4) .كعتلنة5 عمتاعولوط ج10 عاناتاكمها ,1948 عءاثاه©) نمزل كسلمظا معادناعواوط 736 ,لمحدلا عقولا 

.ص ,(1978 بقعنلن50 عمأكعلوط ع10 عاناتاكه[ :أنماءع8) 49 ,80 زكعارك5 كاجرمعع 81020 


(5) هاني مندسء العمل والعمال في المخيم الفلسطيني: بحث ميداني عن مخيم تل الزعتر» 
كتب فلسطيئنية؛ 51 (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث. 1974)! غازي الخليلي» 
المرأة الفلسطينية والثورة: دراسة اجتماعية ميدانية تحليلية (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية - مركز 
الأبحاث؛ 1977)؛ بيان نويهض الحوت. القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1948-1917 
(بيروت: مؤمسة الدراسات الفلسطيئية. 1981)) و كتضعكمءط مم1 نكما« عله بطوتلاد5 بممدعومط 
تمق طاابب ونع امعاما سهع طوالزه5 بممصعومظ! بز لعلممعم! ,برماعالا ؤءاممءط 4 تعءتهمدمسام8 ١/6‏ 


7 50.3 بارع أكمط 141001 ,لإلاعصسسمط) تممهل؟ نط ه0ءنملمناصا عه طائه بلقممتاطعآ هأ كعمدامنى لوم 
.(1979 ,معط 260 


2356 


الشفوي الفلسطيني. وبإلهام من سعيد نفسه قامت مجموعة من الباحثين 
بالاتصال بمنظمة التحرير ملتمسين الدعم لمثل هذه الأعمال؛ لكن مبادرتهم 
لم تثمر أي نتيجة نهائية على الرغم من الترحيب اللفظي”. ولم تكن المراكز 
الثقافية الفلسطينية التي أسست في لبنان مهتمة بالتاريخ الشفوي أكثر من قادة 
المقاو م2725 


خلال حرب حزيران/ يونيو 1967 نجحت إسرائيل في احتلال أراضي 
فلسطين التاريخية كلهاء ما حمّز البحث في أسباب فرار آلاف عدة من الضفة 
الغربية). تعد ذلك أبنك سبرحة: خليل. يعلية. في جكرية اقفن الدرة 
باسم اإلغاتن الأسرة»» وبدأت بجمع التاريخ الشفوي كجزء من عملها على 
«التراث4؛ وبشّرت تسجيلات «إنعاش الأسرة» للتراث الثقافي بكل من الذور 
القوي الذي ستؤديه المنظمات غير الحكومية بعد عام 1982 في العمل على 
التاريخ الشفوي وباهتمام الفلسطينيين بتسجيل الماضي كشكل من أشكال 
المقاومة ضد احتلال تو سّعي. كما ونّقت مجموعة من الباحثين المحليين يدعم 
من مركز الأبحاث فى منظمة التحرير الفلسطينية كارثة أخرى هى أيلول الأسود 
في عام 1970 في الأردن0) ْ 


(6) اتصال شخصي ببيان الحوت. من المرجح أن تكون القيادة قد خشيت من أن تظهر مجددًا 
تلك الصراعات الداخلية التي سبق أن أدت إلى انقسام الفلسطيتسين في السئة الأخيرة من الثورة 
الفلسطيتية الكيرى. انظر: 16 #اره «مذلاعطء8 936-1939[ 716 «لامنهظ إه كمامهجعاط ,وسطمعلك ع5 10 

.152-153 .ع ,(1995 ,كوعع8 ماأمعع رمأل[ 01 بوالدع انآ :وتامجهعمم]اية) أاموط أمرمناء/ة ببمأاععاهطم 

(7) في نهاية السبعينيات قدمتٌ مشروعًا إلى مؤسسة ثقافية فلسطينية لتوثيق ذكرى الأعضاء 
الناجيات من اتحاد النساء العربيات الفلسطيئيات قبل 1948» وكانت كثيرات منهن تعشن فى لبنان» لكن 
المشروع رفض بذريعة أن الدراسات التاريخية لا تشكل أولوية. وكانت تلك تذكرة حادة يمدى سهولة 
ضياع ذكريات النضال الوطني في فلسطينء إذ وقعت - في أثناء مناقشة هذا المشروع - وفاة إيفيلن 
الحمصيء إحدى الأعضاء المؤسسين لواحد من أوائل فروع الاتحاد (فرع يافا). 

(8) ,967| ع( إه كدافمحظ عط زه برفنا3 4 «ععع8710 انامط سد عع بأملدعة8 صتادة؟ لمة للم« ممعم 


عاأنطلاقما تأنماءع8) 10 ,20 زوعلرع5 قطعمومد1/10 .كعتللتا5 عمتادعلوظ ع0] عابطتاكها ,كعمهنارع8 طمع4 ابداداعواوط 
.(1968 ,كعاللاذ عمتاععلوط 01) 


(9) خليل هنديء فؤاد بوارشي وشحادة موسىء المقاومة الفلسطيئية والنظام الأردني؛ دراسة 
تحليلية لهجمة أيلول» بإشراف نبيل علي شعثء. سلسلة كتب فلسطينية؛ 36 (بيروت: منظمة التحرير 
الفلسطينية, 1971). 


369 


في آب/ أغسطس 1976. بُعَيد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية» حاصرت 
الميليشيات اليمينية اللبنانية مخيم تل الزعتر الواقع في شرق بيروت ثمانية 
شهورء انتهت بتدميره ومذبحة قتل فيها أكثر من 4000 إنسان. وما يدل على 
تأثير هذه الكارثة في الدفع إلى توثيق الشهادات الشعبية هو عدد الروايات التي 
نشرها الناجون عن الحصار. وشملت تلك الروايات كتايًا حوى الشهادات 
التي جمعتها أعضاء الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية*'", ومجموعة أخرى 
من قصص الحصار أعدها هاني مندس ". كما أنتجت في تلك الفترة أولى 
الأفلام الوثائقية الفلسطينية (لسلافة جاد الله ومصطفى أبو علي وهاني جوهرية 
ومعطي عمر وعبد الحافظ الأسمر)2: وتقدّم ذكريات العيش على العدس» 
وجلب الماء تحت رصاص القناصة» وندرة الإمدادات الطبية صورة واقعية 
قاسية تتناقض مع بيانات المقاومة الرسمية في تلك الفترة. 

أجبر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 منظمة التحرير الفلسطينية 
على مغادرة لبنان إلى تونسء منهيًا بذلك اتصالها المباشر بجنوب لبنان وسكان 
المخيمات. كانت العاقبة الأولى لهذا القطع التاريخي الجديد مجزرة صبرا 
وشاتيلا التى دبّرتها سوية القوات الإسرائيلية والميليشيات اليميئية اللبنانية. 
أذنت هذه المجزرة - التي أصبحت بدورها موضوعًا لدراسة في التاريخ 
الشفوي كتبتها بيان الحوت"2 - باشتداد انعدام أمن الفلسطينيين وأمانهم في 
لبنان» والتعرض للاعتقال على حواجز الجيش» والاختطاف والاغتيال التي 


(10) تل الزعترء الشهيد والشاهد: شهادات حيّة (ييروت: الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية» 
67 كانت هذه واحدة من مبادرات عدة للاتحاد لم تدعمها القيادة الوطنية. وكان حصار تل الزعتر 
موضوعًا لعدد من الأفلام الوثائقية كفيلم تل الزعتر 1976 لجان شمعون» وقيلم ماعل جم «متععوط 4 
لفائيسا ريدغريف. وفيلم «لأن الجذور لن تموت» 1977 لنبيهة لطفي. 

000 طريق تل الزعترء إعداد النص هاني مندس؟ الإعداد الفني منى السعودي؟ تقديم محمود 
درويش (بيروت: مركز الأبحاث الفلسطينية: 1977). وسبق لهاني أن قام يبحث كمشارك/ مراقب في 
تل الزعتر. انظر الهامش رقم 4. 

(0) 117 .مم ,مساعماوط دز عامع!! 71815 «بقتمعمت ممتاسأملع8 مدنماىي له5» ,طعمطممطو؟ دزتممك! 

ختدمع.عسصلاق لقممتعاءء بوتطا بد // :م 11> ,(2008 بممقنامول) 


( ) .(2004 ,جوععط متنداط تهملهما) 1982 «عطننواصء3 :2أأاه:31 انه مرطه3 بانوطءاة لعطبروسسلة مدبيدع 


23210 


كانت الميليشيات اليمينية تقوم بهماء وخسارة عمالة منظمة التحرير وحمايتها 
والانقطاع عن حركة النضال الوطني. وبإبعاد منظمة التحرير إلى تونس انقطعت 
عن التواصل مع سكان المخيمات. أما الكوادر التي بقيت في لبنان فواصلت 
القيام بمهمات المقاومة الاعتيادية» حيث كانت النساء تقمن بنقل الأموال 
والذخيرة والرسائل لسهولة تنقلهن النسبية عبر الحواجز الإسرائيلية وحواجز 
القوات اللبنانية”"©. وبينما احتّجرٌ جميع الرجال ممن تجاوزوا السادسة عشرة 
في معسكر الاعتقال الإسرائيلي في أنصارء كانت النساء هن من قمن بإعادة بناء 
مخيمات عين الحلوة وشاتيلا وسواهما من المخيمات التى دمرتها الحرب. 
وقامت منظمة فلسطيئية غير حكومية بتوثيق ذكريات هذه المرحلة البطولية» 
لتستخدم لاحمًا في فيلم مملكة النسوان للمخرجة دانا أبو رحمة2. 

على الرغم من «مديح؟» الجماهير الذي امتلاأً به خطاب المقاومة في 
ذلك الوقتء لم تنتج الحركة تاريحًا شعبيًا. وعمل تبني حركة فتح الرموز 
الفلاحية - الكوفية ونظام التسمية ب (أبو. ل ا 
على ربط حركة المقاومة ما بعد 1948 بالكفاح الوطني في فلسطين والتغطية 
على الأصول المدنية لقادة المقاومة'". لكن هذا الإحياء لم يترافق مع اهتمام 
بالثقافة القديمة أو الحالية لسكان المخيمات أو تجاربهم في المنفى. وعكس 
التركيز على الفلاح بوصفه «دالاه وطنيًا (إذا ما اقتبسنا سويدنبرغ) سطوة 
أنموذجي الجزائر وفيتنام من بين نماذج الكفاح التحرري الوطني في الستينيات 
والسبعينيات أكثر مما عكس رغبة في إحياء التاريخ الفلسطيني الشعبي”7". 


(14) لم تكن حصانة المرأة مضمونة على الدوام: اغتصبت امرأة فلسطينية على حاجز للقوات 
اللبنانية وهي في طريقها إلى المشفى في سيارة إسعاف. 

(15) برط عصسطصسوطة قتعطد2 طاتيب بسو عامط عه5 ,«طعسه1زل]-كء ماع تمعصممل/ةا 6ه ورملعمككظ عطي 

«بلةء 7 [لرعله! عصتطسنمطم فمطة2آ ععلمصصااظ تكعمع]؟ إملوعبع» ,لعبرزهك-لة بزممتهمة العنوروك5-[ة زمقسم 

0 ععطاتصعباو11 25 ,هله دآ عاتدماععا2 


(16) أمعاعماممصم )جل «روعظنتهوذ5 أقدهلنول! كه أمقكمء بموأمتأععلوط عط1» وءطمعلءس5 ل16 
7 850 25 .مم ,(1990 لإلقناصةل) 1 .0 ,63 .01؟ ,براجعءكيويين 


(17) يلاحظ غازي الخليلي أن المقالات عن الحياة الريفية المنشورة في النسخة الإنكليزية من 
مجلة الهدف التي تصدرها الجبهة الشعبية لتحرير قلسطين أظهرت اهتمامًا 0 الإنتاج السابقة على 
الرأسمالية والحياة الريفية في فيتنام يفوق اهتمامها بهذه الأمور في فلسطين. 


391 


والمثير للدهشة هشة أنَّ ذكريات الثورة الفلسطينية الكبرى لم تو ثق حتى عام 2004 
حين قامت بيذلك زيئنة غندور وسجلت شهادات الناجين من المشاركين فيها 
والمقيمين في المخيمات اللبنانية'2. وكان من بين العوامل الأيديولوجية التي 
وقفت وراء إهمال حركة المقاومة للتاريخ 0 وجودها في لبنان 

تبجيلها التحليل السياسي في تلك الفترة» وأيديولوجية «الحزب الطليعي؛: 
بالشسية إلى اليسار. وبدا كما لو أنّ الدروس السياسية كلها يجب أن تأتي من 
الخارج» وعبر قراءة الكتب. 


على الرغم من عدم اهتمام منظمة التحرير والمؤسسات الثقافية الوطنية 
بتوثيق التاريخ الشفوي الفلسطيني» كانت هناك عوامل أخرى شجعت على 
إنتاج هذا النوع من الأعمال في أثناء صعود منظمة التحرير. وكان من بين هذه 
العرامل ترسيخ التمثيل الوطني الفلسطيني (1964) والشعبوية الثقافية التي 
برزت مع حركة المقاومة» وارتفاع مستوى التعليم وتشكل شريحة ثقافية جديدة 
مرتبطة بالنضال الوطني التحرري. ولا شك في أن الأزمة المتصاعدة أدت دورًا 
بإيجادها حوادث عنيفة وبطولية شعر الناجون أنهم مجبرون على توثيقها. وتجلى 
هذا المزاج الجديد من خلال مبادرات فاشلة بقدر ما تجلى من خلال مبادرات 
ناجحة. وفي الأيام الأولى لحركة المقاومة حاولت المناضلات الشابات في 
سورية توثيق ما في الذاكرة الشعبية من ذكريات الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 - 
8 لكنهن لم يستطعن إقناع المنظمة بتمويل أسفارهن”". ولم يحل غياب 
دعم المؤسسات الوطنية لأعمال التاريخ الشفوي من دون مبادرات المثقفين 
المنخرطين في الحركة الوطنية. وكان غسان كنفاني - الكاتب والمناضل في 
و ا يي ا و 
الناس هناك. لكن الملاحظات التي كان يحتفظ بها كنفاني ضاعت في ركام مكتبه 
في مجلة الهدف في حرب 2071982. أما الكاتب اللبناني الياس خوري الذي 


(0) ,اكذأم دعصم[ :0 7أاععاوط عاملتماط أ 1167ه2071 077 ععامععل2 4 كناملممقطت .8 هماع2 
.(2010 رععلعلانام1 تده:0 بدمنعومصاطم) بومععبكمآ 0ه برع ورور 


(19) اتصال شخصيء» خيرية قاسمية؛ دمشقء ثمانينيات القرن العشرين. 
(20) اتصال شخصيء آني كنفاني. 


2302 


اعتاد مرافقة غسان فى رحلاته إلى المخيمات فبنى روايته باب الشمس على قصة 
أحد الفدائيين ليقبض من خلالها على تجربة اللجوء الفلسطيني”7. ويعيد أسلوب 
الياس خوري إنتاج الانقطاعات الزمانية والمكانية في حياة اللاجئين» ما يجعل 
روايته أقرب إلى القصص الحياتية الشفوية. أمَا ليانة بدر فأقامت روايتها عين 
المرآة على شهادات أهالي مخيم تل الزعتر الشهيد©. وكان مناضلون آخرون 
يحتفظون بملاحظات غالبًا ما ضاعت في الدمار الناجم عن الاجتياح الإسرائيلي 
(1982). ووضع اتحاد المرأة مشروعًا للبحث في تاريخه قبل عام 2.1948 لكنه 
لم يتمكن من تنفيذه بسبب أعمال الرعاية الاجتماعية الملحة التي فرضتها الأزمة 
المتواصلة على الكوادر النسائية”©». ويمكن النظر إلى هذه المبادرات المنفصلة 
كإشارات على اهتمام جديد بالتاريخ الشعبي كان من شأنه أن ينتشر على اتساع 
الشتات الفلسطيني بعد أن تلاشت الآمال بالكفاح المسلح بعد عام 1982. 


كان لخروج منظمة التحرير ومجزرة صبرا وشاتيلا التي تلته أن يلقيا الضوء 
على خلل التكامل بين قوى المقاومة و«الجماهير» في المخيمات اللبنانية» 
الأمر الذي انعكس في إحساس أولئك الذين تُركوا لمصيرهم بأنه جرى التخلي 
عنهه”*. وريما أمكننا أن نعتبر هذه اللحظة بدايات التباعد بين القيادة الوطنية 
والمستويات الشعبية» ذلك التباعد الذي وَسِم على نحو جلي بظهور أوائل كتب 
التاريخ القروي في عام 1985» بعد انتقال منظمة التحرير إلى تونس بثلاثة 
أعوام» وإطلاق حركة حقٌ العودة في عام 1995”©. وتلحظ روشيل ديفيس 


(21) بعتطمصنة1 نز عأطدجة عظا صم لعنفاكصه]” ,كدمع-اه 825 :ميك عدا إن لم0 ,لسامطا كمنايا 
.(2006 عطاعع5 الأصةا! :1:ملدمآ) مع تدودا 


(22) تعصة0 بعآنا ,ومتلمع8) دجما متتصد5 برط لعدأكمم! ,«مجتاط +[ إه منرع 72:6 كله8 طممهرذنآ 
.(994] ,رعستطعتاطيهط 


(23) اتصال شخصيء نجلاء بشورء عضو اللجنة التنفيذية في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. 

(24) على الرغم من تفاني الكوادر المتبقية في محاولة إقناع سكان المخيمات أن حركة المقاومة 
كانت مجبرة على الرحيل في عام 1982» كان لدى سكان المخيمات إحساس بالخيانة تمثل في 
السخرية من شعارات المقاومة كشعار الصمود. أو في نكات النساء عن ولع ياسر عرفات بعناق التساء 
في المخيمات. أو في التعليفات التي أشارت إلى أن أعضاء المقاومة كانوا #دخلاء» وغادروا لأنه ليس 
لديهم عائلات في لبتان (حوارات في شاتيلا 1985-1982). 

(25) أطلقت حملة حق العودة في عام 1995 في مؤتمر شعبي في مخيم الفارعة في الضفة الغربية.- 


2313 


حوادث كبيرة أخرى اكتنفت ظهور تواريخ القرى؛ مثل الانتفاضة الأولى في 
الضفة الغربية (1987) واتفاق أوسلو (1993): «أوحت هذه الحوادث لكثير 

من الفلسطينيين أن القيادة السياسية ما عادت الشكل الوحيد للنضال من أجل 
نيل حقوقهم وحفظ تاريخهم8*. وكان لهاتين الظاهرتين أن تدعم واحدتهما 
الأخرى؛ ففي حين شددت حركة حقٌ العودة على ”ثقافة العودة» وما فيها من 
إحياء ذكرى القرى الأصلية» أكدت تواريخ القرى حق الملكية عبر جرد مفصّل 
للموئل والممتلكات والمنتوجات والجيران والمناظر الطبيعية©. كما أظهرت 
تواريخ القرى تباعدًا بين هدفين اثنين لحركة المقاومة تعايشا سوية حتى عام 
2 هما البحث عن دولة والنضال من أجل العودة. وإذ هتشت اتفاقية 
أوسلو قضية اللاجئين» فإنها دفعت هذا التباعد إلى الواجهة مجرّدة جميع 
أولئك الفلسطينيين خخارج الأراضي المحتلة من حقوقهم وناقضة ما ترمي إليه 
منظمة التحرير من وحدة الشعب الفلسطيني. 

هذه هي اللحظة التي بدأ فيها تباعد الوطني والمحلي حيث باتت 
أهمية المكان والزمان بالنسبة إلى سكان المخيمات القابعين من دون حراك 
ولا مستقبل» تلك الأهمية الكبيرة. وكانت لاله خليلي قد رأت في كتاباتها عن 
احتفالات إحياء الذكرى الفلسطينية في لبئان بعد عام 01982 أنّه: ... في 
حين كانت احتفالات إحياء الذكرى المرعيّة رسميًا تشدد على السردية الكيرى 
والتاريخ الأكبر مركزة على الحوادث المهمة في تاريخ النضال الفلسطيني 
ومحتفية ب 7الوطن؟ كمثال وطني مجرد. كان النشاط الشعبي يركز على بقعة 
الأرض المحددة حيث عاش اللاجئون - أو أسلافهم - وعملواة*©. 


- انظر : مهقل18أل2! عأممتاععا «رأمعط؟110 سباع عمأمعاوط عطا هه كمولاءء1/1ع )»> ,املعول لدسصسمان51 
<1/7459 63 6-11-1101 لاقت لفتر-كانه أاعه [)ع7 نا لعا مع /اء11. هللة) تاماء أممماعع اء/ل:مااطا> .10/4/2008 


(0) نهالث ولدط) لمءمامعاط ءذا زه يعءاطممجومء6) :كماعط ععوااالا «متصاوامط ,وتحوط عالععمج 
.0 .م ,(2011 رجععوط بوانو بالولا ل متشماك 


(27) أه ععهلنه مه ومتلائت8 تمتسرك دأ اللعلمء 18107 مسطعظ كه أللونظ عط ,مملمدة]ام لععطدمة 
41 امل ركعألننا3 ءايععاوط له أمسنامك «,مملمةتا-ام لععطامهم سطع عط؛ 10 15م تمع ا وماج أ 1ئا840 ,رمسطع]] 
.152-18 .مع ,ؤأعة لهة ,71-73 .مم ,(2012) 2 .مم 


(28) 0 دمدههح عن مأ ممما ع عمتعطصعما نكده اهما تططره© عاممعككد0» ,تاءاتلقط !لد طءلمآ 
.7 .2 ,(2004 قتتتاتك) 1 .00 ,34 .1/01 ,كع أمياا3 عتتائءاوط إن أه71ناول «ردممداعآ 


2314 


ثانيًا: بعد عام 1982 وحتى الآن 
الانتشار الجغرافى و«الدمقرطة» 


بسبب الضرورات التي يفرضها حجم الدراسة سأقوم بدمج المرحلتين 
التاليتين من مراحل إنتاج التاريخ الشفوي الفلسطيني بين عامي 1982 و2002 
ومن عام 2002 إلى الوقت الحالي في مرحلة واحدة وألخص سماتها الرئيسة 

- الدور المتنامي للجامعات الوطنية والمنظمات غير الحكومية في إنتاج 
التاريخ الشفوي؛ 

- تطور تاريخ القرى كجنس مسيطر؛ 

- التوسع في مواقع الإنتاج وعوامله؛ 

- التجديد التقني؟ 

- العمل على مأسسة إنتاج التاريخ الشفوي وتوثيقه. 

قبل عرض هذه التغيرات أريد أن ألقى الضوء على الثابت الذي يربط 
المرخلة بأكبلها ويضلها بفليتطين قبل عام 8 أعني دور احتفالات إحياء 
الذكرى الوطنية في تحفيز التعبير الثقافي [حاشية الخليلي]. وفي حين أفرغت 
كثرة الكوارث الوطنية وأعياد ميلاد حزب المقاومة كثيًا من الاحتفالات 
التذكارية من معناهاء لا يزال الاحتفال السنوي بذكرى النكبة قائمًا على نطاق 
واسع. وهذا ماكانت عليه الحال في عام 1998 خصوصاء أي في الذكرى 
الخمسين للنكبة. وفي ذلك العام قامت دار الشجرة للنشر في مخيم اليرموك 
(سورية) بإطلاق سلسلة من تواريخ القرى الشفوية”*» كما أجرت الجنى؛ 
وهي مجلة تصدرها منظمة غير حكومية في لبنان» تسجيلات مكثفة مع الناجين 
من النكبة. وتشير مشروعات التسجيل الجارية مع كوادر المقاومة إلى أن 
التغييرات الحالية في الإطار الدولي والإقليمي المحيط بالقضية الفلسطينية 
تدفع إلى توثيق فترات أقدم ومراحل مختلفة جذريًا. 


(29) قتل مؤسس دار الشجرة» غسان الشهابي» في مخيم اليرموك في عام 2013. 
(30) الجنىء أيار/ مايو 1998. 


2015 


أزاح خروج منظمة التحرير من لبنان مركز ثقل الحركة الوطنية إلى الضفة 
الغربية وغزة» وكان لهذا الانتقال نتائجه الثقافية فضلا عن نتائجه السياسية. 
ففي الأراضي المحتلة كانت هناك بعض المؤسسات الثقافية التي تتمتع 
بدرجة من الاستقلالية على الرغم من الاحتلال الإسرائيلي. وتطور العمل 
على التاريخ الشفوي هناك إلى جانب المسرح والرقص والموسيقى والفنون 
البصرية والسينما كشكل من إثبات الذات والمقاومة. وكما كان الحال قبلاء 
أعطى الباحثون المستقلون زخمًا لهذا العمل» لكن الجامعات والمنظمات غير 
الحكومية فى الأراضى المحتلة» بخلاف الحال فى لبنان» كانت هى المراكز 
الرئيسة لإنتاج التاريخ الشفوي. وفي عام 1983 كانت جامعة بيرزيت السباقة 
في المنطقة العربية إلى تدريس التاريخ الشفوي. وحذت الجامعات الفلسطينية 
الأخرى حذوها كما فعلت جامعة بيت لحم وجامعة النجاح والجامعة 
الإسلامية في غزة. وبين المنظمات غير الحكومية» قامت شمل و2808 يبناء 
قواعد بيانات شاملة للتاريخ الشفوي. وخلال عملها في وزارة السياحة 
والآثارء قامت سونيا النمر بتدريس التاريخ الشفوي للأطفال. ولا يمكن للمرء 
أن يقوّم عن بعد الآثار كلها التي تخلفها مثل هذه البرامج» لكن هناك دلائل 
على أن نشاط التاريخ الشفوي ينتشر في المراكز المجتمعية (08©8) في القرى 
والمخيمات. لكن إعادة احتلال الضفة الغربية في عام 2002 أجهضت هذا 
المسعى» وتتعرض جامعات الضفة الغربية لإغلاقات متكررة ويخضع التنقل 
بين المناطق لقيود مشددة» ويعتقل الناشطون الثقافيون. بيد أن القمع في جانب 
يقدح زناد المقاومة في جانب آخر. وما مشروعات مثل «جامعة في المخيم؟ 
و«متحف الجدار» في المؤسسة التعليمية العربية في بيت لحم سوى دلائل حية 
على توسع أعمال التاريخ الشفوي إلى مواقع جديدة”©. 

سبق أن ذكرت أن أول عملين في تواريخ القرى الفلسطينية نُشرا في عام 
5 وفي العام نفسه نشر مركز جامعة بيرزيت للتوثيق والأبحاث سلسلة 
«القرى الفلسطينية المدمّرة» بإشراف باحث الفلكلور شريف كناعنة (1984- 


(0)انظر: <ت 0 ألوره عع الع أعع., بجوم اط لمع ,حوم.كم تصمعم أكداصصدسم. بدبص// متاط> 


232036 


27.»© وارتكزت هذه الدراسات التخصصية مباشرة على الشهادات الشفوية 
لأهل القرى. وأعادت إنتاج شتّى منوّعات اللهجة الفلسطينية2©. وتابع صالح 
عبد الجواد العمل في سلسلة «القرى الفلسطينية المدمّرة4 (1997-1993) التي 
حققت شعبية واسعة وقدمت أنموذجًا يحتذى لكثير من مؤرخي القرى الأفراد 
الذين أتوا بعد ذلك. وانتشر هذا الأنموذج في بقاع الشتات الفلسطيني الرئيسة - 
في الأردن وسورية ولبنان وإسرائيل والأراضي المحتلة - وربط بين «الداخل؟ 
و«الخارج» عبر شبكات قروية غير رسمية”©. ولا يزال إنتاج تواريخ القرى 
قائمًا يتحدّى شرعية السلطة الوطنية من خلال المطالبة بمنازل ومواقع معينة 
أبدت السلطة استعدادًا للتنازل عنها في مفاوضاتها مع إسرائيل. أما خصوصيات 
مخيمات اللاجئين الفلسطيئيين فجذبت عددًا من علماء الأنثروبولوجيا والسياسة 
والتاريخ الشغوي لدراستها. 

بعد عام 1982» اتسعت أعمال التاريخ الشفوي لتشمل الأفلام الوثائقية 
والدراسات المعتمدة على الشهادات الشفوية كلهاء وانتشرت إلى شتات أوسع 
من أيّ وقت مضىء فبلغت الولايات المتحدة وإيطاليا واليونان و«فلسطين 
98. وفي أثناء أسفاري بين عامي 1998 و2000 عير الناصرة وحيفا 
القديمة ويافا والجليل والمثلث والنقبء كثيرًا ما كنت أصادف من يستخدمون 
كاميرات الفيديو ومسجلات الصوت لتسجيل القصص العائلية والمحلية. 
ويمكن أن نعزو هذه الظاهرة جزئيًا إلى توفر تقنيات التسجيل على نحو متزايد» 
لكنها تُعزى أكثر إلى ما سمّاه بشارة دوماني «حُمَى الأرشفة» التي يردها إلى: 
«تشاؤم عميق وواسع حيال المستقبل. كلما بدت الحرية والعدالة وعودة 
اللاجئين وتقرير المصير بعيدة زادت الرغبة فى أن نحفظ ونسجل للأجيال 
القادمة ليس الماضي فحسب بل الحاضر أيضّا»!*6. 


3٠ 2232(‏ .م ركتجوط 
(33) للاطلاع على اللائحة الكاملة لتواريخ القرى حتى عام 2008., انظر: مهامااعاوم بححدط 
.كع دهان أ!] عععوهااثلا 


(34) ممكطا 5ه لإممصس تند ع5 :كمدتمتادعاو عطا لهة ممتتععلوط وم ثاأطعحف)» ,أمقصيه2 مقطع8 
.4 .ص ,(2009) 36 .50 ,راع امي ترء/اوكعسصعل مسالط 


23017 


بينما تواصل إسرائيل بناء المستوطنات والجدار العازل والطرق الالتفافية 
وتصادر الأراضي وتقتلع أشجار الزيتون وتجرف المنازل» يواصل الفلسطيئيون 
الكفاح بالكلام والكتابة والرسم والتصوير والغرافيتي (الكتابة على الجدران) 
والأعمال التركيبية» كي يسبغوا ديمومة الفن النسبية على بيئتهم المتلاشية9©. 


يحلول عام 2000.» بات التاريخ الشفوي الفلسطيني أكثر تطورًا من الناحية 
التقنية. وساهمت كاميرا الفيديو المحمولة في إطلاق عدد من الأفلام الوثائقية 
التي تصور حياة الفلسطينيين في ظروف سياسية ومادية شتى. وفي عام 2000 
أطلق موقع «فلسطين في الذاكرة» كأول مجموعة إلكترونية لجمع الذكريات 
الفلسطينية قبل 1948 والنكبة©©,. ويمنح هذا الموقع الإلكتروني مشتركيه 
الأدوات البرمجية اللازمة للتعاون في بناء الموقع وتشارك الذكريات. وتستخدم 
مسجلات الصوت وكاميرات الفيديو على نحو متزايد عند مقابلة الناجين» كما 
حصل في تو توثيق (أرشيف النكبة» الذي أنشأته ديانا آلان ومحمود زيدان في 
لبنان7©. و هناك موقع إلكتروني أحدث منه هو «النكبة المستمرة» الذي يوثق 
من خلال الأفلام و 0 الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية©. أما ان 
الإلكتر و ني مدع نمءعواوكالط عاعجمل! وعنم0!! بعاملاععاوط «هعءذه1) [أصو ات: نساء 
فلسطينيات يروين قصة النزوح] فيتيح للمستخدمين الوصول إلى الأصوات 
الفعلية بدلا من السجلات المكتوية69. 


هناك أمر مهم يجب ذكره هو وجود اهتمام متزايد بالتاريخ الشفوي من 
المؤسسات الثقافية منذ عام 2002. تمثّل في سلسلة من ورشات العمل 


(35) يعتبر بشارة دوماني أحد دوافعه لأرشفة شفة الماضي «الطمس المستمر والمتسارع لأكبر أرشيقين 
المشهد الطبيعي وأواصر الحياة اليومية التي تشكل تكوينا اجتماعيًا عضوياه . انظر: ممت 

(36) أطلق صالح منصور موقع «فلسطين في الذاكرة» في الولايات المتحدة» وهو يقوم على 
بحوث ومقابلات واعتمدت على بحوث ومقابلات أجريت ة الاردة وسورية ولبئان؛ إضافة إلى 


مساهمات قردية. 
00372 <جرم ع اأطععة هط كلقع //:تراخط> 
)038 .<عده. مط دضع نامعده. بوب مقط> 
(239 , <لوعء ته العم ام تط.واتطممتملة//:صناط> 


هذا الكتاب الإلكتروني هو ثمرة تعاون بين روزماري صايغ وبوري لودفيغسين وسوزان أولسن. 
: 6 


3038 


(2003 و2005)؛ لجنة التراث في مؤسسة التعاون في عمّان (2005)؟ جمعية 
الثقافة والفكر الحر فى خان يونس (2007)؛ وفى جامعة بيرزيت مرة أخرى 
(2007). وعلى الرغم من أن هذا النشاط كان عاجرًا عن إنتاج إطار موحد 
لتشجيع العمل في هذا الحقل وتوجيهه. إلا أنه عزز الشعور بالحاجة الملحة 
إلى ذلكء؛ ما أثمر في نقاشات التحضير للمتحف الوطني الفلسطيني (الذي 
افتئح في نيسان/ أبريل 2013)؛ وأرشيف معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات 
الدولية في جامعة بيرزيت الذي افتتح في عام 72011". 

كان دعم السلطة الوطنية لمثل هذه المشروعات لا يُذْكّر. وفي حين يمكننا 
أن نعزو ذلك جزئيًا إلى تكوين مؤسسي حركة فتح وعقليتهم» إلا أن العامل 
المعوّق الرئيس هو تأثير الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي في 
البرامج التعليمية والثقافية الفلسطينية. ذلك أن التاريخ الفلسطيني بالنسبة إلى 
هذه الأطراف محرض على الثورة ويجب أن يُطمس. ونظرًا إلى اعتماد السلطة 
الوطنية على التمويل الخارجي فإنها لا تستطيع إظهار أي اهتمام بموضوع 
ملتهب مثل «التاريخ». ويعلق إبراهيم أبو لغد على إهمال البحث التاريخي 
في فلسطين ما بعد أوسلو: «... لا يوجد في الواقع عمل على فلسطين. لأن 
السلطة لا تشجع البحث. أعني أنه ليس لديها المال. وهذا حال الآخرين. 
والمؤسسات الأجنبية كلها - كمؤسسة فورد وغيرها - ليست مهتمة. يسمونه 
بحثًا "وجهته الماضي'» وهذا هراء ... لا يوجد بحث فعلي. وفي الجامعات لا 


أطلقت في أماكن عدة: كلية نوفيلد في أكسفورد (2002)؛ جامعة بيزيت 


يوجد بحث47070. 
يمكن القول إن عدم مبالاة الحركة الوطنية أفسح للباحثين مجالًا للانكباب 
على جماعات وقطاعات اجتماعية فلسطينية هامشية إلى درجة كان يستحيل 
حدوثها في ظل الأنظمة العربية الأخرى الأكثر استبدادًا. ويمكن أن نستشهد على 
ذلك بالعمل التسجيلي مع النساء الفلسطيئيات ومشروع تسجيل ذكريات أعضاء 
)040 ,<لالت. اأعسخط. و وعبوج, ببجديه// نجاط > 
(41) مقابلة أجريت في حزيران/ يونيو 2000 في رام الله: انظر: الجنى (حزيران/ يونيو 2002). 


3019 


الحزب الشيوعي الفلسطيني2*. ومن ناحية أخرى» كان للإهمال دوره في فشل 
تسجيل وترقيم وفهرسة وإتاحة كمّ هائل من أعمال التاريخ الشفوي التي أنجزت 
في مناطق الشتات المختلفة. والشيء الأخطر أنه أخر التدريب ووضع المعايير 
ومناقشة الأولويات بالنسية إلى العمل المستقبلي» ذلك العمل الذي كان جزءًا 
منه تسجيل تتجارب النكبة في مناطق فلسطين 1948 كلها. ولم يتوقف المثقفون 
الفلسطينيون عن اقتراح مثل هذا المشروع في منتديات مختلفة» لكنه لم يكن يلقى 
سوى التجاهل في كل مرة إلى أن فات أوانه. 


خاتمة 


أشيرٌء في الختام» إلى أن خصوصيات أعمال التاريخ الشفوي الفلسطيني 
تطرح نقاشًا لا يزال غائبًا في أوساط المؤرخين الشفويين في شأن العوامل 
السياقية التي تشجع عملهم أو تعوّقه. وريما كانت أصول التاريخ الشفوي 
الحديثة القائمة في الدول الأمم الراسخة هي السبب وراء تركيزه على الهوامش 
الموجودة ضمن الدول لا على تلك الناجمة عن التفاوت العالمي والاستعمار 
الاستيطاني. إذ أوجد دافع الاستعمار الصهيوني/ الإسرائيلي إلى التخلص من 
الصوت والوجود الفلسطينيين إصرارًا معاكسًا على أشكال المقاومة كلها بما 
فيها الكلام. وهذه الجدلية تشكل نقطة افتراق حين نفكر في الدافع الفلسطيني 
لإنتاج التاريخ الشفوي وتسجيله» ونرى» في الوقت نفسه» كيف حرمت السلطة 
الأيديولوجية والمادية الإسرائيلية/ الصهيونية الفلسطينيين من إضفاء طابع 
مؤسساتي آمن على هذا الصوت وهذا الحضور. وهذا الصراع بين إثبات الذات 
من جهة وإنكارها من جهة أخرى يقدم مثالا لعلّه يفضي بالتاريخ الشفوي إلى 
أن يتخذ «طابعًا دولياه بمعنى أعمق من مجرد نشر روحيته وممارسته من دولة 
قومية إلى أخرى. 


(42) انظر: «بمدتاهههممعنما لمد 208 ع15 :بمماكتط لععمعاتة5 ه مه كدوناءه827)» رماع س8 فكاكة 
.(2012) 49 ,من رراعء هيبل رعاوكعسول 


400 


الورقة الخامسة عشرة 


حيفا ولاجئوها: ما يُتذكر وما يُنْسَى وما يُتَكتّمْ عَلَيْه 


ساري حنفي 


23011 5015 نال 132125565 1/3 216210356 13 لتنقنا0) 
.]ام أن[ 1زنن أمعة؟ ع1 عرمممة: غااء 


عندما تذهب الذاكرة لتجمع العيدان اليابسة تعود 
بالحزمة التى تعجبها. من أساطير أمادو كوميا. 
٠‏ بيراوغو ديوب"') 
مقدمة 
يبدو الصراع العربي - الإسرائيلي واحدًا من الحالات العديدة التي يحكم 
فيها وزن التاريخ مضافًا إلى عبء الممارسات الاستعمارية اليومية والتخطيطات 
الجغرافية - السياسية والاقتصادية على الحاضر بأن يشهد استدعاءً مجدّدًا للعنف. 
وعلى مسافة ستين عامًا من إبعادهم يكابد اللاجئون الفلسطينيون حياة موسومة 
بصدمة جماعية. كان بعضهم مندمجا إلى حد بعيد في مجتمعات الاستقيال» لكن 
فقدانهم منازلهم وممتلكاتهم لا يزال بالنسبة إليهم بمنزلة الكابوس المائل» فيما 
يعانى آخرون نوعيّن من الصدمات: التاريخية منها ذات العلاقة بالتكبة» والبنيوية 
ذات العلاقة بما يكابدون من أوضاع حياة قاسية وتمييز قانوني ومؤسساتي في 
بلدان الاستقبال العربية (مثل لبنان ومصر). وعلى الرغم من ذلك يمكن للمرء 


(1) شاعر سنغالي (1906)» كان ناشطا في مجلة الطالب الأسود التي أسسها ستغور في باريس 
فى الثلاثيئيات. انظر: .دوعا لع مده !-33 1 /عجناعه-8 لها تدماءدء بصطاح ع ل سأ/عرمء. وه ذلمع معام ببجوبج مل مااط> 


401 


أن يتساءل إن كان الحضور الطاغي للماضي في حياة اللاجئين الفلسطينيين 
اليومية واحدًا. الإجابة بالنفي بالتأكيد؛ فما يسميه كوس وأوزاس*' مَوْرَئَةِ الماضي 
مده عطا كه وونامعذلونهممستهوم) ظاهرة كونية بحق. 


ترافقت نزعة المَورئة هذه مع ظهور صورة الشاهد مقابلة لصورة الخبير 
الذي فقد صدقيته تجاه الجمهوره وباتت الذاكرة الشخصية مصدرًا بالغ الأهمية 
بالنسبة إلى المؤرخين في إنتاج معرفة مشروعة؛ إذ اتخذ حضور الماضي 
في حيواتنا أشكالا مختلفة إلى الحد الذي ينبت فيه الحدود بين الحاضر 
والماضي والمستقبل» وتسمح الهويات للفاعلين بأن يجنّدوا الأزمنة الثلاثة 
لفائدة القوى السياسية التي تستند إلى الماضيء لا من أجل بناء سردية وجودهم 
بوصفه مشروعًا متصلًا فحسبء بل بغاية إضفاء المشروعية على حقوق 
عر اف والتعويض واستعادة الممتلكات والمطالبة بها. باسم الإيتيقا (وءن8) 
تُصبح مظلمة الماضي أهم من اللامساواة الراهنة©. ومثُلا مث يجسّد الحق 
في الذاكرة ومؤجة ة التذكر واستخدام القانون لإضفاء المشروعيّة على الطبيعة 
«الإيجابيةة للاستعمار ظواهر لهذه النزعة العامة الجديدة. فى بداية السنوات 
التسعين؛ ظهر هذا الاختصاص الجديد المستّى العدالة الانتقالية مواجهًا فقدان 
الذاكرة الذي أصاب مجتمعات ما بعد الصراع؛ مؤكدًا أهمية الذاكرة والتذكر 
بوصفهما مكوّنئن لواحدة من مقاريات التركيز على الضحية. 

يتناول البحث بعض الطرائق التي رَوَّى بها لاجئو حيفا الفلسطينيون حرب 
8» وتهجيرهم ووصف حياة حيفا الاجتماعية والثقافية في فترة ما قبل 
0 بين العرب واليهود. وفي ما يهم هذه المسألة - 
الموضوع هناك ثمّة تباينٌ بين الروايات المكتوبة والروايات الشفوية. إذ عكست 
الرّواية الشفوية بصورة 0-0 عدم تجانس (واعمءعمءمهاء11) المجتمع الفلسطيني 
إتَان الحرب» وهذا أهمل لمصلحة سردية ذات طابع قومي موحد. 


(2) كلمدوه؟! تعاتامستجممع جنامع لأاءءاامى ع7كتعصيم7 .كلت ,كفعيدطة امعمعتلا لهه كدمء! اتسومعة 
.(2008 بلوجها كه تدك نهنا تعماغد))) االعتتاء انا00؟ دك علأم اعوط ,[010آ1م اعمط الاء0771انا1710 اللا للاى مؤكعامت 


)3( المصدر نفسه. 


تراكمت كتابات تاريخية وعلمية اجتماعية في شأن فلسطين خلال فترة 
الانتداب» ويمكن عمومًا تحديد سمات عدة تميزها. إذ هي توليء. أوَلَاء 
اهتمامًا مبالعًا فيه بالنخب على حساب المجموعات الاجتماعية الأخرى» كما 
تركز على التاريخ الدبلوماسي والسياسي والعسكري أكثر مما تعتني بالأبعاد 
الاجتماعية والاقتصادية والثقافية» فضا عن أنها تقدّم العرب على أنهم كانوا 
من دون أمل في مواجهتهم عدوًا بالغ القوة» حيث بدت عاجزةً عن التقاط قدرة 
المقاومة الفلسطينية على التأثير ومواجهة التصوّرات الصهيونية المتمركزة حول 
ذاتها وحول مهمتها". 

بناء عليه» يحاول هذا البحث أكثر مما جرى إلى حد الآن إبراز بعض 
مسائل مفاهيمية عن تجميع شهادات اللاجئين الفلسطينيين الشفوية» ويعتمد 
على سماع ما يناهز 300 استجواب جمعها المركز الفلسطيني للاجئين والشتات 
(شمل) من أفواه لاجثين فلسطينيين أغلبيتهم من مخيمات جنين والجلزون في 
الضفة الغربية واليرموك في دمشق عن تجارب تهجيرهم والتاريخ الاجتماعي 
لمواطنهم الأصلية قبل الاقتلاع» وأخيرًا عن تجربة المنفى التي عاشوها. وأعير 
انتباهًا خاصًا إلى أولئك المتحدرين من حيفا: تلك المدينة المهمة في فترة ما قبل 
النكبة التي تميزت بتنوع إثنيء لكنها شهدت تطهيرًا عرقيًا شبه كامل» إذ من بين 
0, ع عربي فلسطيني من حيفاء لم يسمح إلا ل 3,566 منهم بالبقاء فيها. 

أولا: الشهادة الشفوية 
بعض المسائل المفاهيمية 

على الرغم من الأهمية البالغة لمصادر التاريخ الشفوي فإنها تثير ثلاثة 
تحديات: أولها وضع الشاهد وحدود شهادته؛ وثانيها وضع التاريخ الشفوي 
بوصفه مصدرًا للمعرفة» وآخرها تتعلق بإمكانات الحصول على شهادة الجاني. 


(4) 906-1948[ عدناعواوط ص عرعطج170 لأمتهول 10نت طعجار نكمأ عارك 910 5ع001700© ,القلاناءمآا مقطعم2 
(996] ,كمع دنادره! أله أه بأد ونا بروواع لمع 8) 


403 


1 - الشاهد مقابلا الضحية 

ثمة كتابات متنامية عن الشهادة", ويثير جمع سرديات «الضحايا - 
الناجين» وأرشفتها مسألة وضع الضحية بوصفها شاهدًا. يدرس جيورجيو 
أغامبن في كتابه المهم الباقون من أوشويتز: الشاهد والأرشيف”» حكايات 
الناجين من المحرقة» ويفسّر مأزق كتابة تاريخ المحرقة بالعسر الذي يلقاه 
الناجى منها فى أن يكون ضحية وشاهدًا فى آن: «الشاهد الحقيقى لمعسكرات 
الاعتقال هو ذاك الذي لا يمكنه الكلام»©. بالنسبة إليه» يتكشف تحمل مهمة 
اتخاذ موقع الشاهد باسم أولئك الذين لا يمكنهم الكلام على أنه اتخاذ لموقع 
يستحيل منه تقديم الشهادة. ما الذي يطرأ على الخطاب عندما تتكلم الذات 
المُقْتَلّعَة؟ هل هى تجربة عار (506هط5) أو إدانة لوانسة) أو ذلب (مهانانطهمان0)؟ لا 
يعيش الناجي بشكل عام تجربة إدانة بل تجربة عار*» وبالفعل» يرفض أغامين 
التأويلات التى ترى عار الناجى من زاوية الإدانة أو البراءة» حيث يبرهن على 
أن تجربة العار لا تأتي من الذنب بل من الوضعية الوجودية التي يلغي الشاهد 
فيها نفسه مجبرًا على ما لا يقدر على تحمل مسؤوليته©. لم يقترف الناجي 
خطأ أخلاقيًا أو قانونيًا حتى يشعر بالإدانة بل هو يحس بالعار: «عار أن يكون 
قد حدث ما كان ينبغى ألا يحدث»'' )» ويؤكد أكاديميون آخرون'' الأشخاص 
الذين كابدوا عناء عيش حوادث صادمة خلّفت لديهم ذكريات. 


(5) نونكع امنا ااعمه© :81 بمعمطا!) عاتوععبةا وار ءا( فيه «ماكةل بوتجوعما عاءتمتصمط 
7277 1216 «بط5102 5 للةتجمما علبيهات :/إلممتات1 1ه ونظظ مه هآ» ,مقصصاء ممقطومطة5 لمة ,(1998 ,درط 
39-1 .مم ,(1991) ووناكعن0 لقعلطاط عذلا لعة عتتطهعائنا ,79 .مم رععأاليدادة 


(6) نز لعتقاكمةه؟ ,وطاعمل عط ههه كههم!1!!! 376 :عاأساءسم4 زه كامعصجء2 ,معطامدوة ونعدمأن 
.(1999 ركئامه8 عمم2 ملعمل بسجعلح) مععده لمعلاء1! اعنمونا 


2( المصدر نفسه. 

(8) وممعمقط بوواععسفظ) 20/21 بعالا فته متساءعسا :1جما5 16 انيت :مم رورعا طاسع 
.(2007 رووعح2 والو اونا 

)9( .105 .م ,عااسطع عل زه 2115 7م82 رمع طاسسدوف 


(10) تتاعساظا مممعءالا با لعاقاقمه! ,ااه نره ععاملط :270 انامطااط دولا ,معطمدعة متهردمات 

3 .م ,(2000 ,كوعع2 فنمدء سصمتق8ة أه باتع نائدنا :دتأممةء ممنة8) مساتمعمن) عتممعءن لمة 

(0 ) -:مططعلة :هأ «لتمصعك! كه كسنهات ع1 تممتاعطمه هل ,قدك .11 لعصسطف نمه لمطوننا-ناطة ذائآ 

كعلة أن بلوطعندتآ-نطم ذائنآ لصه نل"53 .11 لممسطث نإ لعائلك ,بوبهججعاطط! ره كدمنها) ١لا‏ 4ثنت ,1948 عدانيء !تم 
.10 .م ,(2007 ركمعوط /زاتكتء انون وتامسام) :عارهلا" ببك81) بورميئ 1ط إه 


404 


منذ طفولتي كنت أرغب في أن أعرف الكيفية التي أجليت بها عائلتي عن 
حيفا. كان أبي؛ في عام 1948» في العشرين وأمي في السابعة عشرة. علمت ببعض 
شذرات من حكايات جدتي لأبي» وكانت معلّمة مدرسة في حيفاء لكني لم أعلم 
بالحكاية كلها. كان أبي دائم الشكوى من كونه متعبًا بعد ساعات طوال من العمل 
ويعسر عليه التذكر. كنت ألاحقه في عطلات نهاية الأسبوع من غير جدوى. في 
إحدى المرات وَاجَهْتَهُ متهمًا إيَاه بتَسَثَرِه على ما عاشه من عار. ولاعتباره استفزازي 
مَسَبَةَ رفض أن يحدّثني طوال أسبوع. وفجأة» ذات صباح يوم جمعة بدأ بالحديث 
عن حكاية خروجه. وقمت طول المدة يعد ذلك (حوالى عامين 2000-1999) 
بسؤال أصدقاء ومعارف فلسطينيين» إن كان والدوهم رَوَوْا لهم ما كان من تجارب 
خروجهم. كان الجواب سلبيًا إلا من ثلاثة من بين 28 منهم. 

كيف لنا أن نفسر هذا السكوت والتزام الصمت؟ كانت الشهادات التي 
تواردت شفويًا في نهاية الأعوام التسعين بالنسبة إلى سليم تماري*"© تقال بطريقة 
تخلط بين الرواة والمستمعين. كانت تتاب الأوّلين الحيرة لصمتهم دهرًا قبل 
إفصاحهم عن حكاياتهم المخبوءة» وكان السامعون حيارى هم أيضًا أمام هؤلاء 
الرواة الذين عجزوا عن تفسير ما كان سواء مكل بالنسبة إليهم قضاءً ربائيًا أم فشلا 
في مجابهة عدو متفوق. يتميّز عمل إفرات بن زئيف وإدنا لومسكي - فيدر عن 
سكوت الجيل الأوّل من المحاربين الإسرائيليين خلال حرب 1948 بأهمية 
خاصة”21. كان ذلك سكونًا مميرًا للمجتمع الإسرائيلي إلى حدود سبعينيات 
القرن العشرين حين كان على الأشخاص أن يُحْهُوا انفعالاتهم في الفضاء 
العمومي ويُراعُوا سكونًا يخيّم خصوصًا تجاه المحرقة والناجين منها. 

بدأ صوت أبي الوقور بالارتعاش عندما تكلّم على ما شاهده في طريقه 
من شمال حيفا إلى بنت جبيل في لبنان من دماء انسكبت من جرحى رموا 

(12) سليم تماريء الجبل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية (رام الله: 
المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية [مواطن]: 2005). 


(13) معءساعط لعممه1 :امتامعدء© لمعتهمموء 7116 ,رعلء1-طاكدهما وصلع امه بع'ع2-م8 )860 
.(2009 ععطتمعععء0آ1) 6 ,00 ,43 .01؟ ,برومامع50 «ري ممدكك84 أمومدلة لمة لمقدمدم 


405 


بالرصاص من العصابات الصهيونية. تكلّم بانفعال من يؤنّب نفسه على العار 
الذي شعر به إزاء ضعف الفلسطينيين وتعرضهم لخيانة «المتفرجين» من 
العرب. فجأةً افتقد أبي المحبّ الشعر الفصيح ومرتجل العربية» الكلام وراح 
يطارد كلمات يُعبّر بها عما عاناه طوال الشهور الأخيرة السابقة على ارتحاله إلى 
لينان. وإذا استخدمت الاستعارة المسرحية (:مطمقاء84 أدعنادءط1) لغوفمان* 
يمكن أن أقول إنني شعرت كأنه قضى الليلة يتدرّب في الكواليس وماماعه8) 
على الرغم من أنه ليس هناك دراما في المسرح (1:001518386)» وشعرت بأن 
الصدمة الجماعية لا تزال تُهيكل شهادته. وعلى الرغم من الزمن الذي كان قد 
قضاه محاريًا ضمن جيش الإنقاذ لم تكن شهادته بطولية بأي معنى من المعاني. 
تختلف الشهادات الخاصة المماثلة التي استمعتٌ إليها في مناسبات أخرى عن 
أخرى من جنس مغايرء أي عن تلك الروايات التعبيرية في الفضاء العمومي 
والممتجدة البطولة الفلسطينية والاستشهاد في مجابهة المجازر الوحشية التي 
اقترفها العدو الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك قد لا يعثر المرء في الجانب 
الآخر من تلك الشهادات على ما يعرض بِنْيَة حياة ما قبل الحرب الفلسطينية. 


إلى أي مدى تصطبغ الذاكرة بأثر سردية الواقع موقع الضحية؟ كان أبي 
يزاول عمليّن حتى يلبّى حاجات عائلة من خمسة أيناء: معلّم في المدرسة 
ومساعد صيدلاني في صيدلية عمّي. وبما أنه كان يغادر في السابعة صباحًا 
ويعود في ساعة متأشحرة من كل ليلة ققد كان في الأغلب يتناول عشاءه متأخرا 
سائلا أمي ألا تتولى تسخين الطعام الذي كان بالنسبة إليه اما يملا البطن حتى 
لا يشعر المرء بالجوع» وأن «المرء لا يعيش ليأكل بل يأكل ليعيش:. كان دائم 
الترديد: «أنا انتهيت من هذه الحياة» كما لو كانت ساعته قد توقفت في عام 
8 . وكان كل زمن لاحق لذلك وقنًّا مضافاء نوعًا من الوقت الزائد في 
وجوده البائس. كان دائم القول في توتر ومرارة: "نحن العرب نَمْضي من هزيمة 
إلى هزيمة». قرّرتُ في عام 2002 أن أختبر نظريتي في شأن عجز مهجري 


(14) كامه8 ممطاعصم بإملهاطنه ,غلا نرهفتوعمط جز /أء5 إه 1165م انوكع 2 776 ,رممطةاهت) ورماحظ 
(1959 ,لإقلك اطناه2 ؛لالة ,وان معلهدت) 


406 


8 عن مناقشة هذه الموضوعات مع أبنائهم. وضع مركز «شمل» مشروع 
بحث في التاريخ الشفوي في مخيّم جنين وكنت مديره آنذاك. أجرينا زهاء مئة 
مقابلة معمّقة» نصفها كان مع شبان» وأظهرت التتائج تعارضًا مهما إلى حد ما 
مع تجربتي (وتجارب معارفي) إذ لم يسمع إلا ثلث الشبان فحسب بتجارب 
تهجير والدّيهم. يمكن لذلك أن يجد تفسيره في القرب النسبي لجنين من 
في دمشق حيث عشت لكنه يجده أيضًا في اهتمام متنام بالتاريخ الشفوي. 
أرسيت مشروعات مختلفة خلال التسعينيات» ونشرت الحكايا الشفوية 
المتولدة من ذلك في كتب عربية وعبرية وإنكليزية» ورقية أو إلكترونية»؛ وصحف 
ومواقع على الإنترنت. فلسطين في الذاكرة هو أهم تلك المواقع”''» حيث يحوي 
مواد تفاعلية عن كل مدينة أو قرية من فلسطين التاريخية. وتجتاح حمّى التوثيق» 
كما يسميها بشارة دوماني©" الفلسطينيين في كل مكان, في رام الله أم في حيفا 
أم في بيروت أم في أي مكان آخرء فإنك تجد نفسك لا محالة أمام شخص ما أو 
مجموعة منشغلة باستجواب كبار السن مركبة التواريخ العائلية وباحثة عن الصور 
والرسائل» وجامعات أو جامعة الألبسة والأغاني التراثية زائرة المقابر ومجدّدة لها 
ومصوّرة الوثائق المخطوطة الكتابة ومعرّفة بها مكوّنة ملفات عن البيوت القديمة 
والقرى المهدمة. وبناء عليه» في الأعوام العشرة الأخيرة تحرّر الضحايا الصامتون 
من «عارهم». عناصر ثلاث دفعت نحو ذلك: أولها السياق المحلي - الإقليمي 
الجديد: إذ يرى هؤلاء الضحايا المسار السلمي وعودة قادة منظمة التحرير 
والانتفاضة على أنها آمال جديدة تستوجب فتح الملفات كلها ولعب الأوراق 
كلها. وثانيها الدور الحاسم الذي تضطلع به محطات تلفزيونية مثل تلفزيونات 
«فلسطين» وةالقدس» و«الجزيرة والعربية»» حيث أنتج عدد من الأفلام الوثائقية 
5) , قله لعمعط تع دمععع ص لاك اهم بوبويو/لواطا > 
(16) بشارة دوماني» «أرشفة فلسطين والفلسطينيين: إرث إحسان النمرء» في: أوراق عائلية: 


دراسات في التاربخ الاجتماعي المعاصر لفلسطين؛ تحرير زكريا محمد [وآخ.]؛ مراجعة صالح عيد 
الجواد. ط 2 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطيئية» 2011). 


407 


والبرامج المستندة إلى شهادات فلسطينية وتبثهاء وآخرها أن عددًا من الفلسطينيين 
يرى في التاريخ الشفوي ردًا على السرديات الصهيونية معاكسًا الجهد الصهيوني» 
حيث يرد عليه الفعل. تؤسس سرديات اللاجئين لمشروعية المطالبات التي عليها 
يجب أن يُبْنَى تطبيق القرار الأممي رقم 194 الضامن حق عودتهم إلى أراضيهم 
وتعويضهم عما فقدوه7". 


كتب أحد المشاركين في منتدى الموقع الإلكتروني «فلسطين في الذاكرة»: 
«ايرغب كثير من الفلسطينيين في مد يد المساعدة ولكنهم لا يعرفون الكيفية التي 
يمكنهم أن يفعلوا بها ذلك» لكن بعضنا ينسى أن لتذكر تاريخنا وتراثنا الأهمية 
نفسها لجمع المال أو كتابة الكتب أو الالتزام السياسي. نحن بحاجة إلى معرفة ما 
الذي ندافع عنه وسبب قيامنا بذلك. يهدف جزء من الجهد الصهيوني إلى الحلول 
محلنا لاافي أرضنا فحسب بل في لغتنا وأشجار زيتوننا وتاريخنا. إن لم نعرف من 
نكون فمن ذا يقوم بذلك؟ إن لم نكن نحن المتحدثين عن ذواتنا فمن ذا سيفعل؟4. 

خلال الأعوام العشرة الأخيرة نشر مركز الدراسات الفلسطينية ومعهد 
دراسات القدس التابع له عددًا كبيرًا من المذكرات واليوميات والرسائل التي 
كتبها فلسطيئيون مرموقون. حاليًاء يعكف فلسطينيون عاديون من مخيمات 
اللاجئين الفلسطينيين في سورية على كتابة مذكراتهم الخاصة:؛ فيما يُنشر بعض 
منها بطريقة محترفة (عن طريق دار الشجرة في مخيم اليرموك مثلا) أو باعتماد 
النشر على حساب المؤلف”'. على أن هذه الكتب تتألف عادةًٌ من حكايا شهود 
عيان لحرب 1948 وللخروج اللاحق لهاء فيما تظل المنشورات التي تسججل بنية 
الحياة اليومية وتاريخ فلسطين أو الفلسطينيين الثقافي نادرة جدًّا”'". يشمل ذلك 
اتجاهين: اتجاه رئيس كانت فيه إعادة تخيّل فلسطين ما قبل الحرب تجري عبر 
«إضفاء الصبغة الرومانسية عليها"» حافلة برؤى متهرّ رّبة من الواقع تركز على «صور 


) .26 ,35 .آوبا بوك1 بوواكلاع أص0 77:2 «بطقطلدا!-له لمد بممككأة؟ ل 0» بلعنات م8 ممعاد 
.68-0 .مم ,(2008) 1 


(18) مععماط ععمللالا 6ه كعقعمدت14 :لسداعصه1]؟ غطا عمنادععه2 بتكدط عط وماممدآال» ,كتحوط علاعطعمه 
.1948 ,ع اااععاءط نمطامة نهذ «رعمنا و2 0-1948مط صا 


(19) انظر على سبيل المثال: تماري» الجبل ضد البحر. 


408 


حقول البرتقال» واتحن إلى الماضي» ممبجدة الوطن في 7إطار رعوي ريفي شبيه 
بفردوس مفقودة2. أما الاتجاه الثاني الأكثر تعقيدًا ونقدًا من الأوّل فقام به أناسش 
عاديون وعائدون”22 وكتابٌ وقصاصون22 وأكاديميون». وتعرض عدد من 
هذه الحكايا لما يتذكره الناس الذين فمقدوا الكثير من وثائقهم الشخصية والصور 
وسجلات الملكية التي أتلمَّت عندما استولى الإسرائيليون على المنازل» بل 
اختفت حتى الوثائق الرسمية من البلديات. وفضلًا عن ذلكء إن لم تكن الجماعة 
العربية ذات الأصول الحيفاوية التي تناثئرت على طول المدى في سورية ولبنان 
وإسرائيل والضفة الغربية تحتفظ تقليديًا بسجلات مكتوبة©. 


2- انتقائية ذاكرة الرواة 


ثاني التحديات التي تواجه التاريخ الشفوي بوصفها منهججا هي انتقائية 
ذاكرة الرواة: ارق السام الك واي ف وناير م سار 
نسيانه. ثمة المنسيٌ والمكتومٌ ومسألة الرقابة الذاتية أيضًا أو مسألة من يروي 
رواية لبعض ورواية أخرى لبعض آخر. 


عندما زرت عائلتي في مخيم اليرموك رفض أبي أن ينظر إلى صورة كنت 
قد التقطها لحيفا لأنها ليست ل «حيفاه» على حد تعبيره. قال إن حيفا الآن مدينة 


)2020 تماري» الفصل الرابع. 

(21) انظر على سبيل المثال: زه أهتصنادل «روعع هتداع هدنهناععلد2 هه دمأدوعادم0)» ,مقط مدومو1؟ 
.85-5 .مم ,(1997) 1 .مت ,27 .آ0؟ ,عع امبو متواوط 
(22) انظر على سبيل المثال: فيصل حوراني» الجري إلى الهزيمة. دروب المنفى (4): شهادة.» 
سلسلة التجربة الفلسطيئية (رام الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية [مواطن]: 2001)؛ مريد 
البرغوني» رأيت رام الله ط 2 (ييروت: المركز الثقافي العربي» 3) و «بجبيوءا ذؤوالط ,ناسنا جوجه2آ 
(1994 رجوءط ممم عأرهلا بجبك81) جبمعاحه ف مادرء اع هو له عابطاعءاة :31 
(223 انظر : محمود عيسى وإيز ابيل هامفريز» في: :ع1 ه:أود7اكماه) ,.لهء ,هطتمعدلة عبالا 
:0ه ]) (1935-2003) اعد كلا تجممسمط كرت بورورعاب! ارا «ترودكط :عععوبانك ا لعنصعام! ءل؟ نه أعمدكا عدزلواوط 
«لاطق لهة ,(2005 مههااتسعواككا عتمواوط رط 4قك5نا عطا هذ لعاناطتتكلط علرملا بولح زئامو8 لم2 :ليولا بولح 
0 ناعنا لم0 مام1» ,5201 لسة لمطويدا 
(24) مي إبراهيم صيقليء حيفا العربية 8 1939-9: (التطور الاجتماعي والاقتصادي)؛ سلسلة 

المدن الفلسطينية؛ 1 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطيئية» 3) ص 9. 


409 


إسرائيلية وأصرّ على أن ليس في مقدوره العودة إليها طالما ظلّت تحت السيادة 
الإسرائيلية. لكن. لم يَحُلَ غدٌ ذلك اليوم إلا وكان صحافي سويسري من أصدقائي 
يستجوب أبي ويسأله إن كان سيعود إلى حيفا إن صار ذلك ممكنًا. وفجأة 
صرّح بصيغة أيديولوجية بليغة #بوصفي فلسطيئيّاء مثْلي مثل أي واحد آخرء أود 
العودة من دون شروط؛. تتعلق الرقابة الذاتية بما يقال وبما لا يقال» ووصف تيد 
سويدنبرغ مدى تردّد الناس في التحدث عن المتعاونين وعن الى 0 


في ما يأتي مثال آخر من مخيم جنين» حيث كانت الملكيات التي أعلن 
عنها اللاجئون الفلسطينيون مبالعًا فيهاء ووفر مختار قريتي زراعين وعين 
حوض دلائل تثبت ما جرى من الانتقاء والمبالغة. 

تثير انتقائية ذاكرة الشهود مسألة العلاقة بين الذاكرتين الفردية والجماعية. 
هناك هوّة واضحة بين سياقات التبليغ والتمدّلات الجماعية التي تؤثّر في الروايات 
الفردية النازعة نحو تضخيم الماضي. لا يمكن بالنسبة إلى بول ريكور©© أن 
يكون ثمة ذاكرات من دون وجود تاريخ مشترك بين الناس. يتذكر الفرد ما فعله 
أو ما قاساه» ويتقاسم الأفراد في الحين ذاته ذاكرات مع أعضاء آخرين في 
المجموعة» وعلى ذلك تمثّل الذاكرة الجماعية إمكان رؤية أي فرد من أمة ذاتّه 
في عيون مواطنين آخرينء يضرف النظر عما يفرّق بينهم من الاختلافات؛ رقية 
تتمكن من خلالها سرع عن طابر بن لووك إلى حوادث ماضية أعيد 
بناؤها ورُويّت لهم. واقعّاء تسبق هذه الذاكرة الجماعية من وجهة ما الذاكرات 
الفردية» إذْ نولد في خضع خطاب «عائلي؟ يخرّن حكايات تاريخ المجموعات 
التي إليها ننتمي (العائلة والمحلي والأمة... إلخ). تتشكل ذاكراتنا الفردية مُواجهة 
خلفية هذه الذاكرة الجماعية ويعسر على الفرد فى كثير من الحالات أن يغرّد 
خارج الشرب77©» ويجعل ذلك من التأريخ مهمةً بالغة العُسر إذا ما ابتغى تخليص 


(25) هصداأاعلوط ذا ممه :هلماع 939[-936[ +3186 :امج إه 8470165 بوتنتطوعلهم5 153 
.2 .م ,(2003 ,جوع كمكمملعة كه بزازوعاتمل] عااتبعاق بره ؟1) اعمط إمدمنولة 


26 0 لتق لإعتصتواظط مععاطاما لزنا لعتداكمةها" ,وم /المعهوظ بومعاط جوهمءأم رتنومعنظ لوط 
.(2004 بكمعو2 مجه !0 كه نزاتوت اونا :موقعتط) معبولاءط 


(27) المصدر نفسه. 


4130 


عناصر الذاكرة الفردية من تلك التي تقع تحت التأثير البالغ للسردية القومية 
الكبرى 6 ادسهه-هاء/0). ومما ينتج من ذلك أن تكون تمايزات النوع الاجتماعي 
والطبقة والدين قابلة للتناسي بيسرا*©. 


3- التاريخ الشفوي: ماذا عن الجُناة؟ 


آخر تحدّيات التاريخ الشفوي هو المدى الذي يمكن أن يشمل ما يرويه لا من 
منظور الضحايا فحسب بل ما يكونه من منظور مقترفي الاعتداءات. يبدو أن المؤرّخ 
الأميركي راؤول هيلبرغ (©ءزانةة اددهع) الذي وجّه من خلال كتابه المعروف 
إبادة اليهود الأوروببين نقدًا لاذعا إلى التاريخ المبني على سرديات الضحايا أو 
الناجين”*» بنى كتابه على وثائق مقترفي الاعتداءات والجناة وشهاداتهم. وبتّنت 
حنة آرندت أن تاريخ المحرقة لم يكن من كتابة الضحايا ذواتهم بل صيغ بعد 
محكمة إيخمن في القدس لدى تكلم مقترفيها. وبررت حاجتها الماسة إلى 
حضور محاكمة إيخمن. كاتبة: «كنت أودّ تعريض نفسى لا للأفعال بذاتها» حيث 
باتت على كل حال معلومة: بل لمن قاموا بها». تجاهل الباحثون الفلسطينيون 
والإسرائيلون المناهضون للصهيونية والأجانب جميعًا الحاجة إلى إجراء مقابلات 
مع الإسرائيليين في شأن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الفلسطينية لما 
قبل نكبة 1948 ومشاركتهم في اقتلاع الفلسطينيين. 
انيًا: مركزية حيفا 
قبل الحربء كانت يافا المركز التجاري والثقافي العربي الفلسطيني الأكثر 
أهمية*©» وكانت حيفا المديئة الفلسطينية الاقتصادية والثقافية الأكثر امتزاجًا 
في ذلك الوقت. وعلى خلاف كثير من المؤرّخين الذين يربطون بين الحداثة 
() ,برماكذاط 5عاصمءط 4 :ععتجداءمتسامص]1 10 كلاروكمءط جم[ عابم ااطامواء2 بطوتزه5 وتقدعومظ 


ماس مد طاات ب«مممطعآ ما كممتمناكء لوط مهد طائب وبي إصعام] ورم] طلوتزمذ جسممعومظ. نز لعل ومععم 
.(1979 ,كامم8 لم2 نهصملومآ) 3 ,مم زمعلع5 أممتا 16لل:54 ,لللعومط تمفولة رط 


)229 ,003 عجرو لعطدناطنهرمتا «صماكذ1! (0:0 6ه أععزمء5» بمه؟أ5 ادر 


(30) ,كما لم3 عاععاوط إه أمصسمل «بقككول ما كصسبحع؟ لمبضالا» ,أممصستصسوةط ممعع لصة نعقصة؟ امتلوع 
,65-79 وم ,(1998 عصتصسن5) 4 .مم ,27 .أو 


41 


والحضور الإمبريالي الأوروبي يبيّن تماري”© من خلال دراسته عن كثير من 
الفلسطينيين الذين عاشوا في حيفا والقدس العثمانئيّتين الكيفيّة التي يرت بها 
المدينتان بروز وجوه محلية ووطنية وإقليمية أيضًاء بل ومعولمة إلى حد ما. كان 
حضور التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة في فلسطين منذ نهايات القرن 
التاسع عشر قد أدّى إلى ظهور بيئة اجتماعية وجدت في طبيعتها التجارية قاعدة 
ثقافية زمنية سمحت لها بأن تجتاز ضغط المحيط الاجتماعي المحافظ. كانت 
المدينة الساحلية بدأت منذ أواخر الحقبة العثمانية تتحول إلى مديئة حديثة. 
وكانت مظاهر هذا التغيير تتمثل فى تنامي ساكنة حيفا والتحول الذي طرأ على 
خاصيتها الديموغرافية. كان تعداد ساكنتها قد استقر على نحو أربعة آلاف 
فلسطيني في بداية القرن التاسع عشرء ثم بدأ يتنامى خلال النصف الثاني منه عندما 
بدأت خاضيتها الديموغرافية المسلمة والمسيحية الغالبة في التغير هي أيضًا. إذ 
انتقل واستقر في عام 1869 فلاحو جماعة الهيكل الألمانية (50616 عدامه56) في 
حيفاء وبدأ اليهود خلال الأعوام 1880 يتوافدون من أوروبا قبل عهد من انطلاق 
الصهيونية السياسية. فى ذلك الوقت بدأت حيفا تتغير من خلال الاقتصاد والنقل 
بمواصفاتهما العالمية الملائمة لذلك الزمن» وتزايد أعداد البواخر الأوروبية 
الوافدة إلى مينائها بالتوازي مع تنامي التجارة الأوروبية مع المتوسط الشرقي. 
بنى الروس في عام 1859 رصيمًا حتى يُيَسَروا اتجارًا بمثل ذلك الاتساع» وبنى 
العثمانيون أول منشآت الميناء في عام 1908» وكانوا قبل ذلك قد ربطوا حيفا 
بطبريا بطريق برّية» كما ربطوها في عام 1905 بدمشق عبر مد سكة خط الحجازء 
كما كانت المديئة متّصلة بمصر عبر خط حديدي استجابة للحاجات العسكرية 
البريطانية. ومع حلول الحرب العالمية الأولى كانت حيفا قد عوّضت بيروت 
بوصفها الميناء الأهم في تزويد شمال فلسطين وجنوب سورية وأقاصي المناطق 
الواقعة خلف وادي الأردن» وكانت الحبوب ومواد أخرى تتدفق نحوها. وخلال 
حقبة الانتداب كان ينظر إلى الحياة السياسية الفلسطينية أنها على الأغلب مجال 
يافىٌ وحيفاوي عبر ما كان من النشاط النقابي والسياسات المتجذرة والصحافة 


(0 تماريء الجبل ضد البحر. 


412 


اليسارية2*؟ والدور المهيمن للنساء المناضلات والناشطات7©» مصحويًا بما 
أقيم فيها من مشروعات ضخمة عمومية وخاصة. واعتبر المرفأ الجديد ذو المياه 
العميقة الذي افتتح في عام 1933 أضخم مشروعات الإنشاء العمومية التي 
أنجزها البريطانيون في فلسطين خلال الانتدابء رافعًا المكانة الاقتصادية لمدينة 
ا ا ا ا ا فى العراق إلى جانب 
مصفاة نفط. وكانت المدينة تستضيف واحدًا من المطارّين المدنيين الفلسطينيين 
مرتبطا بيافا بطريق إسفلتية انتهت من أشغال إنشائها في منتصف الثلاثينيات 
أيضًا. وتنامت ساكنة حيفا خلال الانتداب مارة من 4 , 24 في عام 1922 
إلى ما يناهز 000 , 128 في عام 1944 كان من بينهم 66000 يهودي. واضطلع 
خط الحجاز الحديديء ثم الخط الحديدي الفلسطيني والجامعة التكنولوجية 
(التخنيون) بدور رائد في توفير الحاجات المطلوبة لتطور حيفا من مدينة صغيرة 
إلى مدينة كبيرة 5 تتمتع بكل مزايا ساكنة متعاظمة العدد وبما يلائمها من خدمات 
متنامية. تأررت نان إلى مدية فر كزنة في تجا المطين حولت إلى رين 
للحجيج المسلمين وسمح لها وضعها المهيمن ونموّها اللاحق بأن تجتذب 
نشاطا سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا ذا بال*». وكان في مقدور التجار أن يستفيدوا 
من هاتين المؤسستين الاقتصاديتين بفضل النشاط التبادلى الذي جلبتاه إلى 
المدينة ونجاحهما في نسج تشابك تجاري مع تعجار حبوب منطقة خوران السورية 
الجنوبية ليصدّروها عبر الميناء. 


ثالثًا: ما الذي يذكره اللاجئون؟ 


مايميّز شهادة لاجثئي حيفا الفلسطينيين أن مواضع الذاكرة*7 (ماممكس عه سهن) 
لديهم لم تكن أراضي أجدادهم بل المدينة والحياة شبه الكوزموبوليتية التي كانت 


(32) تماري؛ ص 201. 


(33) ذمعءجه!! ممامناععاوط 136 «نعدمه!! «عولل» كاذ وه ارمأنعلط 7186 ,الممسطعكاءا8 مولا 
.(2003 ر,ككعع2 هأدده !تله )ه لإأاوءاتدنا بخ ,برعاعماعظ) 920-1948[ راوع سمعدولئة 


(34) «عامعبدعل «رةاتهل! كه امعتومواعنع1 عطا لمة نزوداتمظ عمأندءأوط-جوزنا] ع1 عبامفمع14 بإممطاول 
5-2 .مم ,(2006 متمناساة) 28 .10 ,براءء مس 


(35) 3 بتنولة عمعاط عل ووتاعومتل ذإ[ كنامة ,ه0101 عل موا كملا ,[.1 أء] ممعععم أرعطواءي اتمدا 
! ئها ,(1997 ملكقتسطللة0 توعة2) معأاهنا0) بقعنوما 


413 


تحياها المدينة خلال القرن العشرين. تتعلق أكثر الشهادات الشفوية المؤثرة عن 
النكبة بسماعهم بلاغات ترهيب الهاغاناه» تلك الفرقة الصهيونية شبه العسكرية» 
المبثوثة عبر مكئرات الصوت زارعة الرعب في قلوب السكان العرب لإجبارهم 
على الهرب. أكد ذلك المؤرخ بيني موريس*0» لكنه ادعى أن عمدة حيفا اليساري 
و«المتسامح؟ طلب من العرب ألا يغادروا: «في حيفاء كانت السلطات المدنية 
تقول شيئًا فيما كانت الهاغاناه تفعل شيئًا مغايرّاء بل إن وحداتها كانت في الميدان 
تأني أفعالا مناقضة تمامًا ويطريقة لم تكن على الغالب مفهومة من العرب»7©. 
أثار بعض من حاربوا ممّن جرى استجوابه خلال مقابلات في مخيمي اليرموك 
وجنين قضيّيِن مريرتين: أولهما التفتت السياسى الذي كان يسود فى ذلك الوقت 
حيفا بزعمائها المنقسمين في شأن برامج متباينة» أما الثانية فهي الذخائر الفاسدة 
ونقص التدريب العسكري الذي أكدته مذكرات رشيد الحاج إبراهيم©. 

لم تكن حيفا منقسمة على نفسها سياسيًا فحسب بل اجتماعيًا أيضًا. يبدو 
لي أن من المهمّ مقارنة شهادة جدّي (من جهة الأب) محمد الحنفي بشهادة 
خالي. انتقل جدي إلى حيفا في عام 1921 مع عز الدين القسام من جبلة حذو 
اللاذقية في سورية هربًا من الاضطهاد الفرنسي. وجد رجل الدين السوري 
والشيخ الكاريزمي عز الدين القسام الذي كان يدعو إلى مزج قوي بين الإصلاحية 
الإسلامية والمقاومة الوطنية في حيفا تربةٌ خصبة تستقبل رسالته وعلى الأخصٌ 
في صفوف الجماعة الحضرية الفقيرة. كان جدّي يصف حيفا بأنها مدينة كثر 
فيها المهاجرون الذين حلوا بها آنين من سورية ومصر ولبنان» وفيها طبقة عاملة 
تشتغل في الميناء وفي سكة الحديد وفي المصفاة» فيما كان خالي يتحدّث عن 
شبان من فلسطين الشمالية يؤمّون حانات حيفا لاحتساء الكحول. خلال بداية 
العشرينيات» كان تدفق الروس واليهود الأوروبيين الشرقبين وهجرة عدد كبير 


(36) بني موريسء طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: وثيقة إسرائيلية (عمان: 
دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية» 1993)» ص 76. 

() المصدر نفسه.ء ص 90. 

(38) رشيد الحاج إبراهيم» الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين: مذكرات رشيد الحاج إبراهيم» 
1953-17 (بيروت: مؤمسسة الدراسات الفلسطيئنية؛ 2005). 


44 


من اليهود الألمان في بداية الثلاثينيات» قد فتحا المدينة على عدد من التأثيرات. 
تصف مي صيقلي”” المدينة على أنها مُحَبّبةَ وتُرفت ببساتينها الطافحة بأشجار 
البرتقال والليمون» ويتحدث كثير من الشعراء الشعبيين عن حيفا بوصفها موضعًا 
للترفيه مشيًا على الأقدام وسباحة وزيارةً للحانات والمطاعم الجميلة ... وإلى 
ما هنالك» وفضلا عن ذلك كان هناك المبشرون الفرنسيون ومهاجرو الهيكل 
الألمان بمؤسسات التعليم التي أقاموهاء حيث أصبحت حيفا موضع لقاء رائعًا. 
لكن على خلاف عدد كبير آخر من المدن الكبيرة ذات الخليط من السكان كانت 
حيفا جديدة بعض الشيء وغير مقيّدة بتقليد تليد ولا بتاريخ طويل؛ ولهذا السبب 
كانت أكثر قابلية للتغيير من مواقع أخرى. 


ما طبيعة العلاقات التي كانت تجمع اليهود والفلسطيئيين في مدن الخليط 
مثل حيفا؟ يبرز زاكاري لوكمان باراديغم المجتمع الثنائي بوصفه عدسة رق 
من خلالها فلسطين الانتداب**» ويتقبل أكاديميون إسرائيليون نافذو التأثير 
مثل س. ن. إيزنشتات (الهاقمه5ف8 .1( .5) ودان هوروفيتز (1101012 0ه) وموشي 
ليساك ولتكدنا عطوه84) أنمو ذج المجتمع الثنائي» لكن طلال أسد بيّن أن العرب 
الفلسطينيين لا يضطلعون في أي حال من الأحوال بأي دور في تحليل إيزنشتات: 
يبدو الاستيطان كأنه يمتد في الفراغ» منقطعًا تمامًا عن المجتمع العربي الذي كان 
يجري في داخله ومنفصلا عن أي تأثير له فيه. وبدلا من ذلك» تشكلت بالنسبة 
إلى إيزنشتات وعدد من علماء الاجتماع والمؤرخين الآخرين ملامح المجتمع 
اليهودي في فلسطين وديناميته» وكذا تلك الخاصة بمستقبل المجتمع الإسرائيلي 
بشكل حاسم في بواكير القرن العشرين على أيدي الطلائعبين الصهايئة الذين 
جلبوا معهم من أوروبا الشرقية تلك القيم التي شبّجعت على إطلاق الاستيطان 
وبناء مؤسساته متجها في مساره الخاص نحو إعلان الدولة””. يبدو ذلك مهما 


(239 صيقلي» حيفا العربية. 
)240 كت 1171 أمت كع 4ه 0 بلتقتتتاعمآ 


(41) ذه معطه© 6ه كتدتراقهعم سم تكدواطم2 لدتعهامعل1 قح كاية1 أمءأووامممسطامف» ,لمعم أهلة1 
رالقساعمآ :لاط 01160 ,1-40 ,مم ,(1975) 3 .20 ,4 .701 ,لإاءاعم5 ممه برممدمعع «راعهدا هأ دعووال/ا طهمم 
كت ألصه 12 2014 كع00 017 


415 


في بيان كيفية تبني الصهيونيين رؤية لا ترى العرب» وهذا ما حصل منذ زمن طويل 
ووصل إلى اليوم. فشلّ المؤرخون الفلسطينيون عمومًا أيضًا في وصف علاقة 
اليهود بالعرب في ذلك الوقت. لا يسمح براديغم المجتمع الثنائي إلا برؤية نمط 
التفاعل النزاعي والعنيف بين العرب واليهود في فلسطين» وقليلًا ما تتتخطى المواد 
المكتوبة الرائجة بين المؤرخين إلى ما وراء ذلك» وإن كانت استناءاتٌ و 
جديرة بالاعتبار. من أمثلة ذلك عمل روزماري صايغ المبني على شهادة فلسطينيي 
لبنان2*» وعمل راث كارك وجوزيف ب. غلاس (وتها0 .8 طوعدم1 ههه علتقك! طابيه) 
المبني على شهادة عائلة فاليرو (160ق/ا 15) من السفار ديم و علاقاتها في القدس 
خلال فترتي العثمانيين والانتداب”» وعمل سليم تماري عن إسحاق شامي 
ومايسميه اليهود العرب. لا المستوطنين اليهود الأوروبيين**. تبدو الاختلافات 
ذات بال لمن يأخذ في الاعتبار التاريخ الاجتماعي الخاص بكل مجموعة والطريقة 
التي حاول بها الصهيونيون استخدام أولى المجموعتين. يُعتبر لفظ «اليهود العرب6 
اليوم» وفي أغلب بقاع العالم» على حد قول تماري» تضادًا لفظيًا. يعيد الباحث 
الاجتماعي الإسرائيلي يهودا شنهاف في كتابه اليهود العرب”* رسم أصول مفهمة 
اليهود المزراحيين بوصفهم يهودًا عربًا وهو يؤوّل الصهيونية على أنها ممارسة 
أيديولوجية ذات مقولات ثلاث متزامئة متعاضدة هي القومية والدين والإثنية. 
ويهدف الانضواء إلى المجموعة القومية كان من الضروري «انتزاع عربيتهم؟» 
وعلى حد قول شنهاف فإن الصهيونية مايزت الدين بين العرب واليهود العرب» 
ليصبح السمة الرئيسة للجنسية في صفوف اليهود العرب!؟. 


تُظهر مواد التاريخ الشفوي مستويات عدة من العلاقة واللقاء من خلال 
الجيرة والعمل وفي الحانات. كانت العلاقات في بعض الأحيان مصلحية 


02) ل 0 


(43) ممسع08 ذأ كعمو ماع طعف تلمقدامع5 الإلنصة؟ معلولا عط1» ,وكمات .8 طوععم1 لمة عايق؟ طانهر 
.2740 .مم ,(2004) 21 .20 ,برت صمين نع اوكعيوعل «بصت لفكددع[ برمأملصدكا مجه 


(44) تماري» الجبل ضد البحر. 
(45) فجه ,ارماعااء!! ,كالمممهلة إه المع[ أمتدوامعاعوط 4 «وسول نمدا 71:6 ,لقطمعط5 .ىم هلمعلا 
.(2006 بككت:2 لإانوء انهلا لتمكقماة :ثاتلى بلدهأصقاذ) كومقأك لمعنطادن ,وء مط 


(46) المصدر نفسهء ص 280-270. 


416 


مثلما تفسّره واحدة من الروايات: «اعتاد أبي المصاب بضغط الدم أن يزور 
طبيبًا يهوديًا. يُشتهر الأطباء اليهود بأنهم ماهرون». كان كثير من الصلات يعقد 
بين العائلات البهوادنة. والتزنة "فى الجواز مثلم كان خلية الأمر فى بتي الهناز 
في وسط حيفا. وحتى عندما يتحدث الفلسطينيون عن عالمي حياة مختلفين 
(يهودي وعربي) فإنهم يبرزون أمثلة عديدة للقاءات مثلما كانت عليه حال 
ل. ص. ربة البيت ذات الأعوام السبعة والسبعين: «كثيرًا ما كنا ندعو بعضنا. 
كانت أمّي تحب الطعام الذي يطهونه وخصوصًا نوعًا من الشكشوكة بالبيض. 
وكانت عائلتي معتادة على رؤية جارتنا اليهودية أم يعقوب كل أسبوع تقريبًا ... 
ومن بين الموضوعات التي كنا نتحدث فيها اجتياح اليهود الأجانب حيفا ... 
حتى أم يعقوب كانت تتحدث عنهم على اعتبارهم غازين وكانت تخشى سوء 
أخلاقهم. عليك أن تفهم أن اليهود والعرب محافظون وكثيرًا ما كانوا يُصدمون 
لدى رؤية لباس اليهود الأوروبيين؟. كانت الأيديولوجيا الصهيونية تحذّر اليهود 
العرب من التحدث بالعربية أو التعاطف المبالغ فيه مع إخوانهم في القومية. 
ووّصف ذلك ببراعة في الفيلم الوثائقي «أنسى بغداده وهو شريط وثائقي 
أخرجه سمير نقاش وعالج فيه مأزق اليهود العراقيين في إسرائيل (شمعون 
بلاص وسمير نقاش وموشي حوري وإيلا شوحط (وطدهة 812))» كما يصف 
سامي ميخائيل في شريطه الوثائقي المأزق الذي يواجهه بعض اليهود العراقيين 
في إسرائيل. يعكس ميخائيل ذلك جيدًا: «يبدو لي الأمر أحيانًا كما لو أنني كنت 
شخصين, أحدهما عراقي عربي وآخرهما يهودي إسرائيلي ... خلال الحرب 
على العراق أحسستٌ كما لو كانوا يقصفون طفولتى». جانب المشكلة 
الثاني كان وللأسف كيفية تعامل العرب مع هؤلاء اليهود ومنع الصلات 
بهم كما لو لم يكن للإنسان إلا انتماء وحيد. اعتبر النقّاد إسحاق الشامي 
(1888 - 1949) الذي عاش في حيفا واحدًا من ألمع كتاب فلسطين في 
ذلك الوقت ورأوا أنه عكس عبر شخصيته وأدبه ظاهرةً كانت في طريقها إلى 
الزوال» عَنَيْت هوية اليهود العرب. يمكّل مأزقه مثالا مثاليًا عن هذه المشكلة. 
كان وعد بلفور قد وضع اليهود العرب والسفارديم الذين كانوا يتماهون 
مع الثقافة العربية في فلسطين في موضع حرج. كانت مقاومتهم الهوية 


41 


الصهيونية مقاومة ثقافية في الأغلب لا مقاومة أيديولوجية» وكان بعض منهم؛ 
من ناحية أخرى؛ يرى في الحركة الصهيونية إغراء الحداثة الذين وجدوا فيها 
إغراء الثقافة الأوروبية والفكر الاشتراكي. كانت حيفا فى مجال العمل موقعًا 
استثنائيًا أيضًا. وعلى خلاف المؤسسات المجاورة كلها التي كانت ملك العرب 
وأغلبية المؤسسات التى كانت ملك اليهود فى فلسطين كانت خطوط الحديد 
الفلسطينية تستخدم العرب واليهود» فكانت واحدةً من المؤسسات القليلة التي 
كان العرب واليهود يشتغلون فيها جنبًا إلى جنب مواجهين الأوضاع نفسها 
ومجبرين على التفاعل في سياق البحث عن حلول لمشكلاتهم. وعلى ما أكده 
لوكمان7: «كانت الخطوط الحديد الفلسطينية واحدةٌ من كبار المشغلين فى 
البلاد بقوة عمل بلغ تعدادها حوالى 2,400 عامل في عام 1924» وعادلت 
ذروة تضخمها 7,800 في عام 1943. وكانت قوة العمل هذه تضم عددًا 
كبيرًا من الفلاحين العرب غير المؤهلين الذين استّخدموا في تشييد أساسات 
سكة الحديد ومسارتهاء وضمّت أيضًا عددًا لا يُستهان به من الأعوان المؤهّلين 
في أقسام التسيبر والجولان والمحطات على امتداد البلاد» وفي عام 1943 كان 
ما يناهز 1200 عامل عربي ويهودي مستخدمين في ورشات حيفا للوصلاح 
والصيانة. وبناء عليه وحتى تركيز مصفاة النفط في حيفا في بداية الحرب 
العالمية الثانية وما تلاها من تكاثر القواعد العسكرية البريطائية خلال الحرب» 
كانت ورشات حيفا الموقع الأضخم لتمركز العمال الصتاعيين الأجراء». 00 
شهادات اللاجثين الفلسطينيين الشفوية ما كان من تمييز ضد العمال العرب. إذ 
كان العمّال اليهود يستلمون أجورًا تفوق مقاديرها ضعف مقادير أجور نظرائهم 
العرب. يروي لاجئ فلسطيني من قادة العمال العرب في الميناء الطرفة الآتية: 
«في إثر إضراب نظمناه حوالى عام 1938» توفق الهستدروت (نقابة عمالية 
يهودية) في الترفيع من أجور المستخدمين اليهود. وعندما ذهبتٌ أنا وبعض 
العمال العرب للاحتجاج برّر المسؤول البريطاني الارتفاع ‏ الذي استفاد منه 
العمال اليهود بكونهم كانوا معتادين تناول الشوكولاتة :باهظة الشمن». 


472 قلعا قانه كعله:0© بتتدجاعءما 


418 


خاتمة 


حاولت في هذه الدراسة سبر اشتغال الذاكرة الفلسطينية وتباطؤ شهادة 
اللاجئين في شأن النكبة من خلال اتخاذ منظور متأن يهضم تجاربهم ويكسب 
ذكرياتهم معنى ومبنى. أشرثٌ إلى أهمية الطرائق التي بها روى لاجثو حيفا 
الفلسطينيون نكبة 1948 وتهجيرهم وحياة حيفا الاجتماعية والثقافية قبل 
الحرب بما في ذلك اللقاءات العربية - اليهودية» وبتّنت أن ثمّة تبايئًا بين 
الروايات الشفوية والمكتوبة. وعلى الرغم مما صغته في هذه الدراسة من نقد 
لقضايا المتكلم واللامتكلم فيه والمفكر واللامفكر فيه في الشهادات الشفوية 
تبيّن أنها تروي حقائق ذات عمق. وحدها الشهادات» كما كتب ببلاغة أحمد 
سعدي وليلى أبو لغد*» كفيلة بإحداث اختراقات فى جدار الرّواية المهيمنة 
لما جرى في عام 1948 وفتّح مجال للأسئلة. 1 


كان من شأن التاريخ الشفري أن عكس بصورة أفضل عدم تجانس 
المجتمعات الفلسطينية عبر الشتات وبيّن كيف أهمل ذلك لمصلحة منظور 
قومي موحّد. ذلك هو الامتزاج الذي أرغب في تناوله في هذه الخاتمة على أنه 
عاكس لتنوع اجتماعي وثقافي وتفتت سياسي أبرزنه ذكريات حيفا قبل الحرب 
ولا تزال حتى زمئنا الحاضر. أحاج هنا بأن ذلك يمكّل الخلفية التي يسّرت 
التخطيطات الدقيقة والمثابرة التي يدأب عليها الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي 
والأنثروبولوجيون من أجل إيجاد حدود راسخة تقسّم 00 الفلسطينية 
تضاف إلى الحدود المادية التي تفصل بين الجماعات الفلسطينية الموزع شتاتها 
على امتداد دول المنطقة وما عداها. وقد لاحظ السوسيولوجى الفلسطينى عزيز 
حيدر أن لقاءات ما بعد حرب 1967 بين اللاجئين الفلسطينيين الذين يتعيون 
في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلَيْن حديئًا وأقاربهم داخل حدود 1948 
كانت إشكالية. بعد أعوام الفصل العديدة» فهم الناس الاختلافات سريعًاء فكان 
من شأن ما مارسته إسرائيل من احتلال ومراقبة وتحكم أن وجد عالمًا فلسطييًا 


(48١)‏ 23 .م «بعه تعلو مل» ,ألهك5 امه لممطوناآ-ناطم 


419 


جديدًا داخلها. وفضلا عن أثر النظام السياسي برزت قضية التمايز الطبقي 
الاجتماعي» حيث أصبح فلسطينيو الداخل الإسرائيلي أكثر ثراء من أقاربهم 
اللاجئين في الأراضي المحتلة» كما بيّن لنا عزيز حيدر أن الزيارات سرعان 
ما توقفت. قال أحد المستجوبين المقيم في حيفا إنه كان ينتابه الانزعاج عند 
مقباحته الجن إلى العتارل الى كانن لم فى واج ستريب ونتالى ري 

من حيفاء وإنه وجد نفسه مضطرًا إلى الكف عن ذلك. كما وجه السوسيولوجي 
الفلسطينى أندريه مزاوي بعض النقد الحاد إلى فشل فلسطينيى الشتات في 
الاعتراف بالحقائق الواقعة على الأرض في مدن و4و1«», 0 ْ 


هناك عدد من التفسيرات لهذه الهرّة بين فلسطينيي الداخل واللاجئين في 
الأراضي الفلسطينية وفي الخارج. خبر بعض فلسطينيي الداخل قوة المجتمع 
الإسرائيلي وامتصوها ثم أعادوا تصويبها ضد الفلسطينيين الواقعين تحت 
الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة مثلما يحاجٌ بذلك سدريك باريزو»5 
وأوجدت التباينات في وضعهم الاجتماعي الاقتصادي لديهم شعورًا بالتفوق. 
ويبيّن الباحث نبيل صالح من مركز مدى أن فلسطينيي إسرائيل لا يبالون بواقع 
احتلال الأرض الفلسطينية» وهو يتذكر ما عايشه في أثناء طفولته من كون 
فلسطينيي إسرائيل يقولون إن الضفة الغربية جرى «فتحها» لا «احتلالها». 

هناك روايات أخرى تبين أشكال القطيعة على طرفي الخط الأخضر. إذ 
التقط فلسطينيون من حيفا لدى أول زيارة لهم إلى القدس الشرقية في عام 
7 صورًا لجنود إسرائيليين كانوا يرتدون أزياءهم العسكرية ويضعون 
أسلحتهم. وعلى ما يقول المؤرّخ الفلسطيني عادل ماع الذي تولى دراسة 
حالات 350 عائلة فلسطينية من شمال فلسطين هاجرت إلى القدس الشرقية 
حتى تكون أقرب إلى الجامعات الفلسطينية»؛ شعر بعض أفرادها بأنهم أقليّة 


(49) تماريء الجبل ضد البحر. 

(50) مأسملء8 ببعوه!! 06 كممناءعه متكا تكءتمقلصنات8 ومتمتماء8 رعلعه8 علأكدم2» ,اأمعامدم عفملن0 
ركةاتلات |81 «متولاعء اع بع أج100نبنه80 جانأارم:(3 ,كزءع800 ع تاوعد :ما «رمقلم0ل له علمد8 إحعلا عنا ,معو دأ 
و29 ل زعم معاء5 أهقأء50 ذأ مسعموط معنهة© ,[.له اء] زعفدلد معمععطك برط كدم اباط أده زلقمدة] موك نزم 20160 

.58-4 .مم ,(2008 رووع:2 معنهن ما تالمع لاتملآ لمفوأتعنخ :مرنه2) (2006 ومامم5) 1[ .00 


410 


اسن فى المجتيع الإسرائاي التتفيري التحيتية لكن في المتمع المحلي 
المقدسي أيضًا. 

يمكن المرء أن يحاجٌ بأن هذا التحيّز بين مجموعات مختلفة لا يختلف 
عما يلاقيه بدوي فلسطيني من بثر السبع إذا ما انتقل إلى العيش في حيفا. 
يتعمّق التحيز في المجتمع القبلي الفلسطيني عالي الانقسام بفعل الفصل الذي 
تحدثه الحدود»ء وتعرقل سياسات الفضاء التي تتبعها إسرائيل راهنًا الترابط 
بين الفلسطينيين داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. على المدى الطويل تُختلق 
الحدود داخل أذهان الناس”'). لا تُحدث هذه الحدود تغييرًا في الهويّة القومية 
بالضرورة؛ لكنها تغيّر الممارسات اليومية للناس بما في ذلك تلهفهم على 
العودة إلى مواطنهم الأصلية. وملا بمثل» أوجد تفتّت الفلسطينيين الناتج من 
ممارسة إسرائيل سياسات حيوية وتكريسها حالة الاستئناء2؟2 هويّات محلية 
داخل صفوف السكان. لا يعني ذلك بالضرورة إلغاء الهوية الوطنية» لكن 
تفاعل هويّات محلية معها مُراوحًا بين الانسجام تارةً والتنازع طورًا. 


هناك تعلق كبير للاجئين الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة» كما لفلسطينبي 
الشتات» بأرض فلسطين أكثر مما لهم بشعبهاء وكثيرًا ما يلح الفلسطينيون في 
الاستجوابات على الحديث عن الملكية والأرض والبحر المتوسط وقبر الخضر 
والمسجد الأقصى وكئيسة برعم وإلى ما هنالك؛ متفادين الخوض في مسألة 
كيفية تنظيمهم حياتهم وعلاقتهم المستقبلية باليهود. لست ألمّح في ما أقول إلى 
استحالة التعاون بين الفلسطينيين العائدين وجيرانهم اليهود. لكن إلى ضرورة 
التفكير في العودة لا من منظور جغرافي فحسب بل ومن منظور العلاقات 
الاجتماعية أيضًا. ينبغي على اللاجئين الفلسطينيين عدم اختلاق أسطورة أرض 
من دون شعب للاجثئين من دون أرضء لمحاكاة الأسطورة الصهيونية. 


0 5) ونامعم0 :هذ «ععلمم8 أه معلسس8ظ علا 0هة «متتمئنل؟ مضع :ومناءن لم مله ,لممدة؟ أعدد 
.4 .م ,280705 


(52) ممنتهنتاعلة2 هذ ومنتدمععط لمعه نؤزذاتطتكاناها بوعننام2 لمتدمام) :علأعمواعدم5» ,قمموك1 تتدد 
106-11 .مع ,(2009) [ .0ه ,2 .أمنا ,كدنلشززف مرا «وره«مجراتءلدمن) «روماتحت1 


401 


تتحكم في قضية العودة عناصر تتجاوز مجرّد الحق فيها””» لكن ذلك 
الحق هو مفتاح أيّ حل مستديم للصراع العربي - الإسرائيلي يمكنه أن يفتح 
الأفق على خيارات ممكنة للاجئين الفلسطينيين بعد منفى تجاوز الستين عامًا. 
غطى ميدان عمل «شمل؟ كما غطت دراساتي الخاصة في ثلاثة عشر بلدا من 
بلدان الشتات الفلسطيني بين عامي 1990 و1995 أفرادًا لاجئين ذوي آراء 
مختلفة كانوا كلهم يطالبون بحقهم في العودة» لكن لم يعيّروا عن أنهم يريدون 
ممارستها بالضرورة. يبدو أن عددًا أقل مستعد موضوعيًا للعودة. بعض مواطن 
هؤلاء اللاجئين محتلة اليوم؛ احتلها المهاجرون اليهود» إذ كشفت دراسة فافو 
لعام 2002 في صفوف فلسطيتبي لبنان أن أغلبيتهم جاءت من أجزاء من 
فلسطين التاريخية تقع حاليًا داخل إسرائيل: أربعون في المئة أتوا من مواضع 
هي الآن يهودية بالكامل مثل صفد وطبريا - بيسان (33.1 و 6.3 في المئة) 
أو ذات أغلبية يهودية ساحقة مثل منطقة عكا (36.6 في المئة من عكا و9 
في المئة من حيفا)» في حين لا يتحدر من المدن العربية إلا عشرة في المئة 
وخاصة منها الناصرة (9.5 في المئة) وجنوبي فلسطين (3.3 في المئة). 
ولا يتحدر من الأراضي الفلسطينية إلا 1.2 في المئة. واقعّاء وعلى الرغم من 
كرو ولا نين > للتاررين) ان سن مين مي ع من عواليد فلببطين: , فإن 
عددًا قليلا منهم حافظ على روابط مع فلسطينيي الداخل الإسرائيلي على ما 
تؤكده تحقيقات شمل وفافو*"». فمما ورد في واحد منها أجرته شمل فَقَدَ 82 
في المئة من المستجوبين المتحدرين من مدن كبيرة مثل حيفا الاتصال المباشر 
بأقاربهم الأقربين الذين يعيشون خارج إسرائيل. تتناقص الزيارات طردًا مع 
تقذم حيفا ولاجئيها في السن» وفي حين تبدو الوضعية الاقتصادية غير ملائمة 

(53) هفنمناهلد0 تمسععظ 4ه وهواماعه5 ع1 :بروواماعه5 لمعه الإطجدومة© ,وماكذلل» ,#فمدكا أند5 
ستمطع ,لامتسعجوء8 أدبرظ نمز «رعوعممع8 مملوتادمعه عمولاقءا عط ممه كمنطكمت1 لمدمتتممعمه؟ بلماتوقك أماعمع 


معطء لاله معطعدتلسةأكناة لبنح ععمتطاء8 ,كععوناك!! :بما«ذائعأوط ع[ هاه أء2؟] .كلت ,اأقمد1!! أمدد نه كمد 
.340 .نزم ,(2007 ,عانتاقهآ علأعصماط- سوك ننه ععمممم5 تستائع8) 189 .80 باطأععمع لاملا 0ن تطعم] 


() نعبنهظ «أتمنوعجنا ,اكهط أأنت 2/1 .لكت ,لضواونا 55 01 :هذ «رهمكهابره8)» بوزدحدطك1 اوداق 
9 باتمجت!! وكه"! ,انوطعا ذا كعارترء له 0,210 كصاهم)) جل مععهنكعل «متسصاعءاه] وماك 00011105 ورا اناا 
.(2003 ,هأهة :ماو0) 


42 


لتعدد الزيارات يزور الأشخاص الأكثر تقدّمًا في الدراسة من غيرهم أقاربهم 
بتواتر أعلى مما يفعله آخرون. يبدو إِذَا أن التعليم يرفع من إمكان السفر من 
أجل الالتقاء بأقارب يقيمون في ما وراء الحدود. 


المراجع 
1 - العربية 


كتب 

إبراهيم» رشيد الحاج. الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين: مذكرات رشيد الحاج 
إبراهيم» 1953-1. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 5. 
محمد [واخ.]؛ مراجعة صالح عبد الجواد. ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات 
الفلسطينية» 2011. 


البرغوثي» مريد. رأيت رام الله. ط 2. بيروت: المركز الثقافي العربي» 2003. 
تماري» سليم. الجبل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية. رام 
الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية [مواطن].» 2005. 


حوراني» فيصل. الجري إلى الهزيمة» دروب المنفى (4): شهادة. رام الله: 
المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية [مواطن].ء 2001. (سلسلة التجربة 
الفلسطينية) ٠‏ 


صيقلي» مي إبراهيم. حيفا العربية 1939-1918: (التطور الاجتماعي 
والاقتصادي). بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 2003. (سلسلة 
المدن الفلسطينية؛ 1) 

القلقيلي» عبد الفتاح. الأرض في ذاكرة الفلسطينيين اعتمادًا على التاريخ الشفوي 
في مخيم جنين. رام الله: مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني [شملاء 
4. ا(التاريخ الشفوي؛ 1) 

موريس بني. طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: وثيقة [سرائيلية. 
عمان: دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية» 1993. 


43 


2- الأجنمية 
2820015 


مممعءالا نز لعنتقاكمهها' .ععاثامظ رره كعاملظ جلتطظ أاننه لاط معلل .0101510) بمعاستموذ 
.00 ,قوع هاوق صسذا! 01 101197151 :متأمممء سمتلا .ممتمدكة) عندعءن) ل0ننة تاأعرزظ 


لإا معأ ةاأكمها' .عسطاعمق ءا ننه د5كع !!!| 186 :عا انطارء عا كه 1271:0115 . 
.9 ,كاه80 عمم2 بعلملا بجع[8! .مععوه1-رءلاء1]1 اعزمة©آ 


عسعاط عل ومتاععئ أل 18 كناه5 .ع:زه 7 عل سواط كعط .[.أة اأع] أتعطهخ1-كع اتقطت ,سممععوم 
(350ن0)) .1997 ,رلتقتص ذأ !اة0 :5و2 .1022125 3 .81018 


عاتملا ننع11 1أعن50 لأهلطث نز لعاتاكمهء1' .هلامع محمد .81010 ,تطانامطعتو8 
.0 رىق!800 لمطعم 


01 »عه 2:10 أعه157 .(.كلة) لقمدآ1 تندذ لسة كمة تسصتقطن) ,لقلاظ ,تاأوتمعءلمء8 
سبح ععذمائء8) .2007 ,عانطتاممآ عأعمداط- عدا لمة عععسلهمذ #متاع8 .كعععويتن/م 
(189 .80 باع ععطام/ا لصن غطعع1] معطء 1 ل نمع 3ه معطءدزل مداكناه 


مهد نإل لعائلظا .كم«جعائط ب«عامقععاوظ :عع تيه0تنه80 ع«1ث 31 ,كء8070 ع١«أدووم0‏ 

1ك اللا تتقعارعنهمة :ممنتهن) .[.أة أء] تزسفدلد مععععطد نزم كممتابا نادم زالأومد1] 

8 201 ,29 .لا زععمءاء5 أه1أع50 ضذ كتعروط معنه0) .2008 رووععط معرلهت مز 
((2006 


علا لقة 5153أ2100 01 11151057 عطا ها معاق5 متاق أأطبط ,نراءاع30 أأإعمجور .[.5 بالهاكمء1215 
167 2112015013 عق لأع1معل1ء/7 :1011002 .لالالأؤللا 


1107115 دما أاععاوط 16 :د«عنجده!1! «سولاز» كا 014 م3 776 .علا ,مسمسطعوزء1آ 
2003 رؤقع22 011502212 01 نواتداعء نولا :هذا ,لزءاععاءع8 .1920-1948 ,انع «رعنام اا 


ه0١‏ ,نوذن) «علنهة0 ,غاآ برممنوءطط ا زأء3 زه 11210ءئ272 176 .الات ,رمقحنة 060 
(80015 عمطعهم تإقلءع أطنا120) ,1959 ,لإولءأطنه100 


عارملا بجع1<! .لع أوعلتاذ .سول ب«معصصصيط 18 زه «مقاءبةادعء2 776 .اناهظ ,رعء11116 
.5 1/1416 عل وعوم[ه1آ1 


عا «ع0تلا عراععاو :بوزاوط أأعهوددا عونا ره كع071 علهددانآ عطوه4ة لهصة هنآ رعا1 م1102 
.1978 رككع82 80قعنطن) 01 بواأوتع الطنا :معقعلطن) .ءارولل 


:7710116لهع "نامع قاع ءأأم0ء 2115716 1ه 77 .(.كله) كتعلاخ أوععءمر/ا لصة اتحصيوه8 ,ذومك1 
رأهنلهآ 01 نجاتك الوا :ععطغنال) .[1512/101:4ه 17 انلع 771 0ئل1!1!0 1(لا “الاك كن كأ كرمع ]1 
(1110101/13611 11© 126 0تطأماةط) .2008 


لأعمسهن0 علال8 بهقعهطاآ .عا أساءعيلق «وقلق «صمجعاة 04ه بماك .كلءتصادووطدا ,ونموعهآ 
.1998 رؤوعوط زكر 0107ل1آ 


414 


ماع ع توماءعملوط ,عاك 010 عاأسأعءسل :5721 0) أأنيت تجمم طاسظ ,ووعآ 
(20/21) .2007 ,ووععط بوازورع نولا 


ع اأاععاوط نز كرعع 110 «اكاسول تنه أه«4 ١ك‏ أارء:ظ 1ه 5ء07100©) ,لتقطءعه2 ,مقدماعءمآ 
.1996 رقوع؟2 81110213 01 توالورة 0197لا :بزإعاععاء8 .1906-1948 


أمامء نط ع8ا هه أعه«15 عدتزاععاوط +7671870ع10 عجره اكهاه© .(.لء) عالط ,قطلومواة 

17 (935-2003[) 5014 11 #تمسلوط زه «ررمتمعالط[ 1 كبرعدكطظ «عععولاك 1 

علاقعع د نإ ة5لآ عطتا ما لعاناطتكاواطط علرملا بدعلة بى[مو80 لم2 تارملا بجولة لمصة 
.5 بصةااتصسعة11 


تقتطماء0صة[تط2 .سقددكده02) لعمطلط نزط جعوطء]] تروط لعا2اأكصهها! .ععياعء؟ .تدهدة راعقطاء 311 
.1988 ,لإاعزء50 ومعطو اطنط اوابجعء1 


لعة تل"53 .11 لهقتصطة نزط لعائلظا .توم ءارا زه ك5ند«نه!0 18 4ه ,1948 عمتاععاوط نوطلولزة 
01 كعقنا1ان0) .2007 رومعع انلقع لالدلا داطسسامت :لمملا بدعل8 .لمطوننآ-ناطثة ذ1أنآ 
م1115 


لسة لإعسصمماظ مععاطافا نز لعأداكمما!' .عواناعع:0/ بورم)ئىةط بورمججء74 .لنةط كناعمعءن]1 
.2004 رووع27 0116280 01 اكع ؟الونا :معقعنط بتعبجااء2 لأجنوط 


ءأصوء2 4 :ك5 10701الاأونعء]1 10 كااروكوء 17071 :115 1رذاعء لجع ,لتتقتدء105 رطوايزة5 
مصف) طتات وبوء أ معامآ حسم طوازوذ بمقصءدم8 بط لعلجمعع1 ,تورمائة2 
.0101351 تصدهل8 نط 101000617508 هه طااد بمممقطعآ مز كسمدتملزوعاوهم 

(3 .20 زوعرء5 أعمظ ع541001) .1979 رى!800 2,60 


:10 .ملعا اجا معت اعصيصط انوةاراادءاه 176 ذكع !عاط رهاط 100 . 
4 رىط[800 2,60 


لإا 0:0بتعون"1 ,1918-1939 جاعاع50 طهجل4 :ته زه :همد م/عده<1 نملقه27 .نزول/ة ,لالهعازءه 
2000 ,ككناة1 .1.8 تمملصمآ أ110ددك1 لألواةا 


7كطأه1 0ه زه عاتأمموءا اأعتدمامء)كد80 4 :كوسول طول :77 .ذث هلبامطعلا ,لتقطمعطك 
.006 ركوع /2107151لا 0150ك؟همهاذ :لاه ,105:0مقاك ,را توطاط 0ه ,رمنعأأء11 
(51285 أدسنط لان 0) 


701 014 011[ |أعاء]1 939[-936 أ :11 :أأوجع !| إن 74770715 .لم1 وعدا طمعلعء بدك 
2003 رؤوع؟ كدكمدعلدة 01 بواتورع الملا :ع1 ألاعناءنيةظ اعوط إودمناولق 


:701 بجع ل[! .انمء 71ل انوأررثاءوء اه ه زه ع71اها/! 1186 ::«ريقع 18 5 عاط .موجه لأسا 
994 رؤووةء:2 ععر] 


710118 00110110115 عاتأنانا :عمطا1 «له ع7 ,اعوط اأنء 211 .(.لع) .5 ع01 ,لصواوناآ 
.2003 ,1810 :0510 .:ماتمطعا ١١‏ مع1[1171ه0) 011 كم 0271 171 كع ع ولاك[ 10:1 ةا ء اوم 
(409 بجترتمموع] 2510) 


425 


داوع نلونمءم 


05 ؤ5أولاإل[ههف هذ تكتععاطمء2 أقعاعم1امء10 لمة كاءء1 أمعنعهأهتمعطامف» .18181" ,لمكهة 
.5 ,3 .0ه رك .أ0؟ :باءزع30 0ه برترروارمعط «.اع8؟15 صز وعع 1/1113 طورة جره معطه©) 


0ص" :0626:8002 لأقعتاصممهن) عط1» ععلء-وأقتصومآ فصل 300 أواط ,بنع'ع2 معط 
6 .20 ,43 .701 :تروم/مزع50 «روةء2201ء84 أهده1130 لسهة أهدمئمء2 مععجاع]ا 
,2009 عع نالوعععء10 


161 «طلقه0ط5 5 ممقتاحمقآ 0120106 :(1011لاق12 01 858 لله 5[» .فمقطدهط5 ,مقحماء5 
.1991 ,قمتامعن0) أمعتطاظط عطا 300 عمنطودع الآ ,79 ,0ه نكعء ميات تإعرعم]1 


0 سوابج]! بورواعلط ألم 7176 «طقططةل!-اه لمة بومادتل1 له 0» ععععءظ8 مسعطة اعبات 
.2008 ,1 .20 ,35 


دز علتصمعع2 لصة بز [اتطأواتهاآ ,وعتثاه لقتهه1اه) :عل1ع-م10عهوم5» .مود ,الهمولز 
.2009 ,1 .مه ,2 .701 :كستهززاك اها بوم ءممء اندم «بصمامك1!” سموتستادوعاوط 


دأ 81205 نمف - ألتقطمء5 الإزاتصةظ مععلولا عط1» .وكهات .8 طمعو10 لصة طابحا عكليف] 
.2004 ,21 .20 :تراسء م0 تر أمكيوعل «تع ا ووسمع1 بصمغو ل ه81 320 تتقتده)1 0 


ءااعءاوط 0 أمنتنامل «5عع7اتتاع 1 لقتستادء1لو2 85 01 152أ000155)» .مودكة1! جعل ها 
7١1. 27,110. 1, 7.‏ :عع زوينات 


«.ق1تد1آ 02 امعمرمماءبع1 عطا لتنهة رلته عماوعلة2-تدلاظ عط1» ,لإمصطمل انامكتداة 
006١‏ انئاك ,28 ,20 نبرأ7 0271 إن ء | مصول 


إه أمتصمرمل «بمموتط؟ 02 وععالء1' كه معحدملما مدن مقتستاكعءاد5)» ,لمقررءدم1 ,طوألزوه 
.1998 2166 اننا ,2 .20 ,701.27 :عع أللناك ءدأاوء اهم 


عتأاعء اه زه أوتصنامل <«.1288 0) مصسباع8 أمنطاعةا» .السمسصسدط متاع] لقة تاقد ,أمقسة1 
.1908 51011111165 ,4 .110 ,27 .01/ عع زوينات 


رعرع م 
.2003 قعمة2 لعطوتاطنجهنا «بصمادض1ظ [ج0 1ه اأعءزه52» .اولظ بموازة 


426 


الورقة السادسة عشرة 


الحال العامة في قرية بيت نتّيف”“ 
قبل النكبة اعتماذا على التاريخ الشفوي 
حسن حسين عياش 


مقدمة 

هناك اهتمام بإنعاش التاريخ الشفوي عند جميع الشعوب» فتعمل على 
تدوينه وتسجيلهء خشية ضياع أصوله مع مضي الأيام وغياب كبار السنء 
بالموت أو الهجرة» فهؤلاء يحملون التاريخ الحقيقي غير الموثق» وغيابهم 
يهدد باختفاء الموروث التاريخي من خلال تدمير الشواهد الجغرافية والتاريخية 
في القرى التي دمرتها العصابات الصهيونية وهيجرت سكانها في فلسطين. 


من هناء تقع المسؤولية الوطنية والتاريخية على عاتق الجميع» وهي عملية 


(©) تثيف: يفتح النون» وتشديد التاء الفوقية المثناة والياء التحتية المثناة مع كسرهاء ويعدهاء فاء 
وهي قرية عربية تقع شمال غرب مدينة الخليل وتبعد عنها حوالى 21 كلم وجنوب غرب مدينة القدس» 
يحدها من الشمال قرية جراشء ومن الشرق قرى بيت عطاب وعلار واللجبعة» ومن الجنوب قرية صوريف» 
ومن الغرب قرية زكريا وقرية عجور. تشرف على امتداد ساحلي في الغرب وتواجه سلسلة الجبال من جهة 
الشرق. واعتبرها بعض العلماء قائمة في موقع تفُوح المذكور في الكتاب المقدس (العهد القديم)» #سفر 
يشوع» الأصحاح 15. الآية» 34. أما اسمها الحديث. فهو ما عرف في العهد الروماني باسم (قطوعاعآ طاء8) 
ومنه حرف اسمها الحالي بيت نتّيف. انظر: مصطفى مراد الدباغ» موسوعة بلادنا فلسطين» الجزء الخامس - 
القسم الثاني. في ديار الخليل» (كفر قرع: دار الهدى. 1991). ص 256. 


417 


متواصلة» لذا فإن متابعة كبار السن الذين عايشوا حوادث النكبة (1948).: 
وكانوا شهودًا عليها أمر غاية في الأهمية من أجل المحافظة على الحقوق 
الوطنية واستحضارها وحفظها وتذكرها ونقلها من جيل إلى آخر. والشعب 
الفلسطيني أحوج ما يكون إلى مثل هذه الدراسات التي تتناول مجال الذاكرة 
الجماعية نظرًا إلى خصوصية حالته الناتجة من الاستلاب الكولونيالي وما 
ترتب عنه من محاولات اغتيال الذاكرة الجماعية الفلسطينية من خلال عدد 
من السياسات المنظمة والممنهجة التي كانت النكبة والاقتلاع الجماعي 
للفلسطينيين من قراهم ومدنهم وتدمير كثير من الشواهد المادية التي تشير إلى 
العلاقة الطبيعية لهذا الشعب بأرضه”). 

نحاول في هذه الدراسة البحث في مجال الذاكرة الجماعية للاجئين 
الفلسطينيين الذين هجروا من قراهمء من خلال أنموذج قرية بيت نتّيف 
بالاستناد إلى المقابلات الشفوية التي أجريناها مع عدد من أهالي القرية. 

أما مصادر الدراسة فمخزون الذاكرة الجماعية عند جيلين من اللاجثين» 
بدءًا بجيل الآباء أو ما يعرف بجيل النكبة» وهم الذين ولدوا في بيت نتّيف 
وعاشوا فيهاء ثم جيل الأبناء» وهم أبناؤهم الذين ولدوا فى القرية وكانوا 
دون العامين عندما احتّلت أرضهم وَطَردوا نيال ولللجصول على البيانات 
من مصادرها الأولية قابلنا ثلاثين لاجنًا ولاجئة موزعين بالتساوي على هذين 
الجيلين من خلال أسئلة موزّعة على مجموعة محاور ترتبط بشكل الحياة 
الاقتصادية والاجتماعية للقرية قبل النكبة. 


بطبيعة الحال» تنبع دوافع دراستنا هذه من علاقتي يعدد ممّن شُدّدوا من 
هذه القرية» فضلًا عن عملي في بيت لحم حيث المخيمات التي يقطنها أغلبية 
أهالي بيت نتّيف» وهما عاملان مهمان دفعاني إلى القيام بهذه الدراسة» واختيار 
هذه القرية دون غيرها. 


() تيسير محمود عيسى عمروء «قرية بيت جبرين في الذاكرة الجماعية»» (رسالة ماجستير في علم 
الاجتماع» جامعة بيرزيت. كلية الآداب» إشراف شريف كناعنة» فلسطين:» 26 أيار/ مايو2007)) المقدمة. 


418 


مرت بيت نتّيف إبان النكبة» كما القرى الفلسطينية الأخرى» بحوادث 
أدت إلى تشريد سكانها واقتلاعهم على أيدي العصابات الصهيونية» وكان لها 
أثرٌ كبير في نفوسهمء وذاكرتهم التي فاضت بصور ومشاهدات عدة» تمحورت 
أغلبيتهاء تمحور أغلبها حول نفسياتهم» فجاءت لتبرز أبعادًا ذاتية اجتماعية 
واقتصادية. 


استخدمنا في هذه الدراسة مصطلح الذاكرة الشفوية الجماعية» ونعني به 
«خطاب شفوي تتيناه جماعة ما تبعًا للموقع الاجتماعي لإنتاجهم. إنه يعكس 
التغيرات التى طرأت على حياة الجماعة» ويعبر عن الحاجة إلى إعادة تعريف 
هوية أصيلة ينظر إليها على أنها في خطر». ولا شك في أن الذاكرة الجماعية 
تفيين قضق) وخكايات وخرافات وأساطير وروايات... وغدرهام القواهد 
المادية. كما اعتمدنا فيها على المنهج التاريخي» وتقنية تحليل المعلومات 
التي جمعناها الكيفي» للوصول إلى توضيح أهم القضايا المنهجية المتعلقة 
بالدراسة. وتكمن أهمية الدراسة في أنها توثق الذاكرة الشفوية التي ربما تنتهي 
بعد أعوام عندما يرحل كبار السن الذين عايشوا النكبة» ونتعرف من خلالها إلى 
طبيعة الحياة العامة التي سادت بين أبناء القرية قبل عام 1948» ونعالج من 
خلال ذلك الأسئلة الآتية: ما كانت طبيعة الحياة الاقتصادية التى عاشها أهل 
قرية بيت نتّيف قبل عام 1948؟ ما العادات والتقاليد التي مارسها أهل القرية 
قبل النكبة؟ هل استطاع جيل النكبة أن ينقل الحقبة التاريخية قبل عام 1948 
إلى جيل الأبناء؟ ما دور اللاجئئع الفلسطينى فى الحفاظ على حماية الذاكرة 
الجماعية في مواجهة تحديات الإحلال و التصفية؟ 

اعتمدنا في هذه الدراسة على المقابلة من خلال جهاز تصوير (صوت 
وصورة)» واستعنًا ببعض اللاجئين (مجتمع الدراسة)» وأعددنا خطة للمقابلات» 
لها علاقة مباشرة بأهداف الدراسة والمعلومات المراد جمعها. شملت عينة 
الدراسة ثلاثين لاجنًا من بيت نتّيف يعيشون في محافظة بيت لحم موزعين على 
جيلين: الآباء الذين ولدوا في القرية وعاشوا فيهاء وتجاوزوا السادسة؛ والأيناء 
الذين ولدوا قبيل النكبة» لكنهم لا يتذكرون شيئًا من حيواتهم فيها. 


429 


أولًّا: الجغرافيا الطبيعية والاجتماعية 


امتازت قرية بيت نتّيفء بحكم موقعها الجغرافي في المنطقة» وبحكم 
طبيعة تضاريسهاء بقيمة استراتيجية تكمن في أنها تتوسط مدن القدس 
والخليل وبيت لحم والرملة» فضلًا عن أنها تمتاز بقيمة اقتصادية» فالقرية 
كانت غنية بعيون الماء والآبارء وأراضيها واسعة تتميز بقطع زراعية سهلية 
كبيرة صالحة للزراعة» بفضل كثرة المياه فيها. وكما أشار ‏ المشاركون 
في المقابلات» كان في أطراف القرية أماكن للرعي. وفيها أشجار العنب 
والزيتون والتين» فضلا عن القمح والشعير والعدس والكرسنة والذرةء 
وكذلك الخضروات. 

اكتّشف فى بيت نتّيف آثار تعود إلى القرون الثلاثة الأول الميلادية» منها 
أساسات ومدافن وصهاريج فيها خزفيات (عثرت عليها في عام 1934 دائرة 
الآثار التي أشرف عليها ديمتري برامكي في زمن الانتداب)» وأرض مصفوفة 
بالفسيفساء وأعمدة ومعالم طريق رومانية على طريق علار» وعدد من الخرب 
في جوارها» «منها خربة اليرموك وخربة اشويكة وخربة سعد وخربة عرق 
ساري وخربة أم العبد وخربة ظاهي وخرية صناصين وخربة أم الروس وخربة 
التبنة وخربة أم الذياب وخربة مجرفة وخربة الشيخ مذكور وخربة أم الجاج 
وخربة أم الله وخربة البرج وخربة زنوع وخربة فطير وخربة الزرقا وخربة 
باتيكا 06 . 

لاحظنا من خلال المقابلات أن لمتغير الجنس أثرًا في تفصيل حدود 
القرية حيث اختلفت بصورة واضحة عند الإناث. ولاحظنا أيضًا أن الآباء 
تميّزوا بمعلومات واضحة عن بيت نتّيف»ء فلم تغب عن مخيلتهم التفصيلات 


(2) وليد الخالدي [وآخ.]» كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء 
شهدائهاء ترجمة حسني زينة» تدقيق وتحرير سمير الديك. ط 3 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 
71) ص 153-152 والدباغ. ص 257. 

(3) الدباغ» ص 260-259. 


الكبيرة والصغيرة للقرية» مثل الحدود والمقامات والخرب والآبار والزراعة 
وكل نشاط آخر. أما جيل الأبناء فكان لديهم تصور واضح عن القرية رسموه 
من الأحاديث التي سمعوها من آبائهم» وكان ينقصهم بعض الأمور البسيطة 
التفصيلية» لكن لا ينتقص من معلوماتهم عنها. 


الخريطة (1-16) 


موقع قرية بيت نتيف 





كانت القرية» نظرًا إلى طبيعتهاء كما أشار المشاركون في المقابلات» 
مركرًا تجاريًا للقرى والبلدات المحيطة بهاء حيث تقام فيها سوق كل يوم 
جمعة» يؤمها سكان المدن والقرى المجاورة؛ لشراء منتوجاتهم وعرض ما 
لديهم للبيع» الأمر الذي كان له أثر إيجابي في تنشيط الحركة التجارية وتنمية 
الوضع الاقتصادي في القرية. ويفيد المشاركون أن كان لبعض سكان القرية 


431 


محال تجارية ودكاكين (حوانيت)» منهم مرتضى الدويك وحامد الدويك وعلي 
علقم وأبو: ا و و ل 0 
(داود) وعطا الله وعبد الله إضافة إلى إبراهيم أبو سرور وصافي أيو جاجة. 
كما كان في القرية محل حلاقة لعبد ربه النونس الذي كان يتقاضى عن عمله 
أجرًا عينيّاك مثل القمح وما شابه» كما يقول حامد محمود محمد أبو حميدة 
81 عامًا) بأنه كان «يحلق من الجرن للجرن وكانت أجرته قمح1. . كما أفاد 
الرواة أن تجارًا من الخليل كانوا يأتون إلى بيت ندّيف لشراء أراض من أهلهاء 
واتجروا فيها. وفي هذا الشأن 7 تشير الذاكرة الجماعية إلى أن أشخاصًا من عائلة 
الدويك من الخليل اشتروا أراضيّ في بيت نتّيف وفتحوا محلاات بيع فيها. 
ويمكن الاستدلال على ملكية الأراضي ومساحتها في بيت نتّيف من خلال 
الحجج الشرعية (الطابو وغيره من الوثائق) وطرائق تملك الأراضي وحيازتهاء 
إذ عمدت الدولة العثمانية آنذاك إلى ضمان ضبط عملية تسجيلها وانتقالهاء 
فقامت بتسجيل الأراضى فى ما عرف ب «دائرة الدفتر الخاقانى» حيث كانت 
تُسججل كل قطعة أرض وحدودها ومساحتهاء وتمييز أنواعها: الميري والوقتف 
والميراث والمملوكة*» إضافة إلى قيمة التخمين وأجرة كتابتها» ومن تجري 
«المصادقة عليها؛ من دائرة الطابو حيث كانت تذيّل بالإمضاءات الرسمية. 
وعثرنا مع محمد ذيب عبد الله الدبس (76 عامًا) الذي قابلناه حيث كان يقيم 
في بلدة الدوحة في محافظة بيت لحمء ؛ على حجج بيع أراض وسندات طابو 
تفيد في التعرف إلى أسماء عائلات ابتاعت أراضي كانت مسجلة ضمن أراضي 


قرية بيت نتّيف. 

أما عن كيفية انتقال الأراضي إلى غير أبناء القرية من أيناء الخليل» 
فتفيد شهادات الطابو الإنكليزية بأن بعضًا من أهالي مدينة الخليل كان يملك 
أراضي في القرية» خصوصًا من عائلة الدويك» وقال المشاركون إن ذلك كان 
يتم عن طريق المعاملات التجارية كالبيع والشراء» أو سدادًا لديون مستحقة. 


(4) انظر: موسى البديري و[آخ.]» المجتمع الفلسطيني في الضقة الغربية وقطاع غزة» تحرير ليزا 
تراكي (عكا: دار الأسوار» 1990)» ص 22-19. 


412 


وأجمعت أغلبية المشاركين في المقابلات على تملك عائلة الدويك من 
الخليل أراضى فى بيت نتّيفء ونفوا أن يكون ذلك لغيرها من أهالى الخليل. 
ففى هذا الصدد أفادت نازة أحمد حسين أبو حميدة (83 عامًا): «والله ما 
بعرف لحدا من الخليل ولا غيرها في أرض مشترية من بيت نيف إلا الدويك 
هذول بس». 


1 - الحال الاجتماعية قبل النكبة 


قبل الحديث عن الحياة الاجتماعية في بيت نيف يجدر بنا التعرف 
إلى أهم عائلاتها قبل التكبة. لكن لا شك هنا في أن تحديد أسماء العائلات 
وأصولها يتسم بعدم الدقة» خصوصًا في ظل عدم وجود شجرة عائلة دقيقة 
مع أي من الأهالي الذين قابلناهم» توضح فيها أسماء العائلات. لذلك فإن 
الرواية الشفوية تكون إلى حدٌّ ما مضطربة في هذا الشأن ذلك أن الذاكرة ريما 
لا تستوعب حيثيات الموضوع. لذا اعتمدنا في دراستناء إضافة إلى ذاكرة كبار 
السن» على بعض المراجع الحديثة التي تناولت هذا الموضوع. 

كانت بيت نتّيف تتوزّع قبل النكبة على ثلاث حارات تشمل ثلاث حمائل 
تتحدر منها عائلات كثيرة. وتعود جذور تسمية الحمائل الرئيسة إلى الأماكن 
التي جاءوا منها: الكفرية نسبة إلى خربة من خرب بيت نيف القديمة اسمها 
الكفرء وحمولة الجمارنة نسبة إلى خربة جمرين» وحمولة المشايخ نسبة إلى 
خربة الشيخ. وكان الأراضي مورّعة بشكل متقارب بين هذه الحمائل» باستثناء 
الحمائل التي قدمت إلى بيت نتيف. مثل عائلة رومي من يطا في الجنوب 
الغربي من الخليل» على الرغم من أن هذه العائلة اشترت أراضي في القرية» 
ونشأت علاقة مصاهرة بينها وبين عائلات فيهاء خصوصًا مع عائلة اخميس من 
حمولة الجمارنة. ويذكر المشاركون في المقابلات أن هناك عائلة أخرى» هي 
عائلة بشير» أقامت في القرية» وأصلها من يطا. 


تشير مصادرنا الشفوية إلى أن حمائل أو «دورة (كما يسمونها) القرية 
هي في الأصل من خارج بيت نتّيف من مناطق مختلفة في فلسطين وخارجهاء 


433 


وأكثرها من مدينة الإسماعيلية في مصرء لذلك كان يوسم أهل بيت نتّيف 
ب «السماعنة4» وإلى أن أساس بيت نيف يعود إلى عائلة الشواكيك التي 
يقول المشاركون في المقابلات إنها أقدم عائلة في القرية. وفي هذا الصدد 
يروي حامد محمود محمد أبو حميدة: «كانوا البلد ثلاث حمايل مشايخ 
وجمراني وكفريء والكفري كانت في الشرق بقوا يقولولها الحارة الفوقى 
بعدين الجمارنة في الشمال على إيدك الشمال بقوا في الحارة التحتى 
وبعدين بتيجيك المشايخ ذ في الجنوب جنب الجمارنة». ويضيف إبراهيم 
محمد إبراهيم أبو نحلة 8560 عامًا): «إحنا يا دار أبو نحلة من الجمارنة في 
الحارة التحتى لأنها البلد بقت فوقى وتحتى وعجنب الجمارنة بقوا تابعين 
إلنا وعملوا ساحة لحالهم». ويؤكد كلامهما ما رواه محمود عبد الحميد 
عبد القادر بركات (63 عامًا) أن (الحمايل إلي بتسكن بيت نتّيف من عشيرة 
السماعنة اللي هم الجمارنة والكفرية والمشايخ وسموهم هيك لإنهم سكنوا 
في خرب قبل ما أجوا على بيت نتّيف واللي هي خربة الكفرة وخربة جمرين 
وخربة الشيخ». 
2- الوجهاء 

كان لقرية بيت نتّيف كما القرى الأخرىء حتى منذ أيام الدولة العثمانية» 
مختار لمساعدة الدولة في الشؤون الإدارية» وكان يتزعم كل حمولة من 
الحمائل مختار» يطلقون عليه «شيخة أو «زلمة» أو «كبير» العائلة» وكان يُعد 
الناطق الرسمي باسم العائلة أمام " العائلات الأخرى» ويحظى باحترام أفراد 
العائلة جميعًا وتقديرهم» وغالبًا ما كان هذا الشخص كبيرًا فى السن. 

من وجهاء بيت نتّيف ومخاتيرها عن حمولة الكفرية كان عبد الهادي 
منصورء ثم جاء بعده المختار عبد ربه حسن أبو شعيرة» وكان زعيم المشايخ 
عليان أبو حلاوة؛ أما الجمارنة فكان زعيمهم الشيخ يوسف اخميس مختار 
البلد» وكان يلقب ب «أبو عزات»» ثم استلم المخترة بعده علي علقم. ويذكر 
المشاركون في المقابلات أن علي علقم تسلم الزعامة من يوسف اخميس بعد 


4134 


سوء علاقته بأقربائه. ويروي في هذا الصدد محمود إبراهيم أحمد اخميس (63): 
«علي علقم أخذ الشيخة من رحمة عمي يوسف اخميس وأعطاه إياها دقارة في 
إخوته وأهلّه من دار اخميس؛. أما في شأن وجوه العائلات» فيروي الحاج حامد 
محمود محمد أبو حميدة: «زلمة الكفرية كان رحمة عمي عبد الهادي منصورء 
كان مختارًا زي الشيخ يوسف اخميس وهذا عمي عاش 115 سنة» وكان قاضي 
لعشائر فلسطين من نهر الأردن لبحر يافا كلها وكان يطلع الزعلان راضي يعني 
يصلح الشقتين ويقيم من اللي غالب للمغلوب وبعدين عمي لما كبر عجز أعطى 
الختم لعبد ربه أبو شعيرة وظل تاطلعنا وقله مبروك عليك الختم». ويروي السيد 
أحمد عبد الرحمن عبد القادر المشايخ (68 عامًا): #كان شيخ المشايخ اللي هو 
عليان أبو حلاوة زلمة معروف6. 


3 - المنافسات والخلافات العائلية 


تفيد المصادر المتوافرة أن بعض العائلات توارئت زعامتها في مناطق 
لواء القدس أجيال عدة» ونجحت في بسط نفوذها حتى إلى خارج حدود 
نواحيهاء وكان من هذه العائلات عائلة اللحام في ناحية العرقوب التي تتبعها 
قرية بيت نتّيف إداريًا» وورث عثمان اللحام مشيخة ناحية العرقوب وقرية 
بيت عطاب عن والده بدران اللحام» وتقاسمها معه الشيخ إسماعيل بن الشيخ 
عليان» والشيخ عطا الله اللحام. يُذكر أن النزاعات كانت تنشب بين الفيئة 
والأخرى بين قرى نواحي العرقوب ونواحي بني حسن المجاورة» فغاب 
الأمن والاستقرار في المنطقة» وبعد انتهاء الحكم المصري على فلسطين في 
عام 1841» تجددت النزاعات العشائرية واصطدم اللحام بحلفائه السابقين آل 
أبو غوش. ولما نجحت الدولة العثمانية في القبض على مصطفى أبو غوش 
ونفيه» استغل الشيخ عثمان اللحام ذلك لزيادة نفوذه في المنطقة. ويُشار هنا 


(5) عادل مناع» لواء القدس في أواسط العهد العثماني: الإدارة والمجتمع - منذ أواسط القرن 
8 ). ص 245-244. 


415 


إلى أنَّ مشايخ النواحي والقرى البعيدة عن أسوار مدينة القدس استغلوا الفراغ 
الأمني الناشئع فأنشأوا ميليشيات خاصة بهم اكتسبوا من خلالها نفوذا كبيرًا 
بعد أن أقرت الحكومة العثمانية اللامركزية دورهم كملتزمين بجمع الضرائب 
من قراهم وحفظ الأمن في مناطقهم. وبذلك أصبح مشايخ النواحي والقرى 
تدريجيًا جزءًا من بنية الإدارة المحلية» يتولون جباية الضرائب من الأهالي أو 
التزامها. وعندما كانت مصالح أهالي القرى الحيوية تصطدم بسياسة الدولة كان 
المشايخ يقودون ميليشياتهم المكوّنة من الفلاحين لصد عساكر الولاة». 


في هذا الصدد توضح رسالة صادرة من القدس إلى ناحية العرقوب بتاريخ 
8 1263 هجرية بخصوص جمع الأموال الميرية في سنجق القدسء أن 
ناحية عرقوب كانت الوحيدة التي تخلفت عن دفع ما عليها من مستحقات. لذا 
وجب إرسال مجموعة من العساكر لتحصيل هذه الأموال وإنهاء ثورة الأهالي 
في هذه الناحية وفسادهم» وطلب شيخ الناحية مصطفى ملحم وقريبه عثمان 
ملحم واستدعاء مشايخ قرى الناحية» واستعمال التهديد والترغيب لمنح الناس 
الأمان شرط دفع ما ترتب على الناحية من أموال ميرية مع إبقاء مصطفى ملحم 
وعثمان ملحم في القدس لحين دفع الأموال والتوصية بإبقاء قرى الناحية تحت 
المراقبة خشية ظهور الفساد فيها من جديد. 

إضافة إلى ما سبق كان للتنافس بين الزعامات المحلية أثر كبير في القرية» 
كما في القرى الفلسطينية» حيث كان النزاع قائمًا بين العائلات على ملكية 
الأرض بين الإقطاعبين مثل عائلة اللحام وبعض أهالي قرية بيت نتّيف. حيث 
كان لعائلة اللحام علاقات جيدة بعضهم مع بعض. وتربطها بهم علاقة مصاهرة. 

على الرغم من أن معظم المشاركين في المقابلات حاول قصر حديثه على 
المحبة التي كانت تسود بين أبناء القرية وتجنب الحديث عن المشكلات التي 
كانت تنشب بينهم» أشار بعضهم إلى طغيان آل اللحام الذين كانوا يجبرون 


(6) المصدر نفسه. ص 263-257. وعادل مناعء تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 
1918-0 (بيروت: مؤمسة الدراسات الفلسطينية» 1999)) ص3 337.26. 


416 


أهالي بيت نتّيف على أن يدفعوا إليهم عشر محاصيلهم الزراعية. وفي هذا 
الشأن يشير محمود أحمد جبريل بشير (73)» فيقول: «عبد الهادي بشير باقي 
تاجر حلال ويعرف كل الناس ولما صارت قصة اللحام هيذ نادوا عليه وقالوله 
هذا اللحام يا زلمة بحرث في الأرض وبحاسب الناس على الجرن». وعن 
ظلم اللحام واتساع سلطته يشير السيد طه إبراهيم مصطفى أبو سرور» فيقول: 
«الناس تظلموا لجبر أبو غوش بقى متصرف عالقدس بدو يزيل ظلم اللحام عن 
ظلم العرقوب يعني بالعربي بدو يخلعّه فاستدعوا كل الناس اللي بمون عليهم 
وفي واحد من هَلِي فزعوا لما وصلوا المعركة بقول للحام وجماعته جيتك من 
طف سلفيت (بين نابلس ورام الله) فازع وتشهد لقطات تين قراوة (قرية غرب 
سلفيت)؟. 

أظهرت أغلبية المشاركين في المقابلات أن مساحة الخلافات والمشاجرات 
لم تكن كبيرة» لكن هذا لا ينفي وجودها بين الحمائل والعائلات. فروى بعضهم 
عن حدوث نزاعات على الأرض بين عائلة اخميس وعائلة أبو سرور (أبناء 
عبد الرازق. وفي هذا الصدد يروي طه إبراهيم مصطفى أبو سرور قصة مقتل 
والده» فيقول: «اسأل أي واحد كيف بقى أبوي وجه بيت نتّيف قتلوه دار اخميس 
حسد واحنا عمومية غدروه في وادي الصنع الله يرحمّه انقتل». 


أما محمود إبراهيم أحمد اخميسء فيفند ذلك بقوله: «رحمة إبراهيم 
أبو سرور بقى زلمة غانم هاظا انقتل بس انو اللي قتلوا والعلم عند الله إنهم ناس 
مضللين واتهمونا احنا اللي قتلنا وهيك ظلهم حابرينها تاقتلوا منا أبو حاتم الي هو 
أحمد اخميس الله يرحموا انقتل في 58 والله بقى زلمة غزز وسليط». أما محمود 
أحمد جبريل بشير فلديه ما يقوله عن مقتل إبراهيم أبو سرورء أيضا: 


«لما خطر اللي انقتل إبراهيم أبو سرور خطر مع أبوي راحوا على بيت 
لحم شايف بس وهو مروح الله يرحمه بقى معاه الحمارة بعيد عنك محملها 
بيض وهو تاجر راح في الحمل عند باب العامود وربط الحمارة في الخان في 


4137 


القدس في هناك باب وهاظا الخان وفوقيه تلة وهناك طاحونة حط حمارته هناك 
وغاب يومين ثلاث وروح أبوي في الجمل بتعرف أجوا عليه يسألوا فيه قالولوه 
يا أحمد مشفتش أبو مصطفى قالهم أبوي الله يرحن بيكم ولا يكم راحوا 
يدوروا وأبوي راح معهم لقيوا بين هالصخور بين صخرات وادي الصنع مقتول 
هناك الله يرحموا». 


كما وقعت حادثة قتل أخرى في القرية بسبب النزاع على الأرض روتها لنا 
شريفة إسحاق إسماعيل نمر السيد أحمد (66 عامًا): «انقتل موسى عبد الرازق 
اللي قتلوا ابن عمو ضربوا هواة في راسو راح ميت» المقاتلة أصلا بقت عشان 
الأرض». 

على الرغم من بعض الحوادث المأساوية» كانت العلاقات الاجتماعية بين 
أبناء بيت نتّيف جيدة إلى حدّ ماء إذ يفيد عدد من المشاركين في المقايلات 
مؤازرة الناس بعضهم في الأفراح والأتراح» فضلا عن مد يد المعونة في 
الملمات: «الفزعة؛ كما يسميها أهل القرية. فكانوا يتعاونون في عمليات البناء 
والزراعة» خصوصًا حين الحصاد. فكانوا #يفزعون» لمساعدة من يتأخر في 
حصاد الزيتون. ويتجلى ذلك في رواية سارة محمود عبد العزيز أبو شعيرة 
(83 عامًا): #شو بدي أقولك بقينا ما نقعد نصرح ونقلع ونزرع ونساعد في 
الدار بتعرف ملانة دواب ونطبخ ونعجن ونربي ونتكش ونملي مية والله حزوز 
الحبال من كثر ما بقينا نملي مية معلمات عباب بير الطويل. 


4- الزواج في بيت نتّيف 


أما في ما يتعلق بالزواج في بيت نّيفء فنتعرف من خلال الذاكرة 
الجماعية إلى الأعراس والمهور ومقاديرها وطريقة دفعهاء وإلى طبيعة العلاقات 
الاجتماعية التي كانت سائدة في القرية. 

كان الزواج في بيت نتّيف من ابنة العم أمرًا طبيعيًا مفروغًا منه» وريما كان 
له ما يعززه بسبب عدم قدرة أغلبية العرسان على دفع المهور. كما أنه بالزواج 


438 


من ابنة العم تبقى الأرض محصورة في أفراد العائلة الواحدة» خصوصًا عندما 
تكون الأرض بدلا من المهر» فيعني هذا أن عائلة العريس لن تفقد الأرض» 
ولن تنتقل إلى غرباء» ذلك أن انتقال الأرض إلى خارج إطار العائلة كان يعني 
خسارة وضعمًا لها. ولذلك كان الزواج من ابئة العم أو ضمن العائلة زواج بدل؛ 
فكان شخص من عائلة ما يتزوج من أخت شخص آخر من العائلة نفسهاء مقابل 
أن يزوجه أخته. وبهذه الطريقة كان القرويون يحافظون على بقاء الأرض داخل 
العائلة» الأمر الذي كان يعزز قوة العائلة وتماسكها. 


تحدثت روايات الآباء عن هذا النوع من الزواج» فيروي مصطفى إبراهيم 
مصطفى أبو سرور: «هو بقى اتفاق بين العرسان بس ما بنحط في عقد الزواج 
والاتفاق اتفاق6. ويعرّف محمد خليل يوسف الغروز (87 عامًا) زواج البدل» 
فيقول: «زواج البدل بتيجي عندك بنت وعندي ولد بعطيك وبتعطيني بنتك 
أختي أخذها ابن عمي كلهم بدل». ويضرب ظاهر علي بركات راشد (61 
عامًا) مثالا مما تختزنه الذاكرة الجماعية عن زواج البدل قبل التكبة: «الزواج 
كان عندنا بدل متل أبوي اتجوز أمي سارة بنت محمود عبد العزيز من دار أبو 
شعيرة أخذها بدل عمتي مريم بركات راشد واللى أخذها هو خالي محمد 
محمود عبد العزيز أبو شعيرة» وهذا الشي بقى مشهورًا عند الكل موش بس 
عناء وبعرف عبد العزيز علي علقم مرتو سعدية رومي بدل مع أحمد إبراهيم 
رومي أخذ أت عبد العزيز برظا اسمها سعدية» وهاظا قبل النكبة من زمان» 
وفي عندك سعيد أبو شعيرة اتجوز عزيزة راشد بدل رابعة أبو شعيرة اتجوزها 
عبد الفتاح راشدة. 

أما زواج العطية أو عطية البنت» وهي صغيرة» ويقال عطية الميلاد 
فيشرحه لنا حامد محمود محمد أبو حميدة؛ بقوله: «زواج الميلاد بحكولا هاظا 
عالميلاد والله بعرفا بقوا ينتخو لبعض كثير بقى يصير عنا بس والله ماني ذاكر 
انو اجوز هيذا». ويفسر طه إبراهيم مصطفى أبو سرور هذا النوع من الزواج: 


4139 


ايا عمي هذي العطية بقت لما تولد ينتخوا لبعض أنا بقيت رايح على واحد من 
قرايبي ابن عم أبوي كنت رايح عليه بطريق الصدفة بقت مرتو والدة انتخالي 
فقال لي أجتك أنا بعرف هالحكي بس أنا معيرتش هذا الكلام لأنو الواحد بدو 
يتعلم». ويؤكد عبد العزيز عبد الهادي عليان علي أبو حميدة أن: «العطية بقت 
تصير للأخو ولابن الأخو ولابن العم وهي زغيرة البنت ينتخوا لبعض بس 
بقت يا تم يا متمش». 

هناك عطية الجورة أيضًا عند وفاة زوجة رجل ماء فيقوم أحد الأشخاص 
ويقدم إليه ابنته أو أخته أمام الناس على القبر ويقول له «أعطيناك بنتي». 

أما زواج الغرة الذي عرفته قرية بيت نيف فشرح بعض المشاركين في 
المقابلات أنه كان يُلجأ إليه من أجل إبرام الصلح بين العائلات وحقن الدماء 
وإنهاء الخلافات بينهاء وذلك بعد أن يقتل أحد أفراد العائلة شخصًا من عائلة 
أخرى. فكانت عائلة القاتل تعرض إحدى بناتها للزواج من أحد أبناء المقتول 
لتنجب لتلك العائلة ولدَا مكان القتيل. وكان هذا الزواج يُفرض على الفتاق 
ولا تتمكن من رفضه حقئًا للدماء. ويشرح عبد المجيد حماد إبراهيم أبو سرور 
عن هذا النوع من الزواج: «زمان كانت الحمايل تندمي لبعض ومفش معهم 
مصاري يعطوا غرة يعني واحد اللي انقتل يعطوا أخته لمين لخو الزلمة اللي 
انقتل لخوه شايف يعطيها أو انقتل أبوه بيجي يعطي القاتل يعطي أخته لمين 
لجماعة المقتول هذي بقلولها الغّرة بتعرف الناس فش معها مصاري تدفع دية 
فيعطوه بنتهم ويقلولا يا عمي هذي حلال عليك». 


5- التعليم 

كان في بيت نتيف مدرسة نظامية في الفترة التي تناولها البحث» ووجدنا 
في الذاكرة الجماعية لأهالي القرية ما يؤكد وجود مدرسة للذكورء فيفيدنا 
عبد العزيز عبد الهادي عليان علي أبو حميدة» بقوله: «في بيت نتّيف مدرسة 
كبيرة للذكور بقاش فيها بنات بقوا يقرأوا لصف السادس فيها وبعدها بقوا 
يكملوا ذ في الخليل». ويروي عبد المجيد علي علقم: «أنا درست لصف 


440 


السادس كانت مدرسة ذكور وذاكرها مية في المية والمعلمين ذاكرهم برظا 
مزيوط وبعرفلك إياهم محمد العزة وعندك طاهر الحموري ومصباح الشريف 
وأبو رشاد من سنجل والقطيط وأمين قطينة وعمر العناني». 


لكن بدا لنا ثمة تباين بين روايتى جيلى الآباء والأبناء» حيث أفادنا ظاهر 
علي بركات راشد أنه كان «في بيت نتّيف مدرسة كبيرة للذكور والإناث بقوا 
يقرانا لصنق السادين فنها :ويسدها بقوا يمل في الخليل». فكانت معلوماته 


م بن م 


غير دقيقة عن تعليم الإناث في مدرسة القرية. 
- الاستشفاء 


لم تكن الأوضاع الصحية في قرية بيت نتّيف إبان فترة الانتداب 
البريطاني بأحسن حال من القرى والبلدات الفلسطينية الأخرى. لكن يمكن 
القول إن خربة دير بيت الجمال التي تقع شمال قرية بيت نتّيف والتابعة لها 
كانت تحوي مركرًا صحيًا بسيطاء فتشير إجابات المشاركين في المقابلات 
أنهم كانوا يذهبون إلى هذا الدير في الحالات التي تحتاج إلى علاج بسيط؛ 
وفي هذا الشأن يروي عبد العزيز عبد الهادي عليان علي أبو حميدة: «إن 
إشي يدفع وإشي ما يدفع والحاجة اللي البسيطة أخرى عباب الزقاق (اسم 
مكان في بيت لحم) عالفرنساوي بقى». وهذا ما يؤكده حامد محمود محمد 
أبو حميدة ومحمد ذيب عبد الله الدبس. أما في الحالات التي كانت تحتاج 
إلى مبيت أو إجراء عمليات جراحية» فكانوا يذهبون إلى بيت لحم أو الخليل» 
بحسب إفادات المشاركين في المقابلاات. 

كما أفادت روايات المشاركين في المقابلات أن بعض أهالي بيت نتّيف 
مارس الطب الشعبي» ٠‏ مثل علاج كسور العظام في الجسم والكي بالنار 
لعلاج عرق النسا. وفي هذا الصدد يقول عبد المجيد علي علقم: «كان يداوي 


بالأعشاب ويجير الكسور حمودة أبو سرور وعبد القادر أبو سرور وعلي 
بركات». 


ثانيًا: انتقال الذاكرة الجماعية من الآباء إلى الأبناء 


تحدث أغلب المشاركين في المقابلات من جيل النكبة عن حياة عاشوها 
وشاركوا في صنعهاء وعن حوادث مروا بها وأثرت فيهم بشكل مباشر وقلّما 
تحدثوا عن حوادث أو تجارب عرفوها من الآخرينء وبالتالي يختلفون عن 
أبنائهم الذين تلقوا الذاكرة الجماعية من خلال مجالستهم آباءهم والحديث 
ضمن العائلة في سهراتهم. 

أما عن كيفية انتقال الذاكرة الجماعية إلى الأبناء» فغالبًا ما تجري بطريقة 
غير مخطط لهاء إذ يتحدث الآباء إلى أبنائهم وأحفادهم عن طريقة حياتهم في 
القرية وما مروا به وعن عاداتهم وتقاليدهم ومشكلاتهم وزراعتهم ومقارعتهم 
الصهيونيين» وما إلى ذلك من مظاهر كانت سائدة في القرية. وعادة كانوا 
يتداولون هذه الأحاديث أمام أبنائهم في مجالسهم ودواوينهم وحوانيتهم. 
وفي هذا الشأن أفادت خولة محمد عبد الحميد مطلق (62 عامًا): «دايمًا بقى 
أبوي إلو دكان في عقبة جبر وكان كل من هو ييجي ويقعد في هالدكانة يصيروا 
يسولفوا كل واحد عن بلده». 

كان للمشاهدات دور في انتقال الرواية من جيل إلى آخرء إذ يزور الأبناء 
ومعهم أبناؤهم فيحدثهم الآباء عن قريتهم ويرشدونهم إلى أراضيهم وأماكن 
بيوتهم وآثارهم. ونستدل من بعض المشاركين في المقابلات على أن الروايات 

تقتصر على أسماء الخرب أو زواج البدل أو جغرافيا القرية» بل تناول أيضًا 

معرفة الأبناء كثيرًا مما جادت قرائح آبائهم عن قريتهم المهججرة» فكانت مخيلة 
الأبناء غنية بالصور الجميلة. 

كما لاحظنا أن الذاكرة الجماعية انتقلت من خلال اقتناء بعض الوثائق» 
خصوصًا في ما يتعلق بملكية الأرض - الطابو - وقراءة الكتب وما يُنشر عن 
القرية. و الملاحظ أن الأبناء يرون أن المحافظة على ذاكرة الآباء وآثار ديارهم 
ضرورة وطنية واجتماعية» لذا فهم مستمرون في الاهتمام بها. 


412 


الثا: التكبة والكفاح في الذاكرة الجماعية 

ظلت صور النكبة وحوادثها تتبوأ مساحة متزايدةً أكثر من غيرها في 
الذاكرة الجماعية في قرية بيت نتّيف» إذ لم تغب حوادثها ولا حكايات أهليها. 
فذاكراتهم لا تزال تختزن حتى اللحظة صور القصف الصهيوني لبقايا أطلال 
القرية» ومسيرة خروجهم القسرية منها 

شملت المقابلات في هذا الصدد أشخاصًا شاركوا في معارك الدفاع عن 
بيت نتّيف لا يزالون يتذكرون تلك اللحظات» كما شمل بعض المقابلات مع 
الجيل الثاني - جيل الأبناء - ما سمعوه من الآباء واخحتزتتها ذاكراتهم 

يذكر بعض المشاركين أن عددًا من شبان بيت نتّيف انخرط في المقاومة» 
وتمركزوا في مكان يطلق عليه «النبي ميزر؛ إلى الغرب من بيت نتّيف باتجاه 
ديرابان» وأنهم حصلوا على السلاح ببيع ما يملكون ومن بعض ميسوري أيناء 
القرية الذين اشتروه من سورية. ا ل رد الثوار على السلاح 
من الحدود المصرية - الليبية ية. وفي هذا السياق يروي عبد المجيد على محمد 
علقم: «بتذكر طلع رحمة أبوي بقينا مقندرين بنشتغل في التجارة وبقى عندنا 
أرض كثير راحوا يجيبوا سلاح من الحدود الليبية - المصرية وراح معه عبد 
ربه أبو شعيرة ومحمد عبد الحميد مطلق من دار كعوش وأحمد عبد الحافظ 
اخميس وراح معهم رحمة أخوي عيسى بس رجعوه عن الحدود عند رفح 
لأنه زغير» وجابوا معهم سلاح كثير نحو 150 قطعة سلاح والله من مصاريهم 
ووزعوها على الثوار». ويروي عبد العزيز عبد الهادي عليان علي أبو حميدة 
إيضد ويعنا عل مين عن مساج للع لع بعس رين ما لطبي مرك للخ 
مع عضن اللي تخلمن مذكته يوخد من أصاحو كلمن وفنا : كت 

مشترى من مصارينا»» ويضيف قائلا: «أنا العبد اللي قدامك بعت بقرتين 
والحبات واشتريت بارودة مشان أطخ عاليهود». وفي الشأن نفسه يروي محمد 
خليل يوسف الغروز: «بقوا الثوار تقريبًا خمسين ستين بس». أما عن شراء 
الأسلحة فيذكر محمد ذيب عبد الله الدبس: «بتذكر من الثوار عبد المجيد 
علقم وأبوي وأخوالي بقوا يشتروا السلاح بقوا يلموا من بعضهم". 


4143 


تنضح الذاكرة الجماعية لأهالي بيت نتّيف بالمعارك التي وقعت في 
القرب من قريتهم؛ مثل معركة ظهر الحجة» ويروي محمود أحمد جبريل بشير 
أنهم «بقوا المجاهدين في منطقة ظهر الحجة في هناك منطقة بقولولها ظهر 
الحمار والله أبادوا ظباط من الصهاينة هناك إبادة تامة». وشارك في معركة ظهر 
الحجة الحاج عبد المجيد علي محمد علقم» يقول: «رصدنا إحنا الثوار جنود 
من الصهاينة عددهم خمس وثلاثين قالولنا رعيان الغنم إنو في قوة من اليهود 
رايحة تلا شرقة ومن هون بدأنا نبلغ كل الناس في البلد وفي القرى المجاورة 
بصراحة أجوا من كل البلاد ومن الخليل نفسها وحاصرناهم في ظهر الحجة 
وظل الاشتباك بينا وبينهم من الصبح للمغرب وقتلنا المجموعة عن بكرة أبيها ما 
ظل ولا واحد عايش والله يرحموا استشهد يومها عبد المجيد عيسى اخميس". 

في السياق ذاته» يروي الحاج حامد عبد الهادي نصار الحسني» فيقول: 
«الثوار بقوا يتمركزوا في ظهر الحجة». ويقول السيد محمد ذيب عبد الله 
الدبس: «بتذكر يوم مرة مرت مجموعة من الصهاينة من تلا عصيون وبعدين 
لحقوهم أهل البلد والمنطقة اللي حواليهم وقتلوهم كلهم أنا بتذكرها بس أنا 
بقيت زغيرا. 

اختزنت الذاكرة الجماعية معارك أخرى غير ظهر الحجة؛» مثل معركة 
الدهيشة حيث هاجم ثوار من بيت نتّيف ومن بعض القرى الأخرى مجموعة 
من الصهاينة قرب الدهيشة وحاصروهم في أحد المنازل - دار اليهودي كما 
يسميه أهل المنطقة - في الطرف الغربي من الدهيشة» إلا أن الصهاينة كما تفيد 
الروايات الشفوية استحكموا بداخله» وبقوا فيها ثلائة أيام» ولم يتمكن الثوار 
خلالها من القضاء عليهم؛ إلى أن جاءت قوة من سلطة الانتداب البريطاني - 
ويقال الصليب الأحمر - وحررتهم» وغنم ثوار بيت نتّيف شاحنة توجهوا بها 
إلى قريتهم. 

هناك معركة أخرى شارك فيها أهالي بيت نتّيف» بحسب أقوال الشهود. 
ولا تزال حوادثها ماثلة في ذاكرة الجيل الأول هي معركة تل الصافي. وعن هذه 


414 


المعركة يروي عبد العزيز عبد الهادي عليان أبو حميدة: «انقتل منا في تل الصافي 
واحد اللي هو عبد الحفيظ أبو جاجة» وانجرح ثلاثة اللي انقتل اللي هو عبد 
الحفيظ أبو جاجة واللى تصاوبوا حمودة أبو عريش وحسان محمد عبد الهادي 
بلوط من دار السيد أحمد». وعن معركة عرتوف التي تقع إلى جانبها مستعمرة 
«هارطوف». وتعني الجبل الجميل في ريف القدس.ء والتي أنشأتها مجموعة من 
يهود بلغاريا في عام 1895 على المنحدرات الغربية لجبال القدس المعروفة 
بمنطقة العرقوب» وتتميز بموقع مهم يطل على الممر الاستراتيجي الذي يصل 
السهل الساحلي بالقدس المتمثل بمجرى وادي الصرار» وتمر به سكة حديد 
يافا - القذمن» تروق أحد المشاركين» عبد المجيد على محمد علقم» فيقول: 
«ولا عمري بنسى لما هاجمنا عرتوف وهجرنا اليهود منها اللي كانوا ساكنينها 
ومحتلينها والله طردناهم وشتتناهم واسترجعنا عرتوف من يوم 15/ 3/ 1948 
إلى 14/ 5/ 1948 وبعدها صار الحاز بينا وبينهم سكة الحديد وربطنا هناك ولا 
واحد من اليهود بقى لا يروحوا ولا ييجوا حوالي شهرين نظفناها من اليهود». 


أما عن الجيوش العربية» فلم تشر الرواية الشفوية إلى مساعدة الجيوش 
العربية ثورتهم وفي الدفاع عن قريتهم» إذ انسحب الجيش المصري بهدوء 
من دون مقاومة تذكر. وتتحدث روايات أهالي بيت نتّيف عن تشتت الأهالي 
وانسحاب الثوار من قريتهم بعدما أحسوا بأن وجودهم لن ينفع قريتهم: فسبل 
المقاومة من ذخيرة وأسلحة لم تكن تكفي لمواجهة الصهيونيين بعتادهم 
وعديدهمء فضلا عن قصف العصابات الصهيونية القرية. ويروي محمد ذيب 
عبد الله الدبسء قائلا: «بقى الجيش المصري فى بلدنا وبعدين لما صار الظرب 
على بلدنا انسحبوا (الجيش المصري) والناس رحلوا أما الجيش الأردني ما 
كان في بلدناة. وفي السياق نفسه يقول السيد طه إبراهيم مصطفى أبو سرور: 
«الجيش المصري طلع ولا دافع ولا إشي وظلوا جماعتنا وشو بدهم يعملوا 
بشوية بواريد وخلصوا فشك». 

يروي أحد المشاركين في الثورة في بيت نتّيف» عبد المجيد علي محمد 
علقم: «لما انسحب الجيش المصريء أصلًا ما دافع عن بلدنا ولا عن غيرهاء 


445 


صرنا مكشوفين وشو بدنا ندافع وما معنا ذخيرة واللي معنا خلص وبعدين وين 
نروح قدام الدبابات والجيش الجرار طلعنا من البلد في الليل وطلعت هالناس 
وتشتتوا». وذكر محمود إبراهيم أحمد اخميس: «طلعوا الناس من البلد لأن 
اليهود باغتوهم في آخر الليل ومفش عند الثوار قوة توقف قدام اليهود والجيش 
المصري تركهم لحالهم وانسحب». وتروي السيدة عزيزة محمد محمود 
عايش: «الناس طلعت من البلد ما لقيوا حدا معهم». 


نخلص من المقابلات مع جيل الآباء إلى وجود فروق واضحة بين هذا 
الجيل وإناثه» في ما يتعلق بدور الثوار في الدفاع عن بيت نتّيف. وكذلك 
المعارك التي وقعت في القرية وخارجها. فالذكور ذكروا تفصيلات في شأن 
تحركات الثوار والمعارك» في حين لا نجد مثل هذه التفصيلات لدى الإناث» 
فمئلا تروي سارة محمود عبد العزيز أبو شعيرة: «بقوا هالثوار يطخطخوا 
عاليهود». 


في الوقت ذاته» نجد روايات ذكور جيل النكبة غنية بالمعلومات عن الثوار 
والمعارك مع الصهاينة. وتشير روايات جيل الأبناء إلى وجود فروق بسيطة بين 
راوياتهم وروايات جيل الآباء» إذ تبدو الصورة عند الآباء - جيل النكبة - أكثر 
تفصيلا من جيل الأبناء كونهم عايشوا حوادثها وشاركوا فيها بعكس جيل الأبناء 
الذين وعت ذاكراتهم ما تناقلته الرواية الشفوية على ألسنة آبائهم عن حياتهم من 
بطولات ونجاحات وإخفاقات في مقارعة القوات الصهيونية» فجاءت رواياتهم 
عامة وليست تفصيلية» وفي ذلك تروي عزيزة محمد محمود عايش: «معركة 
الدهيشة سمعت عنها بقولوا هون في الدهيشة صايرة وبقولوا إنو اليهود تخبوا 
في الدار وإلا أن كان الثوار خلصوا عليهم»ة. 

أما بخصوص متغير مكان السكن؛ فلم يكن له تأثير يذكر في أغلبية 
روايات الآباء» ولا حتى الأبناء» ومع ما ذكرناه» فإن الاختلاف بين جيل الآباء 
وجيل الأبناء لم يكن جوهرياء وإنما كان الاختتلاف في التفصيلات الدقيقة التي 
عايشها الجيل الأول» والتي أخفق الجيل الثاني في تفصيلات حوادثها. 


446 


التتائج 


حققت نتائج الدراسة أغلبية الفرضيات» بينما لم تحقق بعضها الآخرء 
فتبين لنا ما يأتي: 


- وجود فروق جوهرية ذات دلالة إحصائية بحسب متغير السنٌ» 
حيث تبين أن لاجئي الجيل الأول احتفظوا بحوادث النكبة في مخيلاتهم. 
بينما ظهرت فروق جوهرية بين جيل الأول» جيل الآياء؛ والجيل الثاني» 
جيل الأبناء» خصوصًا فى ما يتعلق بحياة الطفولة» وما تخللها من ذكريات 
وقصص وصورهء والتسلسل في سرد الحوادث» وفي المقابل تراجعت 
حوادث الطفولة والذكريات في قرية بيت نتّيف بين اللاجئين من جيل الأبناء 
لأنهم لم يعيشوا حياة بيت نتّيف بجميع نواحيها قبل النكبة» وهذا يعزى إلى 
متغير العمر. 


- خلصت الدراسة إلى عدم وجود فروق بين الجيلين تعزى إلى متغير 
مكان السكن. بينما ظهر متغير دخيل كان له بعض الأثر فى ذاكرة اللاجئين 
الجماعية وهذا المتغير هو الانتماء إلى العائلة» وتدعم نتائج هذه الدراسة 
نتائج دراسات سابقة أجريت على لاجئين من بيت جبرين المهجرة» وأشارت 
إلى أنه كان للانتماء العائلي دور في المتغيرات المستقلة لا تختلف عن نتائج 


هذه الدراسة0©. 


- يمكن القول إن بعض الفروق التي تعزى إلى متغير العمر والتي تدور 
حول أسماء العائلات والمواقع في بيت نتّيف لم تكن فروقًا جوهرية في 
أغلبيتهاء وإن كانت جوهرية في بعض المحاور التي تم التركيز عليهاء خصوصًا 
في ما يتعلق بتفصيلات حوادث النكبة» فالآباء - جيل النكبة - هُجروا من 
بيوتهم التي بنوها وعاشوا فيها وتذكروا جميع تفصيلاتهاء إلا أن جيل الأبناء 
حافظ على الذاكرة الجماعية من دون معاينة تفصيلاتها. 


(7) عمروء المقدمة. 


417 


- أظهرت الدراسة أيضًا أن انتقال الذاكرة إلى الجيل الثانى - جيل 
الأبناء - كان من خلال الرواية الشفوية التي بها تنتقل الذاكرة إلى الجيل 
الثاني» ومن خلالها تنتقل من جيل إلى جيل؛ فضلا عن أن الدراسة أظهرت 
أيضًا أن انتقال الذاكرة كان يجري بزيارة بيت نتّيف برفقة الآباء والأجداد. 
وكان لهذا دور في الحفاظ على الذاكرة الجماعية في مواجهة تحديات 
الاحتلال والتصفية» وأظهرت انتقال الذاكرة من خلال محافظتهم على بعض 
الوثائق»ء خصوصًا تلك التي تتعلق بملكية الأرض - الطابو - وقراءة الكتب 
وما ينشر عن قريتهم. 

- بينت الدراسة أيضًا عدم وجود أي فروق جوهرية في ما يختص 
بعملية نقل الذاكرة بين الذكور والإناث ويمكن أن تعزى إلى متغير الجنس» 
لكنها أظهرت وجود فروق واضحة بينهما في ما يتعلق بدور الثوار في الدفاع 
عن بيت نتّيفء وكذلك المعارك التي خاضها الثوار من بيت نتّيف في القرية 
وخارجهاء حيث تجد دلالاات واضحة لهذه الفروق بين الجنسين» فالذكور 
أعطوا تفصيلات بخصوص تحركات الثوار والمعارك التى حصلت فى بيت 
نيف وخارجهاء في حين لا نجد مثل هذه التفصيلات عند الإناث. 


المراجع 
كتب 
البديري» موسى [وآخ.]. المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. تحرير 
ليزا تراكي. عكا: دار الأسوارء 1990. 
الخالديء وليد [وآخ.]. كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 


8 وأسماء شهدائها. ترجمة حسنى زينة؛ تدقيق وتحرير سمير الديك. 
ط 3. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 171. 


الدباغ» مصطفى مراد. بلادنا فلسطين. كفر قرع: دار الهدى. 1991. 
الدوايمة» أحمد أبو فروة. موسوعة قرى فلسطين المدمرة. عمان: دار يافا العلمية 
للنشر والتوزيع؛ 2006. 


418 


العارف» عارف. نكبة فلسطين والفردوس المفقود 7--1949. 6 ج. كف ر قوع: 
دار الهدى للطباعة والنشر» 1956. 
مناع» عادل. تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1918-1700. بيروت: 
مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 1999. 
. لواء القدس في أواسط العهد العثماني: الإدارة والمجتمع - منذ أواسط 
القرن الثامن عشر حتى حملة محمد على باشا سنة 1831. ط 2. بيروت: 
مؤسسة الدراسات الفلسطيئية» 2008. 


دوريات 
البخيت» محمد عدنان. «من تاريخ حيفا العثمانية» دراسة في أحوال عمران 
الساحل الشامى.») شؤون فلسطيئية: العدد 94» أيلول/ سبتمبر 19279. 


الشريف. ماهر. #الذاكرة الشفهية الفلسطينية والهوية الوطنية في ضوء تعدد المنافي 
والساحات.» مجلة صامد الاقتصادي: السنة 26, العدد 135 2004. 


دراسات 

عمرو) ثيسير محمود غعيسى. «(قرية بيت جبرين فى الذاكرة الجماعية.6 رسالة 
ماجستير في علم الاجتماع» جامعة بيرزيت» كلية الآداب» إشراف شريف 
كناعنة» فلسطين» 26 أيار/ مايو 2007. 


المراجع الشفوية 

محمد خليل يوسف الغروزء مخيم عايدة» 6/ 10/ 20132. 

عبد العزيز عبد الهادي عليان أبو حميدة» بيت جالاء 11/ 2013/10 

سارة محمود عبد العزيز أبو شعيرة» مخيم الدهيشة» 2013/10/11 

سارة أحمد حسين أبو حميدة» بيت جالاء 13/ 10/ 2013 

مصطفى إبراهيم مصطفى أبو سرور (80 عامًا)» مخيم عايدة» 14/ 2013/10 
محمد ذيب عبد الله الديس (76 عامًا)» الدوحة» 14/ 2013/10 


449 


حامد محمود محمد أبو حميدة (80 عامًا)» الدهيشة» 17/ 10/ 2013 

طه إبراهيم مصطفى أبو سرور (73 عامًا)» بيت جالاء 27/ 2013/10 
محمود عبد الحميد عبد القادر بركات (63 عامًا)» أبو نجيم» 27/ 2013/10 
يوسف حميدة خليل رومي (72 عامًا)» بيت جالاء 28/ 2013/10 

محمود أحمد جبريل بشير (73 عامًا)؛ مخيم الدهيشة» 2013/10/28 

أحمد عبد الرحمن عبد القادر المشايخ» (68 عامًا)» بيت جالاء 2013/11/4 
إسماعيل أحمد علي علقم, (67 عامًا)؛ بيت لحم 2013/11/4 

عيسى محمد محمود عايشء» (56 عامًا)» الدوحة» 11/5/ 2013 

شريفة إسحاق إسماعيل السيد أحمد (66 عامًا)» مخيم الدهيشة» 2013/11/6 
محمود إبراهيم أحمد اخميسء (63 عامًا)؛ الدوحة» 2013/11/6 

خولة محمد عبد الحميد مطلق (62 عامًا)» بيت جالاء 2013/11/6 

محمد عبد الرحمن عبد القادر المشايخ» (67 عامًا)» بيت جالاء 2013/11/7 
عبد المجيد على محمد علقم (85 عامًا)» الدوحة» 2013/11/14 

حميدة حسن عطا الله المشايخ (71 عامًا)؛ بيت جالاء 2013/11/15 

حامد عبدالهادي نصار الحسني (76 عامًا)» الدوحة» 2013/11/16 

ظاهر علي بركات راشدء (61 عامًا)ء الدوحة» 2013/11/18 

إبراهيم عبد الرحمن عبد القادر المشايخ (78 عامًا)ء بيت جالاء 2013/11/23 
محمود سعيد أحمد أبو شعيرة (61 عامًا)» مخيم العزة» 2013/11/23 
ربحي عبد الفتاح جبر أبو شعيرة (61 عامًا)» مخيم العزة» 2013/11/26 
عبد الله مصطفى أحمد أبو شعيرة (56 عامًا)» بيت لحمه 2013/11/27 
إبراهيم محمد إبراهيم أبو نحلة (86 عامًا)» مخيم الدهيشة» 2013/11/28 
خالد عبد المجيد علي علقم (57 عامًا)ء بيت لحم» 1/2 /+2 

عزيزة محمد محمود عايش (58 عامًا)» الدوحة» 2/ 12/ 2013 

محمود حميدة خليل رومي (68 عامًا)» بيت جالاء 2/ 12/ 2013 


430 


الورفة السابعة عشرة 


اختراق الجدر: الحرب غير المرئية0) 


مقدمة 


ليس من السهل إزالة الندوب الخفية للحرب. ويستحيل تقريبًا تلخيص 
تيبعات أي حرب لأنها تتضمن طبقات من المعاناة والتجريد من الإنسانية 
والآثار الصحية الخطرة والأضرار المادية والبيئية» إضافةً إلى الصدمة 
المستمرة. تستكشف هذه الدراسة الاستجابة الفلسطينية للاستراتيجية العسكرية 
الإسرائيلية الجديدة «اختراق الجدّراء بوصفها حربًا خفية داخل المدن» كما 
تقدم الرواية الإثنوغرافية للتجربة الفلسطينية في أثناء الاجتياح الإسرائيلي” في 


(*) صدرت الدراسة في المجلة الإلكترونية الفضاء والثقافة» ونقدمها مترجمة إلى العربية بعد 

مو افقة الكاتبة والناشر: 74ه ععممى «عمللا عاطتوأبهها ع1" :وااوالا لمونامة؟ ومتكلاو/لا» ,طعاطاعا8 متعطوة 

204 صمصاء"! 11 ,عسابةثة 

(1) تمثّل كلمة اجتياح العربية - لغويًا وفعليًا - عملا قسريًا لهيمنة السلطة والقمع على الأرض 

ومن عليها؛ أي مجازًا مئل تسونامي من صنع الإنسان: : مفاجئ لكنه متوقّع من دون وعي. كما أنها تمثل 

صدمة جديدة في حياة الفلسطينيين. يشير الناس إلى الحوادث على أنها ما قبل الاجتياح أو ما بعده» 

حتى لو كانت الكلمة لا تعني سوى «غزو». هكذا كانت وحشية غزو عام 2002 إلى درجة أن كلمة 

اجتياح أصبحت تشير إليه بالذات. وبدأت تظهر في الحديث اليومي» وما عادت الحياة كما كانت» إذ 

غيّر الاجتياح حياة الناس وربطهم بحوادث مأساوية أخخرى في التاريخ الطويل للمعاناة الفلسطيئية تحت 
الاحتلال الإسرائيلي. 


4531 


عام 2002 بوصفها مثالا لمواجهة الحرب الحديثة داخل المدن. وإلى جانب 
التجارب الشخصية وملاحظات المشاركين» أجري العمل الميداني في بلدة 
نابلس القديمة بين عامى 2009 و2011. 


تُظهر قصص حياة المشاركين مدى صدمتهم وشعورهم بالمكان وارتباطهم 
به من خلال توضيح تجربتهم مع الحرب وإعادة بناء منازلهم» وكيف يجري 
التعامل مع ذلك في حال عدم اليقين الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي المستمر. 

بدأت الانتفاضة الثانية (الأقصى) في عام 2000» عقب الزيارة المستفزة 
التي قام بها رئيس الوزراء الأسبق أريئيل شارون إلى الموقع الإسلامي المقدس». 
المسجد الأقصى (الحرم الشريف) في القدس الذي حملت الانتفاضة الثانية 
اسمه. لكنها أيضا جزءٌ لا يتجزأ من النضال الفلسطيني المتواصل من أجل 
التحرر الوطني وتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي» ولا سيما بعد فشل 
اتفاق أوسلو في تحقيق السلام. وبادعاء #الحرب على الإرهاب» والبحث عن 
«المفجرين الانتحاريين6» أطلقت إسرائيل في عام 2002 ما سمّته عملية الدرع 
الواقي في الضفة الغربية للقضاء على المقاومة وإعادة احتلال معظم المدن 
الفلسطيئية الرئيسة. 

في نيسان/ أبريل 2002», شنّت القوات الإسرائيلية هجومًا واسع النطاق 
على بلدة نابلس القديمة استمر 19 يومّاء دخلت من ثلاث نقاط وقطعت 
الكهرباء والماء وخطوط الهاتف عن المدينة بأكملها. ووّضع القناصة في مواقع 
استراتيجية على الجبال وفوق المباني العالية» كما أحيطت المدينة بالحواجز 
لعزلها بالكامل. في أثناء هذا الاجتياح» قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 
6 فلسطيئيًا ودمرت البنية التحتية للمدينة وحوالى 64 مبنى بالكامل» واعتّبر 
1 من المباني الأخرى غير سليمة هيكليًا. وشردت مثات العائلات©. 
ووتّقت تقارير قليلة التبعات المأساوية على حياة السكان» خصوصًا آثار 


(2) ,وستلهعا5 بدملهمة) وعلدمظ لمعطائيه وعمموعظا نوا لعائلت1 جامم8 طعما8 136 «عستاععلهلاعهعآ1 
.(2003 بسع لصم8 انتمطاتت دتعارمجيع1 طاتت ووتأماعمدعة ص كعرط مسالط نولا 


4132 


الاستراتيجية العسكرية الجديدة «اختراق الجدّرة. ولا يمكن للأرقام الأولية 
للمباني المدمرة أن تعبّر عن الأضرار النفسية التي عاناها سكان المدينة. 


استنادًا إلى البحوث الإثنوغرافية» تقدّم هذه الدراسة وجهة نظر معمّقة في 
شأن التجربة الفلسطينية خلال الاجتياح الإسرائيلي في عام 2002 واستراتيجية 
«اختراق الجدّره التي استّخدمت في بلدة نابلس القديمة. وباستخدام سرد 
القصص كنهج تفاعلي وتحليلي في ما يتعلق بالجوانب المختلفة للحياة اليومية» 
تشير هذه الدراسة إلى مفهومي القوة والإنتاج الاجتماعي للمكان» لهنري 
لوفيفر”؟» وممارسات وروايات ميشيل دو سيرتو المكانية» وأفكار باولو 
فرير*2 عن الظواهر والثقافة الاجتماعية وخطاب الموضوعات الناشئة. وبشكل 
جماعي» تقدم نظرياتهم أداة كشف عن طرائق التفاوض على استراتيجيات 
القوى الاستعمارية من خلال خطط السكان التي لا تهدف إلى تعزيز السلطة» 
بل إلى القيام بأعمال خفية لمقاومتها. و بذلك؛ يعكس السكان درجات وأشكالا 
لا تعد.ولة 3 تحصى من المقاومة والصمود. إضافة إلى استعراز إعاده تعريف 
المكان. وفي أثناء مفاوضاتهم» يتمكن السكان من تغيير المشهد السياسي 
بشكل موقت على الرغم من التفاوت في القوة العسكرية. 


تعكس قصص الئاس الكثير من الاستجابات الاجتماعية والاقتصادية 
والثقافية والمكانية والجمالية في شكل الخطط اليومية. وتجادل هذه الدراسة 


(3) بملوك<0) طاتدسك-مموامطءذل! للقموط نز لعنواكهه؟ ,ععممك ره ماع عورم 186 :عواطماعا ممعي 
:1/1001 عطه[ بإ لعنؤاكمه؟آ ,علاط «رملتصعاط لو عندوااتت :(1991 ,اأعجواعدا8 :ذذنا زهلةا عولقطهه انا 
ععمم3 :كأورأمعممسطارط8 لهة ,(1991 ,مدعلا تارملا بوعل بمملدمآ) طععالطع1 اعطء ك8 نز معؤاعوط 5 طااد 
أتقنط5 لإ دهاع ناكمطاما مه طاتع بعرموك14 10معء0) لصم جعل!ظا1 أكهدة5 نإطا لعأداكمة؟) ,علاط «رملفتورعاط 2:4 ,11016 
352766 مكلت ,[.لة أء) قمعلتةجعهم00) مططكتصف! نمه ,(2004 ,تتنانامتامم بعلملا ببعلة بوملهمآ) معلاع 

.(2008 رعو لت لانم ازول بجت 11) عاطعلها أرتعلط عودالعء1! تعلاط برملتجع«طا ععدعء 21 


(4) لعنماكههه؟ ,علاط بومفتجعط إه عوج 71:6 ,اوبروكا عصعلط لصد لممز0 معنا بننمعصيصت عل أعطء 3 

,(1998 كع2 هامكى صمنتك8ة 2ه وتوععلالمنا :عتاومتءضصتا8) له .نويع لضة .بم بجعل7 بلتعمهه1 .ل طاو نم1 نو 
.اام00) نيه عاناطا :2 .أو 

() ونا ومتاعنلمهها ,ترمالمعطئط أنه ععموط ,عابت ١ررمامعمهظا‏ زو اذام 1716 :عع" ملسوط 
:(1985 ,وعدن لمة منوعظ8 :.كمداكة ,زعاممة1! طائه5) ملععداة ملأهدمما نزط لماتأكممم1 بساممان عم جونز 
للقده1 نإ هواعن 200[ شه طاتبج بدمسقظ مقموعء8 وكزك/ا! بوذا اعتماقمةء؟! ,لععععرمم0 ءآ؛ إه برومومتوطة 
كك كلاد كت5ام) أمعنالط) جم 1:07تعنتظ قلتت ,(2000 ,تتتناناكنا02) :عارولا بجع11) ,لت بمموى اتممة 309 ,ملمعداةا 
.(2002 +7لناناه 000 عأرملا بجع31) 


43 


في وجوب وضع هذه الخطط في الاعتبار» إلى جانب أنواع أكثر رسمية من 
المدخللات» من أجل فهم كيفية تصرف الناس من أجل البقاء خلال الحرب. 


أولًا: تفعيل الحروب الحديثة داخل المدن 
تحت الاحتلال الإسرائيلي 


الفلسطينيون عند الاحتلال الإسرائيلي هم 7 » الأمر الذي يُفقدهم 
آدميتهم كشعب» وبالتالي يصبحون غائبين أو مَغيّبين. وخدمت المقاومة 
الفلسطينية للاحتلال الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر: قام الجهاز الدعائي 
الناشط للاحتلال بتحويل كل ما فعلناه [الفلسطينيون] ضد احتلال أراضينا 
وتدمير قرانا وقمع شعبنا إلى «إرهاب96». ويسلّط البحث في التجربة الإنسانية 
في أثناء اجتياح عام 2002 الوه على تبعات الصراع التاريخي الطويل 
وكيفية تعامل الناس مع الوضع. د يعد هذا أمرًا بالغ الأهمية» أولًا لأنه يقدم 
فهمًا إنسانيًا نوعيًا لما وراء الكميات المتراكمة من الخسائر والأضرار. وثانيًا 
لأن التوتر العالمي المتزايد - خصوصًا بعد حادثة 11/ 9 - ربط بالمقاومة 
الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. وثالنًا لأنه يضيف إلى أدبيات الحرب 
والمقاومة مثالا على التجربة الإنسانية التفاعلية وتداعيات العيش مع الخوف 
وعدم اليقين. 

إلى جانب تهديد الحاجات الإنسانية الأساسية» تتضمن الحروب الحديثة 
تدمير جيوش الدولة للبنى التحتية الأساس للمدن. ودائمًا تفوق تبعات أي 
حرب أعداد الخسائر وتشمل الكثير من الآثار الخفية لهذه الأعمال في المدنيين 
وحياتهم اليومية. يقترح ديريك غريغوري أن جدة مثل هذه العلاقة تكمن في: 
التحويل (العام) للوجود الإنساني إلى أدوات والدمار المادي للجسد البشري 
والشعوب الذي يسعى أداؤه المكاني إلى عقلنة الاضطهاد الاستعماري 
وتجذيره. لا يعتدي هذا الأداء على الحياة المؤهلة سياسيًا فحسب - المساحة 


(6) بجع1) خطهك/! مقع[ بإ كام هريوممط6 ,ععلاا «متمااعاء2 :ولد امعط ءا «عالق ,لنة5 .لا لموعلط 
.107 .م ,(1999 ,ووعوط انوع حلدنا وأطسساه علعملا 


434 


التى يمكن إقامة الدولة الفلسطينية فيها - بل على «الحياة» ذاتها أيضًا©. 
ويجادل غريغوري أيضًا في أن فكرة الإرهاب تسمح للإسرائيليين بمواصلة 
«الحرب على الإرهاب» المزعومة» مع مراعاة ضثيلة أو منعدمة للقوانين 
الدولية© أو المدنيين الأبرياء. تقول مها التي شهدت اجتياح عام 2002: «كنا 
نحاول تفادي أن يرانا أحدء وظللنا صامتين قدر المستطاعء بلا حراك تقريبّاء أو 
كما نقول ”على الحافة“0©. 


يهدد التوسع الحضري الفاعل للأرض الفلسطينية القوةً الجيوسياسية 
الإسرائيلية والمراقبة العسكرية» وبالتالي تُجرّد المدن الفلسطينية وتصوّر 
على أنها مساحات غير مأهولة تتحدى قوة السيطرة التكنولوجية الإسرائيلية 
التي تهدف إلى تأخير أي محاولة لقدرة البنية التحتية المستعمّرة على العمل؛ 
حتى بعد انتهاء الحرب. أصبحت نظم الدعم التكنولوجي والبنى التحتية 
للمدن عناصر أساس في الحروب والعنف السياسي؛ والاجتياح الإسرائيلي 
في عام 2002 أحد أمثلة كثيرة على ذلك. إن جزءًا من الحرب العالمية على 
الإرهاب هو الهجوم على البنى التحتية في المدن بوصفها القوة المنظمة للنظام 
الحضري: «نحن نتعامل مع استخدام المناطق الحضرية كسلاحء» فالمبتى 
سلاح6”*'). يقترح ستيفن غراهام أن عملية الدرع الواقي الإسرائيلية في عام 
2 تُعَلَ حالة #إبادة حضرية» تهدف إلى تدمير الأسس الحضرية والهيكلية 
والثقافية للدولة الفلسطينية فى مراحلها الأولية. وهذا يعنى قتل المدينة من 
خلال تدمير «البنية التحتية الاجتماعية التي نشأ عليها المقاتلون والتي تعتمد 
عليها أسرهم [أي المقاتلون الفلسطينيون]2”0". واستّهدفت بشكل واسع نظم 


2 تشانا! ,دعلامانة) همد[ همه ,عستتععاوط ,الماعامم ولا امععممط أمتررمام) 186 ,مموعع6 عع 
.53 .م ,(2004 ,طنط لأعجواعواظ 


22 المصدر نفسيه. 
(9) ساحرة رشيد بليبلة» اتصال شخصيء 2/ 8/ 2010. 


(10) معنضسه5 ,كن أمممه© ببعطءلا انه كفدج10 :كتوم7 12 قمه :116 ,كء أت ,عله ,متمطم0 معطوعاة 
.204 .م ,(2004 بعمتطعتاط! الءساعدا8 شك بدعل1121) عوممط2 لماعم لعه مدطرنا صذ 


6010 .4 .0 ,اتاكة3270 2:0 116 ,ك2 0]01) ,لت ,تصعطة:) :2ز 0110© ,(2001) تتقتصة1 1201 


4535 


الحياة اليومية للسكان والبنية التحتية للمدينة في أثناء هذا الاجتياح. ويُعدٌ 
الغرض من استهداف شبكة البنية التحتية اليومية إيجاد تأثير ما بعد الحرب في 
السكان والمدن» حيث لا تنتج المعاناة في الأساس عمّا كاد يصيبهم؛ بل من 
خلال الحكم على المجتمع بأسره بمستقبل غير معلوم لأعوام مقبلة» حتى وإن 
حصلوا على مساعدات مالية من المانحين الدوليين من أجل إعادة اليناء2"©. 


ثانيًا: اختراق الحدر 


في عام 2002 قدّم الجيش الإسرائيلي استراتيجية «اختراق المججدُرة التي 
تضمنت تفجير جُدّر المنازل المتجاورة وأرضياتها وأسقفها. فبدلًا من القيام 
بدوريات في الشوارع الرئيسة وحارات المدينة» استّخدمت الاستراتيجيا لتلافي 
أي مواجهة مباشرة أو أفخاخ متفجرة» والأهم من ذلك» لأخذ الناس على حين 
غرّة في منازلهم. فكانت قوات الاحتلال تستخدم المتفجرات أو المطارق 
الضخمة, لفتح كوّات كبيرة للانتقال من منزل إلى آخرء ما تسبب بالفوضى 
والخوف بين السكان. وورد في تقرير مؤسسة «مراسلين بلا حدوده في عام 
3 أن الجيش الإسرائيلي كان في حالات عدة» يصنع كوّات من منزل إلى 
آخر حتى وإن كان من الممكن أن يدخل جنوده من النافذة أو الشرفة. وعندما 
يعبر الجنود من خلال هذه الكوّة» كانوا يجمعون سكان المنزل الذي تعرض 
للغزو ويحبسونهم في غرفة منفصلة طوال فترة احتلال البلدة. وكانوا أحيانا 
يجبرون السكان على البقاء محبوسين أربعة أو خمسة أيام» من دون مياه أو طعام 
أو أدوية أو حتى من دون الدخول إلى المرحاض. كان الجنود الإسرائيليون 
يغزون المنازل بشكل منظم ويشيعون الفوضى فيها ويفتحون دُرجٍ الخزائن 
ويتثرون محتوياتها ويمرّقون الملابس ويتلفون الصور ويحطمون أجهزة التلفاز 
أو الكمبيوتر. ووفقًا لما صرحت به تقارير منظمة العفو الدولية ومركز بتسيلم 
الإسرائيلي» كانت هناك حالات سلب ونهب في كثير من المناطق. 


(12) أمءااتامط هجه ب«مجين1 برمء دي | أومجومء© ندعام! ,.كلته ,لع2 هدالة امه ورموعع0 عاعرعط 
.(2007 ,عقلء اده :ليهلا" بجع1؟) وعورء ]اه 1[ 


46 


تمثّل هذه الاستراتيجية منطق إعادة تنظيم التركيبة الحضرية المبنية 
لأنها تتلاعب بالنمط الحالي للشوارع والحركة أو تتجاهله وتستبدل به نظامًا 
أكثر انسيابية. وبتصفية البنية الحضرية» يصبح من السهل السيطرة على موقع 
التخطيط حيث تُحدد المسارات باستجابة للفرص. يقول إيال وايزمان22 إن 
ذلك لا يهدف إلى الاحتلال فحسبء بل عادةً إلى تنظيم المدن المستعمّرة 
أيضًا حتى تسير الحرب الحديثة بأسلحتها ذات التقنية العالية وأنظمة المراقبة 
لمصلحة المستعمر. وبوصف هذه الاستراتيجية «تصميمًا بالتدمير»» يؤكد 
وايزمان أن «الحرب الحديثة داخل المدن تقوم من خلال تشييد بنيان» حقيقي 
أو خيالي» وعن طريق تدمير المكان وبنائه وإعادة تنظيمه وتخريبهة©. وهكذا 
طُوّر التفكير الاستراتيجي العسكري ليتخطى تعقيد المدينة» وبالتالي تطورت 
الحرب من كونها لاداخل المدينة ولكن من أجل المدينة» من خلال المدينة. 
ما عادت المديئة موقعًا للحربء. بل أصبحت جهاز الحرب216. ونفذ الجيش 
الأميركي هذا الاختراق الحربي المفاجئ لخصوصية المنازل في العراق أيضا. 
وأصبحت هذه الاستراتيجية - بناءٌ على التدريب العسكري المشترك بين 
جيشى الولايات المتحدة وإسرائيل - أعمق أشكال الذل والصدمة بالنسبة إلى 
المجتمعات التي تعرضت للغزو©©. 


تفرض التكنولوجيا الحربية الإسرائيلية» العسكرية والسياسية» وإعادة تعريف 
المكان استخدام الاستراتيجيا لتبرير إعادة احتلالها معظم المدن الفلسطينية. ولا 
تؤدي التركيبة الحضرية والسكنية الغرض الذي صّممت من أجله. فلم تحوّل 
استراتيجية «اختراق الجدّرة الأماكن الداخلية إلى أماكن خارجية والمجال 


(3) علولا ببعلظ رهولهمآا) «مانمصيعء0 كه ماع ناعمل 5 أموجدوآ عفدجمة ملوااو ,مقمسء لا اوبرع 
.(2007 ,مدلا 

(14) نهذ «بعمتمهواط موطتا كه كعدمنمعءم0 بإسمانائ/!» ,اتفصصاء/ا لدبرع لمه عاتدامدوتكة متلائطط 

01 عالنتاتاكما ,اللا مستتلهط) ماووانا لإن ععاماد ج0112 04 كج001 ,كامدماك! :كع موجن1 ,.له ,علممظ ساععقم 
.272-55 ,هم ,(2003 ,وتمم؟! عطالدلا ومسالمدططعي8 ععل وماعء/ا :ماما ياعم ندعم معادمت 


(15) :كللة/لا طهدمعنا عدفالة/لا» لسه ,لمصة «دهلأو/غ بممصجاءلا :279 .م ,ممصداء/لا مه عاد اعووزاة 
-أععوا/ة) 8 .20 ,136 .لأه؟ ,واموعه!فط6 أمعءامه2ه «باعزالهم) ممتسلاوعلوطلأاعهذا عط نز ماععاتطععمة هه 501015 
.(2005 اعم 


(216 .279 .2 بتقعاأء/18 لمه عات عاعدئاة 


457 


الخاص إلى طريق عام فحسبء بل غيّرت أيضًا معنى المكان اليومي إلى #مكان 
محرمة؛ فأصبحت وسيلة للحرب”©. لا يحيلنا مصطلح «المكان المحرم؛ على 
المعنى الجدلي بين الأماكن الداخلية والخارجية في أثناء الاجتياح فحسب» 
لكنه يشير إلى الحياة اليومية بشكل عام أيضًا. وفي حين أن الغرض من الأماكن 
الداخلية غرض منزلي يوفر الحميمية والأمان والخصوصي» لا يستطيع السكان 
في النهاية أن يشعروا بأي من ذلك داخل منازلهم بسبب عدم إمكانية التنبؤ 
بالهجمات. والشعور العام بعدم اليقين تحت الاحتلال. أما بالنسبة إلى الأماكن 
الخارجية» فمن ناحية» يخشى السكان استخدام الشوارع أو الحارات خلال 
الاجتياح» ومن ناحية أخرىء يمنعهم من استخدامها حظرٌ التجول الذي يفرضه 
الجيش الإسرائيلي. وعلى نحو ممائل» لا يستخدمها الجيش الإسرائيلي حتى 
يتجنب الهجمات المضادة. إضافة إلى ذلك» تعطل شعور الناس بالسيطرة على 
الأماكن الداخلية والخارجية بشكل يومي. 


لا يتضمن أسلوب «اختراق الجدّر» التلاعب بمعنى المكان فى أثناء الحرب 
فحسبء لكنه يتماشى مع فكرة اكتساب المعرفة والقوة من خلال فهم سبل عيش 
الضحايا وتحويل مجالهم «النووي6 الداخلي إلى مجال خارجي ومكان حياتهم 
الخاصة إلى طريق عام أيضًا*'» كما يجسد أيضًا استراتيجية القوة لدى الظالم. 
وصف كثير من المشاركين من بلدة نابلس القديمة تجربتهم. وشهدثٌ أم جهاد 
قائلة: فوجئت بوجود الجنود وسطنا [أسرتنا]؛ لحسن الحظ كنا نعلم من جيراننا 
أن الجيش الإسرائيلي يصنع فتحات في الجدران والأسقف والأرضيات. لذا 
ظللنا مرتدين ملابسنا ... حتى إنني وابنتي أبقينا الحجاب على رأسينا. لم أستطع 
القيام بأي شيء إلا حماية ابنتي ذات الستة عشر عامًا بجسدي ... لا أستطيع أن 
أصدق حتى الآن أننا نجوناء الحمد لله. 

(17) :«ععدم5 معللتطرول» لعة ععمم5 وتاطنط معوماءط معتصططرلا بإملرت8)» بطعاطء8!1 معطوة 
]0 كععدم5 01 كود ألعععمع2 ع5 :]د لعامعكع25 ععرووط «رعصتاك اد ,كنااطول! 04 01 010 عغطا زه عود) عط 
001112) عامط الأس8 عطا 6ه نزليه5 عطا ما كعطعهمممعممة ومأووء د :ععقم5 1ه كعترماكا1!/ بوماوالا 


عنالجنه.ماللمندامناءدعء//:مقط> ,(2010 نؤدكة | - انمق 30 بإعاءءاكء8 بمتصهة )أله كه بواأععبلمنا عطا أن 
.<شعو دم ماز6 1 1/6996وعاا 


(18 .فادها ماماأه2 ,مقدحأءنا 


4538 


أدت البنية المضغوطة الفريدة لبلدة نابلس القديمة إلى استخدام مثل هذه 
الاستراتيجيا لمباغتة أفراد مجموعات المقاومة الفلسطيئية المحلية في أثناء 
تحركهم بين المنازل. توجد استراتيجية «اختراق الجدُره «مكانًا محرمّاك من 
خلال «تدمير الجَدّره» أي تفكيك مفهوم المجَدّر في سياق الصراع الإسرائيلي - 
الفلسطيني. وجرى التعامل مع المجَدّر الداخلية بسيولة ومرونة بسبب تغيير 
الإسرائيليين المستمر للاستراتيجيات العسكرية. كانت الجَدْر عناصر قابلة 
للاختراق» فمر منها الجنود الإسرائيليون الذين تلقوا الأوامر بالتصرف بحسب 
الضرورة» وبالتالي استخدموا تقنيات متطورة لاختراق الجُدّر كما لو كان 
المكان «غير مأهول». وعلى خلاف ذلكء. بينما كانت الجدّر الخاصة فى نابلس 
تُدمّر ووَتُخترق» استخدمت الحكومة الإسرائيلية استراتيجية أكبر لبناء جدار 
ضخم حول الأراضي الفلسطينية» الأمر الذي وضع المنطقة بأكملها تحت 
الحصار وأكد أن سكانها غير مرئيين. 


ثالثًا: دراسة حالة عن تعطل الحياة اليومية 


مع تتبّع ظاهرة «اختراق المجدّر»» نقدم هنا وصفًا لتجربة السكان في 
الفرص والقيود المكانية. بينما كان الناس محتجزين في جو من الخوف وعدم 
اليقين في أثناء الاجتياح وبعده» كانوا يتفاوضون على خطط الصمود أيضا. 
وإضافة إلى كون بلدة نابلس القديمة الموقع التاريخي الوحيد الذي يتعرض 
لاختراق الجدّره فإن لديها صفات اجتماعية وسياسية وثقافية» فضا عن إرث 
كبير لا يتقهر 

تقع البلدة وسط مدينة نابلس» ويتضح نسيجها الحضري المضغوط 
من خلال أحيائها الستة المكوّنة من منازل متداخلة ومجتمعة» ما يجعل من 
الصعب رسم الحدود بين المباني. يعني نسيجها الحضري المكرّن من كتلة 
واحدة أن المباني التالفة أو غير المستقرة ستّضعف الهياكل القريبة الأخرى 
وتعرضها للخطر من الأعلى أو الأسفل في حال وقوع أي هجوم . كان سكان 
نابلس ينتظرون في خوف وعدم يقين حين انتشرت أخبار اجتياح مدن فلسطينية 


4539 


أخرى. وعلى الرغم من أنه لم يكن أول هجوم إسرائيلي يتعرض له السكان» 
إلا أنه كان الأكثر وحشية ووصل إلى مستوى لم تشهده الأرض الفلسطينية منذ 
الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 201948. 

أعدت بلدية نابلس» بالتعاون ل مع مؤسسات اخرىق» تقريرًا لتقويم أضرار 
ما بعد الكوارث 2006288410 فى أيار/ مايو 2. وتوضح الخريطة (1-17) 
مواقع المباني المتضررة في بلدة نابلس القديمة وفقًا لما ورد في التقرير. 


الخريطة (1-17) 
موقع المباني المنضررة في عام 2002 كا ونّقتها بلدية نابلس» وحدة التأهيل» 2010 





ملاحظة: (اللون الرمادي يشير إلى المباني المدمرة) 


(19) جه تأعمم15 1 عودعه :7( :لأء1ط3 عستكدعلوط جممروم0 .كله ,7/13 4 لصة اعمعسدط قصساة 
.(2003 رقوعع8 0د[ :ولا رعصتاقءا5 بهملهمل) عون 


(20) أدار تقرير تقويم أضرار ما بعد الكوارث (60041) بلدية نابلس وممثلون عن برنامج الأمم 
المتحدة الإنمائي وجامعة النجاح الوطنية واتحاد المهندسين الفلسطينيين ونقابة المقاولين الفلسطينيين» 
برعاية الحكومتين اليابانية والألمانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. يسرد الجرد مقدار الضرر الواقع 
بعد الاجتياح الإسرائيلي في عام 2. وكانت اللجنة الطارئة التي أسستها مدينة نابلس في بداية 
الانتفاضة الثانية تتكوّن من البلدية والمقاطعة والأشغال العامة برعاية الحكومة وجامعة النجاح ومانحين 
دوليين كاليابان والنرويج. 


400 


لا تكفي أرقام الخسائر والأضرار لتعكس واقع تأثيرها في الناس. أما 
روايات المشاركين فتوفر الأفكار والمعرفة عن تجاربهم» ولا تتيح المجال 
لأصواتهم فحسبء بل تحبي ذكرى «غيابهم؛ أيضًا وتأتي بهم إلى #الحاضر؛ 
ليتعلموا ويساهموا في وضع خطط «التصرف» اليومية. تتطلب طبيعة 
الاستراتيجيات الحربية الإسرائيلية المتغيرة بسرعة - فى ما يتعلق بالممارسة 
والشدة - توثيق آثارهاء خصوصًا عند غياب نوعية الحياة عن التقارير الإعلامية 
وعن أي مطبوعات أكاديمية أخرى. 

على الرغم من الفروق الفردية» تتشارك روايات المشاركين في تجاربهم 
المتشابهة في التعامل مع اجتياح عام 2002. وتعبّر موضوعاتهم الناشئة 
عن الطرائق العديدة التي يواصلون التعامل بها مع الفرص من أجل مواجهة 
الشعور بعدم اليقين» وبالتالي تجري الحياة اليومية وتتكرر داخل الديناميات 
الحضرية المحلية بطرائق تعكس بقاء الشعب ومقاومته وتعتز بهما. تعبّر 
قصص المشاركين عن ضعفهم وخوفهم وتهجيرهم, إلا أنها تعكس دروسًا 
عن المقاومة والتأقلم مع الوضعء كما أنها تردد صدى التاريخ الصادم للنكبة 
في عام 1948 وآثاره المستمرة. كما تتيح هذه الروايات المجال أمام أصوات 
المشاركين» وتقدم فهمًا أوضح لتجاربهم, ما يفتح الباب أمام التشكيك في 
التخطيط الشعبي بشكل عام وفي أثناء الحروب بشكل خاص. ويكشف 
التحليل المتعمّق في رواياتهم عن القواسم المشتركة في تجاربهم التي تسلط 
الضوء جزئيًا على الاحتلال المستمر» ومع ذلك فهو لا يزال يتطور. 
1 - المنهجية 

تلخص مسألة كيفية تقصّي أساليب صمود الفلسطينيين وفهمها في بيئة تقع 
تحت السيطرة السياسية والمكانية حالة عدم اليقين تحت الاحتلال الإسرائيلي. 
ولاستكشاف آثار ظاهرة «اختراق الجدّره بدأت بعمل ميدانى أولى فى أحد 
أحياء بلدة نابلس القديمة الستة ببعض الأسئلة والملاحظات الأساسية. بينما 
كنت أسير في أزقّة البلدة القديمة» التقطت صورًا قدر المستطاع لأي دلائل 
على الأماكن المدمرة أو المحفوظة أو المضافة أو الناقصة أو المهجورة إضافةٌ 


46 


إلى صور لرسومات الغرافيتي والآثار وقوائم الأسماء وملصقات صور الشهداء 
على الجدران وواجهات الأزقة والساحات. كما بادرت إلى إجراء محادثات 
عابرة مع السكان الذين كانوا متحمسين لسرد قصصهم. ومن خلال هذه 
المحادثات» لقيت ترحيبًا من الناس وفضولا لمعرفة ما إذا كان هناك من يهتم 
لسماع قصص تجاربهم في أثناء الاجتياح الإسرائيلي في عام 2002. 

في غياب أي بحوث تتناول الآثار «الإنسانية» للسياسة» تهدف هذه الدراسة 
إلى توثيق هذا الجانب من خلال تضمين المشاركين الذين اختيروا على أساس 
المعايير المشتركة المتعلقة بتجربتهم مع الاجتياح الإسرائيلي في عام 2002. 
استخدمت الدراسة نهبًا متعدد الطرائق يستند إلى منهجيات إثنوغرافية وروائية 
وسردية. في أثناء سرد المشاركين قصصهمء جرى توثيق رواياتهم وتجاربهم 
ومشاعرهم وأفكارهم وتأملاتهم ومعلوماتهم الشخصية. واستخدمت خريطة 
الأضرار المادية وقوائم جرد الأضرار من أرشيف البلدية لتحديد مواقع الزيارة 
في كل حي. وبناءً على نتائج العمل الميداني الأولي وشبكة معارفي الخاصة» 
وضعت استبيانًا شبه منظم لمجموعتين من المشاركين في البحث: السكان 
وأصحاب المتاجر وممثلو المؤسسات. 


تتكوّن بلدة نابلس القديمة من ستة أحياء» وبالتالي توسع العمل الميداني 
ليشملهاء وزرت ما لا يقل عن خمسة منازل أو متاجر في كل حي. وساهم 
ما مجموعه 40 مشاركا و17 ممتّلا عن المؤسسات في الدراسة بين عامي 
9 و2011. وتوزع المشاركون بين الأحياء الستة في البلدة القديمة: 
الغرب والياسميئة والعقبة والقريون والحبلة والقيسارية. وجرى التواصل مع 
المشاركين إما في منازلهم أو في متاجرهم. وكان تقرير تقويم أضرار ما بعد 
الكوارث مفيدًا في تنظيم العمل الميداني والمتغيرات البحثية وتوقع أنموذج 
الرسم البياني الترابطي كما هو مبين في الشكل (1-17). لا يسلط هذا الرسم 
البياني الضوء على المتغيرات البحثية لتقضي آثار «اختراق الجَدّر؛ (الصراعء 
الناس» المكان) فحسبء لكنه يوضح الموضوعات الناشئة المتوقعة في أثناء 
تحليل الروايات المجمعة أيضًا. 


402 


الشكل (1-17): الأنموذج المتوقع للرسم البياني الترابطي 


4 |الصدمة والنوف. . 


جح 6 2ه مي د 


7 (العيش والتأقلم.» 





المصتر: ناعمو[ عط ععلهن عممع لامع لصة روأعسعرمم0 لدمم5 :انآ برقل نوعب ,طعءاطتةا8 معطوة 
06 لإأأسع اأدنا ,رمماامارعوسل»ط ,0 ,ط2 ,كتمعط1) «عمتاكء لو بكداطهلا! كه ديبده؟ 010 عط 6ه عمهت) عط بصم ممرمع0 
.(2012 ,انماع ااتطقولا 


في أثناء كتابة نص المقابلات»؛ راجعتها بحثًا عن احتمال وجود موضوعات 
مشتركة تميز تجارب المشاركين في منازلهم عندما جرى إجلاؤهم,؛ وفي أثناء 
عملية إصلاح الأضرار والعودة إلى المنزل. وهكذاء أبرزت الكلمات كلها التي 
عبرت عن موضوعات متشابهة وججدولت وجرى تتبعها في النصوص الأربعين» 
كما قورنت الروايات كلها بحثًا عن الموضوعات الاشتقاقية المشتركة» مع 
مراعاة علاقة الأفراد بمنازلهم وخوفهم وذكرياتهم وإجلائهم أو بقائهم في 
المنزل وعلاقاتهم الاجتماعية. وهكذا استخدمت جداول إكسل البيانية لمقارنة 
الروايات كلها بالموضوعات الاشتقاقية. واتضح أن الروايات الأربعين تتشارك 
في سبعة وعشرين موضوعًا ناشمًا. واستنادًا إلى مدى انعكاس هذه الموضوعات 
الناشئة في كل من الروايات؛ اختيرت عشر قصص للتحليل المكاني المتعمق 
وتفسير الموضوعات الناشئة 


2- آثار الاجتياح الزمنية والمكانية والسلوكية 
أشير في هذه الدراسة إلى نظريات المكان والحياة اليومية لفك تعقيد 


العيش في الخوف وعدم اليقين» وللتواصل مع بحوث أكاديمية أخرى في 
شأن الخوف وتبعات الحرب الحديثة. تأتي الروايات التي يستند بحثي إليها 


0403 


من عيّنة دراسية شملت سكان المنازل وأصحاب المتاجر من النساء والرجال 
الذين يعيشون في بلدة نابلس القديمة» وكانوا قد تعرضوا للاجتياح في عام 
2 فضلا عن ممثلي المؤسسات الذين شاركوا في إصلاح الأضرار في 
ذلك الوقت. يشكل ذلك جزءًا من مشروع بحثي أكبر يتقصى الآثار المكانية 
والسلوكية للاجتياح وتبعاته التاريخية والمستقبلية على الحياة اليومية والهوية 
والوطن والانتماء والدولة في فلسطين. 

تعكس عملية تحليل السرد بالتداخل مع التجرية والرواية موضوعات 
ناشئة عن البنى الظاهراتية التفاعلية لأساليب التصرف من أجل التعامل مع 
الصراع العسكري والسياسي. وتحدث المشاركون في الدراسة عن تجربتهم 
الصادمة في عام 2002 وكيف ذكرتهم بالمنفى والنكبة (1948) التي عززت 
شعورهم بجذورهم وارتباطهم. تدور قصصهم حول تخطيط الوقت والمكان 
في إطار من الخوف وانعدام اليقين واستراتيجيات القوة. وفي مجموعات من 
القوة والبيئة المقيدة» ويجري اعتماد العنصرين الزمني والمكاني وتعزيزهما 
وإعادة تعريفهما والتفاوض في شأنهما وبنائهما. 

تحدد الصفات الحضرية المضغوطة لبلدة نابلس القديمة ارتباط الناس 
بمنازلهم» ما يجعل العنصر المكاني أنموذجًا محوريًا لفهم الطرائق التي يرتبون 
بها أولويات المناورة. ويقوم البحث عن الموضوعات المشتركة بين الروايات 
المجمعة بالكشف عن الخطط التى تنشأ لتعكس المجالات المكانية المختلفة 
التي تبدأ من أماكنهم المنزلية #النووي يةه حتى انتقالهم إلى السكن مع أقربائهم 
أو جيرانهم أو في مكان عام أو في سكن موقت. تحدد لنا قصصهم الطرائق 
المختلفة التي عانوا بها التهجير؛ وعملية إعادة البناء والعودة إلى المنزل. وتقدم 
رحلة السكان القسرية وجهة نظر عن مواجهة الخوف عند انعدام اليقين» فضلا 
عن التعامل مع المؤسسات المحلية التي شاركت ولا تزال تشارك في هذه الرحلة. 

تهدف الاستراتيجية الجديدة التي تتضمن الهجوم المفاجئ على منازل 
الفلسطينيين وغزوها إلى عرض قوتها وسيطرتها العسكرية وإلى إيجاد حالة 
من الارتباك وعدم اليقين» كما تُظهر عزم الاحتلال على تحويل أماكن الحياة 


404 


اليومية للناس إلى وسيلة للحربء ما يجعلهم يعيشون في حال دائمة من 
الحرب طوال اليوم. تيسّر الروابط الاجتماعية والثقافية في المجتمع المشاركة 
في الحاجات الأساسية من مأوى وغذاء وأمن. وباتباع نهج سياقي تصاعدي» 
تكشف الروايات المجمعة عن الكثير من الخطط التي يبتكرها السكان لتحويل 
المكان الخاص بهم ليعكس تصورهم عن الاجتياح الإسرائيلي. ويوضح 
التحليل أن قراراتهم القسرية بالانتقال أو البقاء في منازلهم استندت في البدء 
إلى شعورهم بالأمان. وعلى الرغم من خوفهم. فإنهم اعتبروا إعادة بناء منازلهم 
ضرورة ووسيلة للشفاء تعبّر عن ارتباطهم ومقاومتهم. حتى بعد تدمير منازلهم» 
استمروا في زيارة الأنقاض لتأكيد ارتباطهم بالأرض. 

يقدم كلّ من المقتطفات التالية جزءً! من الموضوعات المتعددة لتجارب 
المشاركين لتجتمع الأجزاء وتلخص حياتهم اليومية. فعلى سبيل المثال» يقول 
أبو فادي: استشهد ابني في أثناء الاجتياح ولم أتسلم جثمانه حتى الآن ... 
فهو لا يزال مع الإسرائيليين. وعلى الرغم من ذلكء؛ فإن إجلائي عن منزلي 
أصعب ... أشعر بالحنين إلى منزلي وأموت إذا بترك هالمكان ... ولأننا كنا 
نظن أننا في أمان. كنا ننام تحت النوافذ حتى لا يرانا من في الخارج ... لم يكن 
هناك مكان آمن ... اخترق الصاروخ القبة السميكة في السقف ووجدنا أنفسنا 
تحت السماءء ومنذ تلك اللحظة فقدنا الحياة التي كنا نعيشها”. 


يمكن النظر أيضًا إلى ما قاله أبو فادي من خلال عدسة الارتباط والحنين 
والذكريات والصدمة المستمرة بعد تدمير منزله ومقتل ابنه. لكن الأولوية 
كانت للسلامة» واعثّبرت لاحقا أسلوبًا مكائيًا في أثناء عملية الإصلاح» حيث 
قلل معظم المشاركين من حجم نوافذهم لتأمين مساحة تحتها. ومع كون 
المشاركين محتجزين مكانيًا وزمنيّا تعكس روايات تجاربهم اليومية كيف كانوا 
يحاولون الحفاظ على النشاط العادي قدر المستطاع من أجل التأقلم مع البيئة 
المقيدة من حولهم. فعلى سبيل المثال» كانت أم رائد مصممة على الاستمرار 


(21) أبو فادي؛ اتصال شخصيء 30/ 7/ 2009. 19/ 7/ 2010 3/ 2011/8. 


405 


في أداء صلواتها الخمس في مسجد قريب. كانت هذه الأفعال اليومية أساسية 
بالنسبة إليها للتعامل مع قيود الحركة في أثناء الاجتياح. رسخت صلوات 
أم رائد إحساسها بالوقت والانتماء والأمان: والله يا بنتي مررنا بأيام صعبة 
واتكشف حالنا. كنت أؤدي الصلوات الخمس في الجامع الكبير. وفي أثناء 
الاجتياح حاصر الإسرائيليون المكان ولم يسمحوا لأحد بالخروج. لكنني لم 
آبه لذلك. فأحذت المصباح وخرجت لأصلي ... أنا فقط أريد أن أحافظ على 
تأدية فروض الصلاة التي اعتدت عليها. ودائمًا أقول توكلت على الله!2©. 


روى ابنها رائد تجربته في مواجهة الصدمة والخوف والعجز في ذلك 
الوقت. وركز حديثه على الاجتياحات المتواصلة حتى بعد عام 2. وعيّر 
أيضًا عن إثارة الاجتياح لذكريات نكبة 1948. وهكذاء فإن «سلامة» المنزل 
جزء لايتجزأ من سلامة ساكنيه» فلا يمكن تصور الحياة من دون ججدران. وكما 
يؤكد جاكسون «المنزل المحطم يعني حياةً محطمة6*©. وبالنسبة إلى رائد» كما 
هي الحال بالنسبة إلى سكان آخرين؛ فإصلاح منزله أمر أساس ليؤمن بأن لديه 
سيطرة على المكان الخاص به. 

نحن لا نسيطر على الزمان أو المكان الخاص بنا؛ فالإسرائيليون ما زالوا 
يجتاحون المدينة بأسرها كل ليلة. نسمع اتصالاتهم اللاسلكية وأصوات معداتهم 
التي تضرب المتاجرء لكننا نواصل حياتنا ونعمل حتى مع الإسرائيليين. نرغب في 
تصديق أننا نسيطر على الأماكن الخاصة بنا. لكن الإسرائيليين يملكون الليل حين 
يُطلق رصاص القناصة ويُسمع هدير الدبابات» ويمكن للطوافات أن توقظ الموتى 
وتقلق راحة الأحياء وتحرمهم من الأمل... تعلمنا من الانتفاضة الأولى ألا نترك 
منازلناء وهذا ما تعلّمناه من النكبة الفلسطينية في عام 1948 9©. 

انتقل أبو رضا إلى قبو منزله في عام 2002 مع خمسين من جيرانه 
وأقربائه من الرجال والنساء والأطفال» حيث مكثوا ثمانية أيام. وللتعامل مع 


)222 أم رائدء اتصال شسخصيء, 25/ 2011/7. 
(23) .85 .م ,(1995 رومعع نوع تهنا علاط :تسمطس) فواعم8! ءرل) ور عمط ال بدمعاعول أعماءذز 
(24) رائد» اتصال شخصيء 25/ 7/ 2010. 


46 


المكان المقيد» استخدموا بطانية لتقسيم القبو إلى قسمين» أحدهما للنساء 
والأطفال والآخر للرجال. ونتيجة القصف المستمرء كان استخدام المرحاض 
أكثر التجارب صعوبة وإثارة للرعب» حيث كانوا يراقبون الطريق بعضهم 
لبعض للتأكد من أنه آمن للخروج. وبسبب الخوف ولتفادي إحراج النساء؛ قرر 
الرجال حفر حفرة في الأرض المبلطة لاستخدامها مرحاضًا. 


كنا حوالى خمسين شخصًا في غرفة واحدة. أحضر كل منا ما استطاع 
إيجاده من طعام وجلسنا في الخلف. كنا جميعًا مذعورين لذلك كان بإمكاننا 
أول مرة أن نسمع صوت إشعال السيجارة أو صوت الغاز أو المياه المغلية أو 
ضوء السيجارة. كنت أشعر أول مرة في حياتي أن التدخين يمكن أن يكون بهذا 
|/ 0 (25)] 


في حالة أبي علاء» بينما أخذ ابنه أسرته إلى ملاذ آمن مع أقربائه» انهمك 
في بعض أعمال البناء التي كان قد بدأها قبل الاجتياح. وكان يزيّن جدارًا خارجيًا 
أيضًا بينما كان محاطا بالجنود الإسرائيليين الذين كانوا قد انتهوا للتو من تحطيم 
الجدار ذاته. وكما أكد أبو علاء بنفسه؛ فإن إعادة التصميم تنم عن أسلوبه الخاص 
لمواجهة الإسرائيليين. وتعكس كلماته إيمانًا داخليًا عميقًا كأسلوب ضمني 
آخر للتأقلم نفسيًا مع الواقع. وتوضح روايته إيمانًا عميمًا بإرادة الله للحفاظ 
على توازنه حتى يتخطى الوضع الراهن الذي لا يمكنه التحكم به أو التعايش 
معه. وكان قد تعرض مرة للنفي وأقرٌ بقسوته: مكئت في منزلي خلال الاجتياح 
ورفضت الرحيل» على الرغم من مغادرة ابني وزوجته ... كنت محاطا بالجنود 
الإسرائيليين الذين دخلوا المنزل بعدما فجروا الجدار الخارجي وأتلفوه ... كنت 
أقوم ببعض أعمال الترميم والإصلاحات في المنزل قبل الاجتياح ... يحتضن 
هذا المكان عائلتي بأكملها وحياتي وذكرياتي ... أنشئ هذا المنزل في عام 1913 
وأنا أعتني به باعتباره إرثا وسأواصل فعل ذلك ... أصلح كل شيء بيدي9©. 


(25) أبو علاء؛ اتصال شخصيء 3/ 8/ 2010. 
(26) المصدر نفسه؛ 19/ 7/ 2010. 


437 


استخدم أبو خالد الذي دُمر متجره بالكامل أسلويًا آخر للتأقلم مع 
الاجتياح؛ فعلى الرغم من قسوة الوضع الاقتصادي» تعكس روايته طرائق 
عنايته بمتجره» حتى عندما تحوّل إلى أنقاضء إلى أن تمكن من إعادة بنائه: ظل 
المتجر مدمرًا لوقت طويل. بدأ الناس يستخدمون المكان كأنه مقهى أو موقتف 
سيارات. مما أثار قلقي حينها من أن أفقد المتجر إن لم أعتن به. حتى أنني كنت 
أزوره خلسة لأطمئن إليه في أثناء حظر التجول على الرغم من الخطر (...) كان 
امتلاك متجر أو أي عقار في البلدة القديمة يعني انتماءك إليها وأنك من أبنائها. 
أشعر بالفخر لامتلاك هذا العقارء فهذا يعنى أصالة البلدة القديمة وتاريخها 
وثقافتها(”©. 1 


تروي مها تجربتها بشكل مؤثر» فقالت إنه بسبب مرض حماتها والخوف 
من التعرض اللشرفة متت مع غائلتها في المترل على الرعم :من كرنه ددرا 
جزئيًا. وأمضت وتقتها في تطريز بعض الكلمات عن الصبرء ولا تزال محتفظة 
باللوحة معلقة على جدار غرفة المعيشة: مكثنا في المنزل على الرغم من 
الدمار؛ وكنا قلقين إزاء حدوث الكثير من السرقات فى ذلك الوقتء لذا 
كان من الأفضل أن نبقى. كنا نحاول تفادي أن يرانا أحد وظللنا صامتين قدر 
المستطاعء بلا حراك تقريبًاء أو كما نقول «على الحافة0”*©. 


حكت أم جمال وبناتها عن ذكرياتهن في شأن ما حدث في أثناء الاجتياح. 
كان الحديث يتدفق كأن أفراد الأسرة مروا بتجارب مختلفة» وأكمل كل منهم 
قصة الآخر. تعكس رواياتهم التفاعلية تجربتهم الصادمة: كانت تلك الأيام 
صعبة للغاية» الله لا يعيدها. غادرنا منزلنا ثاني أيام الاجتياح وعدنا بعد مرور 
عام واحد عقب الانتهاء من الإصلاحات. لن أرضى أبدًا بالعيش في أي مكان 
آخر؛ كان من الصعب بما فيه الكفاية أن نبتعد لمدة عام كامل”*©. 

(27) أبو خالدء اتصال شخصيء 27/ 7/ 2010. 

(28) ساحرة رشيد بليبلة» اتصال شخصيء 2/ 2010/8. 


(29) أم جمالء اتصال شخصيء 27/ 7/ 2010. 


40 


اضطرت أم جهاد إلى الرحيل بعد قصف منزل جيرانهاء حيث قُتل 
عشرة من أفراد عائلتهم» وأنقذ اثنان آخران بعد أن بقيا تحت الأنقاض بضعة 
أيام. أجبرت أم جهاد وأسرتها على الانتقال إلى منزل عائلة زوجها الراحل 
ثم إلى منزل عائلتها. وقاموا لاحقًا باستئجار سكن موقت قرب مقر عمل 
زوجها الراحل: فررنا ليلا عندما دُمر المنزل من الجهة الخلفية. كان لدينا 
باب خلفي يقود إلى منزل حمواي حيث مكثنا. وكان هناك جدار مشترك 
بين منزلنا وحوش الشعبي الذي دمر بالكامل فوق ساكنيه [دمر الإسرائيليون 
هذا الحوش لتأمين مدخل إلى البلدة القديمة من الجنوب. واستشهد عشرة 
أشخاص من العائلة نفسها تحت الركام]. كنا نذهب لنطمئن إلى المنزل كل 
يوه0. 

فَقَدَ أبو صالح عمله ومنزله خلال الاجتياح. على الرغم من إصلاح 
متجره بعد فترة» لم يجر إصلاح منزله إلا بعد مرور عشرة أعوام على اجتياح 
2 ولم ينتقل إليه حتى الآن. وعلى الرغم من أن إعادة بناء منزل أبي 
صالح كانت جزءًا من عقد موقع بين البلدية ومؤسسة التعاون؛ فإن المشكلات 
الإدارية والخاصة بالملكية كانت جزءًا من المشروع أيضًا: جرى إجلاؤنا ليلا 
ومكثنا في الحي فترة من الوقت حتى سحبنا الجنود الإسرائيليون إلى جامع 
الساطون. كان الجنود الإسرائيليون يوزعون المتفجرات في المنزل بحجة أنه 
مليء بالمتفجرات» كان قلبي يبكي ... مهما كلف الأمر يجب إصلاح منزل 
العائلة» إن لم أفخر بالمكان الذي ولدت فيه... يصبح كل شيء آخر بلا 


3 ا 


تجسّد هذه الروايات أمثلة للأساليب المكانية والسلوكية التي يلجأ إليها 
الناس للشعور بالأمان الموقت. وفي ما يلي تقويم لروابط أوسع من المقتطفات 
المختلفة لفهم تفسير المشاركين لتجاربهم في أثناء الاجتياح. 

(30) أم جهاد. اتصال شخصيء 12/ 8/ 2010. 


(31) أبو صالحء اتصال شخصيء 3/ 2010/8 و20/ 2011/7. 


409 


رابعًا: تأملات عن العيش في حالة عدم اليقين 


في ظل كابوس هذا الصراع؛ نتوقع دائمًا زيارتهم [الإسرائيليين] في أي 


وقك 3 


يجب النظر إلى الأساليب الناشئة”*22 في الروايات المجمعة على أنها 
الطريقة التي يتعامل بها السكان المحليون مع الزمان والمكان لتوفير الفرص 
التي يمكنها تغيير استراتيجيات المستعمر. تختلف الاستجابات التكتيكية 
عن الاستراتيجيات في أن الأولى تخالف أو تخرب أو تعطل الأخيرة 
بطريقة طارئة وموقتة وغالبًا غير منطقية. ووفمًا لدو سيرتوء فإن التكتيك 
هو النشاط اليومي مثل السير والحديث والتفاعل مع الناس والاستهلاك 
والحركة في المكان» حيث «تستمر الحياة اليومية من خلال انتهاك ملكيات 
الآخرين بطرائق لا تعد ولا تحصى6*"©. وهذه عملية مستمرة وخفية لكن 
عفوية للتعامل مع الوقت والمكان من أجل تغيير حالة العجز لمصلحة 
المستخدمين من خلال تكتيكات اغتنام الفرص مكائنيًا أو زميًا. 

تعكس روايات السكان شبكة متداخلة من تفاعلهم مع المجالاات 
المكانية المختلفة التي مروا بها. وتمثل الموضوعات المشتركة تجاريهم 
بشكل جماعي في أماكنهم «النووية» مع أقربائهم وجيرانهم والإجلاء والتعامل 
مع الإصلاحات والعودة إلى المنزل» أي إن الضعفاء تحت الاحتلال ربما 
لا يتمكنون من تحقيق السيطرة أو القوة اللتين تعتبران عادةً من مظاهر التعبير 
عن الاستقلال والسلطة» لكنهم يتأقلمون تكتيكيًا للحفاظ على ممارستهم 
السياسة والشعور بالهوية والصمود. وبالتالى فإن تأثير دراسة ظاهرة «اختراق 
الجُدّرة من خلال تجارب السكان يقدم الفرصة للتخطيط للأمد القريب 

(32) أم أسامة» اتصال شخصيء 10/ 8/ 2009. 


0030 .هافق كه ععلنزلوط 7116 رعأعم] 


(34) المفجعظ يعنجاة برا لمنداكمة1] ,علاط «منفجعمظ ره ءءزاءعهم 786 منتععحعت عل أعطءأقة 
تت .م ,(1984 ,جوع وتأمرمكتلد كه وأعوطتونا بوعاعمع8) 


0400 


والبعيد في ظل حالة عدم اليقين» كما هو موضح في الشكل (2-17) في 
العلاقة المتداخلة بين الخوف والتجربة الحية والتخطيط. 


الشكل (2-17) 


تدفق مفاهيمي بحثي للتقضّي والمنهجية وتبعات التخطيط 


الظاهراتية 
المكانية/ الزمانية 





المصدر: .انا برمليوءبظ» رطعاطانء81 


يعكس مفهوم إدراك الحياة الواقعية» كما عبّر عنه فري (35) ازدواجية في 
العلاقة التفاعلية بين الظالم (السلطة) والمظلوم (الشعب». الأمر الذي يسمح 
لثقافة الصمت أن تتراخى وتكشف عن أنه يمكن استخدام أي جهاز للسلطة 
أو ثقافة مهيمنة لقمع الصورة الذاتية للمظلوم. بعبارة أخرى. يصبح الظالم 
مدركًا لثقافة المظلوم؛ الأمر الذي بيسر قمع أي محاولة لمقاومة الجهاز. لكن 
التعامل الصامت في ثقافة المظلوم مع المكان والزمان يستمر في دعم تكتيكاته 
موقت على المستوى اليومي. يجد دو سيرتو أن الحل يكمن في «التكتيك؛؛ 
وهو ما يصفه بأنه فعل يتدخل في مكان الآخر ويتسلل إلى المنطقة التي يسعى 
إلى تخريبهاء كنملة صغيرة تزحف من خلال الشقوق ووجهتها في أي مكان. 
يعتمد مثل هذا التكتيك على الوقتء «ودائمًا يترقب الفرص التي يجب اغتنامها 


(35) أمءأاات) حمل «والععنااتا قهة ,لعععهصم0) عا زه رومع ملءط ردم ةامعساوتا إن عم ناموط 11:6 تعرنمم] 
ككع 1 ةكلام أت 00115 


471 


«وهى متاحةة. كما يجري دائمًا تجاهل مكاسبه من انقلاباته الصغيرة: «أيّا يكن 
ما يكسبه» فإنه لا يحتفظ به360» وبالتالي» يستخدم الناس النشاط والممارسات 
اليومية على مستوى مصغر لتحدي القوى التأديبية بشكل موقت. بعبارة أخرى» 
في تعاملهم مع المكان والزمان» يجد المستخدمون الفرص ليزعموا الاستيلاء 
الموقت على أرض الغيرء وذلك باستخدام القواعد والمنتوجات الموجودة 
أصلا في الثقافة بطريقة تتأثر جزئيًا بهذه القواعد والمنتوجات. 

تكشف التكتيكات اليومية عن الطرق التي يتعامل بها الناس مع المكان 
والسلوك داخل بيئة مضطهدة ومحصورة باستمرار» وذلك بحرّية حركة أو فعل 
محدودة أو معدومة. يفرض العيش في خوف قيود على وقت الناس ومكانهم. 
وهو ما يجبرهم على التصرف بعفوية وإبداع لمواجهة مثل هذه القيود أو 
تخطيها أو التلاعب بها من أجل تحقيق الاستقرار لأي حالة جديدة من عدم 
اليقين. وعلى الرغم من أن كل فرد يتفاعل بشكل مختلفء توفر المشاركة في 
بيئة متشابهة منبرًا مشتركًا للروتين اليومي الجماعي. يعبّر المنظور الظاهراتي 
للتجربة الإنسانية في الحياة اليومية عن تكتيكات تحوّل الوضع الراهن لمصلحة 
المظلوم. ويتعلق استخدام القيم الثقافية بالمعرفة والخبرة المخزنة في الذاكرة» 
ويصبح متاحا في اللاوعي بحسب الحاجة. وترتبط القيم الثقافية بالظواهر 
النفسية وكيفية تضمينها في السياق التاريخي والظرفي والمادي”. 

بربط ذلك كلهء تروي الموضوعات الناشئة الخاصة بالزمان والمكان 
والثقافة والسلامة قصة القيم المشتركة التي تحافظ على صمود المجتمع 
والمدينة. يقدم لوفيفر أنموذججا لفهم علاقات القوى التي تؤثر في عمليات 
إنتاج المكان. وتجسّد التجربة المعيشة للمشاركين تعقيد الرموز المرتبطة 
أساسًا بسردية الحياة الاجتماعية» «الجانب السري أو الخفي». وبالتالي» فإن 


2360 فد .م ,(1984) عزنا نرم لتورعاط زه معو 136 معت © 


(37) غمذ «بععيطنا كاذ وماميوء5 نوعو امطع روط لأمادع سعمامظ مه 1:10 116» ,واممقطومط .354 .لز 
بباء71) .7015 2 متقتهاام قابض1 لهة و5أمعغله51 اعتمة”ا نو 18010 ,نووماو عوط إماتء نابم اسقط كإت 21702001 
.(1987 ,بعالا ليملا 


0402 


المكان الذي يسعى الخيال إلى تغييره وتخصيصه يتماشى مع المكان الفعلي 
لتحقيق الاستفادة الرمزية من مكوناته!09©. 


كما ورد في مفهوم أغامبن عن الرجل المقدس مك وسويع) !269 تدفع 
الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية بحياة الفلسطينيين إلى حافة عدم اليقين» 
الأمر الذي يسبب الاختناق البطيء» لكن القاسي للحياة الطبيعية» ويضيف 
تحديات لممارسة النشاط اليومي مثل النوم وتناول الطعام والذهاب إلى 
العمل أو المدرسة أو المستشفى وزيارة الأصدقاء والأقارب. يؤثر انتهاك 
المكان الشخصي والحياة اليومية في سيادة السكان ويجردهم من إنسانيتهم 
كضحايا حرب؛ وبالتالي تفتقد الحياة اليومية الأمان أو اليقين. ونتيجة الاحتلال 
الإسرائيلي المستمرء أصبح الفلسطينيون محاصرين بعدم اليقين المتزايد وبما 
سمّته نادرة شلهوب - كيفوركيان «منطقة عدم الوجودة". وتقول إننا نجد 
فى هذه المنطقة «مجالات جديدة من الفحش فى سياسة الحياة اليومية؛» حيث 
يعامّل القيام بالنشاط اليومي العادي في الحياة والعمل - الذهاب إلى المدرسة» 
زيارة الجيران؛ السفر إلى الخارج» زرع شجرة» زرع خضروات» بيع منتوجات 
في سوق قريب - على أنه جريمة تعاقب أحيانًا بالقتل. 


يمثّل الهجوم الإسرائيلي و«اختراق المُجدّر استراتيجية عسكرية مزدوجة؛ 
فمن ناحية» يقوّض التحديث البطيء أصلًا للمجتمع الحضري الفلسطيني. كما 
يقول غريغوري. فإن «العناصر الأساسية للحد الأدنى للحياة معرضة لتهديد 
حاد ... العناصر الأساسية لحياة إنسانية كريمة»7'. ومن ناحية أخرى» يعتبر 
الهجوم تدميرًا متعمدًا للمدن ويتماشى مع جهد الاستعمار الإسرائيلي من 


08 .3 .م ,المأاع لم2 118 رعاطعاعا 


(39) اعتموط نزط فعنقاكصةء] ,غلا 8072 #نره «وسدمط وام علام3 ««ععه3 ونرمط بمعطتصمقوة منهوءه1© 
.(1998 ,كععوط زوع اند نآ 0نهأمهاد :.اتلة بلوملصما5) مدألاءء51] ,تععده 1ت [1اء11 


(40) عمعدم2 ءنالجه© «ذ «عنمه7! اكزوهه عع علدلا نجه دمأ امعامهازائا1 رممنطرويه كاسن هطامط5 معنول؟ 
عمل لطتمة0) بجاعاعه5 لتة بلقا ها كع ذلنا5 عهلةاطممةت ,رفيمدءدم «ماتداععاوط 4 اعمط عالغالطة ١١6‏ ما 
.(2009 رومع« نزالو اندلا عملتطدصهمن) ارملا بجولم 


001 فهة 130 .وم ,تسكع« أعندماهم© 186 ,لموووق 


43 


خلال التخطيط الحذر للمكان كاستراتيجيا أكثر شمولا للقضاء على الأرض 
الفلسطينية*». وعلى وجه التحديدء لخصت استراتيجيا «اختراق الججْدّرة 
المدن والناس على أنهم ليسوا إلا تهديدات وأهدافًا مجردة من الإنسانية. 
وحوّل الهجوم الإسرائيلي جوهر الحياة اليومية ومكان الحياة الفلسطينية بأسره 
إلى مسرح للحرب. حيث تجورّد منازل الفلسطينيين وحياتهم الاجتماعية من 
الإنسانية» وهذا ما يتعارض مع المعنى الأساس للوطن. وتهدف مثل هذه 
الاستراتيجيا العسكرية في المكان المنزلي إلى القضاء على التكتيك اليومي 
للمقاومة تحت الاحتلال» ويشبه التلاعب بشن أي حرب - حتى وإن لم تكن 
بين جيشين متساويين - لتضم أغلبية المشاركين في الحرب العالمية على 
الإرهاب في الشرق الأوسط وأفغانستان ومواقع أخرى. ولعل هكذا يكون 
مصطلح الحرب موضوع نقاش. خصوصًا عندما يشن الحرب جيش مجهز ضد 
مدنيين عزّل ويهدد جوهر حياتهم اليومية وأي مستقبل آمن. سينظر التحليل 
المستقبلي في قانونية هذا النهج العسكري ضد المدنبين العزّل. وبيانات هذه 
الدراسة تتغلق بالوضع في بلدة نابلس القديمة» إلا أنها تقدم أيضًا منهجية 
لإجراء دراسة إثنوغرافية عن السياقات المشابهة في الصراعات. 


تدل هذه الدراسة على أن الحرب - مثل أي شيء آخر - تتجه إلى 
الأماكن الحضرية» والمدن هي المواقع الرئيسة لها: «دخلت الحرب إلى 
المدن مرة أخرى - إلى الحياة اليومية وخصوصية المنزل0”“. ينطوي تجريد 
المكان على التجريد من الإنسانية؛ وبالتالي تصبح الحرب عملا قابلا للتبرير 
ويُنفذ من خلال مرآة أحادية الاتجاه. وبحسب هذه الفكرة» فإن الحرب على 
نابلس لا يمكن فصلها عن أي حرب عالمية تّسْن بناءٌ على تصور «الآخره. 
وأكد معظم المشاركين فكرة الآخر وتحدث عن نفسه بصفته «غير مرئي6 
وعن مكانه بصفته غير مأهول4. ترتبط هذه النقطة بتجريد المكان» حيث 
شن الحروب بناءً على تصوّر معيّن أو صورة ل «الآخر؛ وكيف يقوم الناس 


2420 .ابكا 1277 انه 127 ,كه © ,له بستقطوين 
0110 اه 16[ ,كه 11 ,.له ,لنقطم0 لسهة ,272 .م ,ممعوتع كلا لمة جاتساعووذاة 


414 


ب «إنشاء اختلاف الآخرين وتشابه أنفسهم من خلال التمثيل6**». إن الحرب 
في نابلس ليست فريدة من نوعها لأننا نرى هذه الاستراتيجيات التي تحول 
المدن وحياة سكانها إلى ألعاب حرب في سياقات أخرىء؛ مثل الفلوجة 
وبيروت وكابول وما إلى ذلك. وبالتالي» فإن الاستراتيجيا السياسية التي 
تعطل الحياة اليومية وتشن حرويًا داخل المدن ترتبط بالحوادث العالمية 
والقوة الاستعمارية. إن مزيج تعريف غريغوري للحاضر الاستعماري 
(2003) الذي يستند إلى مفهوم إدوارد سعيد عن الاستشراق ومكان 
الاستثناء لأغامين**» و«استراتيجية الحرب داخل المدن4 عهللا ءلنءنمءن) 
(9ههاهذة لغراهام تتداخل مع مفاهيم «الأماكن غير المأهولةة و«الأماكن 
المحرمة6**. إنهم يمتّلون العدسة التي يستمر الاحتلال الإسرائيلي في النظر 
من خلالها وتمييز الفلسطينيين» وتمتد السياسات المطبّقة لقمعهم وفضحهم 
والقضاء عليهم لتشمل سياقات حروب عالمية أخرى. 

في أثناء أي حربء إن تعمّدت إطلاق النار على قلب شخص ما أو حرمته 
من منزله ومصدر رزقه والموارد التي تسمح له برعاية أطفاله» فإنك تقول 
لهذا الإنسان حرقيًا أنه لا يملك الحق في الوجود. ومن خلال سرد القتصصء 
تعنى هذه الدراسة بوضع سياق لآثار الحرب التي تكمن فيها الحكايات 
المضادة للتجربة الحية وصورها الطبيعية المضادة. تكسر قصص المشاركين 
حاجز الصمت وتصبح بالتالي أعمال مقاومة يومية تحول علاقاتنا بالأماكن 
وداخلها. ومن خلال فهم الآثار الإنسانية للحرب, تتجاوز الجغرافيا السياسية 
للعنف حدود المواجهة العسكرية والموقع الفعلي لتشمل جوهر الحياة اليومية 
للإنسان. وعلى الرغم من ضعفهم.ء فإن المشاركين هم «الخطوط الأمامية» 
الناشطة في هذه الحربء فقوة أملهم وانتمائهم وقدرتهم على البقاء تتجسد 


(44) جسمبدطءظ-لمصمول) 19 .01 ,موانت8 أإهط عولة «رعلأء انآ هذ كوهددعط» ,تسمقطع 6 سقطامعاة 
.63-8 .هم ,(2003 


(45) بوأسعبنهتا :ذأاآ ,مومعتطع) لاعمة مابعع! برط للعاقاعممء! ,«منامعع عط زه 3/6/6 بمعطصموم منهره1 
.(2005 ,ووعوط مودعاط) 01 


)246 ,«صودتممطتا بإمللامع89» بطاعاطاء!8 


405 


في رواياتهم» ورفضوا الرحيل وأصروا على إعادة بناء منازلهم. يصنعون أماكن 
مضادة من أجل بقائهم استجابة لوضع لا يمكنهم التحكم به لكنهم عانوا ولا 
يزالون يعانون تبعاته. 


مراجع أخرى 
200 


لدمتصسقطه1ا ناط ل0عأدأكمةآ" .10«منك8 214 كجرمدده81 4171070 .0نامتصطدا/ة ,وا دنآ 
.09 رىله8200 علستاءعاضآ تشلا رنمأمتسقطاره!1 .مععطقطة 


:مآ .لت علاط . بمعتصوطرلا دعا ةاتاط سول[ ء:17 :عوءا3 111067 01115 .لاعطرء 5 ,تمقطمنت 
.1 ,ووع/ا بعرلا بجع ل 


لروككط عأاجه جعوماوطط 4 :1880-1946 لواءلء530 "ءا مه كمتطلاعءاوط . 
.0 ,م800 امهنال :عاتملا بجعل2 :لمآ 


داو نل ضوع 


5 أت8111ه0ن) لأعهذ!-ممتمتاوعلو2 أمعاهآ ع1 توطتصه8 لمة 5عع11002ن81» .معطرة)5 بمتقطمقون 
,2 نت مع امء5 ,4 .20 ,34 .701 :عمجل «.عل011رنا عتتاعسصوكم 


:3014/7 زه كعغأللاك عناأاه مج001 «.«طويع 1 ده عو1ا» عطا لمة عستاوعلة8» عاعقه2آ ,بجرموء:0 
2004 ,1 .20 ,24 .701 ناموط عاللثالاآ :11 014 معتتلك ,داكا 


46 


الورقة الثامنة عشرة 


التاريخ الشغوي والتهميش المركب 
الفلاحة الفلسطينية ورواية النكبة 


عياد يحيى 


مقدمة 


للتاريخ الفلسطيني الذي يعتبر وسيلةً للحفاظ على الهوية الوطئية بحسب 
الباحث تيد سويدنبرغ» أحد أهم الباحثين في التاريخ الشفوي فلسطيئّاء ثلاث 
ميزات رئيسة: التجزثة والضياع والكتمان”؟. تدور هذه الدراسة حول «الكتمان». 
وتساهم في جزء كبير منها في تفسير أهم أسبابه وتحليل أثره في مسار التاريخ 
الشفوي الفلسطيني انطلاقًا من «النكبة» كونها الحدث الأكثر تأسيسًا في الوعي 
الجمعي الفلسطيني» ومنطلقةً من أكثر الفئات تهميضًا وإغفالَا: المرأة الفلاحة. 

تعرض الدراسة سمات الانشغال بالتاريخ الشفوي فلسطيئّاه كيف 
بدأ وتطور ووفق أي دوافع ومنطلقات وطبيعة علاقته بأشكال كتابة التاريخ 
التقليدية» للوقوف على تأثر هذا الانشغال بالتاريخ الشفوي بالأيديولوجيا 
السائدة وخضوعه لهيمتتهاء وكيف خلّف ذلك أشكالا واسعة من التهميش. 


(1) ثيودور سويدنبرغ: «بعض قضايا التاريخ الشفوي: ثورة 1936 في فلسطينء؟ نشرة أبحاث 
بيرزيت» العدد 2 (1985)) ص 19. 


1417 


وتعرض وجهًا من وجوه التهميش من خلال محاكمة رواية شفوية لنساء من 
قرية المغلس في ضوء رؤية نقدية لمجمل العمل البحثي التأريخي الشفوي 
الفلسطيني في ما يتصل بالنكبة. 

أما في سياق التأطير النظري فإن البحث في التاريخ الشفوي وموقعه 
منهجيًا ومعرفيًا متصل ضمن رؤية هذه الدراسة بشكل أساس بما يتجاوز الفهم 
الكلاسيكي لكتابة التاريخ على أنه ماض موجود وكل ما يفعله الباحث هو 
اكتشافه» أو هو ماض يبنيه الباحث ويشكله وفق اعتبارات مختلفة. إن التاريخ 
الشفوي على صلة بالذاكرة التي لايمكن مقاربتها في هذا السياق من دون 
البحث في المعنى والسردية والذاكرة الشخصية والجمعية والتفاعل بينهماء 
ما يشكل أساس السردية التي تربط الأفر اد والجماعات بالتاريخ*©. ولتجاوز 
السجال النظري المنهجى في شأن فاعلية الشهادة الشفوية وقدرتها على أن 
تحلّ محلّ الوثائق والقرائن المكتوبة لا بد من التنبيه إلى أن أهداف البحث 
في التاريخ الشفوي مغايرة عن أهداف التاريخ الوثائقي» ويقع الالتباس عند 
من يعتقدون أن الشهادة الشفوية مجرد خيار ثان في حال لم توجد أو تعذّر 
الوصول إلى الشهادة المكتوبة©. 

إن كانت الأرشفة بحسب ريكور في حد ذاتها عملية انتقائية وتأويلية» فإن 
السرديّة التاريخية برمتها حلقة تأويلية”» وبالضرورة لا اختلاف بين التاريخ . 
الوثائقي والشفوي في هذه الحال. وهذا ما يقود إلى الاقتناع بأن السجال 


(2) قيس ماضي فرّوء المعرفة التاريخية فى الغرب: مقاربات فلسفية وعلمية وأدبية (الدوحة: 
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات؛ 2013): ص 280. 

(3) حتى على هذا المستوى يعرض فرّو مجموعة من الحجج التي ساقها المؤرخون المعتقدون 
بأفضلية الشهادة الشفوية على الشهادة المكتوبة التي لا يمكن للباحث استجواب كاتبهاء ويعرض لآراء 
آلان نيفيئز من خلال محاكمة نصوص الاعترافات لروسوء ومفاضلات أليس هوفمان بين التاريخ 
الشفوي والوثائقي وآراء وليم موس ومحاولته إعداد تفصيل منهجي لأنماط المواد التي تشكل مصادر 
الكتابة التاريخية بما فيها التذكر والتفكر والتحليل» وغيرها من السجالات التي تهدف إلى القول إن 
التاريخ الشفوي وسيلة لسد النقص الذي تعانيه المصادر الوثائقية المكتوبة عن حوادث الماضي القريب. 
انظر: المصدر نفسهء ص 286-281. 

(4) المصدر نفسه. ص 289-288. 


418 


بين مؤرخي التاريخ الوثائقي ومؤرخي التاريخ الشفوي ليس متصلا بأيهما 
أصدق أو للوصول إلى «الحقيقة؛. وإنما بصراع بين روايتين تاريخيتين: رواية 
تاريخية مهيمنة تعبّر عنها الوثائق المكتوبة والمصادر الرسمية في الأغلب» 
ورواية أخرى لجماعات وشعوب مهمّشة لا تملك أرشيفات ومواد مكتوبة©, 
ويأتي المؤرخون الشفويون في هذه الحال لتقديم يد العون إلى هذه الرواية 
التاريخية لينتجوا سرديّة تاريخية منافسة للسردية المهيمنة والمسيطرة» وهذه 
الدراسة تنسجم مع هذا التصور الذي لا يرمي إلى الخوض في سجال أيهما 
أكفأ: الشهادات المكتوبة أم الشفوية. وعرض هذا الجانب من السجال مهم 
لفهم أن لجوء الباحثين في السياق الفلسطيني إلى التاريخ الشفوي كان مدفوعًا 
بدوافع مختلفة ولأهداف متباينة» بعضها ملتزم بالتصورات الكلاسيكية للبحث 
التاريخي وطبيعة وثائقه وقرائنه وطرائق تقويمها وتحكيمهاء وبعضها منحاز إلى 
رواية بعينها ويبحث عن شهادات تدفعهاء ويعضها خاضع لاعتبارات أخرى 
بين هذين المستويين أو بعيدًا عنهما'» إلا أن هذه الاعتبارات كلها كانت في 
بيئة بحثية يهمين عليها ما أسمّيه «أيديولوجيا الالتزام الوطني6©. 


إن «أيديولوجيا الالتزام الوطني» تعبير وصلتٌ إليه خلال دراسة الشروط 
الاجتماعية لإنتاج البحث الاجنماعي في فلسطين بين أوائل السبعينيات وبُعيد 
اتفاق أوسلوء وتحديدًا في الأرض المحتلة في عام 21967 وبتخصيص أكبر من 
دراسة العلاقة بين الأيديولوجيا السائدة والبحث الاجتماعى وإنتاجه» وبعد بحث 
استند أساسًا إلى تحليل المجلات الأكاديمية والدوريات العلمية» وأبرز البحوث 


(5) يرى بعض الباحثين أن كتابة التاريخ في الفترة الحديثة في الشرق الأوسط كانت تتركز على 
تاريخ النخبة السياسية بالدرجة الأولى: وهذا ما يعزز فرضية الروايتين التاريخيتين المهيمنة والمهيمن عليها. 

(6) كثيرًا ما تحكمت انحيازات الياحثين وتخصصاتهم في طبيعة الأهداف والغايات المرجوّة من 
الشهادات الشفوبة» وفي إضاءة لافتة يقول عادل يحبى واصمًا العمل داخل واحد من أهم مشروعات 
التاريخ الشفوي الفلسطينية: «خلال رئاسة بكر أبو كشك لمركز التوثيق والأبحاث التابع لجامعة بيرزيت 
تم التركيز على الجوانب الاقتصادية؛ وفي فترة رئاسة شريف كتاعنة وهو أستاذ علم الإنسان تم التركيز 
على الجوانب الترائية والفلوكلورية:» وفي فترة رئاسة علي الجرباوي وصالح عبد الجواد المتخصصين 
بالعلوم السياسية تم التركيز على الجوانب السياسية». 

(7) بشكل أقل حدة بالتسبة إلى الباحثين الذين عاشوا خارج فلسطين. 


409 


الاجتماعية المنتجة في الفترة الزمنية موضع البحث. وإجراء مقابلات معمّقة مع 
أهم الباحثين الاجتماعيين على طول هذا المسار» جرى تركيب أنموذج ذهني 


3 


لطبيعة الأيديولوجيا السائدة في تلك الفترة وتأثر البحث الاجتماعي بها. 


الأيديولوجيا السائدة كما ترد هنا تركيب يستند إلى طروحات الباحث 
والمؤرخ المغربي عبد الله العروي الذي فصّل استخدام مفردة «أيديولوجيا» 
في التأليف المعاصرء فيرى أن للمفهوم استعمالا (أي يستعمل بمعنى محدد) 
أول في ميدان المناظرة السياسية» وتدرس الأيديولوجيات في الحقل السياسي 
بالنظر إلى فاعليتها وقدرتها على استمالة الناس والاقتراب من أهدافها». أما 
المجال الثاني للاستخدام فهو المجتمع في دور من أدواره التاريخية» أي إننا 
ندرك المجتمع باعتباره كلا يتفق أعضاؤه على الولاء لقيم مشتركة ويستعملون 
منطمًا واحدّاء وفي هذه الحال تحدد الأيديولوجيا أفكار الأفراد والجماعات 
وأعمالهم بكيفيات خفية غير واعية. وكي يصل الباحث بحسب العروي 
إلى رسم معالم الكيفيات تلك لا بد له من تحليل أعمال أولثك المعاصرين 
وتأويلها. وأيديولوجيا عصر ما تعني تلك الأيديولوجيا التي تحكمت بأذهان 
من عاشوا في ذاك العصر وجعلتهم يهتمون بمشكلات محددة بين سائر 
المشكلات الممكنة ويضعون سؤالا دون باقي الأسئلة» ويحاولون الإجابة 
عن الأسئلة ضمن إطار مخصوص بهاء ويرى العروي أن لا سبيل لاستخراج 
أيديولوجيتهم إلا بتأويل أعمالهم السياسية والأدبية» وهنا يتحدث العروي عن 
جماعات أو تيارات سياسية أو دينية أو فكرية©. وما يتصل في الدراسة هنا هما 
الاستعمالان الأوليان كما طرحهما العروي. 


(8) عبد الله العرويء مفهوم الأيديولوجيا (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي» 1993): ص 10. 

(9) أما المجال الثالث لاستخدام الأيديولوجيا فيسميه العروي مجال الكائن؛ كائن الإنسان 
المتعامل مع محيطه الطبيعي» والبحث فيه هو من قبيل نظرية الكائن» والاستعمال الرابع مشترك بين 
المجالات السابقة (أي بالمعاني الثلاثة السابقة)» بمعنى أننا حين ندرس تأثير أي أيديولوجيا في الفكر» 
فإننا نبحث في الحدود الموضوعية التي ترسم أفق ذلك الفكر والحدود ثلاثة أنواع: حدود الانتماء إلى 
أيديولوجيا سياسية» وحدود الدور التاريخي الذي يمر به المجتمع ككل». وحدود الإنسان في محيطه 
الطبيعى. 


400 


ضمن هذه المساحة تبرز بشكل مبرر ومهم مساهمة كارل مانهايم في 
إخراج الأيديولوجيا كمفهوم خارج الأوساط الماركسية وجعله المفهوم 
المحوري في علم السياسة واجتماعيات الثقافة - كما يقوّم العروي طروحاته 
عن المفهوم ورسمه للعلمين معًا هدفًا واضحًا واحدًا هو الكشف عن العوامل 
الاجتماعية التي تسيّر الدعوة السياسية والإنتاج الفكري وتحدّهما""» وهذا 
الهدف في الشق المتعلق منه بالإنتاج الفكري يتصل أيّما اتصال بالدراسة هنا 
وبالجانب النظري منها تحديدًا. 


لعل ميزة مانهايم كما شرحها العروي أنه استخدم مفهوم الأيديولوجيا 
في معنيين» أحدهما ضيّق وهو ما يرد ضمن تصنيف العروي في الأيديولوجيا 
كقناع» ومعنى واسع'" يعرّفه أنه «البنية العامة لروح حقبة تاريخية أو طبقة 
اجتماعية»2'2» ويضيف العروي إضافة مهمة تفيد بأن ما أسسه مانهايم هو 
بمنزلة تهذيب لما قام به عدد الباحثين قبله» ويطلق العروي على هذا البحث 
اسمًا عامًا هو النهج الاجتماعي لتفهّم الأعمال الفكرية» ويعتبر أن هذا النهج 
يتميز بفرضية مشتركة هي وجود حدود ذهنية تتحكم لاوَّعيًا بفكرية الفيلسوف 
أو الفنان أو الأديب» وربما يضيف الباحث إلى الحدود ظروقًا زمئية اجتماعية 
فئوية مادية وقد لا يضيفها باحث آخرء لكن يفترض الجميع وجودهاء وهذه 
الحدود هي عناصر تصوّر الكون المشترك في حقبة أو لدى فئة» وتسمى عند 
مانهايم أيديولوجيا عامة» والتصوّر هذا ليس من إبداع الباحث ولا هو انعكاس 


)2010 العروي؛ مفهوم الإيديولوجياء ص 46. 
(09) ,مهل ءأسممة إن «روماماعم5 6لا ها ا«متاعبفمبنم[ دق بوادمانا اسه رهواوء14 بنسأء طمممكة اعى1 
.([1936] ,ععه:8 امسوعية11 حارملا ببعل1) عامه8 اكع مولز 


(12) العروي» مفهوم الإيديولوجياء ص 75. يلاحظ من هذا الاستعمال الاتصال مع روح 
العصر الهيغلية والبنية الفوقية الماركسية والأنموذج الذهني الباحث في القيمة لدى ماكس فيبر» ومن 
هذا الاتصال أسس مانهايم اجتماعيات الثقافة كما يرى العروي مبلورًا مفهوم الأيديولوجيا الواسع 
هذاء ويرى العروي هنا محاولة للجمع بين موضوعية ماركس وحرصه على كشف الأوضاع التاريخية 
المحيطة بالعمل الفكريء وذاتية فيبر أي وعيه الكامل بكل ما يفرضه الباحث على الماضي من أطر ذهنية 
ناتجة من همومه وتوجهاته. وبالضرورة فإن ما يقدمه العروي من شرح لمانهايم يفيد في فهم العلاقة 
بين الأيديولوجيا والإنتاج الفكري ككلء وكيف تدفع الأيديولوجيا الإنتاج الفكري أو تحدّه أو تؤثر فيه. 


481 


حقيقة مطلقة دائمة وليس تفكيرًا خاضًا بالفرد الحرء بل تصوّر جموعي محدد 
تاريخيًا سائد في كل مجتمع أو في فئة فحسب. 

تبني الدراسة هنا تصوّرها للأيديولوجيا السائدة من خلال وضع تركيب 
ذهني يقارب التصورات المشتركة السائدة كجزء من أيديولوجيا سائدة هي 
أقرب إلى الأفق الذهني للباحثين في الحقبة موضع البحثء وهذا يستخلص من 
أعمالهم وبحوثهم» ويستخلص من خلال كتابات وبحوث وأعمال الخارجين 
على هذا السائد والرافضين لهء ويمكن تسمية الأيديولوجيا العامة (كتعبير 
مركب يشمل الأيديولوجيا بمعناها العام والضيق بحسب مانهايم والأيديولوجيا 
كقناع ونظرة إلى الكون بحسب العروي) التي تسربت من المجال السياسي 
تحديدًا ووجدت التجليات الأهم لها فيه؛ «أيديولوجيا الالتزام الوطني» 
كأيديولوجيا تعبر عن التصورات المشتركة للفلسطينيين حيال القضية الوطنية 
ومواقفهم المتوقعة معرقيًًا وسلوكيًا تجاه قضية الشعب الفلسطيني وسعيه إلى 
تحرير الأرض واستعادتهاء ويخالطها عدد من التصورات المتعلقة بحفظ 
الهوية الفلسطيئية والقيم الاجتماعية التقليدية وعدم المساس بها وتأكيد وحدة 
الشعب الفلسطيني وتوقه إلى التخلص من الاحتلال» وتتجلى في الكتابة الأدبية 
والأعمال الفنية وفي الخطاب العام عن الوطن وحتى في طريقة التعبير عن 
الحزن والفرح والسلوكيات اليومية البسيطة. 


يحوّر الباحث تعبير «أيديولوجيا الالتزام الوطني» كتعبير أوفى في حالة 
هذه الدراسة من تعبير «أيديولوجيا التحرر الوطني» التي استخدمها عدد 
الباحثين في توصيف الأيديولوجيا السائدة في المجال السياسي الفلسطيني بعد 
النكسة وانطلاق الثورة الفلسطينية» ويتحدث جميل هلال عن هذه الأيديولوجيا 
بوضوح في معرض شرحه الانتقال من أيديولوجيا التحرر إلى أيديولوجيا 
الدولة فلسطيئيّاء ويرى بالاستناد إلى مساهمات بحئيّة في الخطاب الرسمي 
الفلسطيني أن الحركة الوطنية الفلسطينية بدأت تتحول بالتدرّج من حركة تحرر 
وطني إلى حركة يرتكز جهدها على إقامة دولة على جزء من فلسطين» وشهد 
الحقل السياسي الفلسطيني خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات تحولات 


4012 


دفعت في اتجاه الانتقال من أيديولوجيا التحرير إلى أيديولوجيا بناء الدولة» 
مع الإشارة إلى أن البحث يفترض تخصصًا بأيديولوجيا التحرير هو أيديولوجيا 
الالتزام الوطني كمرحلة أخيرة من أيديولوجيا التحرير وتحديدًا في فترات 
المواجهة مع الاحتلال كالانتفاضات وما يعقبها!". 


من المهم القول إن دخول أيديولوجيا بناء الدولة خفف من ححدة 
أيديولوجيا الالتزام الوطني وهيمتتها إلا أنه لم يلغ وجودها وبقيت حاضرة 
وبقوة حتى اليوم» وفي كثير من الحالاات جرت المواءمة بين الأيدي و لوجيتين» 
وفي مراحل تصاعد المواجهة مع الاحتلال تعود أيديولوجيا الالتزام الوطني 
لتفرض نفسها وبقوة وتشكل خيارات الباحثين وتحددها سواء كانوا واعين 
يذلك أم لىء ولعل الأمانة المعرفية تقتضي القول إنني كباحث يدرس هذه 
الأيديولوجيا أشعر بثقل نقدها وخطورته وأفكر مرات عدة قبل طرح الكثير من 
المقولاات الموجودة في هذه الدراسة. 


أولا: سمات الانشغالات الأولى بالتاريخ الشفوي فلسطيئيًا 


يمكننا النظر في بداية دخول التاريخ. الشفوي إلى البحث التاريخي 
والاجتماعي في فلسطين في أواخر ستينيات القرن الماضى وسبعينياته1©9) 
من الوقوف على سمات عدة ذات صلة رئيسة بموضوع الدوانية هلهة أول 
هذه السمات هي أن البحث التاريخي بمجمله في تلك الفترة كان فرديّاء وفي 
الأغلب عبارة عن أطروحات دكتوراه ورسائل ماجستير» ومن أبرز الأمثلة 


(13) انظر: جميل هلال» إضاءة على مأزق التخبة السياسية الفلسطينية» القضية الفلسطينية: آفاق 
المستقبل؛ 1 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 3) ص 12-10. 

(14) يمكن ملاحظة أن دخول التاريخ الشفوي كمنهجية في البحث عن فلسطين كان مبكرًا 
بالنظر إلى أن ظهور التاريخ الشفوي المعتمد على منهجيات مستحدثئة ظهر في أميركا في عام 1938 
وانتشر بعدهاء وأصبح في الستينيات فرعا من فروع المعرفة التاريخية لا يقل أهميةً عن غيره من الفروع 
الأخرى مع وجود التصورات النقدية التي رأته ذا فائدة محدودة في البحث الأنثروبولوجي والفلوكلوري 
ولا تصل الشهادات الشفوية إلى مستوى الوثوق المتوافر في الشهادات والقرائن الموجودة في الوثاتئق 
المكتوبة من الماضيء انظر: فرّو. ص 281-280. 


403 


لباحثين جعلوا من الذاكرة الفلسطينية مادتهم الأساس في إنجاز بحوثهم: بيان 
نويهض الحوت التى تمحورت أطروحتها حول القيادات والمؤسسات السياسية 
في فلسطين 1917 - 91948"» ونافذ نزال أيضًا الذي قام بجمع مقابلات 
شفوية مع لاجئين فلسطينيين في لبنان لإعداد أطروحته عن اللجوء الفلسطيني 
من الجليل”*'. وكان هذا بالتوازي مع بحوث روزماري صايغ وجولي بيتيت 
اللتين درستا أحوال اللاجئين في لبنان» وينظر إلى كتاب روزماري صايغ7) 
على أنه إشارة نبّهت الباحثين المهتمين بالقضية الفلسطينية لأهمية التاريخ 
الشفوي. وترجم إلى العربية وكان ذا أثر بالغ في الاهتمام بالذاكرة الفلسطينية 
كمادة مهمة للكتابة التاريخية» وكان لكتاب بيت بيتيت أثر مشابه في التنبيه إلى أهمية 
التاريخ الشفوي رافامعه ين وسوة بللرتوة أيضًا"©, 

بما أن دخول التاريخ الشفوي ودراساته ترافق نسبيًا مع انتشاره عالميّاء كانت 
الأسئلة الأساسية والمنهجية مطروحة بقوة» ولعل السمة المنهجية الأهم في الحالة 
الفلسطينية كانت أن اللجوء إلى التاريخ الشفوي جرى على اعتبار أنه مصدر بديل 
أوخيار ان أو ريما ثالث يعين على إنجاز البحث العار: يخي”"2» ويمكن رصد هذه 
السمة عند الاطلاع على الجهد النظري الذي برر به الباحثون اعتمادهم التاريخ 


(15) بيان نويهص الحوت, القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين» 1948-1917, ط 2 
(عكا: دار الأسوارء 1984). 


(0) مععنلنه؟ عمتاععلوط ع0! عاساتاكمآ ,948 [ ,عع لئاه #«بمز عبافمحظ مل تاععاوط 186 ,امععدنة؟ عون 
.(1978 ,كعللنة عمتاوءلو2 م10 عالاتاكمآ تأنماء8) 49 .20 ع5 ولأممومده1ةا 


,معطلا 5عاصمءط 4 ,كعاجهدمانااميب1! 6) كتمعكمء6 «مل :كصعاماتعولو ,طلوأترهك5 معدم 

مة طاتت زبلممقطعآ ضأ كموتمنك291 «صسيهت طاتم و5بوع [عاما و5 طوالافك بمقدصعدم8 برط لعلمومععم 
.(1979 ,جوع 20 :2ه00دمآ) 20.3 بمعتدد أكقظ 111001 ,لوأكصتمط) صسمهئ؟ نزم ومع نممماما 

(18) انظر: عادل يحبىء «مشاريع التاريخ الشفوي الفلسطيني إلى أين؟2 ورقة قُدمت إلى: كتاب 
أبحاث المؤتمر العلمي - التاريخ الشفوي: الواقع والطموح (غزة: الجامعة الإسلامية - كلية الآداب» 
6) ص 21-20. 

(19) يذهب بعض الدارسين إلى القول إن اللجوء إلى التاريخ الشفوي اتصل أيضًا بالبحث عن 
أساليب أكثر سهولة وأقل تكلفةً وعلى مقربة من الباحث ولا تكلف الكثير من العناء والجهد. وإن كان 
هذا الادعاء حادًا إلا أنه وارد بشدة» ويمكن فهم جزء من الانشغال الكبير لدى الباحثين الشباب في غزة 
بالتاريخ الشفوي من هذا الباب؛ فتوافر أعداد هائلة من اللاجئين وفي حيز جغرافي ضيق سيوفر مواد 
أولية وشهادات عديدة تدفع بحث الباحثين الذين يطمحون إلى نيل درجة علمية في الأغلب. 


414 


الشفوي كمنهج والشهادات الشفوية كمصدر للمعلومات260 فالمعلن والمضمر 
في تلك المقدمات إنما يكون صراحة إن تعذّر الوصول إلى القرائن والوثائق 
الدارج استخدامها في الكتابة التاريخية التقليدية هو الذي دفع إلى البحث عن 
مصادر بديلة لتلافي هذا النقص» ولأن الحالة الفلسطينية لم تكن تعاني غياب 
الوثائق والقرائن التاريخية المعتد بها عند المناهج الوضعية فحسب بل يتصل 
الأمر يتعذر الوصول إلى مصادر الوثائق» ولعل مواكبة لمآلات كل ما يقع تحت 
تصنيف أرشيف في الحالة الفلسطينية من النكبة وحتى اليوم يشير بوضوح إلى 
حجم غياب المصادر التقليدية الواضح في الكتابة التاريخية”*». لذلك كان تبرير 
اللجوء إلى الشهادات الشفوية من هذا الباب» وكان التأكيد مستمرًا بضرورة 
المقارنة والتحقق من صدق الشهادات واتباع صرامة منهجية معها؟ وببساطة» 
يمكن القول إن الشهادات الشفوية لم تكن مقصودة في ذاتهاء بل كان يراد منها 
سد الثغرات الناجمة عن غياب قرائن ووثائق تقليدية» وهذا في المراحل الأولى 
من البدء بجمع الشهادات الشفوية فلسطيئيًا للاستعانة بها في البحث التاريخي. 


لعل سمة أخرى مهمة وسمت البحث التاريخي المهتم أو المعتمد على 
التاريخ الشفوي منذ بدء وجودهء تمثلت في دفعه بدوافع أيديولوجية إلى 
جانب الدوافع المعرفية البحتة» ويمكن الوقوف على كثير من الشواهد على 
هذه الدوافع التي يمكن وصفها بالأيديولوجية» أو بدرجة أولى يمكن وصفها 
بدوافع غير معرفية أو أكاديمية»**» ويمكن القول إن الخوف من ضياع الرواية 


(20) هنالك كم هائل من الشواهد على هذه السمة» ومنها ما يرد في مقالة بالغة الأهمية لصالح 
عبد الجواد يعرض فيها مأزق الأرشفة كله في الحالة الفلسطينية وضياع الوثائق ما يفتح المجال للبحث 
في التاريخ الشفوي: صالح عبد الجواد, «لماذا لا نستطيع كتابة تاريخنا المعاصر من دون استخدام 
التاريخ الشفوي؟ حرب 1948 كحالة دراسية.» مجلة الدراسات الفلسطينية. السئة 16» العدد 64 
(خريف 2005). ص 63-42. ولعل المبررات والمحاجّات التي يستتخدمها عبد الجواد في هذا الجزء 
من مقالته هي إجمال وتفصيل لشبيهاتها كلها التي تزدحم بها مقدمات البحوث الشفوية لدى الباحثين 
في التاريخ الشفوي فلسطيئًا. 

() عبد الجواد.» ص 47-46. 

(22) ومنها «توثيق الحوادث وتخليدها في وعي الأجيال القادمة»» كما تقول بيان نويهض الحوت 
في عملها عن صبرا وشاتيلاء أو «التعاطف مع الشعب الفلسطيني»» وتحديدًا النساء الفلسطيئيات اللاجئات - 


405 


الفلسطينية» أو «الانتصار لرواية الضحايا والوفاء لهم؟ وكل مرادفات هذه 
الأهداف العريضة كانت حاضرة دومًا عند الاهتمام بالتاريخ الشفوي حتى 
في الحالات التي كان يُلجأ إليه فيها على اعتبار أنه مجرد مصدر بديل يوفر 
معلومات تحتاج إلى الكثير من التدقيق والتقويم والضبط. 

يمكن القول إن هذه الدوافع غير الأكاديمية أو المعرفية البحتة منسجمة 
بشكل كبير مع «أيديولوجيا الالتزام الوطني»» بل يمكن القول إن هذه الدوافع 
المعلنة والأهداف الواضحة جزء من أيديولوجيا الالتزام الوطني واستجابة لها 
في الفترات الزمنية التي كانت فيها هذه الأيديولوجيا المسيطرة في المجال 
السياسي والمهيمئة على مجال البحث الاجتماعي» بل على مناحي الحياة 
الفلسطينية كلها تحت الاحتلال» ويمكن القول إن احتفاء واضحًحا كان يرافق أي 
بحث اجتماعي أو تاريخي يهدف إلى دعم الرواية الفلسطينية والحق الفلسطيني 
وتثبيتهماء وكان ينظر في أحيان كثيرة إلى هذا الجهد البحثي التاريخي كجزء 
من الجهد النضالي الهادف إلى الحفاظ على الرواية الفلسطينية وتخليدها 
وتلافي الفقر والإفقار في الأرشفة والتوثيق لكل ما له صلة بالرواية الفلسطينية 
في الفترة الممتدة بين أواخر الحكم العثماني وحتى اليوم» وتحديدًا النكبة 
باعتبارها حدثًا مؤسسًا في تاريخ الفلسطينيين ووعيهم الجمعي. وما من شك 
في أن الحدث الأهم الذي تناوله التأرد بخ الشفوي فلسطيئًا كان النكبة*©. 


- في لبنان كما تقول روزماري صايغ وجولي بيتيت. انظر: يحيى» «مشاريع التاريخ الشفوي»» ص 21. 

(23) يجب عدم إغفال أن النكبة اكتسبت مركزية كونها الحدث الذي يهدد الموتٌ أغلبية مجايليه 
ومن عايشوه» لذلك يكتسب البحث فيها سمة استعجالية وأولوية بحثية» لأن رحيل الجيل الذي عايشها 
يعني فقدان الشهادات كلها ذات الاتصال المباشرة بالنكبة» والأمر ينسحب على كل بحث يرمي إلى 
الوقوف على فلسطين والحياة الاجتماعية فيها قبل النكبة» وصفة الاستعجال هذه لا تبدو في البحث 
عن الحوادث اللاحقة كالنكسة والثورة الفلسطينية واجتياح ليئان ومجازر صبرا وشاتيلا وما تبعها من 
حوادث جسام حتى اليوم؛ واللافت أن صفة الاستعجال التي وسمت جهد الياحثين في التاريخ الشفوي 
للنكية اقتصرت على جمع الشهادات الشفوية وليس على الاشتغال بها وإنتاج بحوث ومراكمة إنتاج 
مستند إليهاء كان المنطق الغالب هو جمع الشهادات خوفًا من فقدان أصحابهاء ونفكر بعد ذلك في 
ما يمكن أن نفعل بهاء لذلك يجد الباحث كميات كبيرة من المقابلات والشهادات «الخام؛ - إن صح 
التعيير - من دون أي معالجة أو تأطير أو بحث ينطلق منها أو يستند إليها. 


456 


من جهة الاتصال بهذه المساهمة, اتسم التأريخ الشفوي للنكبة بسمات 
عدة: 


* تغليب الحرص على التوثيق وتوفير المعلومات الدقيقة عن جرائم 
الحركة الصهيونية وقواتها خلال التطهير العرقي والسيطرة على القرى والمدن 
وتهجير أهلها. 

« الاكتفاء بتوث ثيق النكبة وجمع الشهادات التوثيقية عن حوادثها وتسلسلها 
واستعادتها كحدث تاريخي» وتوثيق حياة الفلسطينيين قبلهاء من دون الاهتمام 
بسردهم عن النكبة وموقعها في وجدانهم وعلاقتها بهم وبرؤيتهم لقضيتهم 
والمعنى الذاتي الذي يقدمونه هم إليها. 

* توحيد الرواية الفلسطينية عن النكبة على اعتبار أنها الحدث 00 
الأهم» والسعي إلى استعادة «صورة» الحياة قبلها على اعتبار أنها أحدئت 
في التاريخ الفلسطيني والذاكرة الجمعية والحداثة الفلسطينية في 0 
المدينية. 


هنا وقبل البحث في هذه السمات وعلاقتها بالأيديولوجيا السائدة وتأثيرها 
في التأريخ الشفوي للنكبة ككل والتهميشات التي خلفهاء لا بد من عرض 
موجز لفحوى الحالة التي تقدم الدراسة مساهمتها من خلالها. 
ثانيًا: النكبة وتبدل علاقات القوة والمواقع الاجتماعية 


بدأت هذه المساهمة بعد مقابلة مطولة مع س. 24 من المهجرين من 
قرية المغّس”** في التاسع من تموز/ يوليو 1948» حين هرت وانتقلت مع 


(24) لاعتبارات عدة» بعضها متصل بمو ضوع البحث نقسه 'وبعضها شخصي متعلق بصاحية 
الشهادة ارتأى الباحث الاكتفاء بإيراد حرفي اسمها بدلا من الاسم كاملا. 

(25) تقع على بعد 30 كلم شمال غرب الخليل وكانت تابعة للرملة ثم الخليلء بالقرب منها تمر 
طريق فرعية كانت من قبل ممرًا للقوافل بين بيت جبرين والرملة؛ وهذه الطريق كانت تصلها بين هذين 
المركزين» وتحيط بها قرى عور وجلبا وأذنة وتل الصافي. ومتوسط ارتقاعها عن البحر 200م» تورّع - 


437 


عائلتها إلى الخليل» ورفض والدها السكن في مخيم العروب وعمل على توفير 
مسكن في الخليل» واستقرت وتزوجت وتكونت عائلتها في الخليل وهي اليوم 
تعيش في رام اللى ونتسم بقوة الشخصية!26) والذاكرة والوجاهة في عائلتها 
على الرغم من كونها امرأة عاشت في واحدة من أكثر المناطق الفلسطينية 


كانت الفكرة المركزية اللافتة في شهادتها هي اختلاف معنى النكبة في 
نظرتها إلى التصور العام السائد فلسطيئيّاء وهذا متصل بشكل كبير بأوضاع 
حياتها مع عائلتها قبل النكبة ومسار حياتها بعد النكبة» فالتكبة بالنسبة إليها 
«حدث؟ مركزي في حياتها فصّل بين مسارين مختلفين» تقوم اللاحق منهما بأنه 
الأفضل. وتبدو شهادتها وتصورها عن حياتها وحياة عائلتها فريدة» لكنها في 
الوقت نفسه مشتركة مع كثير من النساء اللاجئات» ومهمّشة بمستويات عدة من 
التهميش؛ ولعل شهادتها الشفوية تؤكد إلى حدٌّ بعيد كون ما تقدمه من تصور 
للنكبة مشترك مع كثيرات من نساء القرية وتفتح المجال لتصور أن هذه الرواية 
موجودة في قرى وأماكن أخرى تتوافر فيها الأحوال المشابهة لأحوال المغلس 
قبل النكبة وأحوال أهلها بعدها. 


- أهلها على عشائر أهمها أبو عجمية والشريف والمغالسة والصرابطة» وبلغت مساحة أراضيها 11.459 
دونمًا ولم يتسرب منها شيء إلى اليهودء وقدر عدد أهل القرية ب 626 نسمة في عام 1948» وفيها 
بعض المواقع الأئرية. عمل أهلها في زراعة الحبوب بشكل رئيس إلى جانب الخضراوات والفاكهةء 
وعُرفوا بتريبة الماشية والجمال والبغال في المنطقة ككل والنحل والاتجار بالعسل. دُمّرت أغلبية بيوتها 
المقدرة بمئة وثلاثين بِيئًا وطرد جميع سكانها ضمن عملية آن فار للقوات الصهيونية» وخرج أهل القرية 
منها بمجرد وصول القوات الصهيونية إلى قرية تل الصافي المرتفعة وبدأوا بإطلاق النار صوب القرية 
وأهلهاء واستشهد في القرية مصطفى أحمد المغالسة وأسر عدد من شبانها ورجالهاء وفي عام 1955 
أمسثت مستعمرة غيفن على أراضي القرية» إلى الشمال من موقعها. وتقدر وكالة الغوث في آخر إحصاء 
لها في عام 1998 عدد اللاجئين من القرية ب 3.847. انظر: وليد الخالدي [وآخ.]» كي لا ننسى: 
قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائهاء ترجمة حسني زينة (بيروت: مؤسسة 
الدراسات الفلسطيئية» 2001)» وموقع فلسطين في الذاكرة لصردهء.لءىءةسعمعء مهناك لدم ووب الماط> 

.<أتصاط .ع لسا/عة دخ لمطعن ا ا /صماء11 


(26) حتى في حياتها قبل النكية تروي الكثير من التفصيلات عن المساحة من الحرية التي اكتسيتها 
مع الوقت في سلوكها مع والدها وأقاربها ولهذا دلالاته في ما يتعلق بالشهادة التي نحن في صددها. 


408 


تنظر الشاهدة إلى ما قبل النكبة بعين المسار الطويل الذي أوصلها إلى 
أحوالها اليوم» وتنظر إلى الماضي بعين اليوم» ولا تنبع أهمية شهادتها في 
الجانب التوثيقي الذي ركز عليه الباحثون الذين عملوا في التاريخ الشفوي 
للنكبة» والدراسة هنا لم تهتم بشكل رئيس بهذا الجانب التوثيقي» بل أريد منها 
الوقوف على التصورات والرواية التي تقدمها هي ومثيلاتها عن النكبة» وأغلبية 
المعلومات ذات الطابع التوثيقي تقر هي بأنها حصلت عليها من خلال آخرين 
رووا على مسمعها التفصيلات المتعلقة بعدد الأسرى والشهداء خلال هجوم 
الصهيونيين وكيف سقطت القرية ودمرت» وتبدو هذه المعلومات أقل حضورًا 
في ذاكرتها مما يتعلق بأحوال الحياة قبل النكبة. 

شكلت النكبة بالنسبة إلى الشاهدة حدثًا أفرز خلاصًا من ظلم واضطهاد 
مارسته عائلة العزرّة القوية ضد قريتها وعائلتهاء وتسهب في سرد عدد من 
القصص والحكايات عن هذا القهر والظلم والاستيلاء على الأراضي الذي 
مارسه وجهاء من عائلة العرّة المتمركزة في قرية بيت جبرين بالاستعانة مع 
أعوانهم في قرية عجورء وتقول في مواضع من شهادتها مثلا: «كانوا العزة 
يعطوا همل العجاجرة مصاريء ويقوللهم روحوا اسرقوا وانهبواء» وهم 
قاعدين بدورهم ومكيفين والحرس حواليهم» يلموا الهمل ويعطوهم مصاريء. 
ويحكولهم روحو على المغلس في واحد تجوزء عندو الذهب ... روحوا 
انهبوا حلالهم واسرقوهمء ولما يروحو الشباب بطحنو ويحملو على الجمال 
ويطحنوء فمسكوا العزة الحمال وضربوا شبابنا وسرقو حمالهم ... يومها 
خالي كان بدو يروح إعدام لأنه ضربهم, الإنكليز أجوا وأخذوا خالي وراح ما 
يعدموه ... اللي أطلّعو من سجن الرملة من دار الحسينيء أبوه للحسيني» راح 
سيدي أطنب عليه وقاله معنديش غير هالولد وكاتبيئله إعدام فطلعوه ... خريوا 
ديار الناس ولاد العزة يلعن أبوهم». 


تشير صاحبة الشهادة أيضًا إلى طريقة عائلة العزة في السيطرة على الأرض 
وتوسيع نفوذهم» وهذا ما كان سبب التوتر الأكبر مع أهل قريتها المغلس: 
«أصلا بيت جبرين مش إلهمء أجو أخذوها وأهلها سلموهم الأرض والدور 


469 


وكل شيء وصار بعجور وتل الصافي ... إحنا قلنا لو نتفرم ما بنعطيهم دورناء 
ولو نطلع كلنا من البلد ما بتوخذوا ولا شبر ولا بتسكنوا يبلدنا... وإلا هم ليش 
داروا ورانا ... إحنا أهل المغلس عنّدوا وقالوا لا يمكن حدا من العزة يسكن 
عنا ... فحطوا محيطتهم أهل العزة ... فشروا بارودات وصاروا يحملوا حالهم 
طوال الليل ... يجوا عنا نسايبنا من تل الصافي ويقولولنا ديروا بالكم يا المغالسة 
الليلة يغزوكم ... كل ليلة ... والشباب مسخمين يظلوا صاحيين طوال الليل ... 
كانوا يروّحوا على الدار المطرفة يوخذوا ذهبها ويسرقوا الحلال ... والعزة 
يودّوا الهَمّل وما يشتغلوا يضلوا قاعدين بدورهم تحت الشمسيات». 


تختلط في ذاكرة الشاهدة الحوادث التي شهدتها في طفولتها وتلك التي 
روتها لها أمها وجدّتها وتنقل الروايات والأحاديث بطابع احتفائي في سياق الرد 
على سيطرة العوائل المتنفذة: «العجايب كانت بجيل أبوي وسيدي ... حلفوا مثلا 
واحد عنده مرة حلوة يقولو جيب مرتك ... يطلقها ويعطيهم إياها من الخوف ... 
مرت أبوي كانت تحكيلنا عن واحد من بلدنا عنده أت حلوة وعايش بأرض 
ودور ... شافها واحد من العزة وقلو بدي إياها ... فراح أخذ أخته وشرد على 
ثائى بلتووقال لآ أرقن ولااعور وة سيم باه قال الا يكن ارو انض راعطي 
إياها ... راح فات الأرض وفات كل شيء وراح ... بقولو بعدين رجع وجاب 
برودة وطخ ابن العزة وهرب ودشر كل الدور والأرض وكل شيء6. 

يصل الأمر بالشاهدتين إلى حد النظر إلى التكبة كحالة من حالات العدل» 
حيث جاء من اقتص من عائلة العزّة و#كسر جاههم؛. ويصل الأمر إلى حد 
«التشفي؟ بالعائلة ورموزها الذين طردوا وقتلوا على يد الصهيونيين وتشردوا 
كغيرهم من اللاجئين واستقر جزء كبير منهم في مخيم بيت جبرين أو العزة 
في مدينة بيت لحمء ولا يمكن النظر إلى موقع النكبة في ذاكرتها إلا من خلال 
العلاقة بهذه العائلة» وهذا ما يمتد حتى الآن في تصور الشاهدة للتكبة ومسار 
حياتها: «لما أجو اليهود كلهم شردوا قبلنا وصاروا شحادين ... صاروا صايعين 
وولادهم زي جاج المزرعة ... ظل واحد عند اليهود مطلعش فكر بدو يظل 
مبسوط بالأرض؛ حاسب حالو بدو يكيّف. طلّعوا من أرضه ودعسوه بالسيارة 


410 


وفغصوه ... أطلعوهم من أرضهم وبهدلوهم ... وسلخوا روسهم ... بستاهل 
هالموتة ... بستاهلوا اللي صار فيهم لأنهم همّل ودُّشَّر ولأنهم عنفصوا .. 
يبجيبوا الهمّل ويعطوهم مصاري ويفلتوهم ع الناس6. 

يضاف إلى ذلك أن التكبة كحدث أنتجت بالنسبة إلى عائلة الشاهدة 
حراكًا اجتماعيًا نقل العائلة مالكة الأرض المحدودة الشحيحة التى تهددها 
عائلة العزة وأعوانها إلى حياة في مديئة الخليل» حيث الأب يُصِرٌ على رفض 
العيش في المخيمء ويستثمر قدراته اللغوية الإنكليزية هو وأخوها وزوجها في 
العمل» وتوفير أحوال حياة أفضل من أحوال حياة اللاجئين في المخيمات. 
وفي مراحل متقدمة ساهم تعليم الأولاد وعملهم في وظائف مهمة في تحسين 
الوضع الاقتصادي للعائلة وزيادة تمايزها من اللاجئين الآخرين» وتحديدًا عائلة 
العزة» وبالتالي» فإن النكبة كفقدان للأرض كما تراها صاحبة الشهادة لم يتصل 
بها بشكل مباشر بل بعائلة العزة مالكة الأرض والمسيطرة عليهاء أي إن من لا 
يملكون الأرض لم تكن النكبة في وعيهم فقدانًا لها لأنهم لا يمتلكونهاء وهنا 
ترد إشارات في هذا التصور إلى أن التعامل مع النكبة في الرواية الفلسطينية 
على أنها «فقدان الأرض» إنما يشير إلى الفئات التي كانت تملكها: «الشباب 
تعلّمت وتفتحت وتفهمت ومن عيلتنا صار في دكاترة ومهندسين وفي مهندس 
طيران ومعلمين ... واللي ضلوا من دار العزة صاروا يقولوا لو طلعنا مع اللي 
طلعوا ... صاروا يندموا عشان ولادهم ما تعلّموا ... كل الفلاحين نفدوا عنهم 
وتعلموا وصاروا أحسن منهم ... وكانوا يتحاموا بولادنا بعد الهجرة . 
الهجرة ضاعوا ولاد العزة ضاعوا». «أبوي وإخوتي وخوالي كانوا يشتغلوا بواد 
الصرار» الأرض ما كانت تكفي . .. أصلا يا دوب كان في أرض . .. أخوي 
لما طلعنا على الخليل هو اللي خلانا نعيش أحسن من الناس ... كان يشتغل 
ويروح ويجي وبعدين اتعلموا ودرسوا». 


تتضح هذه الرؤية من خلال البحث في رواية نساء أخريات من قرية 
المغلس لهذه الجزئية» والوصول إلى آراء أكثر «تطرفاه في هذا الجانب» فتقول 
قريبتها إن النساء والبنات كن لا يرثن الأرض ولا يملكنهاء وبالتالي فلم يخسرن 


4201 


شينًا بفقدانهاء ولعل فرادة هذه المقاربة وندرتها هما ما دقع البحث كثيرًا عن 
حالات شبيهة لم تكن موثقة مع الإقرار العام بجزء كبير منهاء ومن التكات 
السائدة في فلسطين أن يقول أحدهم على سبيل المناكفة «أنا تخليت عن 
حصتي من القدس1. أو أي عبارة شبيهة» وتعبّر هذه العبارة السائدة عن تصور 
النكبة كخسارة للأرضء ويدور معظم الأحاديث والنقاشات عن النكبة حول 
الأرض والاستيلاء عليها حتى كادت تقترن النكبة في الأذهان بفقدان الأرض 
قبل أي شيء آخرء ومن المعروف إلى أي حد يقرن الوعي الجمعي الفلسطيني 
بين الأرض والعرض والشرفء ويعتبر بيع الأرض أو التخلي عنها سبة وعارّاء 
ولعل أهم وأول ما يتحسر عليه اللاجئون هو الأرض» فكيف ستكون رواية 
من لا أرض لهم للنكبة» خصوصًا إن كانت النكبة كما ورد أعلاه حدثًا ساهم 
في حراك اجتماعي واقتصادي بالنسبة إليهم» وهم ينظرون إليها اليوم بعين 
التغيرات كلها التي تكاثرت وتصاعدت يعدها ولا يمكن لهم اليوم أن يقدموا 
أي رواية عن الماضي متحللين من المسار الشخصي لحياتهم. 

في سبيل البحث عن القرية تحديدًا والشهادات المتوافرة في المصادر 
المتاحة عنها ويغرض المقارنة نجد مقابلتين لرجلين من قرية المغلس27©, 
وترد ملاحظات عدة على هيمنة أيديولوجيا الالتزام الوطني على مجمل عملية 
الحصول على الشهادة الشفوية وتقديمها؛ فعند سؤال أحد أبناء القرية فى مقابلة 
لأخذ شهادته الشفوية عن النكبة» استفسر الباحث منه عن نوع التسليح الذي 
توافر في القرية عند الهجوم الصهيوني على تل الصافي القريبة» ويدأ الرجل 
بتوضيح نوعية السلاح وكميته التي كانت متواضعة بطبيعة الحال» وقال إن أهل 
القرية اضطروا إلى شراء السلاح** قبل بدء القوات الصهيونية بتنفيذ هجماتها 
ومجازرهاء والسبب في بيع الكثير من المواشي والممتلكات لشراء السلاح هو 


(27) تتوافر لدى الباحث المقابلات كلها مسجلة وموثقة. 

(28) يقول صاحب الشهادة إن القرية اشترت تقرييًا 14 بندقية ويمكن تخيل حجم (المناوشات؟ 
التي دفعت بأهل القرية لشراء هذه الكمية» وتتحدث س. أ أن أهل القرية اشتروا 6 بنادق لرد هجمات 
«زعران» قرية عجور الذين استخدمهم رجال العرّة. 


42 


«مناوشات مع أهل قرية عجور على الأرض؛» ومن دون تفسير كبير وبتجتّب من 
الباحث والشاهد يختصر الأمر بالقول إن الهدف من شراء السلاح هو حراسة 
الأرض وحمايتها من المعتدين وهم أهل عبجور» وهذا السلاح كان هو السلاح 
المتوافر حين هاجمت القوات الصهيونية القرية» حتى إن خصوم أهل القرية وشوا 
للسلطات الانتدابية بأهل المغلس لامتلاكهم السلاح» وداهم الإنكليز القرية 
واعتقلوا خال الشاهد واضطر المحامي إلى إنقاذه من حكم بالإعدام للقول إن 
السلاح هو ملك أهل القرية جميعهم ويستخدم لأغراض الحراسة فحسب. 

من اللافت كيف تجاهل الباحث الحديثٌ عن هذه «المناوشات مع قرية 
عجور؛ على الرغم من أنها سبب شراء السلاح في البلدة وهو حدث محوري 
في حياة الفلاحين الفلسطينيين عند هجوم القوات الصهيونية. ولا يفرد من 
وقت المقابلة المطوّلة أي مساحة لطبيعة علاقات القوة قبل النكبة وفى أحيان 
كثيرة يتجنب الشاهد الحديث في الأمرء وهذا ينسحب على عدد المقابلات 
عن قرى أخرى» حتى يشعر السامع أن صورة الوثام الاجتماعي كانت مثالية 
وهذا غير ممكن وغير واقعي» وخلال المقابلات المتوافرة مع الشاهدين تحاشا 
الحديث في التفصيلات التي أسهبت الشاهدة في ذكرهاء وفي أكثر من موضع 
يبدو واضحًا أن هنالك إسقاطا متعمدًا لعدد التفصيلات» وليس موقع البحث 
هنا تحليل تلك المقابلات وإنما الاسترشاد بها فحسب. 


الثًا: التهميش المركّب في التأريخ الشفوي للنكبة 


إن الخروج بالتاريخ الشفوي من كونه خيارًا بديلًا أو ثانيّا أو خطة بديلة 
في حال تعثر الحصول على مصادر تقليدية عبّر عن فهم جديد لقيمته ودوره؛ 
فهو متصل بما يغفل عنه التوثيق الرسمي التقليدي أو ما يسقطه هذا التوثيق 
ولا يأبه بذكره» وينظر إلى التاريخ لا كسلسة من الحوادث السياسية الصرفة» 
بل يضفي دينامية خاصة على عملية التاريخ عبر الاهتمام بوجهة نظر الرواة 
ورؤيتهم الخاصة إلى الحوادثء. واهتمام الباحثين ب «كيف» ودلماذاة على 
حساب «متى» و«أين4» ويكمن جزء مهم من غناه لا في كشفه عن «الحقائق 


13ئ4 


بل كشفه ما يعتقد الرواة أنها «حقائق4» وعبر الاهتمام بكيفية تذكر الرواة ما 
جرى لا بما جرى كحدث صرف29©, 


عترت هذه الرؤى الجديدة فلسطيئيًا عن أن ما يبحث عنه الدارسون 
المعتمدون على التاريخ الشفوي غير موجود في المصادر التقليدية ويقع في 
خانة المهّشء لكن في ضوء العرض الوارد أعلاه لجوانب من الشهادات التي 
ارتكزت عليها هذه المساهمة؛ يمكن القول إن الكتابة التاريخية التي أريد لها 
أن تكون رواية للمهمشين وقعت هي الأخرى في تهميشات مركبة. 
للتهميش فى الحالة التى تتناولها الدراسة (نساء قرية المغلس) مستويات 
عدة: ١‏ 1 

- تهميش من النخبة واهتماماتها بكتابة تاريخ الطبقة الوسطى وما فوقهاء 
ولذلك اعتمدت السيّر والمذكرات في كتابة التاريخ الاجتماعي”". وهذا 
التهميش جرى على أساس طبقي اجتماعي» وتبناه عدد من المؤسسات البحثية 
الفلسطينية؛ وشكل ويشكل تيارًا أساسيًا في كتابة تاريخ غير رسمي لحياة 
الفلسطينيين في أواخر العهد العثماني وحتى النكبة. 

- تهميش من النزعة المدينية التي اهتمت بالمدن وكتابة تاريخها وما 
حصل خلال النكبة لها ولأهلهاء وأهملت القرى» وهو ثقافي الطابع. وركز 
المشتغلون ضمن هذا المسار على النكبة كحدث أجهض الحداثة الناشئة فى 
المدن الفلسطينية» وأعطوا المدينة مركزية في الأدوار الوطنية والثقافية. ْ 


(29) سونيا نمره «التاريخ الشفهي - حكاية أم منهج؟»: ورقة قُدمت إلى: كتاب أبحاث المؤتمر 
العلمي 3 التاريخ الشفوي: الواقع والطموح (غزة: الجامعة الإسلامية - كلية الآداب» 6غ000) ص 
27--249. 

(30) يمكن بيساطة ملاحظة وجود تيار واسع لإعادة كتابة التاريخ الاجتماعي بين الباحثين 
الاجتماعبين والمؤرخين الفلسطينيين» ولعل أهم جهد في هذا السياق هو ما تقوم به مؤسسة الدراسات 
الفلسطينية عبر سلسلة «أوراق عائلية» وعبر مقالات عدة وزوايا ثابتة في مجلة الدراسات الفلسطينية» 
ومنها زاوية «في الذاكرة»»: ويعتمد هذا الجهد على كتابة التاريخ الاجتماعي بالاعتماد على السيّر 
والمذكرات لشخصيات من فئثات اجتماعية وسطى ووسطى عليا. وفعليًا تشهد الأعوام الأخيرة ازدهارًا 
لهذا التوجه في الكتابة التاريخية عن فلسطين. 


4ظ41 


- تهميش على قاعدة جندرية كونها امرأة. وهذا المستوى يتضح من خلال 
بحث بسيط في نسبة الشهادات الشفوية الموثقة مع نساء إلى مجموع الشهادات 
كلها في أي مشروع للتأريخ الشفوي للتكبة. 


هنا تمكن استعارة اقتباس لبشارة دوماني في معرض شرحه التغيرات التي 
طرأت على الكتابة التاريخية عن فلسطين مع ظهور المصادر الجديدة للكتابة 
التاريخية مثل التاريخ الشفوي وسجلات المحاكم الشرعية والكنيسة والرسائل 
والأدب واليوميات والفن والموسيقى والبيئة المبنية والثقافة المادية وغيرهاء 
يقول فيه: «وعلى الرغم من أن نخب الذكور في المناطق الحضرية والطبقات 
المتوسطة ممثلة تمثيلا جيدًا في هذه المصادر الجديدة» إلا أن هنالك عناصر 
كثيرة أخرى متوفرة تمكن من إلقاء نظرة فاحصة على كثير من الفئات الاجتماعية 
المهمشة حتى الآن مثل الفلاحين والفقراء العاملين والبيدو:)©, ويشير دوماني 
إلى تهميش مناطق لمصلحة القدس ويافا وحيفاء وحديئًا لمصلحة نابلس وعكاء 
ولا يزال هنالك عدم تناسق كبير في الدراسات الإقليمية. 


بالنظر إلى أن التاريخ الشفوي يُحيل على رواية رسمية يهدف إلى 
التفلت منها ورفض هيمئتها واقتراح رواية بديلة» يتضح بجلاء أن الرواية التي 
جاء التاريخ الشفوي فلسطيئيًا لطرح رواية بديلة منها هي الرواية الصهيونية 
للنكبة2, ويأتي التاريخ الشفوي ليقدم الرواية الفلسطينية للمقتلعين من 
أرضهم» ويؤكد ما جرى» ويكسب معركة الرواية بكل ما يعنيه ذلك سياسيًا 
بالدرجة الأولى ومعرقيًا بعد ذلك» وهذا الجانب من عمل التاريخ الشفوي 
منسجم تمامًا مع أيديولوجيا الالتزام الوطني2©. 


(0) بشارة دوماني» «#المحذوفون من السرد التاريخي.» محلة الدراسات الفلسطينية» السئة 21» 
العدد 84 (خريف 2010)), ص 36. 

(32) في حالات أخرى كانت الرواية الرسمية العربية هي الرواية التي يحاول التاريخ الشفوي 
الفلسطيني الرد عليها والتخلص من هيمتتها. 

(33) مع الإشارة إلى أن هذا الجانب من البحث التاريخي كان يقصد الناس العاديين ولم يكونوا 
هم موضوعه. بل كان يبني موضوعه من خلالهم» وجزء كبير من الشهادات الشفوية كان يستخدم 
كمعلومات داعمة لبناء الرواية الرسمية التي ترد على الرواية الصهيونية عن التكبة والتطهير العرقي» أما - 


415 


إلا أن رواية الفلاح الفلسطيني للنكبة هي رد على روايتين؛ الأولى 
الصهيونية؛ والأخرى رواية الطبقة الوسطى وأصحاب النزعة المدينية» وهذا 
مستوى آخر وهنا يؤكد الفلاح مشاركة القرى ودورها الوطني ويسلط الضوء 
على التهميش الذي لحق بها ممن امتلكوا القدرة والإمكانات المادية والثقافية 
لكتابة التاريخ وأهملوا القرى» وتأتي رواية المرأة الفلاحة للرد على رواية 
الفلاح الرجل والرد على الروايات الأخرى التي ذكرت آنقَاء أي إن دراسة 
رواية الفلاحة الفلسطينية للنكبة إنما توفر قيمة معرفية مهمة إلى جانب قيمته 
في طرح رواية الفلاحة نفسها عن النكبة» فهي - كرواية مهمشة - تغدو وسيلة 
أساس لتحديد الرواية المهيمنة وكشف هيمنتها. 


من المهم الإشارة إلى ما تورده الباحثة روشيل ديفيس عن الكتب التذكارية - 
كما تسميها - التي ونّقت القرى الفلسطينية قبل النكبة بقولها: «لم أستطع العثور 
في الكتب التذكارية أو في مجموعات التاريخ الشفهي باللغة العربية على أية رواية 
لامرأة فلسطينية عن الحياة قبل سنة 81948*» ويمكن من خلال البحث في أي 
شهادات منشورة ضمن أي مشروع لتوثيق الشهادات الشفوية عن النكبة ملاحظة 
هذا التهميش الفادح بحق شهادات النساء» فمثلا يقدم موقع «فلسطين في الذاكرة» 
عبر جهده التوثيقي المتقدم واللافت لفلسطين والنكبة 621 مقابلةة مصوّرة عن 
التكبة وما قبلهاء تغطي 395 موقعًا من قرية ومدينة بواقع شهادتين على الأقل 
لكل موقع؛ ويقرابة ثلاثة آلاف ساعة مسجلة:؛ إلا أن حصة النساء من المقابلات 
لا تتعدى الأربعين من أصل 621 مقابلة”7©! وهذه الحال تنطبق على أغلبية جهد 
التوثيق وكتابة التاريخ الشفوي وربما بنسب أفدح. 

تختلط فى هذه المستويات كلها العوامل الأيديولوجية بالعوامل المنهجية» 
فهنالك ضغط من أيديولوجيا عامة قد لا يعي تأثيرها الباحثون ساهمت في 


- الاهتمام بأصحاب الشهادات وجعلهم هم موضوع البحث فجاء في مرحلة لاحقة. 
(34) روشيل ديفيسء «روايات الفلاحين: مصادر الكتب التذكارية لتاريخ قرى القدسء» محلة 
الدراسات الفلسطيتية» الستة 15ء العدد 58 (ربيع 4))»)). ص 157. 
(35) .<لصطط. 5161151 كلع هناكا ]ءوبأ جعاما/ مك تآله0 لسمه. ل ءمعطصت مجعو نلى لمم ببحم مط 


416 


التهميش» وفي الوقت نفسه من أيديولوجيا يفرضها المجال السياسي» هي 
أيديولوجيا الالتزام الوطنيء وبالتالي فإن هيمنة هذه الأيديولوجيا التي تفرض 
نفسها على مجمل كتابة التاريخ الشفوي تجعل الواقع المعقد أكثر تعقيدًا في 


يقع الباحث على عدد من المآخذ النقدية على من أولوا اهتمامهم للقرية 
والفلاح في سبيل إعادة كتابة فلسطين قبل النكبة وخلالها بالاعتماد على التاريخ 
الشفوي. ويغلب تصور عام على هذا الجهد. هو التصور الساعي للوصول إلى 
«صورة4 عن حياة القرية الفلسطينية قبل النكبة» ويمكن القول إن هذا التأثير آت 
من كون الباحثين الذين توسعوا في استخدام التاريخ الشفوي كانوا أنثروبولوجيين 
ودارسي فلوكلور بالدرجة الأو وكان الاهتمام بروح من الحنين إلى القرية 
والريف بمنطق برجوازي يحتفي بالفلوكلور”. مما لا شك فيهء كانت هنالك 
نزعة للتوثيق» لكن نزعة البحث عن الفلوكلور والحفاظ عليه والحنين إلى زمن 
مضى كانت طاغية» وكان العمل كله مهجوسًا برسم صورة متكاملة للقرية قبل 
النكبة فى ما يشبه حنيئًا تذكاريًاة*© مثل الصور وما تحمله من حنين إلى زمانها. 
ومن أهم المشروعات التي انشغلت بهذا الجانب مشروع توثيق القرى المدمرة في 
جامعة بيرزيت»”” ومجلة التراث والمجتمع الصادرة عن مركز إنعاش الأسرة». 


(36) آمال بشارة» «الرواية الشغوية: تفاعل دائم مع الحاضر والمستقبل:» حق العودة» العدد 20 
(2006))» ص 8. 

(37) عبد الله العرويء الأيديولوجيا العربية المعاصرة (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي» 
5 )») ص 209-208. 

(38) ترصد روشيل ديفيس في مقالة مهمة ظهور «الكتب التذكارية» في فلسطين وترى أنها نوع 
من الرواية الشفوية التي تعرض لحيوات فلاحين بسطاء لا يردون في المصادر الرسمية ومن مجمل 
العرض النقدي الذي تقدمه تتضح العناية بالجانئب التذكاري والحنين إلى شكل زال من الحياة. ديقيس» 
«روايات الفلاحين». 

(39) عرض واف عن المشروع في: ديفيس» ص 155-154. 

(40) كانت هذه المجلة - الأطول عمرًا من بين المجلات العلمية في فلسطين - تهدف إلى 
حفظ التراث الفلسطيني والفلوكلور وتفرد مساحتها الأكبر لكل أشكال الحفظ والتوثيق» وتزخر 
بالإعلانات عن إمكان شراء أي ماديات فلوكلورية متوافرة لدى القراء» ويمكن بسهولة ومن قراءة ب 


47 


في مقاربة لافتة يضع سليم تماري هذه النزعة في سياق يخدم فحص 
علاقة هذه المشروعات بأيديولوجيا الالتزام الوطني» فيقول: إن ثقافة المقاومة 
الجماعية في فلسطين والشعور بالحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي 
أدى دورًا في تعزيز الشعور العام بين المواطنين للتقليل من شأن النزاعات 
الداخلية» وتحت شعار الوحدة الوطتية جرى التقليل من شأن الخلافات 
والتباينات مع الدعوة إلى ضرورة تأجيل البت فيها في الوجدان الجماهيري .. 
وخلال العقود الأخيرة استند مفهوم المصير المشترك إلى قاعدتين تمحورت 
إحداهما حول الحفاظ على التراث الشعبي التقليدي كما يتجلى من خلال قيم 
الريف باعتبارها جوهر الروح الفلسطينية» وقام عدد من المثقفين والأكاديميين 
الناشطين في الجمعيات الفلوكلورية بالسعي إلى إحياء التراث بهدف حماية 
الثقافة الوطنية الفلسطينية من الاندثار كتتيجة لقوى الاحتلال الاستعماري 
والحداثة» خصوصًا فى الحركات الإحيائية خلال السبعينيات والثمانينيات من 
القر ن الفائت» أما القاعدة الثانية فانطلقت بعنفوان منذ أوائل التسعينيات وهي 
حاملة لواء الإحياء الإسلامي كما تبنّته الحركات الإسلامية»!7. 


يتابع تماري بعد ذلك: «إن هذين الاتجاهين - يقصد الأكاديمي العلماني 
المشغول بالتراث والإسلامي السياسي - وعلى الرغم من الاختلافات بينهما 
فإنهما يلتقيان حول نقطة ضرورة إحياء الماضي باعتباره النموذج الأعلى للوئام 
الاجتماعي؟. وهذا توصيف دقيق يفتح المجال لفهم الإعراض عن كل مايخل 
بصورة الماضي الجميلء فما بالك بما يخل بذاك الوثام الاجتماعي» ولا شك 
في أن هناك حنيئًا عارمًا يتسم به البحث التاريخي الفلسطيني بأساليبه غير 
التقليدية ولدى أغلبية الفئات الباحثة» ويمكن رصده عبر تحليل خطاب أولئك 


> المقدمات الافنتاحية للأعداد في مراحل السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعيئيات ملاحظة الخوف 
على التراث من الضياع والسعي لحفظه بأي طريقة ممكنة. انظر: عباد خالد عبد يحبى؛ «مساهمة في 
نقد الاتشغال العربي بثنائية المعرفي/ الأيديولوجي: : الحالة الفلسطينية مثالا» (رسالة ماجستير في علم 
الاجتماع» جامعة بيرزيت» رام الله 3). عرض وتحليل لرؤية المجلة وأهداقها وخخطابها. 
(41) سليم تماري» الجبل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية (رام الله: 
المؤسسة الفلسطيئية لدراسة الديمقراطية [مواطن]؛» 2005)» ص 54-52. 


08 


الباحثين أو عبر مساءلة منجزهم البحثي» وكما قال سليم تماري بلغة صريحة 
لاتحمل موارية فى مقابلة معمّقة معه إن «هناك حنيئًا أقرب إلى النوستالجيا 
لدى الجميع وكل منا يكتب تاريخ أصله الاجتماعي26©. 

يتضح مما سبق كيف مارست نزعات مختلفة ومتباينة فعلها في كتابة التاريخ 
غير الرسمي وفوقها كانت أيديولوجيا الالتزام الوطني تضغط على الباحث 
وصاحب الشهادة وعلى العملية البحثية برمّتها وتهيمن على أي منتوج بحثي 
وتجعل إمكان معارضتها خيارًا غير وارد ولا مرغوبء ومن ناحية إجرائية عملية 
يمكن رصد عدد الملاحظات على أشكال تأثير التهميش والأيديولوجيا السائدة 
في التاريخ الشفوي وعملية الحصول على الشهادات» ومن هذه الملاحظات: 

- الهدف من البحث وأسئلة الباحث: يتم الاهتمام بتدعيم التصورات 
المسبقة والعامة المتناقلة عن النكبة وتتشابه أسئلة الباحثين فى أغلبيتها كأن 
الباحثين يبحثون عن تأكيدات لما لديهم من معلومات وروايات ولا يطمحون 
للوقوف على روايات لا يعرفون عنها شيئًا وتسقط من الرواية السائدة» ولعل 
التشكيك الكبير الذي جوبهت به الرواية الشفوية من حيث الوثوقية والصدق 
لتكون على القدر نفسه من الوثئوقية والصدق في الوثائق المكتوية» جعل 
الباحثين نسبيًا يقبلون كما من المعلومات التي يودون التأكد منها أو التثبت من 
صدقية رواية الشهود أكثر من الاهتمام بروايتهم بحد ذاتها ومركزتها. ومن هنا 
يمكن فهم أن التوقف عن إثارة أسئلة تخل بصورة الوثام الاجتماعي قبل التكبة) 
وتسقط الحراك الاجتماعي الذي أحدثته النكبة وما نتج منها في حياة المهمشين 
والبسطاء. لا يعني تطابق الرواية الشفوية مع الرسمية أن التهميش غير موجود. 
بل الأهم في هذه الحال محاولة تفسير هذا التطابق وأسبابه» ولماذا تكاد تتشابه 
بشكل كامل مرويات الجميع عن حدث هو فعليًا مجموعة كبيرة من الحوادث 
التي حصلت في مناطق مختلفة وبأحوال متباينة» ولعل الاستماع إلى مجموعة 


020) سليم تماري» مقابلة شخصية» رام الله تموز 2012»: ويمكن الاطلاع على ملاحظات 
عابرة في مراجعة ديفيس للكتب التذكارية تتحدث فيها عن كون الباحثين مهتمين بقراهم التي ينتسبون 
إليها عند البحث. ديفيس» ص 157-153. 


419 


كبيرة من المقابلات مع اللاجئين يوضح إلى أي حد ترسخت قصص وروايات 
بشكل كبير يرويها الناس كأنهم عايشوها على الرغم من أنهم لم يتصلوا بها قط. 
- اختيار الشهود: هنالك استسهال واضح في اختيار أصحاب الشهادات 
الشفوية» ولعل تركز أصحابها في المخيمات هو ما قاد إلى الاكتفاء بالتوجه 
إلى المخيمات”» وأخذ شهادات وإجراء البحث بناء عليهاء مع الإشارة إلى 
أن المخيمات باتت مواقع لإعادة إنتاج الرواية الرسمية عن التكبة» وهذا جانب 
مهم من فهم كيف يتبنى المهمشون الرواية الرسمية وكيف يرددونهاء ومن هنا 
تمكن ملاحظة أن الشهادة للمرأة من قرية المغلس حافظت على فرادتها ريما 
لأن الشاهدة لم تعش في المخيم ولم تواكب إعادة إنتاج الرواية الرسمية وتبنيها. 
والأهم في هذا السياق أن البسطاء كما يقول سويدنبرغ يدفعون بمن يعتقدون 
أنهم خبراء بهذه الأمورء وهم رجال متكلمون وشيوخ» ويُدفعون بسبب مكانتهم 
الاجتماعية والتعليمية وعلاقاتهم السياسية**)» وهذا يؤدي بالضرورة إلى تهميش 
واضح لروايات أخرى وإعادة تكرار الرواية الرسمية وانزواء المرأة بعيدّاء 
فالحديث مع الغرباء من اختصاص الرجال وتحديدًا في شؤون عامة9*, 


- التأربخ الشفوي كمهمة وطنية: لعل هذه هي المعضلة الرئيسة في هيمنة 
أيديولوجيا الالتزام الوطنيء فالباحثون في هذا المجال يرون أن عملهم في جزء 
كبير منه معلنًا كان أم مضمرًا هو عمل وطني يسعى إلى حفظ رواية أصحاب 


(43) من اللافت أن قطاع غزة شهد في فترات مختلفة طفرةً ة في السعي إلى توثيق الشهادات 
الشفوية؛ ويظهر هذا مثلّا من خلال كم البحوث التي ينجزها طلبة التاريخ في جامعات القطاع؛ ويمكن 
القول من دون الجزم أن توافر الأعداد الهائلة من اللاجثين في القطاع وسهولة الوصول إليهم يغري 
يالبحث في هذا الجانب. 

)44( سويدنبرخ» ص 18. 

(45) يعزو سويدنبرغ هذا التحفظ من النساء والتحفظ بشكل ما في سرد الرواية الشفوية لدى من 
قابلهم في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات في أثناء بحثه في ثورة 1936 إلى «الأحوال السياسية 
الحالية أو يسبب معاناة الفلاح الطويلة من المشاكل التي يسببها الغرباء»» وإن لم يكن القول يحمل قطمًا 
واضحًا فإنه يشير بوضوح إلى أحوال سياسية تهيمن على الشهادات الشفوية» وفعليًا فإن المرحلة التي 
أجرى فيها بحثه كانت مرحلة تشهد هيمنة واسعة لأيديولوجيا الالتزام الوطني وصولَا إلى الانتفاضة 
الأولى التي شكلت ذروة هذه الهيمنة. 


5|[0 


الحق. ويظل هذا الشعور يخامر الباحثين مع كل سؤال وبحث. وبالتالي فإن 
تأثيرًا واعيًا ولا واعيًا يحكم العملية البحثية برمّتهاء ويدفع الباحث للوصول 
إلى نتائج ومعلومات لا تتعارض مع هذا العمل الوطني ولا تتعارض مع صورة 
الفلسطيني كصاحب حق وضحية وبطل في الوقت عينه. ولعل جانيًا مهما 
من هيمنة أيديولوجيا الالتزام الوطني أنها تدفع الباحث بطريقة غير واعية في 
الأغلب لمنح عمله البحثي قيمة ومعنى وطبّك وتدفع من يخضعون لها للسؤال 
عن جدوى ما يقدمونه في ضوء التزام بالقضايا الوطنية» وربما لا تفلح الكتابة 
عن هذا الدافع أو السيناريو في الوقوف عليه بطريقة وافية وإظهار الكيفية 
التي يؤثر بها في الباحثين ويمكن أن يكون هذا شقًا آخر من البحث في تأثير 
أيديولوجيا الالتزام الوطني في الباحثين في التاريخ الشفوي. 


يمكن الوقوف على ملامح كثيرة للهيمنة على مجمل العمل البحثي 
وصولا إلى الكتابة والنشرء ولعل أهمية دراسة الأيديولوجيا السائدة وأثرها في 
الكتابة التاريخية والبحث الاجتماعي برمته يأتي من أنها ملازمة لكل مراحل 
الحطلية اندي وثمارسن تأثرها بطريقة واعية وغير واغية. 


رابعًا: لماذا من المهم الوقوف على هذه الرواية المهمشة تحديدًا؟ 


«إن كل عملية التأريخ الشفوي هي بالضرورة إعادة تجميع لأحداث وقعت 
بعد الحدث نفسه» لذلك نجد أن كل هذه المجالات تهتم بتفسير أحداث الماضي 
ومعرفة أهميتها في الوقت الحاضرء إن الروايات الشفوية نجدها متميزة في إبراز 
معنى الماضي في وقتنا الحالي. في محاولتنا للتعامل مع هذه الروايات ليس 
فقط باعتبارها مجرد «حقائق؟ يتم الاعتماد على تحليل التفسيرات التي تعطيها 
هذه الروايات للحقائق والبحث في المؤثرات التي تؤثر في تحليل الحقائق بهذا 
الشكل؛ ويذلك توجه الباحثون إلى مجال عمل أغنى وأوفر إنتاججًا. إن تحليل 
التاريخ الشفوي يقودنا إلى القضايا السياسية المهمة. مثل مسألة الوعي التاريخي 
للناس ومعنى النضالات السابقة في وقتنا الحاضرة!. 


(46) سويدنبرغ: ص 18. 


501 


يبدو اقتباس سويدنبرغ غاية في الأهمية هناء لأن الرواية التي كانت 
المحرك وراء هذه المساهمة ربما تثير التساؤل عن أهمية طرحها في ما يتجاوز 
مجرد حفظ رواية فئة مهمشة أو أكثر تهميشًا على الرغم من أهمية هذا الجانب» 
إلا أن هنالك جوانب أخرى من الأهمية» منها أن هذه الرؤية للنكبة كحدث 
قلب ميزان القوى الاجتماعية والاقتصادية وساهم في حراك اجتماعي لدى 
عوائل لم تكن تملك الأرض» ساهمت بشكل كبير في سلوك وموقف كثيرين 
من الحركة الوطنية ونضالاتها والانخراط فيهاء فتحديد هدف النضال على أنه 
استعادة الأرض لم يكن يلاقي صدى لدى هؤلاء كونهم بلا أرض» وكون تلك 
المرحلة كانت مرحلة امتهان وقهر وكدّء وشكلت التكبة حدثًا قاد إلى حراك 
اجتماعي وتغير في أوضاعهم الاجتماعية وقلب التراتبية داخل المجتمع وكل 
معاييرها. وحلت أدوات جديدة لكسب رأس المال الاجتماعى وتعزيزه وتبدد 
عدد من مقوّمات رأس المال الاجتماعي التي كانت سائدة قبل النكبة'7©. 


إن التعبير عن أهداف النضال الفلسطيني وحصرها في قضية استعادة 
الأرض لا يمس بشكل مباشر هذه الفئات من النساء اللواتي لم يكنّ يملكن 
الأرض ويحرمن مع عائلاتهن منها أو تحرمهن عائلاتهن منهاء ولعل أفضل 
تعبير عن هذه الحال كانت تجربة شخصية رواها لي أحد أبناء عائلة العزة في 
سياق التثبت من الشهادات عن العلاقة بين قرية أهله ابيت جبرين؟ والقرى 
المجاورة» وفي لحظة صراحة واضحة عاد بذكرياته إلى الانتفاضة الأولى عند 
مدخل مخيم العزة في بيت لحمء حين كان هو ومجموعة من الفتية يرمون 
الحجارة على الدوريات الإسرائيلية من أمام بيت امرأة عجوز كانت تصرخ 
عليهم وتطلب منهم الابتعاد حتى لا يقتحم الجنود بيتهاء وفي هذه الأثناء نادت 
أحد الأو لاد الصغار وقالت له أمام الجميع: مش انت ابن فلان؟ طيب هذول 


(47) هنالك الكثير من الشواهد الأدبية والفكرية على هذا التبدل ولعل واحدةً من أهم الإشارات 
إلى تبدل قيمة رأس المال الاجتماعي هو ارتفاع قيمة الشهادة العلمية الجامعية ومساهمتها في تحسين 
أوضاع حامليها؛ فحلت الشهادة العلمية محل الأرضء وأصبح رأس المال مرتيطا بالعلم أكثر من ملكية 
الأراضي أو النسبة إلى عائلة أو حمولة ذات متعة وقوة» ولعل العمل الدرامي «التغريبة» عالج هذه 
المسائل بفرادة قل نظيرها. 


502 


ولاد العرّة إلهم أرض يقاتلوا عشانها وإنت شو إلك؟ أبوك ما عندوش طول 
“عضوه “4989 أرض في البلاد! لشو بترمي حجار؟ [!1. 


يمكن رصد عدد من الحوارات اليومية ذات الطابع القريب وتناقش هذه 
الفكرة العامة عن أصحاب الأرض والنضال لاستعادتها وعن آخرين لا أرض 
لهم وعلى الرغم من الإشارة النقدية في عدد من الدراسات الباحثة في شأن 
التأريخ الشفوي فلسطيئيًا إلى أهمية الابتعاد عن التغني بالماضي وتصويره 
بصورة مثالية كما تقول ديفيس إلا أنها تستدرك وتقول: «بالنسبة إلى كثير 
من اللاجئين كانت الحياة في قراهم بصرف النظر عن مقدار صعويتها أفضل 
بكثير من الحياة التي اضطروا إلى عيشها في المخيمات بعد 1948 ... وغالبًا 
ما تنجز هذه الكتب - التذكارية - من الشهادات الشفوية المُستقاة من رجال 
ونساء عاشوا حياة زراعية ثم أصبحوا فجأة بلا أرض» لقد كان ماضيهم أفضل 
58 - 
حمًاة”؟؟» يُحيل هذا كله بصورة مباشرة إلى آخرين لم تكن حياتهم أفضل لأنهم 
لم يكونوا يملكون الأرض» وأصبحت ضمن هذه المقاييس المعيشية أفضل 
بعد النكبة. إن إسقاطهم من كل الرواية يهز صورتها باعتبارها رواية مهمشين» 
لأنهم بسبب كل ما سبق وهيمنة أيديولوجيا الالتزام الوطني؛ الأكثر تهميشًا"". 


خاتمة 


يقابل الكتمان الذي تحدث عنه سويدنبرغ؛ #الصمت» كما تحدث عنه 
بشارة دومانى فى مقالته اللافتة «المحذوفون من السرد التاريخى». إلا أن 
الصمت هنا أقرب إلى «التصميت» الذي مارسه كتبة التاريخ الأوروبيون 
حيال الفلسطينيين أهل فلسطين حين كتبوا عنهاء فيقول: «إن الهوس بالأرض 


(48) قالتها بالعامية. 

(49) ديفيس» ص 58. 

(50) يرى كثيرون أن الوقوف على الرواية الشفوية للاجئين يساهم في الوصول إلى حلول 
غير حصرية وعادلة للتهجير وكل تبعاته» وهذا جانب مهم في سياق الحديث عن أهمية هذه الروايات 
وطرحها في العلن. انظر: يشارة» ص 8. 


5303 


ومستلزمات الصراع تطلبان تغييب السكان بالصمت عندما تعلق ذلك بتركيب 
بشأن السكان» وإنما هو بالأحرى جزء من عملية إنتاج المعرفة نفسها. إن هذا 
الحذف الاستطرادي على الرغم من خفوت تأثيره بمرور الزمن إلا أنه تغلغل 
عميمًا في الكتابات الأكاديمية والعادية على حدّ سواء خلال القرن العشرين» 
وقد انتهى به الأمر منذ عشرينيات القرن الماضي إلى تضبيق مجال هذه 
الكتابات إلى حد كبير وانشغالها بالصراع السياسي الرسمي بشأن البلد7©. 

المفارقة أن التصميت انتقل إلى الباحثين المهتمين بالرواية الفلسطينية 
وساهمت الأيديولوجيا السائدة في فرضه عبر رؤيتها كل ما يجري كجزء من 
الصراع السياسي مع إغفال الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية كلها الكامنة 
تحته» ولا بد من الإقرار بأن كل كتابة للتاريخ - وهذه ميزة وقيمة ساحرة - تحيل 
على تهميش ما تشي به ولا تفلح في ستره بشكل كاملء ولعل التاريخ الشفوي هو 
الأقدر على إزالة التهميش وكشفه لأن مادته الحياة والمعنى. وفي ظل أيديولوجيا 
الالتزام الوطني وهيمتتها في الماضي والحاضرء وفي ظل النزعة الذكورية التي 
تحتكر الحديث عن الحوادث الجسام وتتفشى إلى مجمل الرواية الفلسطينية 
للنكبة» بات التاريخ الشفوي الذي يفترض أن يجابه الرواية الرسمية ويفرد 
مساحاته الأوسع للمهمشين وروايتهم» بات يوجد تهميشات من نوع آخر. 

لعل نظرة عامة في ضوء ما سبق وعودة إلى مدخلنا الرئيس في هذه 
الفلسطيني لها؛ متسم بالتجزئة والضياع والكتمان» ويوجد تهميشات مركية» 
والأهم أن سيف الوقت يهدد رواية النساء الفلاحات اللواتي عايشن النكبة» 
وإن كان الباحثون والمهتمون بالتاريخ الشفوي للنكبة بتجميعهم المقابلات 
المتوافرة كلها حتى الآن يعتقدون أنهم أنجزوا الجزء الأهم من مهمتهم؛ فإن 
صوت المرأة الفلاحة سيظل مغيبًا إلى الأبد ما لم تتم العودة إلى جمع شهادات 


(51) دوماني؛ ص 0 


04“ك5 


شفوية مركزة ومحددة على النساء اللواتي عشن خارج الرواية الرسمية ومواقع 
إعادة إنتاجها. 

لعل تخفف الباحثين أو رفضهم هيمنة أيديولوجيا الالتزام الوطني سيفتح 
المجال للوصول إلى فهم أفضل للتكبة» لا كحدث خارج التاريخ الفلسطيني 
ومتعال عليه بل كحدث رئيس ضمن متتالية حوادث يمسك أحدها بتلابيب 
لاحقه ويؤثر فيه وصولا إلى الحاضر. 


المراجع 
1 - العربية 


كتب 
تماري» سليم. الجبل ضد البحر: دراسات في إشكاليات الحداثة الفلسطينية. رام 
الله: المؤسسة الفلسطيئية لدراسة الديمقراطية - [مواطن]: 2005. 


الحوتء بيان نويهض. القيادات والمؤسسات السياسية فى فلسطين» 1917- 
8. ط 2. عكا: دار الأسوارء 1984. 


الخالدي» وليد [وآخ.]. كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 
8 وأسماء شهدائها. ترجمة حسنى زيئة. بيروت: مؤسسة الدراسات 
الفلسطينية» 2001. 

عبد الجواد. صالح. «لماذا لا نستطيع كتابة تاريخنا المعاصر من دون استخدام 
السنة 16» العدد 64» خريف 2005. 

العرويء عبد الله. الأيديولوجيا العربية المعاصرة. الدار البيضاء: المركز الثقافي 
العربي» 1995. 

. مفهوم الأيديولوجيا. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي» 1993. 

فرّو» قيس ماضي. المعرفة التاريخية في الغرب: مقاربات فلسفية وعلمية وأدبية. 
الدوحة: المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات» 2013. 





505 


كتاب أبحاث المؤتمر العلمي - التاريخ الشفوي: الواقع والطموح. غزة: الجامعة 
الإسلامية - كلية الآداب» 2006. 

هلال» جميل. إضاءة على مأزق النخبة السياسية الفلسطينية. بيروت: مؤسسة 
الدراسات الفلسطينية» 2013. (القضية الفلسطينية: آفاق المستقبل؛ 1). 


دوريات 

بشارة» آمال. «الرواية الشفوية: تفاعل دائم مع الحاضر والمستقبل.» حق العودة: 
العدد 20» 2006. 

دوماني» بشارة. «المحذوفون من السرد التاريخي.؛ مجلة الدراسات الفلسطينية: 
السنة 21» العدد 84» خريف 2010. 

ديفيس» روشيل. #روايات الفلاحين: مصادر الكتب التذكارية لتاريخ قرى 
القدس.» مجلة الدراسات الفلسطينية: السئة 15» العدد 58» ربيع 2004. 


سويدنبرغ» ثيودور. «بعض قضايا التاريخ الشفوي: ثورة 1936 في فلسطين.0 
نشرة أبحاث بيرزيت: العدد 2» 1985. 


در اسات 


يحيى» عباد خالد عبد. #مساهمة في نقد الانشغال العربي بثنائية المعرفي/ 
الأيديولوجي: الحالة الفلسطينية مثالا.6 رسالة ماجستير في علم الاجتماع؛ 
جامعة بيرزيت» رام الله» 2013. 


2- الأجنبية 


إل برومامء350 116 10 :مأاعلثل111<0 جل اومان فته رومام122 .امقكا ,دمتعطسمموقة 
80019 نوع نحنة11) .[1936] رععة:8 لتنامعقة1آ1 الكملا بجوء1! .ععولءاسو ل 

عتتات 7821 101 عتتاتاكما تتماء8 ,948[ ععازله) ««مثر عمط ابمناعواو2 17:2 علولة! بلمححدلط 
(49 .20 بكك 5621 كأجهع 74020 .كع نط5 عنتتاى لو :10 علتاتاكمآ) .1978 بكعتلناذ 

دعاأومءآ 4 ,كه 07121[الثأونكغ1[ 0) كاتوعموءط مط :كرروأدزاعه |22 .لإتقتدء105 رطعازة5ك 
تنه طاادا 5برع عنصا درمة طعاتزد5 ووعرعدمظ 69 0ع70مع16 ,تررماكاك 


:5 املللقصمطن) صههل8 زط ممتاءنالمعاصا سه طتاب بومسقطعط مذ كسمقتملاوء1اوم 
(3 .20 بز5ع5621 أففط 5410016]) .1979 رووعرط لع2ة 


506 


الورقة التاسعة عشرة 


أهمية الرواية الشفوية في توثيق تهجير 
الفلسطينيين في عام 1948 
رفرى فضاء طوثتكرم: دراسة حالة) 


عبد الرحيم غانم 


مقدمة 


تُعنى هذه الدراسة بجمع الرواية الشفوية لسكان القرى المهجرة والمدمرة 
في قضاء طولكرم”'" البالغة حوالى ثماني عشرة قرية هبرت ودُمرت في حرب 
عام 1948. 

تأتي أهمية التاريخ الشفوي في الحقول التطبيقية الاجتماعية والثقافية 
والسياسية والاقتصادية مثل أهمية الوثائق والمصادر المكتوبة» ولا سيما أن 
الراوي على مر التاريخ كان من المصادر الأولية الرئيسة لنقل تاريخ الأمم 
والشعوب وإنجازاتها قبل انتشار الورق والمطابع ووسائل الاتصال الحديثة 
والمعاصرة. 


() القرى المهجرة المدمرة في قضاء طولكرم في حرب عام 8 2532: أم خالد وبيارة حنون 
وتبصر والجلمة وخخربة بيت ليد خخربة الزبايدة وزلفة والمجدل ورمل زيتا وفرديسيا وقاقون وكفر سابا 
وغابة كفر صور ومسكة والمئشية ووادي الحوارث ووادي القباني وفزازة ويرج العطعوط. 


507 


يرى الباحثء. أن من مبررات استخدام الرواية الشفوية في دراسة الحالة 
التى تعنى بها هذه الدراسة» أي عملية التهجير القسري للفلسطينيين في 
رت عام 21948 هي» كما يقال» أن التاريخ ملك المنتصرين» وهذا صحيح 
لأن روايات القتلى والمنهزمين والخاسرين نادرًا ما تجد طريقها إلى أقلام 
المؤرخين وأيديهم ومسامعهم. 

تأتي أهمية التاريخ الشفوي في دراسة هذه الحال أيضًا بسبب النقص 
الشديد في الأرشيف الوطني الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام؛ 
ولتكوين أرشيف وطني فلسطيني يخرج رواية فلسطينية موازية للرواية 
الصهيونية عن حرب عام 1948» ومن المعروف أنه لا يوجد رواية فلسطينية 
رسمية إلا في صدور من عايش النكبة ونتائجهاء» وفي المقابل هناك رواية 
رسمية إسرائيلية عن مجريات الحرب. ْ 

من الأهمية أن نذكر أن هناك مأساةً وطنية ثقافية حدثت يُعَيد الحرب. 
حيث إن هناك الآلاف من الشهادات التي لم تسجل لنساء ورجال وأطفال 
عاصروا التنكبة وذاقوا مرارتها واكتووا من التهجير القسري لم يكتب تاريخهم 
ولا معاناتهم في وثائق ولا أرشيفات الدول ولا المؤسسات الدولية مثل الأمم 
المتحدة والصليب الأحمر. وإن وجدت تبقى طي الكتمان. 


بعد منتصف ثمانينيات القرن الماضى بدأت المؤسسات العلمية والثقافية 
الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة تسابق الزمن كي تجمع الروايات الشفوية 
من النساء والرجال الذين هجروا قسرًا في عام 1948 وكتبت لهم الحياة 
حتى ذلك الوقتء وكنتٌ أحد طواقم العمل الميداني الذي أوكل إليه جمع 
الروايات الشفوية من أهالي القرى المدمرة والمّهجرة في عام 1948» من 
خلال العمل في مركز الأبحاث في جامعة بيرزيت» ثم في جمع الروايات 
الشفوية وتوثيق القرى الفلسطينية المدمرة في جامعة القدس المفتوحة بمساعدة 
طلاب خريجين: حيث أنجز توثيق أغلبية القرى المهجرة والمدمرة في الساحل 
الفلسطيني من قضاء حيفا وقضاء طولكرم ويافا. 


508 


من الجدير ذكره أن كبار المؤرخين العرب واليهود الذين وثقوا وأرخوا 
للنكبة اعتمدوا على الرواية الشفوية باعتبارها أحد المصادر الأولية أمثال 
روزماري صايغ وشريف كناعنة وسلمان أبو ستة ووليد الخالدي في كتايه 
كي لا ننسى - وكنتٌ ممن ساهموا ميدانيًا في جمع الرواية الشفوية وتصوير 
المواقع لهذا الكتاب - كما أن المؤرخ الصهيوني بني موريس اعتمد في كتابه 
طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين على الرواية الشفوية» ولا ننسى 
المؤرخ اليهودي إيلان بابه الذي اعتمد في كتابه التطهير العرقي في فلسطين 
في عام 1948 على الروايات الشفوية الفلسطينية على الرغم من أن الأرشيف 
الصهيوني كان متاحًا له. 

لا نبالغ حين نقول إن التاريخ الشفوي في الحالة الفلسطيئية أصدق من 
الوثائق المكتوبة والبيانات العسكرية للعصابات الصهيونية ودولة إسرائيل» حيث 
وجدنا من خلال روايات المهجرين أن عشرات المجازر والمذابح وعمليات 
القتل التى انتهجتها العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلى فى ما يعد كان 
مخططًا لها مسبقّاء وأن كثيرًا من الأوامر العسكرية بالقتل والتطهير العرقي كانت 
بالإشارة والتلميح لا بالتصريح من القادة الكبار» وعلى سبيل المثال لا الحصرء 
عندما أمر بن غوريون بطرد أهالي مدينتي اللد والرملة قال: «أريدها نظيفة»» من 
دون أن يكتب هذا بالأمر العسكري للقادة العسكريين والضباط الميدانيين. 


أولا: هجرة الفلسطينيين في قضاء طولكرم 
(من وجهة نظر المهجرين) 


قُدّمت فى الماضى نظريات عدة لتفسير أسباب هجرة الفلسطيتيين من 
مدنهم وقراهم بين عامي 1947 و1948» ولهذه النظريات كلها دوافعها 
وغاياتها. تبنى الرسميون الإسرائيليون نظرية تقول إن الفلسطينيين تركوا 
أراضيهم بسبب التحريض العربي لهم على الهجرة. قيل في هذا السياق إن 
الإذاعات العربية وقادة الجيوش العربية الميدانيين طلبوا من عرب فلسطين 
الابتعاد عن ساحات القتال لتمكين الجيوش العربية من إبادة إسرائيل فتسببوا 


509 


فى هجرة جماعية للفلسطينيين. رد العرب على هذا الادعاء الإسرائيلي بالقول 
إن طرد اللاجثين من بيوتهم جاء نتيجة مؤامرة صهيونية مُخطط لها جيدًا هدفت 
منذ البداية إلى طرد جميع الفلسطينيين من أراضيهم ونقلهم إلى الدول العربية 
ا ا يه وقيل أيضا إن الفلسطينيين 
هاجروا في إثر المجازر التي ارتكبتها الحركة الصهيونية في بداية القتال» 
خصوصا مذبحة دير ياسين التي قصد منها ترويع الفلسطينيين وتوم إلى 
الهجرة. قال آخرون إن الفلسطيئيين هاجروا بسبب الجهل الذي كان مستشريًا 
بينهم ولجهلهم بالعواقب المترتبة عن عملية اللجوء؛ أو بسبب الخوف على 
حياتهم وحياة أبنائهم ونسائهم وأعراضهم... إلخ. 

لن نعرض في هذا البحث خلفيات هذه النظريات ودوافعها السياسية» 
لكننا سنختبر مدى صحتها في ضوء دراستنا روايات اللاجئين الذين قابلناهم» 
خصوصًا أولئك الذين عاصروا حوادث الحرب والنكبة. 


1- نظرية التحريض العربي 


أنكر معظم الرواة (99 في المئة) الذين تجاوزوا الستين عامًا ممن 
قابلناهم والذين عاصروا الهجرة أنه سمع أي تحريض على الهجرة من القادة 
أو الجيوش العربية. وقال بعض الرواة إن الجيوش العربية وقادتها الميدانيين 
شجعوه على البقاء في مدنه وقراه» بل وأجبروه على ذلك بالقوة» كما أفاد بعض 
الرواة: #والله بالقوة الجيش العراقي بقى يرجع بعض العائلات التي هريت من 
الخوف1©. 

واحد في المثة من اللاجثين قال إنه سمع بشكل غير مباشر عن دعوات من 
القادة العرب أو قادة جيش الإنقاذ لإخلاء قراهم ومدنهم موقتًا بسبب القتال. 
وعبّر معظمهم عن اعتقاده أن هذه اللعرات لم كل أكر اين لاعت تناقلها 
بعض الناس جهلاء أو أن العصابات الصهيونية هي التي كانت تقف وراءها. قال 


(2) أبو محمود. مخيم طولكرم, مقابلة بتاريخ 2011/11/15. مهاجر من قرية قاقون. 


510 


أحد الرواة2: #الجيوش العربية قالت: اطلعوا من وجه الجيوش على الجبال حتى 
إحنا نحررها. أنا سمعت هيك (هكذا) من الناسء أما من الإذاعات ما سمعتش 
(لم أسمع). سمعت من إشاعات الناس. قالوا إنه سبع جيوش عربية دخلت». 
وهكذا قالت لاجئة من أم خالد تقيم في طولكرم اليوه". 

صحيح أن معظم الرواة الذين عاصروا الهجرة وهم من القرويين» لم 
يمتلك أجهزة راديو خاصة به في ذلك الوقت. لكنه كان يستمع إلى الإذاعات 
العربية من خلال أجهزة راديو قليلة» بعضها عمومي وفرتها سلطات الانتداب 
لبعض المخاتير قبل وقت قريب كما قالواء أو من خلال أجهزة راديو خاصة 
بأحد أبناء قراهم أو الحي الذي يسكنوه أو في مقهى عام. وعلى الرغم من أن 
الأمية كانت متتشرة بين الناس على نطاق واسع في تلك الأيام إلا أن بعضهم» 
خصوصًا سكان المدن. كان يقرأ الصمحف. ولا يتذكر أغلب هؤلاء أي دعوات 
أو تحريض على الهجرة عبر الصحف أو وسائل الإعلام. 

واحد فقط من بين عشرات الرواة قال إنه سمع نداء من إذاعة عربية يطلب 
من الفلسطينيين الرحيل. هذا الراوي هو صيدلاني من يافا أصلا ويقيم اليوم 
في رام الله©. تشير هذه التتائج إلى أن النظرية التي تربط بين هجرة اللاجئين 
وتحريض القادة والجيوش العربية ضعيفة للغاية» ولو أن هذا لا ينفي أن عددًا 
كبيرًا من اللاجئين وجّه أصابع الاتهام إلى قادة الدول العربية. 


2 - نظرية التخطيط الصهيوني 


بخصوص النظرية الثانية التي تنسب اللجوء إلى خطة صهيونية معدة 
مسقا فإنه على الرغم من أن جميع اللاجئين حمّلوا اليهود المسؤولية الأساس 


(3) أبو يوسف مخيم طولكرم. 

(4) أم محمد الهنشريء 70 سنة. مقابلة بتاريخ 2012/11/12؟؛ وبشير رباح: 97 عام من زيتا 
أجرى المقابلة معه انتصار زبيدي بتاريخ 10/ 4/ 2006. 

(5) عادل حسين يحبى؛ اللاجئون الفلسطينيون 1998-1948: تاريخ شفوي (رام الله: المؤسسة 
الفلسطينية للتبادل الثقافي» 8 )») ص 30. 


511 


عن عملية اللجوء؛ لكن لم يظهر في رواياتهم ما يشير إلى أنهم كانوا في حينه 
على علم بوجود خطة عامة لدى اليهود لطرد جميع الفلسطينيين من أراضيهم. 
ولاحظنا عند تحليل روايات اللاجئين أن الأصغر سنا منهم والأكثر تعليمًا 
وثقافة هم الذين يقولون إن التهجير كان هدفا في حد ذاته للحركة الصهيونية 
وإنه جرى وفقًا لخطة مُحكمة ومعدّة مسبقا. هؤلاء اللاجئون من أبناء الجيل 
الثانى والثالث للنكبة والمولودين بعد حرب 1948 يعتقدون أن الحركة 
الصهيونية خططت لطرد جميع عرب فلسطين وإسكان اليهود مكانهم منذ 
البداية. وقالوا إن الصهاينة ارتكبوا المجازر البشعة ضد الشعب الفلسطيني 
لا للقضاء عليه بل لترويعه ودفعه إلى الهرب تحقيقًا لهذا الهدف. قسم آخر 
من هؤلاء قال إنه حتى لو لم تكن هذه الفكرة واردة في ذهن قادة الحركة 
الصهيونية قبل الحربء فإن الصهيونيين سرعان ما اكتشفوا فائدة الإشاعات 
وأثرها في شعب فقير وشبه أمي» خصوصًا بعد مجزرة دير ياسين» وتوسعوا في 
استخدام هذه المجازر ونشر الإشاعات عنها لتحقيق هدف طرد الفلسطينيين*. 


أثبت عدد من الباحثين اليهود مثل إيلان بابه وبني موريس وغيرهماء ومن 
غير اليهود مثل شلايدرء بالوثائق أن العصابات الصهيونية أذاعت في مكبرات 
الصوت وألقت بالمنشورات من الطائرات الإسرائيلية على قرى ومدن فلسطينية 
تُطالب المواطنين الفلسطينيين فيها بالجلاء عن مواقع سكناهم حمايةً لأنفسهم 
وتجنيًا لأي أعمال انتقامية تقوم بها العصابات الصهيونية. وهذا كان ضمن 
مخطط الحرب النفسية والإعلامية ضد الفلسطينيين التي اتبعتها العصابات 
الصهيونية. 

يرى الرواة أيضا من سكان قرية قاقون أن الاستيطان المبكر في القرب من 
قريتهم ساهم في تزايد قوة اليهود وتنفيذ مخططهم في إقامة الدولة اليهودية «لم 
يكن هناك انسجام بيننا وبين سكان مستعمرة همابيل الصهيونية وبدأ الصرع بيننا 

(6) شريف كناعنة» الشتات الفلسطيني» هجرة أم تهجير؟ (رام الله: مركز اللاجتين والشتات 
الفلسطيني [شمل]»؛ 2000)» ص 38-32. انظر: إيلان بابه التطهير العرقي في فلسطين» ترجمة أحمد 


خليفة (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 2007)» ص 143. 


512 


وبينهم منذ أواسط الثلائينيات08» «اليهود كانوا يريدون أرضنا بكل الوسائل 
من شان هيك (لهذا السبب) هرون( 6. 


أفاد عدد ممن قابلتهم من سكان القرى المهجرة في قضاء طولكرم مثل 
قرى وادي الحوارث ووادي القباني وأم خالد ومسكة وقرية قاقون ورمل زيتا: 
«إن وصول أخبار مذبحة دير ياسين” ومذبحة الطنطورة والتحرش بالنساء© 
أرهب سكان القرى الفلسطينية القريبة من المستوطنات والمدن اليهودية وأجبر 
السكان على إخراج النساء والأطفال إلى مدن وقرى فلسطينية أكثر أمناء وبقي 
الرجال والشباب والكهول وأغلب الشيوخ في القرى للدفاع عنها». وعلى سبيل 
المثال اريت نساء زلفة ورمل زيتا إلى قربة زيتاء وبعض نساء وأطفال أم 
خالد القريبة من مستعمرة نتانيا اليهودية إلى مدينة طولكرم» وبعض نساء قرية 
مسكة وأطفالها إلى قلقيلية. 


من الجدير ذكره أن عددًا من قرى قضاء طولكرم هوجم واعتدي على 
سكانه خلال شهور الحرب الأولى شباط/ فبراير وآذار/ مارس ونيسان/ أيريل 
وأيار/ مايو 1948» لكن أحدًا لم يترك بلده. وهنا لجأت العصابات الصهيونية 
إلى استراتيجية المذابح» ونجحت هذه الاستراتيجية في تهجير قضاء صفد من 
خلال مذبحة عين زيتون» وتهجير قضاء حيفا من خلال مذبحتي طيرة حيفا 
والطنطورة» وبعض قرى قضاء القدس من خلال مذبحة دير ياسين. لذا لجأت 


(7) مقابلة مع عبد الرؤوف زيان» مخيم طولكرمء مهجر من قاقون. بتاريخ 1/10/ 1986. 

(8) رسمية سارة» مهجرة من قاقون» مخيم طولكرم. 7 1/ 1986. انظر: عيد الرحيم بذدر 
المدورء قرية قاقون: من سلسلة القرى المدمرة 14» إشراف صالح عبد الجوادء القرى الفلسطينية 
المدمرة؛ 14 (رام الله: جامعة بيرزيت - مركز الأبحاث» 1994)» ص 108-91. 

(9) مذبحة دير ياسين: قضاء القدس حدثت بتاريخ 9/ 4/ 1948 الجدير ذكره أن عدد شهداء 
المذبحة يلغوا بالحد الأقصى 103 شهداء بينما أشاعت العصابات الصهيونية ومنها اليحي وشتيرن أنها 
قتلت أكثر من 250 من سكان دير ياسين. 

(10) الطنطورة قرية من قرى قضاء حيفاء عملت العصابات الصهيونية فيها مذيحة بتاريخ 23 
أيار/ مايو 1948. وأشيع عن اعتداء على بعض نساء القرية والتحرش ببعضهن واختطاف ثلاثة منهن. 
انظر: عبد الرحيم غانم؛ التهجير القسري في السهل الساحلي» (أطروحة دكتوراه غير منشورة» جامعة 
القاهرة» القاهرة» 2)2011) ص 137. 


13ظ5 


إلى ارتكاب مذبحة في قرية قاقون وهي من كبرى قرى قضاء طولكرم من أجل 
إرهاب القرى الأخرى وإرغام سكانها على الرحيل. 

أما عن تفصيلات مذبحة قاقون فيفيد الرواة أن الكتيبة الثالثة التابعة للواء 
الكسندروني قامت في 4/ 6/ 1948 بمراقبة البلدة من بيارة عزرا الواقعة غرب 
القرية فضربوا قذيفة مدفع على بيادر القرية وهي خالية وكمنواء وبعد ربع ساعة 
تجمع الرجال والأطفال والنساء ليستطلعوا الأمر؛ وبعد أن تجمعوا حول الحفرة 
على بيادر القرية الغربية كان قائد الكتيبة يراقبهم من خلال برج مراقبة نصب في 
بيارة تابعة لعزرا دانين فأمر بإطلاق قذائف أخرى بهدف ذيحهم جميعًاء وما إن 
أطلق عليهم القذيفة الثانية حتى سقط منهم 10 قتلى على الفور وجرح عدد 
آخر فكانت هذه المذبحة من نمط آخر. ويقول أحد سكان القرية ممن قابلتهم 
ويدعى عبد الرحيم سارة: #شاهدت رجلا انشطر إلى قسمين وشاهدت امرأة 
قطع رأسهاة". 

بعد احتلال القرية مساء ذلك اليوم قُتل 23 مواطنًا من أهالي القرية» إضافة 
إلى إبادة الكتيبة العراقية وقوامها 37 جنديًا. وحدثني المرحوم تميم أبو ياسين 
(90 عامًا) أنه شاهد امرأة هاربة بعد القصف في ثوب ممزقء وقال آخر إن 
المرأة كانت تحمل بين ذراعيها وسادة فعندما تلاقت مع زوجها خارج القرية 
قال لها هل أحضرت الولد فقالت نعم ألا تشاهده بين يدي» فقال لها هذه 
وسادة فجن جنونها ورجع الاثنان وإذا بالولد ما زال في مهده يبكيء فالمرأة 
حملت الوسادة بدلا من الولد من شدة الهلع والخوف؛ عند بداية القصف*". 
هذه الرواية تكررت مرات كثيرة وبالتحديد مع القرى التي تعرضت لهجوم 
مفاجئ. وبحسب اعتقاد الباحث أنه ربما حدثت هذه القصة مرة واحدة في بلد 
ما وأسقطت على قصة رحيل بلدان أخرى» يمكن الترجيح أنها حدثت في قرية 
طيرة حيفا في قضاء حيفا. 


(11) مقابلة ميدانية؛ عبد الرحيم سارة 68 عامًا مخيم طولكرم 15/ 4/ 1994. انظر: المدور» 
قرية قاقون» ص 96-94. 


ل > هيا 0 


25214 


3 - نظرية الجهل 

قال عدد من اللاجئين (2.2 في المئة)»ء خصوصًا الأصغر سكا منهمء 
أن ترك اللاجئين أراضيهم في عام 1948 جاء نتيجة جهلهم وسوء تقديرهم 
العواقب التي ستترتب عن ذلك. هؤلاء عبّروا عن اعتقادهم أنه ربما كان في 
إمكانهم أن يبقوا على أرضهم لو أنهم كانوا أكثر وعيًّا واستعدادًا للتضحية. 
ف «جهل الناس وعدم تفهم الواقع وتحديدًا الواقع السياسي في ذلك الوقت 
جعل الخوف الشخصي يتغلب على المصالح العامة» وبدأ الرجل يفكر في 
كيف ينجو هو وزوجته وأولاده من الموت» ولم يكن يفكر في أبعاد ذلك. 
إذنء السبب الأساسي هو جهل الناس لتفسير الهجرة6'. هذا «الجهل الذي 
كان متفشيًا بين الشعب الفلسطيني» حيث كان مجتمعًا قرويًا بسيطًا مقسمًا إلى 
قرى منفصلة بعضها عن بعض من دون اتصال حقيقي بينهم. أضف إلى ذلك 
الحال الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية المتردّية لأنه لم يمض 
عليهم وقت طويل منذ خروجهم من العزلة التركية في عام 1914 والانتداب 
البريطاني» وبالتالي لم يكن هناك أي بناء سياسي ومجتمعي حقيقي قادر على 
مواجهة العدوان الإسرائيلي الصهيوني6*". ويوضح أبو حسن هذا الرأي: 
«من الأسباب الرئيسة لهجرة اللاجئين الفلسطينيين وخروجهم من بلادهم 
هو الجهل وعدم تفهمهم ما يجري حولهم ... الصهيونيون ضربوا على أوتار 
ضعف الفلسطينيين واستغلوا جهلهمء فقتلوا بعضًا من الناس أمام الجميع 
ما أدى إلى خوفهم على الحياة» والأهم من ذلك خوفهم على الَرض؛ لكونهم 
اعتادوا أن يحافظوا على العَرض أكثر من الدين والأرض لاعتقادهم أن الشرف 
العربي والشرف بشكل عام يكمن في المرأة». 

تقبّل عدد محدود من اللاجئين الذين عاصروا النكبة هذا النقد واعترف 
ببعض المسؤولية عن اللجوء» وعبّر عن الندم الشديد على هجرته وأكد أنه 


(0) يحبى» ص 3 
(14) أبو حسنء مخيم طولكرم» مهاجر من وادي الحوارث. يتاريخ 15/ 6/ 1993. 


515 


لو كان يعلم بالتتائج المأساوية لهجرته وبأنها ستطول إلى هذا الحد لبقي في 
أماكنه ولم يهاجر وفضل الموت على أرضه وفي منزله. #لو أعرف» مش أنا 
وبسء الكل لو بيعرفوا الوضع بده يصير متأزم للحد إلي صرنا فيه هلقيت» كان 
ما حدا طلع لو بيمسحوهم اليهود عن وجه الأرضص2596. 


ثانيًا: تفسير اللاجئين أسباب هجرتهم 

قالت أغلبية اللاجئين المعاصرين للتكبة إنها هربت من أراضيها ضد 
رغبتها ورفضت كليًا منطق أن خيار البقاء فيها كان قائمًا حتى لو أرادت ذلك 
وأصرت عليه وضححت لأجله. أكد معظم هؤلاء الرواة أن الخيار الوحيد الذي 
كان أمامه هو الهرب من موت محققء. خصوضًا أن إمكانات المقاومة لم 
تكن متوافرة لديه. قال بعضهمء خصوصًا الرجال الذين كانوا في سن القتال 
آنذاك» إنه حاول أن يتلكأ بالرحيل» فأرسل الزوجات والأبناء أولاء أملا فى رد 
المهاجمين اليهودء لكن هذه المقاومة لم تُُجدٍ فاضطر إلى اللحاق بهم. أكثر 
من تسعين في المئة من اللاجئين الذين قابلناهم في هذا البحث (92.6 في 
المئة) قالوا إنهم تركوا مدنهم وقراهم بسبب الخوف على أرواحهم أو على 
أبنائهم أو خوفًا على أعراضهم. قالوا إن كل الذين تأخروا بالهرب انتهى بهم 
الأمر إما بالطرد أو القتل على أيدي العصابات الصهيونية. قال أحد سكان قرية 
قاقون رشيد الشيخ: «حتى بعد طردنا من القرية حاولت العودة إليها لأننا تركنا 
كل ما نملك داخل بيوتنا وبالفعل ذهبت مع أبو أحمد أبوديّة في الليل وأحضرنا 
أربع تتكات زيت من بيتنا وعدت إلى حيث نزلنا في شويكة»96". 

في المقابل» أكد معظم لاجئي المدن أن بعض سكان مدنهم الأصلية بقي 
بالفعل» وقالوا إن لهم من بين هؤلاء أقارب وأصدقاء ما زالوا يقيمون هناك 
حتى اليوم. 


(15) نمر المتروك» 73 عامًا وأبو محمود أو جباره. طولكرم. مقابلة ميدانية 24/ 4/ 1993. 
(16) رشيد الشيخ غانم» شويكة» طولكرم 4/10/ 1993. 


516 


حاول بعض القرويين بالفعل تجنب الرحيل وصمد على أرضه لكن 
إسرائيل قامت بطردهم لاحمّاء خخصوصًا في بداية الخمسينيات عندما قام الجيش 
الإسرائيلي بهدم أكثر من أربعمئة قرية لمنع اللاجثين من العودة أو التسلل إليها. 


1 - من المتسبب باللجوء والمسؤول عنه؟ 


على الرغم من تأكيد اللاجثين الفلسطينيين أن المتسبب الرئيس ينكبة 
فلسطينء وبالتالي المسؤول عن إيجاد مشكلة اللاجئين هو الحركة الصهيونية 
إلا أنهم لا يخلون طرف الممثلين الآخرين على الساحة الفلسطينية آنذاك 
من المسؤولية الفعلية عن نكبتهم» وهم: سلطات الانتداب البريطاني وقادة 
الدول العربية والقادة الفلسطينيون المحليون آنذاك والمجتمع الدولي بشكل 
عام» ممثلا بالأمم المتحدة والدول العظمى مثل الولايات المتحدة والاتحاد 
السوفياتي السابق وفرنسا وغيرها من الدول الغربية. 


الحركة الصهيونية من وجهة نظر اللاجئين هي المسؤولة الأولى والمباشرة 
عن نكبة فلسطين لترويجها الادعاء بأن فلسطين هي «أرض بلا شعب لشعب بلا 
أرض". هذه المقولة التي تنفي وجود الفلسطينيين كشعب له حقوق على هذه 
الأرض لا تزيد» من وجهة نظر اللاجئين» عن كونها كذبة مغرضة لا أساس لهاء 
استخدمت غطاء لتبرير الهجرة اليهودية غير المشروعة إلى فلسطين واستيلاء 
الصهاينة على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم. وتساءل كثير من اللاجئين بمرارة 
عن المنطق الذي أسست عليه هذه المقولة» موضحين أن فلسطين كانت منذ 
القدم بلدا عامرًا ومأهولا بالسكان. 

أكد معظم الرواة» خصوصًا الذين عاصروا التكبة» أن بريطانيا أذّت دورًا 
رئيسًا في ذلك. قال كثير منهم إنه لولا المساعدة الإنكليزية لليهود ما نجحت 
العصابات الصهيونية أبدًّا في اقتلاعهم من أرضهم. بريطانيا بحسب روايات هؤلاء 
بدأت بالتآمر مع اليهود ضدهم منذ إعلان وعد بلفور الذي وصفوه بالمشؤوم في 
عام 1917. وذهب بعض اللاجئين إلى القول إن دور بريطانيا فاق دور القوات 
اليهودية في التسبب بهجرة اللاجئين» وبحسب رواية بشير رباح: «الإنكليز جابوا 


517 


اليهود وزرعوهم في فلسطين6”". راو آخر قال: «البريطانيون تقريبًا سلّموا البلاد 
تسليمًا لليهودة. وقال ثالكث29: «مش قوة اليهود إلى أطلعتناء أطلعتناء مؤامرة 
بريطانيا علينا وفشل الجيوش العربية في الرد أحبطنا». 


إضافة إلى تذكرهم وعد بلفورء ذكر الرواة الدعم البريطاني للهجرة 
والاستيطان اليهودي فى فلسطين. قالوا إن بريطانيا زودت الجيش اليهودي 
بأسلحة كثيرة قبل انسحابها من فلسطين عشية انتهاء فترة الانتداب» وأكدوا 
أن الإنكليز في المقابل قسوا كثيرًا على الثوار الفلسطينيين ونزعوا أسلحتهم 
وتركوهم عزَّلَا أمام الحركة الصهيونية. قال بعض الرواة ممن عاصروا فترة 
الانتداب إن وجود أي سلاح أو حتى رصاصة فارغة في حوزة أي فلسطيني 
كان يعاقب عليه بالسجن المؤبد أو الإعدام: «الإنكليز الذين حكموا فلسطين 
إذا مسكوا فشكة فاضيه مع العربي» يعدموه عليهاء مع العلم أنهم يعطون اليهود 
السلاح بكثرة». وأضاف هذا الراوي: «وقت ما صار الاحتلال في عام 48 كانت 
بريطانيا قد أفشلت الثورة العربية ووضعت الثوار والمسلحين في السجون8”". 

من الأمور اللافتة في روايات اللاجئين الفلسطيئيين أنهم لم يذكروا 
شيئًا إيجابيًا واحدًا عن الدور البريطاني» في حين أبدوا استعدادًا لتذكر أشياء 
إيجابية كثيرة عن علاقتهم باليهود قبل حرب 8 . وكان بعض الرواة على 
درجة من الوعي أنه اتهم مباشرة بريطانيا أنها أعلنت انسحابها من فلسطين 
في 5]/ 5/ 1948 وسمحت لليهود بإعلان دولتهم في 4 5/ 1948 قبل 
انسحابهم بسويعات حتى لا يكون هناك فراغ سياسي في فلسطين. 

من جهة أخرىء ميز الفلسطينيون بوضوح بين دور العرب ودور الحركة 
الصهيونية وبريطانيا مثلا. معظم الرواة قال إن المسؤولية التي يتحملها العرب 
عن النكبة هي مسؤولية غير مباشرة تنحصر في فشلهم أو عدم قدرتهم على 

(17) بشير رباح» 7 عام زيتاء 4/10/ 2006. 


(18) رشيد الشيخ غانم» شويكة - طولكرم؛ 10/ 4/ 1993. 
(19) عبد الرؤوف الزيدان» 836 عامّاء مخيم طولكرم. 5 1986. 


518 


الدفاع عن الشعب الفلسطيني ضد العصابات الصهيونية المدعومة من بريطانيا 
بحسب قولهم أو فساد الأسلحة التي كان يمتلكها العرب. وفي عدم تقديمهم 
الدعم والمساندة الكافية إلى عرب فلسطين أيضا. دافع أحد الرواة عن موقف 
الدول العربية قائلا: «العرب لم يطلعوا ولم يشجعوا الهجرة لكن إمكاناتهم 
القتالية بسيطة وضعيفة كل الدول العربية كانت مستعمرة أو مسيطرًا عليها من 
الاستعمار» خصوصًا الاستعمار البريطانى» مسيطرًا عليها سياسيًا واقتصاديًا. 
فكيف ستحارب اليهود6ة02©. ْ 


كانت ثقة الفلسطينيين بإخوانهم العرب في عام 1948 كبيرة وتوقعاتهم 

من الجيوش العربية عالية. معظم الرواة» إن لم يكن جميع الذين عاصروا 
التكبة» أكد أن الجيوش العربية كانت قادرة على دحر العصابات الصهيونية 
والقضاء عليها. لم : تتزعزع ثقة الفلسطينيين بالدول العربية شعوبًا وجيوشًا وقادة 
حتى بعد أن أصبحوا لاجثين. ليس هذا فحسبء بل إن بعض الرواة آمن في 
حينه بأن الفلسطينيين وحدهم كانوا قادرين على مواجهة اليهود والإنكليز معًا. 
لكن خيبة الأمل كانت كبيرة؛ فالجيوش العربية لم ترق إلى مستوى طموحات 
الفلسطينيين» كما قال أحد الرواة©. 


في الإجمال» جاءت إجابات الرواة من القادة الفلسطيئيين منسجمة إلى 
حد كبير مع إجابات اللاجئين حيث ألقوا باللوم على إسرائيل أولًا كونها 
المتسبب الرئيس بهجرة الفلسطينيين. وثانيًا لاموا الانتداب البريطاني والقوى 
الغربية عمومّاء وثالثًا الدول العربية. بعض الرواة ألقى باللوم على الفلسطينيين 
أنفسهم: «الدول العربية في تقديري دول ضعيفة مسيطر عليها من الاستعمار 
الغربي» ولم تكن مستقلة» وقرارها ليس بيدهاء حتى الأسلحة التي كانت 
توردها إلى الفلسطيئيين ليست جيدة وبمستوى المواجه أسلحة فاسدة وبدون 
ذخيرة كافية»!22. 


(20) مصفى جبارة» 82 عامًاء طولكرم 14/ 6/ 1986. 
(22) أبو حسين» 20 عامّاء قرية أم خالد مخيم طولكرم؛ مقابلة بتاريخ 6 9/ 2009. 


5319 


أقل من خمس الذين أجريت معهم مقابلات ميدانية (19.9في المئة) قالوا 
إن الدول العربية تتحمل مسؤولية كبيرة عن عملية اللجوء الفلسطيني بشكل 
غير مباشر لأنها لم تقدم الدعم الكافي إلى الفلسطينيين (78.1 في المثة) منهم 
اعتبروا أن الدول العربية غير مسؤولة إلى حد كبير عن المشكلة» و2 في المئة 
يعتقدون أن المسؤولية العربية كانت جزئيّة فحسب. 


تظهر نتائج المقابلات أن معظم الذين وجهوا اللوم إلى الفلسطينيين 
أنفسهم وإلى قادة المجتمع الفلسطيني بالمسؤولية عن النكبة هم من الجيل 
الثاني والثالث من اللاجئين لا من الجيل الأول. على الرغم من أن 4 في المئة 
ممن أجريت معهم مقايلات حمّلوا كبار الملاك الذين رحّلوا أبناتهم ونساءهم 
إلى العمق الفلسطيني قبل غيرهم آنذاك وحمّلوهم جزئيًا المسؤولية عن النكبة 
لعدم تحليهم ببعد النظرء وعجزهم عن تجنيد إمكانات الشعب الفلسطيني 
في عملية المقاومة» وتحاملوا حتى على أهاليهم الذين فضلوا الهرب على 
المقاومة واتهموهم بالجهل بسبب عدم تقديرهم عواقب اللجوءء كما اتهموا 
القادة الفلسطينيين بالجهل لأنهم ضحّموا قصص القتل والاغتصاب التي 
ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين من دون تقدير عواقب ذلك 
على المجتمع الفلسطيني المحافظ آنذاك؛ الأمر الذي دفع هؤلاء إلى الهجرة 
حتى من دون قتال. 

حمل عدد كبير من الرواة أيضًا بشدة على المجتمع الدولي والأمم المتحدة 
تحديدّاء وكذلك على الدول الكبرى التي وافقت على قرار التقسيم واعترفت 
بإسرائيل دولة بعد إعلانها في عام 1948» مثل الولايات المتحدة والاتحاد 
السوفياتي السابق وفرنسا وبعض الدول الغربية الأخرى. قال أحدهه2©: 
«الأمم المتحدة هي التي تتحمل مسؤولية الشعب الفلسطيني بموافقتها على 
قرار التقسيم 181» يعني هي التي أوجدت مأساة الشعب الفلسطيني ومن 
المفروض أنها حلت مشكلة اليهود بعيدًا عن فلسطين والفلسطيتيين». ‏ 7 


(23) أيو أحمد هنطش» 0 عامًا طولكرم. 


50 


2 - من المسؤول عن استمرار اللجوء؟ 

لاحظنا في هذا البحث بعض الاختلاف في تقويم اللاجئين دور الأطراف 
التي ساهمت في إيجاد مشكلة اللاجئين وتقديرهم دور الجهات المسؤولة عن 
استمرار هذه المشكلة حتى اليوم. إسرائيل من وجهة نظر معظم اللاجئين هي 
المسؤولة الأولى عن استمرار مشكلة اللاجئين بالدرجة نفسها التي كانت فيها 
الحركة الصهيونية مسؤولة عن طرد الفلسطينيين. علل الرواة تحميلهم إسرائيل 
المسؤولية الكبرى عن استمرار قضية اللاجئين بعدم قبولها قرارات الأمم 
المتحدة» خصوصًا القرار رقم 194 (1948) الذي يدعو إلى عودة اللاجئين 
الفلسطينيين إلى بيوتهم وتعويض من لا يرغب منهم في العودة*". 

نحو حمس الرواة (19.2 في المئة) أنحى باللائمة على الأمم المتحدة 
والمجتمع الدولي بشكل عام لاستمرار قضية اللاجئين. الأمر اللافت هنا هو 
أن هذه النسبة أعلى بكثير من ال 4.2 في المثة من اللاجثين الذين لاموا الأمم 
المتحدة على التسبب بمشكلة اللاجئين» هذا مع العلم أن الأمم المتحدة التي 
أصدرت قرار التقسيم في 11/29/ 1947 أصدرت عددًا من القرارات المؤيدة 
لحق اللاجئين في العودة أو التعويض بعد ذلك» خصوصًا القرار 194. وقال 
. الرواة الذين لاموا الأمم المتحدة إنهم يتحاملون عليها بالذات لأنها فشلت في 
تطبيق قراراتها المتعلقة باللاجئين» خصوصًا القرار 194. 


ثالثًا: معاناة اللاجئين في مخيم طولكرم 


ألم وأمل مستمرّان منذ فجر يوم 15 أيار/ مايو 1948 لدى سكان مخيم 
طولكرم؛ أمل في فجر يوم جديد يطل عليهم؛ يعودون فيه إلى ديارهم ومدنهم 
وقراهم التي طردوا منهاء بينما يستمر ألم ومعاناة اللجوء والمجازر منذ ستين 
عامًا بحقهم. إذ لم يدر في خلد الحاج أبو خالد الطنجة ولا في باله أنه سيعيش 


(24) يحيى, اللاجئون. 


521 


ستين عامًا في مخيم طولكرم» وهو من سكان قرية الطنطورة في قضاء حيفا 
التي غادرها وهو في مقتبل شبابه» بعد أن شارك في أول معركة بين العرب 
واليهود في الطنطورة التي ذهب ضحيتها مئتان وعشرة شهداء» واعتقل عامًا في 
سجن صهيوني في يافاء ثم هرب من السجن مع عشرين من رفاقه المعتقلين» 
واستقرٌ به المقام في مخيم طولكرم» وكان وقتها يحلم بالعودة إلى أرضه وبيته 
بعد أسبوعء لكن الأعوام أخذت تمرّ وتتلاحق» وتزوّج وأنجب من الذكور ستة 
ومن الإناث أربع. ولا تزال ذاكرته غنية بالحوادث التي مرّ بها في حياته التي 
تجاوزت الثمانين عامّاء ولا يزال يحلم بالعودة على الرغم من تقدّم سنه. 


1 - أسباب اختيار طولكرم لتكون وجهة اللجوء 


يعود سبب اختيار طولكرم قبلة للجوء إلى أحد العوامل التالية: إما لوجود 
قريب لجأ إليها في فترة المحنة» وإما نتيجة القرب الجغرافي من مكان التهجير» 
وإما أن اللاجئين أحضروا من خلال وحدات الجيش البريطاني» حيث يقول 
حسن ارحيل: (إحنا قاموا الإنكليز بتحميلنا بتركات (شاحنات) وجابونا على 
جبع» وبعدين أخذونا على زيتاء وبعدين جبونا على المخيم»8©. 


أما جميلة الحسين فتقول: «احنا إجينا على طولكرم بدون ما نعرف حدا 
فيهاء وقعدنا فترة عند ناس» وبعدين إجت الوكالة وحطتنا في المخيم:©. 
ويقول أحمد سبيتان: «إحنا جينا عند قرايبنا في عتيل» وبعدين إجينا على 
المخيم لما بدت الوكالة تحط الناس في الخيم”©. وتقول وصفية عثمان: 
«لما طلعنا من البلاد ما كنا عارفين وين بدنا نروح» بس إجو الإتكليز وحملونا 
وحطونا في سيارات وجابونا على طولكرم:”*. ويقول عمر عمارة: «الحقيقة 
ما بدنا نبتعد عن بلدنا لأن كان أملنا كبير إنا إحنا بعد أشهر رح نرجع96©. 


(25) مقابلة مع حسن ارحيل» 72 عامًاء مخيم طولكرم 2 2008. 
(26) مقابلة مع جميلة الحسين» 590 عامّاء مخيم طولكرم 12/13/ 2008. 
(27) مقابلة مع أحمد سبيتان» 1 عاماء مخيم طولكرم 12/16/ 2008. 
)228 مقابلة مع وصفية عثمان؛ 68 عاماء مخيم طولكرم 12/13/ 2008. 
(29) مقابلة مع عمر عمارة» 75 عامّاء مخيم طولكرم 12/18/ 2008. 


52 


2- المشكلات الصحية التي يعانيها اللاجئون في مخيم طولكرم 


يعاني معظم اللاجئين مشكلات صحية سيبها الجو غير الصحي الذي 
يتصف به المخيمء نتيجة الاكتظاظ السكاني ده توافر الجو السليم والبيئة 
النظيفة. تقول جميلة الحسين: «المخيم هد حيليء لما كنا في البلاد كان الهوا 
يشرح والجو حلوء هون الدنيا كتم؛ وريحة المجاري طالعة» وصار عندي أزمة 
وضغط وسكريء» ومش قادرة أقوم من الفرشة»9©. أما أحمد سبيتان فيقول: 
«أنا عندي ضغط وربو وأزمة» وكلها من هالمخيم والعيشة في» الدور فوق 
بعض ومابفوت عليك هوا بالمرة4”©. ويقول عمر عمارة: «نظافة ما فش» 
كانوا يطلعوا البوكج كنادر وجاكيتات وقمصان وكانوا لكل واحد بوكجة هكذا 
يقعد الواحد شهر ولا شهرين ما يحط المية على حالة القمل أكل الناس يعنى 
كانوا يجيبوا على المدرسة مقملين تضطر الوكالة تيجي ترشلنا د. د. ت. مشان 
الجسم من المكرويات6*©. وتقول وصفية عثمان: «زي ما انتي شايفة قاعدين 
فوق بعض ما فى نتفة هوا بتفوت على الدار» بس الحمد لله أنا ما عندي غير 
هالأزمة بس في كثير ناس عندها مشاكل الحمد لله إلي عافاناة!©. 


3 - المشكلات النفسية والاجتماعية 


يعاني سكان مخيم طولكرم عددًا من المشكلات النفسية والاجتماعية 
الناجمة عن اللجوءء فبعد فقدان الأرض ومصدر الرزق والأصدقاء والأهل. 
باتوا يشعرون بأنهم غرباء في ديارهم. وفي ذلك يقول حسن ارحيل: «المشاكل 
كثيرة» إحنا كان عنا في أيام البلاد مزارع وأراض واليوم زي ما أنت شايف 
الواحد مش عارف يحصل لقمة الخبزء صحابي وقرايبي كنت ألعب معهم 
في أيام البلاد مش عارف وين همة؛ لما بدك تشوف أرضك بدك تصريح, كنا 


(30) مقابلة مع جميلة الحسينء 90 عامّاء مخيم طولكرم 2008/12/13. 
(31) مقابلة مع أحمد سبيتان» 81 عامّاء مخيم طولكرم 12/16/ 2008. 
(32) مقابلة مع عمر عمارة» 5 عامًاء مخيم طولكرم 12/18/ 2008. 
(33) مقابلة مع وصفية عثمان؛ 68 عامّاء مخيم طولكرم 12/13/ 2008. 


53 


زمان نروح نزور أراضينا نشم ريحتهاء بس اليوم صار بدك تصريح؛ وأنا زمان 
ماشفت للبلاد ولا الأرض التي كنت ألعب فيها»**. وتقول جميلة الحسين: 
«شو بدي أخرف تخرف (أقول)., ماخلي امن ابر السو عن قرت 
وين أراضيهم: كل يوم بنقول بكرة بنرجعء لحد ما الواحد صار يشوف القبر 
قدامه وبعده مش شايف أرضه التي حابب يُدفن فيهاء بن هيهات الله ينتقم 

من اليهود والحكام العرب500. ويقول أحمد سبيتان: ١#‏ خرف (قل) ولا حرج. 
إحنا عايشين في المخيم غرباء» مش عارفين نتعود عليه» بدنا نرجع بس خايف 
أموت قبل ما أشوف التراب إلي كنت ألعب فيه وأنا صغير»©©. ويقول عبد الله 
أبو لبدة: «صار في عنصرية هذا وطني وهذا لاجئ واللاجئ محتقر»””©. وتقول 
وصفية عثمان: «إحنا صرنا شحادين بعد ما كنا من شيوخ البلد» اليوم بنستنا 
(نتتظر) شوال الطحين من البطاقة» وشوية الدواء من الوكالة» وينشتغل عند 
العالم علشان نعيشء وكان أبوي يشغّل عنده 40 نفرًا في الأرض»096©. 


4- الحنين إلى العودة 


ليس من السهل على المرء أن يُقتلع عُنوة من بيته وأرضه التئ وضع فيها 
أحلامه وأمنياته كلها وزرعها بعرقه وجهده» خصوصًا من جهة أو فئة لا تربطه 
بالمكان أي رابطة دينية أو اجتماعية أو حضارية أو تاريخية؛ وبامتزاج الذكريات 
مع الدموع يذكر أهالي مخيم طولكرم معاناتهم وذكرياتهم. فهم يذكرون طبيعة 
أراضيهم الأصلية من جمال ومناخ وهدوء واستقرار ورخاء» حيث يتمنون 
العودة إلى ديارهم ولو ليوم واحد ومن ثم يموتون ويدفنون فيها. 


يؤكد سكان المخيم أنه لو عاشوا مئة سنة في المخيمء فإنهم لن يشعروا 
بالانتماء إليه» لأنهم تركوا أرواحهم في بلادهم الأصلية. كما أن الحنين إلى 


(34) مقايلة مع حسن ارحيلء 72 عامًاء مخيم طولكرم 12/12/ 2008. 
(35) مقايلة مع جميلة الحسين؛ 90 عام مخيم طولكرم 12/13/ 2008. 
(36) مقابلة مع أحمد سبيتان» 81 عامّاء مخيم طولكرم 12/16/ 2008. 
(237 مقابلة مع عبد الله أبو لبدة. 1 عامّاء مخيم طولكرم 26/ 12/ 2008. 
(38) مقابلة مع وصفية عثمان» 68 عامًاء مخيم طولكرم 12/13/ 2008. 


53204 


الأرض لا يقل عن الحنين والاشتياق إلى الحرية. وظل سكان مخيم طولكرم 
يرنون بعيون أعياها التعب إلى الأرض التي انتّرْعوا منها عنوة» ولم يكونوا يومًا 
على قناعة باغترابهم عنها. 


تعرض أهالي مخيم طولكرم لصنوف من المعاناة والمصائب والكوارث» 
وحاولنا في هذه الدراسة التعرف بجد إلى أهم المشكلات والصعوبات وحجم 
المعاناة التي تعرّض لها سكان مخيم طولكرم. 


أفاد مصطفى محمد إبراهيم مشرفة من سكان القرية: «أنا هذه الدار 
اشتريتها مشترى من عبيد القواس هاي أرضي كل متر بليرة وريع بعدين لحقت 
بليرتين بعدين لحقت ب 20 دينارًا وبعدين صار يقول بدي 100 دينار طيب 
لاكن أنت عارفي لو يصحلي بدشرها ( أي بتركها وبرجع) من هان وبروح على 
ييارعدس لو يطلع بيدي ويعطيني إياها بدشر هاي وبروح هناك لأنو هناك أنا 
خلقت هناك في بيارعدس ما خلقتش هان بقلقيلية إحنا بقينا نقول عن قلقيلية 
جبل ما بقناش نقول عنها سهل لأنو بالنسبة إلنا بقينا لما واحد يزعل مع واحد 
يدور طول النهار ما يلقي حجر يضرب فيه أخوه0”" ( يريد التعبير أن أرضهم 
التي هجروا منها سهلية تمامًا). ويضيف عثمان عمر محمد النيص: «أنا لما 
طلعت من بيارعدس اشتغلت بالزراعة وحوشنا مصاره وبنئينا هالدار من الزراعة 
وعلمنا الأولاد ولو بعرف إن اليهود برحبوا فيَّ برجع شو يعني مهمي بماقتوني 
وبقاهروني أكثر من ما بموتوني قطعوا الشوارع والعمارات القديمة ما أنا رحت 
على بسكليت وفريت فيها كانوا يعملوا شوارع جديدة0*. 


خلاصة 
في المدينة والقرى المحيطة التي بقيت خارج حدود دولة الكيان الصهيوني أو 
مخيمي طولكرم ونور شمسء أن تهجيرهم كان قسرًا من أراضيهم في عام 18ظ1 


(39) مقابلة ميدانية: مصطفى محمد إبراهيم مشرفة» 82 عاماء 14/ 4/ 2008» قلقيلية. 
(40) مقابلة ميدانية: عثمان عمر محمد النيصء 73 عاماء 20/ 4/ 2008. قلقيلية. 


525 


لا يختلف كثيرًا عما يحدث للاجئين عادةً في وقت الحربء ويؤكد ذلك أن 
طلم الاجر اجر يعي حرف 7100و رسيب ار وهذا ما أكده الرواة من 
أهالي القرى المهجرة. لا تشير إجابات اللاجئين الذين عاصروا النكبة إلى أنهم 
كانوا على علم بأن هناك تحريضًا عربيًا أو مؤامرة صهيونية لطردهم. نحن لا نؤكد 
هنا أو ننفي وجود هكذا تحريض أو مؤامرة» فهذا الموضوع يقع خارج نطاق هذه 
الدراسة وإمكاناتهاء لكن ما يمكننا قوله بثقة: كانت أشياء كهذه موجودة فعلا أم 
لاء فإن الفلسطينيين في حينئه لم يكونوا على علم بها. هاجر كل فرد وسكان كل 
قرية وكل مدينة كل على مسؤوليته الذاتية ووفمًا لتقديراته الخاصة هربا من وجه 
الخطر المحدق. وفي كثير من الأحيان أكرهوا على الرحيل وأركبوا في شاحنات 
الجيش البريطاني أو العصابات الصهيونية» ومثل جميع اللاجئين» ابتعدوا قليلًا 
في البداية على أمل أن يعودوا بعد توقف القتال» لكن لسوء حظهم كلما ابتعدوا 
قليلا اقتربت الحرب حتى انتهى بهم الأمر وما زالوا بعد خمسة وستين عامًا حيث 
هم الآن. وكما هو منطقي ومتوقعء عندما سألنا اللاجئين عن الأشياء التي خافوا 
منها ودفعتهم إلى الهجرة» أجاب معظمهم (80 في المئة) أنه خاف على حياته 
وقال 65 في المئة منهم إنهم هاجروا خوفًا على حياة أبنائهم وبناتهم» و15 في 
المئة قالوا إنهم هاجروا حماية لأعراضهم. 


من الواضح أن الفلسطينيين ابتلوا باستعمار إحلالي احتلالي ليس كغيره 
من أنواع الاستعمار الكولونيالي الذي يحتل وينهب الخيرات ثم يعود أدراجه؛ 
بل جاءت الحركة الصهيونية لتقتلع الشعب الفلسطيني من جذوره وتزرع مكانه 
المهاجرين اليهودء لغاية إقامة دولة يهودية أحادية القومية. 

من البديهي أن مواقف الفلسطينيين والإسرائيليين من موضوع المسؤولية 
عن قضية اللاجثين متباينة إلى أقصى حد. إن اعترافا بالمسؤولية من أمر 
كهذا سيترتب عنه التزامات مادية وأدبية كبيرة لا يقدر عليها أحد. فمن ناحية 
إسرائيل» يمثل الاعتراف إقرارًا منها بأن قيامها كان من أساسه خطيئة لا تغتفر 
لأنها قامت على أنقاض شعب آخر. وفي المقابل» يمثل إقرار الفلسطينيين 
بمسؤوليتهم الذاتية عن نكبتهم تنازلا ضمئيًا عن حق العودة المقدس» و حئى 


516 


التعويض. ويعني أيضا ضرورة تحمّلهم هم وحدهم» أو بشكل مشترك مع 
إخوانهم العرب جميع العواقب المترتبة عن ذلك. 

إن خطيئة طرد اللاجثين والتسبب بمعاناتهم على مدى خمسة وستين عامًا 
فإن اعترافا حتى ولو جزئيًا بمسؤولية إسرائيل عن معاناة اللاجئين سيكون له 
مدلولات إيجابية مهمة على عملية التفاوض الجارية حاليّاء بما في ذلك تسهيل 
إمكان السماح لبعض اللاجئين بالعودة سواءً إلى الضفة والقطاع أم إلى إسرائيل 
إلى التخفيف من معاناة اللاجئين وتعويضهم أو توطينهم. للأسفء فإن هذا 
الوقت لا يبدو ملائمًا لأي من الطرفين للإقدام على تنازلات تاريخية حقيقية» 
وسيبقى الطرفان متمسكين بمواقف الحد الأقصى حتى تلوح في الأفق فرص 
حقيقية للحل وهذا يبدو بعيد المنال. 
استنتاجات وتوصيات 

تأسيسًا على ما تقدم؛ خرجت الدراسة بنتائج عدة» وأهمها: 

- أفادت روايات المهجرين معلومات قيّمة للباحثين لم يكشف عنها في 
الوثائق الرسمية» ما مهّد الطريق للكشف عن أسرار جديدة لحرب 1948. 

- أفادت الروايات وعي أهالي الريف أنه كان لتحالف القوى الاستعمارية 
الغربية ومخططاتها - فرنسا وبريطانيا - مع الحركة الصهيونية أثر كبير في 
تشكيل وبعث الحركة الصهيونية وميلاد الدولة اليهودية. 

- كان المهجرون يعون أن إدارات الحكومات الأميركية المتعاقبة دفعت 
تثبيت ودعم الحركة الصهيونية وإيجاد تحالف دولي يساندها في المحافل الدولية. 

- أدرك المهجرون من خلال رواياتهم تواطؤ بريطانيا قبل انسحابها من 
فلسطين قبيل 15/ 5/ 1948 مع التنظيمات اليهودية المسلحة وسلمتها مناطق 
ومواقع استراتيجية كان له أثر في الانتصارات التي حققتها القوات اليهودية. 


507 


- بيّنت الروايات وعي المهجرين أن بريطانيا تغاضت عن الكثير من 
شحنات الأسلحة الحديثة التي دخلت عبر موانئ فلسطين» والتي من المفترض 
أنها كانت تحت مسؤولية القوات البريطانية نفسهاء ما كان له بالغ الأثر في 
اختلال موازين القوى العسكرية اليهودية والعربية التي كانت أسلحتها متدنية 
الجودة إذا ما قورنت بالأسلحة اليهودية الحديثة» الأمر الذي أخل بميزان القوى 
وضعف الردع العربي. 


- كان للإدارة الأميركية دور مع باقي الدول التي تدور في فلكها في تمرير 
قرار التقسيم الذي أعطى إشارة البدء لحرب فلسطين. وبدلًا من أن يكون 
مشروع سلام خطط له أن يكون مشروع حرب. 

- نفذت جزئية من قرار التقسيم المتعلقة بالدولة اليهودية» فيما حالت 
الدول الكبرى وحلفاؤها وما زالوا ضد تنفيذ الشق المتعلق بإقامة الدولة 
العربية. 

- شكلت عملية التطهير العرقي للعرب من السهل الساحلي بما في ذلك 
قضاء طولكرم محورًا بالغ الأهمية في خطط القيادتين العسكرية والسياسية 
لتنفيذه بغض النظر عن الوسائل والتتائج» وكيف لا وهو مركز نواة الدولة 
اليهودية المقترحة. 

- سعت المنظمة الصهيونية مبكرًا إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم. 
وخططت لذلك بشكل عملي من أواسط الثلاثينيات كما ورد في الأدبيات 
الصهيونية وعلى لسان المهجرين. 

- بيت الروايات في كثير من الحالات أن أوامر الطرد كانت من طريق 
القيادة السياسية مباشرة» وفي أحيان أخرى كانت اجتهادًا من القادة الميدانيين» 
لكنهم في النهاية حققوا ما في أذهان القادة الكبار وأمانيهم. 

- في أغلب الأحيان أصدرت القيادة السياسية أوامرٌ الطرد بشكل شفوي 
وفي أحيان أخرى صدرت عبر الهاتف أو أجهزة الاتصال اللاسلكي؛ أو 


528 


بالإشارة والتلميح. وبيحسب علم الباحث فإن الوثائق المكتوية والموقعة من 
القيادة السياسية والمتعلقة بأوامر الطرد قليلة» ولم يكشف عنها حتى الساعة. 


- إن ترحيل معظم سكان الريف الذي نقذ بوسائل شتى ومحو 50 في 
المئة من قرى فلسطين التاريخية كهدف أولي على ترحيل سكان المدن يتماشى 
مع هدف الحركة الصهيونية للاستيلاء على الأرض العربية وتوزيعها على 
المهاجرين اليهود الجدد. 

- إن عمليات النهب والسلب للممتلكات الخاصة وأثاث البيوت كان 
يهدف أيضًا إلى إيواء المهاجرين اليهود الجدد. لذا أبقت الحركة الصهيونية 
على عدد من البيوت القائمة في المدن والقرى العربية. 


- ارتكبت القوات اليهودية أكثر من مذبحة في قضاء طولكرم خلال حرب 
8 كوسيلة تطهير عرقي سريعة ومضمونة النتائج» إضافة إلى عمليات القتل 
المتعمد لعدد من أسرى الحرب من دون إدانة المجتمع الدولي ولا محاسبة 
متقذيها. 


- كانت اتجاهات الشتات ومناطق اللجوء متباينة لكنها قريبة من المواقع 
المهجرة على أمل العودة؛ على الرغم من تعرّض بعض المهجرين إلى شتات 
بعد شتات. وفي قضاء طولكرم لم تبعد في أكثر الأحوال جهة اللجوء أكثر من 
5 و20 كلم من مسقط رأس المهجرين. 


- حتى اللحظة لا يوجد إحصاء دقيق لأسماء من قتلوا (استشهدوا) في 
حرب عام 8 ؛ فالروايات الشفوية وشهادات المهجرين ذكرت أرقامًا 
متباينة» وهذه إحدى مشكللات الرواية الشفوية. 

- على الرغم من مرور خمسة وستين عامًا على النكبة ما زالت قضية 
اللاجئين تراوح مكانهاء بل أصبحت أكثر تعقيدًا من ذي قبل. 

- فشلت مشروعات التوطين المقترحة كلهاء لكن نجحت إغراءات بعض 
الدول الغربية في جذب فئة الشباب للهجرة إليها. 


529 


- تتباين إحصاءات عدد المهجرين واللاجئين على حد سواء بين المؤسسات 
الدولية والعربية؛ فلا يوجد رقم حقيقي يمكن الاعتماد عليه للبحث والدراسة. 


- أجرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (010858/8) والدول 
! لمضيفة للاجئين عملية تجهيل ممنهجة في فرض متاهج تخلو من المعرفة 
بالتاريخ والتراث الفلسطينيين. 


توصيات الدراسة 


- جمع أكبر عدد من الروايات الشفوية بشكل ممنهج ومصنف من جميع 
الأفراد المؤسسات التي تعمل في هذا الحقل العلمي لتكوين أرشيف وطني 
يفيد البحث العلمي بمجالاته كلها. 
والمعاصر لأهمية الموضع والموقع» وإحياء تراث الشعب الفلسطيني ونقله من 
جيل إلى أجيال لاحقة. 

- على المؤسسات الفلسطينية العلمية منها والرسمية عمل سجل حصر 
الأضرار الناتج من عملية التطهير العرقي للفلسطينيين في عام 1948. 

- تضافر مؤسسات البحث العلمي ومؤسسات السلطة الوطنية الرسمية 
للخروج برواية فلسطينية رسمية للنكبة من خلال سجل يمكن أن يطلق عليه 

- على الحكومة الفلسطينية والجامعات الفلسطينية توفير الدعم المادي 
للبحوث ذات الصلة بالتاريخ الشفوي والهجرة القسرية. 

- على أثرياء العرب ودولة فلسطين تقديم دعم غير محدود إلى 
الفلسطينيين داخل الخط الأخضر (إسرائيل) لتعزيز صمودهم وثباتهم وتعزيز 
هويتهم الوطئية ومساعدتهم في التصدي لعمليات التهويد المحمومة لكل مكان 


230 


المراجع 
1- العربية 


كتب 
بابه» إيلان. التطهير العرقي في فلسطين. ترجمة أحمد خليفة. بيروت: مؤسسة 
الدراسات الفلسطينية» 2007. 


حرب فلسطين 1948-1947. الرواية الإسرائيلية الرسمية. ترجمه عن العبرية 
أحمد خليفة؛ قدم له وليد الخالدي؛ راجع الترجمة سمير جبور. نيوقوسياء 

الخالدي» وليد. كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها اسرائيل سنة 1948 
وأسماء شهدائها. ترجمة حسني زينة؟ تدقيق وتحرير سمير الديك. بيروت: 
مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 7 

الدباغ مصطفى مراد. بلادنا فلسطين. 0 ج. بيروت: دار الطليعة» 1965- 
6 . 

صايغ» روزماري. الفلاحون الفلسطينيون من الإقتلاع إلى الثورة. ترجمة خالد 
عايد؛ تقديم إبراهيم أبو لغد. ط 2. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية» 
3. 

كناعنة» شريف. الشتات الفلسطيني. هجرة أم تهجير؟. رام الله: مركز اللاجثين 
والشتات الفلسطيني [شمل]ء 2000. 

المدورء عبد الرحيم بدر. قرية طيرة حيقا: من سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة - 
رقم 19. إشراف صالح عبد الجواد. رام الله: جامعة بيرزيت - مركز 
الأبحاث» 1995. (القرى الفلسطينية المدمرة؛ 19) 

. قرية قاقون: من سلسلة القرى المدمرة 14. إشراف صالح عبد الجواد. 
رام الله: جامعة بيرزيت - مركز الأبحاث» 1994. (القرى الفلسطينية 
المدمرة؛ 14) 

مصالحة» نور الدين. طرد الفلسطينيين: مفهوم «الترانسفيرة في الفكر والتخطيط 
الصهيونيين» 1948-1882. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 1992. 





531 


موريس. بني. طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: وثيقة إسرائيلية. 
عمان: دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطيئية» 1993. 


يحيى» عادل حسين. اللاجئون الفلسطينيون 1998-1948: تاريخ شفوي. رام 
الله: المؤسسة الفلسطينية للتبادل الثقافى» 1998. 


دراسات 

أبو إصبع» صالح خليل. «القضية الفلسطينية في الرواية العربية من نكبة 1948- 
1 رسالة ماجستير فى النقد الأدبى والأدب المقارن» جامعة القاهرة» 
القاهرة» 1972. 

غانم؛ عبد الرحيم. «التهجير القسري في السهل الساحلي.؟ أطروحة دكتوراه غير 
منشورة» جامعة القاهرة, القاهرة,» 2011. 

خريطة كمال عبد الفتاح» مركز أبحاث جامعة بيرزيت» 1998. 

خريطة سليمان أبوسته. ستون عامًا على النكبة» بيروت» 8. 


مصادر شفوية 
المصادر الأولية: المقابلات الشفوية محفوظة لدى الباحث من أهالي قرى 
الساحل الفلسطيني في قضاء طولكره©؟ 
عبد الرحيم بدر غانم بين الأعوام 1986 و1995. 
عبد الروؤف زيدان» 86 عامّاء مخيم طولكرم 15/ 6/ 1986. 
تميم أبو ياسين» 85 عامّاء بير السكة 10/ 7/ 1986. 
مصطفى جبارة» 82 عامّاء طولكرم 14/ 6/ 1986. 
أحمد العزوني» 76 عامًاء طولكرم 20/ 6/ 1986. 
عبد الرحيم السارة» 68 عامّاء مخيم طولكرم 17/ 6/ 1986. 
(*) هناك أكثر من 20 مقابلة ميدانية رفض أصحابها ذكر أسمائهم الصريحة فلم تدرج في قائمة 
المصادر والمراجع. 


5232 


السيدة أم أحمد السارة» 63 عامّاء مخيم طولكرم 21/ 6/ 1986. 
السيدة رسمية الراغب؛ 66 عامّاء مخيم طولكرم 22/ 6/ 1986. 
محمود شحادة درويشء. 66 عامًاء مخيم طولكرم 22/ 6/ 1986. 
عبد الفتاح الهوجيء 60 عامًاء طولكرم 25/ 6/ 1986. 
الأستاذ أسعد عبد القادر. 67 عامّاء طولكرم 25/ 6/ 1986. 
أحمد نصر الله 61 عامًاء طولكرم 27/ 6/ 1986. 
الأستاذ خليل أبو هنطش» 3 عامًاء طولكرم 28/ 6/ 1986. 
محمد أسعد مصطفىء 95 عامًاء شويكة 3/ 7/ 1986. 
محمود أبو دية» 93 عامّاء دير الغصون 5/ 7/ 1986. 

نمر المتروك. 73 عامّاء ذناية 6/ 7/ 1986. 

حسين قاسمء 68 عامّاء شويكه 6/ 7/ 1986. 

محمود نايفة» 65 عاماء دير الغصون 7/ 7/ 1987. 

محمد قدورة؛ 67 عامًاء طولكرم 10/ 8/ 1986. 

رشيد الشيخ غانم» 63 عاماء طولكرم 10/ 4/ 1993. 
الأستاذ عبد القادر عرفة» 50 عامّاء طولكرم 15/ 4/ 1993. 


الأستاذ عبد الرحيم أبو صالحء 47 عامًا دير الغصون 16/ 4/ 1993. 


أجرى المقابلات الآتية رائد مسعود عبد الله أبو ليلى مع أهالي قرية أم خالد 


المدمرة والمهجرة من قضاء طولكرم؛ خلال عام 2004. 


عبد الرحيم محمود جابر من سكان أم خالد 76 عامًا مخيم طولكرم 21/ 4/ 2004 
عائشة علي محمود القاسم من سكان أم خالد 85 عامًا مخيم طولكرم 


20 8 


صالح مسعود صالح حمدان من سكان أم خالد 76 عامًا طولكرم 24/ 4/ 2004 
محمد إبراهيم سليمان الشيخ ياسين من سكان أم خالد مواليد 1931 مخيم 


طولكرم 24/ 4/ 2004 


553 


كمال حسين محمد الشيخ علي» من سكان أم خالد 63 عامًاء مخيم طولكرم 
2/ 4/ 2004 

منصور سعيد الجلاد» من سكان أم خالد 8/ عامّاء طولكرم 4 004. 

لبيبة أحمد الهمشريء من سكان أم خالد» 82 عامًاء طولكرم 28/ 4/ 2004. 

سعاد ناصر ع أم خالد» 72 عامًاء طولكرم 26/ 4/ 2004. 

أحمد محمد أمين ست ستيتي» من سكان أم خالد» 71 عاماء ارتاح - طولكرم 
7 . 

حليمة أحمد حمدان الهمشري» من سكان أم خالد. مواليد 1948» طولكرم 
2 5 . 

فريدة حمدان الهمشريء من سكان أم خالد. 85 عامّاء طولكرم 16/ 6/ 2004. 

مصطفى مصلح رسلان؛ من سكان وادي الحوارث» مخيم طولكرم 13/ 2004/6. 

صبحه ناصر الجلاد» من سكان أم خالد» 81 عامًاء طولكرم 15/ 6/ 2004. 
أجرت المقابلات الآتية: نهاية عماد غضية مع المهجرين من سكان وادي 

الحوارث ووادي القباني في قضاء طولكرم. 

أحمد الغانم» من سكان وادي الحوارث» 105 أعوام» مخيم طولكرم 
7 . 

آمنة محمد عبد الكريم نسيمي» من سكان وادي القباني» 75 عامّاء مخيم طولكرم 
09.. 

حسنة ذياب ذيب عثمان» من سكان وادي القباني» 0 عاماء مخيم طولكرم 
146 . 


خالد علي مرعي» من سكان وادي القباني» 0 عاماء مخيم طولكرم 
8 . 


خليل محمد مرعي. من سكان وادي القباني» 65 عاماء مخيم طولكرم 
8 .مه 


خضرة مصلح أبو مريم» من جماسين متزوجة في وادي القباني» 80 عامّاء مخيم 
طولكرم 11/24/ 2004. 


5354 


ذياب ذيب صالح عثمان من سكان وادي القباني» 7 عاماء مخيم طولكرم 
44.. 

سمية صلاح عيد الرحيم العجاج» من سكان وادي القباني» 5 عام مخيم 
طولكرم 2004/11/27. 

عايشة محمد اشتيوي. من سكان وادي القباني» 0 عاماء مخيم طولكرم 
9 . 

فاطمة علي موسى نسيميء» من سكان وادي القباني» 77 عامّاء مخيم طولكرم 
46 

محمد عكاشة. من سكان عرب التفيعات» 70 عاماء مخيم طولكرم 
5 . 

مصلح عبد الرحيم صالح أبو مريم» من سكان وادي القباني» 98 عامّاء مخيم 
طولكرم 11/4/ 2004. 


مصطفى سرحان»ء من سكان وادي القباني» 5 عامالء مخيم طولكرم 
5 


أحمد علي بدير» 62 عامّاء عمان 15/ 6/ 1995. 
سعيد عبد الرحمن بدير» 57 عامّاء عمان 14/ 6/ 1995. 
المهندس محمد سعيد عرفة» 50 عامّاء صويلح 17/ 6/ 1995. 
الدكتور عمر سليمان مكحلء 38 عاماء عمان 20/ 6/ 1995. 
إبراهيم قوزح.» 55 عامّاء مخيم البقعة» عمان 20/ 6/ 1995. 
توفيق شربجي» 50 عامّاء صويلح عمان 21/ 6/ 1995. 
المقابلات الآتية مع أهالي قرى: رمل زيتاء المنشية» زلفة» الجلمة» قرية 
قزازة. أجرى المقابلات انتصار زبيدي. 
أحمد توفيق الزبيدي» 76 عامّاء زيتا - طولكرم 16/ 4/ 2006. 
بشير إبراهيم رباح» 97 عامّاء زيتا - طولكرم 10/ 4/ 2006. 
جبر محمود مرعيء 71 عاماء زيتا - طولكرم 1/ 5/ 2006. 


5315 


جلال حسني أبو حمدة» 72 عامّاء زيتا - طولكرم 13/ 5/ 2006. 
جميلة توفيق الزبيدي» 75 عامّاء زيتا - طولكرم 28/ 4/ 2006. 
حنيفة محمد الشيخ عليء 87 عامّاء زيتا - طولكرم 15/ 4/ 2006. 
حسن عبد الله سمارة» 82 عامّاء زيتا - طولكرم 1/ 6/ 2006. 

خضرة علي غرغور سمارة» 72 عامًاء زيتا - طولكرم 28/ 4/ 2006 
خديجة حسين العيد» 87 عامّاء زيتا - طولكرم 16/ 4/ 2006. 

راشد محمد محمود صالح.ء 78 عاماء زيتا - طولكرم 25/ 4/ 2006. 
زمرد يحيى صالح غضية: 80 عاماء زيتا - طولكرم 10/ 4/ 2006. 
سعاد حسن أبو حمدة؛ 90 عامًّاء زيتا - طولكرم 27/ 4/ 2006. 
عدنان محمد أحمد عيد» 55 عامّاء زيتا - طولكرم 24/ 4/ 2006 
عفيفة عيسى حدربء 80 عاماء زيتا - طولكرم 25/ 4/ 2006. 

فضة أحمد أبو جزرء 72 عامّاء زيتا - طولكرم 16/ 4/ 2006. 

محمد حمدان أبو جزرء 72 عامّاء زيتا - طولكرم 18/ 5/ 2006. 
محمد رشيد عبد الفتاح آسياء 3 عامّاء زيتا - طولكرم 13/ 4/ 2006. 
مريم فايز خربط» 70 عامًاء عتيل - طولكرم 24/ 4/ 2006. 

مصطفى أحمد حسونة» 69 عامًّاء زيتا - طولكرم 15/ 5/ 2006. 
يوسف صالح اليوسف أبو آسياء 87 عامّاء عتيل - طولكرم 7/ 5/ 2006. 


إبراهيم الصالح» من سكان برج العطعوط. 85 عامّاء مخيم طولكرم 
0 . 


أمين القطوء من سكان طولكرم, 72 عامّاء 11/30/ 2006. 

تميم محمد أحمد عطعوطء» من سكان بيت ليد 65 عامّاء 5/ 12/ 2006. 
زهير الحج» من سكان طولكرم» 0 عاماء 6/ 12/ 2006. 

عبدالوهاب عطعوط. من سكان بيت ليد 60 عامّاء 5/ 12/ 2006. 
محفوظة العلي» مخيم طولكرم, 65 عامّاء 12/18/ 2006. 


5316 


محمد إبراهيم سليمان ياسين» مخيم طولكرم.؛ 75 عامّاء 11/8/ 2006. 
فلاح الشايبء بيت ليدء 62 عامّاء 5/ 12/ 2006. 


من أرشيف تسجيلات التاريخ الشفوي مخيم نور شمس: 
مصطفى عبد الرحمن أبو دية» 73 عامّاء مخيم طولكرم 20/ 4/ 2009. 
صالح جبر الضميريء 75 عاماء مخيم طولكرم 20/ 4/ 2009. 
سعيد سليمان؛ 80 عامّاء مخيم نور شمس 4 + 2009. 
مصطفى أبو عواد؛ 72 عامّاء مخيم نور شمس 25/ 4/ 2009. 
فوزية سمارة» 70 عامّاء مخيم نور شمس 30/ 4/ 2009. 
آمنة سليط. 72 عامّاء قفين 3/ 5/ 2009. 
عبد اللطيف سلمانء 73 عاماء قفين 1/ 4/ 2009. 
مريم الشيخ ياسين» 72 عامّاء طولكرم 25/ 4/ 2009. 
حسن سليط» 72 عامّاء مخيم نور شمس 1/ 5/ 2009. 
الأستاذ جمال عياط» 53 عامّاء طولكرم 11/ 5/ 2009. 
أحمد غانم (أبو محمود)؛ 95 عامّاء مخيم طولكرم 4/ 6/ 2009. 
محمد حسن رضوان (أبو فيصل)» 70 عامّاء مخيم طولكرم 3/ 6/ 2009. 
عبد الله سلامة (أبو يوسف)» 63 عامّاء مخيم طولكرم 11/ 5/ 2009. 
عبد الفتاح زهران» 2 عاماء طولكرم 25/ 4/ 2009. 
فوزية سمارة» 70 عامّاء مخيم نور شمس 30/ 4/ 2009. 
آمنة سياف. 60 عامّاء طولكرم 1/ 5/ 2009. 
خضرة مجاهد علي النيصء 81 عامّاء قلقيلية 20/ 4/ 2009. 
عثمان عمر محمد النيصء 73 عاماء قلقيلية 20/ 4/ 2008. 
صبحية مسعود. 90 عامّاء قلقيلية 20/ 4/ 2008. 


521317 


الورقة العشرون 
مجزرة الصغصاف كما رواها الناحوت(*) 
9 تشرين الثاني / نوقمير 1948 
محمود زيدان 


© 


مقدمة 


الصفصاف من قرى الجليل الأعلى في شمال فلسطين. هب أهلها كسائر 
الفلسطينيين» في جميع قرى فلسطين ومدنهاء مندفعين بنقاء العزيمة والعنفوان 
الفطريين ومن دون استعداد أو عتاد لمواجهة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني 
الممنهج ووسائل التطهير العرقي والتهجير اللذين مارسهما في أكثر من مكان» 
وكانت سببًا مباشرًا لنشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين. 


فضحت كتابات المؤرخين الجدد2 حديئًا سيناريوات التهجير والترحيل 
والقتل التي مورست بالجملة ضد الفلسطينيين. وما عاد اليوم في استطاعة 
إسرائيل إنكار مسؤوليتها الكاملة الأخلاقية والمادية عن حدوث قضية اللاجئين. 


(*) للاطلاع على روايات الناجين في هذه الدراسة وغيرهاء مراجعة أرشيف النكبة الذي أنشأه 
الباحث وزميلته ديائا ألان ويحوي مئات الساعات المصورة من روايات التاريخ الشفوي الموثقة كما 
رواها الجيل الأول من اللاجئين الفلسطيتيين إلى لبنان» والذي يجري العمل حاليًا على تنفيذ مشروع 
ضمه رقميًا إلى مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت. 


(0) علللنا/! عولتتطصه) ,لمتئنكت8 «رعاطور! ععهناله 8 «متمتععاوط وثلر زه جطرز8 716 ,كترمك! برممعع 
.(2004 ,جوعء2 لاأومعلالونا ععلت7نطتهمن) ملعملا بجعل8 وعم ل 7رطتممه) 18 زكعنليدة5 أكمدع 


59 


قتراها اتتقلت من مرحلة الإنكار إلى مرحلة التبرير. وفي هذا الشأن يقول المؤرخ 
الإسرائيلي» بني موريس*» إنه لا يبرر الاغتصاب والمجازر التي ارتكبت» لكنه 
لا يرى أن عملية الترحيل جريمة حرب تدان عليها إسرائيل. ويبرر ذلك بقوله 
إنه لا يمكن للمرء «صنع عببّجة من دون كسر بيض. ولا بد من اتساخ يديه4» أي 
إنه لولا ارتكاب إسرائيل تلك الجرائم لما تمكنت من إنشاء دولتها التي لا تزال 
تكسر البيض لصنع أصناف أخرى من الطعاه©. 


لم يوئّق كثير من المجازر وعمليات الطرد والتهجير والترحيل القسري 
وظلت في طي النسيان. ولا يشكل ما اطلع عليه المؤرخون الإسرائيليون الجدد 
من أراشيف الكيان الصهيوني ونشروه إلا شذرات مما حصل في حرب التكبة 
في عام 1948. ولا نزاع إلى حد ما في مقولة أن الفلسطينيين أخفقوا في تقديم 
دراسات مهمة تعالج نزوحهم من ديارهم ونشوء مشكلة اللاجتين47)؛ إذ انشغل 
الفلسطينيون في الأعوام الأولى من نكبتهم يلملمون جراحهم ويحاولون 
العيش والبقاء في شتاتهم الجديد القاسي. علاوة على ذلكء بعد انطلاقة الثورة 
الفلسطينية المسلحة في عام 1965 التي حملت لواء التحرير والعودة» أغفلت 
الرواية الشفوية ولم تحظ تجربة الحرب والاقتلاع بما يليق بها من توثيق. في 
حين نشر الصهيونيون مئات الروايات والوثائق التي شكلت أساسًا ومرجعًا 
لكثير من الدراسات والبحوث في هذا المضمار. 


يؤكد كثير من الدراسات أن عمليات القتل والترحيل التي مورست ضد 
الفلسطينيين لم تكن عشوائية» بل توزعت استراتيجيًا وفق خطة كانت معذة 
بدهاء لتطهير المناطق التي كان مزمعًا إنشاء #وطن قومي» لليهود فيها. ومن هذه 
الأمئلة المجزرة التي ارتكبت في الصغصاف ولم تحظ مثل سواها من المجازر 
بالبحث والتوثيق الكافيين لفهم تضحيات أهاليها وصمودهم ومعاناتهم 


(2) مؤرخ إسرائيلي من مواليد 1948» من أكثر الشخصيات المؤثرة في تيار المؤرخين الجدد 
الذين أعادوا كتابة التاربخ الإسرائيلي الحديث. 
(3) في مقابلة مع مراسل بي بي سي. انظر: -صه/0:2/2004/01/16.طعسدجغاصدامء ب /لنمنا> 
.<5 02011 -لإلنصعط - لابب بجع :بع 101 
)4( 871 15 بكتكرهكة 


وخسائرهم جراء التطهير الذي لم يرحم شيحًا أو امرأة أو طفلاء وبالتالي إدراك 
الأسباب التي اضطرتهم إلى مغادرة بيوتهم واللجوء إلى لبنان وغيره من الدول 
العربية حيث الملجأ والمأمن من سكاكين المستوطنين ورصاص بنادقهم. 

نسلط فى هذه الدراسة الضوء على مجزرة الصفصاف وما رافقها من 
حوادث بلسان الشهود عليها والناجين من أهل القرية» حيث قُتل أكثر من 
سبعين شخصًا على أيدي العصابات الصهيونية المهاجمة في أعقاب احتلال 
القرية في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948 بعد استبسال الأهالي في مقاومتهم. 
فكان الانتقام قاسيًا وعنيفا بعد احتلال القرية» حيث قامت القوات المهاجمة 
بجمع الشباب والشيوخ والنساء والأطفال الذين بقوا في القرية وقتلوهم بدم 
باردء واغتصبوا خمس نساء على الأقل. وآثر من نجا من السكان مغادرة القرية 
«موقتًاة حتى تهدأ الأوضاع وينجلي غبار المعارك؛ إلا أن الأمور زادت تعقيدّاء 
ومر أكثر من سبعة وستين عامًا ولمَا ينجل شيء. لكن على الرغم من ذلك» لم 
يفقد اللاجئون أمل العودة إلى بيوتهم وقريتهم. 

تقوم هذه الدراسة على مقابلات وشهادات شفوية مع نحو 30 رجلا 
وامرأة من أهالي القرية عايشوا المجزرة» وهم موزعون بين لبنان وسورية. 
واعتمدت في المقابلات منهجية الحياة الشخصية للأفراد الذين كانوا في القرية 
قبل المجزرة وفي أثنائها وبعدها. وتناولت طفولة كل منهم وعمله وأسباب 
مغادرته القرية. إلا أننا نركز هنا على القسم الثالث من المقابلات الذي تناول 
المجزرة. 

تقسم هذه الدراسة الى أربعة مباحث: يشكل المبحث الأول مدخلا يسلط 
الضوء على القرية من حيث موقعها وتعداد سكانها. ونتناول في الثاني أوضاع 
الحرب والهجوم على الصفصاف. ويعرض وضع القرية وسكانها قبل ارتكاب 
المجزرة. أما الثالث فخصصناه للمجزرة وأهوالها وتفصيلات الهروب من 
القرية. والرابع خلاصة عن أهمية هذه الشهادات الشفوية ودورها في إغناء 
التاريخ المكتوب. وتضم الدراسة ملحمًا يحوي أسماء من جرى التعرف إليهم 
من ضحايا المجزرة. 


541 


أولا: الضفضاف: موقعها وسكانها 

الصفصاف قرية عربية فلسطينية صغيرة من قرى الجليل الأعلى في شمال 
فلسطين. تقع على سفح جبل الجرمق» وتمتد على الجهة الشرقية للطريق 
المؤدية إلى صفدء وتقع على بعد سبعة كيلومترات منها. تحيط بها من الشمال 
قريتا الجش والرأس الأحمرء ومن الجنوب قرية ميرون» ومن الشرق قريتا قديثا 
وطيطباء ومن الغرب قرية سعسع. 1 

الخريطة (1-20) 
موقع قرية الصفصاف في الشمال الفلسطيني 


مارون الراس 


ال 1 كمد ابن 
العدود الفلسطينية اللبناتية 55 


صلحة 





الخريطة (2-20) 
خريطة تفصيلية لقرية الصفصاف 












1- منزل أحمد شريدي (البيك) 9- معصرة الزيتون 

2- مقبرة العرب 0- مسجد القرية 

3 - منزل إسماعيل زغموت 1- المقبرة التحتا 

4- المدرسة القديمة 2- جدار دفاعي بارتفاع مترين وسماكة 
5- المقيرة الفوقا متر. بناه القرويون لحماية القرية من 
6- مقام ومزار الشيخ عبد الله الهتجؤم الضهيوتي المرتقبت 


14+3- مركز قيادة جيش الإنقاذ 
5- العين الفوقا حيث رُميت جثث 
القتلى 
أعاد الباحث؛ بالتعاون مع الأكاديمي علي زيدان» وإسماعيل الشيخ حسن (حيفا) رسم 
الخريطة من ذاكرة سكان القرية الأحياء الذين جرت مقابلتهم» والذين وصفوا بالتفصيل أماكن 
بيوتها وطرقاتها. ومن الذين ساهموا في ذلك: محمد نمر قاسم (1930). علي محمد إبراهيم 
حمد (1930))» أبو علي يونس (1932)» نمر شريدي (1936)» أحمد سعيد شريدي (1934) 


7 كدرسة الفرية 
8- سوق القرية (سوق الصفصاف) 


5243 


بلغ عدد سكان القرية في عام 1948 نحو 900 نسمة» كلهم من 
المسلمين. وبلغ عدد منازلها 325 منزلاء موزعة على حارتين: الحارة الفوقا 
والحارة التحتاء القسم الجديد من القرية وتمر من أمامها طريق عام صفد. كان 
في القرية مسجد وبضعة محال ومدرسة ابتدائية تقدم التعليم الأساسي حتى 
الصف الثالث الابتدائي» وكان يؤمها آنذاك تلامذة من القرى المجاورة. 

كان أهالي الصفصاف يعتاشون على تربية المواشي والاتجار بهاء وعلى 
زراعة الزيتون والعنب والتين والتبغ. وكان لهم علاقات جيدة مع جيرانهم 
وعلاقات تجارية مع بعض التجار اليهود. وكان في القرية سوق تبدأ في يوم 
الخميس عصرًا حتى الجمعة مساءً» لكنها انتقلت إلى قرية الجش قبل النكبة بعام. 


الحدول (1-20) 
مساحة أراضي قرية الصفصاف (بحسب إحصاء عام 1945) 


شت | يه 00 
ا 
0 









, </قة 50/585817 52 /طدم» . لعتعطا ماع تع ستاعع لهم بجبج بم //: مقاط > 


لم يكن في القرية» ولا في جوارهاء أي مستوطنات يهودية» ولم يكن 
لأهالي القرية أي نشاط سياسي يُذكر. وكانوا منهمكين بزراعة حقولهم» ومنهم 
من التحق بالشرطة البريطانية التي كانت توفر فرص عمل مغرية لكثير من 


4+4آ5 


انيًا: الحرب والهجوم على الصفصاف 

كان الهجوم على قرية الصفصاف مخططا له مع باقي القرى المجاورة 
في الجليل الأعلى ضمن ما عرف ب #عملية حيرام». ولم يكن لدى الفلاحين 
الفلسطينيين فى هذه القرى أدنى مقومات المواجهة أو الصمود لغياب الخطط 
وقلة المقاتلين والافتقار إلى العتاد والسلاح. على الرغم من أن القرية كانت 
في الشهور الأولى لحرب 1948 مقرًا لقيادة فوج اليرموك الثاني (من أفواج 
جيش الإنقاذ*») الذي كان يقوده أديب الشيشكلي”»؛ فإن هذه القوات لم تعمل 
على تدريب شبان القرية أو تسليحهمء بل سحْروا الأهالي في بناء المتاريس 
والاستحكامات. كما أن أداء متطوعي جيش الإنقاذ في القرية غير مُرض؛ حيث 
أثقلوا الأهالي بأوامرهم؛ وسرعان ما توترت العلاقة بينهم يسبب بعض طلباتهم 
الغريبة. فكان متطوعو الجيش يجبرون الأهالي على القيام بأعمال فوق طاقتهم. 
ومن التجارب المريرة لأهالي القرية مع متطوعي جيش الانقاذه روى خالد 

حسين اليوسف (01908: (كنا عاملين لجنة بالبلد وكنا نوديلهم أكل للجنود 
بعدين صارت طلباتهم تزيد. مرة إجا الضابط. قال بدنا مر ة تنظفلنا. قلنالوا شو 
مفكرين حالكم؟ إحنا إذا زلمة طلّع (نظر إلى) بمرة بروح عشر قتلى»"!. 

من جهة ثانية» بدا تقصير جيش الإنقاذ تجاه القرية وأهلها من حيث العتاد 
والتسليح. فكان الأهالي يستخدمون مدخراتهم ويتشاركون في شراء بندقية» 
على الرغم من عدم قدرتهم على توفير الذخيرة الكافية. فكان كل خمسة أو 

ا ا و ا ا ا ا ا ا و 
متطوعًا مسجلا في وثائق الجامعة العربية) لم د يحسن اختيارهم وتهيثتهم للمهام الجسام التي بُعثوا من 
أجلها. انظر: ,<1[0-68146يةععاء ره دل0 و 7 تصدمء. 8 لوط وهة. بججج م //ثمااط> 

(6) أصبح رئيسًا لسورية بين عامي 1953 و1954. 

(2) أجرى الباحث معه المقابلة في مخيم عين الحلوة: لبنان» في كانون الأول/ ديسمير 2003. 

(8) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني [أنشأنا لجنة في القرية لتنسيق 
الحراسات مع جيش الإنقاف وكنا ترسل الطعام إلى الجتود. ومن ثم زادت طلياتهم. فذات مرة جاء 
الضابط وطلب امرأة لتنظف لهم. قلنا له: ماذا تعتقدون أنفسكم؟ إذا نظر رجل إلى امرأة (يقصد امرأة لا 
يعرفها)» فيقتل عشرة أشخاص من جراء ذلك] (في دلالة على التقاليد المحافظة التي تمنع خخروج المرأة 
واختلاطها يغير المحارم). 


5345 


ستة شبان يتناوبون على بندقية واحدة. وتمكن الأهالي من جمع ما يكفي من 
المال لشراء الأسلحة» حتى صار في القرية نحو 100 بندقية ورشاشين كانوا 
يتناوبون على حملها للحراسة. ويشرح محمد نمر قاسم (1931) ذلك بحرقة 
ممزوجة بالسخرية: «كان يطلع على الحراسة حراس ثنين كل ليلة. واحد معو 
بندقية وواحد أمامو كوم حجار حتى يقدروا يواجهوا بالحجارة0””*». ويضيف 
أنه كان ينوب فى الحراسة عن أبيه وعمه. وكان عندما ينوب عن عمه» تكون 
البندقية مع أحد أقاربه» في حين كان يقف هو أمام كومة من الحجارة. 

لكن ما إن دقت ساعة المواجهة حتى انكشف ضعف الأهالي والفلاحين 
في المنطقة» وعدم جهوزيتهم لصد هجوم العصابات الصهيونية. ففي يوم واحد 
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 21948 سقط معظم قرى الجليل الأعلى. 
مثل دير حنا وعيلبون وعرابة وإقرت ومعليا وغيرها. أما الصفصاف فقصفتها 
الطائرات الحربية قبل الهجوم عليها في 28 تشرين الأول/ أكتوبر» سقط من 
جرائه أول شهيد في الصفصافء هو الشاعر محمد محمود زغموت. 

تزامن ذلك القصف بأوامر صدرت إلى قيادة جيش الإنقاذ بالانسحاب 
من تلك القرى» ولم يبق منهم في قرية الصغصاف إلا أفرادًا معدودين» وثّرك 
الأقلي يواجهون العصابات الصهيونية وهم كلك نقصًا في الرعداة والعتاد. 
القرية. وورد في 0 شهادة اسم لعزا حسين زينة ة الذي تقر ذكره 
بالدعاء له بالرحمة والخير. فيروي أحمد سعيد شريدي (5 0200192 أحد 
المدافعين عن القرية: بعثلنا الأتاسي 2 خبر إنو فش ذخيرة» وقال يا شباب 

(9) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني [كان يذهب إلى الحراسة 
حارسان في كل ليلة. أحدهما كان يحمل بندقية» والآخر أمامه كومة من الحجارة» لاستخدامها (سلاحًا) 
في مواجهة أي هجوم]. 

(10) انظر: وليد الخالدي كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 واسماء 
شهدائهاء ترجمة حستي زينة (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطيتية» 1997). 

1 ) أجرى الباحث معه المقابلة في معخيم عين الحلوة» لبنان» في كانون الأول/ ديسمبر 2003. 


(12) جودت الأتاسي» أحد القادة العسكريين في جيش الإنقاف كان مرابطا في نواحي صفد. 
قاتل ضد الفرنسيين» وجاهد في فلسطين. 


6آ1ذ5 


ممنوع الرصاص الا بالجلد» إلا بالعدوء إذا واحد بيطلق طلقة بدون ما يكون 
فى عدو وتيجى فيه» معناه هذا بدي أجازيه جزا كبير422. 


شن رجال العصابات اليهودية هجومين على القرية. كان الهجوم الأول 
من طريق صفدء وتمكن رجال القرية مع عناصر جيش الإنقاذ من صده. وكانت 
معنويات أهالي القرية عالية» فلزموا قريتهم» وعاد من فر منهم إلى قرية يارون 
المجاورة. أما الهجوم الثاني فتزامن مع قصف لطائرات وهجوم الدبابات 
وتسلل قوات راجلة. وفي هذا الوقت كان جيش الإنقاذ قد انسحب عمليًا 
من المواجهة» وتمركز في قرية الجش المجاورة» ولم يكن في القرية في أثناء 
هذا الهجوم غير عدد قليل من المقاتلين غير المدربين تدريبًا جيدًا والمنهكين 
للدفاع عنها وصد الهجوم المتعدد القوات. ويفيد أحد المقاتلين آنذاك محمد 
نمر قاسم (1931)» أنه أصيب في موقعه» ولم يجد من يسعفه. فأشار عليه 
رفقاؤه» كونه لا زال قادرًا على الوقوف والمشيء أن يتوجه بنفسه إلى القرية 
ويُسعف نفسه. لأنه لو رافق رجل كل مصاب لخلت الجبهة من المقاتلين؛ 
وبالفعل مشى محمد نمر تلك المسافة وجرحه ينزف لعدم وجود عدد كاف من 
المقاتلين أو الدعم الذي كان مطلوبًا لصد الهجوم على القرية. 

بدأت معركة الدفاع عن الصفصاف قبل غياب الشمسء وكان المقاتلون قد 
بدأوا يسمعون هدير الآليات العسكرية الزاحفة من جهة. ومن جهة أخرىء؛ كان 
يأتيهم صوت تحركات إنزال وزحف راجل لجنود مشاة على القرية. وبحسب 
شهادة أحد المقاتلين الذي كان متمركرًا مع آخرين في الجبهة الشرقية» أنهم كانوا 
يطلقون الرصاص بكثافة وبشكل منظم من دون أن يروا شيئّاء إذ كانوا يصوبون 
فوهات بنادقهم باتجاه مصدر صوت العدو أو حركات ميليشيات العدو. ويفيد 
الشهود أنهم كانوا يسمعون فور إطلاق الرصاص في اتجاه الصوت صراخ الجنود 
الصهاينة وعويلهم, الأمر الذي دفع القوات المهاجمة أن تغير مسار تقدمها 

(13) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني: أرسل إليئا الأناسي أنه 
لايوجد ذخيرة» ويمنع إطلاق النار إلا في أجساد العدوء وإذا ما أطلق أحد رصاص من دون أن يرى 


عدوّاء فسأعاقبه عقايًا شديدًا. 


507 


إلى جهة الجنوب بدلا من الشرق. وفي هذا الشأن يشرح محمد سعيد شريدي 
تفصيلات تلك الساعات: كنا نسمع صواتهم يقولوا كديما. وإحنا نبلش فيهم. 
يقولو كاديماء كاديماء وإحنا نازلين فيهم» أحط إيدي عالحديدة (يقصد البارودة) 
نار حمراء نطرت تبرد شوي ونبلش.. نغني وين راحوا الشباب؟ وين راحو 
النشامى؟ بعد شوية؛ انقلبت الجبهة من الشرق عالقبل. بعدين شوي شوي النار 
ولعت بميرون. وصار الضرب يبجي من الغرب» وضرب قوي مش هيّن. رحت 
لمحمود الحسين قلتلو خلص البلد سقطت*2©. 

كان ذلك الالتفاف مباغتّاء ولم يتمكن المقاتلون من الانسحاب. فمنهم 
من استشهد في الجبهة» ومنهم من قتل وهو يحاول الانسحاب. وقليل منهم 
تمكن من تدبر أمره فعاد إلى أهله أو غادر القرية. 

ثالما: المجزرة 

في اللحظات الأولى من سقوط القرية تبدد أمل الأهالي في إمكانية بقائهم 
في منازلهم» حتى تحت الاحتلال. وكان قلة قليلة منهم حالفها الحظ في مغادرة 
القرية في ساعات الفجر الأولى تحت أزيز الرصاص وقصف المدافع» قبل بدء 
المجزرة. ومع بزوغ ساعات الصباح الأولى كان رجال العصابات الصهيونية قد 
أحكموا السيطرة على القرية من جميع الجهات» حيث ما كان في مقدور أحد 
الدخول إليها أو الخروج منها. 


كان جميع من بقي من الأهالي قد احتمى في أثناء المعركة في منزلين من 
منازل القرية من جهة الشمالء» من ناحية قرية الجش: منزل إسماعيل الناصر 


(14) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني: كنا نسمعهم [أي اليهود] وهم 
يصيحون 2كديما» [بالعبرية إلى الأمام]؛ وكنا نطلق عليهم الرصاص.. يصيحون «كاديما.. كاديما»» ونحن 
نطلق عليهم الرصاص. وضعت يدي على البندقية» فإذا بها ساخنة» فانتظرت حتى تبرد قليلاء وعاودنا 
إطلاق الرصاص. كنا نغني «أين ذهب الشباب؟ أين ذهب النشامى؟ بعد قليل تحولت الجبهة من الشرق إلى 
الجنوب. ومن ثم رويدًا رويدًا بدأت النيران تشتعل في ميرون [قرية فلسطينية كانت تبعد 5 كيلومترات إلى 
الغرب من مدينة صفد وتطل على الصفصاف من الجنوب]ء ويدأ الرصاص يأتينا من الغرب» وكان القصف 
شديدًا. ذهبت إلى محمود الحسين [أحد المدافعين عن القرية] وقلت له: انتهى الأمر.. سقطت القرية». 


5458 


ومنزل أحمد شريدي الملقب بالبيك» وكانت قلة قليلة من كبار السن لزمت 
منازلها. 

انتشر رجال العصابات الصهيونية في القرية انتشارًا هستيرياء فقتلوا - 
بحسب روايات الناجين كل من صادفوه في طرقاتها. فصادفوا نمر زغموت 
(30 عامًا) وهو عائد من الجبهة ولا يزال يرتدي سترة الذخيرة ويحمل بندقيته 
على كتفه» وكان يحمل حسن ابن أخيه فوق رقبته. فأنزله الجنود الصهيونيون 
وقتلوه أمام عيني ابن أخيه. وحصل ذلك أيضًا مع عبد أحمد شريدي الذي كان 
مسؤولا عن تنظيم الحراسات الليلية في القرية» حين صادفوه في شارع القرية 
فقتلوه طعئًا بخنجر. وكانت عزيزة شريدي (40 عامًا) قد تركت بيتها هاربة 
لتلتحق بباقي أقاربها الذين تجمعوا في منزل البيك» فصادفها اليهود وقتلوها 
هي وابتتها التي لم تتجاوز عامًا ونصف العام. 

توالت أهوال القتل الهستيرية» فوصلت عدوى القتل إلى الآمنين في منازلهم» 
فدخل عليهم رجال العصابات الصهيونية وقتلوهم بدم بارد» وكان من بين القتلى 
رجال في السبعينيات. ثم بدأوا يجولون على المنازل يجمعون الشبان لقتلهم. 

قليلة هي المجازر التي تروى تفصيلاتهاء كما تُروى تفصيلات مجزرة 
الصفصاف بدقة متناهية» وذلك بسبب وجود ناجيين اثنين: عبد قاسم يونس 
وجبر محمد يونس» وكلاهما يتقن اللغة العبرية» حيث اقتيدا إلى ساحة 
القتل. رايا إصابات بالغة» كانت لا تزال آثارهما بارزة عندما تحدثنا إليهما 
قبل أعوام» لكنهما لم يقضيا. ويينما هما ممددان بين الضحاياء سمعا رجال 
العصابات الصهيونيين يحثون بعضهم على ضرورة قتل الأحياء من الضحاياء 
فتظاهرا بالموت حتى انصرفوا. 

روى لنا عبد قاسم يونس (أبو كامل6*" أنه كان قادمًا من المطحنة وهو 
يجهل أن القرية باتت تحت سيطرة الغزاة الصهيونيين» وتعدٌ شهادته بمنزلة 
تصوير فوتوغرافي لإرهاب العصابات الصهيونية التي ارتكبت المجزرة: «أنا 


(15) أجرى الباحث المقابلة معه في مخيم عين الحلوة, لبئان» في 12/14/ 2003. 


5219 


واقف عالباب» ومنيرة وكامل (طفليه) ومرتي وامي واقفين عالباب. جايب 
شوية حلو للولاد. أول ما دق فبي قلتلهم خذوا هذا آخر عطا من أبوكم. 
أول ما دق فيي.. امي مسكتني من ذراع وهو مسكني من ذراع» وولادي عند 
اجري. وبلش يسحب بالشباب. سحب 17 شب. في منهم ما بتجاوزوا ال 
7 سنة.. بعدو الشعر يا دوب طالع بوجهم.... ابن عمي عدموه عمره 12 
سنة» كان بعدو ماسك قمباز أبوه]!©. 


ثم توجهوا إلى المنازل» وأخرجوا منها الشباب. كان فارس زغموت 
مختبثًا بين النساء ووضع في عينيه تبعًا فاحمرت عيناه» وحين دخل عليه رجال 


العصابات الصهيونية ادعى أنه أعمى» وتمكن من النجاة. 


يكمل أبو كامل يونسء قائلا: «سحبوا الشباب ودارونا من باب لباب 
ودارونا عالحيط. صارت الشباب تتخبى ببعضها البعض. فى واحد حط راسه 
تحت باطي. أخوها لام كامل الكبير عمره شي 35 سنة؛ قلو منشان الله. قلو 
اليهودي دير راسك يا خمار. ورشونا.. والله الحيط اللي متركي عليه يهز هز. 
لأنه سلاح يفر فر.. مش عارف شو شكله؛ مثل المدفعية رشاش. لما قوصوني 
اجا رصاص بذراعي هون. اجا للي متخبي فيي هون (مشيرًا إلى رقبته) ذبحه 
ولله عظمة حنكو شفتها شوف عيني. اجتنا رشة هون شطف (مشيرًا إلى 
صدره)»ء ورشة حرقت الجاكيت من ورا شطف. وقعت.. لما وقعت اجا هو 
الع وش ب 37 ولو لو ا 
واحد اسمه قاسم حمد أبوه لأبو أيمن. أصبحت كأني ببير دم. شوي ولا 
إجت ختيارة من جماعتناء قعدت تتفقدء ولا وقفت فوق راسي. قلتلها شوفي 
أنا طيب روحي قولي لأمي أنا طيب. قلتلها روحي يمكن اليهود اسا يرجعواء 


(16) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني: كنت واقفًا أمام باب منزلي أنا 
وطفلي منيرة وكامل وزوجتي وأمي. كنت قد أحضرت حلويات لأولادي. وقلت لهما: خذا هذا آخر 
عطاء والدكما. كنت أول من أمسك. . فأمسكتني أمي من ذراع وهو (اليهودي) من ذراع» وكان طفلي 
عند رجلي. وبدأ يجمع الشباب (يخرجهم من المنزل). جمع 17 شابًاء منهم من لم يتجاوز السابعة 
عشرة؛ بالكاد نبت الشعر في وجوههم.. .. ابن عمي أعدموه وكان في الثانية عشرة» كان لا يزال ممسكا 
ما نرت كان يرتديه الرجال في بلاد الشام] أبيه . 


5250 


وإصحك امي تيجي لعندي.. كإنو واحد قلي اليهود بدهم يرجعوا. ولا إجا 
اثنين يهود. واحد دغري لفوق راسي» واحد وقف مثل الشباك (بعيد شوي 
مسافة مترين) قلو بالعبراني: بويش كخاش روح بوتيلو: يعني في واحد بعد فيه 
روح تع انطيلو (اقتلو). في أناء وفي الشاب ابن خالد عسقول اللي أبوه حط 
الحطة على خصره. قلت يمكن إلي يمكن إلو. بس أنا شايف شو عم يشتغلو. 
بما إنو الحطة كلها دم معتمة شوي. نادى لرفيقو قلو تع انطيلو» تع قوصوء تع 
كمل عليه. حط الستن على ركبتو وفلت مئو طلقتين. اجوه بخصرتو. م طلعش 
منو ولا نتفة دم. صار دمو مصفى. عض ع شفتو واستشهد. نفذو منو (الطلقين) 
وأنا نايم على ظهري واجو في بصدري. جيش الانقاذ كان بعدو بسعسع صار 
يضرب عليهم مدفعية. هربو ودشروناء زتو حالهم بين الكينيات والسناسل 
ومترسو. قمت عبطت إيدي هيك» وقمت عند النسوان والولاد والختيرية276. 


(17) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية؛ ويعني: اقتادوا الشبان وجعلونا في مقابلة 
الجدار. وبدأ الشبان يختبئون بعضهم ببعض. أحدهم وضع رأسه تحت إبطي. أخوها زوجته أم كامل الكبير 
الذي كان في الخامسة والثلاثين تقريباء فاستجدى قائلًا «أتوسلكم الله». فرد عليه اليهودي «أدر رأسك يا 
حمار». ورمونا بالرصاص. أقسم أن الجدار الذي كنت متكنًا عليه امتز من غزارة إطلاق الرصاص من 
ذلك السلاح الذي كان لا يهدأ... لا أعرف ما هو ذلك السلاح» كان مثل مدفعية رشاشة. وأصبت في 
يدي هنا. ووقع الذي اختبأ بي هنا (مشيرًا إلى رقبته)» والله رأيت عظم فكه بأم عيني. . ثم جاءت صوبي 
طلقات أصابتني إصابة سطحية هنا (مشيرًا إلى صدره)» وطلقات حرقت سترتي من الخلف بشكل سطحي. 
ووقعت.. وهوى الرجل (القتيل) فوق ق رأسي» وسال دمه علي وكذلك دم ابن خالد عسقول» ودم شخص 
اسمه قاسم حمد والد أبو أيمن. . أصبحت غارقًا في الدماء. يعد قليل جاءت عجوز من أقاربناء وبدأت 
تتفقد ووقفت فوق رأسي. قلت لها «أنا حي» أخبري أمي أني حي». وقلت لها «اذهبي قبل أن يرجع اليهوده 
وإياك أن تأتي أمي إلى هنا. . كأن أحدًا أخبرني أن اليهود سيرجعون. بعد قليل رجع اثنين منهم. أحدهم 
وقف فوق رأسي. أما الآخر فوقف بعيدًا قليلاء وقال للأول بالعبرية "بويش كخاش روح بوتيلوة: أي هناك 
واحد لا يزال حي تعال اقتله.. كنت أنا والشاب ابن خالد عسقول الذي كان والده قد وضع الحطة (الكوفية) 
على تخاصرته. فقلت في نفسي قد أكون أنا المعني بالكلام أو هو. وكان بإمكاني رؤية ما يفعلانه. فيما أن 
الحطة كانت مبللة بالدم فكانت معتمة قليلا. فنادى إلى رفيقه «تعال اقتله» تعال أطلق عليه الرصاص» تعال 
أجهز عليه». فوضع بندقية ال «ستين» (رشاش 5:68) على ركيته وأطلق منها طلقتين. لم يخرج منه ولا قطرة 
دم» عض على شفته واستشهد. وخرجت الرصاصتان منه وأنا ملقى على صدريء وأصبت في صدري. 
كان جيش الإنقاذ لا يزال في قرية سعسع.ء وبدأوا يقصفون القرية بالمدفعية. هربوا (يقصد رجال العصابات 
اليهودية) وتركوناء ولجأوا بين أشجار الكينيا والأحجار التي تسوّر الحقول وتمترسوا فيها. فقمت وضممت 
يدي هكذاء وذهبت حيث كان النسوة والأولاد والعجائز. 


551 


أما جبر يونس (1922) فيصف تجربته بعد انتهاء المعركة*©: «فتنا على 
بيت إسماعيل.. ولا إجو اليهود وقالوا إطلعو برا. طلعوني» ونقوا إنت» إنت.. 
أخذونا عالدار الثاني» ولما وصلنا عالدار سأل شو معك؟ بجيب هون.. يفتشونا 
ويقول هناك. وقفوا ورانا ورشونا. أنا بالأول إجاني رصاص هون (يشير إلى 
المرفق) ظليت واقف. رجعوا ضربوني واجوا الرصاصات هون (يشير إلى 
الركبة) رجعوا قوصوني وأنا مرتمي. قلبت الشباب كليتهاء أنا وقعت ما صابني 
غير رصاصتين. وقت وقعت» حركت إجري هيك بين القتلى» قلو يشلو يشلو 
تلو (بالعبرية) في عندو روح يعني اعطيه.. قوصني رصاصتين فاتو هون 
رصاصتين قوصوني. ظليت مرمي تحت القتلى من الصبح لغابت الشمس6"". 

بعد انتهاء رجال العصابات الصهيونية من عمليات القتل تعالت صرخات 
النسوة وعلا عويلهن وخرجن ليجدن الشبان القتلى مضرّجين بدمائهم. وقدر 
الشهود عدد الضحايا بين سبعين وثمانين شخصًا. لكن بما أن عددًا من 
الأشخاص كان قد لجأ من القرى المجاورة» مثل كبيريا وقديثا إلى القرية. 
فتعذر معرفة أسمائهم وإحصائهم. يقال إن ثمة حافلتين كانتا ممتلئين بمتطوعين 
مغاربة جاءوا لنجدة القرية جرت تصيفتهم أيضًاء لكن كونهم أغرابًا فلم يذكر 
أحد عددهم أو أسماءهم. وإضافة الى أعمال القتل» ارتكب رجال العصابات 
الصهيونية جرائم اغتصاب. وتفيد الشهادات الشفوية لسكان القرية أن خمسة 
نسوة اغتصبن» ولم يجرؤ أحد على ذكر أسمائهن حفاظا على سمعتهن وخشية 
العار الذي قد يلحق بهن» وبعائلاتهن ونسلهن. لكن تشير شهادات نسوة قابلهن 


(18) أجرى الباحث معه المقابلة في مدينة صيداء لبنان» في كانون الثاني/ يناير 2004. 

(19) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية؛ ويعني: دخلنا إلى بيت إسماعيل.. 
ويعد قليل جاء اليهود» وأمرونا بالخروج. أخرجوني» ويدأوا يختارون الشباب «أنت... أنت»» واقتادونا 
إلى المنزل المجاور. ولما وصلنا إلى المتزل سألوا «ما معك؟ أحضره هناءء وهم يفتشوننا. وأمرونا 
بالوقوف» ووقفوا خلفنا وأمطرونا بالرصاص. أصيت في البداية هنا (مشيرًا إلى مرفقه)» ويقيت واقمًا. 
عاودوا رميي بالرصاص» وأصبت هنا (مشيرًا إلى ركبته)» ثم عاودوا إطلاق الرصاص علي وأنا ملقى 
على الأرض. وهوى جميع الشبان. أما أنا فوقعت وما أصابني غير رصاصتين. حين وقعت حركت 
رجليء فقال أحدهم بالعبرية «يشلو يشلو»» أي لا يزال فيه روح أجهز عليه»... فأطلق باتجاهي 
رصاصتينء اخترقوا هنا (قرب البطن). فبقيت ملقى تحت القتلى من الصباح حتى غابت الشمس. 


5252 


الباحث إلى حدوث حالات اغتصاب. ما يفسر هلعهن وخشيتهن على الصبايا 
الصغيرات. 

تجدر الإشارة إلى أن عمليات اغتصاب ارئكبت في أكثر من قرية في 
فلسطين خلال النكبة» إذ تعمّد اليهود الاعتداء على النساء والإساءة إليهن 
كوسيلة لبث الخوف والذعر بين الأهالي» ولتطهير القرى من أهلها لعلمهم 
اليقين بالحساسية الثقافية والاجتماعية لهذه الأعمال وكيفية ردة فعل الفلاحين 
تجاهها. ففي حالات الاغتصاب يصعب على النساء المعتدى عليهن وعائلاتهن 
البقاء في القرية» كما سيخشى الباقون من المصير نفسه فيلوذون بالهرب. 


بالفعل اثبتت الحوادث أن كثيرًا من الفلاحين هرب من منازله قبل وصول 
اليهود إليها خوفا على الشرف من العار والسمعة السيئة. 


كان قد مضى على وجود أهالي القرية في منزلي إسماعيل الناصر والبيك 
سبعة أيام حين وقوع المجزرة. وكانت أجواء الرعب تسيطر عليهم» خصوصًا 
أن أهوال مذبحة دير ياسين© وقصص الذبح وبقر بطون النساء الحوامل 
وعمليات الاغتصاب, كانت لا زالت حاضرة في أذهانهم. وقامت النسوة 
نتيجة اغتصاب النسوة الخمسة باتخاذ تدابير احتياطية مع باقي الصبايا. فتروي 
عليا أحمد حمد”2© كيف قامت النسوة بسد باب الغرفة بالخزانة» وكيف أنهن 
شحرن (طلين بالشحبار*©) وجوه الصبايا الجميلات. وتكرر ذكر ذلك في أكثر 
من شهادة» فكانت أم غالب الصالح تطلي بالشحبار وجوه الفتيات الجميلات 
كي لا يستحسنهم اليهود. وتروي صليحة خالد صاله!22) (1940) عن أختها 
فاطمة التي تزوجت قبل المجزرة بأسبوع: «خافت إمي» خبتها. هالت عليها 


(20) كانت مذبحة دير ياسين التي وقعت في 9 نيسان/ أبريل 1948., والتي ذهب ضحيتها عدد 
كبير من نساء وشيوخ وأطفال. عاملًا مهمًا في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أخرى من فلسطين وإلى 
الدول العربية المجاورة. انظر: <210-5ونام.واتماعل- عع عدمهمر لدم وط لمم // ما > 

(21) أجرى الباحث المقابلة معها في مخيم البداوي. لبنان» في عام 2008. 

(22) الشحبار دخان أسود يلتصق بالجدران وماشابه يسبب احتراق مادة معينة. 

(23) أجرى الباحث المقابلة معها في مدينة صيداء لبنان» في عام 2013. 


53ك5 


فراش بيت البيك لإسبوع. بالليل تاكل وتقعد» وكل النهار تحت الفراشء لما 
طلعناء بقيت يومين ما تقدر تفتح عينيها7*!6. 

تتالت على مسامعنا شهادات الناجين تصف الانتهاكات وجرائم العصابات 
اليهودية» مثل قتل الجرحى والنهب والسرقة. فتقول أم غازي حمد”© (1938) 
إنها علمت أن والدها لا زال حيّاء وأنه يطلب «شربة ماءة. فأشارت إليها أمها أن 
تأخذ إليه الماء كونها طفلة ولن يتعرض لها الجنود. فتقول أم غازي عندما رآها 
اليهودي تذهب بالماء راقبها ويعد عودتها أطلق النار على والدهاء فلما عادوا 
وجدوه قتيلا. 


عن حالات السرقة تقول صليحة أحمد صالح: «الصبح إجو اليهود 
أخذوا مصاري أبوي»؛ كانت إمي تحط المصاري في الزنار. مسك السنغا 
(الخنجر) وقص الزنار وأخذ المصاريء وفيد (مهر) أختي. كانت بعدها مش 
شاري ذهب بسبب الحرب. إجا يهودي عليناء صارت إمي تبكيلوا.. قلتلو 
حرام أخذتو مصارينا. قلها إلك ولاد؟ قلتلوا آه. قلها قتلولك حدا؟ قالتلو 
لا. قلها الحمد لله. المال فدا الرجال. بكرا بس تطلعوا على لبنان» بيشتغلوا 
وبيجمعولك المصاري اللي أخذوها. بعدين قالولنا إذا بدكو تطلعوا اطلعوا.. 
إسا هدنة فش قواصء إجا فارس الزغموت وعاطف شريدي صاروا يجيبوا مي 
وخبز. كان عنا عجل وكان أخوي يبكي بدوا العجل يطلعو على لبنان» قالتلو 
إمي بموت.. وين بدنا ناخذو. نادت لعاطف. قالتلوا لأخوي إذا ذبحتو بتزعل؟ 
قلها لا. فقامت ذبحتوا ووزعتوا على الأهالي90©. 


(24) الكلام بالعامية كما روته الراوية باللهجة الفلسطينية» ويعني: خافت عليها أمي» فخيأتها. 
ووضعت عليها فراش بيت البيك أسبوعًا كاملًا. فكانت تجلس وتأكل ليلا» وتمضي طوال النهار تحت 
الفراش. عندما غادرنا ظلت غير قادرة ليومين أن تفتح عينيها. 

(25) أجرى الياحث المقابلة معها في مخيم عين الحلوة. لينان» في عام 2010. 

(26) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني: في الصباح حضر اليهود. وأنخذوا 
مال أبي. كانت أمي تضع المال في الزنار. أمسك (اليهودي) الخنجرء وقص الزتار وأخذ المال» ومهر أختي 
التي لم تكن قد اشترت ذهبًا بسيب الحرب. (بعد ذلك) جاء يهوديء وبدأت أمي تشتكي إليه» فقالت له 
«حرام أخذتم أموالتاك» فقال لها «ألك أولاد؟»» قالت له «نعم». فقال لها «هل قتلوا أحد منهم؟»» فقالت - 


5254 


نفد الأكل من القرية وأصبح الماء ملوثًا بعد أن دفن اليهود الضحايا في 
بئر العين التي تغذي القرية بالمياه. واتضح أن هذه استراتيجية اتبعها الجنود 
الصهاينة ليضطر من بقي من أهل القرية إلى مغادرتها. في تلك الأثناء كان 
المسلحون اليهود يترددون على القرية» ينهبون ويهددون من بقي فيها من 
نساء ومسئين» ويسألون عن الشبان. فأدرك القرويون أن فرص الحياة والعيش 
في القرية غير مضمونة؛ فبدأوا يخططون دروب الهروب الفردي والجماعي. 
ويروي محمد خالد الصالح (1920) الذي كان من المقاتلين قصة هروبه من 
القرية”27: «اتخبيت بالتبان 3 أيام» مرتي تجبلي مية زيتون حتى أشرب وأبل 
شفافي.. وكانت تجبلي أخبار البلد وإنو ما ظل ولا شب.. بالليل قررت أهرب. 
إجت المرة الساعة 12 بالليل قلتلي فش حدا. قلتلي ما تلبس بإجرككء لأن إن 
لبست بطلع طقش بإجرك.. ومعي خالي إسمو خليل جوخ؛ وواحد إسمو 
محمد إسماعيل حمدة من بيت زغموت: كانوا هدول مخبيين معي. قالوا 
يالله.. سحبنا طريقنا طلعنا من الشباك بيفتح على كروم الزيتون والتين» وظلينا 
طالعين للشمال.. طلعنا لوصلنا أرض الجش. هناك بقولولها بركة الحاج. صار 
القواص من الجش نواحي سعسع ومن سعسع نواحي الجش وظلينا نازلين 
بالوعورا على وعرة كفر برعم. نزلناع وادي الجشء من وادي الجش وصلناع 
وادي فارة. طلعنا ع وادي فارة وصلنا علحدود مع جينة الدبابات والمصفحات 
ماشي ع خط الشمالي.. نمنا بالأرض تنا راحت. انسحبنا وقمنا طلعنا وصلناع 
يرون عند م وصلنا ع يرون شو إجرينا الشوك ماكلها أكل76©. 


- دلا». قال لها «الحمد لله.. المال فداء الرجال.. غدًا عندما تصلون إلى لبنان» فإنهم سيعملون» ويجمعون 

لك بدل الذي أخذ منك». بعد ذلك قال لها «إذا أردتم الخروج فاخرجوا.. يوجد الآن هدنة ولا يوجد 
إطلاق نار». وجاء فارس الزغموت وعاطف شريدي» وأحضروا ماء وخيرًا.. وكان لدينا عجلء وكان 
أخي يبكي يريد أخذ العجل معنا إلى لبنان» فقالت له أمي «سيموت.. إلى أين ستأخذه معناة» ونادت على 
عاطف. قالت لأخي «إذا ذبحته (العجل) هل تحزن؟» قال لها «لا». فذبحته ووزعته على أهالي القرية. 

(27) أجرى الباحث المقابلة معه في مدينة صيداء لبنان» في عام 2004. 

(28) الكلام بالعامية كما رواه الشاهد باللهجة الفلسطينية» ويعني: اختبأت في مخزن التبن ثلاثة 
أيام. كانت زوجتي تحضر إلي ماء الزيتون (الماء الذي يخلل فيه الزيتون) حتى أشرب وأبلل شفاهي.. 
وكانت تأتيني بأخبار القرية أنه لم يبقّ أي شاب (أي إنهم قتلوا).. فقررت أن أهرب ليلا. جاءت زوجتي - 


555 


وكان يتردد على القرية - بحسب إفادات الشهود الذي قابلهم الباحث - 
طبيب يهودي ل «معالجة» الجرحىء فكان يشير عليهم غسل الجراح بالشاي. 
لكن جراحهم البليغة ازدادت سوءًا. وتروي خالدية يونس زوجة جير محمد 
يونس كيف عملت على تهريب زوجها الجريح؛ إذ استأجرت حمارة وقامت 
بربط زوجها على سلم وهرّيته ليلا في رحلة من المعاناة محفوفة بالمخاطر 
والرعبء وروت لنا كيف سلكت بزوجها الجبال والأودية» وكيف تخمّت عن 
دوريات اليهود التي كانت تبحث عن متسللين عبر الحدود لتمنع عودتهم على 
قرام في فلسطين. 

تؤكد شهادات الرواة أن اليهود يسّروا عملية الهروب فلم يتعرضوا للهاربين» 
بينما كانوا يهددون من بقي من السكان في القرية بشكل يومي ومتواصل. 


خلاصة 


إن لهذه الشهادات الشفوية قيمة وظيفية؛ فهي من ناحية تصوّب التاريخ 
المكتوب الذي عمد الصهاينة إلى تحريفه قصدّاء وتسد وتملاً ثغرات التاريخ 
المكتوب من ناحية أخرى. وتشير الروايات إلى إصرار العصابات الصهيونية 
المسلحة على انتهاج القتل الجماعي الممنهج الذي هدف إلى إثارة الرعب 
في قلوب سكان القرية واللاجئين إليها بقصد دفعهم إلى الهرب. وكي تنتقل 
الأخبار إلى القرى المجاورة فتثير الهلع في قلوبهم» فيضطرون إلى الفرار 
حفاظا على حياتهم قبل وصول المعارك إليها. 


- في الساعة الثانية عشرة ليلّاء فقالت لي أنه لا يوجد أحد. وقالت لي «لا تلبس حذاء؛ لأنك إذا فعلت 
فسيصدر الحذاء صونًا على العشب». وكان معي خالي خليل جوخ. وششخص اسمه محمد إسماعيل 
حمدة من عائلة زغموت؛ كان هؤلاء مختبئين معي. قالوا 2هيا بئا». وانطلقناء فخرجنا من نافذة تطل على 
بساتين الزيتون والتين. واتجهنا شمالًا حتى وصلنا إلى أراضي قرية الجشء منطقة يطلقون عليها اسم 
«بركة الحاج». بدأ إطلاق النار من الجش باتجاه سعسع»؛ ومن سعسع باتجاه الجش» وواصلنا مسيرنا 
في الوعر إلى وعر كفر يرعم» ووصلنا إلى وادي الجش» ومن وادي الجش وصلنا إلى وادي فارة» ومن 
وادي فارة وصلنا إلى الحدود مع قدوم الدبابات والمصفحات وهي تتجه شمالا (باتجاه فلسطين)» 
ا ا وا ل 0 


5256 


من ناحية أخرىء تؤكد هذه الروايات أن الفلسطينيين كانوا ضحية سهلة ' 
لحرب غير متكافئة لم يستعدوا لها. فبينما كان الأهالي يجمعون أموالهم 
ليشتروا بندقية من دون ذخيرة تكفى لاستخدامهاء كانت العصابات اليهودية 
المسلحة تقصف القرى بالطائرات» وتمتلك الدبابات والمدافع والآليات 
الحديثة والجنود المدربين» بخلاف ما ذهب إليه بعض المؤرخين الجدد بأن 
نزوح الفلسطينيين كان نتاج الحرب التي بدأوها هه*©. 


عانى الفلسطينيون قساوة اللجوء والتشردء وظلم ذوي القربى» ولم يتسنّ 
لهم كتابة روايتهم عن النكبة. إذ صدر عدد من الكتب التاريخية المهمة التي 
تناولت النكبة» إلا أن شهادات الناجين من المجازر الذين رأوا بأم أعينهم 
الجرائم الوحشية للعصابات اليهودية وعانوا مرارة اللجوء. يستطيعون تقديم 
الرواية الحقيقية لما جرى. حتى لو بعد أكثر من نصف قرن من الزمن. هنا 
تكمن أهمية جمع التاريخ الشفوي والروايات الشفوية التي توثق جميع جوانب 
الحياة التي عاشها سكان البلاد الأصليين وتوثق علاقاتهم بالأرض» وتعلقهم 
بهاء وتمسكهم بالعودة إليها. من ناحية ثانية» يمكن استخدام هذه الشهادات 
لمحاسبة إسرائيل على جرائمها التي لا تتساقط مع الزمن؛ فبعد مرور أكثر من 
ستة وستين عامًا على مجرزة الصفصاف. وعلى الرغم من إجحاف التاريخ 
المكتوب بذكر هذه المجزرة أو وصفهاء لا يزال أهالي الصفصاف يتذكرون 
المجزرة ويتناقلون تفصيلاتها المروعة ويصرون على حقهم في العودة إلى 
قريتهم التي اقتّلعوا منها تحت وطأة المجزرة. 


)229 واتا8 776 ,كتجوكة 


ملحق بأسماء بعض الشهداء 
الذين قضوا في المجزرة 


55 
































0 
أحمد عرض محمد عوض 

د اله اح محمد موض 

نامر أمد انام 

اذ إسايل نامر 


إبراهيم أحمد شريدي إسماعيل سليم أبو الزين 
(والد الدكتور شكيب) (أبو جميل الزين) 


اعد إسامل سي ادن 















عد خاد ا الستت 


5258 









أحمد محمد حمزة (أبو زيدان) 
من فديثا 









ميد اين الاعرة 
نزهة الأمين (خالة سعيد شاهين) فياض فرهود 
صالح شحادة الصالح من بيريا خالد حسين حوراني 









559 


الورقة الحادية والعشرون 


التاريخ الشفوي وعلم الأنساب 
للحفاظ على جدور العائلة الفلسطينية 


ياسر قدورة 


مقدمة 


عمل عدد من البرامج والمشروعات على توثيق التاريخ الفلسطيني 
الحديث باستخدام تقنية التاريخ الشفوي» لكن تجربة مؤسسة «هوية؛ في 
التوثيق للعائلة الفلسطينية وأصولها وربطها بالقرى والبلدات والمدن التي 
تتحدر منها كانت مختلفة» فهذه المقاربة جمعت بين التاريخ الشفوي وعلم 
الأنساب لاستخدامه كمادة تثبت جذور العائلات وانتماءها إلى الأراضي 
الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948. وهي تجربة تنهي عامها الثالث من العمل 
الميداني» وسبقها بضعة أعوام من الإعداد والتحضيرات»ء واستطاعت أن تتطور 
من «فكرة» أو «مبادرة» لتتحول إلى «مشروع وطني؟ يسعى إلى تحقيق أهداف 
استراتيجية في مقدمها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم. 

لم تكن فكرة التوثيق من ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين أمرًا جديدّاء لكن 
الجديد الذي قدمته تجرية «هوية» يكمن فى المدخل الذي ولجت منه وهو 
عنوان «العائلة الفلسطينية؛ التي لم تأخذ حظها من الاهتمام الوطني والأدبي» 
ولا سيما عندما يتعلق الأمر بعشرات الآلاف من عائلات المهمشين» بخلاف 
عشرات العائلات التي أفردت لها المجلدات والبحوث لأسباب سياسية 


561 


واقتصادية. كما قدمت (هوية» جديدًا بربط تقنية التاريخ الشفوي بعلم الأنساب 
مستفيدةٌ من مصادر متعددة لم تستند إليها كثير من التجارب السابقة. 


حديئًاء وفي مواجهة مقولة إن من يكتب التاريخ هم المتتصرون» التي 
يؤمن بها كثيرون وينظرون لها كحقيقة حتمية» وكثيرًا ما يكون المنتصر هو 
الاستعمار أو الاستبدادء لجأ الباحثون الفلسطينيون إلى التاريخ الشفوي 
وتعاملوا معه على أنه الوسيلة العلمية الحديثة في كتابة تاريخ فلسطين وتدوينه» 
من أجل دحض ادعاءات الصهاينة المزيفة بحقهم التاريخي في أرض فلسطين 
وفضح ممارساتهم وجرائمهم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني قبل النكبة 
وفي أثنائهاء وما تبع ذلك من اغتصاب كلي لأرض فلسطينء وهو بالتالي 
الوسيلة العلمية الحديثة للحفاظ على الهوية الفلسطينية. ويأتي ذلك من خلال 
التسجيلات الصوتية والمرثية لشهود النكبة وشهود الحدث الفلسطيني بتفرعاته 
الاجتماعية والسياسية والتاريخية والاقتصادية والأدبية كلها. 


أما علم الأنساب فعرف وبرع به العرب منذ الجاهلية حتى قيل «علم 
النسب علم العرب:» وكان ذلك من باب التفاخر بالأنساب» حتى إنهم كانوا 
لا يتمّون حبجهم إلى مكة من دون أن يذهبوا إلى سوق عكاظ ليتباروا في ذكر 
آبائهم ونسبهم. ومع انتشار الإسلام ازداد اهتمام العرب بهذا العلم لغايات 
مختلفة» منها التعارف وصلة الأرحام؛ إضافة إلى عدد من الأسباب المتعلقة 
بالأمور الفقهية والشرعية مثل الميراث والرضاعة وغيرها. 

اهتم الغرب» لاحماء بهذا العلم اهتمامًا شديدًاء لكن لأسباب مختلفة» 
وكان من اللافت استخدامه لأغراض سياسية كما رأينا في التنافس الانتخابي 
بين المرشحين الديمقراطيين للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض 
انتخابات الرئاسة الأميركية» هيلاري كلينتون وباراك أوباما في شباط/ فبراير 
8» عندما لجأت الماكينات الانتخابية إلى علم الأنساب وتاريخ العائلة 
لتعزيز فرص الفوز في الانتخابات أو لإثارة الشبهات ضد الطرف الآخر. ففجأة 
ظهرت تقارير إخبارية تفيد بأن للسيدة الأميركية الأولى هيلاري كلينتون صلة 


562 


قرابة مع اليهود تعود إلى جدتها”'. وفي الفترة نفسها انتشرت تقارير تبحث في 
شجرة عائلة أوباما وتاريخها وأشارت إلى أن أحد أجداده من جهة والدته ذات 
البشرة البيضاء امتلك الرقيق في عام 1850» وكذلك فعلت إحدى جداته قبل 
خمسة أجيال إذ امتلكت اثنين من العبيد» في محاولة لدفع الأميركيين السود 
إلى حجب أصواتهم عنه» بالطريقة نفسها التي جرى التركيز فيها على أن والد 
أوباما كان مسلمًا لصرف المسيحيين المتدينين عن التصويت له. 

هذا التطور في أسلوب العمل في مجال علم الأنساب وطريقة توظيفه 
هو ما لفت إلى إمكانية توظيفه لأغراض وطنية والاستفادة منه لدعم القضية 
الفلسطينية» ولا سيما حق عودة اللاجئين إلى أرضهم التي اقتلعوا منها. 

من هنا كانت فكرة أن يعمل المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة 
الفلسطينية على توثيق شجرة العائلة الفلسطينية لمئتي عام أو لمئة عام على 
الأقل ليثبت أن الفلسطينيين سكنوا الأرض وعمّروها بخلاف المستوطنين 
الذين تشير شجرات عائلاتهم وتاريخها أنها عائدةٌ إلى البلاد الغربية غالبا 
وأحضروا بالسفن والطائرات من شتى البلاد والدول الغربية. 


مؤخرّاء ونتحدث عن العقد الأخير» نجد أن الجهد الإسرائيلي تضاعف 
في مجال علم الأنساب والتاريخ الشفوي لمحاولة ترويج أحقية المستوطنين 
الصهيونيين في فلسطين وكأنما التاريخ بدأ في القرن العشرين أو القرن التاسع 
عشر. فنجد أن الصهيونيين بذلوا جهدًا خرافيًا لاختراع الشعب الذي يتحدثون 
عنه وحاولوا أن يجعلوا من علم الأنساب ومن التاريخ الشفوي أداةً في خدمة 
الادعاء بأن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» فلم ينجحواء وكان 
ممن فضح هذه المحاولات المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه اختراع 
الشعب اليهودي. بل إن عددًا من المؤسسات الإسرائيلية المتخصصة بعلم 
الأنساب ينشط اليوم ويحظى بتمويل ضخم وله مواقع فاعلة على الإنترنت 
ويسعى لتكريس فكرة الوجود القديم لليهود في فلسطين؛ وبعضها يعقد ورشات 


() جريدة الدستور: 2013/11/25 


63ظ5 


عمل لكبار السن لتدريبهم على استخدام البرامج الخاصة لإضافة شجرة العائلة 
على الكمبيوتر'”. 

باختصاره إن ما يسعى المشروع إلى تحقيقه من خلال علم الأنساب وربطه 
بتاريخ العائلة هو توظيفه في دعم قضية اللاجئين وحققهم في العودة عن طريق 
تشجيع بعض مظاهره وترويجه؛ ولا سيما العمل على بناء شجرة العائلة» للأسر 
الفلسطينية لتوثيق انتماء الأجيال الفلسطينية الجديدة إلى عائلاتها المتجذرة في 
فلسطين بأسلوب علمى دقيق» ولتسهيل التعارف والتواصل بين أبناء العائلات 
المنتشرة في مناطق مختلفة» والدفع نحو مزيد من التماسك والتعاضد داخل 
العائلة الواحدة لتدارك بعض ما صنعته عمليات التهجير المتواصلة. 

لاحظنا أن الاهتمام بتاريخ العائلة الفلسطينية ليس مسألة حديثة» خصوصًا 
لناحية التوثيق والتأليف. حيث عني بها عدد من المؤرخين والمؤلفين» 
ووجدنا مجموعة لا بأس بها من البحوث والمؤلفات في هذا الجانب» لكنها 
في أغلبيتها تناولت عددًا محدودًا من العائلات؛ بل تكاد تكون محصورة في 
العائلات التي أنجبت مجموعةً من القادة السياسيين والحزبيين والدينيين» أو 
بعض الكتاب والرموز الأدبية» أو العائلات التي كان لها دور اقتصادي مهم. 
إضافة إلى مجموعة من العائلات المقدسية. 

كما وجدنا بعض المصادر التى توئق انتماء العائلات إلى المدن والقرى 
مثل كتاب معجم العشائر الفلسطينية لمحمد محمد حسن شُرَاب» وموسوعة 
عشائر وعائلات فلسطين - القدس مدنها وقراها لفايز أحمد أبو فردة» إضافة 
إلى مجموعة أخرى من الكتب والمؤلفات. وهناك عدد من الكتب التي تناولت 
مدينة أو قرية بعينها في فلسطين» حيث كان المؤلف في معظم الأحيان يفرد 
لعائلات المديئة والقرية بابًا أو بحمًا مستقلاء ونذكر منها سلسلة «القرى 
الفلسطينية المدمرة» الصادرة عن جامعة بيرزيت. 

انتشرت ظاهرة الاهتمام بتاريخ العائلة الفلسطينية بشكل مطرد في العقدين 


2( .<اأ.هده تيوه امعمعع. بد //امااط> قمة ,<اترهده. مععر مذ بجبوو نوا > 


25264 


الأخيرين لسببين رئيسين: أولهما زيادة الاهتمام بموضوع «التاريخ الشفوي» 
الذي تناول العائلة الفلسطينية باعتبارها جزءًا مهما من عملية التوثيق والتأريخ. 
أما الثاني فشيوع استخدام الإنترنت وتكاثر عدد المواقع الإلكترونية الفلسطينية 
ذات الطابع العائلي» حيث يقوم بعض أفراد العائلة بشكل تطوعي في أغلب 
الأحيان» أو مجموعة من المتخصصين أحيانًا أخرى. بإضافة صور أفراد العائلة 
مع أخبار الزواج والولادات والوفيات؛ إضافة إلى تعريف عن العائلة وأصولها 
وامتداداتهاء كما عمدت بعض المواقع إلى نشر تسلسل نسب العائلة أو ما 
يعرف اليوم بشجرة العائلة. 
أولا: شحرة العائلة 

خرائط الأنساب أو ما جرت تسميته عُرفًا بشجرة العائلة تختلف بين كونها 
شجرة ذكورية» أي التي تبين التسلسل الذكري فحسبء أو شجرة مختلطة توضع 
فيها أسماء الزوجات والأخوات» وإن كان التسلسل يحتفظ بالنظام الذكري©. 
واعتنى كثير من الفلسطينيين بشجرات عائلاته قديمًا وحديئًاء ويمكن للباحث 
والمهتم أن يعثر في المكتبات على مجموعة من المصادر التي أفردت لشجرة 
العائلة الفلسطينية مساحة مهمة» عدا عن المؤلفات التي اختصت بهذا الجانب. 
ونذكر على سبيل المثال كتاب إتحاف الأعزة في تاريخ غزة للشيخ عثمان 
مصطفى الطباع الذي خصص المجلد الثالث منه للحديث بالتفصيل عن شجرة 
العائلة لمجموعة كبيرة من عائلات غزة» وكتاب كشف النقاب عن الجدود 
والأنساب في مدينة رام الله لعزيز شاهين الذي وضع رسمًا لشجرة كل عائلة 
مع ذكر تفصيلات المعلومات عن الزوجات والأزواج في الصفحات التي تلي 
الرسم» وكتاب هيكلية وتنظيم العائلة الفلسطينية لفهد أبو الحاج. 


لم يقتصر الاهتمام بشجرة العائلة على المؤلفين والباحثين» بل يكاد يكون 
ظاهرة موجودة في كل عائلة اليوم» خصوصا مع انتشار وسائل الاتصال الحديئة 


(3) عماد محمد العتيقي؛ دليل إنشاء وتحقيق سلاسل الأنساب (الكويت: المجلس الوطني 
للثقافة والفئون والآداب. 2001): ص 27. 


565 


واستخدام الشبكة العنكبوتية بشكل واسع. إلا أن شكل هذا الاهتمام متفاوت 
بين عائلة وأخرى؛ إذ وجدنا خلال الأعوام الماضية عددًا كبيرًا من العائلات التي 
عملت على جمع شجرة العائلة بشكل علمي دقيق» واعتمدت تصديقات شيوخ 
العائلة أو ديوان العائلة أحيانًا قبل نشرهاء ووجدنا أن بعض العائلات كان يحرص 
على تأمين الوثائق الرسمية التي تؤكد صحة النسبء ولا سيما بعض العائلات 
التي تعود بنسبها إلى النبي محمد أو أحد الصحابة» كما عملت بعض العائلات 
على نشر شجرتها بعد الإنجاز على شكل رسومات فنية وقامت بتوزيعها على كل 
بيوت العائلة وأسرها. وفى المقابل» وجدنا أن الأمر اقتصر عند عائلات أخرى 
على أعمال فردية تتجمع أسماء فرع واحد من فروع العائلة مع الاكتفاء بالجمع من 
دون النشرء وفي حين اجتهد بعض العائلات في وضع أسماء الذكور والإناث في 
الشجرة؛ اقتصر عمل كثير من العائلات على جمع أسماء الذكور فحسب. 


استفاد كثيرون من التقنيات الحديئة في أثناء عملهم على شجرة العائلة؛ 
إذ عمد بعضهم إلى نشر صورة شجرة العائلة على الونترنت ما أتاح لأفراد 
العائلة الاطلاع عليها على الرغم من التباعد الجغرافي» وقليل منهم استخدم 
برامج متطورة ومتخصصة في رسم الشجرة. وهذه كانت تسهل عليهم عملية 
الإضافات والتعديلات أولا بأول. ومع ذلك» وعلى الرغم من انتشار المواقع 
الإلكترونية التي اهتمت بجوانب القضية الفلسطينية المختلفة» فإننا لم نجد 
موقعًا إلكترونيًا متخصصًا بالعناية بشجرة العائلة الفلسطينية» وريما كان موقع 
«فلسطين في الذاكرةة من أكثر المواقع التي نشرت صورًا لشجرات عائلات 
فلسطينية في ذلك الوقتء إضافة إلى موقع «العائلة الفلسطينية؛ الذي خصص 
جزءًا من مساحته لشجرة العائلة. 

ثانيًا: من الفكرة إلى المشروع 
مع حلول الذكرى الستين للتكبة في عام 2008» كان أحد الشبان 


الفلسطينيين قد أنجز العمل على شجرة عائلته» فطرح التساؤل على مجموعة 
من الناشطين في شأن إمكان الاستفادة من شجرة العائلة في قضية حق 


566 


اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. وكان هذا التساؤل هو شرارة 
الانطلاقة لما بات يعرف لاحمًا ب «المشروع الوطني للحفاظ على جذور 
العائلة الفلسطينية»» حيث تعاون فريق من المتطوعين في البحث عن إجابة عن 
هذا التساؤل واستغرق الأمر بضعة شهور للاطلاع على الجزء الكبير مما سبق 
ذكره عن الكتب والمراجع والمواقع الإلكترونية التي تناولت علم الأنساب 
وتاريخ العائلة الفلسطينية وشجرة العائلة» حتى ترسخت قناعة بأن هذا العنوان 
هو باب واسع لمقاومة المشروع الصهيوني الذي سبق وأشرنا أنه قام على فكرة 
اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ثم تقطيع أوصاله وطمس هويته؛ ولا سيما 
أنه ليس هناك أي جهة رسمية ترعى مثل هذا العمل. 

بدأت ترجمة الفكرة إلى مشروع بتحديد إطار الأهداف التي يمكن 
تحقيقها من هذا العمل» وجرى إيجازها بالآتي: 

- تأكيد وحفظ انتماء العائلات إلى فلسطين بأسلوب علمي موثق. 

- الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للعائلات الفلسطينية والحيلولة 
دون ذوبانها في المجتمعات التي تعيش فيها. 

- تحصين العائلات الفلسطينية من التباعد والتفكك في ظل عمليات 
الهجرة والتهجير المتكررة. 

- إبراز قضية حق العودة للعائلات الفلسطينية انطلاقًا من البعد الإنساني. 

- إتاحة المجال للأجيال الجديدة للتواصل والتفاعل الاجتماعي في ما 

مع عدم إغفال إمكان استثمار المادة التي تعمل «هوية» على جمعها في 
المجال السياسي والقضائي على صعيد دولي لتكون #مقاومة بسلاح علمي؛ أو 
«مقاومة بإثبات تاريخ العائلة». 

لأ شك في أن مشروعًا يتبنى هذه الأهداف ستكون له أهمية واضحة 


567 


في العمل الوطني الفلسطيني لجهة الحفاظ على الهوية الفلسطيئية؛ فهو بهذه 
المهمة سيكون مشروعًا وطنيًا جامعًا يلتف حوله أبناء الشعب الفلسطيني على 
اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم داخل فلسطين وفي الشتات» وهو بحكم تفرده 


بهذا التخصص سيقدم مادة جديدة تتضمن وثائق وصورًا وأرقامًا تستفيد منها 
المؤسسات والهيئات الوطنية كلها - كما الأفراد - في برامجها لدعم الحق 
الفلسطيني عمومًا وحق العودة خخصوصا. 


من هنا كان على هذا المشروع أن ينتقل بعلم الأنساب وتاريخ العائلة من 
حال الغرق في الماضي إلى مرحلة استشراف المستقبل» وبدلا من أن يكون في 
الجهد المبذول فيه حنين إلى الماضي تصبح شوقًا إلى المستقبل لتمثل إرادة 
التحدي ورفض التسليم بالواقع الذي فرضه الاحتلال. 

كانت القاعدة التي ينطلق منها هذا المشروع هي البناء على جهد من سبق 
لأنه كثير» بل نقول إن بعضه بذل فيه جهدًا جبارّاء لكنه يحتاج إلى تجميع أو 
ترميم في بعض الحالات, ليتحول من جهد فردي إلى عمل مؤسسي يحقق 
أهدافًا بعيدة المدى على المستوى الوطني. 


ثالثًا: النشاط الإلكتروني في جمع المعلومات ونشرها 


الأكبر خلال فترة التحضير لهذا العملء بل كان التفكير في كيفية إيصال الفكرة 
والمعلومات إلى أكبر شريحة من أبناء الشعب الفلسطيني وإشراكهم في العمل 
هو الشغل الشاغل لإدارة المشروع. ومن البديهي أن يكون العمل الإلكتروني 
هو المجال الأوسع والأسرع لتحقيق هذه الغاية» فكانت بداية العمل على 
الموقع الإلكتروني الذي صار في ما بعد صلة الوصل بين المشروع وآلاف 
الشبان الفلسطينيين. 

الخطوة الأهم كانت تثبيت أسماء العائلات الفلسطينية في صفحات 
موطنها الأصلي في فلسطين قبل نكبة 1948» ومع كتابة هذه الأسطر كان عدد 


568 


العائلات المثبتة أسماؤها في الموقع قد تجاوز ال 25 ألف عائلة ... ويكلمات 
أخرىء؛ كان الموقع قد حوى أكثر من 25 ألف صفحة عائلية تتيح المجال 
لإضافة شجرة العائلة» إضافة إلى الصور والأخبار (ولاحمًا أفلام الفيديو) 
المتعلقة بهذه العائلة. 


من الأعمال التي أفرد لها جهد كبير ومميز هي إتاحة الفرصة لبناء شجرة 
العائلة على الموقع بسهولة أمام المشتركين في الموقع» لأننا وجدنا أن كثيرين 
عانوا صعوبات حقيقيّة في إضافة شجرة العائلة إلى المواقع الإلكترونية 
الخاصة بعائلاتهم. ونجح الموقع خلال ثلاثة أعوام من العمل» أو أقل بقليل» 
في اجتذاب أكثر من 40 ألف مشترك ساهم في التوثيق لعائلته أو قريته بإضافة 
شجرة عائلة أو صورة أو معلومة من مناطق متعددة داخل فلسطين وخارجها. 
ليتجاوز عدد شجرات العائلات ال 4500 عائلة» فيما بلغ عدد الصور والوثائق 
المضافة في صفحات العائلات قرابة 15 ألف صورة ووثيقة» عدا عن الصور 
والوثائق المتعلقة بالقرى والمدن. 


من أهم الإنجازات التي بدأ المشروع بتحقيقها من الأسابيع الأولى 
لانطلاق العمل الإلكتروني التواصل والتعارف الذي حصل عبر الموقع بين 
أبناء العائلة الواحدة؛ إذ كان أكثر من فرد من العائلة الواحدة يدخل صفحة 
العائلة لإضافة شجرة العائلة فيجد أن غيره قد سبقه بإضافة فرع من فروع 
العائلة. وكانت مهمة إدارة الموقع في هذه الحالات تعريف هؤلاء الأشخاص 
بعضهم إلى بعض وحتّهم على العمل المشترك للتدقيق في الأسماء وتحصيل 
ما نقص منها. كما كان لبعض الأخبار أو المقابلات التي تنشر عبر الموقع 
أثر في إحياء التواصل بين أفراد العائلة الواحدة الذين فرقهم الاحتلال أو 
التهجير من شتات إلى شتات. كما ساهم المشتركون في إرشادنا إلى مصادر 
قيّمة لجمع المعلومات وهم كبار السن ممن عاشوا التجربة في فلسطين قبل 
عام 1948» فكان كل منهم يحيلنا على شخص أو أكثر من كبار العائلة لتوثيق 
ما لديهم. 

569 


رابعًا: شهود النكبة... مصادر غنية 


للوصول إلى أبناء الأرض التي عمروها قبل الخروج من فلسطين ومعرفة 
لا تقل أعمارهم عن 72 عامًا (بعد مضي 65 عامًا على النكبة)» ولديهم ذاكرة 
جيدة لتسجيل مقابلاات معهم صونًا وصورة. بعد ذلك جرق الانتقال ال 
الأبناء والأحفاد لجمع باقي أسماء أفراد العائلة وأماكن وجودهم لإنجاز شجرة 
العائلة الخاصة بهم؛ إذ يُعتبر الشيوخ المصدر الأول للمعلومة التي نبحث عنهاء 
ونتطرق خلال التسجيل معهم إلى النشاط الأسري الذي ساد فترة مكوثهم» يما 
في ذلك الحياة الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين للخروج بصورة متكاملة. 
ولا يقتصر التوثيق للعائلة على شهادة فرد منها بل مع كل من يمكن الوصول 
إليهم من شهود النكبة من أبناء العائلة الواحدة. 


كان واضحًا بالنسبة إلى المشروع أن النجاح يقتضي العمل بمسارين: 
أولاء جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة؛ وثائيّاك العمل على 
إيصالها إلى الشرائح المستهدفة. لذاء يمر العمل بعدد من المراحل لتحقيق 
المراد: 

- جمع شجرة العائلة: ويكون ذلك بمجالسة كيار السن الذين يمكنهم 
ذكر أسماء جيلين أو ثلاثة على الأقل من الآباء والأجداد. وغالبًا ما يشترك 
في الجلسة أحد الأبناء أو حتى الأحفاد وهم الأقدر على إضافة أسيماء 
الجيل الجديد من العائلة. ويحرص فريق العمل على تنبيه الكبار لذكر أسماء 
الأشخاص الذين بقوا في فلسطين ولم يغادروها في عام 1948» حتى المتوفين 
منهمء لأن ذلك يفيد في تجنب بعض الإشكالات الناجمة عن تكرار الأسماء 
في العائلة نفسها. وكثيرًا ما يستفاد مما نشر من شجرات العائلات في عدد من 
الكتب والمراجع الموثوقة» ومن بعض الوثائق القديمة أيضاء أو حتى بعض 
سجلات اللاجئين» وفي بعض الأحيان من المعلومات المدوّنة على شواهد 
القبور للتأكد من بعض الأسماء أو التفصيلات الأخرى. 


5/0 


- إجراء مقابلات التاريخ الشفوي: تعتمد «هوية» في مقابلاتها مع شهود 
التكبة أساسًا على كراس يتضمن أسئلة تفصيلية عن البلدة التي عاش فيها 
الشاهد قبل النكبة وتشمل محاور عن طبوغرافيا القرية والحمائل والعائلات 
والمعالم التاريخية والحالة التعليمية ودور العبادة والأوضاع الصحية 
والاجتماعية والنشاط الاقتصادي والثروة الزراعية والعادات والتقاليد. كما تفرد 
جانبًا خاصًا للحديث عن وضع عائلة الشاهد وحيوات أفرادها وتاريخ العائلة 
وشجرتهاء وما يذكره عن نكبة 1948» وتحديدًا عن الأحوال التي دفعتهم إلى 
مغادرة بيوتهم وأراضيهم والجهة التي توجُهوا إليها بعد ذلك. 


أما الذين شهدوا التكبة وهم أطفال صغارء فتكتفي بتسجيل بعض 
المشاهد التي يحتفظون بها من مشهد القرية أو الخروج منها. مع الإشارة إلى 
أن المقابلات تسجل بالصوت والصورة ما أمكن» وسعت «هوية؟ للاستفادة 
مما نشر سابقًا من مثل هذه المقابلات» نشرها أفراد أم نشرتها مؤسسات معنية 
بجهد ممائل. 

- التسجيلات المصورة: تعمد «هوية؟ إلى إجراء مونتاج للمقابلات 
المصورة؛ وتقدم نسخة عنها إلى عائلة الشاهد. كما تقوم حاليًا بنشر جزء من 
المقابلة المصورة على صفحة عائلته على موقع هوية الإلكتروني» إضافة إلى 
المواقع الإلكترونية الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن «هوية»؛ تحرص على توثيق 
رواية جميع الشهود من العائلة الواحدة» كي تصل إلى أبنائهم وأحفادهم من 
المصدر الأهم بالنسبة إليهم؛ لذلك لا يُكتفى بذكر المعلومة بل يُعتنى بأن 
يكون المصدر هو الأكثر ثقة لدى المتلقي. 

- النصوص المكتوبة: في مرحلة تالية»؛ يجري العمل على تفريغ المقابلات 
إلى نصوص مكتوبة وتُنشر في صفحة العائلة وعبر المواقع الإلكترونية» لتكون 
في متناول الجميع؛ ولا سيما أبناء العائلة نفسها والقرية التي تنتمي إليها. 

- الدراسات: يُستفاد من المقابلات لنشر بعض المقالات والدراسات 
والإحصاءات أحيانًا. 


- الكتب والملفات المطبوعة: تُحضّر لتحويل التسجيلات إلى مادة 
مطبوعة ونشر الكتب الخاصة بالشهادات» وكتب خاصة بعائلات القرى التي لم 
يوثق لها بشكل وافر. 

- مواقع التواصل الاجتماعي: يستفاد من مواقع التواصل الاجتماعي 
لربط العائلات وتدوين تاريخها؛ فهذه المواقع باتت تستضيف مئات وربما 
آلاف الصفحات العائلية أو تلك التي تنحدث عن أهالي قرية أو مدينة فلسطينية 


خامسًا: ظواهر متعلقة بالعائلة الفلسطينية 


واجه المشروع خلال عملية التوثيق للعائلة الفلسطينية بعض الظاهرات 
المهمة التي سبق لبعض الدارسين التوقف عندها والكتابة عنهاء لكننا لمسناها 
هذه المرة مباشرة من خلال العمل الميدانى» ولا سيما أن بعضها كان يعوّق 
عملية التوثيق أحيانا. ومن هذه الظاهرات: - 

- أسماء العائلات المنسوبة إلى بلدان عربية: يوجد عدد من العائلات 
الفلسطينية المنسوبة إلى بلدان ومدن عربية» مثل عائلات المصري والبغدادي 
واليمني وغيرهاء ولجأ بعض الباحثين الصهيونيين إلى استغلال هذه الأسماء 
والادعاء أن هذه العائلات ليست فلسطيئية بل هي من دول عربية أخرىء وعليها 
أن تستقر فيها بدلا من المطالبة بحق العودة. ومن خلال عملنا في التوثيق للعائلات 
الفلسطينية ثبت لنا أن الرواية الشفوية تتطابق مع المعلومة التاريخية وتدحض 
المزاعم الصهيونية: أولاء تؤكد الرواية الشفوية أن عددًا غير قليل من العائلات 
الفلسطينية تعود بأصولها إلى دول عربية أخرى» وهي حقيقة تاريخية مثبتة في كثير 
من المراجع المعتمدة» لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن أسباب الانتقال تعود في 
أغلبيتها إلى أسباب اقتصادية أو اجتماعية» فإما بحنًا عن الرزق وسبل العيش وإما 
فرارًا من التجنيد الإجباري أو هربًا من عمليات ثأر أو تنفيذًا لقرار إبعاد صادر عن 
قبيلة أو عشيرة ماء وهي ظاهرة كانت منتشرة في الأوساط العربية. 


52/2 


هذا يعني أن عملية انتقال هذه العائتلات من المناطق الأخرى باتجاه 
فلسطين كانت ضمن حركة اجتماعية طبيعية مشابهة لما يحدث فى الدول 
كلهاء وبالتالي» كان تشكل الشعب الفلسطيني كغيره من شعوب العالم من أيناء 
المنطقة ومن جاء إليها ضمن عوامل طبيعية لا وفق مخطط استعماري إحلالي 
كما فعل الصهيونيون. 

ثانيّاء الحكم بأن كل عائلة فلسطينية تحمل اسم بلد أو مدينة عربية» فإن أصول 
العائلة وجذورها تعود إلى تلك البلد» هو حكم ارتجالي غير علمي وتحتاج كل 
حالة منها إلى دراسة منفردة لإصدار مثل هذا الحكم. ووجدنا أن البلدة الواحدة 
قد تضم حالات تؤكد أن مثل هذه الأحكام لا يمكن إصدارها استنادًا إلى الاسم 
الذي تحمله العائلة؛ ففى قرية سحماتا الواقعة فى قضاء عكا مثلا وجدنا عائلتين 
منسوبتين إلى مناطق جغرافية هما عائلة اليافاوي وعائلة اليمني. ويعد التدقيق 
ومقابلة كبار السن من أبناء البلدة والعائلتين تبتّن لنا أن اليافاوي هو لقب لشخص 
من آل «عبد الرحمن» كان قد قدم من يافا إلى سحماتا وعاش وتزوج وأنجب فيها 
قبل النكبة بأعوام طويلة» ودرج أبناء البلدة على مناداته باليافاوي نسبة إلى المديئة 
القادم منها. وفي المقابل» فإن عائلة اليمني» ومنها الراحل المعروف أبو ماهر 
اليماني» تنتمي إلى عائلة سليمان السحماتية ولقب اليمني بدأ بالظهور مع أحمد 
محمد علي سليمان الذي خدم مع الجيش التركي في اليمن مدة قاربت الخمسة 
عشر عامّاء لم يكن أهله خلالها يعرفون عنه شيئًا. لكنه عاد بعد غياب طويل مع 
من عادواء وراح يقص على أهل قريته سحماتا ما شاهده في تنقلاته. والتصقت 
به هذه الكنية (اليمني) ولازمته باقيى عمره وورثها عنه ابنه حسين وأحفاده إلا 
أن حفيده أحمد (أبو ماهر) أورثها لأبنائه مع تعديل من «اليمني؟ إلى «اليماني»» 
كما سجل في مذكراته. وهاتان الحالتان تبينان بوضوح أن نسبة العائلة إلى قرية أو 
بلد ما قد تفيد بأن العائلة جاءت من تلك البلدة أو العكس وهو أن بعض أفرادها 
سكن فيها لفترة من الزمن. 

- ذكر أسماء الإناث في شجرة العائلة: لا تزال إضافة أسماء الإناث إلى 
شجرة العائلة مسألة جدلية في بعض المناطق نظرًا إلى العادات والتقاليد السائدة» 


5203 


ما يعني أن جزءًا من هذا التاريخ الذي نسعى إلى جمعه سيبقى مجهولًا. وعلى 
الرغم من الحوارات كلها التي ركزت على عدم وجود أسباب دينية تحول دون 
ذكر أسماء الإناث كما يتبين من سيرة النبي» وعلى الرغم من القناعة بأن عادات 
أهلنا ومجتمعنا في فلسطين قبل عام 1948 لم تكن تتحفظ على ذكر أسماء 
الإناث» بل العكس صحيح كما سيأتي لاحقاء إلا أن كثيرًا من العائلات التي 
تواصلنا معها أصرّت على ذكر أسماء الذكور دون الإناث في شجرة العائلة» 
ووجدنا أن التشدد في هذه المسألة في الأردن أكثر منه في لبنان وسورية مثلا. 


- تسمية الأبناء لأمهاتهم: تسمية الأبناء لأمهاتهم كانت ظاهرة واسعة 
الانتشار تحديدًا بين الفلاحين في القرى الفلسطيئية» ولا تكاد تخلو قرية من 
عدد من الأشخاص الذين لا يعرف أسماء عائلاتهم الحقيقية سوى عدد قليل 
من الناس» ويتحدث كثيرون من كبار السن في أثناء المقابلات عن أشخاص 
منسوبين إلى أمهاتهم بدلا من اسم العائلة» وعند تفريغ المقابلات إلى نصوص 
مكتوبة نجد صعوبة في معرفة حقيقة هؤلاء الأشخاص ما لم يكونوا معروفين 
لدينا سابقاء كما طلب بعض القراء تعديل أسماء أقربائهم المنشورة في المقابلات 
منسوبة إلى الأمهات واستبدالها باسم العائلة الحقيقي. ونشير أننا صادفنا بتعض 
المهتمين الذين وثقوا أسماء الأشخاص الذين ينسبون إلى أمهاتهم في بلداتهم 
لكنهم تحفظوا عن نشرها خشية اعتراض بعض الأهالي عليها. 

أما عن أسباب انتشار هذه الظاهرة فسألنا عددًا من كبار السن الذين 
أرجعوها بالدرجة الأولى إلى التجنيد الإجباري في عهد الأتراك الذي كان 
يترتب عنه غياب الرجل عن بيته لأعوام طويلة» وظاهرة الهجرة هربًا من 
التجنيد أحياناء حيث يغادر الزوج وتقوم الزوجة بمهمة التربية وإعالة الأسرة 
فيعرف الأولاد بابن فلانة. وفي مقابلة مع قاسم محمد ذيب عسقول من يلدة 
سحماتا ذكر مجموعة من الأسماء التى نسبها إلى الأمهات من دون العائلة. 
مثل أسعد زهرة وعلي زهية ومحمد ا وعندما سألناه عن هذه الظاهرة 
أجاب أنها كانت منتشرة في سحماتاء وأرجعها إلى أن معظم شبان ورجال 
البلدة كان يذهب إلى الخدمة العسكرية أو يهرب منها إلى بلاد الاغتراب 


52/74 


لأعوام طويلة فتتولّى الأمهات خلالها رعاية الأبناء فيعرفون بابن فلانة لا ابن 
فلان ... ويضرب لنا مثلّا عن عائلته» فأخواه أحمد ومحمود كانا يعرفان في 
سحماتا باسم أحمد غزالة ومحمود غزالة نظرًا إلى غياب الوالد قرابة ثمانية 
أعوام عن البلدة» أما هو قاسم» وهو الأخ الأصغرء فرافق الوالد بعد عودته إلى 
سحماتاء لذلك كان معروفا باسم قاسم محمد ذيب لا بقاسم غزالة. 

- شيوع استخدام الألقاب: شكلت ظاهرة استخدام الألقاب هي الأخر ى 
صعوبة إضافية في معرفة بعض الأشخاص وحالت دون تمكننا من ربطهم 
بعائلاتهم. وهذه الألقاب على نوعين: فمنها ما كان نسبة إلى منطقة أو مدينة 
فلسطينية أو عربية» مثل البغدادي والياقاوي والنابلسي ... وغيرهاء وهناك 
نوع آخر من الألقاب التي كانت تطلق على الأشخاص لصفات فيهم أو لمهنة 
مارسوهاء وبعضها قد يبدو مسيئًا لو استخدم من الجيل الشابء أما الكبار 
فدرجوا على استخدامه في ما بينهم لدرجة أنهم في أي قصة أو حادثة يروونها 
لا يذكرون إلا اللقب بدلا من الاسم الحقيقي» وهنا أيضًا واجهنا صعويات في 
نشر بعض المقابلات متضمنة بعض الألقاب لحساسية الموضوعء كما وجدنا 
أن بعض الكتّاب والباحثين الذين بذلوا جهدًا كبيرًا لجمع الألقاب التي كانت 
منتشرة في قريته مع اسم صاحب اللقبء لكنه تراجع عن نشرها تجئبًا لأي 
حساسيات قد تنشأ عن ذلك. 


سادسًا: خطوات على طريق النجاح 


لا يقاس نجاح العمل بالشهرة التي يحققهاء ولا سيما في الوسط الإعلامي» 
حيث بات النجاح الإعلامي أسهل من ذي قبل مع كثرة الوسائل الإعلامية 
المتاحة., ومع وجود المتخصصين في هذا المجال من أفراد ومؤسسات. لكن 
النجاح الحقيقي للمشروع يكون بتحقيق أهدافه التي يمكن أن نوجزها بمحورين: 
الأول» تمكين الأجيال الفلسطينية من مقارعة الاحتلال بأحقية الشعب الفلسطيني 
بالوجود على أرضه وحق اللاجثين منهم بالعودة إليهاء وذلك بتزويده بالحجج 
الممكنة كلهاء من الرواية التاريخية على لسان آبائه وأجداده إلى معرفة شجرة 


575 


عائلته التي تبين من عاش منهم في فلسطين ومن مات فيها أو اقتلع منهاء وكل ما 
يدعم ذلك من وثائق وصور. والثاني» تعزيز التواصل والتفاعل بين أبناء العائلات 
الفلسطينية» ولا سيما الذين فرّقتهم الهجرات المتكررة وحالت الحدود الدولية 
دون التقائهم لأعوام وعقودء ومساعدتهم في التمسك بهويتهم الفلسطينية في ظل 
المحاولات الصهيونية الحثيثة لطمسها. 


1 مؤشرات النجاح 


- أوجدت الفكرة التي تحولت إلى مشروع رابطًا حقيقيًا بين الأجيال 
الفلسطيئية المتلاحقة ومادة يستند إليها لمعرفة أصول العائلة وفروعها. وهي 
إن لم تصل إلى الشريحة الأوسع حتى الآن إلا أن تفاعل عدد كبير من الشبان 
يعطينا مؤشرًا واقعيًا على أثرها في الاهتمام يترابط العائلة وتتبع أخبارها”». 


- التواصل المباشر مع الشهود (المصادر) عبر المقابلة الحيّة أفسح في 
المجال للوصول إلى أشخاص آخرين ومصادر جديدة. فنادرًا ما تجمع شجرة 
عائلة وربط فروعها من مصدر واحدء بل كان المصدر دائمًا يحيلنا على أشخاص 
آخرين إما أكبر منه سنا أو أكثر دراية بالفرع الآخر من العائلة ... وفي شهاداتهم 
عن العيش في فلسطين قبل النكبة والحوادث التي رافقتهاء فإن كل شاهد يذكر 
بطبيعة الحال عددًا من أسماء الشهود الآخرين الذين يحرص القائمون على 
المشروع على مقابلة الأحياء منهم. مع ضرورة الإشارة إلى أن «هوية؛ لجأت 
إلى توثيق تعدد الشهادات من العائلة الواحدة في كثير من الأحيان» إذ إن العبرة 
ليست في تسجيل الخبر أو الحدث فحسبء بل كان الحرص على أن يسمع 
كل شاب وشابة فلسطينية الرواية على لسان جده أو جدّته مباشرة» لأنها أدعى 
للقبول بالنسبة إليهم» وتشكل حافرًا شخصيًا لتبني قضيتهم والدفاع عنها. 

- المقابلة الشخصية لشهود النكبة» حتى بعد 65 عامًا على وقوعهاء وضع 
بين أيدينا جملة من الحوادث والوقائع التي لم تنشر من قبل؛ فلكل واحد منهم 


(4) تجاوز عدد الأفراد الذين شاركوا في التوثيق لعائلاتهم إلكتروتيّاء بإضافة خبر أو صورة أو 
بناء شجرة العائلة الأربعين ألف شخص حتى مطلع تشرين الثاني/ نوقمبر 2013. 


506 


حكاية» ومن الخطأ الظن أن القصص كلها التي تسمع من كبار السن جرى 

توثيقهاء حيث سمعنا كثيرًا من القصص والروايات عن ممارسات الاحتلال 
التى حالت الأحوال دون توثيقها. ونضرب مثلا رواية على مصطفى قدورة 
0 عامًا على اغتيال والده في أثناء الخروج من 
فلسطينء عن الأشخاص الذي ارتكبوا هذه الجريمة من دون أن يذكر الأسماء 
حتى لا يكون لذلك أي مفاعيل أو مترتبات حتى يومنا هذا”). 


- جمع وثائق ورقية متعددة من جوازات سفر قديمة أو كواشين أرض 
أو رخص قيادة أو رسائل قديمة بخط اليد» إضافة إلى مجموعة من الصور 
الفوتوغرافية القديمة للعائلة والاحتفاظ بنسخ إلكترونية عنها. وعلى الرغم 
من أهمية الاحتفاظ بهذه الوثائق كشاهد أو إثبات على حق هؤلاء الأفراد 
والعائلات وانتمائهم إلى فلسطينء فإن أوجه الاستفادة منها كانت متعددة؛ 
ففي هذه الوثائق الكثير من التفصيلات المجهولة أحيانًاء فخلال زيارتنا إلى 
على مصطفى قدورة السابق ذكرهء وكنا نوثق لعائلات قرية سحماتا سألناه عن 
آمنة شاكر؛ التي ورد اسمها معنا في أكثر من مكان في أثناء التوثيق للقرية» 
فأخبرنا أنها جدته لأمه» لكنه لم يعرف اسمها الثلاثي أو أيّا من أقاربها. وفي 
الجلسة نفسها أحضرٌ لنا مجموعة من الوثائق القديمة التي صرّتها الزوجة في 
قطعة قماش أحضرتها معها من سحماتاء وهي نادرًا ما تفتح. وجدنا في هذه 
0 أوراقًا تتعلق ببيع وشراء وتأجير أراض وإيصالات ورسائل من بينها 

ثيقة ذكر فيها اسم آمنة الرباعي: آمنة بنت شاكر أحمد القاسم» كما عثرنا على 
ا لا 


كانت الكواشين أيضًا تصف الأرض موضع البيع أو التأجير» بتحديد 
قطع الأرض المجاورة بأسماء أصحابها الثلاثية والرباعية أحياثاء وتحمل 
توقيع أو بصمة البائع والشاري والشهود. وتكمن أهمية الاحتفاظ بهذه 
الوثائق بمكمن آخر. 

(5) مقايلة شخصية مع علي قدورة في منزله في صيدا بتاريخ 30/ 12/ 2011. 


577 


2- الصورة كجزء من التاريخ والمستقبل 


مع بداية العمل الميداتي للمشروع» أولي اهتمام للصورة الشخصية 
والعائلية القديمة لأن المراد كان ألا يبقى الشعب الفلسطيني» خصوصًا الجيل 
الذي شهد التكبة مجرد أرقام أو حتى أسماء مجهولة» بل يكونون أعلامًا 
وشخصيات معروفة. ومن التجربة» نجح الصهيونيون من خلال جمع صور 
الأشخاص الذين كانوا ضحايا المحرقة «الهولوكوست؛ وعرضها في متحف 
الهولوكوست بكسب تعاطف زائري المتحف من رؤساء وقادة دوليين. 


كانت بضعة شهور من العمل كفيلة برفع مستوق الاهتمام بالصورة في 
المشروع إلى درجة عالية» بفعل الأثر الإيجابي لكثير من الصور ودورها في 
إحياء التواصل بين عدد من العائللات والشخصيات والتفاعل بينهم سواء من 
خلال الزيارات الميدانية أم عبر الموقع الإلكتروني ل «هوية» والصفحات 
التابعة إليه على مواقع التواصل الاجتماعي. 

كثير من الصور بلغ عمرها خمسة أو ستة عقود وما زالت حبيسة الأدراج 
والألبومات» بعضها معلق على الجدران لأعوام طويلة لم يرها إلا أصحاب 
الدار وزائروهم ... في المقابل» كان لمساهمة بعض أصحاب الصور بإعادة 
نشرها عبر الإنترنت أثر كبير في التعريف بجيل فلسطين ومن تبعهم» وساعدت 
في إحياء التواصل بين أقرباء فرّقت بينهم الغربة» وجددت اللقاء بين أصدقاء 
متباعدين ومتجاورين أحيانًا؛ فللصورة سحرٌ خاص تزداد قيمته ويعظم أثره 
كلما تقدمت بنا السن ويهذه الصور. 


سابعًا: الصعوبات والتحديات 


تعترض المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية» مثل كل 
فكرة جديدةء جملة من الصعويات والتحديات يأتي في مقدمها: 

- وفاة أغلبية اللاجئين الذين وُلدوا في فلسطين وعايشوا النكبة في عمر 
واع يسمح لها بذكر أسماء الجدود والأقرباء إضافة إلى الحوادث التي مرّت 


508 


بهاء ووصف الحياة السابقة بشكل مفصل. ولم يتوافر لنا إحصاء ء علمي موثوق 
عن عدد المتبقين منهم في قيد الحياة» وإن كانت أكثر الأرقام تفاؤلا بهذه النسبة 
لا تتجاوز ال 10 فى المئة. يضاف إلى ذلك النسيان واضطراب الذاكرة لعدد 
كبير ممن هم في قيد الحياة منهمء خصوصًا أننا تتحدث عن جمع الشهادات 
بعد أكثر من ستين عامًا من بداية التكبة» وكذلك عدم دقة الروايات المذكورة 
0 


- عدم القدرة على التأكد من بعض المعلومات في ما يتعلق بالأملاك 
التي ورد ذكرها غالبًا بشكل تقديري ويحتاج إلى وثائق تثبت صدق المعلومات» 
خصوصًا أن التنافس بين بعض الأشخاص والعائلات على من يمتلك أكثر 
في القرية أو المدينة لا يزال موجودًا حتى بعد مضي أكثر من 65 عامًا على 
الاحتلال. 


- أدت المعارك والحوادث الأمنية إلى إتلاف كثير من شجرات العائلات 
والوثائق والصور المهمة وفقدانهاء ومن أبرز المحطات التي فقد فيها 
الأشخاص هذه الوثائق الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 21982 ومجزرة 
مخيم تل الزعتر في عام +194 وحوادث نهر اليبارد في عام 67 وكذلك 
الحروب المتكررة على قطاع غزة. 

- يضاف إلى ما سبق أن كثيرًا من الإخوة في العائلة الواحدة سجلوا 
أسماءهم بأشكال مختلفة عند إجراء الإحصاءات بعد نكبة عام 21948 فمنهم 
من اكتفى باسم الجد من دون اسم العائلة» إضافةً إلى الاختلاف في طريقة 
كتابة اسم العائلة جعل العائلة الواحدة تبدو كعائلات مختلفة. عائلات ازحمد 
وازدحمد والسيد أحمد مثلا تبين لنا أنها عائلة واحدة من بلدة النهر ومّججّرت 
إلى لبنان في عام التكبة. 

إلى جانب هذه الصعوبات تبرز أمام المشروع تحديات أخرى يعمل على 
اجتيازها لتحقيق غاياته من دون الغرق في أعمال لا طائل منها أو بعيدة عن 


5/09 


- في مقدمة التحديات برزت إشكالية أن العمل على التوثيق للعائلة 
الفلسطينية من باب جمع شجرة العائلة وتدوين تاريخها وتعزيز التواصل بين 
أفرادها قد يؤدي إلى تقوية العصبية القبائلية أو العشائرية على حساب الانتماء 
الوطني» ولهذا كان التركيز دائمًا في الأعمال كلهاء خصوصًا في العمل 
الإلكتروني» على الربط الدائم بين العائلة وموطنها الأصلي في فلسطين» 
والربط بين كل قرية أو مدينة والقضاء الذي تنتمي إليه» وذلك حتى يترسخ في 
أذهان الجمهور الذي يستهدفه المشروع أن الانتماء إلى العائلة جزء من الانتماء 
إلى فلسطين. ومن هذا المنطلق لا تبذل «هوية؟ جهدًا لمعرفة تاريخ العائلة 
القديم أو لتتبع نسب العائلة وربطه بأجيال مر عليها قرون طويلة» إنما يقتصر 
البحث في تاريخ العائلة الحديث الذي يثبت وجود العائلة في فلسطين قبل عام 
8 وتعرضها للعدوان والاقتلاع بالإرهاب والجريمة المنظمة. 


- تنطلق «هوية» في عملها مدركة أنه من الصعب بل من المستحيل 
على أي مؤسسة أو مشروع أن يتمكن من التوثيق مع عدد كبير من الأشخاص 
منتشرين في بقاع جغرافية واسعة خلال زمن محدود. لذلك تعتبر أن التحدي 
الحقيقي هو إيصال الفكرة إلى جيل الشباب والطلاب الذين يمكنهم القيام 
بمهمة التوثيق مع أجدادهم وإثبات نسبهم وتدوين تاريخ عائلاتهم قبل فوات 
الأوان» وهي لا شك مهمة شاقة وتحتاج إلى إبداع وتميز في الأفكار والأعمال. 
خلاصة 

الاستفادة من التاريخ الشفوي هي لتحقيق أهداف تخدم القضية 
الفلسطينية» خصوصًا حق العودة» واستثمرنا التقنية لربط كل عائلة وسلالتها 
بتاريخها الشخصي والعائلي في البلدة الفلسطينية» ونريده بابًا لتماسك العائلة 
وترابطها من جديدء لأن هذا الترابط الأسري كان من أهم العوامل التي 
ساعدت اللاجئين في الصمود بوجه كوارث النكبة» ونؤمن بأن هذا الترابط 
يعزز من إمكان تحقيق الصمود للأهالي الذين لا يزالون يعيشون في أراضيهم 
داخل فلسطين ويزيد من فرص عودة القابعين منهم في الشتات. 


560 


فهرس عام 


55 
آرندت» حنة: 411 
آلان. ديانا: 398 
إيراهيم» محمود: 372 
إبراهيم؛ وردة بطرس: 200 


ابن بطوطة: أبو عبد الله محمد بن 
عبد الله: 330 


أبو بكرء حسن: 76» 79-78 
أبو جاجة» صافي: 432 

أبو جاجة عبد الحفيظ: 445 
أبو الحاج؛ فهد: 565 

أبو حجلة. إبراهيم: 387 

أبو حلاوة» إسماعيل: 435 
أبو حلاوة» عليان: 435-434 


أبو حميدة» حامد. محمود محمد: 
2+ 435-434 439 441 


أبو حميدة» ساوة أحهد حسين: 433 


أبو حميدة» عبد العزيز عبد الهادي 
عليان: 441-440 443 445 


أبو ديّة أحمد: 516 

أبو ذكري؛ أحمد: 173 

أبو رحمة؛ دانا: 391 

أبو زيدء جيهان: 25 

أبو ستة» سلمان: 509 

أبو سرورء إبراهيم: 432» 437 


أبو سرورء حمودة: 441 


أبو سرورء طه إبراهيم مصطفى: 
7 439 445 


أبو سرورء عبد القادر: 441 


أبو سرورهء عبد المجيد حماد إبراهيم: 
410 


أبو سرورء مصطفى إبراهيم مصطفى: 


4139 


أبو شعيرة» رابعة: 439 


أبو شعيرة» سارة محمود عبد العزيز: 
439-38 446 


أبو شعيرة» سعيد: 439 


أبو شعيرة» عبد ربه حسن: 434- 
5 443 


أبو شعيرة» محمد محمود عبد العزيز: 
439 


أبو طربوشء عبد الحميد: 432 
أبو عريش» حمودة: 445 

أبو على» مصطفى: 390 

أبو غوش» مصطفى: 435 

أبو الغيطء» محمد: 179 

أبو فاشه؛ منير: 372 


أبو الفتوح» عبد المنعم: 153» 160» 
225 


أبو فردة» فايز أحمد: 564 
أبو كشكء بكر: 373 
أبو ليدة» عبد الله: 524 
أبو لغدء إبراهيم: 399 
أبو لغد» ليلى: 419 


أبو ماهر اليماني انظر 
أحمد حسين (أبو ماهر) 


اليماني» 


أبو نحلة» إبراهيم محمد إبراهيم: 
2 434 


أبو نحلة» هادية: 439 


أبو ياسين» تميم: 514 

الأتاسي» جودت: 546 

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 
(المغرب): 136 

الاتحاد الأوروبي: 399 


الاتحاد السوفياتى: 517» 520 
الفلسطينية: 


الاتحاد العام للمرأة 
0 393 

الاتحاد النسائى المصري: 27»: 29 

اتفاق إعلان الميادئ بشأن ترتيبات 
الحكومة الذاتية الانتقالية 
الفلسطينية (1993: واشنطن): 
8 394 452399 479 

اجبابدي» لطيفة: 131-130 

الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982): 
5» 375 390 393 579 


الاحتلال الإيطالي لليبيا (1911): 
3309-8 319 


الاحتلال البريطاني لمصر (1882): 
6 28 


الإحياء الديني الإسلامي: 227 


الإحياء الدينى القبطى: 227 
الاختفاء القسري: 117» 126» 136 


اخميس» أحمد عبد الحافظ: 437 
413 


أخميس» محمود إبراهيم أحمد: 435غ» 
727 446 


اخميس» يوسف: 435-434 


الإخوان المسلمون فى مصر: 149- 
27 0225 230-27 


- التيار الإصلاحى: 155» 159 


- التيار القطبى: 156-155» 
9 166 


- مجلس الشورى: 164» 2166 


173 


- المدرسة الأزهرية: 156-155» 
159 


- مدرسة حسن البئنا: 157-155» 


159 

- المدرسة السلفية: 155 

ب المدرسة الوهابية: 7 -159غ» 
1/8 


- المكتب الإداري: 163 


- مكتب الإرشاد: 2.164-162 
167-6 


503 


الأحَوان الرحبانى: 211 

الإدارة الاستعمارية الفرنسية فى 
الجزائر: 264» 270 

أدب السجون: 2.124 126 

الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 
8 ص5 

الأراضي الفلسطيئية المحتلة في عام 
7 4220397-3-367 
419 


ارحيل» حسن: 523-522 

الأردن: 369» 2388 2397 574 

أرسلان» خولة: 198 

أرسلان» مجيد: 198 

الأرشيف الشفوي: 300 

الأرشيف الفرنسي: 268 

الأرشيف الوطني الفلسطيني: 508 

الأزهر: 2.158 178 

استراتيجية «اختراق الجدّر» العسكرية 
الإسرائيلية: 451» 453 456- 


-473 470 462-461 9 
414 


الاستعمار الفرنسي للجزائر: 269. 
213 


الاستعمار الفرنسى للمغرب: 284-83 
0 231 2235 2240 243- 
214 


استقلال الجزائر (1962): 265 
استقلال لينان (1943): 191 


استقلال المغرب (1956): 117» 
4 147 


الاستنطاق: 259-258 

الاستيطان اليهودي في فلسطين: 518 
إسحق» جورج: 230-22 

أسدء طلال: 415 


إسرائيل: 2368 372. 389-388 
3399-7 409 421419- 
2 2 509 517 519- 
1 527-526 2530 539- 
5570 


الأسعد. يوسف: 369 
الإسكندرية: 27-26» 37 


الإسلام: 6 2171-1700 224» 
5623309 


الإسلام السياسي: 151149 174 
الأسمرء عبد الحافظ: 390 

الاعتقال التعسفي: 117» 136 
الاعتقالات السياسية: 126» 147 


الإعلان الدستوري المصري (2012): 
2130 


الإعلان المشترك الليبي - الإيطالي 


308 :)1998( 

أغامبن» جيورجيو: 404. 473» 475 
الأغاني اللبنانية 

- أغنية «أبو علي؛: 212 

- أغنية #تعال إليّ2: 213-212 

- أغنية #امنكبر سواة: 212 

- أغنية ايا أرضي»: 211 

- أغنية ذيا بيروت4: 211 

- أغنية «يا زمان الطائفية4: 212 
الاغتصاب: 138-137. 142-140 
الاغتصاب الجنسي: 140 
إفرينوفء نيكولاي: 63-62 
الأفلام اللبنانية 

- فيلم «أشباح بيروتة: 210 

- فيلم «أغراض الحرب؟: 211 

- فيلم «حرب أهليةة: 210 

- فيلم «لبنان في الدوامة؛: 210 

- فيلم #نكاية بالحرب»: 210 

- فيلم #وثائق حرب:: 210 

- فيلم #هل انتهت الحرب»: 210 


- فيلم «وست بيروت؟: 210 


الأقباط: 224-219. 230-226 

اقتصاد الحرب: 204 

إلقاء القنبلة الذرية على مديئة هيروشيما 
(1945): 217.207 

الياس» حسين: 323 


الإمارات العربية المتحدة: 44) 326» 
351-3506348-6 


الإمبراطورية العثمانية: 432. 434- 
425 


أمزيان» فاطمة: 144 


الأمم المتحدة: 2.508 2517 520- 
521 


لعن النانة 


-- قرار تقسيم فلسطين رقم 
1 :: 520 528 


-- القرار رقم 194: 386., 
8 2 
أمين» قاسم: 26 
الانتداب البريطانى على فلسطين 


»413 2.367 :)1948-1920( 
519-77 


انتفاضة الأقصى (2000): 452 


الانتفاضة الفلسطيئية (1987): 2 37» 
4 466 502 


اتتهاكات حقوق الإنسان فى المغرب: 
123-1216119-7» 127- 
128 


الإنزال الأميركي في النورماندي: 217 
انقلاب 1972 فى المغرب: 126 
القلاب الصخيرات فى المغرب 


(1971): 126 
أوياسو, أحمد: 99 102-101 
أوياماء باراك: 563-562 
أويسلام» عسو: 90 93 
أوزاس» ف.: 402 
أوسيلاء فيليبو: 327 
أوسيلاء كارولين: 327 


اتتنلاف شباب الثورة (مصر): 165» 
8 175 


أيديولوجيا الالتزام الوطني: 479؛ 
4883-2 486 492 495 
505-5036501-7 


أيديولوجيا التحرر: 483-482 
أيديولوجيا الدولة: 483-482 


الأيديولوجيا السائدة: 480» 482 
7+ 501 504 


الأيديولوجيا العامة: 2-481 48 


إيزنشتات» س. ن.: 415 


إيسخيلوس: 61 


إيطاليا: 2.289 2291 311-310» 
23217 


أيلول الأسود في الأردن (1970): 
359 


أيوب» سمير: 388 

دب - 
بابه إيلان: 2509 512 
بارت» رولان: 69 
باريزو» سدريك: 420 
باسيلي» منى: 214 
باسيه.؛ هنري: 87 
باقي» عبد الهادي بشير: 417 
باكستان: 2341 344-343 
باكشي» ألكسندر: 63 
بحر العرب: 2331326 345 
بداريداء فرانسوا: 280», 2 28» 290 
بدرء ليانة: 393 
بديع» محمد: 157 
البرادعي» محمد: 168 
براكاش» ب. أ. : 327 


برامكي» ديمتري: 430 


البرجوازية الإسلامية: 179 


بركات» على: 441 
بركات» محمود عبد الحميد عبد القادر: 
434 . 


بركات» هدى: 209 


البركاوي, أبو بكر: 234؛ 236» 238» 
1 245-243 


برنامج الوصلاح الزراعي في كيرالا 
الهندية (1957): 335 


بريطانيا: 2366 519-517 527- 
58 


بسَولء يوحنا: 196 

بسيوني» أحمد: 68 

بسيونيء داليا: 68» 73-72 
البشري» طارق: 171159 224 
بشير الثاني الشهابي (الأمير): 191 


بشير» محمود أحمد جبريل: 437. 
404 


بغدادي» ماروث: 210 
بكير» زياد: 77-76 
بلاص» شمعون: 417 


البلتاجى. محمد: 225» 229 


بلدية تلمسان (الجزائر): 263 
بلدية نابلس (فلسطين): 460 
بلوخ, مارك: 293 297 

بلوط» حسان محمد عبد الهادي: 445 
بليبلة» ساحرة: 451 

بن إبراهيم» عبد الله: 215 

بن زئيف. إفرات: 405 

بن شقرون» محمد: 242؛ 244 
بن الصديق, أحمد: 141-140 
بن عليء زين العابدين: 292-291 
بن عمر» بن عبد الله: 264 

بن غوريون, دافيد: 509 


البنا حسن: 2153 158-155» 167» 
2171-0 181:176-175 


بتكهو. هرة حسين نايت: 104 
البهائيون في مصر: 50 
بهجت. نبيل: 73» 76 
البواب» وداد: 130 

بوتفليقة» عبد العزيز: 253 
البوجديدي» امحمد: 308 
بوردون» جورج: 96 

بوشناقء إينيا: 385 


57ظ5 


بوعزيزي» محمد: 6235 293 
بوعلام» سيفى: 264 


بولان (النقيب الفرنسي): 100» 107- 
108 


بومدين» ورنيدي: 263 
بويقبة» فاطمة: 135 
بياجيهء جان: 17 


بيت لحم (محافظة فلسطينية): 48- 
9+ 441 

بيت نتّيف (قرية فلسطينية): 2427 
2436-9 438 441-440 
448-3 


بيتيت» جولى: 2388 484 


بثر السبع (منطقة فلسطينية): 363» 
421 


بيروت: 412٠2100199‏ 
بيكيرء جان جاك: 294 
البيه» فاطنة: 130-129 
لوث 
التاريخ الإسلامي: 235 
التاريخ الجزائري: 274 

تاريخ الخليج: 353 


تاريخ الزمن الراهن: 281-279 


التاريخ الشعبي الفلسطيني: 391- 


2ظؤ23 


التاريخ الشفوي الأميركي: 358 
2 +34 


التاريخ الشفوي العربي: 2359 385 
التاريخ الشفوي الفلسطيني: 357» 


360-9» 2362 371غ» 373» 
377-5غ 2379 2381 384- 
6 3926389-33 395- 
6 398 4400 477. 2.483 
6 495 503 509 


التاريخ الشفوي المغربي: 113» 115 


التاريخ اللبناني: 190-188. 193» 
5 199 203. 205 


التاريخ المصري: 222. 226 
التاريخ المغربي: 231؛ 247-246 
التاريخ المغربي الرسمي: 115-113 
التاريخ المكتوب: 361-360 
التازي» محمد: 238, 240 


تأميم شركة قناة السويس (1956): 
49 


تجارة التهريب: 291 


تجمع الهيئات الثقافية اللبنانية: 196 
تحرر النساء: 52 

التحرش الجنسي: 142 

تدريس التاريخ: 188. 191-190 
التراث الإسلامي: 170 


3717 


التراث الشعبى الفلسطينى: 2378 


8 530 
التراث الشفوي: 300 
التراكم الجيلي: 153 

تراوي» أيمن: 214 


التطهير العرقي للفلسطيتيين: 528» 
520 

تظاهرة الريجي في منطقة فرن الشباك 
فى لبنان (1946): 200 


التعددية المغربية: 120 


تمقرير كاهان الإسرائيلي عن مجزرة 
صيرا وشاتيلا (1983): 23210 


تلحمى» غادة: 29 


التلمسانى» عمر: 153» 156 


تماري. سليم: 5 412 416 
4999-8 


تمام» حسام: 177 
التنظيم النسائي في الاتحاد الاشتراكي 
(مصر): 29 


التنظيم النسائي في الاتحاد القومي 
(مصر): 29 


التهجير القسري للفلسطينيين: 2356 


508-27 
تهويد القدس: 358 
التوثيق البصري: 270 81-80 
تودوروفء تزفيتان: 147 
التوعية الوطنية: 226 
تونس: 21» 35غ» 2278 391-390 
تويني» غسان: 189 


التيار الإسلامى فى مصر: 19 .»6 
2225-2421 2306228 


تيركل» ستادز: 361 
تيسنء» لورن: 211 
تيمورء عائشة بنت إسماعيل (عائشة 
التيمورية: 26 
لاو سه 
الثقافة الأمازيغية: 121 


الثقافة الأوروبية: 418 


569 


الثقافة البصرية: 60 

ثقافة التسامح: 218 

الثقافة الريفية: 177 

ثقافة السرية: 180 

الثقافة السلطوية: 58 

الثقافة الشفوية: 121 

الثقافة العربية: 23 224-2». 417 
الثقافة العربية الإسلامية: 223» 225 


الثقافة المواطنية: 193» 195 201- 
202 


الثقافة الوطنية الفلسطينية: 498 


ثورة 23 تموز/ يوليو 1952 (مصر): 
9 220-219 

الثورة التونسية (14 كانون الثاني/ 
يناير 2011): 21» 277, 279» 
5 و2899 292-291. 
257 


الثورة الجزائرية (1962-1954): 
250-9.» 2253 2255 260» 
2362705 


ثورة سعد زغلول (1919): 220». 
225 


الثورة العرابية (79 2-18 188): 27 


الثورة العربية الكبرى (1916): 371» 
5]8 


الثورة الفرنسية (1789): 216 


الثورة الفلسطينية الكيرى (1936): 
23*23 

الثورة الفلسطينية المسلحة (1965): 
50 


الثورة المصرية (25 كانون الثاني/ 
يناير 2011): 25, 31-30 
35 238 46: 250 53 55- 
وق 20-67. 273-72 75 
1 149 165 168 174- 

230-228 .226-+ 5 


الثورة المصرية (30 حزيران/ يونيو 
3 230-228 

اج - 
جاد الله سلافة: 390 
جاكسون.ء مايكل: 466 
الجاليات الهندية في البحرين: 329 
الجاليات الهندية في الخليج: 331 
الجالية الفلسطينية فى الكويت: 387 


الجامعة الإسلامية فى غزة: 383. 
356 


- مركز التاريخ الشفوي: 376 
جامعة أكسفورد: 365 
- كلية نوفيلد: 399 


5 0 


الجامعة الأميركية في بيروت 
- معهد يافث: 215 
جامعة بيت لحم: 396 
جامعة بيرزيت (فلسطين): 372- 
3 396 399 564.497 


- مركز التوثيق والأبحاث: 373» 
6 508 


- معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات 
الدولية: 399 


جامعة جورج تاون في الولايات 
المتحدة: 387 


جامعة ديوك (الولايات المتحدة): 
381-08 


جامعة القدس المفتوحة: 508 


2022 


جامعة كولومبيا: 2 380071- 
1 384 


جامعة النجاح الوطنية (فلسطين): 
2 396 


جبال صاغرو (المغرب): 90» 95» 
3 115 


جيل بوكافر (المغرب): 93-90 
جبل الجرمق: 542 
جبل لبئان: 190 


جيهة الإنقاذ (مصر): 230 
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: 392 
الجديدة (مديئة مغربية): 2231 233- 


-246 .244-240 2236 4 
217 


الجرباوي. علي: 373 

جريج.ء لمياء: 211 

الجزائر: 255» 273 

جزيرة أوستيكا (إيطاليا): 318 
جزيرة فافينينا: 310 

جشوسء عز الدين: 231 

جلبي. خالص: 174 

جماعة الهيكل الألمانية: 412» 415 
الجمال» مصعب: 2161 179 


جمعية إنعاش الأسرة (فلسطين): 
72 389 497 


جمعية الثقافة والفكر الحر في 


خان يونس: 399 


جمعية الدراسات العربية (فلسطين): 
322 


جنجار. محمد الصغير: 16 
جنوب آسيا: 325» 329» 343 


جنوب أفريقيا: 383 


جنوب لبنان: 388. 390 
جنوب الهند: 326-325 
جوتارء فيليب: 2278 
جوخ. خليل: 555 
جولاتي. ليلا: 327 
جوليتي» جيوفاني: 311 
جوهرية» هاني: 390 


جيد» نظير انظر شنو دة الثالث 
(الأنبا) 


جيروء هنري (الجنرال الفرنسي): 91 
الجيش الأردني: 445 
الجيش الرسرائيلي: 4458-6 2509 


517 
الجيش الأميركى: 457 


جيش الإنقاذ العربى: 2.406 545- 
55167 


الجيش الإيطالي: 308» 315 
الجيش البريطاني: 526 

جيش التحرير المغربي: 114 

جيش التحرير الوطني «(الجزائر): 


265-44 


الجيش العراقي: 510 


الجيش الفرنسي: 7 259 
الجيش المصري: 0 446-445 
جينيت» جيرار: 56 
الجيوش العربية: 519-518 

2 اب 
حاتم» ريم: 68 
الحاج إبراهيم» رشيد: 414 


(الولايات المتحدة): 454 


الحادك» قاسم: 83 
حبيب» رفيق: 230-222 
حبيب» صامويل: 225 
حبيب) محمد: 166 


حجى» علوي: 3393 
الحدود المصرية - الليبية: 443 


الحراك الثوري فى تونس: 285- 
22897 298 

الحرب الأهلية الإسيانية (1936- 
9 © 36264207 


الحرب الأهلية اللبنانية (1975): 
2 42 195غ 199 205- 
6 209-208.) 211». 
216-64 390 


حرب السويس (1956): 50-49 


الحرب العالمية الأولى (1914- 
8 412188 


الحرب العالمية الثانية (1939- 
5 ) 2.188 2207 2217 
8 418661 


الحرب العربية - الإسرائيلية (1948): 
8 365-36442. 2368 
32 077 384-3833 386- 
7 402-41 406-405 
8 1 + +4194 427- 
9 433 443 447. 460- 
1 465-464. 478-477 
497-6. 500-499 502- 
5 510-507 512 2515 
518-7. 520. 530-526. 
9 545-544 553 557» 
2 566. 0568 571-570 
6 579-578 


- عملية حيرام: 545 

- معركة تل الصافي: 444 

- معركة الدهيشة: 444 446 
- معركة ظهر الحجة: 444 

- معركة عرتوف: 445 


الحرب العربية - الإسرائيلية (1967): 
0 33 49-48 362 419 


الحرب العربية - الإسرائيلية (1973): 
227 


الحرب على الإرهاب: 2 2455 


414 

حركة 6 أبريل (مصر): 2159 168 
الحركة الثقافية - أنطلياس (لبئان): 196 
حركة حق العودة (فلسطين): 393- 


2314 
الحركة السلفية فى مصر: 155». 178 
الحركة الصهيونية: 418 487. 510» 


72 5 26 527-5غ2 
252209 


حركة كفاية (مصر): 2159 168». 
225 


الحركة النسائية المصرية: 29 
الحركة الوطنية الجزائرية: 256 


الحركة الوطنية الفلسطيئية: 368- 
9 399 482 502 


الحركة الوطنية اللبنانية: 388: 396 


الحركة الوطنية المغربية: 231: 234- 
8 243-41 246-245 


الحريات فى لبنان: 191» 193.» 
2019 


حرية التعبير: 2113 254 


الحريشى. عتيقة: 238 


الحريشىء لطيفة: 238 


حزب الاستقلال (المغرب): 233- 
4 36 240-238 242 


- المجلس الوطني: 232 
حزب التيار المصري: 165 


حزب الحرية والعدالة (مصر): 2) 
8 -21--2173 2306225 


حزب الشورى والاستقلال (المغرب): 
114 


الحزب الشيوعي الفلسطيني: 400 
حزب العمل (مصر): 224 

- اللجنة العليا: 225 
حزب القوات اللبنانية: 391 
حزب الكتلة الوفدية (مصر): 220 
حزب مصر القوية: 165 
حزب الوسط (مصر): 225 
حزب الوفد المصري: 27. 220 
الحسن الثاني (ملك المغرب): 240 


الحسنى» حامد عبد الهادي نصار: 
444 


الحسين» جميلة: 524-522 


حسين» طه: 223 

حسين,» عادل: 224 

حسين» محمود: 2157 548 
الحسيني» أمين: 367 
الحلوء جيهان: 375 

حماد. زينة: 106 

حمدء عليا أحمد: 553 
حمدك.» قاسم: 50 


الحمدوني (العميل المغربي): 1- 
242 


حمدي. فادية: 293 

الحملة الفرنسية على مصر (1798): 
26 

الحموريء طاهر: 441 

الحناوي» خديجة: 33 

حنفي» ساري: 401 

الحنفي» محمد: 414 


حوادث 1860 (جبل لينان): 191» 
206 


حوادث 1963 (المغرب): 139 


حوادث آب/أغسطس 1955 
«المغرب): 234 243 


حوادث آذار/ مارس 1973 (المغرب): 
144 


حوادث الريف فى المغرب (1958- 
9 02 140 


حوادث شارع محمد محمود فى 
مصر: 176 


حوادث لبئان (1958): 206 


1/6 


حوادث مجلس الوزراء (مصر): 176 


حوادث مخيم نهر البارد في لبنان 
(2007): 579 


الحوتء بيان نويهض: 357» 388». 
0 44 

حوري» موشي: 47 

حيدر» عزيز: 420-419 

حيفا: 62366 403-401 405. 409- 


-421 419-418 415 3 
52262514-13508 2 


-2 
الخالدي. رشيد: 3568 
الخالدي» وليد: 5 6.369 373غ» 
509 


ختان الؤناث: 42-41 
خط الحجاز الحديدي: 413-412 


الخط الحديدي الفلسطينى: 413» 
418 


الخطاب الدينى: 169: 178 
الخطاب السلفى: 8 180 


الخطابي» محمد بن عبد الكريم: 
64 134 


الخطف على الهوية: 197 
الخطيب» محمد سمير: 55 
الخلافة الإسلامية: 171» 176 


الخلقى. عبد الرحمن: 3 236» 
243-11 


الخليج العربى: 2326-23 328- 
3 2338-2-56 341 2343 
352-98 


خليفة» أحمد: 369 
خليفة» عصام: 199 
خليفة» مارسيل: 211 
خليل» سميحة: 389 


الخليل (مدينة فلسطينية): 2432 441 
4+8 


الخليلى» غازي: 358 


خليلي» لاله: 394 


خورفكان (الإمارات العربية المتحدة): 
2334-2 2340-339 346 
348 


خوري. الياس: 3993-2 
خوري» شكيب: 213 
دوى- 


الدار البيضاء (المغرب): 233» 236» 
8 240 246-242 


40 


دار المتحف المجاهد (الجزائر): 
253 


الدباغ. مصطفى مراد: 364-363 


الديس» محمد ذيب عيد الله: 2432 
9 441+ 445-443 


دبي: 2343-3 345 
الدجاني» معتز: 36 

دحماني» عمر جمال الدين: 249 
الدراما الإغريقية: 61 

دريش» بول: 328 

الدمراوي» ياسمين: 52 
الدمقرطة: 386» 395 


دمقرطة الدولة: 116 

دمقرطة الذاكرة: 147 

الدهماني» الدهماني سالم: 313 

دو سيرتو» ميشيل: 453) 471-470 

الدوحة: 339-338. 345-344 

الدولة العثمانية انظر الإمبراطورية 
العثمانية 

دوماني» بشارة: 397. 407. 2495 
ظ5 


دويريء زياد: 210 
الدويك» حامد: 432 
الدويك. مرتضى: 432 
ديبوء أمل: 213-212 
ديفيس» روشيل: 393» 496: 503 
الديك» محمود أحمد: 299 
ديكامب» فلورانس: 284 287 
ديوبء بيراوغو: 401 

5 
الذاكرة الانفعالية: 79 


الذاكرة الجماعية: 2116-113 2.121 
127-6» 148 202. 206. 
7 429-88 438 
444-22 448-447 


الذاكرة الشعبية الفلسطينية: 377- 
9 381 383 3920387 


الذاكرة الشعبية النسائية: 377 

الذاكرة الشفوية: 2123 301: 303 

الذاكرة الشغوية الجماعية: 429 

الذاكرة الفردية: 287: 411-410 

الذاكرة الفلسطينية: 484 

الذاكرة المنطوقة: 283 

الذاكرة الوطنية: 268. 270. 274 
درم 

الرابطة الثقافية - طرايلس (لبنان): 196 

رابطة العاملات المصريات: 28 


رأس الخيمة (الإمارات العربية 
المتحدة): 338» 344 


راشد» ظاهر علي بركات: 9 441 
راشد. عبد الفتاح: 49 

راشد. عزيزة: 439 

راشد» مريم بركات: 439 


راشد النعيمي (حاكم إمارة عجمان): 
0 3+0 


رجب)2 مصعب: 163 
الرحبانى» منصور: 214 
الرشيد» مضاوي: 355 


الرواية الشفوية: 9 116-115غ» 
4 01 246-246 2251 
8 284-33 2296-2295 
300-9. 303-302غ2 2306 
9 446-445 448 499 
171 509-508 2529 540 
502 


الرواية الفلسطينية: 486-485, 504 
روميء أحمد إبراهيم: 439 
رومي» سعدية: 439 
الريسوني» أحمد: 159 
ريكور» بول: 20-19, 410. 478 
رينييه» فرانسوا: 98 

دوا 
الزبيري» محمد العربي: 252 
زريق» قسطنطين: 384-383 
الزعفراني» إبراهيم: 153» 160 
زغموت,. فارس: 2550 554 


زغموت» محمد إسماعيل حمدة: 
555 : 


زغموت» محمد محمود: 2546 549 
زغموت, نمر: 549 
زكرياء كونيبارامبيل س.: 327 
زكي» سهير: 51 
الزموري, أحمد: 238, 240, 245 
زواج البدل: 439 442 
زواج العطية: 440-439 
زواج الغرة: 440 
الزهيري» قاسم: 245 
زيدان» محمود: 398. 539 
زين» منار: 26 
زينة» حسين: 546 
30 
سابق» سيد: 156 


ساحة مسرح الهناجر (مصر): 272- 
73 


السادات, أنور: 30» 219» 228-227 
السادات» جيهان: 30 

سارة» عبد الرحيم: 5[]14 

ساسين» فارس: 209 


ساند. شلومو: 563 


سبيتان» أحمد: 524-522 
ستارز» وليم: 380 
سجن أزمور (المغرب): 244 


سجن أغبالونكردوس (المغرب): 
2407 


سجن دار الجنرال (الجزائر)ة انظر 
- معتقل دار الجنرال (الجزائر) 


سجن العدير (المغرب): 238 
السرغيني» أحمد: 2412240 
السعدء لمياء: 209 

سعد مجدي: 2163 2168 176 
سعدي. أحمد: 419 

سعدي» محمد: 113 

سعيد, إدوارد: 2389-388 475 
سعيدء خالد: 235-34 40 
سكومب» إيان ج.: 329 

سلام» نواف: 209 

سلهب» غسان: 210 

سليمان» أحمد محمد علي: 573 
سليمان» عمر: 174 

سليمان» ليلى: 71-68 


السمّان» غادة: 208 


سنوات الجمر والرصاص (المغرب): 
0129-5 133-132 142» 
148-727 


سورية: 2368 2.397 2409 2.412 
4 541.443 574 


سوليهء جان - فرانسوا: 281 
سويد» محمد: 210 


سويدنبرغ» ثيودور: 410 2477 500؛ 
503-2 


السيد أحمد شريفة إسحاق إسماعيل: 
48 


سيدي بوزيد (مدينة تونسية): 2290 
2312 
سيف. أنطوان: 199 
اعم .2 0 
سس 
شاردون (العقيد الفرنسى): 100 


الشارقة (الإمارات العربية المتحدة): 
8 3486 


شارون» أريئيل: 42 
الشاطر» خيرت: 176 


شاف» وليم: 2360 


شاكر, آمنة: 577 


شاكرء عبد الله: 232 239-238» 
2445-1 


الشامي» إسحق: 417-416 
شاهين» رياض: 383 
شاهين» طانيوس: 200 
شاهين» عزيز: 565 

شبه الجزيرة العربية: 324 
شبه القارة الهندية: 343 


شجرة العائلة: 567-565» 573- 
4 580 


شدياق» جان: 196 

شرّاب» محمذ محمد حسن: 564 
شرابي» هشام: 23*01 

الشرق الأوسط: ١117‏ 2328 474 
شركة بريستو هليكوبتر: 347 
شريدي» أحمد سعيد: 2546 549 
. شريدي» عاطف: 554 

شريديء عزيزة: 549 

شريدي» محمد سعيد: 548 


الشريف» مصباح: 441 


شطب المذهب عن بطاقات الهوية: 
8ظ1 
شعراوي» هدى:. 27 


الشعر الشفوي: 3 7 89 297 


9 306 
الشعر الشفوي المقاوم: 85, 89. 94 
الشعر الشفوي النسائي: 103 
شفيق» أحمد: 174 
شفيق» درية: 29 
شلهوب - كيفوركيان» نادرة: 473 
شمسء» محمد: 2161 1716166 
شنهاف. يهودا: 416 


شنودة الثالث (الأنبا): 219. 221» 
7 229 


الشهادة الشفوية: 20-38 31غ 56- 
61» 67-63 669 275-74» 
82-0 122-119 124غ. 
5 258-249 2270-267 
3--274غ 284غ 294-293 
3301-0 2.403 2478 2.485 
2 495 


الشهادة المرئية: 208 
الشهادة المكتوبة: 478 
شوحطهء إيلا: 417 


الشيخ غانم» رشيد: 516 
الشيشكليء أديب: 545 

- ص - 
صالح. صليحة أحمد: 554 
صالح» صليحة خالد: 553 
صالح. فاطمة خالد: 553 
الصالح؛ محمد خالد: 555 
صالح.ء نبيل: 420 


صايغ» روزماري: 367-366 385» 
8 46 484 509 


صايغ» يزيد: 369-368 


صبحي» علي: 72-69 


صبري» نعيم: 224-222. 226- 
230 


صحناوي» ندى: 215 
الصدر. موسى: 195 


الصراع العربي - الإسرائيلي: 401 


459 2 


الصديقى» خديجة: 234, 2239-238 
246 


الصديقىء فطومة: 238 


صعب» جوسلين: 210 


الصفصاف (قرية فلسطينية): 539» 


5477-2 
صغفير» زينة: 210 
الصقلي» شيرين: 40 
الصلح, تقي الدين: 189 
الصلح. ربى: 209 
الصليب الأحمر الدولي: 508 


الصهيونية: 20» 6367 411: 416- 
4117 


صولى» حسين: 214 

صيقلى» مى: 2366 415 
-ض - 

الضباط الأحرار فى مصر: 220 


الضفة الغربية: 9 386 389غ» 
4 396 398 409 419 
421 


1ت 
الطباع» عثمان مصطفى: 565 
الطنجة؛ أبو خالد: 521 

طولكرم (قضاء فلسطيني): 507- 


529-528 2514-5 9 


الطيب» بأسعيد: 264 


عاب 
العارف. عارف: 364-363 
عاقل» محمد ماهر: 173 

عايش. عزيزة محمد محمود: 446 


عائشة التيمورية انظر تيمورء عائشة 


عائلة العزة (فلسطين): 491-489 


العائلة الفلسطينية: 61 568-563) 
2 5800578 


عيادو» السعيد: 252 
عبد الجواد. صالح: 3 آ*2ظ2 
عبد الرازق» موسى: 438-437 


عيد الناصرء جمال: 30. 250 219». 
2228-6 


عبد الناصرء هانى: 68 
عبد الهادي» فيحاء: 374 


عبيد مكرم: 220. 0222 224- 
225 


عثمان» محمد: 172 
عثمان» وصفية: 524-22 


عجمان (الإمارات العربية المتحدة): 
1 344-343 


العدوان الثلاثي على مصر انظر 
حرب السويس (1956) 


العراق: 413. 457 


العراقى. قاسم: 2233-2 236- 
7 (240-239.) 2.2242 
2245-4 


عرض #بيساطة كده4: 68 
عرض «اتحت ضوء قمر الثورة»: 68 


عرض «حواديت التحرير؛: 68» 272» 
6 80-79 


عرض (لا وقت للفن»: 7169-68 
عرض «مش باقي مني4: 68 

عرنيطة» يسرى جوهرية: 377 
العروبي» محمد: 235-234. 238 


العروي» عبد الله: 284, 296» 480- 
402 


العريان» عصام: 166. 173. 225». 
229 


عزء أحمد: 45 
عزت. محمود: 157 
العزة. محمدكد: 441 


عسقولء خالد: 551-550 


عسقول» قاسم محمد ذيب: 4- 
575 


العصابات الصهيونية: 510-509» 
513-2) 517-516 519- 
0 6 541 546 548 
2 554 557-556 


عطا الله طوني جورج: 187 
عفيغي. محمد: 219 

عقلء ماهر: 179 

العلاقات الليبية - الإيطالية: 308 
علقم؛ عبد العزيز علي: 439 


علقم. عيد المجيد على: 441-440 
445-313 


علقم. علي: 432 435-434 
علقم عيسى علي: 443 


علم الأنساب: 564-561 567- 
568 


علم التاريخ: 20-7 

عمارة. علال: 244 

عمارة» عمر: 523-522 

العمال العرب: 418 

العمال الهنود في دبي: 346 

العمال الوافدون إلى الخليج العربي: 


230 
العمال اليهود: 418 
عمر» سي. [تش.: 2334 351 
عمر) معطي: 2310 


عملية الدرع الواقي الإسرائيلية في 
الضفة الغربية (2002): 2452 
455 


- اجتياح نابلس (2002): 451- 
465-15 469-467 


العنانى» خليل: 152 
العنانى. عمر: 441 
العنف الجنسى: 6137-136 141 


العنف السياسى: 129-128. 134» 
17 


العنف ضد التساء: 40. 129 

عودة» عيد القادر: 156 

عياش» حسن حسين: 427 

عياش» عبد الرحمن: 165 

عيسى» تاوكرات أولت: 99-98 
ع 

غاردنر» أندرو م.: 329 


غاندي. أنديرا: 341 


غانل - لورينيه» سيلفان: 281 
غانم» عبد الرحيم: 507 
الغيراء شفيق: 387 

غراهام» ستيفن: 455» 475 


الغروزء» محمد خليل يوسف: 2439 
0013 


الغريّب» محمد ميشال: 215 


غريغوري» ديريك: 2455-4 2473 
475 


غريلى» رونالد: 807 384 
الغزالى. حكمت: 28 
الغزالى» محمد: 156 


الغزو الإيطالي لليبيا (1911): 2301 
317 


غلاس» جوزيف ب.: 416 
غندوره» زينة: 392 

الغنوشيء راشد: 159 
غوجارات (الهند): 324» 335 


غودوين» لورانس: 2358 362» 380- 
2351 


غوفمان» إرفنغ: 406 


اف- 
الفاسي. علال: 240 
فانسيناء جان: 300 
الفجيرة (الإمارات العربية المتحدة): 


3472-6 
فخر الدين (الأمير): 200 
فرقة الهاغاناه اليهودية: 414 


فرنسا: 244-243 265 517)2280» 
0 © 2 


فرويد» سيغموئد: 120 
فريرء باولو: 4713 
فريزر» رونالد: 362 


فلسطينيو الداخل الإسرائيلي: 420: 


9]آ5 
فلسطينيو الشتات: 421-420 
فن الغرافيتي: 290 

فن المسرح: 59-58» 62 
فوازء زينب: 26 

فوراء نيها: 329 

فولدمان» دانييل: 2 28 

فيال» جان: 88 


فيروء مارك: 10ظ2 


فيفيوركاء أنيت: 281 

فيلم «الدهليز»: 211 

فيلم «مملكة النسوان»: 391 

الفيلم الوثائقي «أنسى بغدادة: 417 
-ق- 

القادري. بهيجة: 238 

القادري» عبد الحق: 245 


القادري» عبد الواحد: 240-239». 
2245-4 


القادري, لبابة: 238 

قاسم» محمد نمر: 547-546 
قانون الطوارىء المصري: 70-69 
القاهرة: 37» 46 


قبائل آيت عطا (المغرب): 90: 292 
109 


القدس: 8 2379 2412 436) 
513 


القدس الشرقية: 359» 420 
قدورة» علي مصطفى: 577 
قدورة» ياسر: 561 
القرضاوي» يوسف: 156 


القرطبي» العربي: 2ؤ2 


القسام» عز الدين: 2368-367 414 
قسطندي» كامل: 377 


القصاص» محمد: 2161 2168 174» 
19 


القضية الفلسطيئية: 367-366 384- 
5 395 484 563 2566 
50 


قضية المنفيين الليبيين إلى الجزر 
الإيطالية بين عامى 1911 
و1943: 301 309-307. 
311-71 


قطاع غزة: 359) 2396 421-419» 
9آآ5 


قطب» سيد: 157-156» 159 

قطر: 345-344 

قطينة» أمين: 441 

قلادة» وليم سليمان: 223 

قلتهء يوحنا: 224-222. 230-226 
قلدسء رياض: 220 

القلعة» سليمان خزام: 308 

القنوات التلفزيونية 


- قناة الجزيرة الفضائية: 2.290 
40 


- قناة العربية: 407 


604 


- قناة فلسطين: 407 
- قناة القدس: 407 
القوات العسكرية الفرنسية فى المغرب: 
93-1 95.: 101.98. 108- 
1111 


القومية المصرية: 2100 
د ك- 
كابزيويسكي» .: 308 


الكاتدرائية القبطية في العباسية (مصر): 
229 


كائرو» جورج: 91 
كاظمء بى. ا 95 34006 


كاليكوت (مدينة هندية): 2330 332- 
3 39 348 


كانيفا (الجنرال الإيطالي): 311 
الكتابة التاأريخية: 495-494 
كحول». خالد: 192» 197» 200 
كرم؛ يوسف: 200 

كسوسء نادية: 6128 141 
كلينتون؛ هيلاري: 562 

كمال» غادة: 233 51 


كناعنة» شريف: 2.373 2378 2385 
6 509 


كنبيب» محمد: 123 
كنفانى» غسان: 393-392 


كنه محمد حاجى إم. فى.: 368 
351 


الكنيسة القبطية: 220 

الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا: 228 

الكنيسة الكاثوليكية المصرية: 228» 
230 

كوسء بوغوميل: 402 


كيرالا (جنوب الهند): 324-323» 
3322-6 335غ. 340-339 


347-313 2349 352-351 
دل 


اللاجئون الفلسطينيون: 403-401 
0 413 419-418 421- 
2 428 511-510 516- 
18 523 527-525» 
09 541-539 2564 578» 
560 


اللاجئون الفلسطينيون في الأراضي 
المحتلة: 420 


اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: 422 
464 


لبنان: 21» 2188-187» 191-190» 
3 020150111104 - 
8 368 2376 386غ» 388» 
3991-0 394. 398-396غ» 
71 406 409 414 541 

5794 


لجنئة الحقيقة والمصالحة في جنوب 
أفريقيا: 146 


(مصر): 230 


اللجنة الوطنية للعمال والطلبة (مصر): 
28 


اللحام» بدران: 435 

اللحام» عثمان: 435 

اللحام» عطا الله: 435 

لطفيء إسلام: 179 

اللغة الأمازيغية: 141)121-120 


لمسقر» إدريس: 4 23907- 
0 246-244 


لمسفر» راضية: 232» 240-236» 
244 


لمسفرء. عبد الرحمن: 060 245 
لوغوف» جاك: 113 


لوفيفر» هئري: 2453 472 
لوكمان, زاكاي: 415» 418 
لومسكي - فيدر» إدنا: 405 
لونغفاء أ.: 328 
ليبيا: 21» 304 
ليساك» موشي: 415 
ليسير» فتحي: 277 

-م- 
ماضي؛ أبو العلا: 160 225 


مالابار (الهند): 330-329» 332- 
3 336 340-339 343 


المالكي» خديجة: 139 

مامو» حعجي: 341 

مانديلاء نيلسون: 382 

مانهايم» كارل: 153-152» 481- 
462 


مبارك» حسنى: 5) 232-31 639 
3 46-45 51 268 29» 
2 164-163 2174 221» 


229-95 


مبروك» محمد: 27 


مبيكى» ثابو: 352 


المتحف المركزي للجيش (الجزائر): 


256 
المتحف المصري: 3/ 
المتحف الوطني الفلسطيني: 399 


المتحف الوطني للمجاهد (الجزائر): 
256 


المتحف الولائي لولاية تلمسان 
(الجزائر): 267., 271-270» 
213 


المجازر الإسرائيلية: 369 


- مجزرة دير يأسين: 369» 510» 
6513-2 553 


- مجزرة صيرا وشاتيلا: 370 
0 2***5 


- مجزرة الصفصاف: 541-539». 
9 ظ” 2 


- مجزرة الطنطورة: 513 
- مجزرة طيرة حيفا: 513 
- مجزرة عين زيتون: 513 
- مجزرة قاقون: 514 


- مجزرة مخيم تل الزعتر 
(1974): 579 


مسجاود. محمد: 251 


المجتمع الإسرائيلى: 2405 415., 


4211-0 


المجتمع الإيطالي: 310 

مجتمع البادية: 301 

المجتمع الثنائي: 4416-5 
المجتمع الجزائري: 249 

المجتمع الحضري الفلسطيني: 473 
المجتمع الدولي: 517, 521-520 


529 
المجتمع العربي: 415 
المجتمع القبلي الفلسطيني: 421 
المجتمع الفلسطيني: 402» 520 
المجتمع اللبناني: 6202 207 
المجتمع الليبي: 302» 307 
المجتمع المدني اللبناني: 195 
المجتمع المدني المغربي: 115 
المجتمع المصري: 53» 159-158. 


225-224 6222-0 


المجتمع المغربى: 7 289 246- 


217 
المجتمع اليهودي: 415 
المجتمعات التعددية: 187 
المجتمعات القبلية المغربية: 86 


مجلة التراث والمجتمع: 497 
مجلة الجنى: 2377 395 
المجلس الأعلى للقوات المسلحة: 


16 


مجلس التعاون لدول الخليج العربية: 


353 


المجلس الثقافي للبنان الجنوبي: 


6ظ1 


المجلس العسكري المصري: 71» 


229 
المجلس القومي للمرأة (مصر): 30 
مجلس قيادة الثورة (مصر): 220 
مجموعة 211474: 345 


المحرقة اليهودية (الهولوكوست): 
0 578 

محفوظ» نجيب: 6220 222 

محكمة إيخمن في القدس: 4131 

محمد الخامس (الملك المغربي): 
1 243 

معحمد السادس (الملك المغربي): 
73 117 

محمد علي باشا (والي مصر): 26 

محمد كنجي: 3136 

المحيط الهندي: 330 


مخيمات اللاجئين الفلسطينيين: 367» 
3 *”ظ3ظ2 


- مخيم تل الزعتر: 390 


- مخيم الجلزون (الضفة الغربية): 
403 


41440 7 3 


- مخيم شاتيلا: 321 


- مخيم طولكرم: 523-521 
525 


- مخيم العروب: 488 

- مخيم العزة في بيت لحم: 410 
- مخيم عين الحلوة: 391 

- مخيم نهر البارد: 377 

- مخيم نور شمس: 525 


- مخيم اليرموك فى دمشق: 2395 
3 409-77 414 


مدرسة التهذيب (المغرب): 2240 
215 


مدرسة الصفا الحسنية (المغرب): 
245 


المدرسة الوطنية (المغرب): 245 


مديرية المجاهدين (الجزائر): 253» 
4270-7 273 


المرأة الفلاحة: 496, 504 
المرأة الفلسطيئية: 375-374 
المرأة المغربية: 97» 1116103 


المرأة المقاومة المغربية: 100-99. 
7 1128110-91 


مرسى» محمد: 166» 230-229 


مرقص »2 سمير: 224-222 226- 
2130 


مراكز التعذيب في الجزائر 
- مركز بغاون: 2711-0 
- مركز بن مهيدي: 271 


00 مركز حاسى سيدي أمحمد: 
2/71 


- مركز دار الجنرال: 2259 271» 
214 


- مركز دار يغمراسن: 271 
- مركز سيدي المخفي: 271 
- مركز الشاطو: 271 

- مركز الشولي: 271 

- مركز العبور 17©: 271 
- مركز عين غرابة: 271 


- مركز عين يسر: 271 


- مركز 84184618: 271 
- مركز 18 88571111108: 271 
- مركز 68134618: 271 
- مركز 1.888201: 271 


- معتقل دار الجنرال (الجزائر): 
9» 2263-2558 267-266». 
274-9 


مركز الأرشيف الوطني لجنوب 
أفريقيا: 383 

مركز الجليل للأبحاث الاجتماعية 
(فلسطين): 373 

مركز العدالة الانتقالية (المغرب): 
146 

مركز الفن الشعبي (فلسطين): 372 


مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني 
(شمل): 396. 403. 407 
42 


مركز المعلومات العربي للفنون 
الشعبية: 376 

مركز منظمة المجاهدين (الجزائر): 
253 

المركز الوطني للدراسات والبحث 
في الحركة الوطنية وثورة أول 
نوفمبر (الجزائر): 256 


609 


المرنيسي» فاطمة: 130 

مزاوي» أندريه: 420 

مستشفى القصر العيني الفرنساوي 
(مصر): 232 50 

مستعمرة همابيل الصهيونية: 512 

المسجد الأقصى: 452 

مسرّة» أنطوان: 200 


مسرحة الشهادة الشفوية: 61 64» 


273-72669-7 676 82-80 
المسرحيات اللينانية 
- مسرحية «ذاكرة الأقنعة»: 213 
- مسرحية #اصيف 4840: 214 
- مسرحية (فخر الدين»: 211 


- مسرحية «فيلم أميركي طويل»: 


212 
- مسرحية «نزل السرور»: 212 


- مسرحية #وقام في اليوم الثالث»: 
214 


المسيري» عبد الوهاب: 159 


المشايخ؛ أحمد عبد الرحمن 
عبد القادر: 415 


المشايخ» داهود: 432 


المشايخ» عبد الله: 412 

المشايخ» عبد الكريم: 432 
المشايخ؛ عطا الله: 432 

مشرفة» مصطفى محمد إبراهيم: 525 


مشروع «ساديت» (جنوب أفريقيا): 
3883-1 


المشروع الوطني للحفاظ على جذور 
العائلة الفلسطينية: 567 


مشهورء» مصطفى: 18 


المصدر الشفوي: 2279-2727 2281 
2284-3 2294-2993 303 


مصر: 22 44 247-46 251 53» 
013 4140 


مصطفى» ضحى سمير: 149 


مصلحة المحافظة على التراث الثقافي 
والتاريخي «(الجزائر): 2.262 
269-38 


مطلق» خولة محمد عيد الحميد: 
412 


مطلق. محمد عبد الحميد: 443 


المعاشي (العميل المغربي): 243 


معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية 
(1979): 33 227 


معاهدة كامب - دايفيد (1979) 
انظر معاهدة السلام المصرية - 
الإسرائيلية (1979) 

معرض «أتذكرة: 215 

معرض «بوسطة عين الرمانة»: 214 

معرض «ذاكرة بيروت»: 214 


معركة بوكافر فى المغرب (1933): 
84-3 94-87 ري وق 
102-71 105-104: 108- 
112 


المعهد التكنولوجي لإسرائيل 


(تخنيون): 413 
معهد دراسات القدس: 408 


المغرب: 222-21 86 117-114» 
1 243 


المغلس (قرية فلسطينية): 478 
489-27 492-491 500 


مفهوم «الجماعة الوطنية»: 224 
مفهوم المسرحة: 64-62 

المقابلة الشفوية: 2 2303-30 305 
المقاومة الثقافية: 244 

المقاومة الشعبية المصرية: 29-28 


المقاومة الفلسطيئية: 403») 454 
459 


المقاومة الليبية: 307 

المقاومة المسلحة المغربية: 243- 
244 

المقاومة المصرية: 26 


المقاومة المغربية: 85-83») 87- 
38 91-90 93 96-95 
8 238-236 247 


المقاومة النسائية المغربية: 84-83» 
112-1116 

المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي 
(المغرب): 234 

مكتبة النجاح (المغرب): 233» 237 

ملحم» عثمان: 436 

ملحمء مصطفى: 436 

المليجي» عبد الستار: 164 

مناع» عادل: 420 

المنبهي. سعيدة: 130 

مندس» هاني: 388» 390 

منسى» مي: 209 

منصور» صلاح: 377 

منصورهء عبد الهادي: 435-434 


منظمة التحرير الفلسطيئية: 2368 
394-868 396 407 


منظمة الشباب (مصر): 49-48 


المنظمة الصهيونية العالمية: 528 
منظمة العفو الدولية: 456 

منظمة 28601 :396 

مهاجرو جنوب آسيا: 332 
المهاجرون غير الشرعيين: 332 
مهاجرو كيرالا الهندية: 325-324 


المهاجرون المالايليون: 326» 332» 
313 


المهاجرون الهنود في دبي: 329 
المهاجرون اليهود: 529 
مهرّي. إبراهيم: 2378 385 
المواقع الإلكترونية: 170 
- شبكة نبض إخوان: 151» 178 
- موقع إخوان أون لاين: 151 
- موقع إنت عيل إخواني: 2151 
128 
- موقع «العائلة الفلسطينيةة: 566 


- موقع «فلسطين في الذاكرة»: 
727 398 408-407 496 
566 


- موقع فيسبوك: 2151 168 
مؤتمر شبان الإخوان (1: 2011): 
1716167163-1 


الموجى» سحر: 2 726 
موح. عدجو: 102-99 
موديهو» تى كى: 336 


موريس» بنى: 0509 2512 540 


مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي 
(فلسطين): 372» 376 


مؤسسة التعاون في عمّان 


- لجنة التراث: 399 
المؤسسة التعليمية العربية في بيت 
لحم: 356 
مؤسسة الدراسات الفلسطينية: 373)» 
4087 
المؤسسة العسكرية الفرنسية: 88» 
2 96 


مؤسسة فورد: 399 
مؤسسة مراسلون بلا حدود: 456 


مؤسسة هوية (فلسطين): 2-561 56. 
1 20576 60578 580 


موسى (الأنبا): 226 


موقعة الجمل في مصر (2/ 2011/2): 
73 


مولاي» شريف: 263 


مومياي (الهند): 334» 338-336» 
4 346 


ميئاق جبيل (1975): 196 
ميخائيل» سامي: 41117 
ميدان التحرير (مصر): 25» 236-35 


672 6253-52 49-47 8 
224 29 727 


ميدان رابعة العدوية (مصر): 177 
ميدان سباق الخيل (لبنان): 196 
ميدان النهضة (مصر): 177 
ميلود» بن ثابت: 264 

ميناء البحرين: 324 

ميناء بندر عباس: 340 

ميناء بيبور في كاليكوت (الهند): 347 
ميناء دبي: 324 

ميناء رأس الخيمة: 335 

ميناء الشارقة: 339 

ميناء صحار: 348 

ميناء غوادر (باكستان): 331», 344 
ميئاء كراتشي: 331 

ميناء مسقط: 324 

ميناء مطرح في مسقط: 344 

ميناء مومباي (الهند): 331 

ميناء يافا: 363 


-دن- 


نابلس: 453-452, 462-461-458. 
4 475-474 


النابلسي» كرمة: 383 

نابليون يوئابرت: 26 

النادي الثقافي العربي: 6ظ1 

ناصر» إسماعيل: 2548 553 
النجار» ألكستدر: 209 

النجارء عايدة: 379-378 

النجار» مصطفى: 163» 165» 179 
النحاس» مريم: 26 

النحاس» مصطفى: 220 

نزال» نافذ: 368» 2388-3827 484 


النساء المصريات: 228-27 230 32» 
52 


النتصب التذكارية: 2203-2 206- 
207 


النضال الوطني: 392-391 

نقابة الصحافة في بيروت: 214 

نقابة العمال العامة اليهودية 
(الهستدروت): 418 

نقاش» سمير: 417 

نمر» سعيد: 373 


نمرء سونيا: 2373 396 

النونس» عبد ربه: 432 

نويهض» عجاج: 371 

النيص» عثمان عمر محمد: 525 

نيفنزء آلان: 2 36» 380 
3-2 


هاجيكاء إم. في. عبد القادر حاجي 
الياس: 338: 344 


هاريس. كريستينا: 171 
هاوستن. غريغوري: 383 


الهجرة غير الشرعية: 289» 323» 
6 349 


هسجرة الفلسطينيين: 626510-09 


5 519 
الهجرة المالايلية إلى الخليج: 327 
هجرة الهنود إلى الخليج: 323 
الهجرة اليهودية إلى فلسطين: 517- 


518 
الهضيبي. إبراهيم: 180-179 
الهضيبي» حسن: 2153 156 
الهضيبي»؛ مأمون: 2.172 178 

هلال» جميل: 2 48 


هلال عزة: 39 


الهند: 2331 2335-334 341 344- 
317 


هور وفيتزء دان: 415 


هوري (الجنرال الفرنسي): 88» 1 9- 
2 2 > 105 


الهوية الصهيونية: 418 

الهوية الفلسطينية: 482 562. 568 
الهوية القومية: 421 

الهوية الوطنية: 2252 421 


هيكل» حسن: 2233 2235 237- 
8 240 242 245 


هيلبرغ» راؤول: 411 


هيئة الإنصاف والمصالحة (المغرب): 
3 126-121:119-115ه0 
13213138 143 147 


دو- 
واسوء هرة: 102 

وايزمان, إيال: 457 

الوحدة الوطنية: 2227-226» 498 


وزارة الأشغال العمومية المغربية: 
2134 


وزارة الحرب الإيطالية 

- لجنة أسرى الحرب: 318 
وزارة الداخلية التونسية: 289 
وزارة الدفاع التونسية: 289 
وزارة المجاهدين الجزائرية: 253 
الوزاني» محمد حسن: 134 
وعد بلفور (1917): 417» 517 


الوعى الجمعى الفلسطينى: 7ج) 
2ظ4 

الوعى السياسى فى مصر: 82 

الوعي النسوي المصري: 26 

وكالة غوث وتشغيل اللاجئين 
الفلسطينيين (الأونروا): 530 

الولايات المتحذدة: 362» 62366 
7 520651739907 

ولاية تلمسان (الجزائر): 249. 
6260-8 6271:267. 273 


ولد النبيه» كريم: 250 
دي - 


يافا: 363» 2365 6411 413 508 


يحيى» عادل: 372» 376 
يحيى » عتاد: 477 


يحيى» عبد الله بن إبراهيم خالد: 
210 


اليماني» أحمد حسين (أبو ماهر): 573 
اليهود الأوروبيون: 417 

اليهود السفارديم: 417 

اليهود العراقيون في إسرائيل: 417 
اليهود العرب: 417 

يهود المغرب: 244 

يوسف. أبو سيف: 223 

يوسف. بلال: 145 

اليوسفء خالد حسين: 545 


يوئنس» جبر محمد: 2549 2552 
556 


يونس» خالدية: 556 
يونسء عبد قاسم: 550-549 


يونغ» روبير: 217 


هذا الكتاآب 


زدرس الجزء الثالك من ككتاب “التاريذ الشفوي" إشكالية التاريذ الشفوي وبناء الذاكرة 
في المجتمعات المتعددة, ومحاذير توظيف المصدر الشفوي في كتابة التاريذ الراهن. 
ل ا ل ل ل ا 
من المصادر المتعددة للتأريخ؟ ولهذه الغاية شددت فصول هذا الكتاب' على أهمية 
الرواية الشفوية في توثيق تهجير الذ 00 في سنة 1948: وعلى ضرورة تسجيل 


ا 2 1 وما وقع في 
قضاء طولكرم. فضلا عن مجزرة قرية الصفصاف وأحوال النآاس في قرية بيت نتيف قبل 
النكبة. وعلاوة على ذلك ركز الكتاب على الثورات العربية. قديمها وحديثها. وعرض 
لشهادات نسوة شاركن في هذه الثورات ابتداء من المقاومة في المغرب إبان معارك 
الاستقلال. حتى ميدان التحرير في القاهرة في أثناء ثورة 25 يناير 2011. وتنقلت فصول 
هذا الكتاب بين لبنان والمغرب ومصر والجزائر وتونس وليبيا وفلسطين, وسجلت روايات 
ا ا ا 0000 





المؤلفون المساهمون 


بيآن نويهض الحوت 
در تن ١‏ حت شد 
حسن حسين عياش 
سين الياس 
روزنماري صايغ 
اكرة :لوبتت 
ستكاررق كتشتك 


السعر: 20 دولارآ 


|| -614-445 | لا58ا 






































طوني جوورح عطا الله 
ا كي 
عيحد الرجيمع غائم 
عزالدين جسوس 
عم رز تدماتتننييُ 


ماس#شبتهم الفيتختتا دك 
مخمححدة: معدي 
محمد سمير الخطيب 
مح هى الدن كت 
مكتعود ز(لتتان 
ياسر أحمد قدورة 





المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات 
5ع لدت 5 ]5ع لاععمدعوع 8 عم) عع ناديع موعم